عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (27).
*قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ}:* أي ألم تعلم أن الله. يعني: اعلم، فالاستفهام هنا تقريري.
قال ابن خالويه في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ومعنى «ألم تر» في أول السورة وكل ما في كتاب الله تعالى: ألم تعلم.
قال أبو حيان في البحر المحيط: {ألمتر}، وهذا الاستفهامتقريري، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جدا.
قلت (عبدالرحيم): من ذلك قوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}: ومعنى
(ألمترواكيفخلق الله): اعملوا أن الله خلق ذلك.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.
ومنه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}: فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟
قاله الطبري في تفسيره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى (ألم تر) ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.
ومنه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}: أَلَمْ تَرَ: ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصلح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم.
قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.
*قوله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}:* يعني المطر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
*قوله {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}:* بذلك الماء.
قال القرطبي في تفسيره {بِهِ}: أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة.
قال القصاب في النكت: وقوله: {فأخرجنا به} أضاف الفعل إلى نفسه، وكان الأول بلفظ الغائب، لقوله: {ألم تر أن الله أنزل} ؛ لأن الضمير هو المظهر في المعنى فقام أحدهما مقام الآخر.
*قوله {ثَمَرَاتٍ}:* تقديره: من الزروع ثمرات.
يريد: فأخرجنا بذلك الماء الذي نزل من السماء زروعا فأثمرت ثمرات؛ فاستغني عنه لظهوره ووضوحه؛ إذ الثمرات نتاج الزروع، وهذا من المختصر المحذوف.
ونظيرتها قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}: ولا تجهر بصلاتك: يعني ولا تجهر بقراءة صلاتك فيسمع المشركون، ولا تسر بها اسرارا لا يسمعها من خلفك من أصحابك؛ ولذن بين بين.
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك. ولا تخافت بقراءة صلاتك. وهومنالمختصر.
*قوله {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}:* كالأبيض، والأحمر، والأسود، وغيرها.
قال الماوردي في النكت والعيون: وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها.
*قوله {ومن الْجِبَالِ جُدَدٌ}:* أي ومن بعض هذه الجبال أيضا جدد مختلفة ألوانها كاختلاف ألوان الثمرات.
وليست كل الجبال كذلك، لأن من هذه الجبال الأبيض الخالص، والأحمر الخالص، والأسود الشديد السواد، لا لون فيه غير لونه، وبعضها مختلفة الألوان مما هو مشاهد.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:{مِنَ}: تبعيضية على معنى: وبعض تراب الجبال جدد.
*قوله {جُدَدٌ}:* مفردها: جُدة. نحو: غُدَة، وغُدَد. وهي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال مختلفة الألوان.
قال النحاس في إعراب القرآن: "جُدَدٌ" جمع جدّة.
قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: و"الجُدَدُ" واحدتها "جُدَّةٌ" و"الجُدَدِ" هي الوان الطرائق التي فيها مثل "الغُدَّة" وجماعتها "الغُدَدُ".
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {جُدَدٌ}: أي خطوط وطرائق. واحدتها: جُدَة.
قال السمرقندي في بحر العلوم: {ومن الجبال جدد بيض} يعني: خلق من الجبال جددا.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: (ومن الجبال جدد بيض) أي: ومما خلقنا من الجبال جدد.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {جُدَدٌ}: يعني خطوطا، وطرقا تكون في الجبل الواحد، فاصله واحد والخطوط فيه مختلفة. فال/جُدَة: هي الخط، والطريق يكون ظاهرا في الشيء ظهورا واضحا.
والمعنى: كما خلقنا ثمارا مختلفة ألوانها خلقنا في الجبال أيضا طرقا مختلفة الألوان، يخالف لونها لون الجبل؛ فكما أن الماء الواحد يخرج زرعا مختلفا ثماره، كذا خلق الله في الجبل الواحد خطوطا مختلفة الألوان.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {جدد}: أي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال؛ تكون كثيرة متفرعة كالعروق، وكالخطوط التي في الحمار الوحشي.
قال امرؤ القيس (يصف حمارا):
كأَن سَراتَهُ وجُدَّةَ مَتْنِه. . . كنائِنُ يَجْرِي فَوقَهُنَّ دَلِيصُ.
فقوله - الشاعر -: "وجُدَّةَ مَتْنِه": يعني: وخط ظهره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: " جُدَّةَ مَتْنِه " الخطَّة السوداء التي تراها في ظَهْرِ حِمارِ الوَحْشِ. وكل طريقةٍ جادَّة وجُدَّة.
قال القصاب في النكت: يعني بالجدة: الخطة السوداء التي في متن الحمار، والدليص: البراق.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:{جُدَدٌبِيضٌ} الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق،بيضوسُودوحمر، واحدها جُدّة.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجدد: جمع جدة بضم الجيم، وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه. يقال للخطة السوداء التي على ظهر الحمار جدة، وللظبي جدتان مسكيتا اللون تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.
*قوله {بِيضٌ}:* جمع أبيض. أي خطوط وطرائق بيض.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أبيض.
*قوله {وَحُمْرٌ}:* جمع أحمر. أي خطوط وطرائق حمر.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أحمر.
قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وحمر}: أَي طرائق حمرة.
*قوله {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}:* يعني جُدَدا مختلفة الألوان، غير الابيض والأحمر والأسود، وهذا تعميم بعد تخصيص.
قال الطبري في تفسيره: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}: يعني: مختلف ألوان الجدد.
*قوله {وَ}:* من هذه الطرق والخطوط التي تكون في تلك الجبال.
*قوله {غَرَابِيبُ}:* مفردها: غِرْبِيبٌ. وهي الشديدة السواد.
ومنه قول القائل، يصف العنب:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... يعصر منها ملاحي وغربيب.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وتقول: هذا أسود غِرْبِيبٌ، أي شديد السواد.
قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: واشتقاقه من الغراب لشدة سواده. يقال: هو أسود من حلك الغراب.
قال الواحدي في البسيط: {غرابيب سود}: وهو جمع غربيب، وهو الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب، يقال: أسود غربيب وغرابي.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والغِرْبِيبُ الشديد السوادِ.
قال أبو حيان في تحفة الأريب: {وغرابيب}: شديدة السواد.
*قوله {سُودٌ}:* مفردها: أسود. أي خطوط وطرائق سود.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أسود حالك.
وأصل الكلام: "وسودٌ غرابيبٌ": أي سوداء حالكة شديدة السواد. كما في قوله (صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)، ففي الكلام تقديم وتأخير.
والمعنى: ومن هذه الطرق والخطوط التي تكون في الجبال سود غرابيب، أي شديدة السواد.
قال الطبري في تفسيره: {وغرابيب سود} [فاطر: ٢٧] ، وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير؛ وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربيب، إذا وصفوه بشدة السواد، وجعل السواد ها هنا صفة للغرابيب.
قال العكبري في التبيان في إعراب القرآن: (وغرابيب سود) : الأصل: وسود غرابيب؛ لأن الغربيب تابع للأسود، يقال: أسود غربيب، كما تقول: أسود حالك.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وغرابيب سود): أي ومن الجبال غرابيب وهي الحرار، الجبال التي هي ذات صخور سود. والغربيب الشديد السواد.
قال الخطيب الشربيني في السراج: يقال: أسود غربيب أي: شديد السواد تشبيها بلون الغراب أي: طرائق سود.
قال السمين الحلبي في الدر المصون: وغرابيب: جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كقان وناصع وناضر ويقق.
قال الواحدي في الوجيز: {وغرابيب سود} وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود.
قال الخضيري في السراج: {وغرابيب سود}: شديدة السواد؛ كالأغربة.
*نكتة:*
قال ابن عرفة في تسيره: قوله تعالى: {وغرابيب سود } الأصل سود غرابيب، لكنه عكس إشارة لشدة السواد.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} أي: وسود غرابيب، فهو مؤخر يراد به التقدم.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: "غرابيب سود": مقدم، ومؤخر، معناه سود غرابيب.
قال البغوي في تفسيره: وغرابيب سود، يعني سود غرابيب على التقديم، والتأخير.
قال السمعاني في تفسيره: قَوْله: {مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} أَي: سود غرابيب على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، يُقَال: أسود غربيب أَي: شَدِيد السوَاد، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الله يكره الشَّيْخ الغربيب " أَي الَّذِي يسود لحيته، والخضاب بالحمرة سنة، أما بِالسَّوَادِ مَكْرُوه. وَمعنى الْآيَة أي: طرائق سود.
قال بيان الحق الغزنوي النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن: من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب، لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل: الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر.
قال الشوكاني في فتح القدير: قال الفراء:
في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أصله سود غرابيب حذف الموصوف ثم فسر به.
انتهى
*المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):*
﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُختَلِفًا أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ﴾ [فاطر: 27].
ألم تر - أيها الرسول - أن الله سبحانه أنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء ثمرات مختلفًا ألوانها فيها الأحمر والأخضر والأصفر وغيرها بعد أن سقينا أشجارها منه، ومن الجبال طرائق بيض وطرائق حمر، وطرائق حالكة السواد.
........................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (27).
*قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ}:* أي ألم تعلم أن الله. يعني: اعلم، فالاستفهام هنا تقريري.
قال ابن خالويه في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ومعنى «ألم تر» في أول السورة وكل ما في كتاب الله تعالى: ألم تعلم.
قال أبو حيان في البحر المحيط: {ألمتر}، وهذا الاستفهامتقريري، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جدا.
قلت (عبدالرحيم): من ذلك قوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}: ومعنى
(ألمترواكيفخلق الله): اعملوا أن الله خلق ذلك.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.
ومنه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}: فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟
قاله الطبري في تفسيره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى (ألم تر) ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.
ومنه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}: أَلَمْ تَرَ: ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصلح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم.
قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.
*قوله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}:* يعني المطر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
*قوله {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}:* بذلك الماء.
قال القرطبي في تفسيره {بِهِ}: أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة.
قال القصاب في النكت: وقوله: {فأخرجنا به} أضاف الفعل إلى نفسه، وكان الأول بلفظ الغائب، لقوله: {ألم تر أن الله أنزل} ؛ لأن الضمير هو المظهر في المعنى فقام أحدهما مقام الآخر.
*قوله {ثَمَرَاتٍ}:* تقديره: من الزروع ثمرات.
يريد: فأخرجنا بذلك الماء الذي نزل من السماء زروعا فأثمرت ثمرات؛ فاستغني عنه لظهوره ووضوحه؛ إذ الثمرات نتاج الزروع، وهذا من المختصر المحذوف.
ونظيرتها قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}: ولا تجهر بصلاتك: يعني ولا تجهر بقراءة صلاتك فيسمع المشركون، ولا تسر بها اسرارا لا يسمعها من خلفك من أصحابك؛ ولذن بين بين.
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك. ولا تخافت بقراءة صلاتك. وهومنالمختصر.
*قوله {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}:* كالأبيض، والأحمر، والأسود، وغيرها.
قال الماوردي في النكت والعيون: وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها.
*قوله {ومن الْجِبَالِ جُدَدٌ}:* أي ومن بعض هذه الجبال أيضا جدد مختلفة ألوانها كاختلاف ألوان الثمرات.
وليست كل الجبال كذلك، لأن من هذه الجبال الأبيض الخالص، والأحمر الخالص، والأسود الشديد السواد، لا لون فيه غير لونه، وبعضها مختلفة الألوان مما هو مشاهد.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:{مِنَ}: تبعيضية على معنى: وبعض تراب الجبال جدد.
*قوله {جُدَدٌ}:* مفردها: جُدة. نحو: غُدَة، وغُدَد. وهي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال مختلفة الألوان.
قال النحاس في إعراب القرآن: "جُدَدٌ" جمع جدّة.
قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: و"الجُدَدُ" واحدتها "جُدَّةٌ" و"الجُدَدِ" هي الوان الطرائق التي فيها مثل "الغُدَّة" وجماعتها "الغُدَدُ".
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {جُدَدٌ}: أي خطوط وطرائق. واحدتها: جُدَة.
قال السمرقندي في بحر العلوم: {ومن الجبال جدد بيض} يعني: خلق من الجبال جددا.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: (ومن الجبال جدد بيض) أي: ومما خلقنا من الجبال جدد.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {جُدَدٌ}: يعني خطوطا، وطرقا تكون في الجبل الواحد، فاصله واحد والخطوط فيه مختلفة. فال/جُدَة: هي الخط، والطريق يكون ظاهرا في الشيء ظهورا واضحا.
والمعنى: كما خلقنا ثمارا مختلفة ألوانها خلقنا في الجبال أيضا طرقا مختلفة الألوان، يخالف لونها لون الجبل؛ فكما أن الماء الواحد يخرج زرعا مختلفا ثماره، كذا خلق الله في الجبل الواحد خطوطا مختلفة الألوان.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {جدد}: أي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال؛ تكون كثيرة متفرعة كالعروق، وكالخطوط التي في الحمار الوحشي.
قال امرؤ القيس (يصف حمارا):
كأَن سَراتَهُ وجُدَّةَ مَتْنِه. . . كنائِنُ يَجْرِي فَوقَهُنَّ دَلِيصُ.
فقوله - الشاعر -: "وجُدَّةَ مَتْنِه": يعني: وخط ظهره.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: " جُدَّةَ مَتْنِه " الخطَّة السوداء التي تراها في ظَهْرِ حِمارِ الوَحْشِ. وكل طريقةٍ جادَّة وجُدَّة.
قال القصاب في النكت: يعني بالجدة: الخطة السوداء التي في متن الحمار، والدليص: البراق.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:{جُدَدٌبِيضٌ} الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق،بيضوسُودوحمر، واحدها جُدّة.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجدد: جمع جدة بضم الجيم، وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه. يقال للخطة السوداء التي على ظهر الحمار جدة، وللظبي جدتان مسكيتا اللون تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.
*قوله {بِيضٌ}:* جمع أبيض. أي خطوط وطرائق بيض.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أبيض.
*قوله {وَحُمْرٌ}:* جمع أحمر. أي خطوط وطرائق حمر.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أحمر.
قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وحمر}: أَي طرائق حمرة.
*قوله {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}:* يعني جُدَدا مختلفة الألوان، غير الابيض والأحمر والأسود، وهذا تعميم بعد تخصيص.
قال الطبري في تفسيره: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}: يعني: مختلف ألوان الجدد.
*قوله {وَ}:* من هذه الطرق والخطوط التي تكون في تلك الجبال.
*قوله {غَرَابِيبُ}:* مفردها: غِرْبِيبٌ. وهي الشديدة السواد.
ومنه قول القائل، يصف العنب:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... يعصر منها ملاحي وغربيب.
قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وتقول: هذا أسود غِرْبِيبٌ، أي شديد السواد.
قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: واشتقاقه من الغراب لشدة سواده. يقال: هو أسود من حلك الغراب.
قال الواحدي في البسيط: {غرابيب سود}: وهو جمع غربيب، وهو الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب، يقال: أسود غربيب وغرابي.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والغِرْبِيبُ الشديد السوادِ.
قال أبو حيان في تحفة الأريب: {وغرابيب}: شديدة السواد.
*قوله {سُودٌ}:* مفردها: أسود. أي خطوط وطرائق سود.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أسود حالك.
وأصل الكلام: "وسودٌ غرابيبٌ": أي سوداء حالكة شديدة السواد. كما في قوله (صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)، ففي الكلام تقديم وتأخير.
والمعنى: ومن هذه الطرق والخطوط التي تكون في الجبال سود غرابيب، أي شديدة السواد.
قال الطبري في تفسيره: {وغرابيب سود} [فاطر: ٢٧] ، وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير؛ وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربيب، إذا وصفوه بشدة السواد، وجعل السواد ها هنا صفة للغرابيب.
قال العكبري في التبيان في إعراب القرآن: (وغرابيب سود) : الأصل: وسود غرابيب؛ لأن الغربيب تابع للأسود، يقال: أسود غربيب، كما تقول: أسود حالك.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وغرابيب سود): أي ومن الجبال غرابيب وهي الحرار، الجبال التي هي ذات صخور سود. والغربيب الشديد السواد.
قال الخطيب الشربيني في السراج: يقال: أسود غربيب أي: شديد السواد تشبيها بلون الغراب أي: طرائق سود.
قال السمين الحلبي في الدر المصون: وغرابيب: جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كقان وناصع وناضر ويقق.
قال الواحدي في الوجيز: {وغرابيب سود} وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود.
قال الخضيري في السراج: {وغرابيب سود}: شديدة السواد؛ كالأغربة.
*نكتة:*
قال ابن عرفة في تسيره: قوله تعالى: {وغرابيب سود } الأصل سود غرابيب، لكنه عكس إشارة لشدة السواد.
قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} أي: وسود غرابيب، فهو مؤخر يراد به التقدم.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: "غرابيب سود": مقدم، ومؤخر، معناه سود غرابيب.
قال البغوي في تفسيره: وغرابيب سود، يعني سود غرابيب على التقديم، والتأخير.
قال السمعاني في تفسيره: قَوْله: {مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} أَي: سود غرابيب على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، يُقَال: أسود غربيب أَي: شَدِيد السوَاد، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الله يكره الشَّيْخ الغربيب " أَي الَّذِي يسود لحيته، والخضاب بالحمرة سنة، أما بِالسَّوَادِ مَكْرُوه. وَمعنى الْآيَة أي: طرائق سود.
قال بيان الحق الغزنوي النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن: من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب، لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل: الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر.
قال الشوكاني في فتح القدير: قال الفراء:
في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود.
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أصله سود غرابيب حذف الموصوف ثم فسر به.
انتهى
*المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):*
﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُختَلِفًا أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ﴾ [فاطر: 27].
ألم تر - أيها الرسول - أن الله سبحانه أنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء ثمرات مختلفًا ألوانها فيها الأحمر والأخضر والأصفر وغيرها بعد أن سقينا أشجارها منه، ومن الجبال طرائق بيض وطرائق حمر، وطرائق حالكة السواد.
........................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*