من درر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : لَيْسَ مِنْ السَّيِّئَاتِ مَا يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ إلَّا الرِّدَّةُ ؛ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَسَنَاتِ مَا يُحْبِطُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ إلَّا التَّوْبَةُ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 440 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك ، وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ ، وَلَا تَعْجَزَنَّ ، وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " ؛ فَأَمَرَهُ بِالْحِرْصِ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ ؛ وَنَهَاهُ عَنْ الْعَجْزِ ، الَّذِي هُوَ الِاتِّكَالُ عَلَى الْقَدَرِ ؛ ثُمَّ أَمَرَهُ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ أَنْ لَا يَيْأَسَ عَلَى مَا فَاتَهُ ، بَلْ يَنْظُرَ إلَى الْقَدَرِ ، وَيُسَلِّمَ الْأَمْرَ لِلَّهِ ؛ فَإِنَّهُ هُنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ : الْأُمُورُ أَمْرَانِ : أَمْرٌ فِيهِ حِيلَةٌ ، وَأَمْرٌ لَا حِيلَةَ فِيهِ ؛ فَمَا فِيهِ حِيلَةٌ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ ، وَمَا لَا حِيلَةَ فِيهِ لَا يَجْزَعُ مِنْهُ ... ( مجموع الفتاوى : 8 / 284 ، 285 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } ، مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ مُتَقَارِبَانِ ، لَكِنَّ الْجَاهِلَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ ظَالِمٌ ، وَالظَّالِمُ جَهِلَ الْحَقِيقَةَ الْمَانِعَةَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 544 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مَا يُؤْذَى الْإِنْسَانُ بِهِ فِي فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ - كَالصَّلَاةِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ - مِنْ الْمَصَائِبِ فَصَبْرُهُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بِدُونِ ذَلِكَ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى مُحَرَّمَاتٍ ؛ مِنْ رِئَاسَةٍ ، وَأَخْذِ مَالٍ ، وَفِعْلِ فَاحِشَةٍ ، كَانَ صَبْرُهُ عَنْهُ أَفْضَلَ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّمَا عَظُمَتْ كَانَ الصَّبْرُ عَلَيْهَا أَعْظَمَ مِمَّا دُونَهَا ؛ فَإِنَّ فِي الْعِلْمِ ، وَالْإِمَارَةِ ، وَالْجِهَادِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَالصَّلَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَالصَّوْمِ ، وَالزَّكَاةِ ، مِنْ الْفِتَنِ النَّفْسِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا ؛ وَيَعْرِضُ فِي ذَلِكَ مَيْلُ النَّفْسِ إلَى الرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ وَالصُّوَرِ ، فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَطْمَعْ فِيهِ كَمَا تَطْمَعُ مَعَ الْقُدْرَةِ ؛ فَإِنَّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ تَطْلُبُ تِلْكَ الْأُمُورَ الْمُحَرَّمَةَ ، بِخِلَافِ حَالِهَا بِدُونِ الْقُدْرَةِ ؛ فَإِنَّ الصَّبْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ جِهَادٌ ، بَلْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ وَأَكْمَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : ( أَحَدُهَا ) : أَنَّ الصَّبْرَ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ . ( الثَّانِي ) : أَنَّ تَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَطَلَبَ النَّفْسِ لَهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا بِدُونِ ذَلِكَ . ( الثَّالِثُ ) : أَنَّ طَلَبَ النَّفْسِ لَهَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ أَمْرٍ دِينِيٍّ - كَمَنَ خَرَجَ لِصَلَاةِ ، أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ ، أَوْ جِهَادٍ ، فَابْتُلِيَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ صَبْرَهُ عَنْ ذَلِكَ - يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَتْ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ بِدُونِ عَمَلٍ صَالِحٍ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 576 ، 577 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : جِمَاعُ الشَّرِّ : الْغَفْلَةُ ، وَالشَّهْوَةُ ؛ فَالْغَفْلَةُ عَنْ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ ، تَسُدُّ بَابَ الْخَيْرِ الَّذِي هُوَ الذِّكْرُ وَالْيَقَظَةُ ؛ وَالشَّهْوَةُ تَفْتَحُ بَابَ الشَّرِّ وَالسَّهْوِ وَالْخَوْفِ ؛ فَيَبْقَى الْقَلْبُ مَغْمُورًا فِيمَا يَهْوَاهُ وَيَخْشَاهُ ، غَافِلًا عَنْ اللَّهِ ، رَائِدًا غَيْرَ اللَّهِ ، سَاهِيًا عَنْ ذِكْرِهِ ، قَدْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ اللَّهِ ، قَدْ انْفَرَطَ أَمْرُهُ ، قَدْ رَانَ حُبُّ الدُّنْيَا عَلَى قَلْبِهِ ؛ كَمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ " ؛ جَعَلَهُ عَبَدَ مَا يُرْضِيهِ وُجُودُهُ ، وَيُسْخِطُهُ فَقْدُهُ حَتَّى يَكُونَ عَبْدَ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدَ مَا وُصِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 597 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ " ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ ، وَالنَّصَارَى عَبَدُوا اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛ وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ : احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ ، وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ؛ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ . وَكَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُبَّادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى ؛ فَمَنْ دَعَا إلَى الْعِلْمِ دُونَ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ مُضِلًّا ؛ وَمَنْ دَعَا إلَى الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ كَانَ مُضِلًّا ، وَأَضَلُّ مِنْهُمَا مَنْ سَلَكَ فِي الْعِلْمِ طَرِيقَ أَهْلِ الْبِدَعِ ؛ فَيَتَّبِعَ أُمُورًا تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، يَظُنُّهَا عُلُومًا وَهِيَ جَهَالَاتٌ ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ فِي الْعِبَادَةِ طَرِيقَ أَهْلِ الْبِدَعِ ، فَيَعْمَلُ أَعْمَالًا تُخَالِفُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ يَظُنُّهَا عِبَادَاتٍ وَهِيَ ضَلَالَاتٌ ؛ فَهَذَا وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْمُنْحَرِفِ الْمُنْتَسِبِ إلَى فِقْهٍ أَوْ فَقْرٍ ، يَجْتَمِعُ فِيهِ أَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْعِلْمِ دُونَ الْعَمَلِ ، وَالْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ ، وَيَكُونُ مَا يَدْعُو إلَيْهِ فِيهِ بِدَعٌ تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ . وَطَرِيقُ اللَّهِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِعِلْمِ وَعَمَلٍ ، يَكُونُ كِلَاهُمَا مُوَافِقًا الشَّرِيعَةَ .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 26 ، 27 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ إنْسَانًا لِكَوْنِهِ يُعْطِيه فَمَا أَحَبّ إلَّا الْعَطَاءَ ، وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ يُحِبُّ مَنْ يُعْطِيه لِلَّهِ ، فَهَذَا كَذِبٌ وَمُحَالٌ وَزُورٌ مِنْ الْقَوْلِ ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ إنْسَانًا لِكَوْنِهِ يَنْصُرُهُ ، إنَّمَا أَحَبّ النَّصْرَ لَا النَّاصِرَ ؛ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ اتِّبَاعِ مَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحِبَّ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ ، فَهُوَ إنَّمَا أَحَبَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ ، وَإِنَّمَا أَحَبّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى مَحْبُوبِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا حُبًّا لِلَّهِ ، وَلَا لِذَاتِ الْمَحْبُوبِ . وَعَلَى هَذَا تَجْرِي عَامَّةُ مَحَبَّةِ الْخَلْقِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ ، وَهَذَا لَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ ، بَلْ رُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى النِّفَاقِ وَالْمُدَاهَنَةِ ، فَكَانُوا فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْأَخِلَّاءِ الَّذِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ ؛ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَأَمَّا مَنْ يَرْجُو النَّفْعَ وَالنَّصْرَ مِنْ شَخْصٍ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ ، فَهَذَا مِنْ دَسَائِسِ النُّفُوسِ وَنِفَاقِ الْأَقْوَالِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 609 ، 610 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ ، وَكَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ النَّصَارَى قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الدِّينِ ؛ كَمَا يُبْصِرُ ذَلِكَ مَنْ فَهِمَ دِينَ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ نَزَّلَهُ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ ؛ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ، وَكَانَ مَيِّتًا فَأَحْيَاهُ اللَّهُ ، وَجَعَلَ لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ، لَا بُدَّ أَنْ يُلَاحِظَ أَحْوَالَ الْجَاهِلِيَّةِ وَطَرِيقَ الْأُمَّتَيْنِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، فَيَرَى أَنْ قَدْ اُبْتُلِيَ بِبَعْضِ ذَلِكَ ؛ فَأَنْفَعُ مَا لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ : الْعِلْمُ بِمَا يُخَلِّصُ النُّفُوسَ مِنْ هَذِهِ الْوَرَطَاتِ ، وَهُوَ إتْبَاعُ السَّيِّئَاتِ الْحَسَنَاتِ ؛ وَالْحَسَنَاتُ مَا نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ عَلَى لِسَانِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 657 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ شَيْئَيْنِ : طَاعَتِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ ، وَصَبْرِهِ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْقَضَاءِ الْمَقْدُورِ ؛ فَالْأَوَّلُ هُوَ التَّقْوَى ، وَالثَّانِي هُوَ الصَّبْرُ ..... ( مجموع الفتاوى : 10 / 667 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَوْله تَعَالَى : ] وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [ فَأَخْبَرَ أَنَّ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ لَا يَحْمِلُونَ مِنْ خَطَايَا الْأَتْبَاعِ شَيْئًا ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَثْقَالَهُمْ ، وَهِيَ أَوْزَارُ الْأَتْبَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِ الْأَتْبَاعِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ إرَادَتَهُمْ كَانَتْ جَازِمَةً بِذَلِكَ ، وَفَعَلُوا مَقْدُورَهُمْ ، فَصَارَ لَهُمْ جَزَاءُ كُلِّ عَامِلٍ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ يُسْتَحَقُّ مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَفِعْلِ الْمَقْدُورِ مِنْهُ ؛ وَهُوَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ : " فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ " فَأَخْبَرَ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا كَانَ إمَامَهُمْ الْمَتْبُوعَ فِي دِينِهِمْ ، أَنَّ عَلَيْهِ إثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ ، وَهُمْ الْأَتْبَاعُ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ : إنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْفَلَّاحِينَ وَالْأَكَرَةِ ، كَلَفْظِ ( الطَّاءِ ) بِالتُّرْكِيِّ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُقْلَبُ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا تَوَلَّى عَنْ اتْبَاعِ الرَّسُولِ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِهِمْ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْءٌ ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سَائِرُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 725 ، 726 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : حَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ الأنماري الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ مَاجَه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةٍ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَمَالًا ، فَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ فُلَانٍ لَعَمِلْت بِعَمَلِهِ " ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ " وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فَهَذَا التَّسَاوِي مَعَ ( الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ ) هُوَ فِي حِكَايَةِ حَالِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ صَادِقًا فِيهِ ، وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ إرَادَةً جَازِمَةً ، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا الْفِعْلُ ، إلَّا لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ ؛ فَلِهَذَا اسْتَوَيَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ . وَلَيْسَ هَذِهِ الْحَالُ تَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ قَالَ : " لَوْ أَنَّ لِي مَا لِفُلَانِ ، لَفَعَلْت مِثْلَ مَا يَفْعَلُ " ، إلَّا إذَا كَانَتْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً ، يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً ؛ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ عَزْمٍ ، لَوْ اقْتَرَنَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ لَانْفَسَخَتْ عَزِيمَتُهُ ، كَعَامَّةِ الْخَلْقِ يُعَاهِدُونَ وَيَنْقُضُونَ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَزَمَ عَلَى شَيْءٍ عَزْمًا جَازِمًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَعَدِمَ الصوارف عَنْ الْفِعْلِ ، تَبْقَى تِلْكَ الْإِرَادَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ للصوارف ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } وَكَمَا قَالَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 733 ، 734 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي التِّرْمِذِيِّ : " مَنْ أَحَبّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ " ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ حُبُّهُ لِلَّهِ ، وَبُغْضُهُ لِلَّهِ ، وَهُمَا عَمَلُ قَلْبِهِ ؛ وَعَطَاؤُهُ لِلَّهِ ، وَمَنْعُهُ لِلَّهِ ، وَهُمَا عَمَلُ بَدَنِهِ ، دَلَّ عَلَى كَمَالِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ ، ودَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، وَذَلِكَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَالْعِبَادَةُ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحُبِّ وَكَمَالَ الذُّلِّ ؛ وَالْحُبُّ مَبْدَأُ جَمِيعِ الْحَرَكَاتِ الْإِرَادِيَّةِ ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ حُبّ وَبُغْضٍ ، فَإِذَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لِمَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ ، وَبُغْضُهُ لِمَنْ يُبْغِضُهُ اللَّهُ ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ ، لَكِنْ قَدْ يَقْوَى ذَلِكَ وَقَدْ يَضْعُفُ بِمَا يُعَارِضُهُ مِنْ شَهَوَاتِ النَّفْسِ وَأَهْوَائِهَا ، الَّذِي يَظْهَرُ فِي بَذْلِ الْمَالِ ، الَّذِي هُوَ مَادَّةُ النَّفْسِ ، فَإِذَا كَانَ حُبُّهُ لِلَّهِ ، وَعَطَاؤُهُ لِلَّهِ ، وَمَنْعُهُ لِلَّهِ ؛ دَلَّ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ؛ وَأَصْلُ الشِّرْكِ فِي الْمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا - إنَّمَا هُوَ اتِّخَاذُ أَنْدَادٍ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } وَمَنْ كَانَ حُبُّهُ لِلَّهِ ، وَبُغْضُهُ لِلَّهِ ، لَا يُحِبُّ إلَّا لِلَّهِ ، وَلَا يُبْغِضُ إلَّا لِلَّهِ ، وَلَا يُعْطِي إلَّا لِلَّهِ ، وَلَا يَمْنَعُ إلَّا لِلَّهِ ، فَهَذِهِ حَالُ السَّابِقِينَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ .... ( مجموع الفتاوى : 10 / 754 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : كُلُّ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مِنْ خَوَاطِرِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ فَكَرِهَهُ وَأَلْقَاهُ ، ازْدَادَ إيمَانًا وَيَقِينًا ؛ كَمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِذَنْبِ فَكَرِهَهُ ، وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَتَرَكَهُ لِلَّهِ ، ازْدَادَ صَلَاحًا وَبِرًّا وَتَقْوَى .
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَإِذَا وَقَعَتْ لَهُ الْأَهْوَاءُ وَالْآرَاءُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّفَاقِ ، لَمْ يكرهها وَلَمْ يَنْفِهَا ؛ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ مِنْهُ سَيِّئَةُ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ حَسَنَةٍ إيمَانِيَّةٍ تَدْفَعُهَا أَوْ تَنْفِيهَا ؛ وَالْقُلُوبُ يَعْرِضُ لَهَا الْإِيمَانُ وَالنِّفَاقُ ، فَتَارَةً يَغْلِبُ هَذَا ، وَتَارَةً يَغْلِبُ هَذَا ؛ وَقَوْلُهُ e : " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا " ، كَمَا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فِي الصَّحِيحِ ، هُوَ مُقَيَّدٌ بِالتَّجَاوُزِ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مُنَافِقٌ فِي الْبَاطِنِ ، وَهُمْ كَثِيرُونَ فِي الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ؛ وَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي حَالِ ظُهُورِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ... ( مجموع الفتاوى : 10 / 767 ، 768 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في حديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان بأغاني بعاث : وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْجَارِيَتَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ e اسْتَمَعَ إلَى ذَلِكَ ؛ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِمَاعِ ، لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ ؛ كَمَا فِي الرُّؤْيَةِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِقَصْدِ الرُّؤْيَةِ ، لَا بِمَا يَحْصُلُ مِنْهَا بِغَيْرِ الِاخْتِيَارِ ؛ وَكَذَلِكَ فِي اشْتِمَامِ الطَّيِّبِ ، إنَّمَا يُنْهَى الْمُحْرِمُ عَنْ قَصْدِ الشَّمِّ ، فَأَمَّا إذَا شَمَّ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ وَكَذَلِكَ فِي مُبَاشَرَةِ الْمُحَرَّمَاتِ كَالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ : مِنْ السَّمْعِ ، وَالْبَصَرِ ، وَالشَّمِّ ، وَالذَّوْقِ ، وَاللَّمْسِ ؛ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لِلْعَبْدِ فِيهِ قَصْدٌ وَعَمَلٌ ، وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا أَمْرَ فِيهِ وَلَا نَهْيَ .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 566 ، 567 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : جِنْسُ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؛ وَجِنْسُ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَمَثُوبَةُ بَنِي آدَمَ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمُ مِنْ مَثُوبَتِهِمْ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ ؛ وَعُقُوبَتُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ .... ( مجموع الفتاوى : 20 / 85 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : تَوْبَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ حَسَنَاتِهِ عَلَى أَوْجُهٍ :
أَحَدُهُمَا أَنْ يَتُوبَ وَيَسْتَغْفِرَ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِيهَا .
وَالثَّانِي أَنْ يَتُوبَ مِمَّا كَانَ يَظُنُّهُ حَسَنَاتٍ ، وَلَمْ يَكُنْ كَحَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ .
وَالثَّالِثُ يَتُوبُ مِنْ إعْجَابِهِ وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ فَعَلَهَا ، وَأَنَّهَا حَصَلَتْ بِقُوَّتِهِ ، وَيَنْسَى فَضْلَ اللَّهِ وَإِحْسَانَهُ ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ بِهَا ؛ وَهَذِهِ تَوْبَةٌ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ وَتَرْكِ مَأْمُورٍ ، وَلِهَذَا قِيلَ : تَخْلِيصُ الْأَعْمَالِ مِمَّا يُفْسِدُهَا أَشَدُّ عَلَى الْعَامِلِينَ مِنْ طُولِ الِاجْتِهَادِ ؛ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ احْتِيَاجَ النَّاسِ إلَى التَّوْبَةِ دَائِمًا ، وَلِهَذَا قِيلَ : هِيَ مَقَامٌ يَسْتَصْحِبُهُ الْعَبْدُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَى آخِرِ عُمُرِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ ؛ فَجَمِيعُ الْخَلْقِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتُوبُوا وَأَنْ يَسْتَدِيمُوا التَّوْبَةَ .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 687 ، 688 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ t - الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ - أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ ( في لا حول ولا قوة إلا بالله ) : " هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ " ؛ و ( الْكَنْزُ ) مَالٌ مُجْتَمِعٌ ، لَا يَحْتَاجُ إلَى جَمْعٍ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ التَّوَكُّلَ وَالِافْتِقَارَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَأَنَّ الْخَلْقَ لَيْسَ مِنْهُمْ شَيْءٌ إلَّا مَا أَحْدَثَهُ اللَّهُ فِيهِمْ ؛ فَإِذَا انْقَطَعَ طَلَبُ الْقَلْبِ لِلْمَعُونَةِ مِنْهُمْ ، وَطَلَبَهَا مِنْ اللَّهِ ، فَقَدْ طَلَبَهَا مِنْ خَالِقِهَا الَّذِي لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا هُوَ ؛ قَالَ تَعَالَى : ] مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [ ... ( مجموع الفتاوى : 13 / 321 ، 322 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : السعادة مشروطة بشرطين : بالإيمان ، والعمل الصالح ؛ بعلم نافع ، وعمل صالح ؛ بكلم طيب ، وعمل صالح ؛ وكلاهما مشروط بأن يكون على موافقة الرسل ، كما قال أبي بن كعب رضي الله عنه : عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما من عبد على السبيل والسنة ذكر الله خاليًا فاقشعر جلده من خشية الله ، إلا تحاتت عنه خطاياه ، كما يتحات الورق اليابس عن الشجر ؛ وما من عبد على السبيل والسنة ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه من خشية الله ، إلا لم تمسه النار أبدًا ؛ وإنَّ اقتصادًا في سبيل وسنة ، خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ؛ فاحرصوا أن تكون أعمالكم إن كانت اجتهادًا أو اقتصادًا على منهاج الأنبياء وسننهم ... ( الصفدية : 2 / 248 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الصَّلَاةُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، وَهِيَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ كَلِمٍ طَيِّبٍ ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ ؛ أَفْضَلُ كَلِمِهَا الطَّيِّبِ وَأَوْجَبُهُ الْقُرْآنُ ، وَأَفْضَلُ عَمَلِهَا الصَّالِحِ وَأَوْجَبُهُ السُّجُودُ ... ( مجموع الفتاوى : 14 / 5 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : كُلَّ شَرًّ فِي الْعَالَمِ لَا يَخْرُجُ عَنْ قِسْمَيْنِ : إمَّا أَلَمٌ ، وَإِمَّا سَبَبُ الْأَلَمِ ؛ وَسَبَبُ الْأَلَمِ مِثْلُ الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْعَذَابِ ، وَالْأَلَمِ الْمَوْجُودِ لَا يَكُونُ إلَّا لِنَوْعِ عَدَمٍ ، فَكَمَا يَكُونُ سَبَبُهُ تَفَرُّقُ الِاتِّصَالِ ؛ وَتَفَرُّقُ الِاتِّصَالِ هُوَ عَدَمُ التَّأْلِيفِ وَالِاتِّصَالِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ الشَّرُّ وَالْفَسَادُ ؛ وَأَمَّا سَبَبُ الْأَلَمِ فَقَدْ قَرَّرْت فِي ( قَاعِدَةٍ كَبِيرَةٍ ) أَنَّ أَصْلَ الذُّنُوبِ هُوَ عَدَمُ الْوَاجِبَاتِ ، لَا فِعْلَ الْمُحَرَّمَات ؛ وَأَنَّ فِعْلَ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا وَقَعَ لِعَدَمِ الْوَاجِبَاتِ ، فَصَارَ أَصْلُ الذُّنُوبِ عَدَمَ الْوَاجِبَاتِ ، وَأَصْلُ الْأَلَمِ عَدَمَ الصِّحَّةِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ أَنْ يَقُولُوا : " وَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا " فَيَسْتَعِيذُ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ الَّذِي نَشَأَ عَنْهَا مِنْ ذُنُوبِهَا وَخَطَايَاهَا ، وَيَسْتَعِيذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ عُقُوبَاتُهَا وَآلَامُهَا ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : " وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا " قَدْ يُرَادُ بِهِ السَّيِّئَاتُ فِي الْأَعْمَالِ ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْعُقُوبَاتُ .... ( مجموع الفتاوى : 14 / 27 ، 28 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الْإِنْسَانُ - وَكُلُّ مَخْلُوقٍ - فَقِيرٌ إلَى اللَّهِ بِالذَّاتِ ، وَفَقْرُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إلَّا فَقِيرًا إلَى خَالِقِهِ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ غَنِيًّا بِنَفْسِهِ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ ، فَهُوَ الصَّمَدُ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إلَيْهِ ، فَالْعَبْدُ فَقِيرٌ إلَى اللَّهِ مِنْ جِهَةِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمِنْ جِهَةِ إلَهِيَّتِهِ ، كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ ؛ وَالْإِنْسَانُ يُذْنِبُ دَائِمًا ، فَهُوَ فَقِيرٌ مُذْنِبٌ ، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَرْحَمُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَلَوْلَا رَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ ، لَمَا وُجِدَ خَيْرٌ أَصْلًا ، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ، وَلَوْلَا مَغْفِرَتُهُ لَمَا وَقَى الْعَبْدُ شَرَّ ذُنُوبِهِ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ دَائِمًا إلَى حُصُولِ النِّعْمَة ، وَدَفْعِ الضُّرِّ وَالشَّرِّ وَلَا تَحْصُلُ النِّعْمَةُ إلَّا بِرَحْمَتِهِ ، وَلَا يَنْدَفِعُ الشَّرُّ إلَّا بِمَغْفِرَتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا سَبَبَ لِلشَّرِّ إلَّا ذُنُوبُ الْعِبَادِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّئَاتِ : مَا يَسُوءُ الْعَبْدَ مِنْ الْمَصَائِبِ ؛ وَبِالْحَسَنَاتِ : مَا يَسُرُّهُ مِنْ النِّعَمِ . كَمَا قَالَ : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ } فَالنِّعَمُ وَالرَّحْمَةُ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ مِنْ اللَّهِ فَضْلًا وَجُودًا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ ، وَإِنْ كَانَ تَعَالَى عَلَيْهِ حَقٌّ لِعِبَادِهِ ، فَذَلِكَ الْحَقُّ هُوَ أَحَقُّهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَخْلُوقِ ، بَلْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ ... ( مجموع الفتاوى : 1 / 42 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : هَذَا تَفْسِيرُ آيَاتٍ أُشْكِلَتْ حَتَّى لَا يُوجَدُ فِي طَائِفَةٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ إلَّا مَا هُوَ خَطَأٌ ؛ مِنْهَا قَوْلُهُ : ] بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ [ الْآيَةَ ، ذُكَرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ السَّيِّئَةَ الشِّرْكُ ، وَقِيلَ : الْكَبِيرَةُ يَمُوتُ عَلَيْهَا ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ : هِيَ الذُّنُوبُ تُحِيطُ بِالْقَلْبِ . قُلْت : الصَّوَابُ ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَعِيفٌ فَالْحُجَّةُ تُبَيِّنُ ضَعْفَهُ ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْ ذِكْرِ أَقْوَالِهِمْ لِمُوَافَقَتِهَا قَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ ، وَهُمْ يَنْقُلُونَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَخْطَأَ فِيهَا الْكَاتِبُ ، كَمَا قِيلَ فِي غَيْرِهَا ، وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَوَاتُرِهِ اُسْتُتِيبَ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ؛ وَأَمَّا قَبْلُ تَوَاتُرِهِ عِنْدَهُ فَلَا يُسْتَتَابُ ؛ لَكِنْ يُبَيَّنُ لَهُ ، وَكَذَلِكَ الْأَقْوَالُ الَّتِي جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِخِلَافِهَا : فِقْهًا وَتَصَوُّفًا وَاعْتِقَادًا وَغَيْرَ ذَلِكَ .
وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " إذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ " إلَخْ ، وَاَلَّذِي يَغْشَى الْقَلْبَ يُسَمَّى ( رَيْنًا ) و ( طَبْعًا ) و ( خَتْمًا ) و ( قَفْلًا ) وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَهَذَا مَا أَصَرَّ عَلَيْهِ ؛ وإحَاطَةُ الْخَطِيئَةِ : إحْدَاقُهَا بِهِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ ، وَهَذَا هُوَ الْبَسْلُ بِمَا كَسَبَتْ نَفْسُهُ ، أَيْ : تُحْبَسُ عَمَّا فِيهِ نَجَاتُهَا فِي الدَّارَيْنِ ؛ فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ قَيْدٌ وَحَبْسٌ لِصَاحِبِهَا عَنْ الْجَوَلَانِ فِي فَضَاءِ التَّوْحِيدِ ، وَعَنْ جَنْيِ ثِمَارِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ .
وَمِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ يُعَذَّبُ مُطْلَقًا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَزِنُ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَعَلَى هَذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَهُوَ مَعْنَى الْوَزْنِ ؛ لَكِنَّ تَفْسِيرَ السَّيِّئَةِ بِالشِّرْكِ هُوَ الْأَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَايَرَ بَيْنَ الْمَكْسُوبِ وَالْمُحِيطِ ، فَلَوْ كَانَ وَاحِدًا لَمْ يُغَايِرْ ؛ وَالْمُشْرِكُ لَهُ خَطَايَا غَيْرُ الشِّرْكِ أَحَاطَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا . و أَيْضًا قَوْلُهُ : ] سَيِّئَةً [ نَكِرَةٌ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ جِنْسَ السَّيِّئَاتِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ و أَيْضًا لَفْظُ ( السَّيِّئَةِ ) قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مُرَادًا بِهِ الشِّرْكَ ، وَقَوْلُهُ : ] سَيِّئَةً [ أَيْ : حَالٌ سَيِّئَةٌ ، أَوْ مَكَانٌ سَيِّئَةٌ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : ] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [ أَيْ : حَالًا حَسَنَةً تَعَمٍّ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَكُونُ صِفَةً ، وَقَدْ يُنْقَلُ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ ، وَيُسْتَعْمَلُ لَازِمًا أَوْ مُتَعَدِّيًا يُقَالُ : سَاءَ هَذَا الْأَمْرُ ، أَيْ : قَبُحَ ، وَيُقَالُ : سَاءَنِي هَذَا ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ] وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا [ عَمِلُوا الشِّرْكَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِهَذَا فَقَطْ ، وَلَوْ آمَنُوا لَكَانَ لَهُمْ حَسَنَاتٌ ؛ وَكَذَا لَمَّا قَالَ : ] كَسَبَ سَيِّئَةً [ لَمْ يَذْكُرْ حَسَنَةً ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ] لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى [ أَيْ : فَعَلُوا الْحُسْنَى ، وَهُوَ مَا أُمِرُوا بِهِ ؛ كَذَلِكَ ( السَّيِّئَةُ ) ، تَتَنَاوَلُ الْمَحْظُورَ ، فَيَدْخُلُ فِيهَا الشِّرْكُ .... ( مجموع الفتاوى : 14 / 48 - 50) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مِنْ الذُّنُوبِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِخَفَاءِ الْعِلْمِ النَّافِعِ أَوْ بَعْضِهِ ؛ بَلْ يَكُونُ سَبَبًا لِنِسْيَانِ مَا عَلِمَ ، وَلِاشْتِبَاهِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ ، وَتَقَعُ الْفِتَنُ بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ أَسْكَنَ آدَمَ وَزَوْجَهُ الْجَنَّةَ وَقَالَ لَهُمَا : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } ؛ فَكُلُّ عَدَاوَةٍ كَانَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا وَبَلَاءٍ وَمَكْرُوهٍ تَكُونُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَفِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، سَبَبُهَا الذُّنُوبُ وَمَعْصِيَةُ الرَّبِّ تَعَالَى .
فَالْإِنْسَانُ إذَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، كَانَ فِي نَعِيمِ الْإِيمَانِ ، وَالْعِلْمُ وَارِدٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَاتِهِ ، وَهُوَ فِي جَنَّةِ الدُّنْيَا ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : " إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا " ؛ قِيلَ : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " مَجَالِسُ الذِّكْرِ " ، وَقَالَ : " مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ " ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ هُنَا فِي رِيَاضِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ ؛ وَكُلَّمَا كَانَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ وَطَاعَتِهِ كَانَ مُعَلَّقًا بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى ، فَلَا يَزَالُ فِي عُلُوٍّ مَا دَامَ كَذَلِكَ ، فَإِذَا أَذْنَبَ هَبَطَ قَلْبُهُ إلَى أَسْفَلَ ، فَلَا يَزَالُ فِي هُبُوطٍ مَا دَامَ كَذَلِكَ ، وَوَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمْثَالِهِ عَدَاوَةٌ ؛ فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا ثَابَ وَعَمِلَ فِي حَالِ هُبُوطِ قَلْبِهِ إلَى أَنْ يَسْتَقِيمَ فَيَصْعَدُ قَلْبُهُ ... ( مجموع الفتاوى : 14 / 160 ، 161 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَوْلُ النَّاسِ : ( الْآدَمِيُّ جَبَّارٌ ضَعِيفٌ ) أَوْ ( فُلَانٌ جَبَّارٌ ضَعِيفٌ ) ؛ فَإِنَّ ضَعْفَهُ يَعُودُ إلَى ضَعْفِ قُوَاهُ ، مِنْ قُوَّةِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ؛ وَأَمَّا تَجَبُّرُهُ فَإِنَّهُ يَعُود إلَى اعْتِقَادَاتِهِ وَإِرَادَاتِهِ ، أَمَّا اعْتِقَادُهُ فَأَنْ يُتَوَهَّمَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَوْقَ مَا هُوَ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ؛ وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَالُ وَالْخُيَلَاءُ وَالْمَخِيلَةُ ، وَهُوَ أَنْ يَتَخَيَّلَ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؛ وَمِمَّا يُوجِبُ ذَلِكَ مَدْحَهُ بِالْبَاطِلِ نَظْمًا وَنَثْرًا ، وَطَلَبَهُ لِلْمَدْحِ الْبَاطِلِ ، فَإِنَّهُ يُورِثُ هَذَا الِاخْتِيَالَ ؛ وَأَمَّا الْإِرَادَةُ فَإِرَادَةُ أَنْ يَتَعَظَّمَ وَيُعَظَّمَ ، وَهُوَ إرَادَةُ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ ، وَالْفَخْرِ عَلَى النَّاسِ ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ مِنْ الْعُلُوِّ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُرِيدَهُ ، وَهُوَ الرِّئَاسَةُ وَالسُّلْطَانُ ، حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ الْأَمْرُ إلَى مُزَاحَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ كَفِرْعَوْنَ ، وَمُزَاحَمَةِ النُّبُوَّةِ ؛ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جِنْسِ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ وَالْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ .... ( مجموع الفتاوى : 14 / 219 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : أَمَّا ذُنُوبُ الْإِنْسَانِ : فَهِيَ مِنْ نَفْسِهِ . وَمَعَ هَذَا فَهِيَ – مَعَ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ - نِعْمَةٌ وَهِيَ نِعْمَةٌ عَلَى غَيْرِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِهَا مِنْ الِاعْتِبَارِ وَالْهُدَى وَالْإِيمَانِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَحْسَنِ الدُّعَاءِ قَوْلُهُ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي عِبْرَةً لِغَيْرِي ، وَلَا تَجْعَلْ أَحَدًا أَسْعَدَ بِمَا عَلَّمْتنِي مِنِّي ؛ وَفِي دُعَاءِ الْقُرْآنِ : { رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ، { لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } كَمَا فِيهِ : { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا } ، أَيْ : فَاجْعَلْنَا أَئِمَّةً لِمَنْ يَقْتَدِي بِنَا وَيَأْتَمُّ ، وَلَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِمَنْ يُضِلُّ بِنَا وَيَشْقَى ... ( مجموع الفتاوى : 14 / 306 ، 307 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : ( الْحَمْدُ ) يَتَضَمَّنُ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ عَلَى الْمَحْمُودِ بِذِكْرِ مَحَاسِنِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْسَانُ إلَى الْحَامِدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ وَالشُّكْرُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى إحْسَانِ الْمَشْكُورِ إلَى الشَّاكِرِ ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْحَمْدُ أَعَمُّ مِنْ الشُّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمَحَاسِنِ وَالْإِحْسَانِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْمَدُ عَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالْمَثَلِ الْأَعْلَى ، وَمَا خَلَقَهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } وَقَالَ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ } وَقَالَ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } .
وَأَمَّا ( الشُّكْرُ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْإِنْعَامِ ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْحَمْدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ؛ لَكِنَّهُ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ ، كَمَا قِيلَ :
أَفَادَتْكُمْ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } ؛ وَ ( الْحَمْدُ ) إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ؛ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشُّكْرُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ أَنْوَاعِهِ ، وَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ أَسْبَابِهِ ، وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَأْسُ الشُّكْرِ ، فَمَنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ لَمْ يَشْكُرْهُ " ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ e أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 133 ، 134 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَدْ بَيَّنَ الْقُرْآنُ أَنَّ السَّيِّئَاتِ مِنْ النَّفْسِ ، وَإِنْ كَانَتْ بِقَدَرِ اللَّهِ ؛ فَأَعْظَمُ السَّيِّئَاتِ : جُحُودُ الْخَالِقِ ، وَالشِّرْكُ بِهِ ، وَطَلَبُ النَّفْسِ أَنْ تَكُونَ شَرِيكَةً وَنِدًّا لَهُ ، أَوْ أَنْ تَكُونَ إلَهًا مِنْ دُونِهِ ؛ وَكِلَا هَذَيْنِ وَقَعَ ؛ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ إلَهًا مَعْبُودًا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَ : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي } ، وَقَالَ : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } ، وَقَالَ لِمُوسَى : { لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } .
وَإِبْلِيسُ يَطْلُبُ أَنْ يُعْبَدَ وَيُطَاعَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَيُرِيدُ أَنْ يُعْبَدَ وَيُطَاعَ هُوَ ، وَلَا يُعْبَدُ اللَّهُ وَلَا يُطَاعَ ؛ وَهَذَا الَّذِي فِي فِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ هُوَ غَايَةُ الظُّلْمِ وَالْجَهْلِ .
وَفِي نُفُوسِ سَائِرِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ شُعْبَةٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا ؛ إنْ لَمْ يُعِنْ اللَّهُ الْعَبْدَ وَيَهْدِهِ وَإِلَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ مَا وَقَعَ فِيهِ إبْلِيسُ وَفِرْعَوْنُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ؛ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : مَا مِنْ نَفْسٍ إلَّا وَفِيهَا مَا فِي نَفْسِ فِرْعَوْنَ ، غَيْرَ أَنَّ فِرْعَوْنَ قَدَرَ فَأَظْهَرَ ، وَغَيْرَهُ عَجَزَ فَأَضْمَرَ . وَذَلِكَ : أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اعْتَبَرَ وَتَعَرَّفَ نَفْسَهُ وَالنَّاسَ وَسَمِعَ أَخْبَارَهُمْ ، رَأَى الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ أَنْ تُطَاعَ وَتَعْلُو بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ ؛ فَالنَّفْسُ مَشْحُونَةٌ بِحُبِّ الْعُلُوِّ وَالرِّيَاسَةِ بِحَسَبِ إمْكَانِهَا ، فَتَجِدُ أَحَدَهُمْ يُوَالِي مَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى هَوَاهُ ، وَيُعَادِي مَنْ يُخَالِفُهُ فِي هَوَاهُ ؛ وَإِنَّمَا مَعْبُودُهُ : مَا يَهْوَاهُ وَيُرِيدُهُ ، قَالَ تَعَالَى : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } ... ( مجموع الفتاوى : 14 / 323 ، 324 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الِاعْتِذَارُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَاطِلِ وَالْجِدَالُ عَنْهَا لَا يَجُوزُ ؛ بَلْ إنْ أَذْنَبَ سِرًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، اعْتَرَفَ لِرَبِّهِ بِذَنْبِهِ ، وَخَضَعَ لَهُ بِقَلْبِهِ ، وَسَأَلَهُ مَغْفِرَتَهُ ، وَتَابَ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَوَّابٌ ؛ وَإِنْ كَانَتْ السَّيِّئَةُ ظَاهِرَةً ، تَابَ ظَاهِرًا ؛ وَإِنْ أَظْهَرَ جَمِيلًا وَأَبْطَنَ قَبِيحًا ، تَابَ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْقَبِيحِ ؛ فَمَنْ أَسَاءَ سِرًّا أَحْسَنَ سِرًّا ، وَمَنْ أَسَاءَ عَلَانِيَةً أَحْسَنَ عَلَانِيَةً ، { إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } .... ( مجموع الفتاوى : 14 / 447 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ ؛ وَلَكِنْ يَفُوتُهُ بِهِ نَوْعٌ مِنْ الْحَسَنَاتِ ، كَالنِّسْيَانِ فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَالِاحْتِلَامُ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَالنُّعَاسُ عِنْدَ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَالصَّعْقُ عِنْدَ الذِّكْرِ مِنْ الشَّيْطَانِ ؛ وَلَا إثْمَ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا غُلِبَ عَلَيْهِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِقَصْدِ مِنْهُ أَوْ بِذَنْبِ .... ( مجموع الفتاوى : 15 / 100 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الْحَقُّ نَوْعَانِ : حَقٌّ مَوْجُودٌ ، فَالْوَاجِبُ مَعْرِفَتُهُ ، وَالصِّدْقُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ ؛ وَضِدُّ ذَلِكَ الْجَهْلُ وَالْكَذِبُ . وَحَقٌّ مَقْصُودٌ ، وَهُوَ النَّافِعُ لِلْإِنْسَانِ ، فَالْوَاجِبُ إرَادَتُهُ ، وَالْعَمَلُ بِهِ ؛ وَضِدُّ ذَلِكَ إرَادَةُ الْبَاطِلِ وَاتِّبَاعُهُ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِي النُّفُوسِ مَحَبَّةَ الْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ ، وَمَحَبَّةَ الصِّدْقِ دُونَ الْكَذِبِ ، وَمَحَبَّةَ النَّافِعِ دُونَ الضَّارِّ ، وَحَيْثُ دَخَلَ ضِدُّ ذَلِكَ فَلِمُعَارِضِ مِنْ هَوًى وَكِبْرٍ وَحَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ كَمَا أَنَّهُ فِي صَالِحِ الْجَسَدِ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ مَحَبَّةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُلَائِمِ لَهُ دُونَ الضَّارِّ ، فَإِذَا اشْتَهَى مَا يَضُرُّهُ أَوْ كَرِهَ مَا يَنْفَعُهُ فَلِمَرَضِ فِي الْجَسَدِ ؛ وَكَذَلِكَ - أَيْضًا - إذَا انْدَفَعَ عَنْ النَّفْسِ الْمُعَارِضُ مِنْ الْهَوَى وَالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : أَحَبَّ الْقَلْبُ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ إذَا انْدَفَعَ عَنْهُ الْمَرَضُ أَحَبَّ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ؛ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الدَّافِعِ سَبَبٌ لِلْآخَرِ ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِصَلَاحِ حَالِ الْإِنْسَانِ ؛ وَضِدُّهُمَا سَبَبٌ لِضِدِّ ذَلِكَ ، فَإِذَا ضَعُفَ الْعِلْمُ غَلَبَ الْهَوَى الْإِنْسَانَ ، وَإِنْ وُجِدَ الْعِلْمُ وَالْهَوَى ، وَهُمَا الْمُقْتَضِي وَالدَّافِعُ ، فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ .. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَصَلَاحُ بَنِي آدَمَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ... ( مجموع الفتاوى : 15 / 241 ، 242 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ثَلَاثٌ : الْكُفْرُ ، ثُمَّ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، ثُمَّ الزِّنَا ؛ كَمَا رَتَّبَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } ؛ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك " ؛ قُلْت : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : " ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك " ؛ قُلْت : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : " أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك " ؛ وَلِهَذَا التَّرْتِيبِ وَجْهٌ مَعْقُولٌ وَهُوَ أَنَّ قُوَى الْإِنْسَانِ ثَلَاثٌ : قُوَّةُ الْعَقْلِ ، وَقُوَّةُ الْغَضَبِ ، وَقُوَّةُ الشَّهْوَةِ ؛ فَأَعْلَاهَا الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ ، الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْإِنْسَانُ دُونَ سَائِرِ الدَّوَابِّ وَتَشْرَكُهُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ ، ثُمَّ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ الَّتِي فِيهَا دَفْعُ الْمَضَرَّةِ ، ثُمَّ الْقُوَّةُ الشهوية الَّتِي فِيهَا جَلْبُ الْمَنْفَعَةِ .
فَالْكُفْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ النَّاطِقَةِ الْإِيمَانِيَّةِ ، وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ ؛ وَالْقَتْلُ نَاشِئٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَعُدْوَانٍ فِيهَا ؛ وَالزِّنَا عَنْ الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ . فَالْكُفْرُ اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ ، وَالزِّنَا اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ .... ( مجموع الفتاوى : 15 / 428 - 430 ) باختصار .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَبِاعْتِبَارِ الْقُوَى الثَّلَاثِ ( المذكورة في المقالة السابقة ) انْقَسَمَتْ الْأُمَمُ الَّتِي أَفَضْلُ الْجِنْسِ الْإِنْسَانِيِّ ؛ وَهُمْ الْعَرَبُ ، وَالرُّومُ ، وَالْفُرْسُ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَمَ هِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ فِيهَا الْفَضَائِلُ الْإِنْسَانِيَّةُ ، وَهُمْ سُكَّانُ وَسَطِ الْأَرْضِ طُولًا وَعَرْضًا ، فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ كَالسُّودَانِ وَالتُّرْكِ وَنَحْوِهِمْ فَتَبَعٌ .
فَغَلَبَ عَلَى الْعَرَبِ الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ النُّطْقِيَّةُ ، وَاشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ وَصْفِهَا ، فَقِيلَ لَهُمْ : عَرَبٌ ، مِنْ الْإِعْرَابِ ، وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْإِظْهَارُ ، وَذَلِكَ خَاصَّةُ الْقُوَّةِ الْمَنْطِقِيَّةِ .
وَغَلَبَ عَلَى الرُّومِ الْقُوَّةُ الشهوية ، مِنْ الطَّعَامِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا ، وَاشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ ذَلِكَ ، فَقِيلَ لَهُمْ : الرُّومُ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : رُمْت هَذَا أَرُومُهُ ، إذَا طَلَبْته وَاشْتَهَيْته .
وَغَلَبَ عَلَى الْفُرْسِ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ ، مِنْ الدَّفْعِ وَالْمَنْعِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالرِّيَاسَةِ ، وَاشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ ذَلِكَ ، فَقِيلَ : فُرْسٌ ، كَمَا يُقَالُ : فَرَسَهُ يَفْرِسُهُ ، إذَا قَهَرَهُ وَغَلَبَهُ .
وَلِهَذَا تُوجَدُ هَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ غَالِبَةً عَلَى الْأُمَمِ الثَّلَاثِ ، حَاضِرَتِهَا وَبَادِيَتِهَا ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَبُ أَفْضَلَ الْأُمَمِ ، وَتَلِيهَا الْفُرْسُ ؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ الدفعية أَرْفَعُ ، وَتَلِيهَا الرُّومُ .... ( مجموع الفتاوى : 15 / 431 ، 432 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقُوَى ( قوة العقل ، وقوة الغضب ، وقوة الشهوة ) كَانَتْ الْفَضَائِلُ ثَلَاثًا : فَضِيلَةُ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ ، الَّتِي هِيَ كَمَالُ الْقُوَّةِ الْمَنْطِقِيَّةِ ؛ وَفَضِيلَةُ الشَّجَاعَةِ ، الَّتِي هِيَ كَمَالُ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ ؛ وَكَمَالُ الشَّجَاعَةِ هُوَ الْحِلْمُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ e : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ " ، وَالْحِلْمُ وَالْكَرَمُ مَلْزُوزَانِ فِي قَرْنٍ ؛ كَمَا أَنَّ كَمَالَ الْقُوَّةِ الشهوية : الْعِفَّةُ ، فَإِذَا كَانَ الْكَرِيمُ عَفِيفًا ، وَالسَّخِيُّ حَلِيمًا ، اعْتَدَلَ الْأَمْرُ . وَفَضِيلَةُ السَّخَاءِ وَالْجُودِ الَّتِي هِيَ كَمَالُ الْقُوَّةِ الطَّلَبِيَّةِ الحِبية ؛ فَإِنَّ السَّخَاءَ يَصْدُرُ عَنْ اللِّينِ وَالسُّهُولَةِ وَرُطُوبَةِ الْخُلُقِ ، كَمَا تَصْدُرُ الشَّجَاعَةُ عَنْ الْقُوَّةِ وَالصُّعُوبَةِ وَيُبْسِ الْخُلُقِ ؛ فَالْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ هِيَ قُوَّةُ النَّصْرِ ، وَالْقُوَّةُ الشهوية : قُوَّةُ الرِّزْقِ ، وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ : { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } وَالرِّزْقُ وَالنَّصْرُ مُقْتَرِنَانِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ النَّاسِ كَثِيرًا .
وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا : الْعَدَالَةُ ، فَهِيَ صِفَةٌ مُنْتَظِمَةٌ لِلثَّلَاثِ ، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ فِيهَا ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ الْأَخِيرَاتُ هِيَ الْأَخْلَاقُ الْعَمَلِيَّةُ . ... ( مجموع الفتاوى : 15 / 432 ، 433 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَبِاعْتِبَارِ الْقُوَى الثَّلَاثِ كَانَتْ الْأُمَمُ الثَّلَاثُ : الْمُسْلِمُونَ ، وَالْيَهُودُ ، وَالنَّصَارَى ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ الْعَقْلُ وَالْعِلْمُ وَالِاعْتِدَالُ فِي الْأُمُورِ ، فَإِنَّ مُعْجِزَةَ نَبِيِّهِمْ هِيَ عِلْمُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ ؛ وَهُمْ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ .
وَأَمَّا الْيَهُودُ ، فَأُضْعِفَتْ الْقُوَّةُ الشهوية فِيهِمْ ، حَتَّى حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَأُمِرُوا مِنْ الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ بِمَا أُمِرُوا بِهِ ، وَمَعَاصِيهِمْ غَالِبُهَا مِنْ بَابِ الْقَسْوَةِ وَالشِّدَّةِ ، لَا مِنْ بَابِ الشَّهْوَةِ .
وَالنَّصَارَى أُضْعِفَتْ فِيهِمْ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ ، فَنُهُوا عَنْ الِانْتِقَامِ وَالِانْتِصَارِ ، وَلَمْ تَضْعُفْ فِيهِمْ الْقُوَّةُ الشهوية ، فَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَطَاعِمِ مَا حُرِّمَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ ، بَلْ أُحِلَّ لَهُمْ بَعْضُ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ ، وَظَهَرَ فِيهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهَوَاتِ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْيَهُودِ ، وَفِيهِمْ مِنْ الرِّقَّةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ مَا لَيْسَ فِي الْيَهُودِ ؛ فَغَالِبُ مَعَاصِيهِمْ مِنْ بَابِ الشَّهَوَاتِ ، لَا مِنْ بَابِ الْغَضَبِ ؛ وَغَالِبُ طَاعَاتِهِمْ مِنْ بَابِ النَّصْرِ لَا مِنْ بَابِ الرِّزْقِ .
وَلَمَّا كَانَ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ عيسوية ، مَشْرُوعَةً أَوْ مُنْحَرِفَةً ، كَانَ فِيهِمْ مِنْ الشَّهَوَاتِ ، وَوَقَعَ فِيهِمْ مِنْ الْمَيْلِ إلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْأَصْوَاتِ الْمُطْرِبَةِ ، مَا يُذَمُّونَ بِهِ ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْفُقَهَاءِ موسوية مَشْرُوعَةٌ أَوْ مُنْحَرِفَةٌ ، كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْغَضَبِ ، وَوَقَعَ فِيهِمْ مِنْ الْقَسْوَةِ وَالْكِبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، مَا يُذَمُّونَ بِهِ . ... ( مجموع الفتاوى : 15 / 433 ، 434 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } ؛ وَقَوْلُ الْقَائِلِ : قَدْ نَرَى مَنْ يَتَّقِي وَهُوَ مَحْرُومٌ ؛ وَمَنْ هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ مَرْزُوقٌ ! فَجَوَابُهُ : أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ أَنَّ الْمُتَّقِيَ يُرْزَقُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّقِي لَا يُرْزَقُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ الرِّزْقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } ؛ إنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْحَرَامِ هُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الرِّزْقِ ؛ فَالْكُفَّارُ قَدْ يُرْزَقُونَ بِأَسْبَابِ مُحَرَّمَةٍ ، وَيُرْزَقُونَ رِزْقًا حَسَنًا ، وَقَدْ لَا يُرْزَقُونَ إلَّا بِتَكَلُّفِ ؛ وَأَهْلُ التَّقْوَى يَرْزُقُهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ ، وَلَا يَكُونُ رِزْقُهُمْ بِأَسْبَابِ مُحَرَّمَةٍ ، وَلَا يَكُونُ خَبِيثًا ؛ وَالتَّقِيُّ لَا يُحْرَمُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الرِّزْقِ ، وَإِنَّمَا يُحْمَى مِنْ فُضُولِ الدُّنْيَا رَحْمَةً بِهِ ، وَإِحْسَانًا إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ تَوْسِيعَ الرِّزْقِ قَدْ يَكُونُ مَضَرَّةً عَلَى صَاحِبِهِ ، وَتَقْدِيرَهُ يَكُونُ رَحْمَةً لِصَاحِبِهِ .... ( مجموع الفتاوى : 16 / 52 ، 53 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : لَيْسَ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِالْقَلْبِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ ؛ وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنِهِمَا فِي قَوْلِهِ : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ } ، { تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } ، { وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ } ، { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ . أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } ؛ وَلِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَهُ النَّظَرُ ؛ فَنَظَرُ الْقَلْبِ الظَّاهِرُ بِالْعَيْنَيْنِ ، وَالْبَاطِنُ بِهِ وَحْدَهُ ... ( مجموع الفتاوى : 16 / 225 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : ممَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَشْعُرُ بِهَا ، أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ حُبُّ الرِّيَاسَةِ كَامِنٌ ، لَا يَشْعُرُ بِهِ ؛ بَلْ إنَّهُ مُخْلِصٌ فِي عِبَادَتِهِ ، وَقَدْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ عُيُوبُهُ ؛ وَكَلَامُ النَّاسِ فِي هَذَا كَثِيرٌ مَشْهُورٌ ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ هَذِهِ ( الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ) ، قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ : يَا بَقَايَا الْعَرَبِ ، إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ . قِيلَ لِأَبِي دَاوُد السجستاني : مَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ؟ قَالَ : حُبُّ الرِّيَاسَةِ ؛ فَهِيَ خَفِيَّةٌ تَخْفَى عَلَى النَّاسِ ، وَكَثِيرًا مَا تَخْفَى عَلَى صَاحِبِهَا .
بَلْ كَذَلِكَ حُبُّ الْمَالِ وَالصُّورَةِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُحِبُّ ذَلِكَ وَلَا يَدْرِي ، بَلْ نَفْسُهُ سَاكِنَةٌ مَا دَامَ ذَلِكَ مَوْجُودًا ، فَإِذَا فَقَدَهُ ظَهَرَ مِنْ جَزَعِ نَفْسِهِ وَتَلَفِهَا مَا دَلَّ عَلَى الْمَحَبَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ؛ وَالْحُبُّ مُسْتَلْزِمٌ لِلشُّعُورِ ، فَهَذَا شُعُورٌ مِنْ النَّفْسِ بِأُمُورٍ وَجَبَ لَهَا . وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ ، لَا سِيَّمَا وَالشَّيْطَانُ يُغَطِّي عَلَى الْإِنْسَانِ أُمُورًا ؛ وَذُنُوبُهُ - أَيْضًا - تَبْقَى رَيْنًا عَلَى قَلْبِهِ ، قَالَ تَعَالَى : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ( مجموع الفتاوى : 16 / 346 ، 347 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الشِّرْكُ أَعْظَمُ الْفَسَادِ كَمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ أَعْظَمُ الصَّلَاحِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } ، إلَى أَنْ خَتَمَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا } ، وَقَالَ : { وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } ، وَقَالَ : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } ، وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } ؛ فأَصْلُ الصَّلَاحِ : التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ ، وَأَصْلُ الْفَسَادِ : الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ ؛ كَمَا قَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلَا إنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ } ؛ وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاحَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ وَبِهِ الْمَقْصُودُ الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ : الْعَقْدُ الصَّحِيحُ مِمَّا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ ، وَحَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُ . وَالْفَاسِدُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ مَقْصُودٌ ؛ وَالصَّحِيحُ الْمُقَابِلُ لِلْفَاسِدِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ هُوَ الصَّالِحُ . وَكَانَ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ السَّلَفِ : هَذَا لَا يَصْلُحُ ، أَوْ يَصْلُحُ ؛ كَمَا كَثُرَ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ : يَصِحُّ ، وَلَا يَصِحُّ ؛ وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا خَلَقَ الْإِنْسَانَ لِعِبَادَتِهِ ، وَبَدَنُهُ تَبَعٌ لِقَلْبِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ . وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ " ؛ وَصَلَاحُ الْقَلْبِ : فِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُ وَبِهِ الْمَقْصُودُ الَّذِي خُلِقَ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ ؛ وَفَسَادِهِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ ؛ فَلَا صَلَاحَ لِلْقُلُوبِ بِدُونِ ذَلِكَ قَطُّ ... ( مجموع الفتاوى : 18 / 162 – 164 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَالْقَلْبُ لَهُ قُوَّتَانِ : الْعِلْمُ ؛ وَالْقَصْدُ كَمَا أَنَّ لِلْبَدَنِ الْحِسَّ ؛ وَالْحَرَكَةَ الْإِرَادِيَّةَ ، فَكَمَا أَنَّهُ مَتَى خَرَجَتْ قُوَى الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ عَنْ الْحَالِ الْفِطْرِيِّ الطَّبِيعِيِّ فَسَدَتْ ، فَإِذَا خَرَجَ الْقَلْبُ عَنْ الْحَالِ الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي يُولَدُ عَلَيْهَا كُلُّ مَوْلُودٍ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا لِرَبِّهِ ، مُرِيدًا لَهُ ، فَيَكُونُ هُوَ مُنْتَهَى قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ ؛ وَذَلِكَ هِيَ الْعِبَادَةُ ؛ إذْ الْعِبَادَةُ : كَمَالُ الْحُبِّ بِكَمَالِ الذُّلِّ ، فَمَتَى لَمْ تَكُنْ حَرَكَةُ الْقَلْبِ وَوَجْهُهُ وَإِرَادَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى ، كَانَ فَاسِدًا ؛ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْ اللَّهِ وَعَنْ ذَكَرَهُ ، غَافِلًا عَنْ ذَلِكَ مَعَ تَكْذِيبٍ أَوْ بِدُونِ تَكْذِيبٍ ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ ذِكْرٌ وَشُعُورٌ ، وَلَكِنْ قَصْدُهُ وَإِرَادَتُهُ غَيْرَهُ ، لِكَوْنِ الذِّكْرِ ضَعِيفًا لَمْ يَجْتَذِبْ الْقَلْبَ إلَى إرَادَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ ؛ وَإِلَّا فَمَتَى قَوِيَ عِلْمُ الْقَلْبِ وَذِكْرُهُ أَوْجَبَ قَصْدَهُ وَعِلْمَهُ ، قَالَ تَعَالَى : { فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } فَأَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَنْ يُعْرِضَ عَمَّنْ كَانَ مُعْرِضًا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُرَادٌ إلَّا مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ، وَهَذِهِ حَالُ مَنْ فَسَدَ قَلْبُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَبَّهُ ، وَلَمْ يُنِبْ إلَيْهِ ، فَيُرِيدُ وَجْهَهُ وَيُخْلِصُ لَهُ الدِّينَ ؛ ثُمَّ قَالَ : { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ عِلْمٌ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ؛ فَهِيَ أَكْبَرُ هَمِّهِمْ وَمَبْلَغُ عِلْمِهِمْ . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَكْبَرُ هَمِّهِ هُوَ اللَّهُ ، وَإِلَيْهِ انْتَهَى عِلْمُهُ وَذِكْرُهُ ؛ وَهَذَا الْآنُ بَابٌ وَاسِعٌ عَظِيمٌ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ .
وَإِذَا كَانَ التَّوْحِيدُ أَصْلَ صَلَاحِ النَّاسِ ، وَالْإِشْرَاكُ أَصْلَ فَسَادِهِمْ ، وَالْقِسْطُ مَقْرُونٌ بِالتَّوْحِيدِ ، إذْ التَّوْحِيدُ أَصْلُ الْعَدْلِ ؛ وَإِرَادَةُ الْعُلُوِّ مَقْرُونَةٌ بِالْفَسَادِ ، إذْ هُوَ أَصْلُ الظُّلْمِ ؛ فَهَذَا مَعَ هَذَا ، وَهَذَا مَعَ هَذَا كَالْمَلْزُوزِينَ فِي قَرْنٍ ؛ فَالتَّوْحِيدُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ هُوَ صَلَاحٌ وَعَدْلٌ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمَ بِالْوَاجِبَاتِ ؛ وَهُوَ الْبِرُّ ؛ وَهُوَ الْعَدْلُ . وَالذُّنُوبُ الَّتِي فِيهَا تَفْرِيطٌ أَوْ عُدْوَانٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ هِيَ فَسَادٌ وَظُلْمٌ ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مُفْسِدِينَ ، وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ ، وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْعُلُوَّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ هُوَ ظَالِمٌ لَهُ بَاغٍ ؛ إذْ لَيْسَ كَوْنُك عَالِيًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ عَالِيًا عَلَيْك ، وَكِلَاكُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، فَالْقِسْطُ وَالْعَدْلُ أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ .... ( مجموع الفتاوى : 18 / 164 ، 165 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فيمن يتعاطى المنطق : إِنَّمَا الْغَرَضُ أَنَّ مُعَلِّمَهُمْ وَضَعَ مَنْطِقَهُمْ لِيَزِنَ بِهِ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يَخُوضُونَ فِيهَا ، وَاَلَّتِي هِيَ قَلِيلَةُ الْمَنْفَعَةِ ؛ وَأَكْثَرُ مَنْفَعَتِهَا إنَّمَا هِيَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَيْضًا ؛ فَأَمَّا أَنْ يُوزَنَ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ مَا لَيْسَ مِنْ عُلُومِهِمْ ، وَمَا هُوَ فَوْقَ قَدْرِهِمْ ، أَوْ يُوزَنَ بِهَا مَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّعِيمَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ؛ فَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ هُوَ فِيهَا ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا .
وَالْقَوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ ، وَفِيهِمْ زُهْدٌ وَأَخْلَاقٌ ؛ فَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ ، إلَّا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاصِ عِبَادَتِهِ ، وَالْإِيمَانِ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ .
وَإِنَّمَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ ؛ فَاَلَّذِي يُؤْتَى فَضَائِلَ عِلْمِيَّةً وَإِرَادِيَّةً بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤْتَى قُوَّةً فِي جِسْمِهِ وَبَدَنِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ .
وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ ، وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَيُؤْمِنَ بِرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُتَلَازِمَةٌ ، فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، لَزِمَ أَنْ يُؤْمِنَ بِرُسُلِهِ وَيُؤْمِنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ فَيَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ ، وَإِلَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ يَخْلُدُ فِي الْعَذَابِ ، هَذَا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالرُّسُلِ ... ( مجموع الفتاوى : 9 / 37 ، 38 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : النِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ ، أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ بِاتِّفَاقِهِمْ ؛ وَقَدْ خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ، غَلِطَ فِيهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ ؛ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ ؛ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِهَا كَلَامٌ ، فَظَنَّ بَعْضُ الغالطين أَنَّهُ أَرَادَ التَّكَلُّمَ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّكْبِيرَ ؛ وَالنِّيَّةُ تَتْبَعُ الْعِلْمَ ، فَمَنْ عَلِمَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ ضَرُورَةً ، كَمَنْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْأَكْلَ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ ؛ وَكَذَلِكَ الرُّكُوبُ وَغَيْرُهُ ؛ بَلْ لَوْ كُلِّفَ الْعِبَادُ أَنْ يَعْمَلُوا عَمَلًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ ، كُلِّفُوا مَا لَا يُطِيقُونَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا - مَشْرُوعًا أَوْ غَيْرَ مَشْرُوعٍ - فَعِلْمُهُ سَابِقٌ إلَى قَلْبِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ النِّيَّةُ ؛ وَإِذَا عَلِمَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ يُرِيدُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ إذَا عَلِمَهُ ضَرُورَةً ؛ وَإِنَّمَا يَتَصَوَّرُ عَدَمَ النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يُرِيدُ ، مِثْلَ مَنْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ ، وَاغْتَسَلَ لِلنَّظَافَةِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ ؛ أَوْ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَ غَيْرَهُ الْوُضُوءَ ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِنَفْسِهِ ؛ أَوْ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ، فَيُصْبِحُ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ... ( مجموع الفتاوى : 18 / 262 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : فَإِنْ قِيلَ : فَاَللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي آيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَإِذَا كَانَ الْمُنَافِقُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ ؛ فَكَيْفَ يُمْكِنُ مُجَاهَدَتُهُ ؟ قِيلَ : مَا يَسْتَقِرُّ فِي الْقَلْبِ مِنْ إيمَانٍ وَنِفَاقٍ لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مُوجِبُهُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ؛ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ : { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } ؛ فَإِذَا أَظْهَرَ الْمُنَافِقُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ ، عُوقِبَ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ بَاطِنِهِ بِلَا حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَنْ عَرَّفَهُ اللَّهُ بِهِمْ ، وَكَانُوا يَحْلِفُونَ لَهُ وَهُمْ كَاذِبُونَ ؛ وَكَانَ يَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللَّهِ .
وَأَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُنَافِقَ لَا بُدَّ أَنْ تَخْتَلِفَ سَرِيرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ ، وَظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ ؛ وَلِهَذَا يَصِفُهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالْكَذِبِ ، كَمَا يَصِفُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصِّدْقِ ؛ قَالَ تَعَالَى : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } ، وَقَالَ : { وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } ، وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ ؛ وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } ، وَقَالَ : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } - إلَى قَوْلِهِ - { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } .... ( مجموع الفتاوى : 7 / 620 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : أَفْضَلُ الْأَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ أَرْضٌ يَكُونُ فِيهَا أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ، وَلَا تَتَعَيَّنُ أَرْضٌ يَكُونُ مُقَامُ الْإِنْسَانِ فِيهَا أَفْضَلَ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ ؛ وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ : هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ؛ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ : إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا ، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْعَبْدَ عَمَلُهُ . ( مجموع الفتاوى : 18 / 283 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } ، وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي كَانَ بِهَا أُولَئِكَ الْعَمَالِقَةُ ، ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ هَذَا دَارَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ؛ وَأَرْضِ مِصْرَ الَّتِي أَوْرَثَهَا اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ ؛ فَأَحْوَالُ الْبِلَادِ كَأَحْوَالِ الْعِبَادِ ، فَيَكُونُ الرَّجُلُ تَارَةً مُسْلِمًا ، وَتَارَةً كَافِرًا ؛ وَتَارَةً مُؤْمِنًا ، وَتَارَةً مُنَافِقًا ؛ وَتَارَةً بَرًّا تَقِيًّا ، وَتَارَةً فَاسِقًا ، وَتَارَةً فَاجِرًا شَقِيًّا ؛ وَهَكَذَا الْمَسَاكِنُ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا ؛ فَهِجْرَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ مَكَانِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي إلَى مَكَانِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ ، كَتَوْبَتِهِ وَانْتِقَالِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ ، إلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ ؛ وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَالَ : { وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } ؛ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ آمَنَ وَهَاجَرَ وَجَاهَدَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... ( مجموع الفتاوى : 18 / 283 ، 284 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ ، فَبِحَسَبِ إيمَانِ الْعَبْدِ وَتَقْوَاهُ تَكُونُ وِلَايَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ إيمَانًا وَتَقْوَى كَانَ أَكْمَلَ وِلَايَةً لِلَّهِ ؛ فَالنَّاسُ مُتَفَاضِلُونَ فِي وِلَايَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ؛ وَكَذَلِكَ يَتَفَاضَلُونَ فِي عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } ؛ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ ؛ وَقَالَ تَعَالَى { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا } ، وَقَالَ تَعَالَى { لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ } .... ( مجموع الفتاوى : 11 / 175 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : مَنْ أُوتِيَ الْعِلْمَ مَعَ الْإِيمَانِ فَهَذَا لَا يُرْفَعُ مِنْ صَدْرِهِ ؛ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ قَطُّ ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْقُرْآنِ ، أَوْ مُجَرَّدِ الْإِيمَانِ ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ يَرْتَفِعُ ؛ فَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ ، لَكِنْ أَكْثَرُ مَا نَجِدُ الرِّدَّةَ فِيمَنْ عِنْدَهُ قُرْآنٌ بِلَا عِلْمٍ وَإِيمَانٍ ، أَوْ مَنْ عِنْدَهُ إيمَانٌ بِلَا عِلْمٍ وَقُرْآنٍ ؛ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ وَالْإِيمَانَ ، فَحَصَلَ فِيهِ الْعِلْمُ ، فَهَذَا لَا يُرْفَعُ مِنْ صَدْرِهِ ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ... ( مجموع الفتاوى : 18 / 305 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : كُلُّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ ، مِنْ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ ، فَمِنْ الدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ الْأَمْرُ بِهِ ؛ وَكُلُّ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، مِنْ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ ؛ فَمِنْ الدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ النَّهْيُ عَنْهُ ، لَا تَتِمُّ الدَّعْوَةُ إلَى اللَّهِ إلَّا بِالدَّعْوَةِ إلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ ، وَيَتْرُكَ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ ، أَوْ الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ أَوْ الظَّاهِرَةِ ؛ كَالتَّصْدِيقِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَالْمَعَادِ ، وَتَفْصِيلِ ذَلِكَ ؛ وَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ ، كَالْعَرْشِ ، وَالْكُرْسِيِّ ، وَالْمَلَائِكَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءِ ، وَأُمَمِهِمْ ، وَأَعْدَائِهِمْ ؛ وَكَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْنَا مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَكَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَالرَّجَاءِ لِرَحْمَتِهِ ، وَخَشْيَةِ عَذَابِهِ ، وَالصَّبْرِ لِحُكْمِهِ .. وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ؛ وَكَصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَكَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ بِالْقَلْبِ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ .
إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ ؛ فَالدَّعْوَةُ إلَى اللَّهِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَهُ ، وَهُمْ أُمَّتُهُ يَدْعُونَ إلَى اللَّهِ كَمَا دَعَا إلَى اللَّهِ ؛ وَكَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَمْرَهُمْ بِمَا أَمَرَ بِهِ ، وَنَهْيَهُمْ عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ ، وَإِخْبَارَهُمْ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ ؛ إذْ الدَّعْوَةُ تَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَالنَّهْيَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ .... ( مجموع الفتاوى : 15 / 164 ، 165 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ رَيْبٌ عِنْدَ الْمِحَنِ الَّتِي تُقَلْقِلُ الْإِيمَانَ فِي الْقُلُوبِ ، وَالرَّيْبُ يَكُونُ فِي عِلْمِ الْقَلْبِ ، وَفِي عَمَلِ الْقَلْبِ ؛ بِخِلَافِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعِلْمِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ بِالْيَقِينِ إلَّا مَنْ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ عِلْمًا وَعَمَلًا ؛ وَإِلَّا فَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَقِّ ؛ وَلَكِنَّ الْمُصِيبَةَ أَوْ الْخَوْفَ أَوْرَثَهُ جَزَعًا عَظِيمًا ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ يَقِينٍ .... ( مجموع الفتاوى : 7 / 281 ) .
 
عودة
أعلى