من درر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : العلم بأن الأنبياء قبله بشروا به يعلم من وجوه ؛ أحدها : ما في الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب من ذكره .
الثاني : إخبار من وقف على تلك الكتب وغيرها من كتب أهل الكتاب ممن أسلم ، ومن لم يسلم ، بما وجدوه من ذكره فيها ؛ وهذا مثل ما تواتر عن الأنصار أن جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه ، وأنه رسول الله ، وأنه موجود عندهم ، وكان هذا من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به لما دعاهم إلى الإسلام ، حتى آمن الأنصار به وبايعوه من غير رهبة ولا رغبة ؛ ولهذا قيل : إن المدينة فتحت بالقرآن ، لم تفتح بالسيف كما فتح غيرها ... ( الجواب الصحيح : 5 / 160 ) .
 
قال ابن تيمية رحمه الله : وأما كيف يحصل اليقين فبثلاثة أشياء
أحدها : تدبر القرآن
والثاني : تدبر الآيات التي يحدثها الله في الأنفس والآيات التي تبين أنه حق
والثالث : العمل بموجب العلم "مجموع الفتاوى 3/330"
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : زوال عقل الكافر خير له وللمسلمين ؛ أما له فلأنه لا يصده عن ذكر الله وعن الصلاة ، بل يصده عن الكفر والفسق ؛ وأما للمسلمين فلأن السكر يوقع بينهم العداوة والبغضاء ، فيكون ذلك خيرًا للمؤمنين ؛ وليس هذا إباحة للخمر والسكر ، ولكنه دفع لشر الشرَّين بأدناهما ... ( الاستقامة : 2 / 165 ) .
..................
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : المسلمون لا يشك أحد من الأمم أنهم أعظم الأمم عقولًا وأفهامًا ، وأتمهم معرفة وبيانًا ، وأحسن قصدًا وديانة وتحريًا للصدق والعدل ، وأنهم لم يحصل في النوع الإنساني أمة أكمل منهم ، ولا ناموس أكمل من الناموس الذي جاء به نبيهم محمد t ، وحذاق الفلاسفة معترفون لهم بذلك ، وأنه لم يقرع العالم ناموس أكمل من هذا الناموس .
وقد جمع الله للمسلمين جميع طرق المعارف الإنسانية وأنواعها فإن الناس نوعان : أهل كتاب ، وغير أهل كتاب كالفلاسفة والهنود ؛ والعلم ينال بالحس والعقل ، وما يحصل بهما ، وبوحي الله إلى أنبيائه ، الذي هو خارج عما يشترك فيه الناس من الحس والعقل .
ولهذا قيل : الطرق العلمية ؛ البصر والنظر والخبر ، الحس والعقل والوحي ، الحس والقياس والنبوة .
فأهل الكتاب امتازوا عن غيرهم بما جاءهم من النبوة ، مع مشاركتهم لغيرهم فيما يشترك فيه الناس من العلوم الحسية والعقلية .
والمسلمون حصل لهم من العلوم النبوية والعقلية ما كان للأمم قبلهم ، وامتازوا عنهم بما لا تعرفه الأمم ، وما اتصل إليهم من عقليات الأمم هذبوه لفظًا ومعنى حتى صار أحسن مما كان عندهم ، ونفوا عنه من الباطل ، وضموا إليه من الحق ما امتازوا به على من سواهم .
وكذلك العلوم النبوية ؛ أعطاهم الله ما لم يعطه أمة قبلهم ، وهذا ظاهر لمن تدبر القرآن مع تدبر التوراة والإنجيل ؛ فإنه يجد من فضل علم القرآن ما لا يخفى إلا على العميان ... ( الجواب الصحيح : 3 / 7 ، 8 ) .
 
الأخ الكريم ياسين معاوية
شكر الله لك صدق نيتك - والله حسيبك - ولكني لا أرى ما رأيت ، فالشيخ - رحمه الله - إنما يتكلم عن زوال عقل الكافر ، وهم لا يعتقدون حرمتها ؛ ولا علاقة بكلامه بمن يمكن أن يشربها من المسلمين .. فليتامل .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَقَوْلُهُ : ] إنَّ شَانِئَكَ [ أَيْ : مُبْغِضُك ، وَالْأَبْتَرُ الْمَقْطُوعُ النَّسْلِ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ خَيْرٌ وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ ، فَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ خَيْرٌ وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ ؛ قِيلَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ : إنَّ بِالْمَسْجِدِ قَوْمًا يَجْلِسُونَ وَيُجْلَسُ إلَيْهِمْ ، فَقَالَ : مَنْ جَلَسَ لِلنَّاسِ جَلَسَ النَّاسُ إلَيْهِ ؛ وَلَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَمُوتُونَ وَيَحْيَى ذِكْرُهُمْ ، وَأَهْلَ الْبِدْعَةِ يَمُوتُونَ وَيَمُوتُ ذِكْرُهُمْ .ا.هـ . لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ أَحْيَوْا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ : ] وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [ ، وَأَهْلَ الْبِدْعَةِ شَنَئُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ : ] إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ .
فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الرَّجُلُ مِنْ أَنْ تَكْرَهَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ تَرُدَّهُ لِأَجْلِ هَوَاك ، أَوْ انْتِصَارًا لِمَذْهَبِك ، أَوْ لِشَيْخِك ، أَوْ لِأَجْلِ اشْتِغَالِك بِالشَّهَوَاتِ ، أَوْ بِالدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى أَحَدٍ طَاعَةَ أَحَدٍ إلَّا طَاعَةَ رَسُولِهِ ، وَالْأَخْذَ بِمَا جَاءَ بِهِ ، بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ الْعَبْدُ جَمِيعَ الْخَلْقِ وَاتَّبَعَ الرَّسُولَ مَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ ، فَإِنَّ مَنْ يُطِيعُ أَوْ يُطَاعُ إنَّمَا يُطَاعُ تَبَعًا لِلرَّسُولِ ، وَإِلَّا لَوْ أَمَرَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا أُطِيعَ ؛ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاسْمَعْ وَأَطِعْ وَاتَّبِعْ ؛ وَلَا تَبْتَدِعْ تَكُنْ أَبْتَرَ مَرْدُودًا عَلَيْك عَمَلُك ؛ بَلْ لَا خَيْرَ فِي عَمَلٍ أَبْتَرَ مِنْ الِاتِّبَاعِ ، وَلَا خَيْرَ فِي عَامِلِهِ ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .... ( مجموع الفتاوى : 16 / 528 ، 529 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد:
1 - مفسدة الافتقار إلى غير الله وهذا نوع من الشرك
2 - مفسدة إيذاء المسؤول وهي نوع من ظلم الخلق
3 - وفيه ذل لغير الله ، وهو ظلم للنفس
فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة
"مجموع الفتاوى 1 / 190"
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الِاسْتِغْفَارُ يُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ إلَى الْفِعْلِ الْمَحْبُوبِ ، مِنْ الْعَمَلِ النَّاقِصِ إلَى الْعَمَلِ التَّامِّ ؛ وَيَرْفَعُ الْعَبْدَ مِنْ الْمَقَامِ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى مِنْهُ وَالْأَكْمَلِ ؛ فَإِنَّ الْعَابِدَ لِلَّهِ وَالْعَارِفَ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، بَلْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَزْدَادُ عِلْمًا بِاَللَّهِ ، وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ ، بِحَيْثُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ ، وَيَرَى تَقْصِيرَهُ فِي حُضُورِ قَلْبِهِ فِي الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ وَإِعْطَائِهَا حَقَّهَا ، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِغْفَارِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ؛ بَلْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ دَائِمًا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَحْوَالِ ، فِي الغوائب وَالْمَشَاهِدِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَجَلْبِ الْخَيْرَاتِ ، وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ ، وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْقُوَّةِ فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ .
وَقَدْ ثَبَتَتْ دَائِرَةُ الِاسْتِغْفَارِ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَاقْتِرَانِهَا بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ ، وَمِنْ آخِرِهِمْ إلَى أَوَّلِهِمْ ، وَمِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى . وَشُمُولِ دَائِرَةِ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ ، وَهُمْ فِيهَا دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلِكُلِّ عَامِلٍ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ؛ فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بِصِدْقِ وَيَقِينٍ تُذْهِبُ الشِّرْكَ كُلَّهُ ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ ؛ وَتَأْتِي عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَخَفَايَاهُ وَدَقَائِقِهِ . وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو مَا بَقِيَ مِنْ عَثَرَاتِهِ ، وَيَمْحُو الذَّنْبَ الَّذِي هُوَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ ؛ فَإِنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ . فَالتَّوْحِيدُ يُذْهِبُ أَصْلَ الشِّرْكِ ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو فُرُوعَهُ ، فَأَبْلَغُ الثَّنَاءِ قَوْلُ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَبْلَغُ الدُّعَاءِ قَوْلُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ . فَأَمَرَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَانِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 696 ، 697 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : التَّوْبَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْحَسَنَاتِ ، وَالْحَسَنَاتُ كُلُّهَا مَشْرُوطٌ فِيهَا الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ ، وَمُوَافَقَةُ أَمْرِهِ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ ، وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَكْبَرِ الْحَسَنَاتِ ، وَبَابُهُ وَاسِعٌ ؛ فَمَنْ أَحَسَّ بِتَقْصِيرِ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ حَالِهِ أَوْ رِزْقِهِ أَوْ تَقَلُّبِ قَلْبٍ ؛ فَعَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ ، فَفِيهِمَا الشِّفَاءُ إذَا كَانَا بِصِدْقِ وَإِخْلَاصٍ .
وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ الْعَبْدُ تَقْصِيرًا فِي حُقُوقِ الْقَرَابَةِ وَالْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ وَالْجِيرَانِ وَالْإِخْوَانِ ، فَعَلَيْهِ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَالِاسْتِغْفَارِ ؛ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِي لِسَانًا ذَرِبًا عَلَى أَهْلِي ! فَقَالَ لَهُ : " أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ؟ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً " .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 698 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إيَّاكَ وَالنَّظَرَ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ فِيهَا أَنَّهُ كُلَّمَا قَوِيَ نُورُ الْحَقِّ وَبُرْهَانُهُ فِي الْقُلُوبِ خَفِيَ عَنْ الْمَعْرِفَةِ ، كَمَا يَبْهَرُ ضَوْءُ الشَّمْسِ عُيُونَ الْخَفَافِيشِ بِالنَّهَارِ ؛ فَاحْذَرْ مِثْلَ هَؤُلَاءِ ، وَعَلَيْك بِصُحْبَةِ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ الْمُؤَيَّدِينَ بِنُورِ الْهُدَى وَبَرَاهِينِ الْإِيمَانِ ، أَصْحَابِ الْبَصَائِرِ فِي الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، الْفَارِقِينَ بَيْنَ الْوَارِدَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ والشيطانية ، الْعَالِمِينَ الْعَامِلِينَ ، { أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 697 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ التَّذَكُّرُ ، وَالذِّكْرُ الَّذِي يُحْدِثُهُ الْقُرْآنُ ، وَمِنْ الْخَشْيَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى ، سَبَبٌ لِصَلَاحِ حَالِ الْإِنْسَانِ ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ إذَا قَوِيَ عَلَى ضِدِّهِ ؛ فَإِذَا قَوِيَ الْعِلْمُ وَالتَّذَكُّرُ دُفِعَ الْهَوَى ؛ وَإِذَا انْدَفَعَ الْهَوَى بِالْخَشْيَةِ أَبْصَرَ الْقَلْبُ وَعَلِمَ . وَهَاتَانِ هُمَا الطَّرِيقَةُ الْعِلْمِيَّةُ وَالْعَمَلِيَّةُ ، كُلٌّ مِنْهُمَا إذَا صَحَّتْ تَسْتَلْزِمُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأُخْرَى ، وَصَلَاحُ الْعَبْدِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا ؛ وَلِهَذَا كَانَ فَسَادُهُ بِانْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا : فَإِذَا انْتَفَى الْعِلْمُ الْحَقُّ كَانَ ضَالًّا غَيْرَ مُهْتَدٍ ، وَإِذَا انْتَفَى اتِّبَاعُهُ كَانَ غَاوِيًا مَغْضُوبًا عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } ... ( مجموع الفتاوى 15 / 243 ، 244 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ e أَنَّهُ قَالَ : " الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ " ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة : كَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ الْعِبَادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى ؛ وَكَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ : احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ؛ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ .ا.هـ . فَطَالِبُ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِطَلَبِهِ فِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَتَرْكُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الضَّلَالِ . وَأَهْلُ الْإِرَادَةِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِإِرَادَتِهِمْ طَلَبُ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَإِلَّا وَقَعُوا فِي الضَّلَالِ وَالْبَغْيِ ؛ وَلَوْ اعْتَصَمَ رَجُلٌ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ بِالْوَاجِبِ كَانَ غَاوِيًا ، وَإِذَا اعْتَصَمَ بِالْعِبَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْوَاجِبِ كَانَ ضَالًّا ؛ وَالضَّلَالُ سِمَةُ النَّصَارَى ، وَالْبَغْيُ سِمَةُ الْيَهُودِ ، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمَّتَيْنِ فِيهَا الضَّلَالُ وَالْبَغْيُ ... ( مجموع الفتاوى : 22 / 307 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قال تعالى : ] أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [ [ الرعد : 19 ] ، وتجد كثيرًا من السالكين طريق العلم والنظر والاستدلال ، الذين اشتبهت عليهم الأمور وتعارضت عندهم الأدلة والأقيسة ، يحسنون الظن بطريق أهل الإرادة والعبادة والمجاهدة ، ظانين أنه ينكشف بها الحقائق ؛ وكثير من السالكين طريق العبادة والإرادة والزهد والرياضة ، الذين اشتبهت عليهم الأمور وتعارضت عندهم الأذواق والمواجيد ، يحسنون الظن بطريق أهل العلم والنظر والاستدلال ، ظانين أنه ينكشف به لهم الحقائق .
وحقيقة الأمر أنه لا بد من الأمرين ، فلا بد من العلم والقصد ، ولا بد من العلم والعمل به ، ومن عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم .
والعبد عليه واجبات في هذا وهذا ، فلا بد من أداء الواجبات ، ولا بد أن يكون كل منهما موافقًا لما جاء به الرسول ، فمن أقبل على طريقة النظر والعلم من غير متابعة للسنة ، ولا عمل بالعلم ، كان ضالا غاويًا في عمله ؛ ومن سلك طريق الإرادة والعبادة والزهد والرياضة ، من غير متابعة للسنة ، ولا علم ينبني العمل عليه ، كان ضالا غاويًا ؛ ومن كان معه علم صحيح مطابق لما جاء الرسول e بلا عمل به ، كان غاويًا ؛ ومن كان معه عمل موافق للسنة بدون العلم المأمور به ، كان ضالا ؛ فمن خرج عن موجب الكتاب والسنة من هؤلاء وهؤلاء كان ضالا ؛ وإذا لم يعمل بعلمه ، أو عمل بغير علم ، كان ذلك فسادًا ثانيا ؛ والذين لم يعتصموا بالكتاب والسنة من أهل الأحوال والعبادات والرياضات والمجاهدات ضلالهم أعظم من ضلال من لم يعتصم بالكتاب والسنة من أهل الأقوال والعلم ، وإن كان قد يكون في هؤلاء من الغي ما ليس فيهم ؛ فإنهم يدخلون في أنواع من الخيالات الفاسدة والأحوال الشيطانية المناسبة لطريقهم ... ( درء تعارض العقل والنقل : 3 / 80 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : أَمَّا ( الْجُنُونُ ) فَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ نَقَائِصِ الْإِنْسَانِ ؛ إذْ كَمَالُ الْإِنْسَانِ بِالْعَقْلِ ، وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ إزَالَةَ الْعَقْلِ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، وَحَرَّمَ مَا يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى إزَالَةِ الْعَقْلِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ ؛ فَحَرَّمَ الْقَطْرَةَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تُزِلْ الْعَقْلَ ؛ لِأَنَّهَا ذَرِيعَةٌ إلَى شُرْبِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُزِيلُ الْعَقْلَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ هَذَا زَوَالُ الْعَقْلِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مُقَرِّبًا إلَى وِلَايَةِ اللَّهِ ؟ كَمَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ فِي هَؤُلَاءِ :
هُمْ مَعْشَرٌ حَلُّوا النِّظَامَ وَخَرَقُوا ... السِّيَاجَ فَلَا فَرْضٌ لَدَيْهِمْ وَلَا نَفْلٌ
مَجَانِينُ إلَّا أَنَّ سِرَّ جُنُونِهِمْ ... عَزِيزٌ عَلَى أَبْوَابِهِ يَسْجُدُ الْعَقْلُ
فَهَذَا كَلَامُ ضَالٍّ ؛ بَلْ كَافِرٍ يَظُنُّ أَنَّ لِلْمَجْنُونِ سِرًّا يَسْجُدُ الْعَقْلُ عَلَى بَابِهِ ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ مِنْ بَعْضِ الْمَجَانِينِ مِنْ نَوْعِ مُكَاشَفَةٍ ، أَوْ تَصَرُّفٍ عَجِيبٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ ؛ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الشَّيَاطِينِ ، كَمَا يَكُونُ لِلسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ ، فَيَظُنُّ هَذَا الضَّالُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَاشَفَ أَوْ خَرَقَ عَادَةً كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ . وَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ فَضْلًا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ الْمُكَاشَفَاتِ وَخَرْقِ الْعَادَاتِ بِسَبَبِ شَيَاطِينِهِمْ أَضْعَافُ مَا لِهَؤُلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَضَلَّ وَأَكْفَرَ كَانَ الشَّيْطَانُ إلَيْهِ أَقْرَبَ ؛ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي جَمِيعِ مُكَاشَفَةِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ . وَلَا بُدَّ فِي أَعْمَالِهِمْ مِنْ فُجُورٍ وَطُغْيَانٍ كَمَا يَكُونُ لِإِخْوَانِهِمْ مِنْ السَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ] هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [ فَكُلُّ مَنْ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَذِبٌ
وَفُجُورٌ ، مِنْ أَيِّ قِسْمٍ كَانَ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 444 – 446 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مَا يَرَاهُ النَّاسُ مِنْ الْأَعْمَالِ مُقَرِّبًا إلَى اللَّهِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُهُ أَعْظَمَ مِنْ نَفْعِهِ ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ نَفْعُهُ أَعْظَمَ غَالِبًا عَلَى ضَرَرِهِ لَمْ يُهْمِلْهُ الشَّارِعُ ؛ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكِيمٌ لَا يُهْمِلُ مَصَالِحَ الدِّينِ وَلَا يُفَوِّتُ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُقَرِّبُهُمْ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 624 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَالْأَنْبِيَاءُ جَاءُوا بِمَا تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ، وَلَمْ يَجِيئُوا بِمَا تَعْلَمُ الْعُقُولُ بُطْلَانَهُ ، فَهُمْ يُخْبِرُونَ بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ ، لَا بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ .... ( مجموع الفتاوى : 2 / 312 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِنْسَانِ أُصُولٌ كُلِّيَّةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا الْجُزْئِيَّاتُ ، لِيَتَكَلَّمَ بِعِلْمِ وَعَدْلٍ ؛ ثُمَّ يَعْرِفُ الْجُزْئِيَّاتِ كَيْفَ وَقَعَتْ ؟ وَإِلَّا فَيَبْقَى فِي كَذِبٍ وَجَهْلٍ فِي الْجُزْئِيَّاتِ ، وَجَهْلٍ وَظُلْمٍ فِي الْكُلِّيَّاتِ ، فَيَتَوَلَّدُ فَسَادٌ عَظِيمٌ .... ( مجموع الفتاوى : 19 / 203 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَمَنْ رَامَ أَنْ يَجْعَلَ الْكَلَامَ مَعْنًى صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ ، لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ أَوَّلَ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ كُفْرًا وَآخِرَهَا إيمَانًا ؛ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا قَدْ كَفَرَ ، ثُمَّ آمَنَ ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا الْخَبَالِ . وَإِنْ كَانَ قَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ : مَا كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا كُفْرٌ وَآخِرُهَا إيمَانٌ ؟ فَقِيلَ لَهُ : مَا هِيَ ؟ فَقَالَ : كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ . قُلْت : قَصَدَ بِذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَهَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ ، كَانَ كُفْرًا ؛ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا كُفْرٌ مَعَ اتِّصَالِهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ هَذَا لَكَانَ قَدْ كَفَرَ .... ( مجموع الفتاوى : 31 / 116 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : فإذا ازْدَحَمَ وَاجِبَانِ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فَقُدِّمَ أَوْكَدُهُمَا ، لَمْ يَكُنْ الْآخَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبًا ؛ وَلَمْ يَكُنْ تَارِكُهُ لِأَجْلِ فِعْلِ الْأَوْكَدِ تَارِكَ وَاجِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ .
وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ مُحَرَّمَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ أَعْظَمِهِمَا إلَّا بِفِعْلِ أَدْنَاهُمَا ، لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الْأَدْنَى فِي هَذِهِ الْحَالِ مُحَرَّمًا فِي الْحَقِيقَةِ .
وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ : تَرْكُ وَاجِبٍ ، وَسُمِّيَ هَذَا : فِعْلُ مُحَرَّمٍ ، بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ لَمْ يَضُرَّ . وَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا : تَرْكُ الْوَاجِبِ لِعُذْرِ ، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ ، أَوْ لِدَفْعِ مَا هُوَ أحرم ؛ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا : إنَّهُ صَلَّاهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُطْلَقِ قَضَاءً .... ( مجموع الفتاوى : 20 / 57 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَمَا تَجِدُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْ الْأَسْبَابِ - الَّتِي بِهَا ابْتَدَعُوا مَا ابْتَدَعُوهُ - إلَّا تَجِدُ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مَا أَوْقَعَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَأَشَدُّ ، وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَجَدَهُ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ ؛ فَإِنَّ الْبِدَعَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكُفْرِ ، وَكَمَالُ الْإِيمَانِ هُوَ فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ، وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ ، فَإِذَا تَرَكَ بَعْضَ الْمَأْمُورِ وَعَوَّضَ عَنْهُ بِبَعْضِ الْمَحْظُورِ ، كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْصِ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ .
وَالْبِدْعَةُ لَا تَكُونُ حَقًّا مَحْضًا ، إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَشْرُوعَةً ؛ وَلَا تَكُونُ مَصْلَحَتُهَا رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهَا ، إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَشْرُوعَةً ؛ وَلَا تَكُونُ بَاطِلًا مَحْضًا لَا حَقَّ فِيهِ ، إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمَا اشْتَبَهَتْ عَلَى أَحَدٍ ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهَا بَعْضُ الْحَقِّ وَبَعْضُ الْبَاطِلِ . وَكَذَلِكَ دِينُ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كُلَّ مَا يُخْبِرُونَ بِهِ كَذِبًا ، وَكُلُّ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ فَسَادًا ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي خَبَرِهِمْ صِدْقٌ ، وَفِي أَمْرِهِمْ نَوْعٌ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، وَمَعَ هَذَا فَهُمْ كُفَّارٌ بِمَا تَرَكُوهُ مِنْ الْحَقِّ وَأَتَوْهُ مِنْ الْبَاطِلِ .... ( مجموع الفتاوى : 27/ 172 ، 173 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : في شريعته من اللين والعفو والصفح ومكارم الأخلاق أعظم مما في الإنجيل ، وفيها من الشدة والجهاد وإقامة الحدود على الكفار والمنافقين أعظم مما في التوراة ؛ وهذا هو غاية الكمال ، ولهذا قال بعضهم : بعث موسى بالجلال ، وبعث عيسى بالجمال ، وبعث محمد بالكمال ... ( الجواب الصحيح : 5 / 86 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : ومن تدبر ما صنفه جميع العقلاء في العلوم الإلهية والخلقية والسياسية ، وجد بينه وبين ما جاء في الكتب الإلهية ( التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء ) وجد بين ذلك وبين القرآن من التفاوت أعظم مما بين لفظه ونظمه وبين سائر ألفاظ العرب ونظمهم ؛ فالإعجاز في معناه أعظم وأكثر من الإعجاز في لفظه ، وجميع عقلاء الأمم عاجزون عن الإتيان بمثل معانيه أعظم من عجز العرب عن الإتيان بمثل لفظه ... ( الجواب الصحيح : 5 / 434 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وظهور الكفار على المؤمنين - أحيانًا - هو بسبب ذنوب المسلمين ، كيوم أحد ؛ فإن تابوا انتصروا على الكفار ، وكانت العاقبة لهم ، كما قد جرى مثل هذا للمسلمين في عامة ملاحمهم مع الكفار ، وهذا من آيات النبوة وأعلامها ودلائلها ؛ فإن النبي إذا قاموا بعهوده ووصاياه نصرهم الله وأظهرهم على المخالفين له ، فإذا ضيعوا عهوده ظهر أولئك عليهم ؛ فمدار النصر والظهور مع متابعة النبي وجودًا وعدمًا ، من غير سبب يزاحم ذلك ؛ ودوران الحكم مع الوصف وجودًا وعدمًا من غير مزاحمة وصف آخر موجب للعلم بأن المدار علة للدائر ؛ وقولنا : ( من غير مزاحمة ) وصف آخر ، يزيل النقوض الواردة ؛ فهذا الاستقراء والتتبع يبين أن نصر الله وإظهاره هو بسبب اتباع النبي ، وأنه سبحانه يريد إعلاء كلمته ونصره ونصر أتباعه على من خالفه ، وأن يجعل لهم السعادة ، ولمن خالفهم الشقاء ، وهذا يوجب العلم بنبوته ، وأن من اتبعه كان سعيدًا ، ومن خالفه كان شقيًّا ... ( الجواب الصحيح : 6 / 415 ، 416 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الآيات لا تستلزم الهدى ، بل تستلزم إقامة الحجة ، وتوجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها ؛ والله تعالى قد يظهر الآيات الكثيرة مع طبعه على قلب الكافر ، كما فعل بفرعون وأبي لهب وغيرهما ، لما في ذلك من الحكمة العظيمة ، كما دل على ذلك القرآن والتوراة وغيرهما ، وقد بيَّن أنه لا يظهرها لانتفاء الحكمة فيها ، أو لوجود المفسدة ؛ قال تعالى : ] وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ . وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [ [ الأنعام : 109 - 111 ] ، وقال تعالى : ] وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [ [ الإسراء : 59 ] ؛ بيَّن سبحانه أنما منعه أن يرسل بالآيات إلا تكذيب الأولين بها ، الذي استحقوا بها الهلاك ؛ فإذا كذب بها هؤلاء استحقوا ما استحقه أولئك من عذاب الاستئصال .... ( الجواب الصحيح : 6 / 431 ، 432 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : فكم من شخص لا يقبل شهادة العدول الذين لا يشك في صدقهم ، ويقبل شهادة من هو دونهم ؛ إما لجهله ، وإما لظلمه ؛ وكذلك كم من الخلق من يرد أخبارًا متواترة مستفيضة ، ويقبل خبر من يحسن به الظن ، لاعتقاده أنه لا يكذب ؛ وكم من الناس من يرد ما يعلم بالدلائل السمعية والعقلية ، ويقبله إذا رأى منامًا يدل على ثبوته ، أو قاله من يحسن به الظن ، لثقة نفسه بهذا أكثر من هذا ؛ وكم ممن يرد نصوص الكتاب والسنة حتى يقول ما يوافقها شيخه أو إمامه فيقبلها حينئذ ، لكون نفسه اعتادت قبول ما يقوله ذلك المعظم عنده ، ولم يعتد تلقي العلم من الكتاب والسنة .. ومثل هذا كثير .... ( درء التعارض : 4 / 143 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَاتِّبَاعُ الْأَهْوَاءِ فِي الدِّيَانَاتِ أَعْظَمُ مِنْ اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ فِي الشَّهَوَاتِ ؛ فَإِنَّ الْأَوَّلَ حَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } الْآيَةَ ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } ، وَقَالَ : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } . وَلِهَذَا كَانَ مَنْ خَرَجَ عَنْ مُوجِبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ يُجْعَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ؛ كَمَا كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَهُمْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ ؛ وَذَلِكَ إنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ الْعِلْمَ فَقَدْ اتَّبَعَ هَوَاهُ ، وَالْعِلْمُ بِالدِّينِ لَا يَكُونُ إلَّا بِهُدَى اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ : { وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } .... ( مجموع الفتاوى : 28 / 132 ، 133 ) بشيء من الاختصار .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مُجَرَّدُ الْحَبِّ وَالْبُغْضِ هَوًى ؛ لَكِنَّ الْمُحَرَّمَ اتِّبَاعُ حُبِّهِ وَبُغْضِهِ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ أَضَلَّهُ ذَلِكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ هُدَاهُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ . وَهُوَ السَّبِيلُ إلَيْهِ ... ( مجموع الفتاوى : 28 / 134 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ يُحْسِنُ أَوْ أَحَبَّ مُوَافَقَتَهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ أَوْ نَهَى غَيْرَهُ عَنْ شَيْءٍ ؛ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ إحْسَانًا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ ، مِنْ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ وَانْدِفَاعِ الْمَكْرُوهِ ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ لَا تَصْبِرُ عَلَى الْمُرِّ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْحُلْوِ ؛ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ ؛ حَتَّى جَعَلَ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ نَصِيبًا فِي الصَّدَقَاتِ ... ( مجموع الفتاوى : 28 / 153 ، 154 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إِنَّ أَسْرَ الْقَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ أَسْرِ الْبَدَنِ ، وَاسْتِعْبَادَ الْقَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ اسْتِعْبَادِ الْبَدَنِ ؛ فَإِنَّ مَنْ اُسْتُعْبِدَ بَدَنُهُ وَاسْتُرِقَّ لَا يُبَالِي إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُسْتَرِيحًا مِنْ ذَلِكَ مُطْمَئِنًّا ، بَلْ يُمْكِنُهُ الِاحْتِيَالُ فِي الْخَلَاصِ ؛ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَلْبُ - الَّذِي هُوَ الْمَلِكُ - رَقِيقًا مُسْتَعْبَدًا مُتَيَّمًا لِغَيْرِ اللَّهِ ، فَهَذَا هُوَ الذُّلُّ وَالْأَسْرُ الْمَحْضُ ، وَالْعُبُودِيَّةُ لِمَا اسْتَعْبَدَ الْقَلْبَ ؛ وَعُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ وَأَسْرُهُ هِيَ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَسَرَهُ كَافِرٌ ، أَوْ اسْتَرَقَّهُ فَاجِرٌ بِغَيْرِ حَقٍّ ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَائِمًا بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ؛ وَمَنْ اُسْتُعْبِدَ بِحَقِّ إذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ لَهُ أَجْرَانِ ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْكُفْرِ فَتَكَلَّمَ بِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ ؛ وَأَمَّا مَنْ اسْتُعْبِدَ قَلْبَهُ فَصَارَ عَبْدًا لِغَيْرِ اللَّهِ ، فَهَذَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَلِكَ النَّاسِ ؛ فَالْحُرِّيَّةُ حُرِّيَّةُ الْقَلْبِ ، وَالْعُبُودِيَّةُ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 186 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مَنْ اسْتَعْبَدَ قَلْبَهُ صُورَةً مُحَرَّمَةً ( امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا ) فَهَذَا هُوَ الْعَذَابُ الَّذِي لَا يدَان فِيهِ ؛ وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ عَذَابًا وَأَقَلِّهِمْ ثَوَابًا ؛ فَإِنَّ الْعَاشِقَ لِصُورَةِ إذَا بَقِيَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا بِهَا مُسْتَعْبَدًا لَهَا ، اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى فَدَوَامُ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهَا بِلَا فِعْلِ الْفَاحِشَةِ ، أَشَدُّ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهُ وَيَزُولُ أَثَرُهُ مِنْ قَلْبِهِ ؛ وَهَؤُلَاءِ يُشَبَّهُونَ بِالسُّكَارَى وَالْمَجَانِينِ . كَمَا قِيلَ :
سكران سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ ... وَمَتَى إفَاقَةُ مَنْ بِهِ سكران
وَقِيلَ :
قَالُوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لَهُمْ ... الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ
الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ ... وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ هَذَا الْبَلَاءِ إعْرَاضُ الْقَلْبِ عَنْ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا ذَاقَ طَعْمَ عِبَادَةِ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ قَطُّ أَحْلَى مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا أَلَذَّ وَلَا أَطْيَبَ ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتْرُكُ مَحْبُوبًا إلَّا بِمَحْبُوبِ آخَرَ يَكُونُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهُ ، أَوْ خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ ؛ فَالْحُبُّ الْفَاسِدُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ الْقَلْبُ عَنْهُ بِالْحُبِّ الصَّالِحِ ؛ أَوْ بِالْخَوْفِ مِنْ الضَّرَرِ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 186 ، 187) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الْغَضَّ فِي الصَّوْتِ وَالْبَصَرِ جِمَاعُ مَا يَدْخُلُ إلَى الْقَلْبِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ ، فَبِالسَّمْعِ يَدْخُلُ الْقَلْبُ ، وَبِالصَّوْتِ يَخْرُجُ مِنْهُ ؛ كَمَا جَمَعَ الْعُضْوَيْنِ فِي قَوْلِهِ : ] أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ [ فَبِالْعَيْنِ وَالنَّظَرِ يَعْرِفُ الْقَلْبُ الْأُمُورَ ، وَاللِّسَانُ وَالصَّوْتُ يُخْرِجَانِ مِنْ عِنْدِ الْقَلْبِ الْأُمُورَ ؛ هَذَا رَائِدُ الْقَلْبِ وَصَاحِبُ خَبَرِهِ وَجَاسُوسِهِ ، وَهَذَا تَرْجُمَانُهُ .... ( مجموع الفتاوى : 15 / 383 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مَعْنَى قَوْلِهِمْ : ( إنَّ الْبِدْعَةَ لَا يُتَابُ مِنْهَا ) أَنَّ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي يَتَّخِذُ دِينًا لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ قَدْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ، فَهُوَ لَا يَتُوبُ مَا دَامَ يَرَاهُ حَسَنًا ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّوْبَةِ الْعِلْمُ بِأَنَّ فِعْلَهُ سَيِّئٌ لِيَتُوبَ مِنْهُ ، أَوْ بِأَنَّهُ تَرَكَ حَسَنًا مَأْمُورًا بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ لِيَتُوبَ وَيَفْعَلَهُ ؛ فَمَا دَامَ يَرَى فِعْلَهُ حَسَنًا وَهُوَ سَيِّئٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ . وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مِنْهُ مُمْكِنَةٌ وَوَاقِعَةٌ بِأَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ وَيُرْشِدَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ ، كَمَا هَدَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ هَدَى مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ ؛ وَهَذَا يَكُونُ بِأَنْ يَتَّبِعَ مِنْ الْحَقِّ مَا عَلِمَهُ ، فَمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } ... ( مجموع الفتاوى : 10/ 9 ، 10 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَأَمَّا ( الْحُزْنُ ) فَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ ، بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَمْرِ الدِّينِ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ، وَقَوْلُهُ : { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } ، وَقَوْلُهُ : { إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } ، وَقَوْلُهُ : { وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ } ، وَقَوْلُهُ : { لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } ... وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجْلِبُ مَنْفَعَةً ، وَلَا يَدْفَعُ مَضَرَّةً ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ؛ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ ، نَعَمْ ! لَا يَأْثَمُ صَاحِبُهُ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِحُزْنِهِ مُحَرَّمٌ ، كَمَا يَحْزَنُ عَلَى الْمَصَائِبِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ e : " إنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ عَلَى دَمْعِ الْعَيْنِ ، وَلَا عَلَى حُزْنِ الْقَلْبِ ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُ عَلَى هَذَا ، أَوْ يَرْحَمُ " وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى لِسَانِهِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 16 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الرِّضَا وَالتَّوَكُّلُ يَكْتَنِفَانِ الْمَقْدُورَ ؛ فَالتَّوَكُّلُ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، وَالرِّضَا بَعْدَ وُقُوعِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ : " اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ ، وَبِقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُك كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَأَسْأَلُك الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُك نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُك قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُك بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ وَأَسْأَلُك لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك ؛ وَأَسْأَلُك الشَّوْقَ إلَى لِقَائِك ، مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ؛ اللَّهُمَّ زينا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ " رَوَاهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِي مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 37 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَجَعَلَ ( الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ ) مَوْرُوثَةً عَنْ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ بِقَوْلِهِ : ] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [ ، فَإِنَّ الدِّينَ كُلَّهُ عِلْمٌ بِالْحَقِّ ، وَعَمَلٌ بِهِ ؛ وَالْعَمَلُ بِهِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصَّبْرِ ، بَلْ وَطَلَبُ عِلْمِهِ يَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ ، كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ ، فَإِنَّ طَلَبَهُ لِلَّهِ عِبَادَةٌ ، وَمَعْرِفَتَهُ خَشْيَةٌ ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ ؛ بِهِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيُعْبَدُ ، وَبِهِ يُمَجَّدُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ أَقْوَامًا يَجْعَلُهُمْ لِلنَّاسِ قَادَةً وَأَئِمَّةً ، يَهْتَدُونَ بِهِمْ ، وَيَنْتَهُونَ إلَى رَأْيِهِمْ .ا.هـ . فَجَعَلَ الْبَحْثَ عَنْ الْعِلْمِ مِنْ الْجِهَادِ ؛ وَلَا بُدَّ فِي الْجِهَادِ مِنْ الصَّبْرِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 39 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : النُّصُوصُ فِي فَضَائِلِ الْجِهَادِ وَأَهْلِهِ كَثِيرَةٌ ؛ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْعَبْدُ ، وَالْجِهَادُ دَلِيلُ الْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ ؛ قَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُحِبِّينَ الْمَحْبُوبِينَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ } فَوَصَفَ الْمَحْبُوبِينَ الْمُحِبِّينَ بِأَنَّهُمْ أَذِلَّةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَأَنَّهُمْ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْجِهَادِ ؛ لِأَنَّ الْمُحِبَّ يُحِبُّ مَا يُحِبُّ مَحْبُوبُهُ ، وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُ مَحْبُوبُهُ ، وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِيهِ ، وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ ؛ وَيَرْضَى لِرِضَاهُ ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ ، وَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ ، وَيَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي ذَلِكَ ؛ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يَرْضَى الرَّبُّ لِرِضَاهُمْ ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ ، إذْ هُمْ إنَّمَا يَرْضَوْنَ لِرِضَاهُ ، وَيَغْضَبُونَ لِمَا يَغْضَبُ لَهُ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 57 ، 58 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : نِعْمَ الْعَبْدُ صهيب ، لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ ؛ أَيْ : هُوَ لَمْ يَعْصِهِ وَلَوْ لَمْ يَخَفْهُ ، فَكَيْفَ إذَا خَافَهُ ؟ فَإِنَّ إجْلَالَهُ وَإِكْرَامَهُ لِلَّهِ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ ؛ فَالرَّاجِي الْخَائِفُ إذَا تَعَلَّقَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ بِالتَّعَذُّبِ بِاحْتِجَابِ الرَّبِّ عَنْهُ ، وَالتَّنَعُّمِ بِتَجَلِّيهِ لَهُ ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ تَوَابِعِ مَحَبَّتِهِ لَهُ ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ الَّتِي أَوْجَبَتْ مَحَبَّةَ التَّجَلِّي وَالْخَوْفِ مِنْ الِاحْتِجَابِ ؛ وَإِنْ تَعَلَّقَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ بِالتَّعَذُّبِ بِمَخْلُوقِ وَالتَّنَعُّمِ بِهِ ، فَهَذَا إنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ مَحَبَّتَهُ ، ثُمَّ إذَا وَجَدَ حَلَاوَةَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَجَدَهَا أَحْلَى مِنْ كُلِّ مَحَبَّةٍ ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ اشْتِغَالُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ : " إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ " وَهُوَ يُبَيِّنُ غَايَةَ تَنَعُّمِهِمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 64 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ بَعْضُهُمْ : مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ ، فَهُوَ زِنْدِيقٌ ؛ وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ ، فَهُوَ حروري ؛ وَمَنْ عَبْدَهُ بِالرَّجَاءِ ، وَحْدَهُ فَهُوَ مُرْجِئٌ ؛ وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُبَّ الْمُجَرَّدَ تَنْبَسِطُ النُّفُوسُ فِيهِ حَتَّى تَتَوَسَّعَ فِي أَهْوَائِهَا ، إذَا لَمْ يَزَعْهَا وَازِعُ الْخَشْيَةِ لِلَّهِ ، حَتَّى قَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى : ] نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [ وَيُوجَدُ فِي مُدَّعِي الْمَحَبَّةِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَلِهَذَا قَرَنَ الْخَشْيَةَ بِهَا فِي قَوْلِهِ : ] هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ . ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ . وَكَانَ الْمَشَايِخُ الْمُصَنِّفُونَ فِي السُّنَّةِ يَذْكُرُونَ فِي عَقَائِدِهِمْ مُجَانَبَةَ مَنْ يُكْثِرُ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ وَالْخَوْضِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ خَشْيَةٍ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ ، وَمَا وَقَعَ فِي هَؤُلَاءِ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِقَادِ وَالْأَعْمَالِ أَوْجَبَ إنْكَارَ طَوَائِفَ لِأَصْلِ طَرِيقَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، حَتَّى صَارَ الْمُنْحَرِفُونَ صِنْفَيْنِ : صِنْفٌ يُقِرُّ بِحَقِّهَا وَبَاطِلِهَا ، وَصِنْفٌ يُنْكِرُ حَقَّهَا وَبَاطِلَهَا ؛ كَمَا عَلَيْهِ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ ؛ وَالصَّوَابُ إنَّمَا هُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ مُوَافَقَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَالْإِنْكَارِ لِمَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . ( مجموع الفتاوى : 10 / 81 ، 82 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الْحَسَدَ مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ النَّفْسِ ، وَهُوَ مَرَضٌ غَالِبٌ ، فَلَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْ النَّاسِ ، وَلِهَذَا يُقَالُ : مَا خَلَا جَسَدٌ مِنْ حَسَدٍ ، لَكِنَّ اللَّئِيمَ يُبْدِيهِ ، وَالْكَرِيمَ يُخْفِيهِ ؛ وَقَدْ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِنُ ؟ فَقَالَ مَا أَنْسَاك إخْوَةَ يُوسُفَ لَا أَبَا لَك ، وَلَكِنْ عَمِّهِ فِي صَدْرِك ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّك مَا لَمْ تَعْدُ بِهِ يَدًا وَلِسَانًا . فَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَسَدًا لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ التَّقْوَى وَالصَّبْرَ ؛ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ دِينٌ لَا يَعْتَدُونَ عَلَى الْمَحْسُودِ ، فَلَا يُعِينُونَ مَنْ ظَلَمَهُ ، وَلَكِنَّهُمْ - أَيْضًا - لَا يَقُومُونَ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ ، بَلْ إذَا ذَمَّهُ أَحَدٌ لَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى ذَمِّهِ ، وَلَا يَذْكُرُونَ مَحَامِدَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَدَحَهُ أَحَدٌ لَسَكَتُوا ، وَهَؤُلَاءِ مَدِينُونَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ فِي حَقِّهِ ، مُفَرِّطُونَ فِي ذَلِكَ ؛ لَا مُعْتَدُونَ عَلَيْهِ ، وَجَزَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ يَبْخَسُونَ حُقُوقَهُمْ ، فَلَا يُنْصَفُونَ - أَيْضًا - فِي مَوَاضِعَ ، وَلَا يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ ، كَمَا لَمْ يَنْصُرُوا هَذَا الْمَحْسُودَ ؛ وَأَمَّا مَنْ اعْتَدَى بِقَوْلِ أَوْ فِعْلٍ فَذَلِكَ يُعَاقَبُ ؛ وَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَصَبَرَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الظَّالِمِينَ ، نَفَعَهُ اللَّهُ بِتَقْوَاهُ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 124 ، 125 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } ، وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضُ الشَّهْوَةِ وَإِرَادَةُ الصُّورَةِ مَتَى خَضَعَ الْمَطْلُوبُ طَمِعَ الْمَرِيضُ ، وَالطَّمَعُ الَّذِي يُقَوِّي الْإِرَادَةَ وَالطَّلَبَ ، وَيُقَوِّي الْمَرَضَ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ آيِسًا مِنْ الْمَطْلُوبِ ، فَإِنَّ الْيَأْسَ يُزِيلُ الطَّمَعَ ، فَتَضْعُفُ الْإِرَادَةُ ، فَيَضْعُفُ الْحُبُّ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَطْلُبَ مَا هُوَ آيِسٌ مِنْهُ ، فَلَا يَكُونُ مَعَ الْإِرَادَةِ عَمَلٌ أَصْلًا ، بَلْ يَكُونُ حَدِيثُ نَفْسٍ ، إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِذَلِكَ كَلَامٌ أَوْ نَظَرٌ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَيَأْثَمُ بِذَلِكَ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 132 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : النَّفْسُ إذَا أَحَبَّتْ شَيْئًا سَعَتْ فِي حُصُولِهِ بِمَا يُمْكِنُ ، حَتَّى تَسْعَى فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ تَكُونُ كُلُّهَا مَقَامَاتٍ لِتِلْكَ الْغَايَةِ ، فَمَنْ أَحَبَّ مَحَبَّةً مَذْمُومَةً ، أَوْ أَبْغَضَ بُغْضًا مَذْمُومًا ، وَفَعَلَ ذَلِكَ كَانَ آثِمًا ؛ مِثْلَ أَنْ يُبْغِضَ شَخْصًا لِحَسَدِهِ لَهُ ، فَيُؤْذِي مَنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ ، إمَّا بِمَنْعِ حُقُوقِهِمْ ، أَوْ بِعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ ؛ أَوْ لِمَحَبَّةِ لَهُ لِهَوَاهُ مَعَهُ ، فَيَفْعَلُ لِأَجْلِهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ ، أَوْ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ لِلَّهِ ، فَيَفْعَلُهُ لِأَجْلِ هَوَاهُ لَا لِلَّهِ ؛ وَهَذِهِ أَمْرَاضٌ كَثِيرَةٌ فِي النُّفُوسِ ، وَالْإِنْسَانُ قَدْ يُبْغِضُ شَيْئًا ، فَيُبْغِضُ لِأَجْلِهِ أُمُورًا كَثِيرَةً بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ ؛ وَكَذَلِكَ يُحِبُّ شَيْئًا ، فَيُحِبُّ لِأَجْلِهِ أُمُورًا كَثِيرَةً ؛ لِأَجْلِ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ ، كَمَا قَالَ شَاعِرُهُمْ :
أُحِبُّ لِحُبِّهَا السُّودَانَ حَتَّى ... أُحِبُّ لِحُبِّهَا سُودَ الْكِلَابِ
فَقَدْ أَحَبَّ سَوْدَاءَ ؛ فَأَحَبَّ جِنْسَ السَّوَادِ حَتَّى فِي الْكِلَابِ ؛ وَهَذَا كُلُّهُ مَرَضٌ فِي الْقَلْبِ فِي تَصَوُّرِهِ وَإِرَادَتِهِ . فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَ قُلُوبَنَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ ؛ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 133 ، 134 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : كَثِيرًا مَا يَقْرِنُ النَّاسُ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ فَالرِّيَاءُ مِنْ بَابِ الْإِشْرَاكِ بِالْخَلْقِ وَالْعُجْبُ مِنْ بَابِ الْإِشْرَاكِ بِالنَّفْسِ وَهَذَا حَالُ الْمُسْتَكْبِرِ فَالْمُرَائِي لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ } وَالْمُعْجَبُ لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فَمَنْ حَقَّقَ قَوْلَهُ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ } خَرَجَ عَنْ الرِّيَاءِ وَمَنْ حَقَّقَ قَوْلَهُ { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } خَرَجَ عَنْ الْإِعْجَابِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 277 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إِذَا طَلَبَ مِنْ الْمَظْلُومِ الْعَفْوَ بَعْدَ اعْتِرَافِ الظَّالِمِ ، فَأَجَابَ ؛ كَانَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ أَجْرُهُمْ عَلَى اللَّهِ ، وَإِنْ أَبَى إلَّا طَلَبَ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا ؛ لَكِنْ يَكُونُ قَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ الْأَحْسَنَ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ، كَمَا قَدْ يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الشورى : 41، 42 ] ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ تَرْكِ الْإِحْسَانِ الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يُحْسَبُ خَارِجًا عَنْ الطَّرِيقِ خَرَجَ عَنْهُ جُمْهُورُ أَهْلِهِ .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 548 ، 549 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الِاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ قَدْ يَكُونَانِ مِنْ تَرْكِ الْأَفْضَلِ ؛ فَمَنْ نُقِلَ إلَى حَالٍ أَفْضَلَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَدْ يَتُوبُ مِنْ الْحَالِ الْأَوَّلِ ؛ لَكِنَّ الذَّمَّ وَالْوَعِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى ذَنْبٍ .. ( مجموع الفتاوى : 10 / 316 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَسْتَحْضِرُ عِنْدَ التَّوْبَةِ إلَّا بَعْضَ الْمُتَّصِفَاتِ بِالْفَاحِشَةِ أَوْ مُقَدِّمَاتِهَا ، أَوْ بَعْضَ الظُّلْمِ بِاللِّسَانِ أَوْ الْيَدِ ، وَقَدْ يَكُونُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الْمَأْمُورِ الَّذِي يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَحَقَائِقِهِ أَعْظَمَ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِمَّا فَعَلَهُ مِنْ بَعْضِ الْفَوَاحِشِ ؛ فَإِنَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ الَّتِي بِهَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا أَعْظَمَ نَفْعًا مِنْ نَفْعِ تَرْكِ بَعْضِ الذُّنُوبِ الظَّاهِرَةِ ؛ كَحُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا أَعْظَمُ الْحَسَنَاتِ الْفِعْلِيَّةِ حَتَّى ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَهُ الْحَدَّ فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ أُتِيَ بِهِ مَرَّةً فَأَمَرَ بِجَلْدِهِ فَلَعَنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ، فَنَهَى عَنْ لَعْنِهِ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الشُّرْبِ ، لِكَوْنِهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؛ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : " لَعَنَ الْخَمْرَ ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ ، وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا " ؛ وَلَكِنَّ لَعْنَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ لَعْنَ الْمُعَيَّنِ الَّذِي قَامَ بِهِ مَا يَمْنَعُ لُحُوقَ اللَّعْنَةِ لَهُ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 329 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الِاقْتِصَارُ عَلَى الذِّكْرِ الْمُجَرَّدِ الشَّرْعِيِّ مِثْلِ قَوْلِ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ - هَذَا قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ الْإِنْسَانُ أَحْيَانًا ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا الذِّكْرُ وَحْدَهُ هُوَ الطَّرِيقَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ مَا عَدَاهُ ؛ بَلْ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ : الصَّلَاةُ ، ثُمَّ الْقِرَاءَةُ ، ثُمَّ الذِّكْرُ ، ثُمَّ الدُّعَاءُ ؛ وَالْمَفْضُولُ فِي وَقْتِهِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْفَاضِلِ ، كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ ، وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ ؛ ثُمَّ قَدْ يُفْتَحُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الْعَمَلِ الْمَفْضُولِ مَا لَا يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ الْفَاضِلِ ، وَقَدْ يُيَسَّرُ عَلَيْهِ هَذَا دُونَ هَذَا ، فَيَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَفْضَلِ ؛ كَالْجَائِعِ إذَا وَجَدَ الْخُبْزَ الْمَفْضُولَ مُتَيَسِّرًا عَلَيْهِ وَالْفَاضِلَ مُتَعَسِّرًا عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْخُبْزِ الْمَفْضُولِ ، وَشِبَعُهُ وَاغْتِذَاؤُهُ بِهِ حِينَئِذٍ أَوْلَى بِهِ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 401 ، 402 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : والْمَعَازِفُ هِيَ خَمْرُ النُّفُوسِ ، تَفْعَلُ بِالنُّفُوسِ أَعْظَمَ مِمَّا تَفْعَلُ حُمَيَّا الْكُؤُوسِ ، فَإِذَا سَكِرُوا بِالْأَصْوَاتِ حَلَّ فِيهِمْ الشِّرْكُ ، وَمَالُوا إلَى الْفَوَاحِشِ ، وَإِلَى الظُّلْمِ ، فَيُشْرِكُونَ ، وَيَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ، وَيَزْنُونَ ؛ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَوْجُودَةٌ كَثِيرًا فِي أَهْلِ سَمَاعِ الْمَعَازِفِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 417 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الْأَفْضَلَ يَتَنَوَّعُ ؛ تَارَةً بِحَسَبِ أَجْنَاسِ الْعِبَادَاتِ ، كَمَا أَنَّ جِنْسَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْقِرَاءَةِ ، وَجِنْسَ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الذِّكْرِ ، وَجِنْسَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ ؛ وتَارَةً يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الصَّلَاةِ ؛ وتَارَةً بِاخْتِلَافِ عَمَلِ الْإِنْسَانِ الظَّاهِرِ ، كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الْقِرَاءَةِ ، وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ مَشْرُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ فَفِيهَا نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ ؛ وتَارَةً بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ ، كَمَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَعِنْدَ الْجِمَارِ وَعِنْدَ الصَّفَا والمروة هُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ دُونَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لِلْوَارِدِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَالصَّلَاةُ لِلْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ ؛ وَتَارَةً بِاخْتِلَافِ مَرْتَبَةِ جِنْسِ الْعِبَادَةِ ، فَالْجِهَادُ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَجِهَادُهُنَّ الْحَجُّ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ طَاعَتُهَا لِزَوْجِهَا أَفْضَلُ مِنْ طَاعَتِهَا لِأَبَوَيْهَا ، بِخِلَافِ الْأَيِّم ( غير المزوجة ) فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِطَاعَةِ أَبَوَيْهَا ؛ وتَارَةً يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَعَجْزِهِ ، فَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ أَفْضَلَ ؛ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ يَغْلُو فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَيَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ؛ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ لِمُنَاسَبَةِ لَهُ ، وَلِكَوْنِهِ أَنْفَع لِقَلْبِهِ ، وَأَطْوَع لِرَبِّهِ ، يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَفْضَلَ لِجَمِيعِ النَّاسِ ، وَيَأْمُرَهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ ؛ وَاَللَّهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ وَهَدْيًا لَهُمْ ، يَأْمُرُ كُلَّ إنْسَانٍ بِمَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ ؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ نَاصِحًا لِلْمُسْلِمِينَ ، يَقْصِدُ لِكُلِّ إنْسَانٍ مَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ .
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْعِلْمِ أَفْضَلَ لَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْجِهَادِ أَفْضَلَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ - كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ - أَفْضَلَ لَهُ ؛ وَالْأَفْضَلُ الْمُطْلَقُ مَا كَانَ أَشْبَهَ بِحَالِ النَّبِيِّ e بَاطِنًا وَظَاهِرًا . فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ e . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 427 – 429 ) .
 
عودة
أعلى