ثمرات التوحيد

[ 99 ]


س : ما هي معجزات الأنبياء ؟


جـ : المعجزات هي أمر خارق للعادة

مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة ،

وهي إما حسية

تشاهد بالبصر أو تسمع

كخروج الناقة من الصخرة ،


وانقلاب العصا حية ،

وكلام الجمادات ، ونحو ذلك ،


وإما معنوية

تشاهد بالبصيرة كمعجزة القرآن ،


وقد أوتي نبينا صلى الله عليه وسلم من ( كل ذلك ) ،

فما من معجزة كانت لنبي

إلا وله صلى الله عليه وسلم أعظم منها في بابها ،

فمن المحسوسات :

انشقاق القمر ، وحنين الجذع ،


ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة ،

وكلام الذراع ، وتسبيح الطعام ،


وغير ذلك مما تواترت به الأخبار الصحيحة

ولكنها كغيرها من معجزات الأنبياء

التي انقرضت بانقراض أعصارهم ولم يبق إلا ذكرها ،

وإنما المعجزة الباقية الخالدة
هي هذا
القرآن الذي لا تنقضي عجائبه


و { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ

تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } .

 
[ 100 ]



س : ما دليل إعجاز القرآن ؟


جـ : الدليل على ذلك نزوله في أكثر من عشرين سنة

متحديا به أفصح الخلق وأقدرها على الكلام

وأبلغها منطقا وأعلاها بيانا قائلا :

{ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } ،

{ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } ،

{ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ } ،

فلم يفعلوا ولم يروموا ذلك

مع شدة حرصهم على رده بكل ممكن


مع كون حروفه وكلماته

من جنس كلامهم الذي به يتحاورون ،


وفي مجاله يتسابقون ويتفاخرون ،
ثم نادى عليهم ببيان عجزهم وظهور إعجازه
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ

عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ


لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ

وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
}
،


وقال صلى الله عليه وسلم :

« ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات

ما مثله آمن عليه البشر ،

وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي

فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة » (1)،

وقد صنف الناس في وجوه إعجاز القرآن

من جهة الألفاظ والمعاني

والأخبار الماضية والآتية من المغيبات


وما بلغوا من ذلك

إلا كما يأخذ العصفور بمنقاره من البحر .


==================
(1) رواه البخاري ( 4981 ، 7274 ) ، ومسلم ( الإيمان / 239 ) .
 
[ 101 ]

س : ما دليل الإيمان باليوم الآخر ؟


جـ : قال الله تعالى :

{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا

وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ

أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ،


وقال الله تعالى :

{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } ،


وقال الله تعالى :

{ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا } ،


إلى غير ذلك من الآيات .
 
[ 102 ]


س : ما معنى الإيمان باليوم الآخر

وما الذي يدخل فيه ؟


جـ : معناه
التصديق الجازم بإتيانه لا محالة ،

والعمل بموجب ذلك .


ويدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها

التي تكون قبلها لا محالة .

وبالموت وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه

وبالنفخ في الصور وخروج الخلائق من القبور

وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع


وتفاصيل المحشر :

نشر الصحف ، ووضع الموازين ،

وبالصراط والحوض ، والشفاعة وغيرها ،

وبالجنة ونعيمها

الذي أعلاه النظر إلى وجه الله عز وجل ،

وبالنار وعذابها

الذي أشده حجبهم عن ربهم عز وجل .
 
[ 103 ]


س : هل يعلم أحد متى تكون الساعة ؟

جـ : مجيء الساعة من مفاتيح الغيب

التي استأثر الله تعالى بعلمها ،


كما قال تعالى :

{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ

وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا

وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } ،

وقال تعالى :

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا

قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ

ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } . الآية ،

وقال تعالى :

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا

فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا } . الآيات ،

ولما « قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم :

فأخبرني عن الساعة . قال :

" ما المسئول عنها بأعلم من السائل » (1)

وذكر أماراتها وزاد في رواية :

« في خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى » ،

وتلا الآية السابقة .

==================
(1) رواه البخاري ( 50 ، 4777 ) ، ومسلم ( الإيمان / 1 ، 5 ) .
 
[ 104 ]


س : ما مثال أمارات الساعة من الكتاب ؟

جـ : مثل قوله تعالى :

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ

أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ

لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ

أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا } . الآية ،

وقوله تعالى :

{ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ

تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } ،

وقوله تعالى :

{ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ

وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ


وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } . الآيات ،

وقوله تعالى :

{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } . الآيات ،

وقوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ

إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } . الآيات

وغيرها .
 
[ 105 ]


س : ما مثال أمارات الساعة من السنة ؟

جـ : مثل أحاديث طلوع الشمس من مغربها ،

وأحاديث الدابة ،

وأحاديث الفتن كالدجال والملاحم ،


وأحاديث نزول عيسى ،

وخروج يأجوج ومأجوج ،


وأحاديث الدخان ،

وأحاديث الريح التي تقبض كل نفس مؤمنة ،


وأحاديث النار التي تظهر ،

وأحاديث الخسوف وغيرها .
 
[ 106 ]


س : ما دليل الإيمان بالموت ؟


جـ : قال الله تعالى :

{ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ

ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } ،


وقال تعالى :

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ

وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} ،


وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :

{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } ،


وقال تعالى :

{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ

أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } ،


وقال تعالى :

{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ

وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
} ،


وقال تعالى :

{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } ،


قال تعالى :

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } .


وغير ذلك من الآيات ،

وفيه من الأحاديث ما لا يحصى ،

والأمر مشاهد لا يجهله أحد

وليس فيه شك ولا تردد ، ولكن عناد واستكبار


ولا يعمل على موجب إيمانه به وبما بعده

إلا عباد الله المخلصون ،


ونؤمن أن كل من مات أو قتل أو بأي سبب كان

إن ذلك بأجله لم ينقص منه شيئا ،


قال الله تعالى :

{ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } ،


وقال تعالى :

{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ

لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } .

 
[ 107 ]

س : ما دليل فتنة القبر ونعيمه أو عذابه من الكتاب ؟


جـ : قال الله تعالى :

{ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا

وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ،


وقال تعالى :


{ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } ،


وقال تعالى :


{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا

بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } . الآية ،


وقال تعالى :


{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ

وَالْمَلَائِكَة ُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ

الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } ،


وقال تعالى :


{ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } ،


وغير ذلك من الآيات .
 
[ 108 ]


س : ما دليل ذلك من السنة ؟


جـ : الأحاديث الصحيحة في ذلك بلغت مبلغ التواتر ،

فمنها حديث أنس رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :


« إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه

وإنه ليسمع قرع نعالهم ،
أتاه ملكان فيقعدانه


فيقولان :

ما كنت تقول في هذا الرجل
محمد صلى الله عليه وسلم ؟


فأما المؤمن فيقول :

أشهد أنه عبد الله ورسوله .

فيقال له :

انظر إلى مقعدك من النار
قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة .


فيراهما جميعا »

- قال قتادة :

وذُكر لنا أنه يفسح في قبره ،


ثم رجع إلى حديث أنس - قال :

« وأما المنافق والكافر فيقال له :

ما كنت تقول في هذا الرجل ؟

فيقول :

لا أدري ،
كنت أقول ما يقول الناس .


فيقال :

لا دريت ولا تليت .

ويضرب بمطارق من حديد ضربة

فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين » (1) .

وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

« إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي

إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ،

وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ،

فيقال :
هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة
» (2) .


وحديث القبرين وفيه :

« إنهما ليعذبان » (3) .


وحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال :

« خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس ،

فسمع صوتا فقال :

" يهود تعذب في قبورها » (4) .

وحديث أسماء :

« قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا

فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء ،

فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة » (5) ،

وقالت عائشة رضي الله عنها :

« ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدُ

صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر » (6) .

« وفي قصة الكسوف وأمرهم صلى الله عليه وسلم

« أن يتعوذوا من عذاب القبر » (7) .

وكل هذه الأحاديث في الصحيح ،

وقد سقنا منها نحو ستين حديثا من طرق ثابتة

عن الجماعة من الصحابة يرفعونها

في شرحنا على ( السُلَّم )
فليراجع .


==================

(1) رواه البخاري ( 1338 ، 1374 ) ، ومسلم ( الجنة / 3231 ) .
(2) رواه البخاري ( 1379 ، 3240 ) ، ومسلم ( الجنة / 65 ، 66 ) .


(3) رواه البخاري ( 216 ، 218 ) ، ومسلم ( الطهارة / 111 ) .
(4) رواه البخاري ( 1375 ) ، ومسلم ( الجنة / 69 ) .
(5) رواه البخاري ( 1373 ) .
(6) رواه البخاري ( 1372 ) ، ومسلم ( مساجد / 125 ، 126 ) .


(7) رواه البخاري ( 1050 ) ، ومسلم ( الكسوف / 8 ) .

 
[ 109 ]


س : ما دليل البعث من القبور ؟


جـ : قول الله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ

فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ

ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ

وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى }

إلى قوله :

{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ

وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى


وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا


وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ،

وقوله تعالى :

{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ

وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
} ،


وقوله تعالى :

{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } ،

وقوله تعالى :

{ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا

أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ

وَلَمْ يَكُ شَيْئًا
} . الآيات ،



وقوله :

{ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ

وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ

يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } ،

إلى آخر السورة ،


وقوله تعالى :

{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى

بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ،

إلى آخر السورة ،


وقوله تعالى :

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً

فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ

إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

وغيرها من الآيات ،


وكثيرا ما يضرب الله تعالى لذلك مثلا بإحيائه الأرض بالماء

فتصبح تهتز مخضرة بالنبات بعد موتها بالجدب

إذ كانت قبل هامدة ،



بذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل

في حديث العقيلي الطويل حيث قال :


« ولعمر إلهك ما يدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت

إلا شقت القبر عنه حتى تجعله من عند رأسه فيستوى جالسا ،

فيقول : ربك ( مهيم ) ؟ لما كان فيه .

يقول : رب ، أمس اليوم .

ولعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله .



فقلت : يا رسول الله كيف يجمعنا بعدما

تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟


قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ،

الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت :


لا تحيا أبدا .

ثم أرسل ربك عز وجل عليها السماء

فلم تلبث عليك إلا أياما

حتى أشرفت عليها وهي بشرية واحدة ،


ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعهم من الماء

على أن يجمع نبات الأرض ،

فيخرجون من الأصواء من مصارعهم » (1) . الحديث ،


وغيره كثير .


==================
(1) ( ضعيف ) رواه أحمد ( 4 / 13 ، 14 ) في زوائده ،
قال الهيثمي في المجمع ( 10 / 338 ) :
رواه عبد الله والطبراني بنحوه ، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات ،
والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط : أن لقيطا . ا هـ .

قال الشيخ البنا في الفتح الرباني ( 24 / 107 ) :
وأورده الحاكم في المستدرك عن طريق يعقوب بن عيسى بنحوه ،
وقال : هذا حديث جامع في الباب ، صحيح الإسناد ، كلهم مدنيون ولم يخرجاه .

وقال الذهبي يعقوب بن عيسى بن عيسى الزهري : ضعيف . ا هـ .

وفي سند أحمد دلهم بن الأسود وعبد الرحمن بن عياش ،
قال الذهبي عن دلهم : لا يعرف .
وقال الحافظ في التقريب : مقبول . وقال أيضا عن عبد الرحمن : مقبول .
قال الألباني عن أبي دلهم وجده : إنهما مجهولان .
وضعف إسناد الحديث بذلك .
( ظلال الجنة 1 / 231 ) .
 
[ 110 ]


س : ما حكم من كذب البعث ؟

جـ : هو كافر بالله عز وجل وبكتبه ورسله

قال الله تعالى :

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا

أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ } ،


وقال تعالى :

{ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ

أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ


أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ

وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ

وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ،


وقال تعالى :

{ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا

قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ

وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ،

وغيرها من الآيات ،

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« قال الله تعالى

( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ،

وشتمني ولم يكن له ذلك ،

فأما تكذيبه إياي فقوله :

لن يعيدني كما بدأني ،


وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ،

وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ،

وأنا الأحد الصمد
لم ألد ولم أولد
ولم يكن لي كفوا أحد
» (1) .


==================
(1) رواه البخاري ( 4974 ، 3193 ) ، وأحمد ( 2 / 317 ، 350 ) .
 
[ 111 ]


س : ما دليل النفخ في الصور
وكم نفخات ينفخ فيه ؟


ج : قال الله تعالى :

{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ

إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى

فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } ،

ففي هذه الآية ذكر نفختين الأولى للصعق والثانية للبعث ،

وقال تعالى :


{ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ
} . الآية ،


فمن فسر الفزع في هذه الآية بالصعق
فهي النفخة الأولى المذكورة في آية الزمر ،


ويؤيده حديث مسلم وفيه :

« ثم ينفخ في الصور
فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا (1)


- قال :
وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله -

قال - فيصعق ويصعق الناس ،

ثم يرسل الله ،
أو قال : ينزل الله مطرا كأنه الطل ،
أو قال : الظل ،


- شعبة الشاك -


فتنبت منه أجساد الناس ،
ثم ينفخ فيه مرة أخرى فإذا هم قيام ينظرون » . الحديث ،

ومن فسر الفزع بدون الصعق
فهي نفخة ثالثة متقدمة على النفختين ،


ويؤيده ما في حديث الصور الطويل ،
فإن فيه ذكر ثلاث نفخات :

نفخة الفزع ،
ونفخة الصعق ،
ونفخة القيام لرب العالمين .

==================
(1) رواه مسلم ( الفتن / 116 ) .
 
[ 112 ]


س : كيف صفة الحشر من الكتاب ؟


جـ : في صفته آيات كثيرة ،
منها قوله تعالى :


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى
كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
} . الآية ،


وقوله تعالى :

{ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } . الآيات ،

وقوله تعالى :

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا

وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } . الآيات ،

وقوله تعالى :

{ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً

فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ


وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } . الآيات ،

وقوله تعالى :

{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ

وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ
فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا
} ،


وهو نقل الأقدام إلى المحشر . كأخفاف الإبل ،

وقوله تعالى :

{ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي

وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ

وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ } ،


وغير ذلك من الآيات كثير .
 
[ 113 ]


س : كيف صفته من السنة ؟


جـ : قال النبي صلى الله عليه وسلم :

« يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين ،

واثنان على بعير ،
وثلاثة على بعير ،


وأربعة على بعير ،
وعشرة على بعير ،


وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا ،

وتصبح معهم حيث أصبحوا ،
وتمسى معهم حيث أمسوا
» (1) .



وعن أنس بن مالك رضي الله عنه


« أن رجلا قال :

يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه ؟


قال :

" أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا


قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة » (2) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

« إنكم محشورون حفاة عراة غرلا

{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } . الآية ،

وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم » (3) . الحديث ،

« وقالت عائشة رضي الله عنها في ذلك :

يا رسول الله ،

الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض .


فقال :

"
الأمر أشد من أن يهمهم ذلك » (4) .


==================
(1) رواه البخاري ( 6522 ) ، ومسلم ( الجنة / 59 ) .
(2) رواه البخاري ( 6523 ) ، ومسلم ( المنافقين / 54 ) .
(3) رواه البخاري ( 6524 ، 6525 ، 6526 ) ، ومسلم ( الجنة / 57 ، 58 ) .
(4) رواه البخاري ( 6527 ) ، ومسلم ( الجنة / 56 ) .
 
[ 114 ]


س : كيف صفة الموقف من الكتاب ؟


جـ : قال الله تعالى :

{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ

إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ

لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُم هَوَاءٌ
} . الآيات ،


وقال الله تعالى :


{ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ

إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } . الآيات ،


وقال تعالى :


{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ

إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ


مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } . الآيات ،


وقال تعالى :


{ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } . الآيات ،

وقال تعالى :


{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ } . الآيات ،

وغير ذلك كثير .
 
[ 115 ]


س : كيف صفة الموقف من السنة ؟

جـ : فيها أحاديث كثيرة منها :

عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم :

«{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ،
قال :

" يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه » (1) .

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال :

« يعرق الناس يوم القيامة
حتى يذهب عرقهم في الأرض
سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم » (2) .


وهذه في الصحيح ،

وغيرها كثير .


==================
(1) رواه البخاري ( 6531 ، 4939 ) ، ومسلم ( الجنة / 60 ) .
(2) رواه البخاري ( 6532 ) ، ومسلم ( الجنة / 61 ) .
 
[ 116 ]


س : كيف صفة العرض والحساب من الكتاب ؟


جـ : قال تعالى :

{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } . الآيات ،

وقال تعالى :

{ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا

لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . الآيات ،

وقال تعالى :

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا
مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا
فَهُمْ يُوزَعُونَ

حَتَّى إِذَا جَاءُوا
قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا
أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا

فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ } ،


وقال تعالى :

{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } ،


وقال تعالى :

{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
} ،


وقال تعالى:

{ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } . الآيات ،


وغيرها كثيرة .
 
[ 117 ]

س : كيف صفة ذلك من السنة ؟

جـ : فيه أحاديث كثيرة ،
منها قوله صلى الله عليه وسلم :


« من نوقش الحساب عُذِّب » .

« قالت عائشة رضي الله عنها :
أليس يقول الله تعالى :


{ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } ؟

قال : " ذلك العرض » (1) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

« يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له :
أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا
أكنت تفتدي به ؟

فيقول : نعم .

فيقال : قد سئلت ما هو أيسر من ذلك »

- وفي رواية :
« فقد سألتك ما هو أهون من هذا

وأنت في صلب آدم
أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك » (2) .

وقال صلى الله عليه وسلم :

« وما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ،
فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله ،
وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ،
وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ،
فاتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة » ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

« يدنو أحدكم - يعني المؤمنين - من ربه

حتى يضع كنفه عليه فيقول :

أعملت كذا وكذا ؟

فيقول : نعم .

ويقول : عملت كذا وكذا ؟

فيقول : نعم ،

فيقرره ،

ثم يقول :

إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم »
(3) ،

وغير ذلك من الأحاديث .



==================
(1) رواه البخاري ( 6536 ، 6537 ) ، ومسلم ( الجنة / 79 ، 80 ) .
(2) رواه البخاري ( 1413 ، 1417 ) ، ومسلم ( الزكاة / 67 )
(3) رواه البخاري ( 2441 ، 4685 ) ، ومسلم ( التوبة / 52 ) .
 
[ 118 ]

س : كيف صفة نشر الصحف من الكتاب ؟

جـ : قال الله تعالى :

{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } ،

وقال تعالى :

{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } ،

وقال تعالى :

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا
مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً
إِلَّا أَحْصَاهَا
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا
وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ،

وقال تعالى :

{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ }

إلى قوله : { الْخَاطِئُونَ } ،

وفي آية الانشقاق :

{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } ،

وقال :

{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } ،

فهذا يدل على أن من يؤتى كتابه بيمينه
يؤتاه من أمامه ،

ومن يؤتى كتابه بشماله يؤتاه
من وراء ظهره ،

والعياذ بالله عز وجل .

 
[ 119 ]

س : ما دليل ذلك من السنة ؟


جـ : فيه أحاديث كثيرة منها :

قوله صلى الله عليه وسلم :

« يدنى المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه
فيقرره بذنوبه ،
تعرف ذنب كذا ؟


يقول : أعرف ،
يقول : رب أعرف
مرتين ،


فيقول :
سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ،

ثم تطوى صحيفة حسناته ،

وأما الآخرون أو الكفار
فينادى عليهم على رؤوس الأشهاد
:


{ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ } ،

وقالت عائشة رضي الله عنها :
قلت يا رسول الله ،
هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة ؟


قال : " يا عائشة أما عند ثلاث فلا ،
أما عند الميزان
حتى يثقل أو يخف فلا ،


وأما عند تطاير الكتب
إما يعطى بيمينه وإما يعطى بشماله فلا ،


وحين يخرج عنق من النار » (1) .


الحديث بطوله رواه أحمد وأبو داود ،

وغير ذلك من الأحاديث .


==================
(1) ( حسن ) رواه أحمد ( 6 / 110 ) ، واللفظ له ، وفي سنده ابن لهيعة ،

وقال الهيثمي في المجمع : قلت عند أبي داود طرف منه - رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ،
وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح ،
وقال الزبيدي بعد سرد الحديث :
إسناده ثقات سوى ابن لهيعة . ا هـ ( إتحاف 10 / 473 ) ،

ورواه أبو داود ( 4755 ) ، والحاكم ( 4 / 578 ) ،

قال العراقي : رواه أبو داود من رواية الحسن عنها ، ثم قال : وإسناده جيد . ا هـ ( إتحاف 10 / 473 ) ،
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح إسناده على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة ،
على أنه قد صحت الروايات أن الحسن كان يدخل وهو صبي منزل عائشة رضي الله عنها وأم سلمة ،
ووافقه على ما قال الذهبي . وقد سكت عنه الإمام أبو داود ،
وضعفه الألباني ، وسكت عنه المزي .
 
[ 120 ]

س : ما دليل الميزان من الكتاب
وكيف صفة الوزن ؟

جـ : قال الله تعالى :

{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا

وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ
} ،


وقال تعالى :

{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } ،

وقال تعالى في الكافرين :

{ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } ،

وغير ذلك من الآيات .
 
[ 121 ]

س : ما دليل ذلك وصفته من السنة ؟

جـ : فيه أحاديث كثيرة ،
منها حديث البطاقة التي فيها الشهادتان ،
وأنها ترجح بتسعين سجلا (1) من السيئات ،
كل سجل منها مدى البصر ،

ومنها

قوله صلى الله عليه وسلم في ابن مسعود رضي الله عنه :


« أتعجبون من دقة ساقيه ،

والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد
» (2) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

« إنه ليؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة

لا يزن عند الله جناح بعوضة
"

- وقال - : "
اقرءوا " :

{ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(3) ،

وغير ذلك من الأحاديث .


==================
(1) ( صحيح ) رواه أحمد ( 2 / 213 ) ، والترمذي ( 2639 ) ، وابن ماجه ( 4300 ) ،
والحاكم ( 1 / 6 ) ، والبغوي في شرح السنة ( 15 / 133 ، 134 ) ، قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ،
وقد صححه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين وهو صحيح على شرط مسلم ،
وتعقبه الذهبي : ما احتج مسلم بمحمد بن عمرو منفردا بل بانضمامه إلى غيره . ا هـ .

(2) ( حسن ) رواه أحمد ( 1 / 420 ، 421 ) ، وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح ،
ورواه أبو يعلى ( 9 / 5310 ) ، وإسناده حسن من أجل عاصم بن بهدلة ،
قال الهيثمي في المجمع ( 9 / 289 ) :
رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني من طرق ( وذكر بعض ألفاظه )

وأمثل طرقها فيه عاصم بن أبي النجود ، وهو حسن الحديث على ضعفه ،
وبقية رجال أحمد وأبو يعلى رجال الصحيح . ا هـ .

(3) رواه البخاري ( 4729 ) ، ومسلم ( الجنة والنار / 18 ) .
 
[ 122 ]

س : ما دليل الصراط من الكتاب ؟

جـ : قال الله عز وجل :

{ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا
كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } ،

وقال تعالى :

{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ

يَسْعَى نُورُهُمْ
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
} . الآيات .
 
[ 123 ]

س : ما دليل ذلك وصفته من السنة ؟

جـ : فيه أحاديث كثيرة منها :

قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة :
« يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم » ،

قلنا : يا رسول الله وما الجسر ؟
قال :

« مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب

وحسكة مفلطحة لها شوكة عُقيفاء تكون بنجد ،

يقال لها السعدان ،

يمر المؤمن عليها كالبرق وكالريح

وكأجاويد الخيل والركاب ،


فناج مسلَّم ، وناج مخدوش ،

ومكدوس في نار جهنم ،

حتى يمر آخرهم يسحب سحبا » (1) .

الحديث في الصحيح ،

وقال أبو سعيد رضي الله عنه :

بلغني أن الجسر أدق من الشّعرة

وأحد من السيف
"
(2) .
==================
(1) رواه البخاري ( 7439 ) ، ومسلم ( الإيمان / 302 ) .
(2) رواه مسلم ( الإيمان / 302 ) ، وأحمد ( 6 / 110 ) عن عائشة .
 
[ 124 ]

س : ما دليل القصاص من الكتاب ؟

جـ : قال الله تعالى :

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً
يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } ،

وقال تعالى :

{ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ }

إلى قوله :
{ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ } . الآيات ،


وقوله تعالى :

{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } . الآيات .
 
[ 125 ]

س : ما دليل القصاص وصفته من السنة ؟

جـ : فيه أحاديث كثيرة

منها قوله صلى الله عليه وسلم :

« أول ما يقضى بين الناس في الدماء » (1) ،

وقوله صلى الله عليه وسلم :

« من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلل منه اليوم
فإنه ليس ثم دينار ولا درهم
من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته ،

فإن لم يكن له حسنات
أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه
» (2) .


وقوله صلى الله عليه وسلم :

« يخلص المؤمنون من النار
فيُحبسون على قنطرة بين الجنة والنار

فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ،
حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة » (3) ،

كلها في الصحيح ، وغيرها كثير .

==================
(1) رواه البخاري ( 6864 ) ، ومسلم ( القسامة / 28 ) .
(2) رواه البخاري ( 6534 ، 2449 ) .
(3) رواه البخاري ( 6535 ) .
 
[ 126 ]

س : ما دليل الحوض من الكتاب ؟

جـ : قال الله عز وجل لنبيه محمد
صلى الله عليه وسلم :


{
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } . السورة .


[ 127 ]

س : ما دليل وصفته من السنة ؟

جـ : فيه أحاديث كثيرة بلغت مبلغ التواتر منها :


قوله صلى الله عليه وسلم :

« أنا فرطكم على الحوض » (1) ،

وقوله صلى الله عليه وسلم :

« إني فرط لكم وإني شهيد عليكم ،
وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن
» (2) ،

وقوله صلى الله عليه وسلم :

« حوضي مسيرة شهر ،
ماؤه أبيض من اللبن ،
وريحه أطيب من المسك ،
وكيزانه كنجوم السماء
،
من شرب منه فلا يظمأ أبدا » (3) ،

وقوله صلى الله عليه وسلم :

« أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ،
فقلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الكوثر
» (4) .

وغير ذلك من الأحاديث فيه كثيرة .


==================
(1) رواه البخاري ( 6575 ، 6576 ، 6573 ) ،
ومسلم ( الفضائل / 25 ، 26 ، 32 ) .

(2) رواه البخاري ( 1344 ، 4085 ) .
(3) رواه البخاري ( 6579 ) ، ومسلم ( الفضائل / 27 ) .
(4) رواه البخاري ( 4964 ، 6581 ) .
 
[ 128 ]

س : ما دليل الإيمان بالجنة والنار ؟

جـ : قال الله تعالى :

{
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ

أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } . الآية ،

وغيرها ما لا يحصى .

وفي الصحيح من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

في صلاة الليل :

« ولك الحمد ،

أنت الحق ووعدك الحق ،

ولقاؤك حق ،

وقولك حق ،

والجنة حق ،

والنار حق ،

والنبيون حق ،

ومحمد صلى الله عليه وسلم حق ،

والساعة حق
» (1) . الحديث ،


وقوله صلى الله عليه وسلم :

« من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،

وأن محمدا عبده ورسوله ،

وأن عيسى عبد الله ورسوله ،

وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ،

والجنة حق والنار حق ،

أدخله الله الجنة

على ما كان من العمل
» (2) . أخرجاه ،


وفي رواية :


« من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء » .



==================
(1) رواه البخاري ( 1120 ) ، ومسلم ( مسافرين / 199 ) .
(2) رواه البخاري ( 3435 ) ، ومسلم ( الإيمان / 46 ) .
 
[ 129 ]

س : ما معنى الإيمان بالجنة والنار ؟

جـ : معناه التصديق الجازم بوجودهما

وأنهما مخلوقتان الآن ،

وأنهما باقيتان بإبقاء الله لهما

لا تفنيان أبدا ،


ويدخل في ذلك كل ما احتوت عليه

هذه من النعيم

وتلك من العذاب .
 
[ 130 ]

س : ما الدليل على وجودهما الآن ؟

جـ : أخبرنا الله عز وجل أنهما معدتان ،

فقال في الجنة :


{
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ،

وقال في النار :

{
أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ،

وأخبرنا أنه تعالى أسكن آدم وزوجه الجنة

قبل أكلهما من الشجرة ،


وأخبرنا تعالى بأن الكفار يعرضون على النار غدوا وعشيا ،

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :

«
اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ،

واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء
» (1) . الحديث ،

وتقدم في فتنة عذاب القبر :

«
إذا مات أحدكم يعرض عليه مقعده » (2) الحديث ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

«
أبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم » (3) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

«
اشتكت النار إلى ربها عز وجل فقالت :

ربي أكل بعضي بعضا ، فأذن لها بنفسين :

نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ،

فأشد ما تجدون من الحر ،

وأشد ما تجدون من الزمهرير
» (4) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

«
الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء » (5) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

«
لما خلق الله الجنة والنار

أرسل جبريل إلى الجنة فقال : اذهب فانظر إليها
» (6) . الحديث ،

وقد عرضتا عليه صلى الله عليه وسلم

في مقامه يوم كسفت الشمس

وعرضت عليه ليلة الإسراء ،

وفي ذلك من الأحاديث الصحيحة

ما لا يحصى .


==================
(1) رواه البخاري ( 3241 ) ، 5198 ) .
(2) رواه البخاري ( 1379 ) ، ومسلم ( الجنة / 65 ، 66 ) .
(3) رواه البخاري ( 533 ، 534 ، 535 ) ، ومسلم ( مساجد / 180 ، 184 ، 186 ) .

(4) رواه البخاري ( 537 ، 3260 ) ، ومسلم ( مساجد 185 ، 186 ) .
(5) رواه البخاري ( 3261 ، 3262 ، 3263 ) ، ومسلم ( السلام / 78 ، 79 ، 80 ) .
(6) ( إسناده حسن ، وهو صحيح لغيره ) رواه النسائي ( 3763 ) ، وأحمد ( 2 / 332 ، 334 ، 354 ) ،
وأبو داود ( 4744 ) وسكت عنه ، والترمذي ( 2560 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ،
ورواه الحاكم ( 1 / 27 ) ، وقال الألباني : حسن صحيح ،
وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح
 
[ 131 ]


س : ما الدليل على بقائهما لا تفنيان أبدا ؟


جـ : قال الله تعالى في الجنة :

{ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ،

وقال تعالى :

{ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ } ،

وقال تعالى فيها :

{ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } ،

وقال تعالى :

{ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ } ،

وقال تعالى :

{ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ } ،

وقال تعالى :

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ }

إلى قوله : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } ،

وغيرها من الآيات ،

فأخبر تعالى بأبديتها وأبدية حياة أهلها ،
وعدم انقطاعها عنهم وعدم خروجهم منها ،


وكذلك النار قال تعالى فيها :

{ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } ،

وقال تعالى :

{ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } ،

وقال تعالى :

{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } ،

وقال تعالى :

{ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } ،

وقال تعالى :

{ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } ،

وقال تعالى :

{ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } ،

وقال تعالى :

{ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا } ،

وغير ذلك من الآيات ،

فأخبرنا تعالى في هذه الآيات وأمثالها
أن أهل النار الذين هم أهلها خلقت لهم وخلقوا لها ،
أنهم خالدون فيها أبدا ،


فنفى تعالى
خروجهم منها

بقوله : { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } ،

ونفى انقطاعها
عنهم بقوله :

{
لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ
} ،

ونفى فناءهم فيها بقوله :

{
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا
} ،

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :


« أما أهل النار الذين هم أهلها
فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون
» (1) . الحديث ،


وقال صلى الله عليه وسلم :

« إذا صار أهل الجنة إلى الجنة
وأهل النار إلى النار

جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار
ثم يذبح

ثم ينادي منادٍ :
يا أهل الجنة لا موت ،
يا أهل النار لا موت ،

فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ،
ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم
» (2) ،


وفي لفظ : كل خالد فيما هو فيه ،

وفي رواية «
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ

وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
}» ، وهي في الصحيح ،

وفي ذلك أحاديث غير ما ذكرنا .


==================
(1) رواه مسلم ( الإيمان / 306 ) .
(2) رواه البخاري ( 4730 ، 6548 ) ، ومسلم ( الجنة / 40 ، 43 ) .
 
[ 132 ]

س : ما الدليل على أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى
في الدار الآخرة ؟

جـ : قال الله تعالى :

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ،

وقال تعالى :

{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ،

وقال تعالى في الكفار :

{ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } ،

فإذا حجب أعداءه لم يحجب أولياءه ،

وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال :

« كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال :

"
إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا ،

لا تضامون في رؤيته ،

فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس

وصلاة قبل غروبها فافعلوا
» (1) ،

وقوله :

كما ترون هذا ،

أي كرؤيتكم هذا القمر ،

تشبيه للرؤية بالرؤية

لا للمرئي بالمرئي ،


كما أن قوله في حديث تكلم الله عز وجل بالوحي :

"
ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله :

كأنه سلسلة على صفوان
" (2) .

وهذا تشبيه للسماع بالسماع ،

لا للمسموع بالمسموع ،

تعالى الله أن يشبهه في ذاته أو صفاته شيء من خلقه ،

وتنزه النبي صلى الله عليه وسلم

أن يحمل شيء من كلامه على التشبيه ،

وهو أعلم الخلق بالله عز وجل ،



وفي حديث صهيب عند مسلم :

« فيُكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم

من النظر إلى ربهم عز وجل » (3) ،

ثم تلا هذه الآية :

{
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ،

وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة صريحة
ذكرنا منها في شرح (
سلم الوصول
)
خمسة وأربعين حديثا

عن أكثر من ثلاثين صحابيا .

ومن رد ذلك

فقد كذب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله ،


وكان من الذين قال الله تعالى فيهم :

{
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } .


نسأل الله تعالى العفو والعافية ،

وأن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه


آمين .

==================
(1) رواه البخاري ( 554 ، 573 ، 4851 ) ومسلم ( مساجد / 211 ) .
(2) رواه البخاري ( 4701 ) .
(3) رواه مسلم ( الإيمان / 297 ، 298 ) .
 
[ 133 ]

س : ما دليل الإيمان بالشفاعة ،

وممن تكون ،
ولمن تكون ،
ومتى تكون ؟

جـ : قد أثبت الله عز وجل الشفاعة في كتابه

في مواضع كثيرة
بقيود ثقيلة ،

وأخبرنا تعالى أنها ملك له

ليس لأحد فيها شيء ،


فقال تعالى :

{ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } .

فأما متى تكون ؟

فأخبرنا عز وجل أنها لا تكون إلا بإذنه

كما قال تعالى :

{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } ،

{ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ } ،

{ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا

إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } ،

{ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } .

وأما ممن تكون ؟

فكما أخبرنا تعالى أنه لا تكون إلا من بعد إذنه ،

أخبرنا أيضا أنه لا يأذن إلا لأوليائه المرتضين الأخيار


كما قال تعالى :

{ لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } ،

وقال :

{ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } .

وأما لمن تكون ؟

فأخبرنا أنه لا يأذن أن يشفع إلا لمن ارتضى

كما قال تعالى :

{ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } ،

{ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا
} ،

وهو سبحانه لا يرتضي
إلا أهل التوحيد والإخلاص ،

وأما غيرهم

فقال تعالى :

{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } ،

وقال تعالى عنهم :

{ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } ،

وقال تعالى فيهم :

{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } ،

وقد «
أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتي الشفاعة ،

ثم أخبر أنه يأتي فيسجد تحت العرش

ويحمد ربه بمحامد يعلمه إياها ،

لا يبدأ بالشفاعة أولا حتى يقال له :

ارفع رأسك
وقل يُسمع
وسل تُعط
واشفع تُشفع
» (1) . الحديث ،


ثم أخبر أنه لا يشفع في جميع العصاة

من أهل التوحيد دفعة واحدة ،

بل قال : « فيُحد لي حدا فأدخلهم الجنة » ،

ثم يرجع فيسجد كذلك
فيُحد له حدا
إلى آخر حديث الشفاعة ،

وقال له أبو هريرة رضي الله عنه :

من أسعد الناس بشفاعتك ؟

قال :

« من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه »
(2) .


==================
(1) رواه البخاري ( 3340 ، 4476 ، 4712 ) ،
ومسلم ( الإيمان / 322 ، 326 ) .
(2) رواه البخاري ( 99 ، 6570 ).
 
[ 134 ]

س : كم أنواع الشفاعة

وما أعظمها ؟

جـ : أعظمها
الشفاعة العظمى في موقف القيامة

في أن يأتي الله تعالى لفصل القضاء بين عباده

وهي خاصة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،

وهي المقام المحمود الذي وعده الله عز وجل


كما قال تعالى :

{
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } ،

وذلك أن الناس إذا ضاق بهم الموقف وطال المقام

واشتد القلق وألجمهم العرق التمسوا الشفاعة

في أن يفصل الله بينهم

فيأتون آدم ثم نوح ثم إبراهيم

ثم موسى ثم عيسى بن مريم

وكلهم يقول نفسي نفسي

إلى أن ينتهوا إلى نبينا محمد

صلى الله عليه وسلم

فيقول :

«
أنا لها » (1) ،

كما جاء مفصلا في الصحيحين وغيرهما .

الثانية :
الشفاعة في استفتاح باب الجنة ،

وأول من يستفتح بابها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،

وأول من يدخلها من الأمم أمته .


الثالثة :
الشفاعة في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها .

الرابعة :
في من دخلها من أهل التوحيد أن يخرجوا منها

فيخرجون قد امتحشوا وصاروا فحما ،

فيطرحون في نهر الحياة فينبتون

كما تنبت الحبة في حميل السيل .


الخامسة :
الشفاعة في رفع درجات أقوام من أهل الجنة

وهذه الثلاث ليست خاصة بنبينا

صلى الله عليه وسلم


ولكنه هو المقدَّم فيها

ثم بعده الأنبياء والملائكة والأولياء والأفراط

يشفعون

ثم يخرج الله تعالى برحمته من النار أقواما

بدون شفاعة

لا يحصيهم إلا الله فيدخلهم الجنة .


السادسة :
الشفاعة في تخفيف عذاب بعض الكفار ،

وهذه
خاصة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم

في عمه أبي طالب

كما في مسلم وغيره :


«
ولا تزاد جهنم يلقى فيها وتقول :

هل من مزيد ؟

حتى يضع رب العزة فيها قدمه

فينزوي بعضها إلى بعض وتقول :

قط قط ، وعزتك ،

ويبقى في الجنة فضل عمّن دخلها

فينشئ الله تعالى أقواما فيدخلهم
» (2) ،

وفي ذلك من النصوص ما لا يحصى

فمن شاءها وجدها من الكتاب والسنة .



==================
(1) رواه البخاري ( 3340 ) ، ومسلم ( الإيمان / 322 ، 326 ) .
(2) رواه البخاري ( 4848 ، 4849 ، 4850 ) ، ومسلم ( الجنة / 37 ، 38 ، 39 ) .
 
[ 135 ]

س : هل يدخل الجنة أو ينجو من النار أحد بعمله ؟

جـ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« قاربوا وسددوا
واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله -


قالوا : يا رسول الله ولا أنت ؟

قال :
ولا أنا
إلا أني يتغمدني الله برحمة منه وفضل
» .

وفي رواية :

« سددوا وقاربوا وأبشروا
فأنه لن يدخل الجنة أحد عمله -


قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟

قال :
ولا أنا
إلا أن يتغمدني الله منه برحمة

واعلموا أن أحب العمل إلى الله
أدومه وإن قل
»
(1) .

==================
(1) رواه البخاري ( 5673 ) ، ومسلم ( المنافقين / 71- 78 ) .
 
[ 136 ]


س : ما الجمع بين هذا الحديث
وبين قوله تعالى :


{ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ
أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } .

جـ : لا منافاة بينهما بحمد الله

فإن الباء المثبتة في الآية هي باء السببية

لأن الأعمال الصالحة سبب في دخول الجنة ،

لا يحصل إلا بها إذ المسبب وجوده بوجود سببه ،

والمنفي في الحديث هي باء الثمنية ،

فإن العبد لو عُمِّر عمر الدنيا

وهو يصوم النهار ويقوم الليل ويجتنب المعاصي كلها

لم يقابل كل عمله

عشر معشار أصغر نعم الله عليه الظاهرة والباطنة ،

فكيف تكون ثمنا لدخول الجنة ،


{ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ } .
 
[ 137 ]

س : ما دليل الإيمان بالقدر جملة ؟

جـ : قال الله تعالى :

{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } ،


وقال تعالى :

{ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } ،

وقال تعالى :

{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا } ،

وقال تعالى :

{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ
} . الآية ،

وقال تعالى :

{ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
فَبِإِذْنِ اللَّهِ
} ،

وقال تعالى :

{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ

قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ

وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
} ،

وغير ذلك من الآيات ،


وتقدم في حديث جبريل :

« وتؤمن بالقدر خيره وشره » (1) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

« واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك

وما أخطأك لم يكن ليصيبك
» (2) ،


وقال صلى الله عليه وسلم :

« وإن أصابك شيء

فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا

ولكن قل قدر الله وما شاء فعل
» (3) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :

« كل شيء بقدر حتى العجز والكيس » (4) ،

وغير ذلك من الأحاديث .


==================
(1) رواه البخاري ( 50 ، 4777 ) ، ومسلم ( الإيمان / 1 ، 5 ) .
(2) ( صحيح رواه أحمد ( 5 / 182 ، 183 ، 185 ، 189 ) ، وأبو داود ( 4699 ) ،
وابن ماجه ( 77 ) ، وسكت عنه الإمام أبو داود وقد صححه الألباني .
(3) رواه مسلم ( القدر / 34 ) ، وابن ماجه ( 79 )
.
(4) رواه مسلم ( القدر / 18 ) .

http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showcontent&contentid=680
 
[ 138 ]

س : كم مراتب الإيمان بالقدر ؟

جـ : الإيمان بالقدر على أربع مراتب :

المرتبة الأولى :

الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء
الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ،
وأنه تعالى قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم ،
وعلم أرزاقهم وآجالهم وأقوالهم وأعمالهم
وجميع حركاتهم وسكناتهم وأسرارهم وعلانيتهم
ومن هو منهم من أهل الجنة ومن هو منهم من أهل النار .


المرتبة الثانية :

الإيمان بكتابة ذلك ،
وأنه تعالى قد كتب جميع ما سبق به علمه أنه كائن ،
وفي ضمن ذلك الإيمان باللوح والقلم .


المرتبة الثالثة :

الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة ،
وهما متلازمتان من جهة ما كان وما سيكون

ولا ملازمة بينهما من جهة ما لم يكن ولا هو كائن ؛
فما شاء الله تعالى فهو كائن بقدرته لا محالة
وما لم يشأ الله تعالى لم يكن
لعدم مشيئة الله إياه
لا لعدم قدرة الله عليه ،

تعالى الله عن ذلك وعز وجل :

{
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ
فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ
إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا
} .

المرتبة الرابعة :

الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء ،
وأنه ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض
ولا فيما بينهما
إلا والله خالقها وخالق حركاتها وسكناتها سبحانه ،
لا خالق غيره ولا رب سواه .



 
[ 139 ]

س : ما دليل المرتبة الأولى وهي الإيمان بالعلم ؟

جـ : قال الله تعالى :

{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } ،

وقال تعالى :

{ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } ،

وقال تعالى :

{ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ
فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ

وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ } ،

وقال تعالى :

{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ
لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
} . الآيات ،


وقال تعالى :

{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } ،

وقال تعالى :

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ
} ،


وقال تعالى :

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } ،

وقال تعالى :

{ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ } ،

وقال تعالى :

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ،

وقال تعالى :

{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }

وفي الصحيح قال رجل :
« يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار ؟
قال : " نعم " .
قال : فلم يعمل العاملون ؟
قال : " كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له » (1) ،


« وفيه :
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين ؟


فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين » (2) ،

وفي مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« إن الله خلق للجنة أهلا
خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ،


وخلق للنار أهلا
خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم
» (3) ،


وفيه : قال صلى الله عليه وسلم :

« إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس
وهو من أهل النار ،
وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس
وهو من أهل الجنة » (4) ،

وفيه : وقال صلى الله عليه وسلم :
« ما منكم من نفس
إلا وقد علم الله منزلها من الجنة والنار
»


قالوا : يا رسول الله ،
فلم نعمل أفلا نتكل ،

قال : « لا
اعملوا فكل ميسر لما خلق له
» (5) ،


ثم قرأ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى }
- إلى قوله - { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } ،

وغير ذلك من الأحاديث .



==================
(1) رواه البخاري ( 6596 ، 7551 ) ، ومسلم ( القدر / 9 ) .
(2) رواه البخاري ( 1383 ) ، ومسلم ( القدر / 27 ، 28 ) .
(3) رواه مسلم ( القدر / 31 ) .
(4) رواه البخاري ( 2898 ، 4202 ، 4207 ) ، ومسلم ( الإيمان / 179 ) .
(5) رواه البخاري ( 1362 ، 4945 ، 4946 ) ، ومسلم ( القدر / 6 ، 7 ) .
 
[ 140 ]

س : ما دليل المرتبة الثانية ،
وهي الإيمان بكتابة المقادير ؟

جـ : قال الله تعالى :

{
وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } ،

وقال تعالى :

{
إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ } ،

وقال تعالى في محاجة موسى وفرعون :

{
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ
لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى
} ،

وقال تعالى :

{
وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ
وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ
إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
} ،

وغير ذلك من الآيات .

وقال صلى الله عليه وسلم :

«
ما من نفس منفوسة
إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار
وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة
» (1) .
رواه مسلم ،

وفيه قال سراقة بن مالك بن جعشم :
يا رسول الله ،

بيِّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن ،
فيم العمل اليوم ؟

أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير
أم فيما نستقبل ؟


قال : «
لا ،
بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير
» ،

قال : ففيم العمل ؟

فقال : «
اعملوا فكل ميسر »

- وفي رواية -
«
كل عامل ميسر لعمله » (2) ،

وغير ذلك من الأحاديث .


==================
(1) هو رواية في الحديث السابق.
(2) رواه مسلم ( القدر / 8 ) .
 
[ 141 ]

س : كم يدخل في هذه المرتبة من التقادير ؟


جـ : يدخل في ذلك خمسة من التقادير
كلها ترجع إلى العلم ،


التقدير الأول :

كتابة ذلك قبل خلق السماوات والأرض
بخمسين ألف سنة ،

عندما خلق الله القلم وهو التقدير الأزلي .

الثاني :

التقدير العمري ، حين أخذ الميثاق يوم قال :

{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } .

الثالث :

التقدير العمري أيضا عند تخليق النطفة في الرحم .

الرابع :

التقدير الحولي في ليلة القدر .

الخامس :

التقدير اليومي ،
وهو تنفيذ كل ذلك إلى مواضعه
.

 
[ 142 ]

س : ما دليل التقدير الأزلي ؟


جـ : قال الله تعالى :
{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا
} . الآيات ،

وفي الصحيح :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :

« كتب الله مقادير الخلائق
قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ،
قال وعرشه على الماء
» (1) ،

وقال صلى الله عليه وسلم :
« إن أول ما خلق الله القلم فقال له :
اكتب

فقال : رب وماذا أكتب ؟

قال :
اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة » (2) .

الحديث في السنن ،

وقال صلى الله عليه وسلم :
« يا أبا هريرة جف القلم بما هو كائن » (3) .

الحديث في البخاري ، وغير ذلك كثير .
==================
(1) رواه مسلم ( القدر / 16 ) ، وأحمد ( 2 / 169 ) ، والترمذي ( 2156 ) .

(2) صحيح رواه أحمد ( 5 / 317 ) ، وأبو داود ( 4700 ) ،
والترمذي ( 2155 ) ، وابن أبي عاصم ( 102 ، 103 ، 104 ، 105 )
قال الترمذي : هذا حديث غريب من هذا الوجه ،
وسكت عنه أبو داود ، وقد صححه الشيخ الألباني .

(3) رواه البخاري ( 5076 ) .
 
[ 143 ]

س : ما دليل التقدير العمري
يوم الميثاق ؟


جـ : قال الله تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } . الآيات ،

وروى إسحاق بن راهويه
« أن رجلا قال : يا رسول الله ،
أتبتدأ الأعمال أم قد مضى القضاء ؟
فقال :

" إن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من ظهره
أشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه فقال :

هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار ،
فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة ،
وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار » (1) .

وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
سئل عن هذه الآية :


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا
أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } .

فقال عمر بن الخطاب :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه
حتى استخرج منه ذريته
فقال :

خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ،
ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال :
خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون » (2) .
الحديث بطوله ،


وفي الترمذي
من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :

خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي يده كتابان فقال :

« أتدرون ما هذان الكتابان » ؟
فقلنا ، لا يا رسول الله ، إلا أن تخبرنا .
فقال للذي في يده اليمنى :

« هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة
وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم
فلا يزاد فيه ولا ينقص منهم أبدا » (3) ،

فقال أصحابه :

ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه ؟!
فقال :

« سددوا وقاربوا
فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة
وإن عمل أي عمل ،

وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار
وإن عمل أي عمل
» ،


ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فنبذهما
ثم قال :

« فرغ ربكم من العباد
فريق في الجنة وفريق السعير
» .


قال الترمذي :
هذا حديث حسن صحيح غريب .


==================
(1) ( ضعيف ) رواه البيهقي في الأسماء والصفات ( 326 ) ،
ورواه أيضا الطبري في تفسيره ( 9 / 80 ، 81 )

قال الحافظ في المطالب : حديث غريب ،
وعلق عليه الأعظمي بقوله : أخرجه البزار أيضا ،
قال البوصيري : رواه إسحاق والبزار بسند ضعيف ( 1 / 89 ) .

(2) ( صحيح ) رواه أحمد ( 1 / 44 ، 45 ) ، وأبو داود ( 4703 ، 4704 ) ،
والترمذي ( 3075 ) ، والحاكم ( 2 / 324 ، 325 ) ،
والسنة لابن أبي عاصم ( 196 ، 201 ) ،

وقد سكت عنه الإمام أبو داود ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن
وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي ،
وقال الشيخ الألباني بعد أن ساق طرقه في الصحيحة ( 1623 ) :
وجملة القول أن الحديث صحيح بل متواتر المعنى كما سبق ، ا هـ .

(3) ( حسن ) رواه أحمد ( 2 / 167 ) ، والترمذي ( 2141 )
وقال : هذا حديث حسن صحح غريب ،
وقال الشيخ شاكر : إسناده صحيح ،
وقد حسن إسناده الشيخ الألباني في الصحيحة ( 848 ) .
 
[ 144 ]

س : ما دليل التقدير العمري
الذي عند أول تخليق النطفة ؟

جـ : قال الله تعالى :

{
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى
} .

وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم :

«
إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة
ثم يكون علقة مثل ذلك ،
ثم يكون مضغة مثل ذلك ،
ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ،


ويؤمر بأربع كلمات :

بكتب رزقه ،
وأجله ،
وعمله ،
وشقي أو سعيد ،

فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع
فيسبق عليه الكتاب
فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ،

وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع
فيسبق عليه الكتاب
فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها
» (1) .

وفيه روايات غير هذه ،
عن جماعة من الصحابة بألفاظ أخر والمعنى واحد .


==================
(1) رواه البخاري ( 3208 ، 3332 ) ، ومسلم ( القدر / 1 ) .
 
[ 145 ]


س : ما دليل التقدير الحولي
في ليلة القدر ؟


جـ : قال الله تعالى :

{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا } . الآيات .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما :

يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر
ما يكون في السنة
من موت أو حياة ورزق ومطر ،

حتى الحجاج يقال :
يحج فلان ، ويحج فلان ،

وكذا قال الحسن وسعيد بن جبير
ومقاتل
وأبو عبد الرحمن السلمي
وغيرهم .
 
[ 146 ]

س : ما دليل التقدير اليومي ؟

جـ : قال الله تعالى :

{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .

وفي صحيح الحاكم :
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
إن مما خلق الله تعالى لوحا محفوظا من درة بيضاء ،
دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور
ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة أو مرة ،
ففي كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت
ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء ،

فذلك قوله تعالى :
{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } (1) .


وكل هذه التقادير كالتفصيل من القدر السابق ،
وهو الأزلي الذي أمر الله تعالى القلم عندما خلقه
أن يكتبه في اللوح المحفوظ ،

وبذلك فسر ابن عمر وابن عباس رضي الله عنْهما
قوله تعالى :

{ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (2) .

وكل ذلك صادر عن علم الله ،
الذي هو صفته تبارك وتعالى .


==================
(1) ( ضعيف ) رواه الحاكم ( 2 / 474 ) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ،
وتعقبه الذهبي بقوله : اسم أبي حمزة ثابت وهو واه بمرة .


(2) ( صحيح ) رواه الحاكم ( 2 / 454 ) ، وابن جرير ( 25 / 94 ، 95 )
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .
 
[ 147 ]


س : ماذا يقتضيه سبق المقادير
بالشقاوة والسعادة ؟

جـ : اتفقت جميع الكتب السماوية والسنن النبوية
على أن القدر السابق لا يمنع العمل
ولا يوجب الاتكال عليه ،


بل يوجب الجد والاجتهاد
والحرص على العمل الصالح ،


ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه
بسبق المقادير وجريانها وجفوف القلم بها

قال بعضهم :

أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل
قال :

« لا ،
اعملوا فكل ميسر
»
ثم قرأ :
{
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } . الآية ،

فالله سبحانه وتعالى قدر المقادير وهيأ لها أسبابا ،
وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد ،
وقد يسر كلا من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة ،
فهو مهيأ له ميسر له ،

فإذا علم العبد أن مصالح آخرته
مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها

كان أشدّ اجتهادا في فعلها والقيام بها
وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه ،

وقد فقه هذا كل الفقه من قال من الصحابة
لما سمع أحاديث القدر :
ما كنت أشدّ اجتهادا مني الآن .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
« احرص على ما ينفعك
واستعن بالله
ولا تعجز
» (1) .


وقال صلى الله عليه وسلم
لما قيل له
:

« أرأيت دواء نتداوى به ورقى نسترقيها ،
هل ترد من قدر الله شيئا ؟

قال :
هي من قدر الله » (2) .


يعني أن الله تعالى قدَّر الخير والشر
وأسباب كل منهما .

==================
(1) رواه مسلم ( القدر / 34 ) ، وابن ماجه ( 79 ) .
(2) ( حسن ) رواه أحمد ( 3 / 421 ) ، والترمذي ( 2065 ) ،
وابن ماجه ( 3437 ) قال الإمام الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ،
ورواه الحاكم ( 4 / 199 ) من حديث حكيم بن حزام وقال :
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .
ورواه أيضا ابن حبان بإسناد حسن من حديث كعب بن مالك ،
وقد ساق الشيخ الألباني عدة طرق ومرويات للحديث ،
ثم قال :
وبالجملة فأرجو أن يصل الحديث إلى مرتبة الحسن ،
ا هـ . ( مشكلة الفقر ح 11 ) .
 
[ 148 ]

س : ما دليل المرتبة الثالثة
وهي الإيمان بالمشيئة ؟

ج : قال الله تعالى :
{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } ،

وقال تعالى :
{ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا
إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
} ،

وقال تعالى :
{ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ
وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
} ،

{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ،

{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا } ،

{ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } ،

وقال تعالى :
{ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } ،

وقال تعالى :

{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا
أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
} ،

{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ
أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
} ،

{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا
} .

وغير ذلك من الآيات ما لا يحصى .

وقال صلى الله عليه وسلم :
« قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن
كقلب واحد يصرفها كيف يشاء » (1)

وقال صلى الله عليه وسلم
في نومهم في الوادي :

« إن الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء
وردها حين شاء
» (2)


وقال :
« اشفعوا تؤجروا
ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء
» (3) ،


« لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان
ولكن قولوا ما شاء الله وحده
» ،

وقال صلى الله عليه وسلم :
« من يرد الله تعالى به خيرا يفقهه في الدين » (4) ،

« وإذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها ،
وإذا أراد الله هلكة أمة عذبها ونبيها حي » (5) .

وغير ذلك من الأحاديث
في ذكر المشيئة والإرادة ما لا يحصى .

==================
(1) رواه مسلم ( القدر / 17 ) .
(2) رواه البخاري ( 595 ، 1471 ) .
(3) رواه البخاري ( 1432 ) ، ومسلم ( البر والصلة / 145 ) .
(4) رواه البخاري ( 71 ، 3116 ، 7321 ) ،
ومسلم ( الأمارة / 175 )
(5) رواه مسلم ( الفضائل / 24 ) .

 
[ 149 ]

س : قد أخبرنا الله تعالى في كتابه
وعلى لسان رسوله وبما علمنا من صفات
أنه يحب المحسنين والمتقين والصابرين ،

ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
ولا يحب الكافرين ولا الظالمين
ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد ،

مع كون كل ذلك بمشيئة الله وإرادته
وأنه لو شاء لم يكن ذلك
فإنه لا يكون في ملكه ما لا يريد ،
فما الجواب لمن قال :


كيف يشاء ويريد ما لا يرضى به ولا يحبه ؟

جـ : اعلم أن الإرادة في النصوص جاءت على معنيين :

إرادة كونية قدرية

وهي المشيئة
ولا ملازمة بينها وبين المحبة والرضا

بل يدخل فيها الكفر والإيمان
والطاعات والعصيان

والمرضيّ والمحبوب
والمكروه وضده ،


وهذه الإرادة ليس لأحد خروج منها
ولا محيص عنها


كقوله تعالى :
{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا
} ،

وقوله تعالى :
{ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ
فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ
أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ
} .

الآيات ، وغيرها .

وإرادة دينية شرعية

مختصة بمراضي الله ومحابه ،
وعلى مقتضاها أمر عباده ونهاهم

كقوله تعالى :
{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
} ،


وقوله تعالى :
{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ
وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
} .


وغيرها من الآيات ،

وهذه الإرادة لا يحصل اتباعها
إلا لمن سبقت له بذلك الإرادة الكونية ،


فتجتمع الإرادة الكونية والشرعية
في حق المؤمن الطائع


وتنفرد الكونية
في حق الفاجر العاصي ،


فالله سبحانه دعا عباده عامة إلى مرضاته ،
وهدى لإجابته من شاء منهم

كما قال تعالى :
{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
} .

فعمم سبحانه الدعوة
وخص الهداية بمن شاء


{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } .
 
عودة
أعلى