من درر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطئ في بعض الأمور العلمية الاعتقادية ، فيغفر له ، كما يغفر له ما يخطئ فيه من الأمور العملية ؛ وحكم الوعيد على الكفر لا يثبت في حق الشخص المعين حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله ، كما قال تعالى : ] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [ ... ( بغية المرتاد : 2 / 145 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين إنما قبلوه ؛ لأنهم قد علموا أن الصحابة بلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ القرآن ومعانيه جميعًا ، كما ثبت ذلك عنهم ، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم ؛ فإن الرجل لو صنف كتاب علم في طب أو حساب أو غير ذلك وحفَّظه تلامذته ، لكان يعلم بالاضطرار أن هممهم تشوَّق إلى فهم كلامه ، ومعرفة مراده ، وإن بمجرد حفظ الحروف لا تكتفي به القلوب ؛ فكيف بكتاب الله ؟ الذي أمر ببيانه لهم ، وهو عصمتهم وهداهم ، وبه فرق الله بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والرشاد والغي ؟ وقد أمرهم بالإيمان بما أخبر به فيه ، والعمل بما فيه ، وهم يتلقونه شيئًا بعد شيء ، كما قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } الآية ، وقال تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً }.
وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه ، وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم ، ولا ما يقرؤونه ، ولا تشتاق نفوسهم إلى فهم هذا القول ، ولا يسألونه عن ذلك ، ولا يبتدئ هو بيانَه لهم ؟ هذا مما يعلم بطلانه أعظم مما يعلم بطلان كتمانهم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله .... ( بغية المرتاد : 2 / 164 ، 165 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : فَرْقٌ بين من قامت عليه الحجة النبوية التي يكفر تاركها ، وبين المخطئ المجتهد في اتباع الرسول إذا اقتضى خطؤه نفى بعض ما أثبته ، أو إثبات بعض ما نفاه ؛ حتى نفس المقالة الواحدة يكفر بتكذيبها من قامت عليه الحجة دون من لم تقم ، كالذي قال : " إذا مت فاسحقوني ، ثم اذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين " .
فإن الإيمان بقدرة الله على كل شيء ، ومعاد الأبدان ، من أصول الإيمان ؛ ومع هذا فهذا لما كان مؤمنًا بالله وأمره ونهيه ، وكان إيمانه بالقدرة والمعاد مجملا ، فظن أن تحريقه يمنع ذلك ، فعل ذلك ؛ ومعلوم أنه لو كان قد بلغه من العلم أن الله يعيده وإن حرق ، كما بلغه أنه يعيد الأبدان ، لم يفعل ذلك ... ( بغية المرتاد : 2 / 177 ، بتصرف يسير جدًّا ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَفْعَلُونَ مَا أَمَرَ بِهِ ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا عَنْهُ زَجَرَ ؛ وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيهِ ، فَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ وَرُوحٍ مِنْهُ ، وَيَقْذِفُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَنْوَارِهِ ، وَلَهُمْ الْكَرَامَاتُ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ . وَخِيَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتُهُمْ لِحُجَّةٍ فِي الدِّينِ ، أَوْ لِحَاجَةٍ بِالْمُسْلِمِينَ ؛ كَمَا كَانَتْ مُعْجِزَاتُ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ . وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، ص : 56 – الشاملة ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وأئمة السنة ولجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة ، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة ، سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ( المائدة : 8 ) ، ويرحمون الخلق ، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ، لا يقصدون الشر لهم ابتداء ، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم ، كان قصدهم بذلك بيان الحق ، ورحمة الخلق ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ؛ فالمؤمنون أهل السنة هم يقاتلون في سبيل الله ، ومن قاتلهم يقاتل في سبيل الطاغوت ، كالصديق رضي الله عنه مع أهل الردة ، وكعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج المارقين ، ومع الغلاة والسبائية ؛ فأعمالهم خالصة لله تعالى ، موافقة للسنة ، وأعمال مخالفيهم لا خالصة ، ولا صواب ؛ بل بدعة واتباع الهوى ، ولهذا يسمون أهل البدع وأهل الأهواء ... ( الرد على البكري : 2 / 490 ، 491 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : أما أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فهم إما في الجهل البسيط ، وإما في الجهل المركب ، كالكفار ؛ فالأولون : { كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } ( النور : 40 ) ؛ والآخرون : { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } ( النور : 39 ) ؛ فأهل الجهل والكفر البسيط لا يعرفون الحق ولا ينصرونه ، وأهل الجهل والكفر المركب يعتقدون أنهم عرفوا وعلموا ، والذي معهم ليس بعلم ، بل جهل ... ( درء تعارض العقل مع النقل : 4 / 19 – تخقيق د . محمد رشاد سالم ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إنما يحصل النور والهدى بأن يقابل الفاسد بالصالح ، والباطل بالحق ، والبدعة بالسنة ، والضلال بالهدى ، والكذب بالصدق ؛ وبذلك يتبين أن الأدلة الصحيحة لا تعارض بحال ، وأن المعقول الصريح مطابق للمنقول الصحيح ؛ وقد رأيت من هذا عجائب ، فقَلَّ أن رأيت حجة عقلية هائلة لمن عارض الشريعة قد انقدح لي وجه فسادها وطريق حلِّها ، إلا رأيت بعد ذلك من أئمة تلك الطائفة من قد تفطن لفسادها وبينَّه ؛ وذلك لأن الله خلق عباده على الفطرة ، والعقول السليمة مفطورة على معرفة الحق لولا المعارضات ... ( درء التعارض : 1 / 221 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : أما سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وأئمة المسلمين المشهورون بالإمامة فيهم ، كالأربعة وغيرهم ، وأهل العلم بالكتاب والسنة ، فيفرقون بين مملوكاته وبين صفاته ، فيعلمون أن العباد مخلوقون ، وصفات العباد مخلوقة ، وأجسادهم ، وأرواحهم ، وكلامهم وأصواتهم بالكتب الإلهية وغيرها ، ومدادهم وأوراقهم ، والملائكة ، والأنبياء ، وغيرها ، ويعلمون أن صفات الله القائمة به ليست مخلوقة ، كعلمه ، وقدرته ، وكلامه ، وإرادته ، وحياته ، وسمعه ، وبصره ، ورضاه وغضبه ، وحبه وبغضه ؛ بل هو موصوف بما وصف به نفسه ، وبما وصفته به رسله ، من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ، ولا تمثيل ؛ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ، ووصفه به رسله ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ولا يتأولون كلام الله بغير ما أراده ، ولا يمثلون صفات الخالق بصفات المخلوق ، بل يعلمون أن الله سبحانه ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، بل هو موصوف بصفات الكمال ، منزه عن النقائص ، وليس له مثل في شيء من صفاته ، ويقولون : إنه لم يزل ولا يزال موصوفًا بصفات الكمال ، لم يزل متكلمًا إذا شاء بمشيئته وقدرته ، ولم يزل عالِمًا ، ولم يزل قادرًا ، ولم يزل حيًّا ، سميعًا ، بصيرًا ، ولم يزل مريدًا ، فكل كمال لا نقص فيه يمكن اتصافه به فهو موصوف به ، لم يزل ولا يزال متصفًا بصفات الكمال ، منعوتًا بنعوت الجلال والإكرام سبحانه وتعالى ... ( الجواب الصحيح : 2 / 163 ، 164 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى } مِثْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمُمْكِنِ أَوْ الْمُحْدَثِ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ ، وَهُوَ مَا كَانَ كَمَالًا لِلْمَوْجُودِ غَيْرِ مُسْتَلْزِمٍ لِلْعَدَمِ ، فَالْوَاجِبُ الْقَدِيمُ أَوْلَى بِهِ ؛ وَكُلُّ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ ثَبَتَ نَوْعُهُ لِلْمَخْلُوقِ الْمَرْبُوبِ الْمَعْلُولِ الْمُدَبَّرِ ، فَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ خَالِقِهِ وَرَبِّهِ وَمُدَبِّرِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ ؛ وَأَنَّ كُلَّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ - وَهُوَ مَا تَضَمَّنَ سَلْبَ هَذَا الْكَمَالِ - إذَا وَجَبَ نَفْيُهُ عَنْ شَيْءٍ مَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الْعَدَمِيَّةُ فَالْمُمْكِنُ بِهَا أَحَقُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ ... ( مجموع الفتاوى : 3 / 297 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الحكاية المعروفة عن القاضي أبي بكر بن الطيب لما أرسله المسلمون إلى ملك النصارى بالقسطنطينية ، فإنهم عظموه ، وعرف النصارى قدره ، فخافوا أن لا يسجد للملك إذا دخل ، فأدخلوه من باب صغير ليدخل منحنيًا ، ففطن لمكرهم ، فدخل مستدبرًا متلقيًا لهم بعجزه ، ففعل نقيض ما قصدوه ، ولما جلس وكلموه أراد بعضهم القدح في المسلمين ، فقال له : ما قيل في عائشة امرأة نبيكم ؟ يريد إظهار قول الإفك الذي يقوله من يقوله من الرافضة أيضًا ؛ فقال القاضي : ثنتان قدح فيهما ، ورميتا بالزنا إفكًا وكذبًا : مريم وعائشة ، فأما مريم فجاءت بالولد تحمله من غير زوج ، وأما عائشة فلم تأت بولد ، مع أنه كان لها زوج ؛ فأبهت النصارى ؛ وكان مضمون كلامه أن ظهور براءة عائشة أعظم من ظهور براءة مريم ، وأن الشبهة إلى مريم أقرب منها إلى عائشة ، فإذا كان مع هذا قد ثبت كذب القادحين في مريم ، فثبوت كذب القادحين في عائشة أولى ... ( منهاج السنة النبوية : 2 / 57 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إِذَا ثَبَتَ حِلُّ مُخَالَطَةِ الشَّيْءِ وَمُمَازَجَتِهِ فَحِلُّ مُلَابَسَتِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ أَوْلَى ، وَهَذَا قَاطِعٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ ؛ وَطَرْدُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ مُبَاشَرَتُهُ وَمُلَابَسَتُهُ حُرِّمَ مُخَالَطَتُهُ وَمُمَازَجَتُهُ ، وَلَا يَنْعَكِسُ ؛ فَكُلُّ نَجِسٍ مُحَرَّمٌ الْأَكْلُ ، وَلَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمٍ الْأَكْلُ نَجِسًا ؛ وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ .... ( مجموع الفتاوى : 21 / 541 ، 542 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : الْأَصْلَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ، فَالْوُجُوبُ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ ، وَالْعُقُوبَةِ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ .... ( مجموع الفتاوى : 19 / 227 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيدًا ، وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد ، والسائل لا يتخذ المكان عيدًا ، بل يذبح فيه فقط ؛ فقد ظهر أن ذلك سدًّا للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم ، خشية أن يكون الذبح هناك سببًا لإحياء أمر تلك البقعة ، وذريعة إلى اتخاذها عيدًا ، مع أن ذلك العيد إنما كان يكون - والله أعلم - سوقًا يتبايعون فيها ، ويلعبون ، كما قالت له الأنصار : يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية ؛ لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم ، ولهذا فرق صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثن ، وكونها مكان عيد.
وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان .... ( اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 191 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَمَا كَانَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ ، وَأَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ " ، فَلَيْسَ فِيهَا نَفْسِهَا مَفْسَدَةٌ تَقْتَضِي النَّهْيَ ، وَلَكِنْ وَقْتُ الطُّلُوعَ وَالْغُرُوبِ الشَّيْطَانُ يُقَارِنُ الشَّمْسَ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، فَالْمُصَلِّي حِينَئِذٍ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ فِي جِنْسِ الصَّلَاةِ فَالسُّجُودُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ مَعْبُودَهُمْ وَلَا يَقْصِدُونَ مَقْصُودَهُمْ ، لَكِنْ يُشَبِّهُهُمْ فِي الصُّورَةِ ، فَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَاتَيْنِ الْوَقْتَيْنِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ ، حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ ، وَلَا يَتَشَبَّهَ بِهِمْ الْمُسْلِمُ فِي شِرْكِهِمْ ، كَمَا نَهَى عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَالسَّفَرِ مَعَهَا ، وَالنَّظَرِ إلَيْهَا ، لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ ؛ وَنَهَاهَا أَنْ تُسَافِرَ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ ، وَكَمَا نَهَى عَنْ سَبِّ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ ؛ لِئَلَّا يَسُبُّوا اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَكَمَا نَهَى عَنْ أَكْلِ الْخَبَائِثِ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّغْذِيَةُ الَّذِي يَقْتَضِي الْأَعْمَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
ثُمَّ إنَّ مَا نَهَى عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ يُبَاحُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ ، كَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى الْمَخْطُوبَةِ ، وَالسَّفَرُ بِهَا إذَا خِيفَ ضَيَاعُهَا ، كَسَفَرِهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِثْلَ سَفَرِ أُمِّ كُلْثُومٍ ، وَكَسَفَرِ عَائِشَةَ لَمَّا تَخَلَّفَتْ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ ، إلَّا لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمَفْسَدَةِ ، فَإِذَا كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ ، لَمْ يَكُنْ مُفْضِيًا إلَى الْمَفْسَدَةِ .... ( مجموع الفتاوى : 23 / 186 ، 187 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُنَافِقِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي يَكْتُمُ زَنْدَقَتَهُ ، هَلْ يَرِثُ وَيُورَثُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ ، وَإِنْ عُلِمَ فِي الْبَاطِنِ أَنَّهُ مُنَافِقٌ ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُوَالَاةِ الظَّاهِرَةِ ، لَا عَلَى الْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ عُلِّقَ بِذَلِكَ لَمْ تُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ ، وَالْحِكْمَةُ إذَا كَانَتْ خَفِيَّةً أَوْ مُنْتَشِرَةً ، عُلِّقَ الْحُكْمُ بِمَظِنَّتِهَا ، وَهُوَ مَا أَظْهَرَهُ مِنْ مُوَالَاةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ" لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْآخِرَةِ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ؛ بَلْ كَانُوا يُورَثُونَ وَيَرِثُونَ ؛ وَكَذَلِكَ كَانُوا فِي الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَيُزَكُّونَ ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَالَ : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } ... ( مجموع الفتاوى : 7 / 210 ، 211 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في زيارة النساء للقبور : النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْإِذْنَ لِلرِّجَالِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ ، وَيُرَقِّقُ الْقَلْبَ ، وَيُدْمِعُ الْعَيْنَ .. هَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَد ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا فُتِحَ لَهَا هَذَا الْبَابُ أَخْرَجَهَا إلَى الْجَزَعِ وَالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ ، لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّعْفِ ، وَكَثْرَةِ الْجَزَعِ ، وَقِلَّةِ الصَّبْرِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِتَأَذِّي الْمَيِّتِ بِبُكَائِهَا ، وَلِافْتِتَانِ الرِّجَالِ بِصَوْتِهَا وَصُورَتِهَا ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : " فَإِنَّكُنَّ تَفْتِنَّ الْحَيَّ ، وَتُؤْذِينَ الْمَيِّتَ " ، وَإِذَا كَانَتْ زِيَارَةُ النِّسَاءِ مَظِنَّةً وَسَبَبًا لِلْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ فِي حَقِّهِنَّ وَحَقِّ الرِّجَالِ ، وَالْحِكْمَةُ هُنَا غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُدَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ ، وَلَا التَّمْيِيزَ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ ؛ وَمِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا كَانَتْ خَفِيَّةً ، أَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرَةٍ ، عَلَّقَ الْحُكْمَ بِمَظِنَّتِهَا ؛ فَيَحْرُمُ هَذَا الْبَابُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ ، كَمَا حَرُمَ النَّظَرَ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَكَمَا حَرُمَ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النَّظَرِ ؛ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا دُعَاؤُهَا لِلْمَيِّتِ ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي بَيْتِهَا ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا إذَا زَارَتْ الْمَقْبَرَةَ بَدَا مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، لَمْ تَجُزْ لَهَا الزِّيَارَةُ بِلَا نِزَاعٍ .... ( مجموع الفتاوى : 24 / 355 ، 356 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إلَّا ذَكَرَ تَوْبَتَهُ مِنْهُ ، كَمَا ذَكَرَ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَمُوسَى ودَاوُد وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ؛ وَبِهَذَا يُجِيبُ مَنْ يَنْصُرُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ يَنْفِي الذُّنُوبَ مُطْلَقًا ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَنْ أَعْظَمِ حُجَجِهِمْ مَا اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ ، حَيْثُ قَالُوا : نَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالتَّأَسِّي بِهِمْ فِي الْأَفْعَالِ ، وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي التَّأَسِّي ؛ فَأُجِيبُوا بِأَنَّ التَّأَسِّي إنَّمَا هُوَ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ ، كَمَا أَنَّ النَّسْخَ جَائِزٌ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَلَيْسَ تَجْوِيزُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الطَّاعَةِ ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ تَجِبُ فِيمَا لَمْ يُنْسَخْ ، فَعَدَمُ النَّسْخِ يُقَرِّرُ الْحُكْمَ ، وَعَدَمُ الْإِنْكَارِ يُقَرِّرُ الْفِعْلَ ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ و يُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ فَعَلَ مَعَ الْمَرْأَةِ مَا يَتُوبُ عَنْهُ ، أَوْ يَسْتَغْفِرُ مِنْهُ أَصْلًا ؛ وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَقَعْ مِنْهُ الْفَاحِشَةُ ، وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَذْكُرُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ بَعْضُ مُقَدِّمَاتِهَا ، مِثْلَ مَا يَذْكُرُونَ أَنَّهُ حَلَّ السَّرَاوِيلَ وَقَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الْخَاتِنِ ، وَنَحْوَ هَذَا ، وَمَا يَنْقُلُونَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُمْ فِيهِ إلَّا النَّقْلُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقَدْ عُرِفَ كَلَامُ الْيَهُودِ فِي الْأَنْبِيَاءِ ، وَغَضُّهُمْ مِنْهُمْ ، كَمَا قَالُوا فِي سُلَيْمَانَ مَا قَالُوا ، وَفِي دَاوُد مَا قَالُوا ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا مَا يَرُدُّ نَقْلَهُمْ لَمْ نُصَدِّقْهُمْ فِيمَا لَمْ نَعْلَمْ صِدْقَهُمْ فِيهِ ، فَكَيْفَ نُصَدِّقُهُمْ فِيمَا قَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى خِلَافِهِ ؛ وَالْقُرْآنُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ يُوسُفَ مِنْ الِاسْتِعْصَامِ وَالتَّقْوَى وَالصَّبْرِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مَا لَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ نَظِيرُهُ ، فَلَوْ كَانَ يُوسُفُ قَدْ أَذْنَبَ لَكَانَ إمَّا مُصِرًّا وَإِمَّا تَائِبًا ، وَالْإِصْرَارُ مُمْتَنِعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ تَائِبًا ؛ وَاَللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ تَوْبَةً فِي هَذَا ، وَلَا اسْتِغْفَارًا ، كَمَا ذَكَرَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ يُوسُفُ كَانَ مِنْ الْحَسَنَاتِ الْمَبْرُورَةِ ، وَالْمَسَاعِي الْمَشْكُورَةِ ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } ؛ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي يُوسُفَ كَذَلِكَ ؛ كَانَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ : { إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي } إنَّمَا يُنَاسِبُ حَالَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ ، لَا يُنَاسِبُ حَالَ يُوسُفَ ، فَإِضَافَةُ الذُّنُوبِ إلَى يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فِرْيَةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَالرَّسُولِ ، وَفِيهِ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَفِيهِ الِاغْتِيَابُ لِنَبِيِّ كَرِيمٍ ، وَقَوْلُ الْبَاطِلِ فِيهِ بِلَا دَلِيلٍ ، وَنِسْبَتُهُ إلَى مَا نَزَّهَهُ اللَّهُ مِنْهُ ؛ وَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ هَذَا مِنْ الْيَهُودِ أَهْلِ البهت ، الَّذِينَ كَانُوا يَرْمُونَ مُوسَى بِمَا بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْهُ ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ؟ وَقَدْ تَلَقَّى نَقْلَهُمْ مَنْ أَحْسَنَ بِهِ الظَّنَّ ، وَجَعَلَ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ تَابِعًا لِهَذَا الِاعْتِقَادِ .... ( مجموع الفتاوى : 15 / 148 - 150) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى غِلَظِ الْمَفْسَدَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَظْرِ ، إلَّا وَيُنْظَرُ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاجَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِذْنِ ؛ بَلْ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ . وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ مَعَهُ الصَّلَاةُ يَجِبُ مَعَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، إذَا لَمْ تُمْكِنْ الصَّلَاةُ إلَّا كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَ تِلْكَ الْأُمُورِ أَخَفُّ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ ، فَلَوْ صَلَّى بِتَيَمُّمِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ، لَكَانَتْ الصَّلَاةُ مُحَرَّمَةً ، وَمَعَ عَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَانَتْ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ وَاجِبَةً بِالْوَقْتِ ؛ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عريانًا ، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، وَمَعَ حُصُولِ النَّجَاسَةِ ، وَبِدُونِ الْقِرَاءَةِ ؛ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ قَاعِدًا ، أَوْ بِدُونِ إكْمَالِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَيَجِبُ مَعَ الْعَجْزِ ؛ وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ : يَحْرُمُ أَكْلُهَا عِنْدَ الْغِنَى عَنْهَا ، وَيَجِبُ أَكْلُهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ؛ قَالَ مَسْرُوقٌ : مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ . وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ بِتَرْكِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَكْلِ الْمُبَاحِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ ، بِخِلَافِ الْمُجَاهِدِ بِالنَّفْسِ ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِحَقِّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ قُتِلَ مُجَاهِدًا ، فَفِي قَتْلِهِ مُصْلِحَةٌ لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى .... ( مجموع الفتاوى : 26 / 181 ، 182) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : السُّلْطَانَ نَوْعَانِ : سُلْطَانُ الْحُجَّةِ وَالْعِلْمِ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مَا سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ سُلْطَانًا ، حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْحُجَّةُ ؛ وَالثَّانِي : سُلْطَانُ الْقُدْرَةِ .
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ لَا يَقُومُ إلَّا بِالسُّلْطَانَيْنِ ، فَإِذَا ضَعُفَ سُلْطَانُ الْحُجَّةِ كَانَ الْأَمْرُ بِقَدْرِهِ ، وَإِذَا ضَعُفَ سُلْطَانُ الْقُدْرَةِ كَانَ الْأَمْرُ بِحَسَبِهِ ؛ وَالْأَمْرُ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ عَلَى السُّلْطَانَيْنِ ، فَالْإِثْمُ يَنْتَفِي عَنْ الْأَمْرِ بِالْعَجْزِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ وَسُلْطَانُ اللَّهِ فِي الْعِلْمِ هُوَ الرِّسَالَةُ ، وَهُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ... ( مجموع الفتاوى : 19 / 125 ، 126 ) .
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : قَالَ تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } فَكُلُّ مَا كَانَ لِأَجْلِ الْغَايَةِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا الْخَلْقُ كَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى لِصَاحِبِهِ ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ :
مَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْجَنَّةِ .
وَمَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ ؛ فَهَذَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ .
وَمَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ لَكِنْ لَا بِشَجَاعَةِ وَلَا سَمَاحَةٍ ؛ فَهَذَا فِيهِ مِنْ النِّفَاقِ وَنَقْصِ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ .
وَمَنْ لَا يَعْمَلْ لِلَّهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَلَا سَمَاحَةٌ ؛ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٌ . ( مجموع الفتاوى : 28 / 164 ، 165 )
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله : قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَرَّانِي : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : خَلَّفْت بِبَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيرَ ، يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنْ الْقُرْآنِ ؛ وَهَذَا مِنْ كَمَالِ مَعْرِفَةِ الشَّافِعِيِّ وَعِلْمِهِ بِالدِّينِ ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا تَعَوَّدَ سَمَاعَ الْقَصَائِدِ وَالْأَبْيَاتِ وَالْتَذَّ بِهَا ، حَصَلَ لَهُ نُفُورٌ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْآيَاتِ ، فَيَسْتَغْنِي بِسَمَاعِ الشَّيْطَانِ عَنْ سَمَاعِ الرَّحْمَنِ . ( مجموع الفتاوى : 11 / 532 ) .
 
"وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه،ولايرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار ،فاعلم أن مصيبته مصيبة حقيقية،وإذا تاب واستغفر وقال :هذا بذنوبي،صارت في حقه نعمة."(جامع المسائل 1/169). ونشكر الدكتور الفاضل :محمود عطية على جمعه الكثير من درر شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الملتقى،وأن يجعل الله ذلك في ميزان حسناته.
 
عودة
أعلى