عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
قوله تعالى
( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) التوبة [47]
هذه الآية تبين لك مرتبة من مراتب الإيمان بالقدر؛ وهي علم الله - تقدس اسمه - بالأشياء قبل كونها؛ فهو يعلم ما يكون في المستقبل؛ يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ).
قوله «لو خرجوا فيكم »: أي معكم.
حكاه الواحدي في البسيط عن ابن عباس.
قال مقاتل بن سليمان: يعني معكم إلى العدو.
قال مكي: لو خرج هؤلاء فيكم.
قال الزجاج: أعلم الله تعالى لم كره خروجهم بقوله: ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ).
حكاه الواحدي.
قوله « ما زادوكم إلا خبالا»: فسادا.
قاله الإيجي الشافعي، وغلام ثعلب، وأبو حيان، وأبو بكر السجستاني، ومكي، والسمرقندي، والسمعاني، والسيوطي.
وزاد السمعاني: وشرا.
وزاد السيوطي: بتخذيل المؤمنين.
وحكاه الماوردي عن ابن عباس.
وعنه - رضي الله عنه - عجزا وجبنا.
حكاه الواحدي.
قال الطبري: يقول: لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فسادًا وضرًّا، ولذلك ثبَّطتُهم عن الخروج معكم.
قال معمر بن المثنى، والزجاج، والنحاس، والواحدي: الخبال الفساد.
وزاد الواحدي: والشر.
وزاد الزجاج، والنحاس: وذهاب الشيء.
قال ابن قتيبة: أي شرا.
وقال القاسم ابن سلام: خبالا: يعني غيّا بلغة عمان.
وبه قال مقاتل.
وقيل: إلا غشا.
وقيل: إلا مكرا.
وقيل: إلا غدرا.
حكاه الواحدي في البسيط.
وقيل: اضطرابا.
حكاه الماوردي.
قال الواحدي: وذلك بتزيين أمر لفريق وتقبيحه عند فريق ليختلفوا فتفترق كلمتهم ولا تنتظم، يقول: لو خرجوا لأفسدوا عليكم أمركم، هذا معنى قول المفسرين.
قال الإيجي: ولا يلزم من هذا أن يكون للمؤمنين فساد وهم زادوه.
قوله «ولأوضعوا خلالكم»: أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة.
قاله السيوطي وبنحوه قال ابن أبي زمنين.
قال الواحدي هذا هو المعنى الصحيح.
قال مقاتل: يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي.
قاله مقاتل.
قال البغوي: ، أسرعوا ، خلالكم، في وسطكم بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة ونقل الحديث من البعض إلى البعض.
قال السمرقندي: يعني: إن المنافقين لو خرجوا معكم، يسرعون الإبل فيما بينكم ويؤذونكم.
قال الزجاج: يقال أوْضعتُ في السير إذا أسرعت، ولأسرعوا فيما يخل بكم.
قال غلام ثعلب: ولأسرعوا إلى الهرب.
قال معمر بن المثنى: أي لأسرعوا خلالكم.
قوله ( خلالكم ): وسطكم.
قاله الإيجي، والسمعاني.
وقال معمر بن المثنى: أي بينكم، وأصله من التخلل.
وقيل: فيما يخل بكم، أي: يسرعوا فيما ينقصكم.
حكاه مكي.
قال مكي: فيما بينكم، وهي الفُرَج تكون بين القوم في الصفوف.
قلت ( عبدالرحيم ): فتأمل كلام الله- تقدس اسمه - الذي علم البيان؛ في وصف أهل النفاق؛ من شدة ضررهم على المسلمين؛ وما ذاك إلا لشدة قربهم والتصاقهم بالمؤمنين، ولكثرتهم؛ فهم يتخللون بين الصفوق في الغزو للإفساد والشر وتثبيط المجاهدين وخذلانهم، كما تتخلل الشياطين بين صفوف المصلين؛ لتفسد عليهم صلواتهم.
قوله «يبغونكم»: يطلبون لكم.
قاله السيوطي.
قال مكي: أي يبغونها لكم، أي: يطلبون ما تفتنون به.
قوله «الفتنة»: يطلبون لكم ما تفتنون به، عن مخرجكم في مغزاكم, بتثبيطهم إياكم عنه.
قاله الطبري.
قال ابن أبن زمنين: أي يبغون أن تكونوا مشركين، وأن يظهر عليكم المشركون.
قال مقاتل، وابن زيد: يعني الكفر.
قال السمرقندي: يعني: يطلبون منكم الشرك، ويطلبون هزيمتكم وعيوبكم، ويفشون سركم.
قلت ( عبدالرحيم ): وقد سبق أنه لا فرق بين الشرك والكفر؛ قال الله على لسان صاحب الجنة- الظالم لنفسه ( يا ليتني لم أشرك بربي )، وقد قالها بعدما قال له صاحبه ( أكفرت بالذي خلقك من تراب)،
لكن الظاهر – والله أعلم – أن " الفتنة " في الآية عامة؛ فتشمل الكفر وما دونه؛ فهم يسعون سعيا حثيثا ليفتنوا أهل الإيمان عن كل خير؛ كما فتنوا أنفسهم؛ مصداقا لقوله تعالى عنهم - المنافقين - في سورة الحديد ( ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم ).
قال السيوطي : بإلقاء العداوة.
قوله «وفيكم»: معشر المؤمنين.
قاله مقاتل.
قوله « سماعون لهم»: وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يؤدُّونه إليهم، عيون لهم عليكم.
رواه الطبري معناه عن مجاهد، وابن زيد.
وقيل: وفيكم من يسمع كلامهم ويُطيع لهم.
قال السيوطي: ما يقولون سماع قبول.
وقال قتادة المعنى: وفيكم من يستمع كلامهم ويطيعهم، فلو صحبوكم أفسدوهم عليكم.
حكاه مكي.
قال معمر بن المثنى: أي مطيعون لهم سامعون.
قال السمرقندي: يعني: وفي عسكركم عيون وجواسيس للمنافقين، ويقال: وفيكم من يسمع ما يقوله المنافقون ويقبلون منهم.
قال الحسن: يعني: المنافقين أنهم عيون للمشركين عليكم يسمعون أخباركم فيرسلون بها إلى المشركين.
حكاه ابن أبي زمنين.
قال الطبري: وأولى التأويلين عندي في ذلك بالصواب، تأويلُ من قال: معناه: " وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يبلغونه عنكم، عيون لهم...
قوله «والله عليم بالظالمين»: تهديد؛ كقول من له سلطان على أحد: أنا أعلم ماذا تفعل. لأنه تعالى عليم بالظالمين وغيرهم.
قال السمرقندي: وهذا وعيد لهم، يعني: عَلِيمٌ بعقوبتهم.
لطيفة:
قال ابن زيد: سلّى الله عز وجل، نبيه صلى الله عليه وسلم، بهذه الآية في تخلف المنافقين عنه، فأخبره أنهم ضررٌ لا نفع فيهم.
حكاه مكي.
قلت ( عبدالرحيم ): ما قاله عبدالرحمن بن زيد - رحمه الله - حق؛ فكم يرجو العبدُ الخيرَ من صحبة صاحب؛ من صديق أو زوجة، ويكون عطبه في هذه الصحبة؛ فعلى العبد أن يسلم لخيرة مولاه، ولا يلح إلحاح المتذمر من قضاء ربه.
فتأمل - رعاك الله - حال الصحابة وهم قلة، ولم يخرج معهم هؤلاء، والشر كله في صحبتهم - وفي النفس حاجات وفيك فطانة.
انتهى
المصدر:
لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، تفسير الطبري، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) التوبة [47]
هذه الآية تبين لك مرتبة من مراتب الإيمان بالقدر؛ وهي علم الله - تقدس اسمه - بالأشياء قبل كونها؛ فهو يعلم ما يكون في المستقبل؛ يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ).
قوله «لو خرجوا فيكم »: أي معكم.
حكاه الواحدي في البسيط عن ابن عباس.
قال مقاتل بن سليمان: يعني معكم إلى العدو.
قال مكي: لو خرج هؤلاء فيكم.
قال الزجاج: أعلم الله تعالى لم كره خروجهم بقوله: ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ).
حكاه الواحدي.
قوله « ما زادوكم إلا خبالا»: فسادا.
قاله الإيجي الشافعي، وغلام ثعلب، وأبو حيان، وأبو بكر السجستاني، ومكي، والسمرقندي، والسمعاني، والسيوطي.
وزاد السمعاني: وشرا.
وزاد السيوطي: بتخذيل المؤمنين.
وحكاه الماوردي عن ابن عباس.
وعنه - رضي الله عنه - عجزا وجبنا.
حكاه الواحدي.
قال الطبري: يقول: لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فسادًا وضرًّا، ولذلك ثبَّطتُهم عن الخروج معكم.
قال معمر بن المثنى، والزجاج، والنحاس، والواحدي: الخبال الفساد.
وزاد الواحدي: والشر.
وزاد الزجاج، والنحاس: وذهاب الشيء.
قال ابن قتيبة: أي شرا.
وقال القاسم ابن سلام: خبالا: يعني غيّا بلغة عمان.
وبه قال مقاتل.
وقيل: إلا غشا.
وقيل: إلا مكرا.
وقيل: إلا غدرا.
حكاه الواحدي في البسيط.
وقيل: اضطرابا.
حكاه الماوردي.
قال الواحدي: وذلك بتزيين أمر لفريق وتقبيحه عند فريق ليختلفوا فتفترق كلمتهم ولا تنتظم، يقول: لو خرجوا لأفسدوا عليكم أمركم، هذا معنى قول المفسرين.
قال الإيجي: ولا يلزم من هذا أن يكون للمؤمنين فساد وهم زادوه.
قوله «ولأوضعوا خلالكم»: أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة.
قاله السيوطي وبنحوه قال ابن أبي زمنين.
قال الواحدي هذا هو المعنى الصحيح.
قال مقاتل: يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي.
قاله مقاتل.
قال البغوي: ، أسرعوا ، خلالكم، في وسطكم بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة ونقل الحديث من البعض إلى البعض.
قال السمرقندي: يعني: إن المنافقين لو خرجوا معكم، يسرعون الإبل فيما بينكم ويؤذونكم.
قال الزجاج: يقال أوْضعتُ في السير إذا أسرعت، ولأسرعوا فيما يخل بكم.
قال غلام ثعلب: ولأسرعوا إلى الهرب.
قال معمر بن المثنى: أي لأسرعوا خلالكم.
قوله ( خلالكم ): وسطكم.
قاله الإيجي، والسمعاني.
وقال معمر بن المثنى: أي بينكم، وأصله من التخلل.
وقيل: فيما يخل بكم، أي: يسرعوا فيما ينقصكم.
حكاه مكي.
قال مكي: فيما بينكم، وهي الفُرَج تكون بين القوم في الصفوف.
قلت ( عبدالرحيم ): فتأمل كلام الله- تقدس اسمه - الذي علم البيان؛ في وصف أهل النفاق؛ من شدة ضررهم على المسلمين؛ وما ذاك إلا لشدة قربهم والتصاقهم بالمؤمنين، ولكثرتهم؛ فهم يتخللون بين الصفوق في الغزو للإفساد والشر وتثبيط المجاهدين وخذلانهم، كما تتخلل الشياطين بين صفوف المصلين؛ لتفسد عليهم صلواتهم.
قوله «يبغونكم»: يطلبون لكم.
قاله السيوطي.
قال مكي: أي يبغونها لكم، أي: يطلبون ما تفتنون به.
قوله «الفتنة»: يطلبون لكم ما تفتنون به، عن مخرجكم في مغزاكم, بتثبيطهم إياكم عنه.
قاله الطبري.
قال ابن أبن زمنين: أي يبغون أن تكونوا مشركين، وأن يظهر عليكم المشركون.
قال مقاتل، وابن زيد: يعني الكفر.
قال السمرقندي: يعني: يطلبون منكم الشرك، ويطلبون هزيمتكم وعيوبكم، ويفشون سركم.
قلت ( عبدالرحيم ): وقد سبق أنه لا فرق بين الشرك والكفر؛ قال الله على لسان صاحب الجنة- الظالم لنفسه ( يا ليتني لم أشرك بربي )، وقد قالها بعدما قال له صاحبه ( أكفرت بالذي خلقك من تراب)،
لكن الظاهر – والله أعلم – أن " الفتنة " في الآية عامة؛ فتشمل الكفر وما دونه؛ فهم يسعون سعيا حثيثا ليفتنوا أهل الإيمان عن كل خير؛ كما فتنوا أنفسهم؛ مصداقا لقوله تعالى عنهم - المنافقين - في سورة الحديد ( ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم ).
قال السيوطي : بإلقاء العداوة.
قوله «وفيكم»: معشر المؤمنين.
قاله مقاتل.
قوله « سماعون لهم»: وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يؤدُّونه إليهم، عيون لهم عليكم.
رواه الطبري معناه عن مجاهد، وابن زيد.
وقيل: وفيكم من يسمع كلامهم ويُطيع لهم.
قال السيوطي: ما يقولون سماع قبول.
وقال قتادة المعنى: وفيكم من يستمع كلامهم ويطيعهم، فلو صحبوكم أفسدوهم عليكم.
حكاه مكي.
قال معمر بن المثنى: أي مطيعون لهم سامعون.
قال السمرقندي: يعني: وفي عسكركم عيون وجواسيس للمنافقين، ويقال: وفيكم من يسمع ما يقوله المنافقون ويقبلون منهم.
قال الحسن: يعني: المنافقين أنهم عيون للمشركين عليكم يسمعون أخباركم فيرسلون بها إلى المشركين.
حكاه ابن أبي زمنين.
قال الطبري: وأولى التأويلين عندي في ذلك بالصواب، تأويلُ من قال: معناه: " وفيكم سماعون لحديثكم لهم، يبلغونه عنكم، عيون لهم...
قوله «والله عليم بالظالمين»: تهديد؛ كقول من له سلطان على أحد: أنا أعلم ماذا تفعل. لأنه تعالى عليم بالظالمين وغيرهم.
قال السمرقندي: وهذا وعيد لهم، يعني: عَلِيمٌ بعقوبتهم.
لطيفة:
قال ابن زيد: سلّى الله عز وجل، نبيه صلى الله عليه وسلم، بهذه الآية في تخلف المنافقين عنه، فأخبره أنهم ضررٌ لا نفع فيهم.
حكاه مكي.
قلت ( عبدالرحيم ): ما قاله عبدالرحمن بن زيد - رحمه الله - حق؛ فكم يرجو العبدُ الخيرَ من صحبة صاحب؛ من صديق أو زوجة، ويكون عطبه في هذه الصحبة؛ فعلى العبد أن يسلم لخيرة مولاه، ولا يلح إلحاح المتذمر من قضاء ربه.
فتأمل - رعاك الله - حال الصحابة وهم قلة، ولم يخرج معهم هؤلاء، والشر كله في صحبتهم - وفي النفس حاجات وفيك فطانة.
انتهى
المصدر:
لغات القبائل الواردة في القرآن للقاسم بن سلام، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، تفسير الطبري، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424