قوله تعالى
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[التوبة:94]
*قوله {يعتذرون}:* يعني المنافقين؛ يعتذرون بالأباطيل، والكذب في تخلفهم عن السفر للغزو معكم.
*قوله {إليكم}:* وحدكم؛ لا إلى ربكم. وإنما الشأن أن يتوبوا إلى ربكم.
قال الطبري في تفسيره: يعتذر إليكم، أيها المؤمنون بالله، هؤلاء المتخلفون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، التاركون جهاد المشركين معكم من المنافقين، بالأباطيل والكذب، إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم.
*قوله {إذا رجعتم إليهم}:* إليهم من غزوة تبوك.
*قوله {قل}:* لهؤلاء المنافقين؛ المتخلفين عن الغزو.
*قوله {لا تعتذروا}:* بالباطل والكذب؛ لأن الله حسيبكم؛ يعلم ما في أنفسكم؛ وليس الشأن ان تعتذروا إلينا؛ إنما الشأن أن تتوبوا إلى الله. وهذه دأب المنافين؛ يسعون لرضا الناس؛ هاجرين رضى ربهم.
قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآي والسور: أي فإن أعذاركم كاذبة.
قال الواحدي في البسيط: فدل على فساد عذرهم بقوله: {قل لا تعتذروا}.
*قوله {لن نؤمن لكم}:* لن نصدقكم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان، والقرطبي في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والواحدي في الوجيز، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره، والنسفي في مداك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر.
وزاد النسفي: وهو علة للنهي عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به.
وزاد البقاعي: في شيء منها.
وزاد مقاتل: بما تعتذرون.
وزاد الطبري: على ما تقولون.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( لن نؤمن لكم ): لن نصدقكم.
ومنه قوله تعالى (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ):" بِمُؤْمِنٍ لَنَا ": أي بمصدق.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، واين قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب.
وزاد أبو عبيدة: ولا مقرّ لنا أنه صدق.
ومنه ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ): " تُؤْمِنُوا": تصدقوا.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: تصدقوا بعبادة الأوثان.
قال الواحدي في الوجيز: تصدقوا ذلك الشرك.
قال الطبري في تفسيره: يقول: وإن يجعل لله شريك تصدّقوا من جعل ذلك له.
قال السمرقندي في بحر العلوم يعني: إذا دعيتم إلى الشرك، وعبادة الأوثان، تصدقوا.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني وإن يعدل به تصدقوا.
*قوله {قد نبأنا الله}:* نبأنا" أي أخبرنا.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والسيوطي في الجلالين، وبه قال الواحدي في الوجيز، ومكي في الهداية، والقرطبي في تفسيره.
وزاد السيوطي: بأحوالكم .
قال الإيجي الشافعي: (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ): بالوحي.
قال الواحدي في الوجيز: أخبرنا الله بسرائركم وما تخفي صدوركم.
قال السمرقندي - ما نصه -: يعني: أخبرنا الله تعالى عنكم بأنه ليس لكم عذر.
قال الطبري: يقول قد أخبرنا الله من أخباركم، وأعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبَكم.
قلت (عبدالرحيم): قوله {قد نبأنا الله}: أي أخبرنا الله.
ونظيرتها في التنزيل أكثر من أن يحصى ( إلا ما شاء الله )؛
فمن ذلك ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ): "بِنَبَإٍ" قال الجلال المحلي في تفسير الجلالين: خبر.
وقال الإيجي الشافعي: بخبر.
قال الطبري: يقول: وجئتك من سبإ بخبر يقين.
قال السمرقندي: بنبإ يقين يعني: بخبر صدق لا شك فيه.
ومنه ( يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ): يُنَبَّأُ: أي يخبر بما قدم من عمل، وما خلفه بعد موته من شر.
قال الواحدي في الوجيز: يُخبر.
ومنه ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى): أي أم لم يخبر.
قاله الزجاج في معاني القرآن.
قال السمرقندي: يعني: ألم يخبر بما بين الله تعالى في صحف موسى.
ومنه ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ): النَّبَإِ: الخبر؛ القرآن أو البعث.
قال السمرقندي في البحر: عن الخبر العظيم.
ومنه ( وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ): أَنْبِئُونِي: أخبروني.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والواحدي في الوجيز.
قال السمرقندي في البحر: أي أخبروني عن أسماء هذه الأشياء التي في الأرض إن كنتم صادقين في قولكم أتجعل فيها من يفسد فيها.
ومنه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ): "بِنَبَأٍ": أي بخبر.
قاله الزجاج.
ومنه ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ): أَنْبَاءِ: أخبار. قاله الجلال المحلي.
ومنه ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ): الْأَنْبَاءِ: الأخبار.
قال الإيجي: أخبار الأمم السالفة.
وبنحوه قال الزجاج.
ومنه ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ): أَتُنَبِّئُونَ: أتخبرون.
قال الطبري: يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السماوات ولا في الأرض.
*قوله {من أخباركم}:* فيما سلف من أفعالكم، وأقوالكم.
قال الإيجي: بعض ما في صدوركم.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: قد أخبرنا الله عنكم وعن ما قلتم حين قال لنا: «لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا» يعني إلا عيا «ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة» فهذا الذي نبأنا الله من أخباركم.
قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط في التفسير: علة لانتفاء التصديق، لأنه تعالى إذا أخبر الرسول والمؤمنين بما انطوت عليه سرائرهم من الشر والفساد، لم يمكن تصديقهم في معاذيرهم. قال ابن عطية: والإشارة بقوله: قد نبأ الله من أخباركم إلى قوله: ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم، ونحو هذا.
(لطيفة):
قوله {قد نبأنا الله من أخباركم}: أي أخبرنا من أخباركم.
وهذا من بلاغة كلام الله؛ فقد غاير بين اللفظين مع أن معناهما واحد.
انتهى
*قوله {وسيرى الله عملكم ورسوله}:* أي سيرى الله عملكم؛ أتقيمون على النفاق، أم تقلعون عنه؛ إن كنتم صادقين في اعتذاركم.
قلت (عبدالرحيم): وفيه مسائل:
الأولى: قوله تعالى ( وسيرى الله ): فيه إثبات صفة الرؤية لله تعالى؛ على ما يليق به. ومنه قوله تعالى ( إنني معكما أسمع وأرى )، ومنه ( ألم يعلم بأن الله يرى )، ومنه ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ).
الثانية: تأمل كيف فتح لهم باب التوبة بعدما صدر منهم أنواعا من الكفر. وحقيق أن نذكر قوله تعالى في هذا الصدد ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ). فعلى العبد أن يقبل تائبا على ربه حسن الظن به؛ لأنه الغفور ( يقبل التوبة عن عباد ه). فينبغي أن يعظم الرغبة في الله، وإن عظم ذنبه؛ فلا يغفر الذنوب إلا هو.
الثالثة: قوله {وسيرى الله عملكم ورسوله}: يحتمل أن يكون تهديدا ووعيدا؛ من قبيل قوله تعالى ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ): أي أنه يراهم ويعلم حالهم لا تخفى عليه خافية؛ في الأمر عامة وفي أمر نفاقهم خاصة؛ فهو يحصي عليهم، ويحاسبهم به يوم القيامة.
قال البقاعي بقوله في نظم الدرر: هددهم بقوله: {وسيرى الله} أي لأنه عالم بكل شيء وإن دق قادر على كل شيء.
انتهى كلامه.
ويحتمل: أن يكون من قبيل فتح باب التوبة - كما أسلفت -؛ كأن الله يقول: إن كنتم صادقين في اعتذاركم؛ فسيرى الله صدقكم؛ الذي هو توبتكم، واصلاحكم بعدما أفسدتم؛ أي نحن سنرى صحة اعتذاركم. وقد علم كل شيء قبل ان يكون؛ لكن هذا من تمام عدله، وفضله - جل ذكره - .
قال مكي في الهداية: أي: فما بعد، هل تتوبون أم لا.
قال النسفي: أتنيبون أم تثبتون على كفركم.
قال الطبري: يقول: وسيرى الله ورسوله فيما بعد عملكم، أتتوبون من نفاقكم، أم تقيمون عليه؟.
قال السمرقندي في البحر: فيما تستأنفون وسيراه المؤمنون.
قلت: لأن ما رآه المؤمنون حسنافهو عند الله حسن.
قال الإيجي الشافعي: (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) في المستأنف أتتوبون أم تستمرون على نفاقكم؟ وجاز أن يكون معناه يمهلكم حتى تكتسبوا جرائم أخرى.
وأحمد الله الذي لا إله إلا هو؛ أن وفقني لما ذكرت؛ فبعد أن ألهمني الله ووفقني إلى كلماتي هذه؛ سيما قبل أن أطلع على كلام الإيجي والطبري، وغيرهم؛ فقد استفتيت فضيلة الشيخ حسين بن شفا – المدرس بدار الحديث بمكة - فيما جنحت إليه من هذين الاحتمالين فقال – سلمه الله - "كلا المعنيين صحيحين".
فشكر الله لفضيلته.
*قوله {ثم تردون}:* بالبعث.
قاله السيوطي في الجلالين.
قال السمرقندي في البحر: يعني: ترجعون بعد الموت.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ): قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي الرّجوع إلى أوّل الأمر. يقال: رجع فلان في حافرته، إذا رجع من حيث جاء، والمعنى: أئنا نعود بعد الموت أحياء.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقولون أإنا لراجعون على أقدامنا.
قال الجرجاني في درج الدُّرر في تفسير الآيِ والسور: يعني الرجعة إلى الشباب وعنفوان الأمر يقال: رجع الأمر إلى حافرته، وهي حافرته، وقيل: {الحافرة} الحفرة المحفورة وهي القبر.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: من حيث [جئنا] ، كما قال: رجع فلان في حافرته من حيث جاء وعلى حافرته من حيث جاء.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي نعود بعد الموت أحياء.
ومنه (بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ): "رُدُّوا" قال السمرقندي في البحر: يعني رجعوا إلى كفرهم.
ومنه ( سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ): رُدُّوا: قال الخازن في لباب التأويل: رجعوا إلى الشرك.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فلو تحقق تمنيهم وردوا واستراحوا من ذلك الهول لغلبت أهواؤهم رشدهم فنسوا ما حل بهم ورجعوا إلى ما ألفوا من التكذيب والمكابرة.
*قوله {إلى}:* الله.
*قوله {عالم الغيب }:* الغيب: كل ما غاب عنك.
قاله الجوهري الفارابي في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، وابن فارس في مجمل اللغة.
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: (غيب) الغين والياء والباء أصل صحيح يدل على تستر الشيء عن العيون، ثم يقاس. من ذلك الغيب: ما غاب، مما لا يعلمه إلا الله. ويقال: غابت الشمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرجل عن بلده. وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها.
قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: «علم الغيب، والإيمان بالغيب» وهو كل ما غاب عن العيون. وسواء كان محصلا في القلوب أو غير محصل. تقول: غاب عنه غيبا وغيبة.
*قوله {والشهادة}:* ما يشاهده الخلق.
فإن قلت: لما جمع الله تعالى بين الغيب والشهادة؛ والشأن علم الغيب ليس الشهادة؟ لماذا لم يكتف بذكر" الغيب" فقط؟
الجواب: إن ما غاب عن الخلق؛ في السموات وما فيها؛ من اللوح المحفوظ، والملائكة، وما خلق الله فيها من صفات وعدد، وما في الجنة؛ مالم تره عين وتسمعه أذن، إلى غير ذلك. وما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما فيها مما غاب؛ لهو أعظم مما يشاهده الخلق؛
فإذا ذكر الله عز وجل علمه بالغيب؛ مع عظم ذلك وأهميته؛ قد يوهم أنه ينشغل بهذه المغيبات عن المشاهدات – سبحانه -؛ وشأن الخلق إذا انشغلوا بالأمور العظام يعزب عنهم ما دون ذلك. لذا كما قال تعالى ( علم الغيب والشهادة ): أحاط علما بالجلي والخفي.
فكأن الله قال أنا عالم الغيب، ولا يشغلني ، ولا يثقلني ذلك عن الشهادة. (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ): إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ: إذ تأخذون، وتخوضون فيه.
قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : وقوله تعالى: ( عالم الْغَيْبِ والشهادة ): أي عالم ما غاب وشُهد.
قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: (عالم الغيب والشهادة): أي يعلم كل شيء مما يشاهده العباد ومما يغيب عنهم، ولا يخفى عليه منه شيء الكبير الذي هو أكبر من كل شيء.
قال أبو هلال الحسن بن مهران العسكري في الفروق اللغوية: الشهادة أخص من العلم وذلك أنها بوجود الأشياء لا من قبل غيرها والشاهد نقيض الغائب في المعنى ولذا سمي ما يدرك بالحواس ويعلم ضرورة شاهدا وسمي ما يعلم بشيء غيره وهو الدلالة غائبا كالحياة والقدرة وسمي القديم شاهدا لكل نجوى لأنه يعلم جميع الموجودات بذاته فالشهادة علم يتناول الموجود والعلم يتناول الموجود والمعدوم.
قال الطبري: يعني: الذي يعلم السر والعلانية، الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها.
قلت (عبدالرحيم): قوله ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ): أي ثم ترجعون إلى الله؛ إلى من يعلم ما غاب في السماوات والأرض وما بينهما عامة، وما غاب عنا من ضمائركم، وبواطنكم خاصة.
وإنما حسن أن يُذَكَّروا بعلم الله عز وجل بالغيب والشهادة؛ لأنهم ستروا كفرهم بنفاقهم، لم يعرفوا في الدنيا وكان الناس يعاملونهم على أنهم مسلمون وليسوا بمسلمين؛ فكان فيه زجر وتخويف بإعلامهم بعلم الله الشامل؛ عسى أن يتوبوا، ويقلعوا عن نفاقهم.
*قوله {فينبئكم بما كنتم تعملون}:* فيخبركم بما كنتم تكتمون وتسرون؛ فيجازيكم عليه.
انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
...............
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ 00966509006424
لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940