*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿وَإِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنَا ائتِ بِقُرآنٍ غَيرِ هذا أَو بَدِّلهُ قُل ما يَكونُ لي أَن أُبَدِّلَهُ مِن تِلقاءِ نَفسي إِن أَتَّبِعُ إِلّا ما يوحى إِلَيَّ إِنّي أَخافُ إِن عَصَيتُ رَبّي عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ﴾ [يونس: 15].
*قوله {وَإِذا}:* واذكر إذا.
*قوله {تُتلى}:* أي تقرأ.
قاله السمرقندي في بحر العوم، والقرطبي في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والخطيب الشربيني في السراج المنير، وغيرهم.
إلا أن مكي قال: "أي وإذا تقرأ على هؤلاء الكفار آيات القرآن...".
قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وإذا قرئ على هؤلاء المشركين آيات كتاب الله الذي أنـزلنَاه إليك ، يا محمد.
قال أبو حيان في البحر المحيط: ومعنى التلاوة: القراءة شيئا بعد شيء.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {تُتلى}: أي تقرأ. والتلاوة: القراءة.
ومنه قوله تعالى (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ): قال الواحدي في الوجيز: ماقرأت عليكم القرآن.
ومنه (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ): قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: والتلاوةُ: القراءة، وسُمّي بذلك لأن القارئ يتلو الحروف المنتظمة في الكلام، أي: يَتْبعُهَا.
ومنه (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ): قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: التلاوة القراءة وأصل الكلمة من الاتباع فكأن التلاوة هي اتباع اللفظ اللفظ.
ومنه (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ): قال القرطبي في تفسيره: وقوله تعالى: (يتلوا عليهم) " يتلوا" في موضع نصب نعت لرسول، ومعناه يقرأ. والتلاوة القراءة.
ومنه (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ): قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و «اتل» معناه تابع بقراءتك بين آياته واسرده وتلاوةالقرآنسبب الاهتداء إلى خير كثير.
ومنه (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وأتل جواب تعالوا، والتلاوة القراءة، والسرد وحكاية اللفظ.
قال الراغب الاصفهاني في المفردات في غريب القران: والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة، تارة بالقراءة، وتارة بالارتسام لما فيها من أمر ونهي، وترغيب وترهيب. أو ما يتوهم فيه ذلك، وهو أخصّ من القراءة، فكل تلاوة قراءة، وليس كل قراءة تلاوة، لا يقال: تلوت رقعتك، وإنما يقال في القرآن في شيء إذا قرأته وجب عليك اتباعه.
*قوله {عَلَيهِم}:* كفار قريش.
*قوله {آياتُنا}:* يعني آيات القرآن.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمراد «بالآيات» : القرآن.
قلت (عبدالرحيم): وتأتي "الآيات" في التنزيل على عدة معان:
منها: آيات القرآن؛ وهي كلام الله غير مخلوق؛ منه بدأ وإليه يعود. ومنه قوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ).
ومنها: آيات الحج والبراهين؛ وهي ما يخلقه الله على الكيفية التي تدل على عليه - تبارك وتعالى -، وعلى صدق الرسل. ومنه قوله تعالى (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ).
*قوله {بَيِّناتٍ}:* أي واضحات.
قاله الطبري في تفسيره، والقرطبي في تفسيره.
زاد الطبري: على الحق دالاتٍ.
وزاد القرطبي: لا لبس فيها ولا إشكال.
قال الطاهر بن عاشور نقيب والتنوير: ووصف الآيات ب{ بينات }لزيادة التعجيب من طلبهم تبديلها لا بطلب تبديله إذ لا طمع في خير منه.
*قوله {قالَ الَّذينَ لا يَرجونَ}:* لا يرجون: أي لا يخافون.
والرجاء هنا: بمعنى الخوف. ونظيرتها قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ): قال عبدالله بن حسنون السامري في اللغات: يعيني لا يخافون بلغة هذيل. انتهى
وقد سبق ذكر نظائرها - بحمد الله -.
*قوله {لِقاءَنَا}:* يريد البعث.
*قوله {ائتِ}:* من عند نفسك.
*قوله {بِقُرآنٍ غَيرِ هذا}:* الذي يأمر بالتوحيد، وينهى عن الشرك.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي إيت بقرآن ليس فيه ذكر البعت والنشور وليس فيه عيب آلهتنا.
قال النسفي في مدارك التنزيل: لما غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد لأهل الطغيان {ائت بقرآن غَيْرِ هذا} ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك
*قوله {أَو بَدِّلهُ}:*يقول: أو غيِّره.
قاله الطبري في تفسيره.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير: والتبديل : التغيير.
*قوله {قُل}:*لهم ، يا محمد.
قاله الطبري في تفسيره.
*قوله {ما}:* نافية.
قاله الدعاس فظ إعراب القرآن.
*قوله {يَكونُ لي}:* أي ما يحل لي، وما يحق، وما يصح، وما ينبغي، وما يجوز لي.
ونظيرتها قوله تعالى {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}: قال الطبري في تفسيره: ما يحلّ لنا أن نتكلم بهذا، وما ينبغي لنا أن نتفوّه به.
قال ابن كثير في تفسيره: أي : ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي} ما يحل لي.
وقال السمرقندي في البحر: قل: ما يجوز لي.
*قوله {أَن أُبَدِّلَهُ}:* أغيره، ولا أقدر أن آتي بقرآن غيره؛ فلو اجتمع الإنس و الجن وكان بعضهم لبعض معينا لا يأتون بمثله، كما في قوله تعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
*قوله {مِن تِلقاءِ نَفسي}:* من عندي نفسي؛ لأنه من عند الله وحده.
وليس لي أن أزيد فيما أوحي إلي أو أنقص؛ ولو فعلته لقطع مني الوتين ولن يحجز أحد منكم عني العذاب إذا نزل بي؛ وقد توعد الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بقوله (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ): وهذا من اعظم الأدلة والبراهين ان هذا القران غير مفترى؛ لما في الآية من بيان سلطان الخالق المهيمن على المخلوق المبلغ عن الله العظيم؛ فالرب رب والعبد عبد؛ مهما كانت منزلته عند ربه.
انتهى
قال السمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: (أن أبدله من تلقاء نفسي) من قبل نفسي.
قال الزجاج في معاني القرآن: تأويله: إن الذي أتيت به من عند الله لا من عندي فأبدله.
قال الطبري في تفسيره: والتبديل الذي سألوه ، فيما ذكر، أن يحوّل آية الوعيد آية وعد ، وآية الوعد وعيدًا والحرامَ حلالا والحلال حرامًا، فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه ، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وهو جواب عن صريح اقتراحهم.
قلت (عبدالرحيم): وينبغي على المسلم إذا طلب منه أن يغير شيئا من دينه، أو يعطي الدنية فيه أن يصرح بجوابه، ولا يقع في الجبن الذي يضيع به دينه.
*قوله {إِن أَتَّبِعُ}:* أي ما أتبع.
ونظيرتها قوله تعالى (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ): قال السمرقندي في بحر العلوم: (إِنْأَتَّبِعُ)يعني:ماأتبع.
*قوله {إِلّا ما يوحى إِلَيَّ}:* أي ما أتبع إلا ما يوحى إلي فيما آمركم به وأنهاكم عنه.
قاله البغوي في تفسيره.
قال السمرقندي في البحر: يعني: لا أعمل إلا ما أومر به وأنزل علي من القرآن.
*قوله {إِنّي أَخافُ إِن عَصَيتُ رَبّي}:* في عدم تبليغ القرآن كما أنزل.
قال النسفي في المدارك: بالتبدليل من عند نفسي.
*قوله {عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ}:*أي هوله عظيم؛ يعني ساعة القيامة؛ فهي شيء عظيم؛ كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).
قال ابن كثير في تفسيره: ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم )، وهو يوم القيامة . وهذا شرط ، ومعناه التعريض بغيره بطريق الأولى والأحرى.
قال الطبري في تفسيره: ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ، يقول: إني أخشى من الله إن خالفت أمره ، وغيَّرت أحكام كتابه ، وبدّلت وَحيه، فعصيته بذلك، عذابَ يوم عظيمٍ هَوْلُه، وذلك: يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتَضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424
*قوله {قُل}:* لهؤلاء الذين قالوا لك {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}.
*قوله {لَو شاءَ اللَّهُ}:* فيه صفة المشيئة - لله جل ذكره -. فهو - تعالى ذكره - ينزل من الوحي ما يشاء؛ كما قال (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ).
قال النسفي في مدارك التنزيل: يعني أن تلاوته ليست إلا بمشيئة.
*قوله {ما تَلَوتُهُ}:* قرأته. والتلاوة: القراءة. وقد سبق ذكر نظائرها.
قال القرطبي في تفسيره: أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: تقديره لو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ما تلوتُه .
*قوله {عَلَيكُم}:* أيها الطالبون مني أن أغير ما أوحي إلي من القرآن.
قال البغوي في تفسيره: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم) يعني : لو شاء الله ما أنزل القرآن علي .
*قوله {وَلا أَدراكُم}:* ولا أعلمكم به.
قاله الطبري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره.
إلا أن البغوي قال: (ولا أدراكم به) أي: ولا أعلمكم الله .
وقال السمعاني في تفسيره: أي ولا أعلمكم الله به.
قال الواحدي في الوسيط: والمعنى: لو شاء الله ألا ينزل القرآن ما أعلمكم به ولا أمرني بتلاوته عليكم.
قال ابن عطية في التحرير والتنوير: و"أَدْراكُمْ" بمعنى أعلمكم يقال دريت بالأمر وأدريت غيري.
ومنه (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا): اىأقمتم ومكثتم فى الدنيا أو فى القبرإلاعشراعشر ليال أو عشر ساعات.
قاله حقي الخلوتي في روح البيان.
ومنه (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ): أيكمأقمتمفيها أحياء عدد سنين.
قاله الألوسي في روح المعاني.
ومنه (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا): يعني لو فعلوا لعجلنا إهلاكهم فلم يقيموا بعدك في الأرض إلا قليلا؛ لأن بقاءه أمان لهم من الهلاك.
قال الثعلبي في الكشف والبيان: ولو أخرجوه من أرض العرب لم يميلوا أنيقيموافيها على كفرهم بل أهلكوا بالعذاب.
ومنه (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا): (ولبثوا) أيأقاموا.
قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.
قال الطبري في تفسيره: يقول: فقد مكثت فيكم أربعين سنة.
قال السعدي في تفسيره: طويلا .
قال السمعاني في تفسيره: وقدر العمر الذي لبث فيهم من قبله: هو أربعون سنة باتفاق أهل العلم.
*قوله {مِن قَبلِهِ}:* من قبل أن أتلو عليكم القرآن، ومن قبل أن يوحى إلي.
قال القرطبي في تفسيره: من قبله أي من قبل القرآن ، تعرفونني بالصدق والأمانة ، لا أقرأ ولا أكتب ، ثم جئتكم بالمعجزات .
قال البغوي في تفسيره: (من قبله) من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء.
قال ابن أبي زمينين في تفسيره: من قبل القرآن لا أدعي هذه النبوة.
*قوله {أَفَلا تَعقِلون}:* أن هذا القرآن ليس من عندي، ولم تخطه يميني؛ فأنتم تعلمون أني لا أقرأ ولا أكتب، وتعرفون حسبي ونسبي، وصدقي، ولم تأثروا علي كذب، ولم تتهمونني في خيانة؛ فكيف أدع الكذب عليكم، ثم أكذب على ربي؟!.
وقد ذكّرَ الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحقيقة، كما قال تعالى ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)، ونحوه (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).
قال القرطبي في تفسيره: {أَفَلا تَعقِلون} أن هذا لا يكون إلا من عند الله لا من قبلي.
قال السيوطي في الجلالين: {أفلا تعقلون} أنه ليس من قبلي.
قال السمرقندي في بحر العلوم: أفلا تعقلون أني لم أتقوله من تلقاء نفسي، ولكنه هو القرآن الذي أوحى الله من عنده، لأنه لو كان من تلقاء نفسي لسمعتم مني قبل هذا شيئا منه.
قال الطبري في تفسيره: (أفلا تعقلون) ، أني لو كنت منتحلا ما ليس لي من القول، كنت قد انتحلته في أيّام شبابي وحَداثتي ، وقبل الوقت الذي تلوته عليكم؟ فقد كان لي اليوم ، لو لم يوح إليّ وأومر بتلاوته عليكم ، مندوحةٌ عن معاداتكم ، ومتّسَعٌ، في الحال التي كنت بها منكم قبل أن يوحى إلي وأومر بتلاوته عليكم.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفلِحُ المُجرِمونَ﴾ [يونس: 17].
*قوله {فَمَن}:* أي لا أحد.
قاله الجلال السيوطي في الجلالين.
*قوله {أَظلَمُ}:* أكفر.
قاله البغوي في تفسيره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي ظلم أشنع من الكذبعلىالله.
*قوله {مِمَّنِ}:* من الذي.
*قوله {افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}:* افتَرى: اختلق.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.
قال القرطبي في تفسيره: أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله(فمنأظلم)استفهام وتقرير أي لا أحدأظلمممنافترىعلىاللهكذبا.
قال سراج الدين النعماني في اللباب: والمعنى: أن هذا القرآن لو لم يكن من عندالله، لما كان أحد في الدنياأظلمعلىنفسه مني، حيثافتريتهعلىالله، ولما أقمت الدليلعلىأنه ليس الأمر كذلك، بل هو وحي منالله- تعالى -، وجب أن يقال: إنه ليس في الدنيا أحد أجهل، ولاأظلمعلىنفسه منكم.
والمقصود: نفي الكذبعن نفسه.
قال البغوي في تفسيره: (أو كذب بآياته) بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن.
قال القرطبي في تفسيره: وكذلك لا أحد أظلم منكم إذا أنكرتم القرآن وافتريتم على الله الكذب، وقلتم ليس هذا كلامه.
قال أبو السعود في تفسيره: {أوكذببآياته} فكفر بها وهذا تظليم للمشركين بتكذيبهم للقرآن وحملهمعلىأنه من جهته صلىاللهعليه وسلم.
*قوله {إِنَّهُ}:* أي الشأن.
قاله السيوطي في الجلالين.
*قوله {لا يُفلِحُ}:* يُفلِحُ: معناه: يظفر، وينجح، ويفوز، وينجو، ويسعد. وكذلك: لا يبقى. ومنه: افلح بما شئت: أي ابق بما شئت. (1).
قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: والفلاح:النجاة.
قالالرازي في مختار الصحاح: (الفلاح) الفوز والبقاء والنجاة. وهو اسم. والمصدر (الإفلاح) . وقول الرجل لامرأته: (استفلحي) بأمرك أي فوزي به. وقول الشاعر:
ولكن ليس للدنيا فلاح.
وفي لسان العرب لابن منظور: وفي حديث الأذان: حي علىالفلاح؛ يعني هلم على بقاء الخير... قال ابن الأثير: وهو من أفلح، كالنجاح من أنجح، أي هلموا إلى سبب البقاء في الجنة والفوز بها، وهو الصلاة في الجماعة.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: الفلاح هو: البقاء والظفر أيضا.
قال ابن ويفلح معناه يظفر ببغيته.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى): قال القرطبي في تفسيره: أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض.
قال الطبري في تفسيره: ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: أي لا يَنجحُ الساحر حيث كان ، لأن صنعته تنكشف بالتأمل وثبات النفس في عدم التأثّر به.
ومنه (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ): لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُون: لا يسعدون.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.
ومنه (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى): وَقَدْ أَفْلَحَ: أي قد ظفر.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.
وقال الجلال المحلي في الجلالين: أفلح: فاز. انتهى.
ومنه (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ): الْمُفْلِحِينَ: الناجين بوعد الله.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.
*قوله {المُجرِمون}:* المشركون.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وغيره.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: و " المجرمون ": الذين اجترموا من الكفر، أي: اكتسبوه.
قلت (عبدالرحيم): معنى قوله تعالى (إنه لا يفلح المجرمون): يعني المشركين، والكافرين. لأن الشرك، والكفر أعظم الجُرم.
ومنه قوله تعالى (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا): مُجْرِمًا: مشركا.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، ويحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره.
ومنه (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ):كلام موجه إلىالمشركينوهم المقصود بالمجرمين.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.
ومنه (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ): ولا يكذب بجهنم إلا كافر.
ومنه (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ): مشركين.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.
ومنه (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ): مشركين.
قاله البغوي في تفسيره، وسراج الدين النعماني في اللباب.
ومنه (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ): يعني: لا يسألالكافرونعن ذنوبهم، لأن كل كافر يعرف بسيماه.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
ومنه (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ): الكافرينالذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه يعني مثل هذا السلكسلكناهفيقلوبهم.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.
انتهى
فمعنى قوله تعالى(إنه لا يفلح المجرمون) لا ينجو المشركون.
قال السيوطي في الجلالين: {لا يفلح} يسعد.
قال الطبري في تفسيره:(إنه لا يفلح المجرمون)، يقول: إنه لا ينجح الذين اجترموا الكفر في الدنيا يوم القيامة، إذا لقوا ربّهم، ولا ينالون الفلاح.
..............................
(1): أنظر: غريب القرآن لابن قتيبة؛ قوله تعالى {وأولئك هم المفلحون} البقرة 5.
.............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424
*قوله {يَعْبُدُونَ}:* أي ومع كون هؤلاء المشركين يفترون على الله الكذب، يعبدون غيره.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويجوز أن تكون جملة : {ويعبدون} الخ عطفاً على جملة : {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً} [ يونس : 17 ] فإن عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الافتراء .
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الضمير في يَعْبُدُونَ عائد على الكفار من قريش الذين تقدّمت محاورتهم.
*قوله {مِنْ دُونِ اللَّهِ}:* من غير الله.
و"دُون" : بمعنى غير. ومنه قوله تعالى (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ): أي لا يظهره الساعة غيره - جل ذكره -.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و(من دون الله): أي غير الله.
ومنه (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى (من دون الله) غير الله. فمن للتوكيد، و(دون) اسم للمغاير، فهو مرادف لسوى.
*قوله {مَا لَا يَضُرُّهُمْ}:* إن تركوا عبادتها.
يعني إن تركوا عبادة هذه الأصنام لا تضرهم؛ فكيف يعبدونها؟!.
قال البغوي في تفسيره: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم) إن عصوه وتركوا عبادته.
*قوله {وَلَا يَنْفَعُهُمْ}:* إن عبدوها.
يعني: وكيف يعبدونها وهي لا تملك لهم نفعا إن أقبلوا على عبادتها، ولا ضرا إن اعرضوا عنها؛ فالواجب إذا عبادة من يملك الضر والنفع؛ وهو الله - جل ذكره -. فلا أحد يملك الضر والنفع سواه؛ قال الله (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
وقد عاب الله على بني إسرائيل لما عبدوا عجلا لا يملك لهم ضرا ولا نفعا؛ كما في قوله (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا).
قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: المعنى: ما لا يضرهم إن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إن عبدوه.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) يريد الأصنام.
قال السعدي في تفسيره: {مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} أي: لا تملك لهم مثقال ذرة من النفع ولا تدفع عنهم شيئا.
*قوله {وَيَقُولُونَ}:* يعني المشركين.
قال السعدي في تفسيره: {وَيَقُولُونَ}: قولا خاليا من البرهان.
*قوله {هَؤُلَاءِ}:* أي الأصنام.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.
*قوله {شُفَعَاؤُنَا}:* جمع: شفيع. والشافع الطالب: لغيره؛ فكيف يشفعون لهم، وهي عاجزة عن الشفاعة لنفسها؟!
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: الشافع: الطالب لغيره.
إلا أن الحميري قال: الشفيع: طالب الشفاعة لغيره. قال الله تعالى (ولا شفيع يطاع).
*قوله {عِنْدَ اللَّهِ}:* افتراء، وكذبا على الله؛ لأنها حجارة.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} فإن قال قائل: كيف قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله وهم لا يؤمنون بالبعث؟
الجواب: أنهم كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله في مصالح معايشنا في الدنيا.
والنبأ: معناه الخبر. ومنه قوله تعالى (قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ): قال الطبري في تفسيره: يقول: أخبر الملائكةَ.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والاستفهامُ في {أتنبئون} للإنكار والتوبيخ .
انتهى
فمعنى قوله تعالى (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله) أي أتخبرون الله؟.
قاله السمعاني في تفسيره.
*قوله {بِمَا لَا يَعْلَمُ}:* من الآلهة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (بِمَا لَا يَعْلَمُ)، وهو أن له شريكًا وأن هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العالم بكل شيء لم يكن له ثبوت بوجه.
*قوله {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}:* المعنى: أن الله لا يعلم أن له شريك في السماوات والأرض؛ فأين هذا الشريك أخبروني عنه؟!. لأن من ليس موجودا في السماوات والأرض فهو عدم.
قال القرطبي في تفسيره: أي أتخبرون الله أن له شريكا في ملكه أو شفيعا بغير إذنه ، والله لا يعلم لنفسه شريكا في السماوات ولا في الأرض؛ لأنه لا شريك له فلذلك لا يعلمه.
*قوله {سُبْحَانَهُ}:* تنزه.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: تنزيها له.
*قوله {وَتَعَالَى}:* وارتفع.
ومنه قوله تعالى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}: قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وأنه تعالى} ارتفع.
ومنه {خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى}: ارتفع.
قاله سراج الدين النعماني في اللباب، ومجير الدين العليمي في تفسيره.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى: تعالى ارتفع، وهو تفاعل من العلو. والتفاعل فيه للمبالغة في الاتصاف.
انتهى
فمعنى قوله {وَتَعَالَى}: يعني: ارتفع عما يشركون من الآلهة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
*قوله {عَمَّا يُشْرِكُونَ}:* مع الله غيره.
قال القرطبي في تفسيره: ثم نزه نفسه وقدسها عن الشرك فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون أي هو أعظم من أن يكون له شريك.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424
*قوله {وَما كانَ النّاسُ إِلّا أُمَّةً واحِدَةً}:* على الإسلام.
قاله البغوي في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره،ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن الرحمن في تفسير القرآن.
إلا أن العليمي قال: على دين الإسلام.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي متفقين في الدين.
قال السعدي في تفسيره: أي: متفقين على الدين الصحيح.
قال القاسمي في محاسن التأويل: أي حنفاء متفقين على ملة واحدة، وهي فطرة الإسلام والتوحيد التي فطر عليها كل أحد.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمراد هنا أمة واحدة في الدين . والسياق يدل على أن المراد أنها واحدة في الدين الحق وهو التوحيد لأن الحق هو الذي يمكن اتفاق البشر عليه لأنه ناشيء عن سلامة الاعتقاد من الضلال والتحْريف.
قال ابن كثير في تفسيره: أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس ، كائن بعد أن لم يكن ، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد ، وهو الإسلام.
*قوله {فَاختَلَفوا}:*فتفرقوا إلى مؤمنين وكافرين. كما قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ).
وفي هذا دليل على أن الاسلام دين الفطرة التي تجمع الناس جميعا، وأن ما سواه يفرق. انتهى
فمعنى قوله تعالى {فَاختَلَفوا}: تفرقوا إلى مؤمن وكافر.
قاله البغوي في تفسيره.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {فاختلفوا} فصاروا مللاً.
*قوله {وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ}:* بتأخير الجزاء، والفصل بينهم إلى يوم القيامة؛ بإمهال المخالفين للرسل، بأن جعل لكل أمة أجلا.
كما قال تعالى ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى (لكل أمة أجل) لكل أمة مكذبة إمهال.
قال الواحدي في الوجيز: {ولولا كلمة سبقت من ربك} بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة.
قال السمرقندي في بحر العلوم: أي لو أن الله جعل لهم أجلا للقضاء بينهم في اللوح المحفوظ بأن لا يعجل عقوبة العاصين ويتركهم لكي يتوبوا، لقضي بينهم في وقت اختلافهم.
قال القاسمي في محاسن التأويل: أي بتأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة.
*قوله {لَقُضِيَ}:* لفُصل بينهم في عاجل الدنيا قبل الآخرة، فأهلك الكافرين، وأسعد المؤمنين؛ ولكن الله أخرهم لحكمة بالغة .
قال البغوي في تفسيره: بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين ، وكان ذلك فصلا بينهم.
قال النسفي في مدارك التنزيل، والإيجي الشافعي في جامع البيان، ومجير الدين العليمي في تفسيره: {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} عاجلاً.
*قوله {بَينَهُم}:* في الدنيا بين المؤمنين والكافرين.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {لقضي بينهم}: بأن يهلك أهل الباطل منهم، وينجي أهل الحق ".
قال السيوطي في الجلالين: {لقضي بينهم} أيالناسفي الدنيا.
*قوله {فيما}:* في الذي.
*قوله {فيهِ}:* في ربهم، والبعث والجزاء؛ فهذا محل خلاف الناس في الدنيا.
*قوله {يَختَلِفون}:* يوم القيامة.
وقال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ): قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد هو يبين جميع خلقه يوم القيامة فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون من أمور الدين والبعث والثواب والعقاب، وغير ذلك من أسباب دينهم، فيفرق بينهم بقضاء فاصل بإيجابه لأهل الحقّ الجنة، ولأهل الباطل النار.
وإنما حملهم على ذلك الظلم والجحود (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
قال القاسمي في محاسن التأويل: وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر، بديعة غريبة في الآيات.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {ويقولون لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رَّبّهِ} أي آية من الآيات التي اقترحوها.
قال القرطبي في تفسيره: أي معجزة غير هذه المعجزة، فيجعل لنا الجبال ذهبا ويكون له بيت من زخرف، ويحيي لنا من مات من آبائنا.
قال الشوكاني في فتح القدير: كأنهم لم يعتدوا بما قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات الباهرة، والمعجزات القاهرة التي لو لم يكن منها إلا القرآن لكفى به دليلا بينا، ومصدقا قاطعا.
*قوله {فَقُلْ}:*يا محمد.
قاله الطبري في تفسيره.
*قوله {إِنَّمَا الْغَيْبُ}:* الغيب: ما غاب عن حواس الناس من الأشياء، والمراد به هنا ما يتكون من مخلوقات غير معتادة في العالم الدنيوي من المعجزات. وتفسير هذا قوله: { قل إنما الآيات عند الله } [ الأنعام : 109 ].
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والنوير.
*قوله {لِلَّهِ}:* وحده؛ لا إلى غيره.
فلا يأتيكم بالآيات إلا من يملكها - سبحانه -، ولست أملك الإتيان بها؛ وكأنه يقول {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين}.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: واللام للملك، أي الأمور المغيبة لا يقدر عليها إلا الله.
قال السمعاني في تفسيره: {فقل إنما الغيب لله} يعني: علم الغيب لله، إن شاء أتى بالآية التي تسألونها وإن شاء لم يأت.
قال القاسمي في محاسن التأويل: يعني أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو.
*قوله {فَانْتَظِرُوا}:* تهديد.
كقوله (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ): قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وابن عطية في المحرر الوجيز: :(وارتقبوا):تهديد.
*قوله {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}:* فانتظروا أيها القوم ، قضاءَ الله بيننا ، بتعجيل عقوبته للمبطل منا ، وإظهاره المحقَّ عليه، إني معكم ممن ينتظر ذلك. ففعل ذلك جل ثناؤه فقضى بينهم وبينه بأن قتلهم يوم بدرٍ بالسيف.
قاله الطبري في تفسيره.
قال مجير الدين العليم في فتح الرحمن: {إني معكم من المنتظرين} لما يفعل الله بكم.
قال القاسمي في محاسن التأويل: فانتظروا إني معكم من المنتظرين أي فما يقضيه الله تعالى في عاقبة تعنتكم، فإن العاقبة للمتقين.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424
[8/6 5:51 ص] عبدالرحيم آل حمودة.: قوله تعالى
﴿إِذا أُلقوا فيها سَمِعوا لَها شَهيقًا وَهِيَ تَفورُ﴾ [الملك: 7].
*قوله {شَهيقًا}:* صوتا مخيفا منكرا.
قالته كاملة الكواري في تفسير غريب القرآن.
*قوله {تَفور}:* تغلي.
قاله الطبري في تفسيره، والكفوي في الكليات.
*المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):*
"إذا طُرحوا في النار سمعوا صوتًا قبيحًا شديدًا، وهي تغلي مثل غليان المِرْجَل".
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
[8/6 5:52 ص] عبدالرحيم آل حمودة.: قوله تعالى
﴿إِذا أُلقوا فيها سَمِعوا لَها شَهيقًا وَهِيَ تَفورُ﴾ [الملك: 7].
*قوله {شَهيقًا}:* صوتا مخيفا منكرا.
قالته كاملة الكواري في تفسير غريب القرآن.
*قوله {تَفور}:* تغلي.
قاله الطبري في تفسيره، والكفوي في الكليات.
المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):
"إذا طُرحوا في النار سمعوا صوتًا قبيحًا شديدًا، وهي تغلي مثل غليان المِرْجَل".
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قوله تعالى
﴿تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيظِ كُلَّما أُلقِيَ فيها فَوجٌ سَأَلَهُم خَزَنَتُها أَلَم يَأتِكُم نَذيرٌ﴾ [الملك: 8].
*قوله {تَكادُ}:* تقرب. و"كاد" من أفعال المقاربة.
ومنه قوله تعالى (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ): قال السمعاني في تفسيره: وتكادأي:تقرب
*قوله {تَمَيَّزُ}:* أي تمزق. يعني: تتقطع، وتتشق.
وأصل"تميز": تتميز. أدغمت إحدى التاءين في الأخرى للتخفيف؛ كما في قوله (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): لِتَعَارَفُوا: أي لتتعارفوا.
قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: والأصل: لتتعارفوا، فحذف إحدى التاءين.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: وتميز من الغيظ: تقطع.
مجد الدين أبو السعادات في النهاية: يقالقدانشقفلانمن الغضبوالغيظ، كأنه امتلأ باطنه منه حتىانشق. ومنه قوله تعالى تكاد تميز من الغيظ.
انتهى
فمعنى قوله تعالى (تَمَيَّزُ): تمزق. بلغة قريش.
قاله أبو عبيد القاسم بن سلام في لغات القبائل الواردة في القرآن، وحكاه عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي تنشق غيظا على الكفار.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قوله تعالى
{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} الملك (17).
*قوله {حَاصِبًا}:* حجارة.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والنحاس في معاني القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الغريب في تفسير الغريب، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم.
إلا أن ابن قتيبة قال: يعني: الحجارة.
وقال النحاس: وهي الحجارة.
قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ): حَاصِبًا: حجارة.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والنحاس في إعراب القرآن.
زاد أبو عبيدة: والحاصب أيضا يكون من الجليد قال الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب كنديف القطن منثور.
على عمائمنا يلقى وأرحلنا ... على زواحف تزجى مخّهارير.
وزاد النحاس: تحصبهم.
وزاد السمرقندي: من فوقهم إلا آل لوط نجيناهم بسحر يعني: وقت السحر.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قوله تعالى
﴿فَاعتَرَفوا بِذَنبِهِم فَسُحقًا لِأَصحابِ السَّعيرِ﴾ [الملك: 11].
*قوله {فَسُحقًا}:* أي فبعدا. والسحيق: البعيد.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين:والسحق:البعد. ولغة أهل الحجاز: بعد له وسحق، يجعلونه اسما، والنصب على الدعاء عليه، أي أبعده الله وأسحقه.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: السحق:البعد، يقال:بعداله وسحقا.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {فَسُحقًا}: أي بعدا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان تفسير غريب القرآن، والكفوي في الكليات، وغيرهم جمع.
إلا أن الكفوي قال: فبعدا.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فَسُحقًا}: أي بعدا. ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}: سَحِيقٍ: أي بعيد.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو السجستاني في غريب القرآن، وأبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة، والهروي في الغريبين في القرآن والحديث، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والسيوطي في معترك الأقران، وغيرهم جمع.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
*قوله {أَأَمِنتُم مَن فِي السَّماء}:* يعني نفسه - جل ذكره -. وهذا من أعظم الأدلة، وأبينها أن الله في السماء. والنصوص في هذا متواترة.
*قوله {يَخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ}:* يغيّبكم فيها.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: فالغرق تغييب تحت الماء، كما أن الخسف تغييب تحت التراب.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فإذا تدور بكم إلى الأرض السفلى.
*قوله {تَمورُ}:* تضطرب، أي يحركها عند الخسف حتى يلقيهم إلى أسفل، والأرض تعلو عليهم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.
قال القرطبي في تفسيره: أي تذهب وتجيء. والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء.
قال البغوي في تفسيره: والمعنى: أن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مار يمور، أي: جاء وذهب.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {تَمورُ}: تدور، وتضطرب، وتتحرك. ومنه قوله تعالى {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا}: قال الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن : تدور بما فيها.
زاد الفراء: وتسير الجبال عن وجه الأرض: فتستوي هي والأرض.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
*تفسير غريب القرآن* - *كتبه عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ:+966509006424*
قوله تعالى
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} الملك (21).
*قوله {لَجُّوا}:*تمادوا.
قال النحاس في إعراب القرآن: والأصل لججوا ثم أدغم.
قال الحربي في غريب الحديث: لج يلج لجاجا، وهو التمادي. قال الشماخ:
[البحر الطويل]
ألا لا تذكره على النأي إنه ... متى ما تذكره على النأي يلجج.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: اللَّجَاجُ: التّمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه، وقد لَجَّ في الأمر يَلجُّ لَجَاجاً.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: لجّ؛ تمادى معه في الخصومة.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}:
لَلَجُّوا: لتمادوا.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.
*قوله {فِي عُتُوٍّ}:* في شدة، وتجاوز في التكبر، والتجبر، والتمرد، والعناد.
ومنه قوله تعالى {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}: عَاتِيَةٍ: شديدة البرد، والهبوب؛ تجاوزت حد الهبوب.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي بريح شديدة البرد جدا.
قال الخضيري في السراج: {عاتية}: شديدة الهبوب.
انتهى
قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: العُتُوّ: التَّجبُّر والَّتكبُّر. وَقَدْ عَتَا يَعْتُو عُتُوّاً فَهُوَ عَاتٍ.
قال الكفوي في الكليات: {فِي عُتُوٍّ}: عناد.
قال بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان: والعتو: الخروج إلى فاحش الفساد.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا}: {عتت}: تكبرت.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.
ومنه {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ}: عتوا: تكبروا وتجبروا.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.
ومنه {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}: أي أشد هم كبرا، وكفرا، وفسادا.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: وكل مبالغ من كبر أو كفر أو فساد فقد عتا عتيا وعتوا، وعسا عسيا وعسوا.
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: عتا الشيء وعسا وصلب وجف، وهو النهاية في الكفر، وغيره.
قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: أي: ثم لنأخذن من كل جماعة أشدهم على الرحمن عتوا وتمردا. يعني الأكابر فالأكابر جرما. والجبار فالجبار.
ومنه {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}: (وعتوا عتوا كبيرا) يقول: وتجاوزوا في الاستكبار بقيلهم ذلك حده.
قاله الطبري في تفسيره.
*قوله {نُفُورٍ}:* يعني تباعدا من الإيمان.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: " أي في بعد عن الحق بسرعة ومبادرة، يقال: نفر عن الأمر نفورا... ".
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {نُفُورٍ}: شرود وتباعد عن الحق.
قال الطبري في تفسيره: وقوله: {بل لجوا في عتو ونفور}: يقول: بل تمادوا في طغيان ونفور عن الحق واستكبار.
قال السمعاني في تفسيره: والنفور: هو التباعد عن الحق.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {نُفُورٍ}: أي في إسراع، وهرب من الحق إلى غيره.
ومنه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}: أي اسرعوا إلى الغزو والجهاد إن طلب منكم ذلك.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: النَّفْرُ: الانْزِعَاجُ عن الشيءِ وإلى الشيء، كالفَزَعِ إلى الشيء وعن الشيء. يقال: نَفَرَ عن الشيء نُفُوراً.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
*تفسير غريب القرآن - كتبه عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الملك (22).
*قوله {مُكِبًّا}:* ساقطا، وواقعا، ومنحنيا، ومنقلبا على وجهه.
والمعنى: يمشي يوم القيامة منكس الهيئة؛ بخلاف هيئته السوية التي كان يمشي عليها الدنيا على قدميه، أما الآن فهو يمشي على وجهه؛ جزاءَ كفره.
ونحوه قوله تعالى {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}: يعني يجرون في النار على وجوههم.
وروى البخاري (4760)، ومسلم (2806)؛ من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».
قال الزبيدي في تاج العروس: وأَكَبَّ الرَّجُلُ، إِكباباً: إِذا نَكَّسَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيز: {أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ}.
قال ابن بطال الركبي في النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب: "المكب" هو: الواقع على وجهه، والمستلقى: الواقع على قفاه.
قال ابن منظور في لسان العرب: والفارسُ يَكُبُّ الوَحْشَ إِذا طَعَنَهَا فأَلقاها عَلَى وُجُوهِهَا.
وقال أيضا - في اللسان -: وَرَجُلٌ مُكِبٌّ ومِكْبابٌ: كَثِيرُ النَّظَر إِلى الأَرض.
قال ابن سيده في المحكم في المحيط الاعظم: وَرجل مكب، ومكباب: كثير النّظر إِلَى الأَرْض، وَفِي التَّنْزِيل: (أَفَمَن يمشي مكبا على وَجهه) .
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والإِكْبَابُ: جعل وجهه مَكْبُوباً على العمل.
قال الفيومي في المصباح المنير: كببت الإناء كبا من باب "قتل" قلبته على رأسه وكببت زيدا كبا أيضا ألقيته على وجهه فأكب.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أكبَّ على وجهه: سقَط، انقلب، انحنى " {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}: منقلبًا على وجهه مُتغيِّرًا في مِشْيَته، أو منكّس الرأس، لا يرى ما حوله".
انتهى
فمعنى قوله تعالى {مُكِبًّا}: ساقطا.
قاله نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل.
زاد نجم الدين: كببته على وجهه فأكبّ.
وزاد النسفي: على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفاً.
وقال الجلال المحلي في الجلالين، والخطيب الشربيني في السراج المنير: {مُكِبًّا}: واقعا.
قال الطبري في تفسيره: (مكبا على وجهه) لا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله.
قال الماوردي في النكت والعيون: هذا مثل ضربه اللَّه تعالى للهدى والضلالة, ومعناه ليس من يمشي مُكباً على وجهه ولا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله. كمن يمشي سوياً معتدلاً ناظراً ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {مُكباً} أطلق على غير السوي وهو المنحني المطاطىء يتوسم الآثار اللائحة من آثار السائرين لعله يعرف الطريق الموصلة إلى المقصود .
.............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قال البَندنيجي في التقفية في اللغة، والجرجاني في درج الدرر: والذرء: الخلق.
زاد البَندنيجي: والله هو الذاريء.
قال الأزدي في جمهرة اللغة: الذرء: مصدر ذرأ اللهالخلقيذرؤهم ذرءا، وقد يترك الهمز فيقال: الذرو. قال أبو بكر: ثلاثة أشياء تركت العرب الهمز فيها، وهي الذرية من ذرأ اللهالخلقوالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه من النبأ، مهموز، والبرية من برأ اللهالخلق، وقال قوم: الخابية من خبأت الشيء.
انتهى
فمعنى قوله تعالى (ذَرَأَكُم): خلقكم.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره، والطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغيرهم.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا): أي:مما خلقمن الحرث وهو الزرع. والأنعام الإبل والبقر والغنم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.
ومنه (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ): ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم: أي خلقنا لجهنم.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.
ومنه (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ): وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ: أي ماخلقلكم.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والأخفش الأوسط في معاني القرآن.
زاد الأخفش: وبث لكم.
ومنه (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ): يَذْرَؤُكُمْ فِيه: أي يخلقكم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.
زاد ابن قتيبة: في الرحم أو في الزوج.
*قوله {تُحشَرونَ}:* تجمعون. والحشر: الجمع.
قال ابن فارس في مجمل اللغة: الحشر:الجمعمع سوق، وكل جمع حشر.
والعرب تقول: حشرت السنة مال بني فلان كأنها جمعته وأتت عليه.
قال [رؤبة] :
وما نجا من حشرها المحشوش.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {وإليهتحشرون}: أيتجمعونيوم القيامة من قبوركم لموقف الحساب.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.
قال النسفي في مدارك التنزيل: تجمعونيوم القيامة بعد تفرقكم.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: وأخبرني المنذري، عن أبي الهيثم أنه قال: الجار والمجير والمعيذ واحد. ومن عاذ بالله، أي استجار به أجاره، ومن أجاره الله لم يوصل إليه، وهو يجير ولا يجار عليه أي يعيذ.
قال ابن بطال الركبي في النَّظْمُ المُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ: وهو الذى يجير، أى: يمنع من الظلم، يقال: استجاره من فلان فأجاره، وأجاره الله من العذاب، وفى القرآن: {يجير ولا يجار عليه} أي: يمنع ولا يمنع منه.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {يُجِيرُ}: أي: يمنع.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره،وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.
إلا أن أبا حيان قال: {يجير} أي يمنع من السوء من أرادة ولا يمنع عنه من أرادة بسوء.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: أي يمنعهم ويؤمنهم.
قال النسفي في مدارك التنزيل: ينجي.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: من ينجيهم ويغيثهم.
قال الكفوي في الكليات: يغيث.
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {يجير}: يحمي.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ}: قال السمرقندي في البحر:يعني: معين لكم.
قال الواحدي في الوجيز: أي: حافظٌ من قومي فلا غالب لكم اليوم من النَّاس.
وقال الخضيري في السراج: {جار لكم}: ناصركم، ومجيركم.
ومنه: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ}: قال السمرقندي في البحر، والبغوي في تفسيره: يعني: لن يمنعني من عذاب الله أحد إن عصيته.
قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي فيدفع عني ما يدفع الجار عن جاره.
قال القرطبي في تفسيره: أي لا يدفع عذابه عني أحد إن استحفظته، وهذا لأنهم قالوا اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك.
قال الخضيري في السراج: {يجيرني}: ينقذني.
ومنه {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}: قال الواحدي في الوجيز: {استجارك} طلب منك الأمان من القتل.
وقال البقاعي في النظم: {فأجره} أي فآمنه ودافع عنه من يقصده بسوء.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وأما استجارك فأجره ويجركم من عذاب أليم، ومن يجيرني من الله، وهو يجير ولا يجار عليه: فذلك كله من الجوار بمعنى التأمين.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
يعني: غائبا، ذاهبا في بعد، وعمق في الأرض؛ قد غار فيها فلا يستطاع الوصول إليه بحال؛ بيد أو دلو.
قال الأزدي في جمهرة اللغة: وغار النجم يغورغورا، إذا غاب. وغار الماء يغورغورا، إذا نضب.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الغور: المنهبط من الأرض.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {غَورًا}: غائرا.
قاله الأخفش الأوسط في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو حيان في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب، وغيرهم جمع.
زاد الطبري: لا تناله الدلاء.
وزاد الأخفش: ولكنه وصف بالمصدر، وتقول: "ليلةٌ غمٌ" تريد "غامَّة".
وقال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: {غَورًا}: أي غائبا.
المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿قُل أَرَأَيتُم إِن أَصبَحَ ماؤُكُم غَورًا فَمَن يَأتيكُم بِماءٍ مَعينٍ﴾ [الملك: 30]
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: أخبروني إن أصبح ماؤكم الذي تشربون منه غائرًا في الأرض لا تستطيعون الوصول إليه، من يأتيكم بماء كثيرٍ جارٍ؟! لا أحد غير الله.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قوله تعالى
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} القلم (1).
*قوله {ن}:* مثل قوله تعالى (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه): الحروف المقطعة في أوائل السور, الأسلم فيها، السكوت عن التعرض لمعناها[من غير مستند شرعي]، مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها.
*قوله {وَ}:* قسم.
*قوله {الْقَلَمِ}:* اسم جنس، أريد به جميع الأقلام. وهذا أجود من تخصيصه بقلم دون آخر. ونظيرتها قوله تعالى {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}: وَالْمَلَكُ: أي والملائكة. يعني يجيء الله لفصل القضاء مجيئا يليق به، وملائكته.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والملكاسمجنس: يريد جميعالملائكة.
انتهى
قال السعدي في تفسيره: "يقسم تعالى بالقلم، وهو اسمجنسشامل للأقلام، التي تكتب بها [أنواع] العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم، وذلك أن القلمومايسطرونبه من أنواع الكلام، من آيات الله العظيمة، التي تستحق أن يقسم الله بها، علىبراءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون... ".
*قوله {وَ}:* أقسم.
*قوله {مَا}:* بالذي. و" ما" بمعنى الذي. ونظيرتها قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا): وَمَا بَنَاهَا: أي والذي بناها.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره.
زاد ابن أبي زمنين: أقسم بالسماء وبنفسه.
ومنه {ونفسوماسواها}: وماسواها: يعني والذي سواها.
قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: يقول "والذيسواها" فاقسم الله تبارك وتعالى بنفسه وانه رب النفس التي سواها.
قال مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسيرالقرآن: {وما} أي:
والذي{خلقالذكروالأنثى} يعني: آدم وحواء.
*قوله {يَسْطُرُونَ}:*يكتبون، ويخطون.
والسطر: الخط، والكتابة. ومنه قوله تعالى (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ): مُسْتَطَرٌ: أي مكتوب.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {مستطر} أيمكتوب: "مفتعل" من "سطرت": إذا كتبت. وهو مثل "مسطور".
قال الفراء في معاني القرآن: يريد: كل صغير من الذنوب أو كبير فهومكتوب.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والسطر:الخطوالكتابة، وهو في الأصل مصدر.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: السطر:الكتابة.
ومنه (كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا): مَسْطُورًا: أي مكتوبا.
قال النحاس في معاني القرآن: مسطوراأي مكتوبافي نسق كالسطر. ويقال: سطر والجمع أسطار، ومن قال سطر قال: أسطر وسطور يصلح لهما جميعا إلا أنه بالمسكن أولى وأكثر.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {يَسْطُرُونَ}: يكتبون.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن،
قال الطبري في تفسيره: وقوله: {ومايسطرون}: يقول: والذييخطون ويكتبون.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وقوله: (ومايسطرون). معناه:وماتكتب الملائكة.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: قال لبيد:
غبس كواسب لا يمن طعامها
[أي: لا ينقص].
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والمن: قطع الخير، وقوله [جل وعز] : (لهم أجرغيرممنون) ، أي:غيرمقطوع. والمن: الإحسان الذي تمن على من لا يستثيبه.
قال ابن فارس في مجمل اللغة: من: المن، الإعياء، والمن: القطع، قال الله - عزوجل -: {فلهم أجرغيرممنون} ، أي:غيرمقطوع.
ويقال للمنية المنون؛ لأنها تنقص العدد وتقطع المدد.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {مَمنونٍ}: مقطوع.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، وغيرهم.
زاد أبو عبيدة: والحبل المقطوع ممنون.
وزاد غلام ثعلب: وغيرممنون، أي: لا يمن عليهم.
قال البغوي في تفسيره: (وإن لك لأجرا غير ممنون)أي: منقوص ولا مقطوع بصبرك على افترائهم عليك.
قال الطبري في تفسيره: وقوله:( وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ )يقول تعالى ذكره: وإن لك يا محمد لثوابا من الله عظيما على صبرك على أذى المشركين إياك غير منقوص ولا مقطوع، من قولهم: حبل منين، إذا كان ضعيفا، وقد ضعفت منَّته: إذا ضعفت قوّته.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
*قوله {المَفتونُ}:* أي المجنون.والفتنة في هذا الموضع بمعنى: الجنون.
قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: والفتنة الجنون، وكذلك الفتون.
قال الزجاج في معاني القرآن: معنى المفتون: الذي قد فتن بالجنون.
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القران: {بأييكم المفتون}: في أي الفريقين. الفتنة، والجنون؟.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {الْمَفْتُونُ}: المجنون.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والفراء في معاني القرآن، والطبري في تفسيره(1)، وأبو حيان الاندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم.
إلا أن الفراء قال: المفتون هاهنا بمعنى: الجنون.
وزاد أبو حيان: والباء زائدة.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {والمفتون}: اسم مفعول وهو الذي أصابته فتنة، فيجوز أن يراد بها هنا الجُنون فإن الجنون يعدّ في كلام العرب من قبيل الفتنة(يقولون للمجنون : فَتَنَتْهُ الجن)ويجوز أن يراد ما يصدق على المضطرب في أمره المفتون في عقله حيرة وتقلقلاً ، بإيثار هذا اللفظ ، دون لفظ المجنون من الكلام الموجَّه أو التورية ليصح فرضه للجانبين.
قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} يريد "أيُّكُمْ المَفْتُون".
..............................
(1): قال الطبري في تفسيره: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: بأيكم الجنون، ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر، لأن ذلك أظهر معاني الكلام، إذا لم ينو إسقاط الباء، وجعلنا لدخولها وجها مفهوما.
......................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قوله تعالى
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} القلم (9).
*قوله {تُدْهِنُ}:* تداهن، وتلين في دينك. وليس لك ذلك لأنك على الحق.
*قوله {فَيُدْهِنُونَ}:* فيداهنون، ويَلينون. لأنهم ليسوا على شيء المبين.
وفيه بيان حال، ومنزلة من يعبد الله بالتوحيد، ومن يعبد غيره بالإشراك؛ لأن أهل التوحيد (أشد حبا لله)، لايتركون، ولا يداهنون في إيمانهم؛ بخلاف أهل الكفر، فهم مع محبتهم لآلهتهم يداهنون، ويتنازلون؛ قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: المداهنة هي الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي.
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الإدهان، من المداهنة، وهي المصانعة. داهنت الرجل، إذا واربته وأظهرت له خلاف ما تضمر له.
قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: والإدهانُ: اللِّينُ والمُصانَعةُ. قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي: تَلينُ لهم فَيلينُونَ. والمُداهِنُ: المُصانِعُ المُواربُ، قال زهير:
وفي الحِلْمِ إدهانٌ وفي العَفْوِ دُرْبةٌ ... وفي الصِّدْقِ مَنْجاةٌ منَ الشَّرِ فاصْدُقِ.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ}: تلاين، وتصانع.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي تُدَاهن وتَلين لهم في دينك {فَيُدْهِنُونَ}: فيَلينون في أديانهم.
قال الجرجاني في درج الدرر: {ودوا لو تدهن فيدهنون:} أي: يحبون أن تكف عن ذكر آلهتهم وكفرهم، فيكفوا عنك.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: أي: ودوا لو تصانعهم في الدين فيصانعونك.
إلا أن ابن الجوزي قال: تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم.
قال الطبري في تفسيره: ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) وإنما هو مأخوذ من الدهن شبه التليين في القول بتليين الدهن.
المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿وَدّوا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنونَ﴾ [القلم: 9]
تمنّوا لو لاَيَنْتَهم ولاَطَفْتَهم على حساب الدين، فيلينون لك ويلاطفونك.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} القلم (10).
*قوله {حَلَّافٍ}:* كثير الحلف بالباطل.
و " حَلَّافٍ" صيغة مبالغة. ومثله قوله تعالى (وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ): خَتَّارٍ: كثير الختْر؛ أي الغدر. والختْر: أقبح الغدر.
ومثله (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن:(حمالة) ، مؤنث حمالصيغةمبالغةاسم الفاعل من الثلاثي حمل، وزنه فعالة.
قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: وأما "فعال" فنحو غفار ومنان وتواب ووهاب {فعال لما يريد} {علامالغيوب} ونحو: {لكل صبار شكور} ونحو: {نزاعة للشوى}. انتهى
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: ورجلحلافوحلافةكثيرالحلف.
قال السمرقندي في بحر العلوم: والحلاف: مكثار الحلف.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {حَلَّافٍ}: كثير الحلف.
قاله الواحدي في الوجيز، والجرجاني في درج الدرر، والبغوي في تفسيره، وغيرهم.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القران: والحَلِفُ أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد، ثمّ عبّر به عن كلّ يمين.
*قوله {مَهِينٍ}:* بمعنى: مهان. أي حقير، ذليل.
ومع كونه حقيرا، إلا أنه شديد الفجور، والاعتداء، قد عظُم إثمه. دل عليه ما بعده {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}: فهو في الدنيا " عتل "، عند الله مهين حقير؛ أهانه الله بكفره (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ).
قال الكفوي في الكليات: العتل: كل شديد عند العرب فهو عتل، أصله من (العتل) وهو الدفع بالعنف.
قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: الفظّ الغليظ الكافر.
قال الزبيدي في تاج العروس: والمَهِينُ الرّجُلُ الفاجِرُ، وَبِه فَسَّرَ الفرَّاءُ قوْلَه تَعَالَى: {كلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} .
قال الفراء في معاني القرآن: المهين: هاهنا: الفاجر.
قال ابن منظور في اللسان: مِنَ المَهانة الحَقَارة والصُّغْر.
انتهى
فمعني قوله تعالى {مَهِينٍ}: حقير.
قاله الواحدي في الوجيز، والجرجاني في درج الدرر، والنسفي في مدارك التنزيل، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم.
إلا أن النسفي قال: {مّهِينٍ} حقير في الرأي والتمييز من المهانة وهي القلة والحقارة أو كذاب لأنه حقير عند الناس.
وزاد الجرجاني: عند الله أو عند الناس.
وزاد السمعاني: ومعناه هاهنا: قلة الرأي والتمييز.
تنبيه:
قلت (عبدالرحيم): لا يذم المسلم إذا أكثر من الحلف بالله؛ لطالما كان صادقا؛ لكن ترك ذلك أحسن إلا عند الحاجة؛ لأنه لم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - كثرة الحلف، وإنما كان يحلف إذا دعت الحاجة.
هذا ولا ينبغي الإعراض مطلقا عن الحلف بالله بحجة أن الله ذم الحلّاف؛ فهذا ليس بصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كانوا يحلفون ولا ريب؛ فخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يحلف من غير أن يستحلف، وهو الصادق المصدوق.
ولو كان المقام مقام بسط لذكرت حكم الحلف بالتفصيل؛ لأن النصوص في هذا الباب كثيرة جدا؛ لكن اكتفي بهذه الإشارة - نفع الله بها -.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَميمٍ﴾ القلم: 11].
*قوله {هَمّازٍ}:* صيغة مبالغة. يعني: كثير الهمز.
والهماز: العيّاب، والطعان؛ الذي يعيب، ويطعن في الناس؛ في خلقتهم، وأخلاقهم؛ لا يكاد يسلم منه غائب، أو حاضر.
قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: {هماز} أي:كثيرالعيب للناس في غيبتهم.
قال النحاس في إعراب القرآن: هماز من همزه إذا عابه وأصل الهمز الغمز.
قال ابن الهائم في التبيان: الهمّاز: العيّاب.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: هَمّاز [مفرد]: صيغة مبالغة من همَزَ: هُمَزة؛ عيّاب طعّان في أعراض الناس " {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} ".
انتهى
فمعنى قوله تعالى {هَمّازٍ}: عياب.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، والكفوي في الكليات، والألوسي في روح المعاني، وأبو السعود في تفسيره، وغيرهم.
زاد الألوسي، وأبو السعود: طعان.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ): {لكلهمزة} أي الذييعيبالناسمن خلفهم {لمزة} أي من يعيهم مواجهة.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.
قال السعدي في تفسيره: فالهماز: الذييعيبالناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذيي عيبهم بقوله.
*قوله {مَشّاءٍ}:* مَشّاءٍ: صيغة مبالغة. يعني: كثير المشي.
قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والخطيب الشربيني في السراج المنير: {مَشّاءٍ}: كثير المشي.
*قوله {بِنَميم}:* بنميمة. يقال: نميم، ونميمة: بمعنى واحد.
قال الراغب في المفردات: " نم " النَّمُّ: إِظْهَارُ الحَدِيثِ بِالوِشَايَةِ، والنَّمِيمَةُ الوِشَايَةُ، ورَجُلٌ نَمَّامٌ.
انتهى
فمعني قوله تعالى {مَشّاءٍ بِنَميم}: أي كثير المشي بالنميمة.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل، والسيوطي في معترك الأقران، وغيرهم.
زاد ابن جزي: يقال: نميم ونميمة بمعنى واحد.
.........................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
وانظر: كيف نال القرآن من خصومه بأبلغ الوصف، مع بالغ العفة!.
قال البغوي في تفسيره: {أثيم}: فاجر.
قال النسفي في مدارك التنزيل، والكفوي في الكليات: كثير الآثام.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والأثيم: فعيل من الإثم، بمعنى: آثم، وذلك من حيث أعماله قبيحة تكسب الإثم.
..............................
(1): قال ابن السكيت في كتاب الألفاظ: ورجلمسيكأي: بخيل.
(2): قال الفخر الرازي في التفسير الكبير في قوله تعالى - من سورة البقرة -: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ): والأثيم فعيل بمعنى فاعل، وهو الآثم.
.............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿عُتُلٍّ بَعدَ ذلِكَ زَنيمٍ﴾ [القلم: 13].
*قوله {عُتُلٍّ}:* غليظ، جاف، فظ، قاسي القلب؛ قد بلغ الغاية في الجفاء، والغلظة.
ولما كان هذا طبعه سلط الله عليه ملائكة غلاظا شدادا في الآخرة؛ (جزاء وفاقا)، كما قال تعالى (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ): ما يؤمرون به في كل أمر، ومن تعذيب أهل النار بألوان وأشكال العذاب؛ الذي جاء نعته في القرآن.
قال الخطابي في معالم السنن: وعتلة معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم رجل عتل أي شديد غليظ ومن صفة المؤمن اللين والسهولة.
قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {عتل}: غليظ، وهو الشديد من كل شيء.
قال عبدالقادر بن ملا حويش في بيان المعاني: (عتل) فظ غليظ شديد لا ينقاد إلى الخير.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: العتل: الفظ الكافر هنا.
قال الزمخشري في الكشاف: " عتل" غليظ جاف، من عتله: إذا قاده بعنف وغلظة.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ): فَاعْتِلُوهُ: فادفعوه، وسوقوه، وقودوه بالعنف، والغلظة والشدة إلى وسط النار.
قال الواحدي في الوجيز: سوقوه سوقا بالعنف.
قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: قودوه بالعنف.
وقال الجرجاني في درج الدرر: فادفعوه بشدة.
*قوله {بَعدَ ذلِكَ}:* أي مع ذلك، يريد مع ما وصفناه به.
قاله البغوي في تفسيره.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: وقوله: {بعد ذلك} أي بعد ما ذكرنا من عيوبه.
*قوله {زَنيم}:* دعي؛ ابن زنى.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (زَنِيمٍ) أي ولدزنا.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: والزنيم: الدعي.
قال الطبري في تفسيره: والزنيم في كلام العرب: الملصق بالقوم وليس منهم.
قال نافع بن الأزرق في مسائله لابن عباس - رضي الله عنهما -: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَزَنِيمٍ.
قال:زنيم: كزنمة الشاة، كذلك ولد الزناء.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
زنيمتداعته الرّجال زيادة...كما زيد في عرض الأديم الأكارع.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن:
" زنم" الزَّنِيمُوالْمَزَنَّمُ: الزّائد في القوم وليس منهم، تشبيها بِالزَّنمَتَيْنِ من الشّاة، وهما المتدلّيتان من أذنها، ومن الحلق، قال تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} [القلم/ ١٣] ، وهو العبد زلمة وزَنْمَةً، أي: المنتسب إلى قوم معلّق بهم لا منهم، وقال الشاعر:
فأنت زَنِيمٌ نيط في آل هاشم...كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد.
...................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
يريد: إنا امتحنا أهل مكة. يعني {بلوناهم} {بما كانوا يصنعون}. من تكذيب النبي وأذيته. وإنما اختبرهم الله ليرجعوا إلى الإيمان به، وبرسوله. كما قال تعالى {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}: إلى ربهم، ومعبودهم.
وفيه أن من صور فضل الله، ورحمته العامة بعباده أنه يبتليهم بالشدائد ليرجعوا إليه. لأن الله عز وجل لو أراد استئصالهم لما قال {بلوناهم}، وهو الذي امتن عليهم من قبل بأن {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}. وكف عنهم أصحاب الفيل.
قال الطبري في تفسيره - عند قوله تعالى -: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}: يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم، وينيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه.
انتهى
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: {بَلَوْنَاهُمْ}: يريد قريشا، أي امتحناهم.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: والمعنى أعطيناهم أموالا ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا وعادوا محمدا صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {إِنَّا بَلَوْنَاهُم}: أي بلونا مشركي قريش، يقول: امتحناهم فاختبرناهم.
قاله الطبري في تفسيره.
قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية: الفرق بين الابلاء والابتلاء: هما بمعنى الامتحان: والاختبار.
قال ابن بطال الركبي في النظم المستعذب: والابتلاء: الاختبار.
وسميت الجنة بهذا الاسم: لاستتارها. ومنه: المجن، لأنه يجن صاحبه (1)، أي يستر وجهه ورأسه من الطعن عند القتال، ومنه الجنين، لأنه يستتر ببطن أمه. ومنه الجن: لأنه يستتر ولا يرى.
ومنه قوله تعالى (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ): أي ستره بظلامه.
ومنه (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً): أي سترا ليستتروا، ويعصموا أنفسهم من القتل.
قال ابن فورك في تفسيره: {الجنة} البستان الذي يحقه الشجر، إلا أنه صار كالعلم على جنة الخلد.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وسميت الجنة جنة لأنها تجن من دخلها، أي تستره أشجارها وثمارها. والجنة عند العرب البستان ذو النخل والشجر.
قال ثعلب في الفصيح، وأبو بكر الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس، والفارابي في معجم ديوان الأدب، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والجوهري في الصحاح تاج اللغة: الجنة: البستان.
قال نجم الدين النسفي (غير المفسر صاحب المدارك) في طلبة الطلبة: الجنين الولد ما دام في البطن سمي به للاستتار في البطن وقد اجتن الشيء اجتنانا أي استتر وجنه الليل وجن عليه جنونا أي ستره وجن الميت أي واراه في التراب وهما جميعا من حد دخل والجنن القبر والجنان القلب والجنة البستان والمجنة والمجن الترس والجنة الجن والجنون أيضا وكل ذلك من معنى الستر.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: (الْجنَّة) الحديقة ذَات النّخل وَالشَّجر والبستان وَدَار النَّعيم فِي الْآخِرَة (ج) جنان.
قال أبو حيان الاندلسي في تحفة الاريب بما في القران من الغريب: و {أصحاب الجنة} قوم كان لهم بستان فاحتالوا لمنع حق الفقراء منه بخلا منهم فحلفوا ليقطعنها في أول الصباح.
*قوله {إِذْ}:* أي حين.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.
*قوله {أَقْسَمُوا}:* أي حلفوا.
قاله ابن قتيبة في غريب القران، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، ومجير الدين العليمي في تفسيره، وغيرهم.
*قوله {لَيَصْرِمُنَّهَا}:* ليقطعنها.
يعني: ليقطعن ثمرها؛ وإنما فعلوا ذلك ليحرموا المسكين حقه، ولأن العذاب لا يحل إلا على ترك واجب، وبدليل ما بعده {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}: أي انطلقوا وهم يسارر بعضهم بعضا ألا تمكنوا مسكينا من الدخول عليكم، وغدوا في غاية الجد ليمنعوا الفقراء من ثمارها؛ عازمين على ذلك. وقد سوّل الشيطان وزين لهم صنيعهم، وهذا من جهلهم؛ لأنهم لا يعلمون أن سر بقاء مال أبيهم هو الإنفاق منه {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {لَيَصْرِمُنَّهَا}: أي ليقطعنها. وأصل الصرم: القطع. تقول: صرمت كذا: أي قطعته.
قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: والصَّرْمُ: قَطعٌ بائِنٌ لحَبْل وعِذْقٍ ونحوه.
قال الأزدي في جمهرة اللغة: والصرم: القطع، صرمت النخلة وغيرها أصرمها صرما.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: " صرم " صرمت الشيء صرما، إذا قطعتَه. وصَرَمْتُ الرجلَ صَرْماً، إذا قطعت كلامه.
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (صرم) الصاد والراء والميم أصل واحد صحيح مطرد، وهو القطع.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: صرَم الشَّيءَ: جزَّه وقطعه "صرَم الحبلَ/ رابطةَ المودَّة- {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}: يقطعون ثمارَها" صرم أذنه: صَلَمَها وقطعها.
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القران: {ليصرمنها}: ليقطعن ثمار حديقتها.
*قوله {مُصْبِحِينَ}:* لكي لا يطعموا المسكين.
و{مُصْبِحِينَ}: يعني: قد دخلوا في الصباح؛ الذي هو بعد الفجر، وقبل الشروق. ومنه قوله تعالى {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ}: قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: أي بعد طلوع الفجر وقبل شروق الشمس.
إلا أن الحميري قال: قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر.
قال الأزدي في جمهرة اللغة: أي أخذتهم الهلكة وقت دخولهم في الصباح.
قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وأصبح القوم: إذا دخلوا في الصباح.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {مُصْبِحِينَ}: داخلين في الصبح.
قاله الكفوي في الكليات.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: داخلين في الصباح أي في أوائل الفجر.
قال الطبري في تفسيره: (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين) يقول: إذ حلفوا ليصرمن ثمرها إذا أصبحوا.
قال السمرقندي في بحر العلوم: {ليصرمنها مصبحين} يعني: ليجذنها وقت الصبح، أي: ليقطعنها قبل أن يخرج المساكين.
قال الجلال المحلي في الجلالين: {مصبحين} وقت الصباح كي لا يشعر بهم المساكين فلا يعطونهم منها ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها.
المعنى الإجمالي للآية (من كتاب المختصر في التفسير):
﴿إِنّا بَلَوناهُم كَما بَلَونا أَصحابَ الجَنَّةِ إِذ أَقسَموا لَيَصرِمُنَّها مُصبِحينَ﴾ [القلم: 17]
إنا اختبرنا هؤلاء المشركين بالقحط والجوع، كما اختبرنا أصحاب الحديقة حين حلفوا ليقطعنّ ثمارها وقت الصباح مسارعين حتى لا يطعم منها مسكين.
..........................
(1)قال كراع النمل في المنتخب من غريب كلام العرب: بابُ التُّرْسِ يقال له المِجَنُّ؛ لأنه يُجِنُّ صاحبه أي يستره والجميع المَجَانُّ.
...........................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*قوله {وَلا يَستَثنون}:* أي لم يقولوا "إن شاء الله"، حلفوا أن يقطعوا ثمار جنتهم ولم يستثنوا.
*مسألة:*
فإن قلت: لم سمى استثناء، وإنما هو شرط؟ قلت: لأنه يؤدى مؤدى الاستثناء، من حيث أن معنى قولك: لأخرجن إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد.
قاله الزمخشري في الكشاف.
انتهى
فمعنى قوله تعالى: {ولا يستثنون} أي: لم يقولوا: إن شاء الله.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والسمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره.
إلا أن الزجاج قال: فحلفوا ولم يقولوا: إن شاء الله.
وبنحوه قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والكفوي في الكليات، وغيرهم جمع.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والاستثناء: إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم، أو يقتضي رفع حكم اللفظ عما هو. فممّا يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الآية: [الأنعام/ 145] .
وما يقتضي رفع ما يوجبه اللفظ فنحو قوله: والله لأفعلنّ كذا إن شاء الله، وامرأته طالق إن شاء الله، وعبده عتيق إن شاء الله، وعلى هذا قوله تعالى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم/ 17- 18].
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَلا يَستَثنون}: فيه: أنه ينبغي على العاقل إن وقع في المخالفة ألا يسرف، ويجمع بين الشرور؛ فإن كان ولابد فليقترف الأقل عددا، والأقل جرما؛ حتى لا تعظم التبعة؛ وإلا فما فائدة ذكر الاستثناء هنا؛ فأصحاب الجنة: عزموا أن يحرموا المسكين بعد أن أقسموا ولم يستثنوا في يمينهم؛ وكأنهم قادرون على ذلك دون مشيئة الله واذنه، ونحوه (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ): قال البغوي في تفسيره (وظن أهلها أنهم قادرون عليها)على جذاذها وقطافها وحصادها ، رد الكناية إلى الأرض . والمراد: النبات إذ كان مفهوما. (أتاها أمرنا) قضاؤنا بإهلاكها. انتهى كلامه.
قلت: ولعل أصحاب الجنة إن قالوا "إن شاء الله " لم ينزل ببستانهم ما نزل به من الهلاك، ويبقى حساب منعهم المسكين حقه يوافيهم ربهم به إن شاء.
ألا ترى أن يأجوج ومأجوج لن يتمكنوا من الخروج على الناس بشرورهم إلا بعد أن يستثنوا - يقولوا إن شاء الله -، ففي الحديث: - " إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي
عليهم: ارجعوا فسنحفره غدا، فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم
وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال
الذي عليهم: ارجعو فسنحفره غدا إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه
وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس... ". (1).
ولا أعني به التعرض لحكم الاستثناء؛ من ناحية وجوبه وعدمه، لكنها إشارة إلى أن المرء لا يركن إلى قوته وتصرفه فحسب، لأنه لا حول ولا قوة الا بالله.
وفيه: أهمية الاستثناء في اليمين؛ فالاستثناء ليس فقط أن به تسقط الكفارة عند الحنث، بل فيه عون وتأييد وتوفيق من الله لينجز للعبد ما عزم عليه. ولا يخفى ما وقع لسليمان عليه السلام - لمّا ترك الاستثناء، فقد فاته ما أراد من خير عظيم ونية للجهاد في سبيل الله. فقد قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ". ( شطر من حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -)
قال الطبري في تفسيره: ولا يكون الطائف في كلام العرب إلا ليلا ولا يكون نهارا، وقد يقولون: أطفت بها نهارا.
قال السمرقندي في بحر العلوم: والطائف: الذي أتاك ليلا.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والطائف لا يكون إلا ليلا أي طرقها طارق من عذاب الله.
*قوله {عَلَيها}:* يعني على الجنة؛ البستان.
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {فَطافَ عَلَيها} أحاط نازلا عليها.
*قوله {طائِفٌ}:* عذاب، أو بلاء.
ولا يعلم كنه هذا الطائف إلا الله. فنقول "طائف" كما قال الله الذي أنزله، ولا تكلف؛ فهذا أبلغ تأثيرا في النفس، ولأن ما أبهمه الله لا ينبغي التعرض لبيانه إلا بدليل. فقد قيل: مطر وريح شديدة، وقيل: نار. وقيل: عنق نار خرجت من وادي جنتهم، وقيل: نار خرجت من جهنم، وقيل: ملكا اقتلعها بأشجارها، وقيل: الطائف هو جبريل عليه السلام، اقتلعها وطاف بها حول البيت، ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم، ولذلك سميت بالطائف، وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الماء والشجر والأعناب غيرها.
ولا أعلم دليلا على ما ذكر. ولو شاء الله لنعت لنا ذلك الطائف، كما في قوله (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ )، والشاهد قوله" إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ ".
وكأن الله يقول - عن أهل الجنة -: ها أنتم سعيتم سعيا حثيثا في خفية بالغة لتمنعوا المسكين حقه، فها انا أرسل عليها من عندي عذابا خفيا، يليق بصنيعكم، اعلمه انا لا غيري. - والله اعلم -.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: و"طائف" مبهم.
لذا لم يتعرض غير واحد من العلماء لبيان هذا المبهم، قال ابن كثير - في قوله تعالى-: {فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون} أي: أصابتها آفة سماوية.
وقال القاسمي في محاسن التأويل: {فطاف عليها طائف من ربك} أي فطرق جنة هؤلاء القوم، طارق من أمر الله لتدميرها.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ولا يتعلق غرض بتعيين نوعه لأن العبرة في الحاصل به ، فإسناد فعل ( طاف ) إلى { طائف } بمنزلة إسناد الفعل المبني للمجهول كأنه قيل : فطِيف عليها وهم نائمون .
انتهى
فمعنى قوله تعالى {فَطافَ عَلَيها طائِفٌ}: عذاب.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والفخر الرازي في التفسير الكبير.
إلا أن الفخر الرازي قال: {طائف من ربك} أي عذاب من ربك.
قال السمعاني في تفسيره: والعرب لا تستعمل الطائف إلا في العذاب.
وقال النسفي في مدارك التنزيل: نزل عليها بلاء.
*قوله {مِن رَبِّكَ}:* أي جائياً من قِبَل ربّك ، ف {مِن} للابتداء يعني : أنه عذاب أرسل إليهم عقاباً لهم على عدم شكر النعمة .وعُجل العقاب لهم قبل التلبس بمنع الصدقة لأن عزمهم على المنع وتقاسمهم عليه حقق أنهم مانعون صدقاتهم فكانوا مانعين . ويؤخذ من الآية موعظة للذين لا يواسون بأموالهم .
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.
*قوله {وَهُم نائِمون}:* "جزاء وفاقا". من جنس عملهم فُعل بهم؛ فهم لما ترقبوا وقت عدم انتشار الناس وغفلتهم، نزل الهلاك بجنتهم في عين الغفلة؛ وهم نائمون.
قال الماوردي في النكت والعيون: {وهم نائمون} أي ليلاً وقت النوم.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَهُمْ نَائِمُونَ} أي في حال نومهم.
{ قال السعدي في تفسيره: وَهُمْ نَائِمُونَ } فأبادها وأتلفها.
فائدة:
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وإذْ كان عقاب أصحاب هذه الجنة دنيوياً لم يكن في الآية ما يدل على أن أصحاب الجنة منعوا صدقة واجبة .
قلت(عبدالرحيم): وليس بلازم؛ فمنع الصدقة لا عقاب فيه؛ لكونها نافلة، وإنما العقاب في منع الفرض. هذا وبقطع النظر عن عذابهم في الاخرة، فقد قال تعالى بعدها - في ختام القصة - {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، سواء قلنا الضمير عائد على أصحاب الجنة، أم عائد على كفار قريش.
...........................
(1): رواه ابن ماجة (4080)، وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: 1735.
............................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
ويحتمل: أن يكون " كالصريم" بمعنى: الذاهب الهالك الذي لم يبق فيه ثمر؛ أو التراب الأسود؛ وبرهانه على نحو ما سترى. وإيثار كلمة الصريم هنا لكثرة معانيها وصلاحية جميع تلك المعاني.
والصريم: الليل، والنهار، و الصريم: المصروم: أي المقطوع؛ فهو فعيل بمفعول. وهو من الأضداد.
قال ابن فارس في مجمل اللغة: صرم: الصريم: الليل.
قال ابن منظور في اللسان: والصَّريمُ: الصبحُ لِانْقِطَاعِهِ عَنِ اللَّيْلِ. والصَّريم: الليلُ لِانْقِطَاعِهِ عَنِ النَّهَارِ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ صَريمٌ وصَريمةٌ.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [الصريم]:الليل، قال الله تعالى: {فأصبحت كالصريم} أي احترقت فاسودت. وقيل: كالشيءالمقطوعالمصروم.
والصريم: المصروم، يقال: ثمر صريم.
والصريمأيضا: الصبح، وهو من الأضداد.
قال الرازي في مختار الصحاح: و (الصريم) الليل المظلم. والصريم أيضا الصبح وهو من الأضداد.
قال أبو بكر الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس: وقال أبو عبيدة: الأصل فيالصريم:المصروم، فصرف عن: مفعول، إلى: فعيل؛ كما قالوا: قتيل وجريح.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}: كالليل المسود.
قاله الفراء في معاني القرآن، والقشيري في لطائف الإشارات.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي فأصبحت كالليل سوادا.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي سوداءَ كالليل مُحْتَرِقَةً.
قال السمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره: {فأصبحت كالصريم}: أي: كالليل المظلم.
إلا أن السمرقندي قال: يعني: صارت الحديقة كالليل المظلم.
وزاد الواحدي: سوداء.
وزاد البغوي: الأسود.
قال الجلال المحلي في الجلالين: {فأصبحت كالصريم} كالليل الشديد الظلمة أي سوداء.
قال أبو حيان في البحر المحيط: والصريم: الرماد الأسود بلغة خزيمة، وعنه أيضا: الصريم رملة باليمن معروفة لا تنبت، فشبه جنتهم بها.
وقال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فأصبحت كالصريم} الصريم بمعنى المصروم، وهو الهالك الذاهب.
قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {فأصبحت كالصريم} أي: المصرومة؛ لهلاك ثمرها، وكل شيء قطع من شيء فهو صريم.
قال أبو السعود في تفسيره: {فأصبحت كالصريم} كالبستان الذي صرمت ثماره بحيث لم يبق منها شيء فعيل بمعنى مفعول وقيل كالليل أي احترقت فاسودت وقيل كالنهار أي يبست وابيضت سميا بذلك لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه وقيل الصريم الرمال.
قال الزمخشري في الكشاف: {فأصبحت كالصريم} كالمصرومة لهلاك ثمرها. وقيل:
الصريم الليل، أى. احترقت فاسودت. وقيل: النهار أى: يبست وذهبت خضرتها. أو لم يبق شيء فيها، من قولهم: بيض الإناء، إذا فرغه.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} فيه أربعة أقوال: الأول أصبحت كالليل لأنها اسودّت لما أصابها، والصريم في اللغة الليل الثاني أصبحت كالنهار لأنها ابيضت كالحصيد ويقال: صريم لليل والنهار. الثالث أن الصريم: الرماد الأسود بلغة بعض العرب الرابع أصبحت كالمصرومة أي المقطوعة.
قال أبو عبيد الهروي في الغريبين في القرآن والحديث: (صرم) قوله تعالى: {فأصبحت كالصريم} أي سوداء كالليل المظلم، وهم يقولون لليل صريم، وللنهار صريم، ويقال لهما الأصرمان، لأن كل واحد منهما ينصرم على صاحبه والأصرمان الغراب والذئب، ويقال: كالصريمكالشيءالمصرومالذي لا شيء فيه ذهب بما فيها.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقيل الصريم: الرماد الأسود بلغة جذيمة أو خزيمة. وقيل الصريم: اسم رملة معروفة باليمن لا تُنبت شيئاً. وإيثار كلمة الصريم هنا لكثرة معانيها وصلاحية جميع تلك المعاني لأن تراد في الآية.
.................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*قوله {فَتَنَادَوْا}:* نادى بعضهم بعضا. يعني: أصحاب الجنة. وهم لا يشعرون بما حل ببستانهم بالليل.
قال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: {فتنادوا مصبحين} أي: نادى بعضهم بعضا عند الصباح.
إلا أن البغوي قال: لما أصبحوا.
قال الماوردي في النكت والعيون، والنسفي في مدارك التنزيل: {فتنادَوْا مُصبِحينَ} أي دعا بعضعهم بعضاً عند الصبح.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «تنادوا» معناه: دعا بعضهم بعضا إلى المضي لميعادهم.
*لطيفة:*
قلت (عبدالرحيم): فإن قلت: قد نادى أهل الجنة بعضهم بعضا، والنداء لا يكون إلا بصوت مرتفع، فكيف وقد أخفوا كلامهم وتسّار بعضهم بعضا الحديث، فقد قال الله بعدها (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (*) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}: يتخافتون: أي يتسارون. والتخافت: الكلام المخفي؟.
فالجواب: أنهم نادى بعضهم بعضا قبل أن ينطلقوا، ثم تساروا الحديث بعد انطلاقهم ومضيهم إلى ما عزموا عليه من قطع الزرع.
قال أبو هلا العسكري في معجم الفروق اللغوية: الفرق بين النداء والدعاء: أن النداء هو رفع الصوت بما له معنى والعربي يقول لصاحبه نادِ معي ليكون ذلك أندى لصوتنا أي أبعد له، والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي ولا يقال ناديته في نفسي، وأصل الدعاء طلب الفعل دعا يدعو وادعى ادعاء لأنه يدعو إلى مذهب من غير دليل، وتداعى البناء يدعو بعضه بعضا إلى السقوط، والدعوى مطالبة الرجل بمال يدعو إلى أن يعطاه، وفي القرآن {تدعو من أدبر وتولى} أي يأخذه بالعذاب كأنه يدعوه إليه.
*قوله {مُصْبِحِينَ}:* بعد أن أصبحوا.
قاله الطبري في تفسيره.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فتنادوا مصبحين} حين أصبحوا.
*قوله {أَنِ}:* أي بأن.
*قوله {اغْدُوا}:* أي أقبلوا، واقصدوا، واخرجوا في الغداة؛ أي البكور.
والغَدَاةُ: ما بين الفجر وطلوع الشمس. والجمع: غَدَوات. (1)، وفي الحديث: " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا ". (2).
ومنه قوله تعالى (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ): قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: خرجت من أول النهار.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني خرجت من منزلك بالصباح.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والبُكَرُ: جمع البُكْرَة وهي الغداة. والتّبكيرُ والبُكور والابتكار: المضي في ذلك الوقت.
ومنه {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}: الْحَرْثِ: الزرع.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القران.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: حرث: إصلاح الأرض، وإلقاء البذر فيها ويسمى الزرع الحرث أيضا.
*قوله {إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ}:* إن كنتم تريدون صِرامه: أي قطعه.
لأن معنى قوله {صَارِمِينَ}:* أي قاطعين، وحاصدين. وأصل الصرم: القطع.
يعني: قاطعين: زرعكم، وثماركم؛ قبل انتشار المساكين. وقد قطعها الهلاك قبل أن يقطعوا الثمار (جزاء وفاقا).
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [صَرَم]: الصَّرْم: القطع، يقال: صرمه صَرْماً وصُرْما. وصَرَم النخل: جَذَّه.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: " صرم ": الصَّرْمُ: القطيعة، والصَّرِيمَةُ: إحكام الأمر وإبرامه.
انتهى
فمعنى قوله تعالى { صَارِمِينَ}: قاطعين.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، والكفوي في الكليات، والسمعاني في تفسيره، والسمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، والإيجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.
زاد الواحدي، والايجي: الثَّمر.
وزاد البغوي: للنخل.
وزاد السمعاني: يقال في العنب الصرام، وفي الزرع الحصاد.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: {إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ} أي حاصدين لثمرتها.
قال السمرقندي في بحر العلوم: {إن كنتم صارمين} يعني: إن أردتم أن تصرموها قبل أن يحضرها المساكين.
قال الماوردي في النكت والعيون: {إن كنتم صارمين} أي عازمين على صرم حرثكم في هذا اليوم.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي إن كنتم عازمين على صرام النخل.
..................
(1): أنظر معجم اللغة العربية المعاصرة.
(2): رواه احمد 205 ، وابن ماجة 4164 ، والترمذي 2344، وغيرهم، وصححه الالباني في الصحيحة رقم (310)، وصححه في صحيح الجامع رقم (5254).
(3): قال ابن قتيبة في غريب الحديث: وأصل الصرم: القطع.
.......................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
حَتّى إِذا جاءَ أَمرُنا: يعني عذابنا.
قاله البغوي في تفسيره.
*قوله {وَفار}َ:* هاج وغلا.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.
وقال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: يقال لكل شيء هاج وعلا: فار. ومنه فارت القدر، إذا ارتفع ما فيها وعلا.
*قوله {التَّنّور}:* الفرن المعروف، الذي يخبز فيه.
ومنه ما حكاه كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك - لما أرسل له ملك غسان رسالة ليلحق به -: فتيممت بهاالتنورفسجرته بها...»: أي فقصدت، وعمدت الى الكتاب الذي أرسله ملك غسان فأحرقت، وأوقت الفرن به. (شطر من حديث رواه البخاري - ٤٤١٨).
قال الرازي في مختار الصحاح: (التنور): الذي يخبز فيه.
قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب: وكان تنورا من حجارة كان لنوح يخبز فيه.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (وفارالتنور) هو تنور الخابر: إذا فار الماء من أحر مكان في دارك فهي آية العذاب.
قال الطبري في تفسيره: وأولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله: {التنور} [هود: ٤٠] قول من قال:هوالتنور[ص: ٤٠٧]الذييخبزفيه؛ لأن ذلكهوالمعروف من كلام العرب.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: (وفارالتنور)فار الماء منالتنورالذي يخبز فيه.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَفَارَالتنور} أي فار الماء من تنور الخبر أي أخرج سبب الغرق من موضع الحرق ليكون أبلغ في الإنذار والاعتبار.
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: { وَفارَ التَّنّورُ }: نبع الماء من التنور المعروف.
*قوله {قُلنَا احمِل فيها}:* أي في السفينة.
قاله البغوي في تفسيره.
*قوله {مِن كُلٍّ زَوجَين اثنَين}ِ:* ذكر وأنثى. و" من " تبغيضية. حتى لا يحمل الكل.
*قوله ِ{و}َ:* واحمل.
*قوله {أَهلَكَ}:* أي ولدك وعيالك.
قاله البغوي في تفسيره.
*قوله {إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَول}ُ:* منهم بالهلاك.
قاله القرطبي في تفسيره.
*قوله {وَمَن آمَنَ}:* واحمل من آمن.
*قوله {وَما آمَنَ مَعَه}ُ:* يعني مع نوح - عليه السلام -.
*قوله {إِلّا قَليل}:* وهذا دأب الرسل، آمن بهم القيل. (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين)َ.
..................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿بَل نَحنُ مَحرومونَ﴾ [القلم: 27].
*قوله {بَل نَحنُ مَحرومونَ}:* مَحرومونَ: أي ممنوعون. جمع محروم.
والمعنى: لما وقف أصحاب الجنة على أرض بستانهم وقد ذهب ما فيه، وأيقنوا أنها جنتهم، ولم يخطئوا طريقها قالوا: هي جنتنا بالفعل، ولكن نحن محرومون، أي حرمنا، يعني: منعنا ثمرها، وخيرها؛ عوقبنا بعزمنا على منع المساكين.
وأصل المحروم: الممنوع من الرزق. ومنه قوله تعالى { لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}: أي: ممنوعون من الرزق.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، والسيوطي في معترك الأقران.
زاد السيوطي: يعني: يقولون ذلك لو جعل الله زرعهم حطاما.
استطراد:
والمحروم: المصاب في ثمره وماله. والمحروم: من ضيق عليه في رزقه. والمحروم: الذي حرم الخير. والمحروم: الذي لا يسأل فيحسب غنيا فيحرم.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والمَحرومُ: الذي حُرِمَ الخَيْرَ حِرْماناً.
قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: وذكر الحربي فيه قولا حسنا، قال: المحروم: الذي أصابته الجائحة.
قال بطال في النَّظْمُ المُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ قوله: {للسائل والمحروم} أي: الممنوع الرزق.
قال أبو جعفر الفهري في تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح: حرمت مأخوذ من الحرمان، وهو المنع، ومنه قوله تبارك وتعالى: {للسائل والمحروم} أي: الممنوع الرزق، قاله الهروي.
وقال الكفوي في الكليات: الذي لا يسأل فيحسب غنيا فيحرم.
قال الطبري في تفسيره: والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
قال مجد الدين الفيروزآبادى في القاموس المحيط: والمحروم: الممنوع عن الخير، ومن لا ينمي له مال، والمحارف الذي لا يكاد يكتسب.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}: أي حرمنا ثمر جنتنا بمنعنا المساكين.
قاله الزجاج في معاني القران.
قال البغوي في تفسيره: حرمنا خيرها ونفعها لمنعنا المساكين وتركنا الاستثناء.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي حرمنا الله خيرها.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقول حرمنا خير هذه الجنة.
قال الطبري في تفسيره: حرمنا منفعة جنتنا بذهاب حرثها.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: حرمنا منفعتها.
قال الجرجاني في درج الدرر: ثم تيقنوا أنها جنتهم أرسل الله عليها آفة فقالوا: {بل نحن محرومون}.
قال الواحدي في البسيط: ثم نظروا إلى أعلام فيها فعرفوا أنها جنتهم فقالوا: {بل نحن محرومون}.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {بل نحن محرومون} معناه: أنهم تنبهوا على الأمر، وعرفوا أنهم لم يخطئوا الطريق فقالوا: بل نحن محرومون أي: نزل العذاب وحرمنا ثمار جنتنا.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ): يعني لما تأملوا وعلموا أنها هي رجعوا عما كانوا، وقالوا: بل نحن حرمنا لفعها.
قال البقاعي في نظم الدرر: ولما انجلى ما أدهشهم في الحال قالوا مضربين عن الضلال: {بل نحن محرومون } أي ثابت حرماننا مما كان فيها من الخير الذي لا نغيب عنها إلا سواد الليل فحرمنا الله إياها بما عزمنا عليه من حرمان المساكين لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
قلت (عبدالرحيم): وفي الآية دليل أن العبد اذا عزم على فعل المعصية وشرع في أسباب حصولها يأثم بذلك وإن لم يفعلها، وكمن شرع فيها ثم تركها من أجل غير الله.
ولعل من أوضح الأدلة على ذلك، ما رواه الشيخان من حديث أبي بكرة عن الأحنف بن قيس، قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد قلت: أنصر هذا الرجل قال: ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ.
فإن قلت: احتج عليك بالحديث المتفق عليه: "من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه"؟.
قلت: هو عليك حجة؛ ألا ترى انه قال " هم "!، وألا ترى إلى قوله تعالى - عن يوسف عليه السلام - {وهم بها}! يعني خطرات حديث النفس من غير عزم (1). فهذا مجرد خاطر وحديث نفس.
وهذا في الذي لم يعزم على فعلها، ولم يشرع فيها، أما إن عزم عليها، أو شرع فيها فتكتب عليه. قال القاضي عياض - فيما حكاه عنه ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: معناه أنه لم يوطن نفسه على فعلها.
قال أبو الربيع الصرصري التعيين في شرح الأربعين: فَعَلَّل دخولَه النار بحرصه على قتل صاحبه، وهو عزم مجرد ترتب عليه العقاب فدل على أنه معصية.
قال السيوطي في شرح سنن ابن ماجه: وأما العزم فالمحققون على انه يواخذ به.
قال ابن الملقن: التوضيح لشرح الجامع الصحيح: الجمهور: أن العزم عَلَى الذنب، والعقد عَلَى عمله معصية يأثم به وإن لم يعمله ولا تكلم به، بخلاف الهم المعفو عنه.
المعنى الإجمالي للآية (من كتاب المختصر في التفسير):
﴿بَل نَحنُ مَحرومونَ﴾ [القلم: 27]
بل نحن ممنوعون من جني ثمارها بما حصل منا من عزم على منع المساكين منها.
.....................
(1): قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن - عند قوله تعالى (وهم بها): خطر بقلبه إجابتها.
قال القرطبي في تفسيره: وقال أحمد بن يحيى : أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة ، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به؛ فبين الهمتين فرق، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه . قال جميل :
هممت بهم من بثينة لو بدا شفيت غليلات الهوى من فؤاديا.
آخر : هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله.
فهذا كله حديث نفس من غير عزم .
...............
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*قوله {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}:* أَوْسَطُهُمْ: أعدلهم. بلغة قريش.
قاله أبو عُبيد القاسم بن سلاّم في لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم، وحكاه عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن.
فقوله تعالى {أَوْسَطُهُمْ}: أعدلهم.
قاله الطبري في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والسمرقندي في بحر العلوم، ومكي في الهداية الى بلوغ النهاية، وابن أبي زمنين في تفسيره، والجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم.
زاد السمرقندي: وأعقلهم.
وزاد الجرجاني: قولًا.
وزاد السمعاني: وأعقلهم وأفضلهم.
وزاد النسفي: وخيرهم.
قلت (عبدالرحيم): قول الله - جل ذكره - {أَوْسَطُهُمْ}: يعني أعدلهم. ومنه قوله تعالى - في كفارة اليمين - {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ): مِنْ أَوْسَطِ: يعني من أعدله؛ لا هو من أعلاه، ولا هو من أدناه.
قال الطبري في تفسيره: يعني تعالى ذكره بقوله:" من أوسط ما تطعمون أهليكم"، من أعدله.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: من أعدل ذلك.
قال الشوكاني في فتح القدير: المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع: أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه، ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه.
ومنه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}: أي عدلا.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والكفوي في الكليات، وابن الهائم في التبيان.
إلا أن ابن الهائم قال: {وَسَطاً}: أي عدلا خيارا بلغة قريش.
وقال يحيى بن سلام: يعني عدلا بين النَّاس، يعني المسلمين.
وزاد ابن قتيبة، السجستاني: خيارا.
وزاد بيان الحق: قد اعتدلت أموركم فلا إفراط ولا تفريط.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {أَوْسَطُهُمْ}: أعدلهم.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن.
زاد السجستاني: وخيرهم.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي خيرُهم فعلا، وأَعْدلُهم قولا.
قال الواحدي في البسيط: {قال أوسطهم} هو يعني أعدلهم في قول جميع المفسرين.
*قوله {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ}:* لما أقسمتم على قطع ثمار الجنة في الصباح. إشارة إلى قوله {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}.
*قوله {لَوْلَا}:* أي هلّا.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وغيره.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: حرف تحضيض .
ومنه - عن طائفة من الناس ذمها - {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}: {لَوْلَا} هلا.
قاله الجرجاني في درج الدرر.
ومنه {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ}: لَوْلَا نُزِّلَتْ: هلا نزلت سورة لنستبشر بها، وتحثنا على الجهاد في سبيله، ونتقرب بها الى الله بمعرفة حدوده، واحكامه.
قال القرطبي في تفسيره: ومعنى" لولا" هلا.
*قوله {تُسَبِّحُونَ}:* تستثنون. أي تقولون: إن شاء الله. قال ذلك منكرا عليهم ترك الاستثناء.
قال القرطبي في تفسيره: وكان استثناؤهم تسبيحا.
قال الطبري في تفسيره: وقوله:( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ )يقول: هلا تستثنون إذ قلتم لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ فتقولوا إن شاء الله.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وحمل ذلك على الاستثناء، وهو أن يقول: إن شاء الله، ويدلّ على ذلك قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ.
قال البقاعي في نظم الدرر: وأقل التسبيح الاستثناء عند الإقسام شكاً في قدرة الإنسان وإثباتاً لقدرة الملك الديان استحضاراً لعظمته سبحانه وتعالى.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {تسبحون} تستثنون.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.
قال السمرقندي في بحر العلوم: " لولا تسبحون " يعني: هلا تستثنون في أيمانكم.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: هلا قلتم إن شاء الله تعالى.
قال السعدي في تفسيره: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: تنزهون الله عما لا يليق به، ومن ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلولا استثنيتم فقلتم: {إن شاء الله} وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئتة الله، لما جرى عليكم ما جرى.
وقال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل - عند قوله تعالى -:{لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أي تقولون: سبحان الله وقيل: هو عبارة عن طاعة الله وتعظيمه، وقيل: أراد الاستثناء في اليمين كقولهم: إن شاء الله. والأول أظهر لقولهم بعد ذلك سبحان ربنا. والمعنى أن هذا الذي هو أفضلهم كان قد حضهم على التسبيح.
سؤال:
فإن قلت: كيف سمي التسبيح استثناءً؟
قال الواحدي في الوسيط: وسمى الاستثناء تسبيحا، لأنه تعظيم الله، وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل شيئا إلا بمشيئة الله تعالى.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ} هلا تستثنون إذ الاستثناء التسبيح لالتقائهما في معنى التعظيم لله لأن الاستثناء تفويض إليه والتسبيح تنزيه له وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم.
قال الشوكاني في فتح القدير: وسمي الاستثناء تسبيحا لأنه تعظيم لله وإقرار به، وهذا يدل على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه.
فائدة:
" التسبيح في القرآن على وجوه: قد ورد بمعنى الصلاة، قال الله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين} أي: من المصلين.
وورد بمعنى الاستثناء، قال الله تعالى: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: تستثنون.
وورد بمعنى التنزيه. وهو قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده} ، وورد في الخبر بمعنى النور، وهو في الخبر الذي قال: " لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره " أي: نور وجهه ".
قاله السمعاني في تفسيره.
*قوله {قَالُوا}:* على الفور؛ نادمين، وراجعين.
قال البقاعي في نظم الدرر: من غير تلعثم، بما عاد عليهم من بركة أبيهم.
*قوله {سُبْحَانَ رَبِّنَا}:* أي تنزه وتبرأ ربنا.
والمعنى: تنزه ربنا، وتبرأ من أن يكون ظالما لنا فيما أنزل بنا، بأن جعل جنتنا كالصريم (الليل المسود).
قال البقاعي في نظم الدرر: {سبحان ربنا} أي تنزه المحسن إلينا التنزيه الأعظم عن أن يكون وقع منه فيما فعل بنا ظلم.
قال الواحدي في الوجيز: {قالوا سبحان ربنا} نزَّهوه عن أن يكون ظالماً وأقرُّوا على أنفسهم بالظُّلم فقالوا: {إنا كنا ظالمين}.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {قَالُواْ سبحان رَبّنَا إِنَّا كُنَّا ظالمين} فتكلموا بعد خراب البصرة بما كان يدعوهم إلى التكلم به أولاً وأقروا على أنفسهم بالظلم في منع المعروف وترك الاستثناء ونزهوه عن أن يكون ظالماً.
*قوله {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}:* لأنفسنا؛ بقصدنا السيء وما عزمنا عليه من منع المساكين، فالظلم والحيف منا، ولا يظلم ربنا أحدا. { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
قال البقاعي في نظم الدرر: {ظالمين} أي راسخين في إيقاعنا الأشياء في غير مواقعها حيث لم نعزم عزماً جازماً على ما كان يفعل أبونا من البر، ثم حيت حلفنا على ترك ذلك ثم حيث لم نرد الأمر إلى الله بالاستثناء حيث حلفنا فإن الاستثناء تنزيه الله عن أن يجري في ملكه ما لا يريد.
...................
*كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} القلم (30).
*قوله {فَأَقْبَلَ}:* فأخذ، وشرع.
قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم، والفيروزآبادي في القاموس المحيط، والكفوي في الكليات: وقبل على الشيء، وأقبل:لزمهوأخذفيه.
*قوله {بَعْضُهُم ْعَلَى بَعْضٍ}:* يعني أصحاب الجنة.
*قوله { يَتَلَاوَمُونَ}:* من الملاومة، والتَّلاوم؛ وهو اللوم والعتاب.
والمعنى: يلوم بعضهم بعضا؛ على ما عزموا عليه من منع للمساكين.
وهذا دأب من اجتمعوا على شر، يلوم بعضهم بعضا بعد نزول العذاب، كما في قوله تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ): قال السمعاني في تفسيره: يعني لا تعودوا بالملامة علي، وعودوا بالملامة على أنفسكم.
قال الراغب الأصفهاني المفردات في غريب القرآن: والتَّلاوُمُ: أن يلوم بعضهم بعضا.
قال الفارابي في معجم ديوان الأدب، والجوهري في الصحاح تاج اللغة: والْمُلاوَمةُ: أنْ تلوم رجلاً ويلومَكَ.
قال الخطابي في غريب الحديث: الملاومة، اللوم، يتلاومون.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: تلاومَ يتلاوم، تلاوُمًا، فهو مُتَلاوِم.
• تلاوم القومُ: لام بعضُهم بعضًا، عاتب بعضهم بعضًا " {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ} ".
قال ابن عطية في المحرر: يَتَلاوَمُونَ معناه: يجعل كل واحد اللوم في حيز صاحبه، ويبرئ نفسه.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {يَتَلَاوَمُونَ}: يلوم بعضهم بعضا.
قاله الكفوي في الكليات، وبه قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، والزمخشري في الكشاف، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وابن جزي الغرناطي في التسهيل، وأبو السعود في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.
إلا أن قال الطبري: وقوله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) يقول جلّ ثناؤه: فأقبل بعضهم على بعض يلوم بعضهم بعضا على تفريطهم فيما فرّطوا فيه من الاستثناء، وعزمهم على ما كانوا عليه من ترك إطعام المساكين من جنتهم.
زاد الزمخشري: لأن منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف وعذر ومنهم من عصى الأمر، ومنهم من سكت وهو راض.
وزاد الفخر الرازي: يقول: هذا لهذا أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول: ذاك لهذا أنت خوفتنا بالفقر، ويقول الثالث لغيره: أنت الذي رغبتني في جمع المال فهذا هو التلاوم.
وزاد مقاتل بن سليمان: في منع حقوق المساكين.
وزاد البغوي: في منع المساكين حقوقهم.
وزاد الواحدي: بما فعلوا من الهرب من المساكين ومنع حقهم.
وزاد ابن جزي الغرناطي: على ما كانوا عزموا عليه من منع المساكين.
قال القرطبي في تفسيره: أي يلوم هذا هذا في القسم ومنع المساكين، ويقول: بل أنت أشرت علينا بهذا.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي: يلوم بعضهم بعضا، فيقول هذا لذاك: أنت فعلت والذنب لك، ويقول ذلك لصاحبه مثله.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون}: يقول بعضهم لبعض: أنت الذي دللتنا، وأشرت علينا بما فعلنا. ويقول الآخر: بل أنت فعلت ذلك، فذلك تلاومهم.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ): أي غير فاعلين ما يلامون عليه.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.
ومنه {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}: أي أقسم بالنفس التي تلوم صاحبها يوم القيامة؛ على فعل الشر لما فعلت، وعلى ترك الازدياد من الخير لما لم تزدد.
قال ابن قتيبة في غريب القران: (وَالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) أي تلومُ نفسَها يوم القيامة.
قال ابن الهائم في التبيان: اللَّوَّامَةِ: ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها يوم القيامة إن كانت عملت خيرا هلّا ازدادت منه، وإن كانت عملت سوءا لم عملته؟.
ومنه {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}: أي فعل ما يلام، ويعاتب عليه.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وهو مليم: قد أتى بما يلام عليه،يقال: ألام الرجل فهو مليم، إذا أتى بما يجب أن يلام عليه.
ومنه - حكاية عن امرأة العزيز - (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ): الملامة هو الوصف بالقبيح على وجه التحقير.
قاله السمعاني في تفسيره.
......................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿قالوا يا وَيلَنا إِنّا كُنّا طاغينَ﴾ [القلم: 31].
*قوله {قالوا}:* بأجمعهم. يعني أصحاب الجنة.
قال السمرقندي في بحر العلوم: (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) يعني: جعل يلوم بعضهم بعضا لصنيعهم ذلك،ثم قالوابأجمعهم: (يا ويلنا إنا كنا طاغين).
*قوله {يا وَيلَنا}:* وَيلَنا: هلا كنا.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.
قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: والويل: كلمة تقال لكل من وقع في عذاب أو هلكة.
*قوله {إِنّا كُنّا}:* بقصدنا، وعزمنا على منع المساكين، وتركنا الاستثناء، والتسبيح.
*قوله {طاغين}:* متجاوزين حدود الله، حين لم نصنع ما يجب علينا صنعه. سيما وقد بالغوا في عزمهم على منع المسكين، كما بين ربنا في مطلع قصتهم.
وأصله من الطغيان: وهو مجاوزة الحد، والقدر. يقال: طغى السيل، إذا جاء بماء كثير.
ومنه الطاغوت، وهو كل ذي طغيان فعبد من دون الله، راضيا أو آمرا، ومن ذلك سمي طاغوتا لمجاوزته الحد، وما ليس له.
ومنه قوله تعالى {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}: أي بسبب طغيانها؛ يعني بتجاوزها الحد؛ إذ كان يجب عليهم الإيمان بعدما رأوا الحق عيانا.
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: (طغى) الطاء والغين والحرف المعتل أصل صحيح منقاس، وهو مجاوزة الحد في العصيان. يقال: هو طاغ. وطغى السيل، إذا جاء بماء كثير.
قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: وكل شيء يجاوز القدر فقد طَغَى مثلَ ما طَغَى الماءُ على قَوْمِ نُوْحٍ، وكَمَّا طغتِ الصَّيحةُ على ثَمُودَ.
قال المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف: الطغيان: تجاوز الحد في العصيان. وقال الحرالي: إفراط الاعتداء في حدود الأشياء ومقاديرها. وطغيان القلم: تجاوزه حد الاستقامة.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: الطغيان: تجاوز الحد من كل شيء.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى): ما تجاوز بصره ما أمره الله أن ينظر؛ فقد نظر إلى ما أمر به، ولم يجاوزه. وهذا في معراج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وما طغى}: ما زاد ولا جاوز.
ومنه (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى): كلا: يعني حقا. أي إنه يطغى؛ يتجاوز الحد.
قال الطبري في تفسيره: أي يتجاوز حده.
وقال في موطن آخر من تفسيره: يقول: إن الإنسان ليتجاوز حده، ويستكبر على ربه، فيكفر به، لأن رأى نفسه استغنت.
ومنه (فَأَمَّا مَنْ طَغَى وآثر الحياة الدنيا): قال ابن عطية في المحرر: طغى معناه: تجاوز الحدود التي ينبغي للإنسان أن يقف عندها بأن كفر وآثر الحياة الدنيا على الآخرة لتكذيبه بالآخرة.
ومنه (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ): لِلطَّاغِينَ: المتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي.
قاله السعدي في تفسيره.
ومنه (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى): أشد طغيانا، أي أشد تجاوزا للحد من غيرهم؛ لأنهم كفروا بعد أن دعاهم ألف سنة إلا خمسين، وهم وأول قوم كفروا برسول، وهو نوح عليه السلام، وليس لهم سلف في ذلك.
قال البغوي في تفسيره: لطول دعوة نوح إياهم، وعتوهم على الله بالمعصية والتكذيب.
ومنه (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى): تجاوز الحد في ادعاء أنه إله.
قال النسفي في مدارك التنزيل، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن: تجاوز الحد في الكفر.
زاد النسفي: والفساد.
ومنه (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ): ما أوقعته في الطغيان.
قاله الكفوي في الكليات.
قال الطبري في تفسيره: يقول: ما أنا جعلته طاغيا متعدّيا إلى ما ليس له، وإنما يعني بذلك الكفر بالله.
ومنه (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى): أي يتجاوز الحد فيما لا ينبغي له أن يفعله فينا.
قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: أي: يتجاوز الحد في الإساءة علينا.
قال الحميري في شمس العلوم: أي يتجاوز الحد في عقابنا ويجور.
ومنه (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ): لما تجاوز الماء الحد فأغرق؛ حملنا آباءكم في السفينة.
قال الراغب الأصفهاني في تفسيره: أي تجاوز الحد الذي كان عليه من قبل.
أي: تجاوز حده حتى علا على كل شيء في زمن نوح.
ومنه (كذبت ثمود بطغواها): قال الطبري: يقول: كذبت ثمود بطغيانها، يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغياً، طغى عليهم، كما قال جل ثناؤه: (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية).
انتهى
فمعنى قوله تعالى {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} متجاوزين حدود الله.
قاله البيضاوي في تفسيره، وأبو السعود في تفسير، والإيجي الشافعي في جامع البيان، وإسماعيل حقي الخلوتي في روح البيان، والقاسمي في محاسن التأويل.
إلا أن القاسمي قال: أي متجاوزين حدود الله تعالى في تفريطنا وعزمنا السيئ.
وقال الإيجي: متجاوزين الحد.
قال ابن كثير في تفسيره: أي اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا.
قال الشوكاني في فتح القدير: أي: عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء.
قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أيمجاوزينالحدود فيما فعلنا من التقاسم على منع الفقراء وعلى جذها في الصباح من غير استثناء فعل القادر، وكان ذلك إن كان لا بد لنا منه ممكنا بغير قسم ولا إخفاء من الغير ولا مخافتة حال السير بأن يقال للفقراء: يفتح الله، ونحو ذلك من الكلام.
قال السعدي في تفسيره: أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده.
قال الواحدي في الوجيز، والنسفي في مدارك التنزيل، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب: {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} بمنع حقِّ الفقراء وترك الاستثناء.
إلا أن سراج الدين قال: أي عاصين بمنع حق الفقراءِ، وترك الاستثناء.
قال ابن عرفة في تفسيره: ظلموا أنفسهم بقسمهم وعدم استثنائهم، وطغوا على المساكين بعزمهم على منعهم من عادتهم.
قال الطبري في تفسيره: وقوله: {يا ويلنا إنا كنا طاغين} [القلم: ٣١] يقول: قال أصحاب الجنة: يا ويلنا إنا كنا مبعدين: مخالفين أمر الله في تركنا الاستثناء والتسبيح.
قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: فندموا على ما فعلوا فأبدلهم الله خيرا منها.
وقال البغوي في تفسيره: في منعنا حق الفقراء.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ثم أجمعوا على أنهم طغوا، أي تعدوا ما يلزم من مواساة المساكين.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} والمراد أنهم استعظموا جرمهم.
......................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿كَذلِكَ العَذابُ وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أَكبَرُ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [القلم: 33].
*قوله {كَذلِكَ}:* المشار إليه، وهو ما حل بأصحاب الجنة، وما نزل مثله بقريش؛ لأن الكلام راجع إلى قوله تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة)، يعني: إنا اختبرنا قريشا كما اختبرنا أصحاب الجنة.
وذلك لما تحالفت قريش، وتقاسموا على منع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم من إيصالها للناس، ابتلاهم الله بما أنزل بهم، من القحط، والجوع، والشدائد، لعلهم يرجعون.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ هذَا، لأَنَّ قرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنينَ كَسِنِييُوسُفَ فَأَصَابَهَمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشى النَّاسَ هذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)...» الحديث.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: " كذلك ": يعني هكذا.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمشار إليه باسم الإشارة هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة ، وتندمهم وحسرتهم.
*قوله {العَذابُ}:* في الدنيا، بالهلاك، والشدائد والمحن.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {كذلكالعذاب} أي:كذلكعذاب الدنيا.
قال الزمخشري في الكشاف: (كذلكالعذاب)مثل ذلكالعذابالذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {كذلكالعذاب} أي مثل ذلكالعذابالذي ذكرناه ممن عذاب الدنيا لمن سلك سبيلهم.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (كذلكالعذاب) أي عذاب الدنيا وهلاك الأموال.
قال البغوي في تفسيره: (كذلكالعذاب) ، أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا.
قال السمرقندي في بحر العلوم: قال الله تعالى:(كذلك العذاب)يعني: هكذا عذاب الدنيا لمن منع حق الله تعالى.
قال الطبري في تفسيره: قوله تعالى ذكره {كذلكالعذاب} يقول جل ثناؤه: كفعلنا بجنة أصحاب الجنة، إذ أصبحت كالصريم بالذي أرسلنا عليها من البلاء والآفة المفسدة، فعلنا بمن خالف أمرنا وكفر برسلنا في عاجل الدنيا.
قال أبو حيان في البحر المحيط: (كذلكالعذاب): هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم في أمر قريش.
قال مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن: {العذاب} الذي نعذب به أهل مكة بالقتل والأسر والهزيمة في الدنيا؛ لشركهم وكفرهم، وهو راجع إلى قوله: {إنا بلوناهم}.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {كذلكالعذاب} أي: هكذا كانالعذاب؛ كما قصصته عليكم يعني: ما عذبهم به من إهلاك جنتهم.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: قال تعالى: {كذلكالعذاب}. أي: كفعلنا بجنة هؤلاء فعلنا بمن كفر وخالف أمرنا في عاجل الدنيا.
قال ابن كثير في تفسيره: قال الله تعالى:(كذلكالعذاب)أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفرا.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى:(كذلكالعذاب)ابتداء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر قريش، والإشارة بذلك إلىالعذابالذي نزل بالجنة، أي ذلكالعذاب، هوالعذابالذي ينزل بقريش بغتة، ثم عذابالآخرةبعد ذلك أشد عليهم من عذاب الدنيا، وقال كثير من المفسرين:العذابالنازل بقريش المماثل لأمر الجنة هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين، حتى رأوا الدخان وأكلوا الجلود.
*قوله {وَلَعَذابُ الآخِرَةِ}:* في نار جهنم.
*قوله {أَكبَرُ}:* أشق، وأشد، وأعظم من صنوف العذاب الذي ينزل في الدنيا، لأنه ينقطع بالموت، أما في جهنم (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا).
وقال تعالى (لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ).
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {ولعذابالآخرةأكبر} من عذاب الدنيا.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني أعظم مما أصابهم إن لم يتوبوا فى الدنيا.
قال الطبري في تفسيره: ولعذابالآخرة أكبريعني عقوبةالآخرةبمن عصى ربه وكفر به،أكبريومالقيامة من عقوبة الدنيا وعذابها.
*قوله {لَو كانوا يَعلَمون}:* شدته، ودوامه، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).
قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: لوكانت قريش تعلم.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: (لو كانوا يعلمون) يعني: المشركين.
قال مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن: {ولعذابالآخرةأكبر} أعظم منه وأشد.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: (أيلولكانوايعلمون) أن عقوبةالآخرة أعظم من عقوبة الدنيا.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لوكانوايعلمون} لعلموا أن عذابالآخرةأكبرمن عذاب الدنيا.
قال سراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب: قوله: {كذلكالعذاب} . مبتدأ وخيره مقدم، أي: مثل ذلكالعذابعذاب الدنيا وأما عذابالآخرةفأكبر منه {لو كانوا يعلمون} .
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة أمران:
أحدهما: أنه تعالى قال: أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين [القلم: ١٤، ١٥] والمعنى: لأجل أن أعطاه المال والبنين كفر بالله كلا: بل الله تعالى إنما أعطاه ذلك للابتلاء، فإذا صرفه إلى الكفر دمر الله عليه بدليل أن أصحاب الجنة لما أتوا بهذا القدر اليسير من المعصية دمر الله على جنتهم فكيف يكون الحال في حق من عاند الرسول وأصر على الكفر والمعصية والثاني: أن أصحاب الجنة خرجوا لينتفعوا بالجنة ويمنعوا الفقراء عنها فقلب الله عليهم القضية فكذا أهل مكة لما خرجوا إلى بد حلفوا على أن يقتلوا محمدا وأصحابه، وإذا رجعوا إلى مكة طافوا بالكعبة وشربوا الخمور، فأخلف الله ظنهم فقتلوا وأسروا كأهل هذه الجنة.
ثم إنه لما خوف الكفار بعذاب الدنيا قال:ولعذابالآخرةأكبر لو كانوا يعلمون وهو ظاهر لا حاجة به إلى التفسير.
.................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*قوله {عَسَى رَبُّنَا}:* عَسَى: تحقيق، وواجب - على ما سيأتي بيانه - بعون الله -.
*قوله {أَنْ يُبْدِلَنَا}:* أي يبدل لنا.
قاله الصُحاري في الابانة في اللغة العربية.
قال أبو السعود في تفسيره: {عسى ربنا أن يبدلنا} وقرئ بالتشديد، أي يعطينا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة.
*قوله {خَيْرًا مِنْهَا}:* يعني خيرا من جنتنا التي هلكت.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.
قال الطبري في تفسيره:
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل أصحاب الجنة: عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها بتوبتنا من خطأ فعلنا الذي سبق ما خيرا من جنتنا.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا) فيه مسائل:
الأولى: قد أبدلهم الله جنة خيرا منها.
فإن قلت: ما الدليل على ما ذكرت ولم يذكر في الآية أن الله أبدلهم خيرا منها؟
قلت: بل ذُكر، لأن " عسى ": في القرآن تحقيق، وواجب.
قال القرطبي في تفسيره: و" عسى" من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى:" عسى ربه إن طلقكن أن يبدله.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وعسى من الله عز وجل في كل القرآن أجمع واجبة.
قلت: ومن ذلك قوله تعالى {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}: أي واجب وقوعه قريبا.
قال يحيى بن سلام في تفسيره: وعسىمن الله واجبة، وكل ما هو آت قريب.
قال الطبري في تفسيره: وإنما معناه: هو قريب، لأنعسىمنالله واجب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثتأنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى» لأنالله تعالى كانقد أعلمهأنه قريب مجيب.
قال الألوسي في روح المعاني: قللهمعسىأنيكون ذلكقريبافإنما هو محقق إتيانه قريب.
ومنه {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}: وقد بعثه الله مقاما محمودا.
ففي صحيح البخاري (4718) قال عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: يَقُولُ: " إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ اشْفَعْ، يَا فُلاَنُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ المَقَامَ المَحْمُودَ ".
قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: وقال {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} و {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ} فيقال "عَسَى" من الله واجبه والمعنى أنَّكَ لو علمت من رجل انه لا يدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه فقال لك "عسى أنْ أُكَافِئَكَ" استنبت بعلمك به أنه سيفعل الذي يجب اذ كان لايدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه.
ومنه {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}: فعسى أن يكون من المفلحين: يعني حقا هو من المفلحين، فإذا لم يكن هؤلاء هم أهل الفلاح فمن؟!.
قال الطبري في تفسيره: يقول: فهو من المنجحين المدركين طَلِبتهم عند الله، الخالدين في جنانه، وعسى من الله واجب.
قال النسفي في مدارك التنزيل: أي فعسى أن يفلح عند الله وعسى من الكرام تحقيق.
قال يحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهما: {فعسى أن يكون من المفلحين} وعسى من الله واجبة.
ومنه (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ): وقد تحقق ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه رضي الله عنهم أجمعين.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وقوله: (فعسى الله أن يأتي بالفتح) أي فعسى الله أن يظهر المسلمين. و" عسى " من الله جل وعز واجبة.
انتهى
قلت (عبدالرحيم): فقد أبدلهم الله خيرا منها، ولا ريب، وأستأنس بما ذكره البغوي في تفسيره، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، وإن كان الأثر يحتاج إلى تحقيق، لكنه مجرد استئناس، حيث قال البغوي - رحمه الله -: قال عبد الله بن مسعود: بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا.
وقال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: {عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها} يحتمل أنهم طلبوا البدل في الدنيا، أو في الآخرة. والأول أرجح لأنه روي عن ابن مسعود أن الله أبدلهم جنة يحمل البغل منها عنقودا.
وقال السمعاني في تفسره: وفي بعض التفاسير: أن الله تعالى قبل توبتهم وأعطاهم جنة خيرا منها. والله أعلم.
وقال النسفي في مدارك التنزيل: عن مجاهد تابوا فأبدلوا خيراً منها وعن ابن مسعود رضي الله عنه بلغني أنهم أخلصوا فأبدلهم بها جنة تسمى الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً.
الثانية:
لا ريب أن قوله تعالى {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} من كلام أصحاب الجنة، وبدليل السياق. ومن غرائب التفاسير ما ذكره برهان الدين الكرماني في غرائب التفسير وعجائب التأويل - حيث قال: الغريب: هذا من كلام المساكين. أي عسى أن يرزقا خيرا من جنتهم.
الثالثة:
فيه الحث على الرجوع الى الله، والخضوع والتذلل إليه، سيما عند المحن والشدائد، فقد ذم الله حال قوم حين نزل بهم العذاب { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}: ولكنهم تَجَلَّدُوا.
قال الطبري في تفسيره: (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) يقول: فما خضعوا لربهم فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) يقول: وما يتذللون له.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وقال الواحدي في الوجيز: {فما استكانوا لربهم}: ما تواضعوا.
الرابعة:
أن كل من نزل به عذاب إذا رجع وأناب إلى ربه واعترف بذنبه، عوضه الله خيرا مما هلك عنه، فكم من نعمة سلبت وأيقن العبد ذهابها بسبب معاصيه، فإذا تدارك بالتوبة النصوح استدعى من الله ما هو أهله وأولى به فلا منتهى لكرمه وجوده - تبارك وتعالى -.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {عسى ربنا أن يبدلنا} أي يعطينا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة.
قاله الألوسي في روح المعاني.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} هذا إخبار عن توبتهم وندامتهم، وسؤالهم من الله تعالى أن يبدلهم بجنتهم خيرا منها فيعطوا حق المساكين.
*قوله {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا}:* وحده.
*قوله {رَاغِبُونَ}:* نريد، ونطلب، ونرجو ما عنده؛ من خير الدنيا والآخرة.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: [رغب] رغبت في الشيء، إذا أردتَه، رغبةً ورَغَباً بالتحريك.
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: معجم مقاييس اللغة (رغب) الراء والغين والباء أصلان: أحدهما طلب لشيء والآخر سعة في شيء.
فالأول الرغبة في الشيء: الإرادة له. رغبت في الشيء. فإذا لم ترده قلت: رغبت عنه.
قال الصُحاري في الابانة في اللغة العربية: وقولهم: رَغِبَ فلانٌ إلى فلانٍ في كذا أي طلب إليه. والرَّغْبَةُ: الطلبُ.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {راغبون}: راجين مما عنده.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال الطبري في تفسيره: يقول: (إنا إلى ربنا راغبون) في أن يبدلنا من جنتنا إذ هلكت خيرا منها.
قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:
الأولى:
قوله تعالى {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}: أي راغبون إليه وحده، لا إلى غيره. لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. وأصل الكلام: إنا راغبون إلى الله.
ونظيرتها قوله تعالى (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي اجعل رغبتك إلى الله وحده.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: قدم الجار والمجرور ليدل علىالحصرأي لا ترغب إلا إلىربكوحده.
قال الزمخشري في الكشاف: واجعل رغبتك إليه خصوصا، ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: أمر بالتوكل على الله تعالى، وصرف وجه الرغبات إليه لا إلى سواه.
ومنه (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ): أي على الله وحده.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وتقديمالمجرور في قوله:(وعلىالله فليتوكل المؤمنون) مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصرا من غيراللهتعالى لضعفهم وقلة ناصرهم. وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصرالله.
الثانية:
فيه: أن العبد اذا ابتلي بما يجتاح ما عنده ألّا يتطلع إلى ما في أيدي الناس، ألا يتطلع إلى غير الله فلينزله مصيبته؛ فهو وحده يكفيه،دل عليه قوله {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}: أي إنا إلى ربنا وحده، لا إلى غيره راغبون.
ونحوه {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}: قال القاسمي في محاسن التأويل: حسبما نرجو ونؤمل إنا إلى الله راغبون أي في أن يغنمنا ويخولنا فضله. والجواب محذوف بناء على ظهوره.
قال رشيد رضا في المنار: إنا إلى الله راغبون لا نرغب إلى غيره في شيء؛ لأن بيده ملكوت كل شيء، فإليه نتوجه، ومنه نرجو أن يبسط لنا في الرزق بما يوفقنا له من العمل، ويهبه لنا من النصر - لكان خيرا لهم.
قال الواحدي في البسيط: {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون}، وفي هذاإشارة إلى أنهم لما بلوا بذهاب ما لهم تذكروا فرجعوا إلى الله تعالى بالرغبة. وهو وعظ لأهل مكة بالتذكير والرجوع إلى الله تعالى. فلما بلاهم بالجدب حين دعا عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسنى يوسف".
.......................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿أَفَنَجعَلُ المُسلِمينَ كَالمُجرِمينَ﴾ [القلم: 35].
*قوله {أَفَنَجعَلُ}:* أفنصير.
والجعل هذا الموطن بمعنى: التصيير؛ لتعديه مفعولين؛ فإذا تعدى مفعولا واحدا فمعناه: خلق، وهذا التفصيل واجب القول به على ما سيأتي بيانه - بعون الله -.
قال الدعاس في إعراب القرآن: «أفنجعل» الهمزة للاستفهام والفاء حرف عطف ومضارع فاعله مستتر «المسلمين» مفعول به أول «كالمجرمين» جار ومجرور في موضع المفعول الثاني والجملة معطوفة على ما قبلها.
قلت (عبدالرحيم): ويجب التفريق، والتمييز بين "جعل" بمعنى صير، وبمعنى خلق.
فتارة تأتي بمعنى: التصيير - وجوبا - شريطة أن يتعدى مفعولين، كما في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ): أي إنا صيرناه يقرأ بالعربية، ولو شئنا لصيرناه يقرأ بغيره، ولكن كما في قوله (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ).
ولا يحل في هذا الموطن أن يقال: جعل بمعنى خلق؛ لأن كلام الله غير مخلوق.
ف" جعلناه" هنا: صيرناه، وإلا وقعنا فيما وقع فيه الجهمية القائلين بخلق القرآن، زاعمين أن كل "جعل" في القرآن بمعنى خلق، ذريعة للقول بخلق القرآن، وهذا باطل ولا ريب؛ لأن القرآن تكلم به الله، والكلام صفة من صفاته.
ومن أبين الأدلة على بطلان هذا القول، قول ربنا (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ): فقوله (ما جعل): أي ما صير. إذ لا يجوز أن يقال بمعنى خلق، فهل يقال: ما خلق الله من بحيرة، فمن خلقها غير الله إذا؟!، وهذا كله من شؤم البدعة.
فوجب المصير إلى القول: بأن الجعل هنا بمعنى: التصيير. أي: إنا صيرناه قرآنا عربيا؛ ولتعديه مفعولين. وقد نبه على هذا القصاب في النكت، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية. (2).
انتهى
فمعنى قوله تعالى {إناجعلناهقرآنا عربيا} أيصيرناه.
قاله الهروي في الغريبين في القرآن والحديث، والواحدي في البسيط، والنسفي في مدارك التنزيل، وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط، والزركشي في علوم القرآن، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.
إلا أن الزركشي قال: أيصيرناه يقرأ بلسان عربي.
وقال الإيجي: صيرناه عربيا بلغتكم.
قلت: ومما ورد في معنى التصيير قوله تعالى {وهو الذيجعلكم خلائف الأرض}: قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: "جعل" - هنا - بمعنى "صير"، فلذلك تعدت إلى مفعولين. وإذا كانت بمعنى " خلق " تعدت إلى مفعول واحد.
ومنه ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ): قال الطبري في تفسيره: صيرالله الكعبة البيت الحرام قواما للناس الذين لا قوام لهم.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى:(جعلالله الكعبة)جعلبمعنى: صير.
ومنه (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً): "جعل"بمعنىصيرفي هذه الآية لتعديها إلى مفعولين.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.
قال الشوكاني في فتح القدير: وجعلهنا بمعنىصير، لتعديه إلى المفعولين، ومنه قول الشاعر:
وقدجعلت أرى الإثنين أربعة...والواحد اثنين لما هدني الكبر.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: " الذي جعل" معناه هناصيرلتعديه إلى مفعولين: ويأتي بمعنى خلق، ومنه قوله تعالى: "ما جعلالله من بحيرة ولا سائبة" [المائدة: ١٠٣] وقوله:" وجعلالظلمات والنور" [الانعام: ١].
ومنه (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا): قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون:و «جعل» بمعنىصير، فيتعدى لاثنين، فالضمير مفعول أول، و «أمة» مفعول ثان ووسطا نعته.
ومنه - تكملة الآية - (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ): قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: جعلهنا: بمعنىصير، فيتعدى لمفعولين: أحدهما القبلة، والآخر التي كنت عليها. والمعنى: وماصيرنا قبلتك الآن الجهة التي كنت أولا عليها إلا لنعلم، أي ماصيرنا متوجهك الآن في الصلاة المتوجه أولا، لأنه كان يصلي أولا إلى الكعبة، ثم صلى إلى بيت المقدس، ثم صار يصلي إلى الكعبة.
ومما ورد في معنى الخلق، قوله تعالى (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ): جَعَلْنَا: خلقنا. لتعديه مفعولا واحدا.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: (جعلنا موالي) ، أي: ورثة.وجعلنافيهذينالوجهينلا يتعدى إلى مفعولين، لأن معنى جعلنا خلقنا.
والإسلام والإيمان معناهما واحد إذا افترقا، فالإسلام هو الإيمان والعكس عند الإطلاق، (1) وإذا اجتمعا في نص افترقا، كما في حديث جبريل - عليه السلام -، فيكون الإسلام أشمل والإيمان أخص، بحيث يكون كل مؤمن مسلم، ولا عكس. على تفصيل معروف عند أرباب العقائد. كما لا يخفى (إن شاء الله).
والحاصل: أنك إذا قلت: المؤمنين: فتعني: المسلمين، والعكس؛ إذا افترقا، كما في قوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ): فلا ريب أن الإسلام هنا، هو أيضا الإيمان.
وكما في قوله تعالى (فَأَخرَجنا مَن كانَ فيها مِنَ المُؤمِنينَ * فَما وَجَدنا فيها غَيرَ بَيتٍ مِنَ المُسلِمينَ): فلفظ "المؤمنون والمسلمون" هاهنا مثل قوله تعالى (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ): فالكفار هم الزراع، إذ لا فرق بين اللفظين، سوى تجنب التكرار.
قال القرطبي في تفسيره: والمؤمنون والمسلمون ها هنا سواء فجنس اللفظ لئلا يتكرر، كما قال: (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله).
*قوله {كَالمُجرِمين}:* كالمشركين. أي لا نفعل.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره،
قال الزمخشري في الكشاف: أنحيف في الحكم فنجعلالمسلمينكالكافرين.
وبنحوه قال جماعة من المفسرين؛ كالنسفي في مدارك التنزيل، وصديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، والألوسي في روح المعاني، وأبو السعود في تفسيره.
قال أبو السعود في تفسيره: والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنحيف في الحكم فنجعلالمسلمينكالكافرين.
قلت (عبدالرحيم): والشرك والكفر بالله أعظم الجرم.
وكل آية في كتاب الله ورد الحديث فيها عن "المجرمين" فيعني: الكافرين، والمشركين.
والكفر والاشراك سيان، لا فرق بينهما، والدليل قوله تعالى - على لسان الرجل المؤمن وهو يحاور صاحب الجنة - (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا): ووجه: أكفرت.
فقال صاحب الجنة نادما - لما أحيط بثمره - (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا): ووجه: لم أشرك بربي. وعلى ما سيأتي بيانه - بعون الله -.
ف "الاجرام" في القرآن بمعنى: الكفر بالله، أو الشرك بالله - سيان -، ومن ذلك قوله تعالى (إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ): بِالْمُجْرِمِينَ: بالكافرين، بدليل ما بعده (إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ).
قال يحيى بن سلام في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: {إناكذلكنفعلبالمجرمين} أيبالمشركين.
زاد النسفي: إنامثل ذلك الفعلنفعلبكل مجرم.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: المجرمون : المشركون خاصة.
ومنه (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ): مُجْرِمِينَ: كافرين.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين، والعليمي في تفسيره.
إلا أن السمرقندي قال: وكنتمقومامجرمينيعني: مشركين،كافرين بالرسل والكتب.
وقال البغوي: (قوما مجرمين)، متكبرينكافرين.
ومنه (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ): الْمُجْرِمُونَ: الكافرون؛ إذ لا يكذب بها إلا كافر.
ومنه (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا): مُجْرِمًا: مشركا.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، ويحيى بن سلام في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ومجير الدين العليمي.
وقال جماعة من أهل العلم: مُجْرِمًا: يعني كافرا.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.
إلا أن الإيجي قال: (من يأتربهمجرما): بأن يموتكافرا.
ومنه (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ): فترى المجرمين: المشركين.
قاله الطبري في تفسيره، والواحدي في الوجيز.
ومنه (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ): الْمُجْرِمُونَ: المشركون.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره.
ومنه (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ): وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِين:أي مثل ذلكنجزيالكافرينأنهم لا يدخلون الجنة.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.
ومنه - حكاية عن قوم لوط عليه السلام - (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ): الْمُجْرِمِينَ: الكافرين.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.
قال الألوسي في روح المعاني: أي مآل أولئكالكافرين المقترفين لتلك الفعلة الشنعاء.
ومنه (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ): َ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ: الكافرون، فمن يكره ما يريد الله أن يثْبِتَه، وهو الإسلام إلا مشرك بالله العظيم؟.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: (ولو مره المجرمون) يعني كفار مكة.
قال البغوي في تفسيره: ليحق الحق، ليثبت الإسلام، ويبطل الباطل، أي يفني الكفر ولو كره المشركون.
ومنه (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ): الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ: الكافرين بتكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم -.
قاله مجير الدين العليمي في تفسيره.
ومنه (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ): الْمُجْرِمِينَ: المشركين.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: المجرمونهمالمشركون هاهنا كما في قوله تعالى: ولو ترى إذالمجرمونناكسوارؤسهم [السجدة: ١٢] وقوله: يود المجرم لو يفتدي [المعارج: ١١] وفي قوله: يعرفالمجرمونبسيماهم [الرحمن: ٤١] فالآية عامة، وإن نزلت في قوم خاص. وجرمهم تكذيب الرسل والنذر بالإشراك وإنكار الحشر وإنكار قدرة الله تعالى على الإحياء بعد الإماتة، وعلى غيره من الحوادث.
ومنه (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا): وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ: الكافرين.
قاله البغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل.
ومنه (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ): أي اعتزلوا، وانفردوا، وانفصلوا أيها الكافرون عن أهل الإيمان؛ فليس نصيركم سواء. وامتازوا: اعتزلوا بلغة قريش. كما ذكر ابن حسنون في اللغات في القرآن.
قال الطبري في تفسيره: وتميزوا من المؤمنيناليومأيهاالكافرون بالله، فإنكم واردون غير موردهم، داخلون غير مدخلهم.
ومنه (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ): لِلْمُجْرِمِينَ: للكافرين.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل.
ومنه (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين): المجرمين: الكافرين.
قال الزمخشري في الكشاف: وأرادبالمجرمين:الكافرين، وإنما عبر عن الكفر بلفظ الإجرام ليكون لطفا للمسلمين في ترك الجرائم وتخوف عاقبتها ألا ترى إلى قوله فدمدم عليهم ربهم بذنبهم وقوله: مما خطيئاتهم أغرقوا. ولا تحزن عليهم لأنهم لم يتبعوك، ولم يسلموا فيسلموا وهم قومه قريش، كقوله تعالى فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا.
تنبيه:
قلت (عبدالرحيم) : وسيان قولك: المشركون والكافرون إذ لافرق؛ فكل مشرك كافر، والعكس. وقد بينت هذا سابقا - بحمد الله -، وذلك عند تأويلنا لسورة التوبة، عند قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)، فراجعه إن شئت.
وإنما نبهت عليه هنا للحاجة إليه في هذا الموضع لأنك رأيت في ثنايا تفسير الآيات التي ورد فيها لفظ "المجرمين"، منهم من يفسرها بالمشركين، ومنهم من يفسرها بالكافرين.
من ذلك قوله تعالى (كَذلِكَ نَسلُكُهُ في قُلوبِ المُجرِمينَ * لا يُؤمِنونَ بِهِ وَقَد خَلَت سُنَّةُ الأَوَّلينَ): المُجرِمينَ: الكافرين، بدليل: "لايؤمنون به": أي بالقرآن. والمعنى: كذلك نُدْخلُ التكذيبَ في قلوب الكافرين بكفرهم. وسلكناه: أدخلناه.
قالالسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره: (فيقلوبالمجرمين)أي:المشركين.
زاد السمرقندي: عقوبة ومجازاة لكفرهم.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: ثم أخبر عن هؤلاءالمشركين، فقال تعالى: لا يؤمنون به.
وقال النسفي في مدارك التنزيل: {فىقلوبالمجرمين}الكافرينالذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه.
وقال القاسمي في محاسن التأويل:(فيقلوب المجرمين): أيالكافرين.
...........................
(1): قال الشيخ ابن باز رحمه الله (فتاوى نور على الدرب (4/197)): الإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان عند الإطلاق؛ لأن الإيمان تصديق القلوب وكل ما يتعلق بالإسلام من قول وعمل، والإسلام كذلك هو الانقياد لله والخضوع له بتوحيده والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه، فإذا أطلق أحدهما شمل الآخر، كما قال عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ.. (19) سورة آل عمران، يعني والإيمان داخل في ذلك، أما إذا جمعا فإن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة...».
(2): قال القصاب في النكت: وقوله: (وجاعل الذين اتبعوكفوق الذين كفروا إلى يوم القيامة)، دليل على أن الجعل لا يكون بمعنى الخلق في كل موضع كما تزعم الجهمية أن قوله: (إناجعلناهقرآنا عربيا) هو بمعنى خلقناه. وقد غلطوا، إنما هو بمعنىصيرناه، وكذا قوله: (وجاعل الذين اتبعوك) أي: ومصير الذين اتبعوك فوق الذين كفروا.
وقال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وقد تعلق قوم من الجهلة القائلين بخلق القرآن بقوله تعالى: {إناجعلناه قرآنا} [الزخرف: ٣] أنه بمعنى فعلناه،أي:خلقناه، وهذه الآية تظهر جهلهم، وهو قوله: {ما جعل الله من بحيرة}، فإن كان "جعلنا" بمعنى "خلقنا" قد نفى عن نفسه هناالجعل، فمن خلقها؟ (أثم) خالق غير الله؟
ويدل على فساد قولهم: قوله تعالى: {ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} [القصص: ٥]، فإن كان " جعل " بمعنى " خلق " فلم يكن القوم إذا موجودين. وقد أخبر عنهم أنهم استضعفوا في الأرض، وقال: {إني جاعلك للناس إماما} [البقرة: ١٢٤]، فيجب على قولهم أن يكون إبراهيم غير مخلوق في ذلك الوقت وقال: {ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم} [الأنفال: ٣٧] فواجب - على قولهم - أن يكون قد ميز الخبيث من الطيب وهو غير موجود، وقال: {ويجعلون لله البنات} [النحل: ٥٧] حكاية عن الكفار، (وتراهم)أيها الجهلة القدرية خلقوهم (هم)، إنما سموهم، ويلزمهم أن يكون القرآن خلق مرتين لقوله: {الذين جعلوا القرآن عضين} [الحجر: ٩١]، وقوله: {جعلناه قرآنا عربيا} [الزخرف: ٣]، وهذا أكثر من أن يحصى.
.............................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قال البغوي في تفسيره: يقضي بين المحق والمبطل، فيما كانوا فيه يختلفون: من الدين.
قال الطبري في تفسيره: يعني بذلك جل ثناؤه: فالله يقضي فيفصل بين هؤلاء المختلفين القائل بعضهم لبعض: لستم على شيء من دينكم يوم قيام الخلق لربهم من قبورهم.
ومنه (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ): حتى يحكم الله يعني: يقضي الله تعالى بعذابهم في الدنيا وفي الآخرة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
ومنه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ): والمراد بالحكم: القضاء.
قاله سراج الدين النعماني في اللباب.
قال الطبري في تفسيره: يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء، فإنه يحكم في خلقه بما يشاء، فينفذ فيهم حكمه، ويقضي فيهم، ولا يرد قضاؤه.
ومنه (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ): لتحكم بين الناس: لتقضي بين الناس، فتفصل بينهم {بما أراك الله} يعني: بما أنزل الله إليك من كتابه.
قاله الطبري في تفسيره.
ومنه قوله تعالى (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ): لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ: يعني ليقضي بينهم.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم.
زاد السمرقندي: بالقرآن.
ومنه (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا): حَكَمًا: قاضيا بيني وبينكم.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، والسيوطي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في تفسيره.
زاد العليمي: لأنهم قد طلبوا منه قاضيًا يقضي بينهم وبينَه، فأجابهم به.
ومنه (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ): يعني قضى بين العباد.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم.
قال الزمخشري في الكشاف: قضى بينهم وفصل بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
قال الشوكاني في فتح القدير: أي: قضى بينهم بأن فريقا في الجنة، وفريقا في السعير.
ومنه (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : {له الحكم} القضاء.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.
ومنه {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله} أي: إلى كتاب الله ورسوله.
{ليحكم بينهم:} ليقضي بينهم.
قاله الجرجاني في درج الدرر، والسمرقندي في بحر العلوم.
زاد السمرقندي: بالقرآن.
ومنه (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ): يعني: أنت تقضي في الآخرة بين عبادك، في ما كانوا فيه يختلفون من أمر الدين.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
ومنه (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ): وَلَهُ الْحُكْم: القضاء بين عباده.
قاله الزمخشري في الكشاف، والنسفي في مدارك التنزيل.
وقال العز بن عبد السلام في تفسيره: (لَهُ الْحُكْم) له القضاء في خلقه بما شاء، او ليس للعباد أن يحكموا إلا بأمره.
انتهى
فمعنى قوله تعالى (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون): أي ما لكم أيها المشركون كيف تقضون بأن الكافرين والمسلمين سواء في المحيا والمصير؟!.
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ} القلم: (37).
*قوله {أَمْ لَكُمْ}:* بل ألكم.
قاله الواحدي في البسيط، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين.
إلا أن الجلال قال: {أَمْ} أَيْ بَلْ أَ {لَكُمْ كِتَاب}.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى: {أَمْ} هي المقدرة ببل وألف الاستفهام.
قال ابن أبي زمين في تفسيره: {أَمْ لَكُمْ}: يقوله للمشركين.
*قوله {كِتَابٌ}:* أنزل إليكم من عند الله، غير هذا القرآن.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و {كِتابٌ} معناه: منزل من عند الله.
قال الواحدي في الوجيز: {أم لكم كتاب} نزل من عند الله.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {أَمْ لَكُمْ كتاب} من السماء.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: كتاب، أي من عند الله.
قال البقاعي في نظم الدرر: {أم لكم كتاب} أي سماوي معروف أنه من عند الله خاص بكم.
*قوله {فِيهِ}:* أي في هذا الكتاب.
والمعنى: هل أنزل إليكم كتاب فيه ما تزعمونه؛ بأن المسلمين كالمجرمين.
قال الواحدي في الوجيز: {فيه} ما تقولون.
قال البغوي في تفسيره: أم لكم كتاب، نزل من عند الله، فيه، في هذا الكتاب.
*قوله {تَدْرُسُونَ}:* تقرءون.
قاله البغوي في تفسيره، وابن أبي زمين في تفسيره، والواحدي في البسيط، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في زاد المسير، والبيضاوي في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، والبقاعي في نظم الدرر في تفسير الآي والسور، والايجي الشافعي في جامع البيان، والخطيب الشربيني في السراج المنير، والشوكاني في فتح القدير.
إلا أن الشوكاني قال: تدرسون أي: تقرؤون فيه فتجدون المطيع كالعاصي، ومثل هذا قوله تعالى: أم لكم سلطان مبين- فأتوا بكتابكم.
وقال الخطيب: أي تقرؤون قراءة أيقنتكم.
وقال البقاعي: أي تقرؤون قراءة أتقنتم مخالطتها أو أنعمتم فهمه بسببها.
وقال النسفي: {فِيهِ تَدْرُسُونَ} تقرؤون في ذلك الكتاب.
وزاد ابن الجوزي: ما فيه.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {أم لكم كتاب فيه تدرسون} أي: تدرسون ما تحكمون به. وقيل: ترددون النظر فيه، فتحكمون منه لأنفسكم ما حكمتم.
قلت (عبدالرحيم): فيه مسائل:
الأولى:
أن قوله تعالى { تَدْرُسُونَ}: أي تقرؤون. والدراسة القراءة.
قال الفارابي في معجم ديوان الأدب، والحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: والدِّراسةُ: القراءَة.
زاد الحميري: يقال: درس القرآن:
أي قَرأَه مرة بعد مرة. قال الله تعالى: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ).
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى :{وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}: يَدْرُسُونَهَا: يقرؤونها.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن .
ومنه {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}: دَرَسْتَ: أي قرأت.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن.
إلا أن ابن قتيبة قال: قرأْت الكتب.
ومنه {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}: تَدْرُسُونَ: تقرؤون.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، ومجير الدين العلمي في تفسيره.
إلا أن مقاتلا قال: وَبِمَا گكُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) يقول بما كنتم تقرؤون يعني كونوا علماء بذلك عاملين.
وقال السمرقندي: وبما كنتم تدرسون يقول بما كنتم تقرؤون يعني كونوا علماء بذلك عاملين به.
ومنه {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ}: وَدَرَسُوا مَا فِيهِ: أي: قرأوا ما في التوراة.
قالته كاملة الكواري في تفسير غريب القرآن.
قال النحاس في معاني القرآن: ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته.
المسألة الثانية:
أن معنى قوله تعالى {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ}: يريد: أم لكم أيها المشركون في ما قضيتم به بأن المسلمين كالمجرمين كتاب أنزل إليكم من عند الله، غير هذا القرآن؛ تقرؤون فيه هذا القضاء الجائر؟!. فإذا لم يكن الامر كذلك فاتقوا ما أعد للمجرمين بالتوحيد.
ووجهه أن القرآن كله لا يسوّي بين الكافرين والمسلمين، قال تعالى (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).
فقد توعد الله المشركين بالجحيم، والمؤمنين بالجنة. وكما قال - في سورة فاطر -{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)}: وكل هذه الآيات اشارة الى أن الله لا يسوي بين المسلمين والمجرمين.
وهذا في كتاب الله كثير، أكثر من أن يحصى، كما قال { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}: قال السمرقندي في بحر العلوم: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ: أي هكذا نعاقب المشركين.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: وكذلك نجزي المجرمين: أي مثل ذلك نجزي الكافرين أنهم لا يدخلون الجنة.
قال النحاس في اعراب القران: {أم لكم كتاب فيه تدرسون}: أي هل لكم كتاب جاءكم من عند الله تدرسون فيه.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ثم قال تعالى: {أم لكم كتاب فيه تدرسون}.
أي: ألكم - أيها القوم - بتسويتكم الطائع كالعاصي - كتاب نزل من عند الله أتاكم به رسول أن الطائع كالعاصي فيه تقرؤون؟!
قال القشيري في لطائف الاشارات: قوله جل ذكره: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟! أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟» كيف تحكمون؟ هل لديكم حجة؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون؟ أم لكم منا عهود فيها تحكمون؟ والمقصود من هذه الأسئلة نفى ذلك.
المسألة الثالثة:
أن أهل الكفر أهل جور وحيف، ألا ترى أنهم جعلوا الملائكة بنات الله، مع أنهم يكرهون الإناث، فكان الأجدر على زعمهم أن يجعلوا له البنين، لذا قال الله تعالى - في سورة النجم - {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}: ضِيزَى: أي جائرة. يقال: ضاز في الحكم إِذا جار (1).
وكما في قوله تعالى - في الصافات - {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)}: قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني كيف تقضون الجور حين تزعمون أن لله- عز وجل- البنات ولكم البنون.
ويقول قائلهم {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}: يكفر بالله العظيم وبالبعث، ثم يقول: إن لي عنده للحسنى!.
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القران: {ما لكم كيف تحكمون}: بئس الحكم ما تحكمونه.
.......................
(1): قال أبو بكر السجستاني في غريب القران: ضيزى: نَاقِصَة. وَيُقَال: جَائِزَة يُقَال: ضازه حَقه، إِذا نَقصه، وضاز فِي الحكم إِذا جَار. وضيزى وَزنه فعلى فَكسرت الضَّاد للياء، وَلَيْسَ فِي النعوت فعلى.
...................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} القلم (38).
*قوله {إِنَّ}:* بمعنى " أن " بالفتح.
قال القرطبي في تفسيره: والمعنى أن لكم (بالفتح) ولكنه كسر لدخول اللام؛ تقول: علمت أنك عاقل (بالفتح)، وعلمت إنك لعاقل (بالكسر).
قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: وكسر الهمزة وكان حقها الفتح لولا اللام لأن ما بعدها هو المدروس، ويجوز أن تكون الجملة حكاية للمدروس وأن تكون استئنافية.
*قوله {لَكُمْ}:* يعني المشركين الذي جعلوا المسلمين كالمجرمين، وزعموا أن لهم ما للمؤمنين.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي أعندكم كتاب من الله عز وجل أن لكم لما تخيرون.
*قوله {فِيهِ}:* في ذلك الكتاب. اشارة الى قوله {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ}.
*قوله {لَمَا}:* بمعنى "ما"، واللام زائدة.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لما تخيرون}: أي ما تخيرون، واللام صلة.
*قوله {تَخَيَّرُونَ}:* أي تتخيرون لأنفسكم.
والمعنى: هل وجدتم في هذا الكتاب ما تمنيتم واخترتم لأنفسكم.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وتخيرونمعناه تختارون لأنفسكم.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: هل لكم من الله كتاب تقرءونفيهأن ما تشتهونه وتختارونه لكم؟!.
قال أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير: أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه.
*فائدة:*
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {تخيرون} أصله تتخيرون بتاءين، حذفت إحداهما تخفيفاً.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {تخيرون} أصله تتخيرون، وإنما حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
ونظير ذلك في التنزيل كثير، من ذلك قوله تعالى (أَمّا مَنِ استَغنىفَأَنتَ لَهُ تَصَدّى): تَصَدّى: أي تتصدى. يعني: تتعرض له وتقبل عليه ليسلم.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: فالأصل تَتصَدَّى، ولكن حذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين.
قال أبو السعود في تفسيره: (فَأَنتَ لَهُتصدى) أي تتصدَّىوتتعرضُ بالإقبالِ عليهِ والاهتمامِ بإرشادِه واستصلاحِه.
ومنه (وَأَمّا مَن جاءَكَ يَسعىوَهُوَ يَخشىفَأَنتَ عَنهُ تَلَهّى): تَلَهّى: أي تتلهى. يعني: تنشغل عنه بغيره وتعرض عنه.
قال القرطبي في تفسيره: وأصله تتلهى، يقال: لهيت عن الشيء ألهى: أي تشاغلت عنه. والتلهي: التغافل.
ومنه (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا): تَلْقَفْ: أي تتلقف. يعني: تبتلع وتلتهم بسرعة هائلة.
قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: وأصل تلقف تتلقف حذفت إحدى التاءين.
قال ابن عطية في المحرر: وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «تزاور» بتخفيفها بتقدير تتزاور فحذفت إحدى التاءين.
ومنه (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ): تُمْسِكُوا: أي تتمسكوا.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والأصل تتمسكوا من قولك تمسكت بالشيء إذا أنت لم تخله من يدك أو إرادتك، فحذفت إحدى التاءين.
ومنه (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ): تَقَطَّعَ: أي تتقطع، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.
قاله البغوي في تفسيره.
ومنه {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ}: فإن تولوا أي: تتولوا فحذفت إحدى التاءين.
قاله الشوكاني في فتح القدير.
ومنه {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}: أي تتلظى، فحذفت إحدى التاءين.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {لما تخيرون} تختارون وتشتهون.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والثعلبي في تفسيره، والواحدي في البسيط، وابن الجوزي في زاد المسير، وأبو السعود في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير.
إلا أن الشوكاني قال: ومعنىتخيرون: تختارون وتشتهون.
وزاد الواحدي: أي أعندكم كتاب من الله بهذا.
قال السمرقندي في بحر العلوم: إن لكم فيه لما تخيرون يعني: في الكتاب مما تتمنون.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: ومعنى الآية: هل لكم كتاب، من عند الله تدرسون فيهأن لكم ما تختارونه لأنفسكم.
قال الطبري في تفسيره: وقوله: {إن لكم فيه لما تخيرون} يقول جل ثناؤه: إن لكم في ذلك الذي تخيرون من الأمور لأنفسكم، وهذا أمر من الله، توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وهذا توبيخ وتقريع لهم لما كانوا يتقولون من الكذب.
المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿إِنَّ لَكُم فيهِ لَما تَخَيَّرونَ﴾ [القلم: 38]
إن لكم في ذلك الكتاب ما تتخيرونه لكم في الآخرة.
........................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*قوله {أَم}:* شروع في حجة ودليل آخر؛ وذلك لما زعم المشركون أن لهم ما للمسلمين فاحتج الله عليهم بقوله ﴿أَفَنَجعَلُ المُسلِمينَ كَالمُجرِمينَما لَكُم كَيفَ تَحكُمونَ﴾: أي أننا لم نفعل ولن نفعل ذلك، لن نجعل المسلمين كالمشركين، ولأن ما أوحي إليكم ناطق بغير بذلك، فما لكم كيف تقضون هذا القضاء الجائر؟!.
ثم احتج عليهم بقوله (أَم لَكُم كِتابٌ فيهِ تَدرُسونَإِنَّ لَكُم فيهِ لَما تَخَيَّرونَ﴾: أي هل لكم فيما تزعمون كتاب أنزل إليكم غير القرآن تقرؤون فيه أن للمجرمين ما للمسلمين؟، وأن فيه ما تتخيرون وتشتهون لأنفسكم من الكرامة؟.
ثم احجتج عليهم بسؤال أخر (أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَةِ إِنَّ لَكُم لَما تَحكُمون)، وسيأتي تأويله في ثنايا هذا التفسير.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {أَم}: للانتقال إلى دليل آخر وهو نفي أن يكون مستند زعمهم عهداً أخذوه على الله لأنفسهم أن يعاملهم يوم القيامة بما يحكمون به لأنفسهم ، فالاستفهام اللازم تقديره بعد {أم} إنكاري.
*قوله {لَكُم}:* في الكتاب المشار إليه في قوله (أَم لَكُم كِتابٌ فيهِ تَدرُسون).
قال الطبري في تفسيره: {أَم لَكُم}: فيه.
*قوله {أَيمانٌ}:* عهود ومواثيق مؤكدة بالأيمان، أي بالأقسام، والحلف. يريد: أي: هل حلفنا لكم في هذا الكتاب؟!.
و "أيمان" جمع يمين، وهي القسم والحلف.
قال أبو حيان في البحر المحيط: أم لكم أيمان: أي أقسام علينا.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {أيمان} أي أقسمناها لكم لإِثبات حقكم علينا.
*فائدة:*
قال الزمخشري في المخصص: واليمين من الحلف مؤنثة يقال حلفت على يمين فاجرة ويقال في جمعها أيمان.
قال الرازي في مختار الصحاح: واليمين القسم، والجمع (أيمن) و (أيمان) قيل: إنما سميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {أم لكم أيمان} عهود ومواثيق.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، وسراج الدين النعماني في اللباب، والخطيب الشربيني في السراج المنير، .
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: أم لكم أيمان علينا يعني ألكم عهود علينا.
قال النسفي في مدارك التنزيل، والإيجي الشافعي في جامع البيان: (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا): عهود مؤكدة بالأيمان.
*قوله {عَلَينا}:* قد حملتمونا إياها.
قاله الخطيب الشربيني في السراج المنير.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقوله : {علينا} صفة ثانية ل {أيمان} أي أقسمناها لكم لإِثبات حقكم علينا .
*قوله {بالِغَةٌ}:* وثيقة، مؤكدة متناهية في التوكيد عاهدناكم بها؟!.
يريد: هل حلفنا لكم أيها المشركون على أن لكم ما للمؤمنين، فلكم علينا بذلك عهود ومواثيق ثابتة يجب علينا الوفاء بها؟!؛ فإننا لم نفعل ذلك، فمن أين لكم ما تزعمون؟!، (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون).
وفيه دليل على أهمية اليمين وكيف هي ملزمة، فكأن الله يقول: هل وجدتم في هذا الكتاب أني حلفت لكم؟، لأننا إن أقسمنا لكم أن ندخلكم الجنة لوجب الوفاء علينا، ولكننا لم نفعل.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: يقال: لفلان علي يمين بكذا إذا ضمنته منه وخلقت له على الوقاء به يعني أم ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: أيمان علينا بالغة أي: ألكم عهود على الله تعالى حلف لكم على ما تدعون بأيمان بالغة، أي: مؤكدة.
قال الشوكاني في فتح القدير: أم لكم أيمان علينا بالغة أي: عهود مؤكدة موثقة متناهية، والمعنى: أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة.
قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ قوله:} أيمان علينا بالغة {[القلم: 39] أي منتهية في التوكيد.
قال أبو حيان في البحر المحيط: بالغة: أي متناهية في التوكيد. يقال: لفلان علي يمين إذا حلفت له على الوفاء بما حلفت عليه.
قال الماوردي في النكت والعيون: والبالغة المؤكدة بالله.
قال القرطبي في تفسيره: (علينا بالغة) مؤكدة. والبالغة المؤكدة بالله تعالى. أي أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة.
قال الزجاج في معانيا لقران واعرابه: {أم لكم أيمان علينا بالغة} معناه مؤكدة.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله تعالى: {أم لكم أيمان علينا بالغة} أي: مؤكدة، ومعنى البالغة في كلام العرب في مثل هذه المواضع: هو بلوغ النهاية، يقال: هذا شيء جيد بالغ، أي: بلغ النهاية في الجودة.
قال السمرقندي في بحر العلوم: أم لكم أيمان علينا بالغة؟ يعني: ألكم عهد عندنا وثيق؟ إلى يوم القيامة. يعني: في يوم القيامة.
قال الواحدي في الوسيط: {أم لكم أيمان علينا بالغة}: يقول: ألكم عهود على الله بالغة؟
قال البغوي في تفسيره: ( علينا بالغة ) مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا فلا ينقطع عهدكم.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {بالغة}مؤكَّدة . وأصل البالغة: الواصلة إلى ما يُطلب بها ، وذلك استعارة لمعنى مغلظة ، شبهت بالشيء البالغ إلى نهاية سيره وذلك كقوله تعالى: {قل فللَّه الحجة البالغة} [ الأنعام : 149 ] .
*قوله {إِلى يَومِ القِيامَة}:* مخاطبة للكفار، كأنه يقول: هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأنا ننعمكم في يوم القيامة وما بعده؟.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.
قال أبو حيان في البحر المحيط: ويوم القيامة متعلق بما تعلق به الخبر وهو لكم، أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة، أو ببالغة: أي تبلغ إلى ذلك اليوم وتنتهي إليه.
قال الطبري في تفسيره: (أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَة) هل لكم أيمان علينا تنتهي بكم إلى يوم القيامة، بأن لكم ما تحكمون أي بأن لكم حكمكم.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: إلى يوم القيامة يقول «حلفنا» لكم على يمين فهي لكم علينا بالغة لا تنقطع إلى يوم القيامة.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)، متعلق إما بـ بالغة، أو بمتعلق لكم.
*قوله {إِنَّ}:* معناه بأن.
*قوله {لَكُم}:* في ذلك العهد.
قاله البغوي في تفسيره.
*قوله {لَما}:* بمعنى "ما" واللام زائدة.
*قوله {تَحكُمونَ}:* تقضون. وقد سبق أن الحكم معناه: القضاء، وذكر نظائرها في كتاب الله عز وجل.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (إن لكم لما تحكمون) يعني: ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.
قال القاسمي في محاسن التأويل: {إن لكم لما تحكمون} أي تقضون من أمانيكم ومزاعمكم.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وقوله: (إن لكم) هو جواب القسم الذي يقتضيه الأيمان، ولذلك أكده بإن واللام وما تحكمون هو اسم إن دخلت عليه اللام المؤكدة.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} به لأنفسكم وهو جواب القسم لأن معنى أَمْ لَكُمْ أيمان علينا أم أقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ)، جواب القسم، فإن حاصله أم أقسمنا لكم.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني ما تقضون لأنفسكم في الآخرة من الخير سلهم يا محمد.
قال السمرقندي في بحر العلوم: إن لكم لما تحكمون يعني: ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي: ما تحكمون، يقول: أم حلفا لكم بأن لكم ما تحكمون به. أي: لم نفعل.
قال ابن كثير في تفسيره: {إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي: أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة، {إن لكم لما تحكمون} أي: إنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون.
المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
أم لكم علينا عهود مؤكدة بالأيمان مقتضاها أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم؟!.
.....................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} القلم: (40).
*قوله {سَلْهُمْ}:* سؤال تبكيت، وتوبيخ، وتقريع.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {سَلْهُمْ} أي المشركين.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي يا محمد اسأل قريشا.
قال أبو العباس ابن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: {سَلْهُمْ} أي: المشركين، وهو تلوين للخطاب، وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاطهم عن رتبة الخطاب، أي: سَلْهم مبكتاً لهم.
*قوله {أَيُّهُمْ}:* اسم استفهام مبتدأ مرفوع...و (هم) مضاف إليه.
قاله الصافي في الجدول في إعراب القرآن.
*قوله {بِذَلِكَ}:* الحكم الذي زعموه. وقد سبق أن الحكم معناه: القضاء.
قال النسفي في مدارك التنزيل {أَيُّهُم بذلك} الحكم.
قال الجلال المحلي في الجلالين: {سلهم أيهم بذلك} الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل من المؤمنين.
*قوله {زَعِيمٌ}:* كفيل. قال المخزومي: قلت كفي لك رهن بالرضا ... وازعمي يا هند قالت قد وجب. أي: اكفلي.
قاله بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن.
قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: والزعيم: الكفيل، وفي الحديث: "الزعيم غارم". وزعيم القوم: سيدهم.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وزعمت به أزعم زعما وزعامة، أي كفلت. والزعيم: الكفيل: وفي الحديث: " الزعيم غارم ". والزعامة: السيادة. وزعيم القوم: سيدهم.
قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: الزعيم: الكفيل، والغارم: الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {زَعِيمٌ}: كفيل.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم جمع.
إلا أن الطبري قال: (زَعِيمٌ) يعني: كفيل به، والزعيم عند العرب: الضامن والمتكلم عن القوم.
وقال النسفي: {زَعِيمٌ}: كفيل بأنه يكون ذلك.
زاد ابن قتيبة: يقال: زَعَمْتُ به أزعُم زَعْمًا وزَعَامَةً؛ إذا كَفَلْت.
قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {زعيم}: ضمين.
قلت (عبدالرحيم): فيه مسائل:
*المسألة الأولى:*
قوله تعالى (زعيم): أي ضامن، وكفيل. ومنه الحديث الذي فيه: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا...» (1)، زعيم أي ضامن.
قال الخطابي في معالم السنن: الزعيمالضامنوالكفيل والزعامة الكفالة ومنه قول الله سبحانه {وأنا به زعيم} [يوسف: ٧٢].
قال في الغريبين في القرآن والحديث: زعيم: أي كفيل وضامن.
قال في النظم المستعذب في شرح ألفاظ المهذب: أى كفيل وضمين، والزعامة: الكفالة.
*المسألة الثانية:*
قوله تعالى {زَعِيمٌ}: أي ضمين، وحميل، وكفيل، وكله من معاني الزعامة وهي: الكفالة، والضمان. لذا ستجد من أهل العلم من يجمع في تفسيرها بأكثر من معنى.
قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: «زعيم»: أي ضمين وكفيل.
قال الخطابي في غريب الحديث: الزعيم بمعنى الضمين والكفيل.
*المسألة الثالثة:*
قوله تعالى {زَعِيمٌ}: ضمين بمعنى ضامن. فهو فعيل بمعنى: فاعل، مثل: قدير يعني: قادر. وعليم يعني: عالم. ونصير يعني: ناصر. وشهيد: بمعنى شاهد.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: والنصير: فعيل بمعنى فاعل.
قال أبو حيان في البحر المحيط: الشهيد فعيل بمعنى فاعل.
قال البسيلي في التقيبد الكبير: ورحيم: فعيل بمعنى فاعل.
قلت: ونظير ذلك في التنزيل كثير، من ذلك قوله تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ): كَظِيمٌ: أي كاظم، أي يكتم حزنه الشديد.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وهو في موضع كاظم خرج مخرج عليم وعالم.
قال محمد ثناء الله في التفسير المظهري: "فالكظيم محتبس النفس يعني الساكت، فهو فعيل بمعنى فاعل، والمعنى: كاظم غيظه وحزنه... ".
ومنه {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي محبسا. من حصرت الشيء: إذا حبسته.فعيلبمعنىفاعل.
ومنه (الله ولي الذين آمنوا): الولي فعيل بمعنى فاعل.
قاله القرطبي في تفسيره.
*المسألة الرابعة:*
أن معنى قوله تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}: يعني سل هؤلاء المشركين الذين يقضون لأنفسهم بأن لهم ما للمسلمين من الكرامة والنعيم يوم القيامة من يضمن لهم ذلك القضاء الجائر؟.
هل الله يضمن لهم ذلك؟ - كلا - (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).
أم المسلمون؟ - كلا - (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ).
فلم يبق إذا إلا أهل الإشراك فهل يضمن بعضهم لبعض ذلك؟ - كلا - بل يكفر ويلعن بعضهم بعضا (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).
فلم يبق بعد إلا الأصنام التي كفروا من أجلها (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)، لذا قال الله بعدها - من سورة القلم - (أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ). وسيأتي تأويله - إن شاء الله -.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ثم أمر تعالى نبيه محمدا على وجه إقامة الحجة، أن يسألهم عن الزعيم لهم بذلك من هو؟ والزعيم: الضامن للأمر والقائم به.
قال الفراء في معاني القرآن: قوله: «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» يريد: سلهم ثُمَّ انظر أيهم يكفل بذلك.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {سلهم أيهم بذلك زعيم}: حميل يحمل عنا لهم بأن لهم ما يحكمون يوم القيامة لأنفسهم؛ هذا لقول أحدهم: {ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} للجنة إن كانت جنة.
قال الواحدي في الوسيط، والبغوي في تفسيره: أيهم كفيل لهم، بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين؟.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: أيهم كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي سل يا محمد هؤلاء المتقولين علي: أيهم كفيل بما تقدم ذكره. وهو أن لهم من الخير ما للمسلمين.
قال الزمخشري في الكشاف: أيهم بذلك الحكم زعيم أى قائم به وبالاحتجاج لصحته، كما يقوم الزعيم المتكلم عن القوم المتكفل بأمورهم.
قال الشوكاني في فتح القدير: سلهم أيهم بذلك زعيم أي: سل يا محمد الكفار، موبخا لهم ومقرعا، أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب، كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها.
قال السعدي في تفسيره: وقوله: {سلهم أيهم بذلك زعيم} أي: أيهم الكفيل بهذه الدعوى الفاسدة، فإنه لا يمكن التصدر بها، ولا الزعامة فيها.
.....................
(1): شطر من حديث رواه أبو داود (4800)، وأبو بشر الدولابي في الكنى والأسماء (1643)، والطبراني في الأوسط (4693)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم: 1464، وأوره في الصحيحة برقم: 273.
...................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ﴾ [القلم: 41].
*قوله {أَم لَهُم}:* أي ألهم فيما يدّعون، ويزعمون أن لهم ما للمسلمين يوم القيامة.
قال القرطبي في تفسيره: (أملهمشركاء) أي ألهم والميم صلة.
*قوله {شُرَكاءُ}:* آلهة تكفل لهم بما يقولون.
قاله الواحدي في الوجيز.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله عز وجل: (أم لهم شركاء) يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى.
*قوله {فَليَأتوا}:* يعني المشركين.
*قوله {بِشُرَكائِهِم}:* أي بأصنامهم.
والمعنى: فليأتيوا بأصنامهم يوم القيامة، لتضمن وتكفل لهم ما يزعمون.
وهذا تعجيز المراد منه التوبيخ، وأنى لهم أن يأتوا بهذه الآلهة يوم القيامة، وهي لم تنفعهم بنافعة في الدنيا، فكيف بعدما فنيت وأبيدت؟.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: (أم لهم شركاء فليأتوابشركائهم)هذا تعجيز للكفار، ومعناه: إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء فأتوا بهم.
قال الواحدي في الوجيز: {فليأتوابشركائهم} لتكفل لهم.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أيفليأتوابشركائهميوم القيامة.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقرأ ابن أبي عبلة وابن مسعود: «أم لهم شركاء
فليأتوابشركهم» بكسر الشين دون ألف، والمراد بذلك على القراءتين الأصنام.
*قوله {إِن كانوا صادِقينَ}:* في دعواهم بأن لهم ما للمسلمين في الآخرة.
قال الشوكاني في فتح القدير: {إِن كانوا صادِقينَ} فيما يقولون، وهو أمر تعجيز.
قال الزمخشري في الكشاف: (إن كانوا صادقين) في دعواهم.
قال السمرقندي في بحر العلوم: (فليأتوابشركائهمإن كانوا صادقين) يعني: يشهدون أن لهم في الآخرة ما للمسلمين، فهذا كله لفظ الاستفهام، والمراد به الزجر واليأس، يعني: ليس لهم ذلك.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فليأتوا بشركائهم يعني بشهدائهم فيشهدوا لهم بالذي يقولون إن كانوا صادقين بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير.
قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: ألهؤلاء القوم شركاء فيما يقولون ويصفون من الأمور التي يزعمون أنها لهم، فليأتوابشركائهم في ذلك إن كانوا فيما يدعون من الشركاء صادقين.
المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ﴾ [القلم: 41]
أم لهم شركاء من دون الله يساوونهم في الجزاء مع المؤمنين؟! فليأتوا بشركائهم هؤلاء إن كانوا صادقين فيما يدّعونه من أنهم ساووهم مع المؤمنين في الجزاء.
.....................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*قوله {فَأَقبَلَتِ}:* أخذت، وشرعت. وليس معناه إقبال من مكان إلى مكان.
قال الفراء في معاني القرآن: ولم تقبل من موضع إلى موضع إنما هو، كقولك: أقبل يشتمني، أخذفيشتمي.
*قوله {امرَأَتُهُ}:* يعني امرأة إبراهيم - عليه السلام -، وهي سارة.
*قوله {صَرَّة}ٍ:* أي في صيحة.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، ومكي في تفسير المشكل، والبغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط.
إلا أن غلام ثعلب قال: {فيصرة} أي:في صرخة وصيحة، وفيصرة.
وزاد القرطبي: وضجة.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وهو منصرالقلم وغيره إذاصوت.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «فيصرة» شدة صوت، يقال: أقبل فلان يصطر أي يصوت صوتا شديدا.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ): فِيهَا صِرٌّ: أي فيها صوت شديد جراء لهيب النار.
قال الشوكاني في فتح القدير: والصر: البرد الشديد، أصله: من الصرير الذي هو: الصوت، فهوصوتالريح الشديد.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وجعلفيهاصرأيصوت، وهذا يخرج في اللغة.
وإنما جعلفيهاصوتا لأنه جعلفيهانارا كأنها نار أحرقت الزرع - فالصر على هذا القولصوتلهيب النار، وهذا كله غير ممتنع.
ومنه {إنا أرسلنا عليهم ريحاصرصرا}: يقول تعالى ذكره: إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحاصرصرا، وهي الشديدة العصوف في برد، التي لصوتهاصرير، وهي مأخوذة من شدةصوتهبوبها إذا سمعفيها.
قاله الطبري في تفسيره.
*قوله {فَصَكَّت وَجهَها}:* أي ضربت جبهتها بأصابعها.
قاله مكي في تفسير المشكل.
قال الفراء في معاني القرآن: أي جمعت أصابعها، فضربت جبهتها.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {فصكت وجهها} أي ضربت بجميع أصابعها جبهتها.
جاءتني رسالة من إدارة الموقع، من الشيخ مخلص البارقي - حفظه الله - بأن أنشر بهذه الطريقة التي تراها، وحذرني من إنشاء مواضيع جديدة تتعلق بموضع واحد، كما أفعل في معاني وغريب القرآن؛ لكثرة ما أنشره (ماشاء الله لا قوة إلا بالله).
*قوله {فَذَرْنِي}:* فاتركني، ودعني، وخلني. يقال: خذ أو ذر. يعني: خذ أو دع، واترك، وخله.
ومنه ما رواه البخاري في صحيحه (5076)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ».
فقوله (فَاخْتَصِ): من الاختصاء (1)، وقوله (أو ذر): يعني أو اترك. وفي رواية: "أو دَعْ". يعني: سواء اختصيت أم تركت فقدر الله نافذ فيك لا محالة.
قال الكَرمانيّ الحنفي المشهور بـابن المَلَك في: شرح مصابيح السنة للإمام البغوي: "أو ذر"؛ أي: اترك الاختصاء.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: وتقول: ذَرْهُ، أي دعه.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {فذرني}: فاتركني، ودعني، وخلني وهذا، وكِلْ أمره إليّ؛ فلا تنشغل به فأنا أكفيك أمره، وإليّ مرجعه أجازيه؛ فلدينا ما لا يقادر قدره، (إِنَّ لَدَينا أَنكالًا وَجَحيمًاوَطَعامًا ذا غُصَّةٍ وَعَذابًا أَليمًا﴾.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (فذرني) أي دعني.
قال أبو حيان في البحر: فذرني ومن يكذب بهذا الحديث، المعنى: خل بيني وبينه، فإني سأجازيه وليس ثم مانع.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ} وعيد ولم يكن ثم مانع، ولكنه كما تقول: دعني مع فلان، أي سأعاقبه.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: دع هؤلاء الذين لا يؤمنون بالقرآن.
قال الواحدي في الوسيط: يقول: خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن.
قال السمعاني في تفسيره: أي: خلني وإياه وكله إلي لأجازيه بعمله.
قال البغوي في تفسيره: أي فدعني والمكذبين بالقرآن، وخل بيني وبينهم.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: خل بيني وبينه.
قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كِلْ يا محمد أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إلي.
قال التستري في تفسيره: قوله تعالى: (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) قال: يعني كله إلي، فإني أكفيك أمره، ولا تشغل به قلبك.
قال الزمخشري في الكشاف: كأنه يقول: حسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلى وتخلى بيني وبينه، فإني عامل بما يجب أن يفعل به مطيق له، والمراد: حسبي مجازيا لمن يكذب بالقرآن، فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل على في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهديدا للمكذبين.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فذرني}: أي فاتركني، ودعني، وخلني. ومنه قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا): يعني اترك هذا الذي خلقته وحيدا، وفوض أمره إلي، وهو الوليد بن المغيرة؛ خلقه الله وحيدا بغير مال ولا ولد.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
ومنه (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ): أي لا تترك لهم عظما ولا لحما ولا دما إلا أحرقته. وكرر اللفظ تأكيدا.
قاله القرطبي في تفسيره.
قال الكفوي في الكليات: أي لا تبقي على شيء يلقى فيها، ولا تدعه حتى تهلكه.
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي لا تدع غاية من العذاب إلا أذاقته إياها.
ومنه (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ): يعني أتعبدون هذا الصن، وتتركون وتدعون عبادة الله؟!.
قال الجلال المحلي في الجلالين: (وَتَذَرُونَ): تتركون.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (وتذرونأحسنالخالقين):تتركونعبادته.
قال السمرقندي في بحر العلوم: وتذرونأحسن الخالقينالذي خلقكم يعني:تتركونعبادة الله.
ومنه {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}: يقول: وتدعون الذي خلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهن، فأحله لكم.
قاله الطبري في تفسيره.
ومنه (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ): {فذرهم} اتركهم.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.
قال النسفي في مدارك التنزيل: فدع المكذبين.
ومنه (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا:) أي يتركونه فلا يؤمنون به ولا يعملون له.
قاله البغوي في تفسيره.
قال الطبري في تفسيره: يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: يتركون العمل لما هو أمامهم يوما ثقيلا يعني: ليوم.
قال الطبري في تفسيره: وذروا يعني ودعوا ما بقي من الربا، يقول: اتركوا طلب ما بقي لكم من فضل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربوا عليها إن كنتم مؤمنين.
ومنه (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ): وَذَرُوا: أي ودعوا، واتركوا.
قال التستري في تفسيره: يعني اتركوا المعاصي بالجوارح، ومحبتها بالقلب، وبالإصرار عليها.
ومنه (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا):
يعني: لا تدع على ظهر الارض من الكافرين ديارا، يعني: أحدا منهم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
ومنه (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ): وَذَرُوا الْبَيْعَ:اتركواالتبايع في الأسواق حالة النداء لتدركوا الخطبة والصلاة.
قاله الجرجاني في درج الدرر.
ومنه {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}: أي يتركهم.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ، والسمرقندي في بحر العلوم، والبقاعي في نظم الدرر، وغيرهم.
إلا أن البقاعي قال: أي يتركهم على حالة قبيحة.
و زاد السمرقندي: في ضلالتهم يترددون.
ومنه {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}: يعني: دعنا وائذن لنا نتخلف ونقعد مع القاعدين الذين تخلفوا في المدينة عن القاعدين.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال الطبري في تفسيره: (وقالوا ذرنا) ، يقول: وقالوا لك: دعنا، نكن ممن يقعد في منزله مع ضعفاء الناس ومرضاهم، ومن لا يقدر على الخروج معك في السفر.
ومنه (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ):{لاتذرنيفردا} أيلاتتركنيفردالاولد لي يرثني في نبوتي وعلمي وحكمتي ويرث ذلك من آل يعقوب حتىلاتنقطع منهم النبوة والصلاح.
قاله أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير.
قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {فذرني} منسوخ بآية السيف وكذلك {فاصبر لحكم ربك}.
*قوله {وَمَنْ}:* مفعول معه أو معطوف على ضمير المتكلم.
قاله القرطبي في تفسيره.
*قوله {يُكَذِّبُ}:* يجحد. والتكذيب: الجحود. ونحوه (وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ): قال ابن كثير في تفسيره: أي مايكذببها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون.
*قوله {بِهَذَا الْحَدِيثِ}:* يعني القرآن.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن كثير في تفسيره، وغيرهم.
إلا أن النسفي قال: {بهذا الحديث} بالقرآن والمراد كل أمره إليَّ وخل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به مطيق له فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عليّ في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد المكذبين.
وزاد ابن كثير: وهذا تهديد شديد أي دعني وإياه مني ومنه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر.
قال ابن عطية في المحرر: و «الحديث» المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيث): دليل أن كلام الله يسمى حديثا، قال تعالى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}: أي ومن أصدق منه كلاما.
وقد سمى الله القرآن الذي تكلم به حديثا في غير موضع من كتابه، من ذلك قوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا): قال الطبري في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يعني به القرآن.
ومنه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا): أي القرآن.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والبغوي في تفسيره.
إلا أن يحيى بن سلام يقول: يعني: القرآن. أي: فلا تفعل. وفيها تقديم.
ويقول الزجاج : يعنى بالحديثالقرآن.
ومنه (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ): يعني:القرآن. قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: بعدالقرآنإذ كذبوا به،فبأيشيء يؤمنونبعدهإيمانا ينتفعون به؟!
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فبأيحديثبعدهيؤمنون} أي: بأي كتاب بعدالقرآنيؤمنونإن لم يؤمنوا بهذا الحديثبعد ظهور براهينه وقيام الدلائل على أنه من عند الله؟ !
ومنه (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ): أفبهذاالحديث، يعنيالقرآنأنتم، يا أهل مكة،مدهنون.
قاله البغوي في تفسيره.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والحديثالمشار إليه هوالقرآنالمتضمن البعث.
ومنه (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ) : أي القرآن.
قاله نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والواحدي في الوجيز.
قال البغوي في تفسيره: أفمنهذاالحديث، يعنيالقرآن،تعجبونوتضحكون، يعني الاستهزاء، ولا تبكون، مما فيه من الوعد والوعيد.
ومنه (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ): أي فليأتوا بحديث مثل القرآن.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والهاء فيمثلهعائدة علىالقرآن.
قال الحوفي في البرهان في علوم القرآن: والضمير كناية عن القرآن، أي:ماكانهذاالقرآنحديثايفترى.
انتهى
*قوله {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ}:* سنأخذهم بالعذاب.
قاله البغوي في تفسيره.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، بيان لمضمون فذرني ومن يكذب بهذا الحديث باعتبار أن الاستدراج والإملاء يعقبهما الانتقام فكأنه قال: سنأخذهم.
قال الشريف الجرجاني في كتاب التعريفات: الاستدراج: الدنوّ إلى عذاب الله بالإمهال قليلًا قليلًا.
قال الزمخشري في الكشاف: استدرجه إلى كذا: إذا استنزله إليه درجة فدرجة، حتى يورطه فيه.
قال القشيري في لطائف الاشارات: والاستدراج: أن يريد الشيء ويطوى عن صاحبه وجه القصد فيه، ويدرجه إليه شيئا بعد شيء، حتى يأخذه بغتة.
قال السمعاني في تفسيره: الاستدراج في كلام العرب هو الأخذ قليلا قليلا، ومنه درج الصبي إذا مشى قليلا قليلا.
قال ابن عطية في المحرر: والاستدراج هو: الحمل من رتبة إلى رتبة، حتى يصير المحمول إلى شر وإنما يستعمل الاستدراج في الشر، وهو مأخوذ من الدرج.
قال الشوكاني في فتح القدير: والاستدراج: ترك المعاجلة، وأصله النقل من حال إلى حال، ويقال: استدرج فلان فلانا، أي: استخرج ما عنده قليلا قليلا، ويقال: درجه إلى كذا واستدرجه، بمعنى، أي أدناه إلى التدريج فتدرج هو. ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين، فقال: وأملي لهم أي: أمهلهم ليزدادوا إثما.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: استدرجَ يستدرج، استدراجًا، فهو مُستدرِج، والمفعول مُستدرَج
• استدرج اللهُ العبدَ: أخذه قليلاً قليلاً ولم يباغته، أمهله ولم يعجّل عذابَه " {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} ".
• استدرج فلانًا إلى كذا: خَدَعه حتى أطاعه، حمله على أن يفعل ما يريد بالإغراء أو الحيلة.
*قوله {مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}:* أنه استدراج؛ أي من حيث لا يشعرون، ومن حيث لا يتوقعون أنه استتدراج.
وكان من ذلك أن الله استدرجهم للقتال يوم بدر، وذلك أن العير قد نجت، وكان عليهم العودة من حيث أتوا ولكنهم لم يفعلوا فتلهم الله ببدر. وهذا شيء من استدراج الله - جل ذكره - لهم، ولا منتهى لمكره واستدراجه، ولا قبل لأحد به. (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ).
قال القرطبي في تفسيره: ثم قال (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) معناه سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون، فعذبوا يوم بدر.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} من الجهة التي لا يعشرون انه استدراج.
قال الواحدي في الوجيز: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أَيْ: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم.
قال ابن كثير في تفسيره: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون): أي وهم لا يشعرون بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال تعالى: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون.
تنبيه:
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}: هذا الكلام وإن كان قد ورد في شأن المشركين، إلا أنه ينبغي لأهل الإيمان أن يحذروا عقاب الله واستدراجه؛ فكم ممن يؤمل الستر فما يلبث إلا أن يفضحه الله، وكم ممن يرجو العفو فما يلبث وينقلب إلى الدار الآخرة فينصب عليه العذاب؛ فلا يغتر العبد وإن كان محسناً فليس بيننا وبين الله نسب، ولا طاقة ولا قبل لأحد بمكره وانتقامه؛ فليكن العبد دائما بين الخوف والرجاء (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا).
قال الزمخشري في الكشاف: وقيل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه.
قال ابن عطية في المحرر: وفي معنى الاستدراج قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».
قلت (عبدالرحيم): وأصله في الصحيحين، حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله لَيُمْلِي للظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
......................
(1): قال الضَّريرُ الشِّيرازي في المفاتيح في شرح المصابيح: (فاختَصِ) بصاد مكسورة من غير راء بعدها، وهو أمر مخاطب؛ أي: مِن اختَصَى: إذا جعل نفسه خَصِيًّا، وهو أن يقطع خصيتَهَ وذكره أو خصيتهَ دون ذَكَرِه.
وقال أيضا - الشِّيرازي -: قوله: "فاختَصِ على ذلك أو ذَرْ"، وفي رواية: "أو دَعْ".
......................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿وَأُملي لَهُم إِنَّ كَيدي مَتينٌ﴾ [القلم: 45].
*قوله {وَ}:* عطف على قوله (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ).
*قوله {أُملي لَهُم}:* أمهلهم.
قاله الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل، والقشيري في لطائف الإشارات، والقرطبي في تفسيره، والكفوي في الكليات، وأبو العلاء الحنفي في مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني، والجلال المحلي في الجلالين.
زاد القرطبي: وأطيللهمالمدة. والملاوة: المدة من الدهر.وأملىالله له أي أطال له.
وزاد أبو العلاء: موسعا عليهم.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي أُطيلُ لهم وأُمهلُهم.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَأُملي لَهُم} عطف على سنستدرجهم وهو داخل في حكم السين أي أمهلهم.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَأُملي لَهُم}: أي أمهلهم، وأؤخرهم، وأمد، وأنسأ لهم، يعني: أطيل لهم، وأنظرهم؛ إمهالا لا إهمالا.
قال الأزدي في جمهرة اللغة: وأمليت له أملي، إذا أنسأته وأخرته إملاء.
قال الواحدي في البسيط: الإملاء في اللغة الإمهال وإطالة المدة، وهو نقيض الإعجال.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: وأملى الله تعالى له: أي أمهله وطول له.
قال ابن منظور في لسان العرب: وأملى للبعير في القيد: أرخى ووسع فيه. وأملى له في غيه: أطال.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وأملي: مضارع أملى، مقصورا بمعنى أمهل وأخر وهو مشتق من الملا مقصورا، وهو الحين والزمن، ومنه قيل لليل والنهار: الملوان، فيكون أملى بمعنى طول في الزمان، ومصدره إملاء.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ): يعني سول لهم الشيطان، وأملى لهم الله، أي أمهلهم، وأمدهم.
قال السمعاني في تفسيره: أي أمهلهم بالمد لهم في العمر، وهو راجع إلى الله تعالى ومعناه: وأملى لهم الله تعالى.
قال النحاس في معاني القرآن: وَأَمْلَى لَهُم: المعنى وأملى الله لهم أي مد الله لهم في آجالهم ملاوة.
قال الطبري في تفسيره: وقوله(وَأَمْلَى لَهُمْ)يقول: ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سوّل لهم، والله أملى لهم.
قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: إِنَّمَا نُمْلِي: أي نطيل لهم المدة وندر عليه الأرزاق استدراجا لهم، والإملاء: الإمداد، ومنه قيل للمدة الطويلة ملاوة من الدهر، وملي من الدهر. قال تعالى: {واهجرني مليا} [مريم:٤٦] أي دهرا طويلا.
ومنه (وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ): فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ: أي أمهلتهم.
قاله في المغرب في ترتيب المعرب، والواحدي في الوجيز.
قال البغوي في تفسيره: يعني: أمهلتهم وأخرت عقوبتهم.
قال الطبري في تفسيره: يقول: فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم، فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب.
ومنه (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ): أي أنسأت في أجلها وأمهلتها، قال أبو بكر: اشتقاقه من الملوة وهي المدة من الزمان؛ ملوة وملاوة وملاوة.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.
ومنه - من سورة الأعراف -: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ): أي أؤخرهم.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب.
قال الطبري في تفسيره: وقوله: {وأملي لهم إن كيدي متين} [الأعراف: 183] يقول تعالى ذكره: وأنسئ في آجالهم ملاوة من الزمان، وذلك برهة من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم.
وقال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القران: أطيل المدّة وأتركهم ملاوة من الدهر.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {وَأُملي لَهُم}: أي: أمهللهموأؤخرلهم.
قاله السمعاني في تفسيره.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقول لا أعجل عليهم بالعذاب.
قال الشوكاني في فتح القدير: أي: أمهلهم ليزدادوا إثما.
قال بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن (وأملي لهم) انظرهم في الملاوة وهي الدهر.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: أطيل لهم وأمهلهم؛ حتى يبلغ الوقت الذي يعذبهم فيه.
قال الواحدي في الوجيز: أُمهلهم كي يزدادوا تمادياً في الشِّرك.
قال القرطبي في تفسيره: أي أمهلهم وأطيل لهم المدة . والملاوة : المدة من الدهر . وأملى الله له أي أطال له . والملوان : الليل والنهار . وقيل : " وأملي لهم " أي لا أعاجلهم بالموت ; والمعنى واحد .
*قوله {لَهُم}:* يعني المكذبين بالقرآن. إشارة إلى قوله (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ).
*قوله {إِنَّ كَيدي}:* بهم.
وصفة الكيد ثابتة لله تعالى على ما يليق به، ولا تذكر إلا مقابلة، فهي من الصفات التي لا تثبت لله مطلقا، ولا تنفى عنه مطلقا وإنما تذكر مقيدة، على جهة المقابلة؛ فيقال يكيد بالكافرين، كما في قوله (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ): يعني يستهزئ بالمنافقين، فلا يقال: إن الله يستهزئ، أو يمكر، أو يكيد مجردا، ولا يشتق منها أسماء لله - جل ذكره -، بل تساق فينا سيقت من أجله. كما في قوله تعالى ﴿إِنَّهُم يَكيدونَ كَيدًاوَأَكيدُ كَيدًا﴾ [الطارق: 15-16].
ونحوه قوله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). - وتفصيله في كتب العقائد -.
فهو - تعالى شأنه - يكيد بالكافرين ويأتيهم من حيث لا يحتسبوا. والكيد من الله حق ومحمود لتمام عدله، ومن الخلق غير ذلك، لظلمهم وحيفهم.
قال البغوي في تفسيره: والكيدمن الخلق:الحيلة، ومن الله: التدبير بالحق.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: (كيد):الكيد: ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموما وممدوحا، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر، وكذلك الاستدراج والمكر، ويكون بعض ذلك محمودا، قال: {كذلك كدنا ليوسف}، وقوله: {وأملي لهم إن كيدي متين}.
قال القاسمي في محاسن التأويل: (والكيد) : السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه. يقال: كاده يكيده، إذا سعى في إيقاع الضرر على جهةالحيلةعليه. أفاده الرازي.
قال الشوكاني في فتح القدير: والكيدمبدؤه السعي فيالحيلةوالخديعة، ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه.
قال الألوسي في روح المعاني: وأصل الكيدالاحتيال في إيجاد ما يضر مع إظهار خلافه.
*قوله {مَتينٌ}:* شديد، قوي محكم، ونافذ وواقع لا محالة لا يفوت طالبه؛ لا كما يكيد البشر؛ فقد يكيد شخص لآخر ولا يصله منه شيء، فكم ممن يكيد وهو المكاد.
فقوله تعالى {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي شديد.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره.
زاد الواحدي: لا يطاق.
زاد ابن قتيبة: و "الكيد": الحيلةُ والمكر.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني إن أخذي شديد.
وزاد ابن أبي زمنين: وكيده: أخذه إياهم بالعذاب.
قال الطبري في تفسيره - من سورة الاعراف -: {إن كيدي متين} [الأعراف: 183] يقول: {إن كيدي} [الأعراف: 183] بأهل الكفر قوي شديد.
المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿وَأُملي لَهُم إِنَّ كَيدي مَتينٌ﴾ [القلم: 45].
وأمهلُهم زمنًا ليتمادوا في إثمهم، إن كيدي بأهل الكفر والتكذيب قوي، فلا يفوتونني، ولا يسلمون من عقابي.
.........................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ}:* أي ألم تعلم أن الله. يعني: اعلم، فالاستفهام هنا تقريري.
قال ابن خالويه في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ومعنى «ألم تر» في أول السورة وكل ما في كتاب الله تعالى: ألم تعلم.
قال أبو حيان في البحر المحيط: {ألمتر}، وهذا الاستفهامتقريري، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جدا.
قلت (عبدالرحيم): من ذلك قوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}: ومعنى
(ألمترواكيفخلق الله): اعملوا أن الله خلق ذلك.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.
ومنه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}: فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟
قاله الطبري في تفسيره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى (ألم تر) ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.
ومنه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}: أَلَمْ تَرَ: ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصلح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم.
قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.
*قوله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}:* يعني المطر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
*قوله {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}:* بذلك الماء.
قال القرطبي في تفسيره {بِهِ}: أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة.
قال القصاب في النكت: وقوله: {فأخرجنا به} أضاف الفعل إلى نفسه، وكان الأول بلفظ الغائب، لقوله: {ألم تر أن الله أنزل} ؛ لأن الضمير هو المظهر في المعنى فقام أحدهما مقام الآخر.
*قوله {ثَمَرَاتٍ}:* تقديره: من الزروع ثمرات.
يريد: فأخرجنا بذلك الماء الذي نزل من السماء زروعا فأثمرت ثمرات؛ فاستغني عنه لظهوره ووضوحه؛ إذ الثمرات نتاج الزروع، وهذا من المختصر المحذوف.
ونظيرتها قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}: ولا تجهر بصلاتك: يعني ولا تجهر بقراءة صلاتك فيسمع المشركون، ولا تسر بها اسرارا لا يسمعها من خلفك من أصحابك؛ ولذن بين بين.
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك. ولا تخافت بقراءة صلاتك. وهومنالمختصر.
*قوله {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}:* كالأبيض، والأحمر، والأسود، وغيرها.
قال الماوردي في النكت والعيون: وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها.
*قوله {ومن الْجِبَالِ جُدَدٌ}:* أي ومن بعض هذه الجبال أيضا جدد مختلفة ألوانها كاختلاف ألوان الثمرات.
وليست كل الجبال كذلك، لأن من هذه الجبال الأبيض الخالص، والأحمر الخالص، والأسود الشديد السواد، لا لون فيه غير لونه، وبعضها مختلفة الألوان مما هو مشاهد.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:{مِنَ}: تبعيضية على معنى: وبعض تراب الجبال جدد.
*قوله {جُدَدٌ}:* مفردها: جُدة. نحو: غُدَة، وغُدَد. وهي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال مختلفة الألوان.
قال النحاس في إعراب القرآن: "جُدَدٌ" جمع جدّة.
قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: و"الجُدَدُ" واحدتها "جُدَّةٌ" و"الجُدَدِ" هي الوان الطرائق التي فيها مثل "الغُدَّة" وجماعتها "الغُدَدُ".
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {جُدَدٌ}: أي خطوط وطرائق. واحدتها: جُدَة.
قال السمرقندي في بحر العلوم: {ومن الجبال جدد بيض} يعني: خلق من الجبال جددا.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: (ومن الجبال جدد بيض) أي: ومما خلقنا من الجبال جدد.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {جُدَدٌ}: يعني خطوطا، وطرقا تكون في الجبل الواحد، فاصله واحد والخطوط فيه مختلفة. فال/جُدَة: هي الخط، والطريق يكون ظاهرا في الشيء ظهورا واضحا.
والمعنى: كما خلقنا ثمارا مختلفة ألوانها خلقنا في الجبال أيضا طرقا مختلفة الألوان، يخالف لونها لون الجبل؛ فكما أن الماء الواحد يخرج زرعا مختلفا ثماره، كذا خلق الله في الجبل الواحد خطوطا مختلفة الألوان.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {جدد}: أي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال؛ تكون كثيرة متفرعة كالعروق، وكالخطوط التي في الحمار الوحشي.
فقوله - الشاعر -: "وجُدَّةَ مَتْنِه": يعني: وخط ظهره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: " جُدَّةَ مَتْنِه " الخطَّة السوداء التي تراها في ظَهْرِ حِمارِ الوَحْشِ. وكل طريقةٍ جادَّة وجُدَّة.
قال القصاب في النكت: يعني بالجدة: الخطة السوداء التي في متن الحمار، والدليص: البراق.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:{جُدَدٌبِيضٌ} الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق،بيضوسُودوحمر، واحدها جُدّة.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجدد: جمع جدة بضم الجيم، وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه. يقال للخطة السوداء التي على ظهر الحمار جدة، وللظبي جدتان مسكيتا اللون تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.
*قوله {بِيضٌ}:* جمع أبيض. أي خطوط وطرائق بيض.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أبيض.
*قوله {وَحُمْرٌ}:* جمع أحمر. أي خطوط وطرائق حمر.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أحمر.
قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وحمر}: أَي طرائق حمرة.
*قوله {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}:* يعني جُدَدا مختلفة الألوان، غير الابيض والأحمر والأسود، وهذا تعميم بعد تخصيص.
قال الطبري في تفسيره: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}: يعني: مختلف ألوان الجدد.
*قوله {وَ}:* من هذه الطرق والخطوط التي تكون في تلك الجبال.
*قوله {غَرَابِيبُ}:* مفردها: غِرْبِيبٌ. وهي الشديدة السواد.
ومنه قول القائل، يصف العنب:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... يعصر منها ملاحي وغربيب.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وتقول: هذا أسود غِرْبِيبٌ، أي شديد السواد.
قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: واشتقاقه من الغراب لشدة سواده. يقال: هو أسود من حلك الغراب.
قال الواحدي في البسيط: {غرابيب سود}: وهو جمع غربيب، وهو الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب، يقال: أسود غربيب وغرابي.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والغِرْبِيبُ الشديد السوادِ.
قال أبو حيان في تحفة الأريب: {وغرابيب}: شديدة السواد.
*قوله {سُودٌ}:* مفردها: أسود. أي خطوط وطرائق سود.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أسود حالك.
وأصل الكلام: "وسودٌ غرابيبٌ": أي سوداء حالكة شديدة السواد. كما في قوله (صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)، ففي الكلام تقديم وتأخير.
والمعنى: ومن هذه الطرق والخطوط التي تكون في الجبال سود غرابيب، أي شديدة السواد.
قال الطبري في تفسيره: {وغرابيب سود} [فاطر: ٢٧] ، وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير؛ وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربيب، إذا وصفوه بشدة السواد، وجعل السواد ها هنا صفة للغرابيب.
قال العكبري في التبيان في إعراب القرآن: (وغرابيب سود) : الأصل: وسود غرابيب؛ لأن الغربيب تابع للأسود، يقال: أسود غربيب، كما تقول: أسود حالك.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وغرابيب سود): أي ومن الجبال غرابيب وهي الحرار، الجبال التي هي ذات صخور سود. والغربيب الشديد السواد.
قال الخطيب الشربيني في السراج: يقال: أسود غربيب أي: شديد السواد تشبيها بلون الغراب أي: طرائق سود.
قال السمين الحلبي في الدر المصون: وغرابيب: جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كقان وناصع وناضر ويقق.
قال الواحدي في الوجيز: {وغرابيب سود} وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود.
قال الخضيري في السراج: {وغرابيب سود}: شديدة السواد؛ كالأغربة.
*نكتة:*
قال ابن عرفة في تسيره: قوله تعالى: {وغرابيب سود } الأصل سود غرابيب، لكنه عكس إشارة لشدة السواد.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} أي: وسود غرابيب، فهو مؤخر يراد به التقدم.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: "غرابيب سود": مقدم، ومؤخر، معناه سود غرابيب.
قال البغوي في تفسيره: وغرابيب سود، يعني سود غرابيب على التقديم، والتأخير.
قال السمعاني في تفسيره: قَوْله: {مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} أَي: سود غرابيب على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، يُقَال: أسود غربيب أَي: شَدِيد السوَاد، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الله يكره الشَّيْخ الغربيب " أَي الَّذِي يسود لحيته، والخضاب بالحمرة سنة، أما بِالسَّوَادِ مَكْرُوه. وَمعنى الْآيَة أي: طرائق سود.
قال بيان الحق الغزنوي النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن: من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب، لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل: الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر.
قال الشوكاني في فتح القدير: قال الفراء:
في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أصله سود غرابيب حذف الموصوف ثم فسر به.
انتهى
*المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):*
﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُختَلِفًا أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ﴾ [فاطر: 27].
ألم تر - أيها الرسول - أن الله سبحانه أنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء ثمرات مختلفًا ألوانها فيها الأحمر والأخضر والأصفر وغيرها بعد أن سقينا أشجارها منه، ومن الجبال طرائق بيض وطرائق حمر، وطرائق حالكة السواد.
........................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*