*(معاني وغريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*
قوله تعالى
﴿قالَ إِنّي أُريدُ أَن أُنكِحَكَ إِحدَى ابنَتَيَّ هاتَينِ عَلى أَن تَأجُرَني ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِن أَتمَمتَ عَشرًا فَمِن عِندِكَ وَما أُريدُ أَن أَشُقَّ عَلَيكَ سَتَجِدُني إِن شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّالِحينَ﴾ [القصص: 27].
*قوله {قالَ}:* أبو المرأتين اللتين سقى لهما موسى.
قاله الطبري في تفسيره.
*قوله {إِنّي أُريدُ أَن أُنكِحَكَ}:* أُنكِحَكَ: أزوجك.
والنحكاح: الزواج.
ومنه قوله (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ): أي لا تعقدوا عقد التزويج؛ حتى تنقضي العدة.
قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن، وابن الجوزي في زاد المسير، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم:أنكحك: أزوجك.
انتهى.
*قوله {إِحدَى ابنَتَيَّ هاتَينِ}:* فيه أن الأب، أو الولي إذا وجد رجلا صالحا أهلا للتزويج أن يبادر ويعرض ابنته عليه ليتزوجها، ولا أدنى حرج، ولا يقل أنتظر حتى يأتيني.
فقد روى البخاري (٤٠٠٥) من حديث ابن عمر؛ وفيه: «قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم «خطبهارسولاللهصلىاللهعليه وسلم فأنكحتها إياه...».
وأحمد الله الذي لا إله غيره؛ أن ألهمني هذا قبل أن أطلع على كلام القرطبي في تفسيره؛ حيث قال - رحمه الله -:
قال إني أريد أن أنكحك الآية . فيه عرض الولي بنته على الرجل؛ وهذه سنة قائمة؛ عرض صالح مدين ابنته على صالح بني إسرائيل ، وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان ، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن الحسن عرض الرجل وليته ، والمرأة نفسها على الرجل الصالح ، اقتداء بالسلف الصالح . قال ابن عمر: لما تأيمت حفصة قال عمر لعثمان: إن شئت أنكحك حفصة بنت عمر؛ الحديث انفرد بإخراجه البخاري .
انتهى كلامه؛ فلربنا ومعبودنا الحمد الحسن والثناء الجميل.
*قوله {عَلى أَن تَأجُرَني}:* نفسك يا موسى؛ فالكلام للأب؛ يعني مهر ابنتي أن تعمل عندي في الرعي مدة من الزمن.
ومعنى (تَأجُرَني):أي تكون لي أجيرا.
قاله النحاس في معاني القرآن، والواحدي في الوجيز.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: من الإجارة وهى أجر العمل يقال: أجرت أجيرى أي أعطيته أجره.
قال السعدي في تفسيره: أي تصير أجيرا عندي.
قالالطبري في تفسيره: يعني بقوله:( عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ): على أن تثيبني من تزويجها رعي ماشيتي ثماني حِجَج، من قول الناس: آجرك الله فهو يَأْجُرُك، بمعنى: أثابك الله؛ والعرب تقول: أَجَرْت الأجير آجره، بمعنى: أعطيته ذلك، كما يقال: أخذته فأنا آخذه.
قال الألوسي في روح المعاني: أي تثيبني رعية ثمانيحججأي تجعلها ثوابي وأجري على الإنكاح ويعني بذلك المهر.
*قوله {ثَمانِيَ حِجَجٍ}:* حِجَجٍ: سنين.
قاله الواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.
قال الثعلبي في الكشف والبيان: سنين واحدتها حجة. جعل صداقها ذلك.
قال النسفي في مدارك التنزيل: والحجة السنة وجمعهاحجج.
قال الزجاج في معاني القرآن: أي تكون أجيرا لي ثمانيسنين.
قالالبغوي في تفسيره: يعني: أن تكون أجيرا لي ثمان سنين.
قال القاسمي في محاسن التأويل: أيعلىأنتكون أجيري لرعي المواشي بأجرةعلىابنتي، هي مهرهاعليك، ثمانيسنين.
قال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: قوله: {ثمانيحجج}: فنص على عقد الإجارة بينه وبين موسى مدة منثمانية أعوام على رعيه الغنم والحيوان.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: أزوجكإحدىابنتيعلىأنترعى غنمي ثمانسنين، وهذا الحكم في هذه الأمة جائز أيضا، لو تزوج الرجل المرأةعلىأنيرعى غنمها كذا وكذا سنة، أو يرعى غنم أبيها، يجوز النكاح، ويكون ذلك مهرا لها.
قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: ودلت الآيةعلىأنالعمل قد يكون مهرا كالمال.
قلت (عبدالرحيم): ويكون المهر أيضا بحفظ القرآن، أو شيئا منه؛ لما رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي (في قصة الرجل الذي أمره النبي أن يلتمس ولو خاتما من حديد ولم يجد حتى هذا الخاتم)؛ وفيه: «قَالَ:مَاذَامَعَكَمِنَالْقُرْآنِقَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَة كَذَا؛ عَدَّهَا، قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَامَعَكَمِنَالْقُرْآنِ».
ولو أن الناس تمسكوا بهدي نبيه وأصحابه؛ لسهل عليهم معاشهم، وفازوا بسعادة الدارين؛ وانظر إلى المحاكم من أثر غلاء المهور؛ يبذل في زواجه كل ما لديه؛ ثم يصبح مبغضا لامرأته.
- وفي النفس حاجات وفيك فطانةٌ -.
انتهى.
*قوله {فَإِن أَتمَمتَ عَشرًا}:* يعني إن عملت، وخدمت عندي عشر سنين.
قال النسفي في المدارك: أي عمل عشرحجج.
قال أبو السعود في تفسيره: {فإنأتممت عشرا} في الخدمة والعمل.
*قوله {فَمِن عِندِكَ}:* فتبرع وفضل، وإحسان منك ياموسى؛ لا ألزمك.
قال الزجاج في معانيه: أي فذلك بفضل - منك ليس بواجبعليك.
قال الطبري في تفسيره: فإحسان من عندك، وليس مما اشترطته عليك بسبب تزويجك ابنتي.
قالالبغوي في تفسيره: أي إن أتممت عشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع ، ليس بواجب عليك.
*قوله {وَما أُريدُ أَن أَشُقَّ عَلَيكَ}:* ولا ينبغي أن أشق عليك؛ في مهر زائد، أو عمل شاق.
قال الطبري في تفسيره: ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ )باشتراط الثماني الحِجَج عَشْرا عليك.
قال البغوي في تفسيره: أي ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرع.
قالابن كثير في تفسيره: أي لا أشاقك، ولا أؤاذيك، ولا أماريك.
*قوله {سَتَجِدُني}:* يا موسى.
*قوله {إِن شاءَ اللَّهُ}:* وهذه عادة أهل الصلاح؛ يستثنون، ويقدمون مشيئة الله (يقولون إن شاء الله)؛ فهي عون للعبد على قضاء حوائجه، وإلا جاء الخذلان. والنصوص كثيرة؛ وقد سبق وذكر أهمية الاستثناء في حياة العبد - بحمد الله -.
قال النسفي في المدارك: والمراد باشتراطه مشيئة الله فيما وعد من الصلاح الاتكالعلى توفيقه فيه ومعونته لأنهإنشاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك.
قال أبو السعود في تفسيره: ومرادهعليه الصلاة والسلام بالاستثناء التبرك به وتفويض أمره إلى توفيقه تعالى لا تعليق صلاحه بمشيئته تعالى.
انتهى كلامه.
*قوله {مِنَ الصّالِحينَ}:* في صحبتنا، وعشرتنا، من الرفق الحسن بك، الذين لا يشقون عليك، ومن الوافين بالعهود.
وذلك أن أهل الصلاح لايشقون على زوج أو أجير.
وهذا الخلق ينبغي أن يكون من الولي عند التزويج، ومن صاحب العمل عند الإجارة، أو التوظيف، وفيه من الأثر على النفوس مالا يخفى (إن شاء الله).
قال يحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره: أي في الرفق بك.
وهو قول مقاتل بن سليمان في تفسيره.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي ستجدني في إتمام ما قلت لك والوفاء به، وفي حسن الصحبة من الصالحين.
فائدة:
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وليس هذا من تزكية النفس المنهي عنه لأن المنهي عنه ما قصد به قائله الفخر والتمدح ، فأما ما كان لغرض في الدين أو المعاملة فذلك حاصل لداع حسن كما قال يوسف{ اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم }[ يوسف : 55 ].
انتهى كلامه.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (عَلى أَن تَأجُرَني ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِن أَتمَمتَ عَشرًا فَمِن عِندِكَ وَما أُريدُ أَن أَشُقَّ عَلَيك): فيه أنه ينبغي علي ولي الزوجة ألا يشق على الزوج، وإن رغب الولي في أمر ما أن يقول (مثلا) إن استطعت أن تأتي بكذا فافعل، وما أريد أن أشق عليك.
وفيه: أن الزوج إن خشي ألا يوفي بوعده أن ينبه على ذلك؛ كأن يقول: وإن لم أستطع الوفاء فلا شيء علي؛ لما جاء بعد هذه الآيات؛ أعني قوله ( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ): يعني إن قضيت الثمان أو العشر فلي الخيار المطلق.
وهذا أدعى للتآلف بين الطرفين، وعدم وجد الرجل على زوجته لاحقا؛ أن زواجه منها كان عبئا عليه، وسببا في مشقته وعناءه.
وإن وجد الكريم (الزوج) وقتها سعة فليتم؛ فقد أتم موسى - عليه السلام - العشر سنين؛ مع أن الرجل الصالح لم يلزمه بها.
فقد روى البخاري في صحيحه (٢٦٨٤)عن سعيد بن جبير، قال: سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى، قلت: لا أدري، حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت، فسألت ابن عباس، فقال: «قضى أكثرهما، وأطيبهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل».
انتهى.
..........................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
- للمتابعة قناة التليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
- فيسبوك:
https://m.facebook.com/1733151126926511/?ref=bookmarks