أكثر من خمسمائة جوهرة فی شرح السنة النبوية لكتاب رب البرية

الجوهرة الواحدة بعد المائتان

{ فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }


قال ابن كثير

إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعاً وموقوفاً. ففي الصحيحين، واللفظ لمسلم، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة: " لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا " وقال يوم الفتح فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله، إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها " فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: " إلا الإذخر " ، ولهما عن أبي هريرة مثله، أو نحوه، ولهما، واللفظ لمسلم أيضاً، عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد، وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، إنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب " فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخَزْية. وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة " رواه مسلم. وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بالحَزْوَرَة بسوق مكة، يقول:


" والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وكذا صَحَّح من حديث ابن عباس نحوه، وروى أحمد عن أبي هريرة نحوه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان، حدثنا أبو عاصم، عن زريق بن مسلم الأعمى مولى بني مخزوم، حدثني زياد بن أبي عياش، عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله تعالى: { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً } قال: آمناً من النار. وفي معنى هذا القول الحديث الذي رواه البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، حدثنا أحمد بن عبيد، حدثنا محمد بن سليمان الواسطي، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا ابن المؤمل عن ابن محيصن، عن عطاء، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من دخل البيت دخل في حسنة، وخرج من سيئة، وخرج مغفوراً له "....

وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعاً ضرورياً، وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع. قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا " فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم " ثم قال: " ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء، فدعوه ...

قال الإمام أحمد: حدثنا منصور بن وردان عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البَخْتَري، عن علي رضي الله عنه، قال: لما نزلت: { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ فسكت، قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ قال: " لا، ولو قلت: نعم، لوجبت " ، فأنزل الله تعالى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }
[المائدة: 101]...

قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا إبراهيم بن يزيد، قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من الحاج يا رسول الله؟ قال: " الشعث التفل " ، فقام آخر فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال: " العج والثج " ، فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال: " الزاد والراحلة "..

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية عن يونس، عن الحسن، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } فقالوا: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: " الزاد والراحلة " ، ورواه وكيع في تفسيره عن سفيان، عن يونس به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا الثوري، عن إسماعيل، وهو أبو إسرائيل الملائي، عن فضيل، يعني ابن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعجلوا إلى الحج ـ يعني: الفريضة ـ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي، عن مهران بن أبي صفوان، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أراد الحج فليتعجل " ....

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود، حدثنا مسلم بن إبراهيم، وشاذ بن فياض، قالا: حدثنا هلال أبو هاشم الخراساني، حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن الحارث، عن علي رضي الله عنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ملك زاداً وراحلة، ولم يحج بيت الله، فلا يضره مات يهودياً أو نصرانياً، ذلك بأن الله قال: { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } " ورواه ابن جرير من حديث مسلم بن إبراهيم به، وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة الرازي: حدثنا هلال بن فياض، حدثنا هلال أبو هاشم الخراساني، فذكره بإسناده مثله، ورواه الترمذي عن محمد بن يحيى القطعي عن مسلم بن إبراهيم، عن هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي به، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال مجهول، والحارث يضعف في الحديث. وقال البخاري: هلال هذا منكر الحديث. وقال ابن عدي: هذا الحديث ليس بمحفوظ.....
 
الجوهرة الثانية بعد المائتين

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وفي الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدة، أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العَمي، حدثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله، ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: " انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير. رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفري البعير، وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في فيِّ أحدهم حتى يخرج من أسفله، ولهم جؤار وصراخ، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً " وقال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة، ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم.

وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث، عن أبي برزة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً " قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: " ألم تر أن الله قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً } الآية " ، رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، عن عقبة بن مكرم، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أحمد بن علي بن المثنى عن عقبة بن مكرم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو عامر العبدي، حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن عثمان بن محمد، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحرج مال الضعيفين: المرأة واليتيم "
 
الجوهرة الثالثة بعد المائتين

وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }

قال ابن كثير

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت، فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله، ويوقفه ويسدده للصواب، فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة، وهكذا قال مجاهد وغير واحد، وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده، قال: يا رسول الله، إني ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال " لا " قال: فالشطر؟ قال " لا " قال: فالثلث؟ قال: " الثلث، والثلث كثير " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " وفي الصحيح عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الثلث، والثلث كثير
 
الجوهرة الرابعة بعد المائتين

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ }

الاحاديث فی فضل الجهاد كثيرة

جاء فى الاحاديث

قيل يا رسول الله أي الناس أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله قالوا ثم من قال مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره

وجاء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها فقالوا يا رسول الله أفلا نبشر الناس قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة

وجاء

والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك

وجاء

ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة

وجاء

رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها

وجاء

من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة

وجاء

قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون

وجاء

قد كان مَن قبلكم، يؤخذ الرجلُ فيحفرُ له في الأرضِ، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشارِ فيوضع على رأسِه فيجعلُ نصفين، ويمشط بأمشاطِ الحديدِ ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتمَّنَّ هذا الأمرَ، حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرمَوت، لا يخاف إلا اللهَ، والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجِلون
 
الجوهرة الخامسة بعد المائتين

{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }


قال ابن كثير

: قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم، تتمنون لقاء العدو، وتتحرّقون عليهم، وتودون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه، فدونكم فقاتلوا وصابروا، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم، فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف "
 
الجوهرة السادسة بعد المائتين

وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرجَ إلى تَبوكَ، واسْتَخْلَفَ عَليًّا، فقال: أتُخَلِّفُني في الصِّبيانِ والنساءِ ؟ قال : ( ألا ترْضَى أنْ تكونَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هارونَ مِن مُوسَى؟ إلا أنهُ ليس نبيٌّ بَعْدِي
 
الجوهرة السابعة بعد المائتين

فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

جاء فى الحديث

لكل نبي حواري وحواري الزبير

{ وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ }

قال ابن كثير

قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله، هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها "
 
الجوهرة الثامنة بعد المائتين

وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي علي ثمامة بن شفي، أخي عقبة بن عامر: أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: " { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي " رواه مسلم ...

وقال الإمام مالك عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة، كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها، فاستنت شرفاً أو شرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر، فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به، كان ذلك حسنات له، فهي لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر، ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء، فهي على ذلك وزر " وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر، فقال: " ما أنزل الله عليّ فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } "
 
الجوهرة التاسعة بعد المائتين

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

قال السيوطى فى الدر المنثور:

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني ".

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { وأولي الأمر منكم } قال: قال أبيّ: هم السلاطين قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطاعة الطاعة، وفي الطاعة بلاء " وقال: " لو شاء الله لجعل الأمر في الأنبياء " يعني لقد جعل إليهم والأنبياء معهم، ألا ترى حين حكموا في قتل يحيى بن زكريا ".

وأخرج البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم حبشي كان رأسه زبيبة ".

وأخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم ".

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فمن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".

وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيليكم بعدي ولاة، فيليكم البر ببره والفاجر بفجره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم ولكم، وإن أساءوا فلكم وعليهم ".

وأخرج أحمد عن أنس " أن معاذاً قال: يا رسول الله أرأيت إن كانت علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك، فما تأمر في أمرهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمن لم يطع الله ".

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".

وأخرج ابن أبي شيبة عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا طاعة في معصية الله ".

وأخرج البخاري في تاريخه والنسائي والبيهقي في الشعب عن الحارث الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله. فمن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ".

وأخرج البيهقي عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أطيعوا أمراءكم، فإن أمروكم بما جئتكم به فإنهم يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتهم، وإن أمروكم بما لم آتكم به فهو عليهم وأنتم برآء من ذلك، إذا لقيتم الله قلتم: ربنا لا ظلم. فيقول: لا ظلم. فتقولون: ربنا أرسلت إلينا رسولاً فأطعناه بإذنك، واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم بإذنك، وأمرت علينا أمراء فأطعناهم بإذنك، فيقول: صدقتم هو عليهم، وأنتم منه برآء ".

وأخرج أحمد والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود. فقال رجل: أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا. ما أقاموا الصلاة ".

وأخرج البيهقي عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها. قلنا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا الحق الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم ".

وأخرج أحمد " عن أبي ذر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنه كائن بعدي سلطان فلا تذلوه، فمن أراد أن يذله فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وليس بمقبول منه حتى يسد ثلمته التي ثلم، وليس بفاعل، ثم يعود فيكون فيمن يعزه. أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نغلب على ثلاث: أن نأمر بالمعروف، وننهي عن المنكر، ونعلم الناس السنن ".

وأخرج أحمد عن حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من فارق الجماعة واستذل الإمارة، لقي الله ولا وجه له عنده ".

وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي عبيدة بن الجراح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تسبوا السلطان فإنهم فيء الله في أرضه ".
 
الجوهرة العاشرة بعد المائتين

لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن الأودي، حدثنا وكيع عن الربيع عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد خلفتم بالمدينة أقواماً، ما أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم وادياً، ولا نلتم من عدو نيلاً، إلا وقد شركوكم في الأجر " ثم قرأ: { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } الآية،

وأصل الحديث في الصحيحين من حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن بالمدينة أقواماً، ما قطعتم وادياً، ولا سرتم سيراً، إلا وهم معكم " قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: " نعم، حبسهم العذر " ، وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد خلفتم بالمدينة رجالاً، ما قطعتم وادياً، ولا سلكتم طريقاً، إلا شركوكم في الأجر؛ حبسهم المرض "

وقال القرطبي فى تفسيره:

قوله تعالىٰ: { إِذَا نَصَحُواْ } النصح إخلاص العمل من الغش. ومنه التوبة النصوح. قال نَفْطَوَيْه: نصح الشيء إذا خلص. ونصح له القول أي أخلصه له. وفي صحيح مسلم عن تميم الدّاريّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " «الدين النصيحة» ثلاثاً. قلنا لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم» ..

وقال الحسن: " نزلت في أبي موسى وأصحابه أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ليستحملوه، ووافق ذلك منه غضباً فقال: «والله لا أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا يبكون؛ فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاهم ذَوْدا. فقال أبو موسى: ألست حلفت يا رسول الله؟ فقال: «إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاَّ أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني» ". قلت: وهذا حديث صحيح أخرجه البخارِيّ ومسلم بلفظه ومعناه. وفي مسلم: فدعا بنا فأمر لنا بخمس ذَوْدٍ غرِّ الذُّرَى... الحديث. وفي آخره: " فانطلِقوا فإنما حملكم الله "

ملحوظة

جاء فى الحديث

إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوه بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُم
 
الجوهرة الحادية عشر بعد المائتين

{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ

قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قال ابن كثير

لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات، بين تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها، وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره، فجزأها لهؤلاء المذكورين؛ كما رواه الإمام أبو داود في سننه من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وفيه ضعف، عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له: " إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك "....

ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الأصناف الثمانية. فأما الفقراء، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي " رواه أحمد وأبو داود والترمذي، ولأحمد أيضاً والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة مثله وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار: أن رجلين أخبراه: أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر، فرآهما جلدين، فقال:

إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد قوي. وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل: أبو بكر العبسي قال: قرأ عمر رضي الله عنه: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَآءِ } قال: هم أهل الكتاب، روى عنه عمر بن نافع سمعت أبي يقول ذلك (قلت) { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }: وهذا قول غريب جداً بتقدير صحة الإسناد؛ فإن أبا بكر هذا، وإن لم ينص أبو حاتم على جهالته، لكنه في حكم المجهول

وأما المساكين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان " قالوا: فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: " الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً " رواه الشيخان.

وأما العاملون عليها، فهم الجباة والسعاة، يستحقون منه قسطاً على ذلك، ولا يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحرم عليهم الصدقة؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث: أنه انطلق هو والفضل بن العباس يسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملهما على الصدقة فقال: " إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس

" وأما المؤلفة قلوبهم فأقسام؛ منهم من يعطى ليسلم، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركاً، قال: فلم يزل يعطيني حتى صار أحب الناس إلي بعد أن كان أبغض الناس إلي، كما قال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن عدي، أنبأنا ابن المبارك، عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي، ورواه مسلم والترمذي من حديث يونس عن الزهري به، ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه ويثبت قلبه؛ كما أعطى يوم حنين أيضاً جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم مائة من الإبل، مائة من الأبل، وقال: " إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه؛ خشية أن يكبه الله على وجهه في نار جهنم "...

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة حق على الله عونهم: الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف " رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبا داود، وفي المسند عن البراء بن عازب قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة، ويباعدني من النار؟ فقال: " أعتق النسمة، وفك الرقبة " فقال: يا رسول الله أو ليسا واحداً؟ قال: " لا، عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها " وأما الغارمون، فهم أقسام، فمنهم: من تحمل حمالة أو ضمن ديناً، فلزمه فأجحف بماله، أو غرم في أداء دينه، أو في معصية ثم تاب، فهؤلاء يدفع إليهم، والأصل في هذا الباب حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: " أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " قال: ثم قال: " يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال: سداداً من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قرابة قومه، فيقولون: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال، سداداً من عيش - فما سواهن من المسألة سحت، يأكلها صاحبها سحتاً "

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، أنبأنا صدقة بن موسى عن أبي عمران الجوني عن قيس بن يزيد عن قاضي المصرين عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه، فيقول: يا بن آدم فيم أخذت هذا الدين، وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أني أخذته، فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع، ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة. فيقول الله: صدق عبدي، أنا أحق من قضى عنك اليوم، فيدعو الله بشيء، فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل الله ورحمته " وأما في سبيل الله، فمنهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان، وعند الإمام أحمد والحسن وإسحاق: والحج من سبيل الله للحديث؛ وكذلك ابن السبيل، وهوالمسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين به على سفره، فيعطى من الصدقات ما يكفيه إلى بلده، وإن كان له مال، وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفر من بلده، وليس معه شيء، فيعطى من مال الزكاة كفايته في ذهابه وإيابه. والدليل على ذلك الآية، وما رواه الإمام أبو داود وابن ماجه من حديث معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: العامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها، فأهدى لغني " وقد رواه السفيانان عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلاً، ولأبي داود عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني، إلا في سبيل الله، وابن السبيل، أو جار فقير فيهدي لك أو يدعوك

وقال السيوطى فى الدر المنثور:

وأخرج ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي حتى يرجع إلى بيته ".
 
الجوهرة الثانية عشر بعد المائتين

وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقوله جل جلاله: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } في معنى قوله: { لِمُسْتَقَرٍّ } قولان:

(أحدهما) أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت، فهي تحت العرش، هي وجميع المخلوقات؛ لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة، تكون أقرب ما تكون إلى العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام، وهو وقت نصف الليل، صارت أبعد ما تكون إلى العرش، فحينئذ تسجد، وتستأذن في الطلوع؛ كما جاءت بذلك الأحاديث.

قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } ". حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه: قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } قال صلى الله عليه وسلم: " مستقرها تحت العرش " هكذا أورده ههنا، وقد أخرجه في أماكن متعددة، ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن الأعمش به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين غربت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم:
يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: " فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل، فتستأذن في الرجوع، فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى مطلعها، وذلك مستقرها ــــ ثم قرأ ــــ { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } " وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: " أتدري أين تذهب؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، ويقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } "

(والقول الثاني) أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها، وهو يوم القيامة، يبطل سيرها، وتسكن حركتها، وتكور، وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني.
 
الجوهرة الثالثة عشر بعد المائتين

{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ }

قال ابن كثير

ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح عن ابن يزيد بن أبي مريم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله: { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال: " كورت في جهنم ". وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا موسى بن محمد بن حيان، حدثنا درست بن زياد، حدثنا يزيد الرقاشي، حدثنا أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشمس والقمر ثوران عقيران في النار " هذا حديث ضعيف؛ لأن يزيد الرقاشي ضعيف، والذي رواه البخاري في الصحيح بدون هذه الزيادة، ثم قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا عبد الله الداناج، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الشمس والقمر يكوران يوم القيامة " انفرد به البخاري....

وقد رواه البزار فجود إيراده فقال: حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه، فحدث قال: حدثنا أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة " ، فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: ــــ أحسبه قال ــــ وما ذنبهما؟ ثم قال: لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ولم يرو عبد الله الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث.....

وقال يزيد بن أبي مريم عن النبي صلى الله عليه وسلم: { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } قال: " انكدرت في جهنم، وكل من عبد من دون الله، فهو في جهنم، إلا ما كان من عيسى وأمه، ولو رضيا أن يعبدا، لدخلاها " رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم....

وقوله تعالى: { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } قال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية عن داود عن سعيد بن المسيب قال: قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟ قال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقاً، والبحر المسجور، { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } وقال ابن عباس وغير واحد: يرسل الله عليها الرياح الدبور، فتسعرها وتصير ناراً تأجج، وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالى:
{ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ }
[الطور: 6] وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو طاهر، حدثني عبد الجبار ابن سليمان أبو سليمان النفاط ــــ شيخ صالح يشبه مالك بن أنس ــــ عن معاوية بن سعيد قال: إن هذا البحر بركة ــــ يعني: بحر الروم، وسط الأرض، والأنهار كلها تصب فيه، والبحر الكبير يصب فيه، وأسفله آبار مطبقة بالنحاس، فإذا كان يوم القيامة، أسجر. وهذا أثر غريب عجيب. وفي سنن أبي داود: " لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز؛ فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً " الحديث...
 
الجوهرة الرابعة عشر بعد المائتين

{ وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } * { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }

قال ابن كثير

وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءودة، فقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني أبو الأسود، وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس، وهو يقول: " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، ولا يضر أولادهم ذلك شيئاً " ثم سألوه عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذلك الوأد الخفي، وهو الموءودة سئلت " ورواه مسلم من حديث أبي عبد الرحمن المقري، وهو عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب. ورواه أيضاً ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب، ورواه مسلم أيضاً وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك بن أنس، ثلاثتهم عن أبي الأسود به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل، هلكت في الجاهلية، فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: " لا " قلنا: فإنها كانت وأدت أختاً لنا في الجاهلية، فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: " الوائدة والموءودة في النار، إلا أن يدرك الوائدة الإسلام، فيعفو الله عنها " ورواه النسائي من حديث داود بن أبي هند به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الوائدة والموءودة في النار " وقال أحمد أيضاً: حدثنا إسحاق الأزرق، أخبرنا عوف، حدثتني حسناء ابنة معاوية الصريمية عن عمها قال: قلت: يا رسول الله من في الجنة؟ قال: " النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءودة في الجنة "

وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني وأدت بناتٍ لي في الجاهلية، قال: " أعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال: يا رسول الله إني صاحب إبل، قال: " فانحر عن كل واحدة منهن بدنة " قال الحافظ أبو بكر البزار: خولف فيه عبد الرزاق، ولم يكتبه إلا عن الحسين بن مهدي عنه، وقد رواه ابن أبي حاتم فقال: أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي قال: حدثنا عبد الرزاق، فذكره بإسناده مثله، إلا أنه قال: وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية، وقال في آخره: " فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة " ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين قال: قدم قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني وأدت اثنتي عشرة ابنة لي في الجاهلية، أو ثلاث عشرة، قال: " أعتق عددهن نسماً " قال: فأعتق عددهن نسماً، فلما كان في العام المقبل، جاء بمئة ناقة، فقال: يا رسول الله هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين. قال علي بن أبي طالب: فكنا نريحها ونسميها: القيسية.
 
الجوهرة الخامسة عشر بعد المائتين

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

ثبت في " الصحيحين " من حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرىء، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين يوماً، أو خمس وأربعين، فيقول: أي رب أشقي أم سعيد؟ فيقول الله، ويكتبان، فيقول: أذكر أم أنثى؟ فيقول الله، ويكتبان، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد على ما فيها، ولا ينتقص " ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، ومن طريق آخر عن أبي الطفيل بنحو معناه.

وقد قال الحافظ أبو يعلى بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد الزيات، حدثني داود أبو سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري عن أنس بن مالك، رفع الحديث قال: " المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالده أو لوالديه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه، ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث، أجرى الله عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام، أمنه الله من البلايا الثلاث: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين، خفف الله حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب. فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء. فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفعه في أهل بيته، وكتب أمين الله، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً، كتب الله مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه "
هذا حديث غريب جداً، وفيه نكارة شديدة، ومع هذا قد رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده موقوفاً ومرفوعاً، فقال: حدثنا أبو النضر، حدثنا الفرج، حدثنا محمد بن عامر عن محمد بن عبد الله العامري، عن عمرو بن جعفر عن أنس قال: " إذا بلغ الرجل المسلم أربعين سنة، أمنه الله من أنواع البلايا: من الجنون، والبرص، والجذام، فإذا بلغ الخمسين، لين الله حسابه، وإذا بلغ الستين، رزقه الله إنابة يحبه الله عليها، وإذا بلغ السبعين، أحبه الله وأحبه أهل السماء، وإذا بلغ الثمانين، تقبل الله حسناته، ومحا عنه سيئاته، وإذا بلغ التسعين، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسمي أسير الله في أرضه، وشفع في أهله "
 
الجوهرة السادسة عشر بعد المائتين

{ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ }

قال ابن كثير

فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر، وفي الآخرة على العكس من هذا، لا شوك فيه، وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله، كما قال الحافظ أبو بكر أحمد بن سلمان النجّاد: حدثنا محمد بن محمد، هو البغوي، حدثني حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابي يوماً فقال: يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال رسول الله: " وما هي؟ " قال: السدر؛ فإن له شوكاً مؤذياً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أليس الله تعالى يقول: { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ }؟ خضد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام، ما فيها من لون يشبه الآخر " (طريق آخر) قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا محمد بن المبارك، حدثني يحيى بن حمزة، حدثني ثور بن يزيد، حدثني حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجراً أكثر شوكاً منها، يعني: الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود، فيها سبعون لوناً من الطعام، لا يشبه لون الآخر ".....

وقوله تعالى: { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها اقرؤوا إن شئتم: { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } " ورواه مسلم من حديث الأعرج به. وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج، حدثنا فليح عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام اقرؤوا إن شئتم: { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } " وكذا رواه مسلم من حديث الأعرج به. وكذا رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة، وكذا رواه حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، والليث بن سعد عن سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة، وعوف عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا: حدثنا شعبة، سمعت أبا الضحاك يحدث أبا هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين ــــ أو مئة ــــ سنة، هي شجرة الخلد " وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو بن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام ما يقطعها واقرؤوا إن شئتم: { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } "....

وقال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات القزاز عن أبيه عن جده عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب "
 
الجوهرة السابعة عشر بعد المائتين

{ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ

قال ابن كثير

وفيهما أيضاً من حديث مالك عن زيد عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: خسفت الشمس، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فذكر الصلاة، وفيه قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، قال:

إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته، لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " ، وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا عبيد الله، حدثنا ابن عقيل عن جابر قال: بينا نحن في صلاة الظهر، إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا معه، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة، قال أبي بن كعب: يا رسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما كنت تصنعه، قال: " إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به، لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقص منه " وروى مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر نحوه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الحوض، وذكر الجنة، ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: " نعم، وفيها شجرة تدعى طوبى " قال: فذكر شيئاً لا أدري ما هو، قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: " ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك " فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتيت الشام؟ قال: لا. قال: " تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحدة، وينفرش أعلاها " قال: ما عظم العنقود؟ قال: " مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر " قال: ما عظم أصلها؟ قال: " لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرماً " قال: فيها عنب؟ قال: " نعم " قال: فما عظم الحبة؟ قال: " هل ذبح أبوك تيساً من غنمه قط عظيماً؟ " قال: نعم، قال: " فسلخ إهابه فأعطاه أمك، فقال: اتخذي لنا منه دلواً؟ " قال: نعم. قال الأعرابي: فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي؟ قال: " نعم وعامة عشيرتك

" وقوله تعالى: { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي: لا تنقطع شتاء ولا صيفاً، بل أكلها دائم مستمر أبداً، مهما طلبوا وجدوا، لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء، وقال قتادة: لا يمنعهم من تناولها عود ولا شوك ولا بعد، وقد تقدم في الحديث: " إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أخرى "
 
الجوهرة الثامنة عشر بعد المائتين

{ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ }

قال ابن كثير

وقوله تعالى: { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } أي: عالية وطيئة ناعمة. قال النسائي وأبو عيسى الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا رشدين بن سعد عن عمر بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } قال: " ارتفاعها كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمئة عام " ثم قال الترمذي: هذا الحديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، قال: وقال بعض أهل العلم: معنى هذا الحديث ارتفاع الفرش في الدرجات، وبعدما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، هكذا قال: إنه لا يعرف هذا إلا من رواية رشدين بن سعد، وهو المصري، وهو ضعيف، هكذا رواه أبو جعفر بن جرير عن أبي كريب عن رشدين به.
 
الجوهرة التاسعة عشر بعد المائتين

{ إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } * { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } * { عُرُباً أَتْرَاباً }

قال ابن كثير

وقال بعضهم؛ عرباً، أي: غنجات، قال موسى بن عبيدة الربذي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنا أنشأناهن، قال: نساء عجائز كن في الدنيا عمشاً رمصاً " رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم. ثم قال الترمذي: غريب، وموسى ويزيد ضعيفان، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا آدم، يعني: ابن أبي إياس، حدثنا شيبان بن جابر عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: { إِنَّآ أَنشَأْنَـٰهُنَّ إِنشَآءً } يعني: الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا.

وقال عبد بن حميد: حدثنا مصعب بن مقدام، حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: أتت عجوز، فقالت: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة، فقال: " يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز " قال: فولت تبكي. قال: " أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: { إِنَّآ أَنشَأْنَـٰهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَـٰهُنَّ أَبْكَـٰراً } " وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد. وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي، أخبرنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى: { وَحُورٌ عِينٌ } قال: " حور: بيض، عين: ضخام العيون، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر " قلت: أخبرني عن قوله تعالى: { كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } قال: " صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي " قلت: أخبرني عن قوله:
{ فِيهِنَّ خَيْرَٰتٌ حِسَانٌ }
[الرحمن: 70] قال: " خيرات الأخلاق، حسان الوجوه " قلت: أخبرني عن قوله:
{ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }
[الصافات: 49] قال: " رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر، وهو الغرقىء " قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله: { عُرُباً أَتْرَاباً } قال: " هن اللواتي قبضن في الدار الدنيا عجائز رمصاً شمصاً، خلقهن الله بعد الكبر، فجعلهن عذارى عرباً؛ متعشقات محببات، أتراباً على ميلاد واحد " قلت: يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة " قلت: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: " بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله عز وجل. ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير. بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، طوبى لمن كنا له، وكان لنا " قلت: يا رسول الله المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة، ثم تموت فتدخل الجنة، ويدخلون معها، من يكون زوجها؟ قال: " يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقاً، فتقول: يا رب إن هذا كان أحسن خلقاً معي، فزوجنيه، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة "

وفي حديث الصور الطويل المشهور: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع للمؤمنين كلهم في دخول الجنة، فيقول الله تعالى: قد شفعتك، وأذنت لهم بدخولها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم، فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله، وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله؛ بعبادتهما في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجاً من سندس وإستبرق، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت، كبده لها مرآة، يعني: وكبدها له مرآة، فبينما هو عندها، لا يملها ولا تمله، ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء، ما يفتر ذكره، ولا يشتكي قبلها، إلا أنه لا مني ولا منية، فبينما هو كذلك، إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، إلا أن لك أزواجاً غيرها، فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك " وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: أنطأ في الجنة؟ قال: " نعم، والذي نفسي بيده دحماً دحماً، فإذا قام عنها، رجعت مطهرة بكراً ". وقال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي، حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي، حدثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم، عدن أبكاراً " وقال أبو داود الطيالسي: أخبرنا عمران عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في النساء، قلت: يا رسول الله ويطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مئة " ورواه الترمذي من حديث أبي داود، وقال: صحيح غريب. وروى أبو القاسم الطبراني من حديث حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ قال: " إن الرجل ليصل في اليوم إلى مئة عذراء " قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي: هذا الحديث عندي على شرط الصحيح، والله أعلم.


وقد روى أبو عيسى الترمذي عن أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين، يرفعن أصواتاً لم تسمع الخلائق بمثلها ــــ قال ــــ يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له " ثم قال: هذا حديث غريب.

وقال الحافظ أبو يعلى: أخبرنا أبو خيثمة، حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثنا ابن أبي ذئب عن فلان عبد الله بن رافع عن بعض ولد أنس بن مالك عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحور العين ليغنين في الجنة، يقلن: نحن خيرات حسان، خبئنا لأزواج كرام "
 
الجوهرة العشرون بعد المائتين

{ لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ }

قال ابن كثير

ويحتمل أن يكون قوله: { لأَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } متعلقاً بما قبله وهو قوله: { أَتْرَاباً لأَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } أي: في أسنانهم؛ كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد؛ على صورة أبيهم آدم: ستون ذراعاً في السماء " وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة.

وروى الطبراني واللفظ له من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً، بيضاً جعاداً، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، وهم على خلق آدم: ستون ذراعاً، في عرض سبعة أذرع " وروى الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي عن عمران القطان عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين، بني ثلاث وثلاثين سنة " ثم قال: حسن غريب. وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث: أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير، يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة، لا يزيدون عليها أبداً، وكذلك أهل النار " ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث به....

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هاشم، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا رواد بن الجراح العسقلاني، حدثنا الأوزاعي عن هارون بن رئاب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم: ستين ذراعاً بذراع الملك! على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى: ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد، جرد مرد مكحلون " وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قالا: حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هارون بن رئاب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يبعث أهل الجنة على صورة آدم، في ميلاد عيسى: ثلاث وثلاثين، جرداً مرداً مكحلين. ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة، فيكسون منها، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم " وقوله تعالى: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } أي: جماعة من الأولين، وجماعة من الآخرين.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن عبد الله بن مسعود، قال، وكان بعضهم يأخذ عن بعض، قال: أكرينا ذات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غدونا عليه، فقال: " عرضت علي الأنبياء وأتباعها بأممها، فيمر علي النبي والنبي في العصابة، والنبي في الثلاثة، والنبي وليس معه أحد ــــ وتلا قتادة هذه الآية { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } قال: ــــ حتى مر علي موسى بن عمران في كبكبة من بني إسرائيل قال: قلت: ربي من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران ومن تبعه من بني إسرائيل قال: قلت: رب فأين أمتي؟ قال: انظر عن يمينك في الظِّراب ــــ قال ــــ: فإذا وجوه الرجال، ــــ قال: ــــ قال: أرضيت؟ ــــ قال: ــــ قلت: قد رضيت رب. قال: انظر إلى الأفق عن يسارك، فإذا وجوه الرجال قال: أرضيت؟ قلت: قد رضيت رب. قال: فإن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب " قال: وأنشأ عكاشة بن محصن من بني أسد ــــ قال سعيد وكان بدرياً ــــ قال: يا نبي الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: فقال: " اللهم اجعله منهم " قال: أنشأ رجل آخر قال: يا نبي الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " سبقك بها عكاشة " قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإن استطعتم فداكم أبي وأمي أن تكونوا من أصحاب السبعين فافعلوا، وإلا فكونوا من أصحاب الظِّراب، وإلا فكونوا من أصحاب الأفق، فإني قد رأيت أناساً كثيراً قد تأشّبوا حوله ــــ ثم قال ــــ إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة "

فكبرنا ثم قال: " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " قال: فكبرنا قال: " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " قال: فكبرنا، قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } قال: فقلنا بيننا: من هؤلاء السبعون ألفاً؟ فقلنا: هم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا. قال: فبلغه ذلك فقال: " بل هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة به نحوه، وهذا الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحاح وغيرها، وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، حدثنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هما جميعاً من أمتي ".
 
الجوهرة الواحدة والعشرون بعد المائتين

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ }

فى الحديث
{ أحلت لنا ميتتان ودمان : أما الميتتان فالسمك ، والجراد ، وأما الدمان ، فالكبد والطحال }

لا تَأكلِ الشريطةَ فإنَّها ذّبِيحةُ الشيطانِ


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

فى الحديث خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحديا والغراب والكلب العقور
 
الجوهرة الثانية والعشرون بعد المائتين

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال السيوطی فی دره المنثور

وأخرج مسلم عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم ".

وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة وأبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان قد أيس أن يُعبد بأرضكم هذه، ولكنه راض منكم بما تحقرون ".

وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب، ولكن سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقرات، وهي الموبقات يوم القيامة، فاتقوا المظالم ما استطعتم
 
الجوهرة الثالثة والعشرون بعد المائتين

{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

قال القرطبي فى تفسيره:

فجاء بها إلى حوّاء فقال: ٱنظري إلى هذه الشجرة، ما أطيبَ ريحَها وأطيب طعمَها وأحسن لونَها! فلم يزل يُغويها حتى أخذتها حوّاء فأكلتها.ثم أغوى آدم، وقالت له حوّاء: كُلْ فإني قد أكلتُ فلم يضرّني؛ فأكل منها فبدت لهما سوءاتهما

ملحوظة

جاء فى الحديث الصحيح

لولا حواء لم تخن انثى زوجها
 
الجوهرة الرابعة والعشرون بعد المائتين

{ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ }

قال القرطبي

وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } أي لا تحملنكم السعة والعافية أن تعصوا؛ لأن الطغيان التجاوز إلى ما لا يجوز. وقيل: المعنى؛ أي لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر النعم ولا شكر المنعم بها عليكم. وقيل: أي ولا تستبدلوا بها شيئاً آخر كما قال:
{ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ }
[البقرة: 61].

وقيل: لا تدّخروا منه لأكثر من يوم وليلة؛ قال ابن عباس: فيتدوّد عليهم ما ادخروه؛ ولولا ذلك ما تدوّد طعام أبداً.

ملحوظة

بمناسبة القول الاخير

جاء فی الحديث الصحيح

لولا بني إسرائيل لم يخنز اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر
 
الجوهرة الخامسة والعشرون بعد المائتين

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

قال القرطبي فى تفسيره:

وٱختلف العلماء في الممسوخ هل يَنْسُل على قولين. قال الزجاج: قال قوم يجوز أن تكون هذه القِردة منهم. وٱختاره القاضي أبو بكر بن العربي.

وقال الجمهور: الممسوخ لا يَنْسُل وإن القردة والخنازير وغيرهما كانت قبل ذلك؛ والذين مسخهم الله قد هلكوا ولم يبق لهم نسل؛ لأنه قد أصابهم السّخط والعذاب، فلم يكن لهم قرار في الدنيا بعد ثلاثة أيام. قال ٱبن عباس: لم يعش مَسْخٌ قطّ فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل. قال ٱبن عطية: وروي. «عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وثبت أن الممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام».

قلت: هذا هو الصحيح من القولين. وأما ما ٱحتج به ٱبن العربي وغيره على صحة القول الأوّل من قوله صلى الله عليه وسلم: " فُقِدتْ أمَّةٌ من بني إسرائيل لا يُدْرَى ما فعلت ولا أراها إلا الفأر ألاَ ترونها إذا وُضِع لها ألبانُ الإبل لم تشربه وإذا وُضِع لها ألبانُ الشاء شربته " رواه أبو هريرة أخرجه مسلم، وبحديث الضَّبّ رواه مسلم أيضاً عن أبي سعيد وجابر؛ قال جابر:" أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بضبّ فأبى أن يأكل منه؛ وقال:«لا أدري لعله من القرون التي مُسختْ» " فمتأوّل على ما يأتي.

قال ٱبن العربي: وفي البخاري عن عمرو بن مَيْمُون أنه قال: «رأيت في الجاهلية قِردة قد زَنَت فرجموها فرجمتها معهم» ثبت في بعض نسخ البخاري وسقط في بعضها، وثبت في نص الحديث «قد زنت» وسقط هذا اللفظ عند بعضهم. قال ٱبن العربي: فإن قيل: وكأن البهائم بقيت فيهم معارف الشرائع حتى ورثوها خَلفاً عن سلف إلى زمان عمرو؟ قلنا: نعم كذلك كان؛ لأن اليهود غيّروا الرجم فأراد الله أن يقيمه في مُسُوخهم حتى يكون أبلغ في الحجة على ما أنكروه من ذلك وغيّروه، حتى تشهد عليهم كتبهم وأحبارهم ومسوخهم، حتى يعلموا أن الله يعلم ما يُسِرّون وما يُعلنون، ويُحصي ما يُبدّلون وما يغيّرون، ويُقيم عليهم الحجة من حيث لا يشعرون، وينصر نبيّه عليه السلام وهم لا يُنصرون.

قلت: هذا كلامه في الأحكام، ولا حجة في شيء منه. وأمّا ما ذكره من قصة عمرو فذكر الحميدي في جمع الصحيحين: حكى أبو مسعود الدمشقي أن لعمرو بن ميمون الأَوْديّ في الصحيحين حكايةً من رواية حُصين عنه قال: رأيت في الجاهلية قردة ٱجتمع عليها قردة فرجموها فرجمتها معهم.

كذا حكى أبو مسعود ولم يذكر في أي موضع أخرجه البخاريّ من كتابه؛ فبحثنا عن ذلك فوجدناه في بعض النسخ لا في كلها؛ فذكر في كتاب أيام الجاهلية. وليس في رواية النعيميّ عن الفَرَبْرِيّ أصلاً شيء من هذا الخبر في القِردة؛ ولعلها من المُقْحَمات في كتاب البخاري. والذي قال البخاريّ في التاريخ الكبير: قال لي نُعيم بن حمّاد أخبرنا هُشَيم عن أبي بَلْج وحُصين عن عمرو بن مَيمون قال: رأيت في الجاهلية قِردة ٱجتمع عليها قرود فرجموها فرجمتها معهم. وليس فيه «قد زنت». فإن صحت هذه الرواية فإنما أخرجها البخاريّ دلالة على أن عمرو بن ميمون قد أدرك الجاهلية ولم يُبال بظنّه الذي ظنّه في الجاهلية. وذكر أبو عمر في الاستيعاب عمرو بن ميمون وأن كنيته أبو عبد اللَّه «معدود في كبار التابعين من الكوفيين، وهو الذي رأى الرجم في الجاهلية من القردة إن صح ذلك؛ لأنّ رواته مجهولون. وقد ذكره البخاريّ عن نُعيم عن هُشَيم عن حُصين عن عمرو بن ميمون الأَوْدِيّ مختصراً قال: رأيت في الجاهلية قردة زنت فرجموها ـ يعني القردة ـ فرجمتها معهم. ورواه عباد بن العوّام عن حُصين كما رواه هُشيم مختصراً. وأما القصة بطولها فإنها تدور على عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حِطّان؛ وليسا ممن يُحتّج بهما. وهذا عند جماعة أهل العلم منكر إضافة الزنى إلى غير مكلَّف، وإقامة الحدود في البهائم. ولو صح لكانوا من الجن؛ لأن العبادات في الإنس والجن دون غيرهما». وأمّا قوله عليه السلام في حديث أبي هريرة: " ولا أراها إلا الفأر " وفي الضب: " لا أدري لعله من القرون التي مُسِخت " وما كان مثله، فإنما كان ظناً وخوفاً لأن يكون الضب والفأر وغيرهما مما مُسخ، وكان هذا حَدْساً منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يُوحَى إليه أن الله لم يجعل للمسخ نسلاً؛ فلما أوحى إليه بذلك زال عنه ذلك التخوّف، وعلم أن الضبّ والفأر ليسا مما مُسِخ؛ وعند ذلك أخبرنا بقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن القردة والخنازير: هي مما مسخ؟ فقال:" إنّ الله لم يُهلكْ قوماً أو يعذّب قوماً فيجعل لهم نسلاً وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك " وهذا نص صريح صحيح رواه عبد اللَّه بن مسعود أخرجه مسلم في كتاب القَدَر. وثبتت النصوص بأكل الضب بحضرته وعلى مائدته ولم يُنكر؛ فدلّ على صحة ما ذكرنا. وبالله توفيقنا. ورُوِي عن مجاهد في تفسير هذه الآية أنه إنما مُسِختْ قلوبُهم فقط، ورُدّت أفهامهم كأفهام القِردة. ولم يقله غيره من المفسرين فيما أعلم. والله أعلم.
 
الجوهرة السادسة والعشرون بعد المائتين

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ


{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ }

جاء فى الحديث

نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور

{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لما نزلت هذه الآية: { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ } ، شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: " إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: { يَٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إنما هو الشرك "

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع وابن إدريس، عن الأعمش، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لما نزلت: { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس كما تظنون، إنما قال لابنه: { يَٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } " [لقمان: 13] وحدثنا عمر بن شبَّة النميري، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما نزلت هذه الآية، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت:
{ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
[لقمان: 13] رواه البخاري، وفي لفظ قالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس بالذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ، إنما هو الشرك "
 
الجوهرة السابعة والعشرون بعد المائتين

وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقال البخاري عند هذه الآية: قال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يلقى إبراهيم يوم القيامة أباه عليه الغبرة والقترة " وفي رواية أخرى: حدثنا إسماعيل، حدثنا أخي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني أنك لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين " هكذا رواه عند هذه الآية. وفي أحاديث الأنبياء بهذا الإسناد بعينه منفرداً به، ولفظه: " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم انظر تحت رجلك، فينظر، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النار "

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من " سننه الكبير ".

وقوله: { وَلاَ تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ } أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن طهمان عن محمد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة، وقال له: قد نهيتك عن هذا فعصيتني، قال: لكني اليوم لا أعصيك واحدة، قال: يا رب وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فإن أخزيت أباه، فقد أخزيت الأبعد. قال: يا إبراهيم إني حرمتها على الكافرين، فأخذ منه. قال: يا إبراهيم أين أبوك؟ قال: أنت أخذته مني، قال: انظر أسفل منك، فنظر، فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه، فأخذ بقوائمه فألقي في النار "
 
الجوهرة الثامنة والعشرون بعد المائتين

{ إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها فقال: " إذ انبعث أشقاها: انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة "

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم ابن موسى، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن محمد بن خُثيم عن محمد ابن كعب القرظي عن محمد بن خُثيم أبي يزيد، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " ألا أحدثك بأشقى الناس؟ " قال: بلى. قال: " رجلان: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذا ــــ يعني: قرنه ــــ حتى تبتل منه هذه " يعني لحيته.

{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }

قال السيوطى فى الدر المنثور:

وأخرج أحمد ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمران بن حصين: " أن رجلاً قال يا رسول الله: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شيء قد قضي عليهم ومضى عليهم في قدر قد سبق، أو فيهما يستقبلون ما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة؟ قال: بل شيء قضي عليهم. قال: فلم يعملون إذا؟ قال: من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين هيأه لعملها، وتصديق ذلك في كتاب الله { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } ".

وأخرج الطبراني وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا هذه الآية { ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها } وقف ثم قال: اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها ومولاها وخير من زكاها ".

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ { فألهمها فجورها وتقواها } قال: " اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. قال وهو في الصلاة ".

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والنسائي عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم آت نفسي تقواها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ".
 
الجوهرة التاسعة والعشرون بعد المائتين

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما عافى الله أيوب، أمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ منه بيده ويجعله في ثوبه، قال: فقيل له: يا أيوب أما تشبع؟ قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك؟ "أصله في " الصحيحين "

وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:
قال ابن جرير وابن أبي حاتم جميعاً: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه الصلاة والسلام: لا أدري ما تقول، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله تعالى، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضاها، أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم، أبطأ عليها فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام أن: { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فاستبطأته، فالتفتت تنظر، فأقبل عليها وقد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً، قال: فإني أنا هو، قال: وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله تعالى سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض "

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بينما أيوب يغتسل عرياناً، خر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه، فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال عليه الصلاة والسلام: بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك " انفرد بإخراجه البخاري من حديث عبد الرزاق به، ولهذا قال تبارك وتعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم، وزادهم مثلهم معهم.
 
الجوهرة الثلاثون بعد المائتين

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا داود بن أبي الفرات عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط، وقال: " أتدرون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "
 
الجوهرة الواحدة والثلاثون بعد المائتين

يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً}

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم قال: زعم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود، عن ابن عباس، عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله "

وقال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني عمير بن هانىء، حدثنا جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
 
الجوهرة الثانية والثلاثون بعد المائتين

{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ }


جاء فى الحديث الصحيح

((لَم يتكلَّمْ في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجلٌ يُقال له: جُرَيْج كان يصلي، جاءته أُمُّه فدعتْه، فقال: أُجيبها أو أصلِّي؟ فقالتْ: اللهم لا تُمِتْه حتى تُرِيَه وجوه المومسات، وكان جريج في صَوْمعته، فتعرَّضتْ له امرأة وكلَّمتْه، فأبى فأتتْ راعيًا فأمكنتْه من نفسها، فولدتْ غلامًا، فقالتْ: مِن جُرَيْج، فأتوه فكَسروا صومعته، وأنزلوه وسبُّوه، فتوضَّأ وصلَّى، ثُمَّ أتى الغلام، فقال: مَن أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذَهَبٍ، قال: لا، إلا من طين، وكانتِ امرأة ترضِع ابنًا لها من بني إسرائيل، فمرَّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شارة، فقالتْ: اللهم اجعل ابني مثلَه، فترك ثَدْيها وأقبلَ على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلْني مثلَه، ثم أقبل على ثَدْيها يَمصُّه - قال أبو هريرة: كأنِّي أنظرُ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يمصُّ إصبعَه - ثم مرَّ بأَمَةٍ، فقالتْ: اللهم لا تجعلِ ابني مثلَ هذه، فتَرَك ثَدْيها، فقال: اللهم اجعلْني مثلَها، فقالتْ: لِمَ ذاك؟ فقال: الراكب جَبَّارٌ من الجبابرة، وهذه الأَمَة يقولون: سَرَقْتِ زَنَيْتِ، ولَم تَفعلْ))

وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكلم أربعة

وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم

ملحوظة

جاء فی الحديث

لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت : يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة فقال : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها قال : قلت : وما شأنها قال : بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقطت المدرى من يديها فقالت : بسم الله فقالت لها ابنة فرعون : أبي قالت : لا ولكن ربي ورب أبيك الله قالت : أخبره بذلك قالت : نعم فأخبرته فدعاها فقال : يا فلانة وإن لك ربا غيري قالت : نعم ربي وربك الله فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها قالت له : إن لي إليك حاجة قال : وما حاجتك قالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا قال : ذلك لك علينا من الحق قال : فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله قال : يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت قال : قال ابن عباس : تكلم أربعة صغار عيسى بن مريم عليه السلام وصاحب جريج وشاهد يوسف وابن ماشطة ابنة فرعون

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال البخاري: { ٱسْتَجِيبُواْ } أجيبوا { لِمَا يُحْيِيكُمْ } لما يصلحكم. حدثني إسحاق، حدثنا روح، حدثنا شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيته، فقال: " ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } - ثم قال - لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج " فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرت له. وقال معاذ: حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن سمع حفص بن عاصم سمع أبا سعيد - رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، وقال:
{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }
[الفاتحة: 2] هي السبع المثاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * {يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري أخبرني أبو حصين عن أبي الضحى عن جعدة بن هبيرة عن علي رضي الله عنه في قوله: { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ } الآية. قال النبي: " تباً للذهب، تباً للفضة " يقولها ثلاثاً، قال: فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: فأي مال نتخذ؟ فقال عمر رضي الله عنه: أنا أعلم لكم ذلك، فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم، وقالوا: فأي المال نتخذ؟ قال: " لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة تعين أحدكم على دينه "

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعاً يتبع صاحبه، وهو يفر منه، ويقول: أنا كنزك، لا يدرك منه شيئاً إلا أخذه. وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " من ترك بعده كنزاً، مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، يتبعه ويقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك، ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها، ثم يتبعها سائر جسده " ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد عن سعيد به، وأصل هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله، إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار "
 
الجوهرة الثالثة والثلاثون بعد المائتين

وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }

قال السيوطى فى الدر المنثور:

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة خيراً من الدنيا وما فيها " ثم يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً }.
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليهلن عيسى بن مريم بفج الروحاء بالحج أو بالعمرة، أو ليثنينهما جميعاً ".

وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم، وإمامكم منكم؟ ".

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن جرير وابن حبان عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء أخوات لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه خليفتي على أمتي، وأنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه ".

وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم، فإن عجل بي موت فمن لقية منكم فليقرئه مني السلام ".

وأخرج الطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إن عيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول، إلا أنه خليفتي في أمتي من بعدي، إلا أنه يقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها، ألا من أدركه منكم فليقرأ عليه السلام ".

وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينزل ابن مريم إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويرجع السلم، وتتخذ السيوف مناجل، وتذهب حمة كل ذات حمة، وتنزل السماء رزقها، وتخرج الأرض بركتها، حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره، ويراعي الغنم الذئب ولا يضرها، ويراعي الأسد البقر ولا يضرها ".

وأخرج أحمد والطبراني عن سمرة بن جندب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدجال خارج وهو أعور عين الشمال، عليها طفرة غليظة، وأنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، ويقول: أنا ربكم. فمن قال: أنت ربي فقد فتن، ومن قال ربي الله حي لا يموت فقد عصم من فتنته ولا فتنة عليه ولا عذاب، فيلبث في الأرض ، ثم يجيء عيسى ابن مريم من المغرب " ولفظ الطبراني: من المشرق، " مصدقاً بمحمد وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة ".

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد " عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: " ما يبكيكِ؟ قلت: يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها، ولها يومئذ سبعة أبواب، على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليها شرار أهلها حتى يأتي الشام مدينة بفلسطين باب لدّ، فينزل عيسى ابن مريم فيقتله، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً " ".

وأخرج أحمد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم، فله أربعون ليلة يسيحها في الأرض، اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه عرض ما يبن أذنيه أربعون ذراعاً، فيقول للناس: أنا ربكم. وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر مهجاة، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يرد كل ماء منهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابها ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من اتبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منه، نهر يقول الجنة، ونهر يقول النار، فمن دخل الذي يسميه الجنة فهي النار، ومن دخل الذي يسميه النار فهي الجنة، وتبعث معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفساً ثم يحييه، لا يسلط على غيرها من الناس فيما يرى الناس، فيقول للناس: أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحصرهم فيشتد حصارهم، ويجهدهم جهداً شديداً، ثم ينزل عيسى فينادي من السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل حي فينطلقون فإذا هم بعيسى، فتقام الصلاة فيقال له: تقدم يا روح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلوا الصبح خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجرة تنادي: يا روح الله هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحد إلاَّ قتله ".

وأخرج مسلم والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرج الدجال فليبث في أمتي يلبث أربعين، ولا أدري ليلة أو شهراً أو سنة. قال: ثم يبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعد الثقفي، فيطلبه حتى يهلكه، ثم يبقى الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يبعث الله ريحاً باردة تجيء من قبل الشام، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضت روحه، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه، سمعت هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كبد جبل، ثم يبقى شرار الناس من لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، في خفة الطير وأحلام السباع، فيجيئهم الشيطان فيقول: ألا تستحيون؟ فيقولون: ما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور ".

وأخرج أبو داود وابن ماجه " عن أبي أمامة الباهلي قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه، فكان من قوله أن قال: إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبياً إلا حذر من الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وأنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يميناً ويعيث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي.

إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وإن من فتنته أن معه جنة وناراً، فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستعن بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه برداً وسلاماً كما كانت النار على إبراهيم، وإن من فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول له: نعم. فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك. وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له رباً غيري فيبعثه الله فيقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله وأنت عدوّ الله الدجال، والله ما كنت أشد بصيرة بك مني اليوم.

وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وادره ضروعاً، وأنه لا يبقى من الأرض شيء إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيها من نقب من نقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنقي الخبث منها كما ينقي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص.

فقالت أم شريك بنت أبي العسكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى: أقيموا الباب، فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هارباً، ويقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لدّ الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء ما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله الشيء، لا حجر ولا شجر ولا دابة ولا حائط إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قالت: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بها الآخر حتى يمسي، فقيل له: يا رسول الله كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: تقدرون فيها للصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال ثم صلوا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن عيسى ابن مريم في أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في في الحية فلا تضره، وينفر الوليد الأسد فلا يضره، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من المسلم كما يملأ الإناء من الأناء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كثاثور الفضة، تنبت نباتها كعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب يشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات.

قيل: يا رسول الله وما يرخص الفرس؟ قال: لا يركب لحرب أبداً. قيل له: فما يغلي الثور؟ قال: لحرث الأرض كلها. وإن قبل خرج الدجال ثلاث شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا تبقي ذات ظلف إلا هلكت إلا . قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام ".

وأخرج أحمد ومسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صلِّ بنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمير تكرمه الله هذه الأمة ".

وأخرج الطبراني عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء في دمشق ".
 
الجوهرة الرابعة والثلاثون بعد المائتين

قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبيد الله بن أخي بن وهب، حدثني عمي، حدثنا جرير بن حازم: أن نافعاً حدثه قال: حدثتني مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت: دخلت على عائشة، فرأيت في بيتها رمحاً، فقلت: يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح؟ فقالت: نقتل به هذه الأوزاغ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفىء النار غير الوزغ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم "

وروى الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو هشام، حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي جعفر، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار، قال: اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك "

ملحوظة

جاء فی الحديث

من قتل وزغةً في أولِ ضربةٍ فله كذا وكذا حسنةٌ، ومن قتلها في الضربةِ الثانيةِ فله كذا وكذا حسنةٌ أدنى من الأولى، ومن قتلها في الضربةِ الثالثةِ فله كذا وكذا حسنةٌ أدنى من الثانيةِ
 
الجوهرة الخامسة والثلاثون بعد المائتين

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وذكر غير واحد من السلف، أن هؤلاء القوم، كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل، استوخموا أرضهم، وأصابهم بها وباء شديد، فخرجوا فراراً من الموت، هاربين إلى البرية...

ومن هذا القبيل، الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، أخبرنا مالك وعبد الرزاق، أخبرنا معمر، كلاهما عن الزهري، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس: أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ، لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، فذكر الحديث، فجاءه عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيباً لبعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه " فحمد الله عمر، ثم انصرف، وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به بطريق أخرى لبعضه. قال أحمد: حدثنا حجاج ويزيد العمي، قالا: أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً " قال: فرجع عمر من الشام، وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك، عن الزهري بنحوه

ملحوظة

جاء فی الاحاديث

اللَّهمَّ اجعل فناءَ أمَّتي قتلًا في سبيلِكَ بالطَّعنِ والطَّاعونِ

أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ذكرَ الطَّاعونَ فقال : وخزُ أعدائكم منَ الجنِّ ، وهو شهادَةٌ للمُسلِمِ

الفارُّ مِنَ الطاعونِ كالفارِّ مِنَ الزَّحْفِ ، والصابِرُ فيهِ كالصابِرِ في الزَّحْفِ

وللحافظ ابن حجر العسقلانی رسالة بذل الماعون فريدة فی بابها فاطلع عليها اخی الحبيب
 
الجوهرة السادسة والثلاثون بعد المائتين

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

جاء فى الحديث الصحيح

لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود
 
الجوهرة السابعة والثلاثون بعد المائتين

فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }

قال ابن كثير فى تفسيره:

يقول تعالى منكراً على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين، واختلف في سبب ذلك، فقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا شعبة، قال عدي بن ثابت: أخبرني عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد، فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: نقتلهم، وفرقة تقول: لا، هم المؤمنون، فأنزل الله: { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد " أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة. وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد: أن عبد الله ابن أبي ابن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش، رجع بثلثمائة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة.

{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

والغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن، فمنهم من فسره بالطعام، ومنهم من فسره بالشراب، والظاهر، والله أعلم، أنه كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كد، فالمن المشهور إن أُكل وحده كان طعاماً وحلاوة، وإن مزج مع الماء صار شراباً طيباً، وإن ركب مع غيره صار نوعاً آخر، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده، والدليل على ذلك قول البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الملك ابن عمير بن حريث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين " وهذا الحديث رواه الامام أحمد عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك، وهو ابن عمير به، وأخرجه الجماعة في كتبهم إلا أبا داود من طرق عن عبد الملك، وهو ابن عمير به، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه البخاري ومسلم من رواية الحكم عن الحسن العرني عن عمرو بن حريث به، وقال الترمذي: حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ومحمود بن غيلان، قالا: حدثنا سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم، والكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين " تفرد بإخراجه الترمذي،
 
الجوهرة الثامنة والثلاثون بعد المائتين

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } * { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } * { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } * { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وفي صحيح البخاري: " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له ولداً، وهو يرزقهم ويعافيهم " وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد "

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أخبرنا حصين عن الشعبي، أخبرني عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية: { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ } عمدت إلى عقالين: أحدهما أسود والآخر أبيض، قال: فجعلتهما تحت وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لي الأبيض من الأسود، أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت، فقال:" إن وسادك إذاً لعريض، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل " أخرجاه في الصحيحين من غير وجه عن عدي، ومعنى قوله: إن وسادك إذاً لعريض، أي: إن كان ليسع الخيطين؛ الخيط الأسود والأبيض المرادين من هذه الآية تحتها، فإنهما بياض النهار وسواد الليل، فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب، وهكذا وقع في رواية البخاري مفسراً بهذا: حدثنا موسى ابن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة عن حصين، عن الشعبي، عن عدي، قال: أخذ عدي عقالاً أبيض وعقالاً أسود، حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادتي، قال: " إن وسادك إذاً لعريض، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك " وجاء في بعض الألفاظ: " إنك لعريض القفا " ففسره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيف، بل يرجع إلى هذا؛ لأنه إذا كان وساده عريضاً، فقفاه أيضاً عريض، والله أعلم. ويفسره رواية البخاري أيضاً: حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن مطرف عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: " إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين " ثم قال: " لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار "
وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل عى استحباب السحور؛ لأنه من باب الرخصة، والأخذ بها محبوب، ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السحور، ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة " وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور " وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، هو ابن الطباع، حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السحور أكلة بركة فلا تدعوه، ولو أن أحدكم تجرع جرعة ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين "
 
الجوهرة التاسعة والثلاثون بعد المائتين

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

جاء فى الحديث

من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل

قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ } * {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين، من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: " لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد ظللتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال؛ لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك إليك؛ لتأمرني بأمرك فيما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم، من يعبد الله لا يشرك به شيئاً " وهذا لفظ مسلم، فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم، فاستأنى بهم، وسأل لهم التأخير؛ لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً، فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة، { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِىَ ٱلأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ } فالجواب والله أعلم، أن هذه الآية دلت على أنه لوكان إليه وقوع العذاب، الذي يطلبونه حال طلبهم له، لأوقعه بهم، وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين، وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً، فلهذا استأنى بهم، وسأل الرفق لهم.

وقوله تعالى: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } " [لقمان: 34] وفي حديث عمر: أن جبريل حين تبدى له في صورة أعرابي، فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله له: " خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم قرأ:
{ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ }
[لقمان: 34] الآية.

{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:
ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك "قلت: ثم أي؟ قال: " أن تزاني حليلة جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ }
[الفرقان: 68] الآية.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " وقال عبد الملك بن عمير عن ورّاد عن مولاه المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت مع امرأتي رجلاً، لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " أخرجاه، وقال كامل أبو العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله إنا نغار، قال: " والله إني لأغار، والله أغير مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش " رواه ابن مردويه، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وهو على شرط الترمذي، فقد روي بهذا السند: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين "

وقوله تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيداً، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ فقد جاء في الصحيحين: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ، وفي لفظ لمسلم: " والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم "
 
الجوهرة الاربعون بعد المائتين

{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

قال ابن كثير فى تفسيره

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب، أخبرنا محمد بن سيرين عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته، فقال: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " ثم قال: " أي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: " أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى، ثم قال: " أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " أليس ذا الحجة؟ " قلنا: بلى، ثم قال: " أي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " أليست البلدة؟ " قلنا: بلى، قال: " فإن دماءكم وأموالكم - وأحسبه قال: وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت؟ ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه " رواه البخاري في التفسير وغيره.

{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقال البخاري: حدثنا مؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: " أتاني الليلة آتيان، فابتعثاني، فانتهيا بي إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا، فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذا منزلك، قالا: وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، تجاوز الله عنهم " هكذا رواه البخاري مختصراً في تفسير هذه الآية.
 
الجوهرة الواحدة والاربعون بعد المائتين

وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقبلوا البشرى يا بني تميم " قالوا: قد بشرتنا، فأعطنا، قال: " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن " قالوا: قد قبلنا. فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان؟ قال: " كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء " قال: فأتاني آت فقال: يا عمران انحلت ناقتك من عقالها، قال: فخرجت في إثرها، فلا أدري ما كان بعدي، وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة، فمنها: قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، فقال: " كان الله ولم يكن شيء قبله - وفي رواية: غيره، وفي رواية، معه - وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض " وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء " وقال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك " وقال: " يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار " وقال: " أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع " وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين، واسمه لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي، قال: قلت: يارسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: " كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق العرش بعد ذلك " وقد رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن هارون به، وقال الترمذي: هذا حديث حسن

{ وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِن الله ليملي للظالم، حتى إِذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ } الآية.
 
الجوهرة الثانية والاربعون بعد المائتين

قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأى أحدكم ما يحب، فليحدث به، وإذا رأى ما يكره، فليتحول إلى جنبه الآخر، وليتفل عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من شرها، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره " وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن من رواية معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا على رِجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت " ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، كما ورد في حديث: " استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود ".

وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

جاء فى الصحيح

" الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "

وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

لهذا روى البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور عن شعيب عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: " أعوذ بك من البخل والكسل والهرم، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات "

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

ولهذا ورد في الحديث من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إِلى ركن شديد - يعني: الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبي إِلا في ثروة من قومه "
 
الجوهرة الثالثة والاربعون بعد المائتين

إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } * { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقوله: { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } أي: خلقاً آخرين لم يذكروا في القرآن، وقد اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين، والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمه الله في تفسيره حيث قال: حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن، والحسين بن عبد الله بن يزيد، قالا: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، حدثني أبي عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، قال: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال:" مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً " قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: " ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير "قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: " آدم " قلت: يا رسول الله، نبي مرسل؟ قال: " نعم خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم سواه قبيلاً " ثم قال: " يا أبا ذر أربعة سريانيون: آدم وشيث ونوح وخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، وأربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر، وأول نبي من بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأول النبيين آدم، وآخرهم نبيك " وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه الأنواع والتقاسيم، وقد وسمه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي فذكر هذا الحديث في كتابه " الموضوعات " ، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث، والله أعلم.
 
الجوهرة الرابعة والاربعون بعد المائتين

وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال البخاري: حدثنا إسحاق بن نصر، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدابته لتُسْرج، فكان يقرأ قبل أن يَفْرغ " يعني: القرآن.
 
الجوهرة الخامسة والاربعون بعد المائتين

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا المغيرة، حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة " وقال: اقرؤوا إن شئتم: { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً }

{ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " التقى آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فوجدته مكتوباً عليّ قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، فحج آدم موسى "
 
الجوهرة السادسة والاربعون بعد المائتين

وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح، وأبو داود والنسائي من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب ليله ونهاره " وفي رواية: " لا تسبوا الدهر؛ فإن الله تعالى هو الدهر " وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جداً فقال: حدثنا أبو كريب، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا يميتنا ويحيينا، فقال الله تعالى في كتابه: { وَقَالُواْ مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } ويسبون الدهر، فقال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن منصور عن شريح بن النعمان عن ابن عيينة مثله. ثم روى عن يونس عن ابن وهب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال الله تعالى: يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار " وأخرجه صاحبا الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد به. وقال محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: استقرضت عبدي فلم يعطني، وسبني عبدي، يقول: وادهراه وأنا الدهر "

قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر "كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة، قالوا: يا خيبة الدهر فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر، ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله تعالى، فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل؛ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال، هذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد، والله أعلم، وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذاً من هذا الحديث....
 
الجوهرة السابعة والاربعون بعد المائتين

فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا عمرو: أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى من لهواته، إِنما كان يبتسم، وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا رأى غيماً أو ريحاً، عرف ذلك في وجهه، قالت: يا رسول الله إِن الناس إِذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إِذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب وقالوا: هذا عارض ممطرنا " وأخرجاه من حديث ابن وهب.

[طريق أخرى] قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا رأى ناشئاً في أفق من آفاق السماء ترك عمله، وإِن كان في صلاته، ثم يقول: " اللهم إِني أعوذ بك من شر ما فيه " فإِن كشفه الله تعالى، حمد الله عز وجل، وإِن أمطر قال: " اللهم صيباً نافعاً " [طريق أخرى] قال مسلم في صحيحه: حدثناأبو بكر الطاهر، أخبرنا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا عصفت الريح قال: " اللهم إِني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به " قالت: وإِذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإِذا أمطرت سري عنه، فعرفت ذلك عائشة رضي الله عنها؛ فسألته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } " وقد ذكرنا قصة هلاك قوم عاد في سورتي الأعراف وهود بما أغنى عن إِعادته هاهنا، ولله تعالى الحمد والمنة.

وقال الطبراني: حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا إِسماعيل بن زكريا الكوفي، حدثنا أبو مالك بن مسلم الملائي عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما فتح على عاد من الريح إِلا مثل موضع الخاتم، ثم أرسلت عليهم فحملتهم البدو إِلى الحضر، فلما رآها أهل الحضر، قالوا هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا، وكان أهل البوادي فيها، فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا ــــ قال ــــ عتت على خزانها حتى خرجت من خلال الأبواب " والله سبحانه وتعالى أعلم....
 
الجوهرة الثامنة والاربعون بعد المائتين

فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة ووجوه كثيرة، قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان، حدثني معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله تعالى الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقوي الرحمن عز وجل، فقال: مه؟ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال تعالى: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك " قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من ذنب أحرى أن يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا، مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث إسماعيل هو ابن علية به، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ميمون أبو محمد المرئي، حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من سره النِّساء في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه " تفرد به أحمد، وله شاهد في الصحيح.

وقال أحمد أيضاً: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي ذوي أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: " لا، إذن تتركون جميعاً، ولكن جد بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك " تفرد به أحمد من هذا الوجه، وله شاهد من وجه آخر.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يعلى، حدثنا فطر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرحم معلقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " رواه البخاري. وقال أحمد: حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا قتادة عن أبي ثمامة الثقفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " توضع الرحم يوم القيامة لها حجنة كحجنة المغزل، تكلم بلسان طلق ذلق، فتقطع من قطعها وتصل من وصلها "

وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، حدثنا عمرو عن أبي قابوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء، والرحم شجنة من الرحمن، من وصلها وصلته ومن قطعها بتته " وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به، وهذا هو الذي يروى بتسلسل الأولية، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ: أن أباه حدثه: أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو مريض، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه: وصلتك رحم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله عز وجل: أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي؛ فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبته ــــ أو قال ــــ من بتها أبته " تفرد به أحمد من هذا الوجه، ورواه أحمد أيضاً من حديث الزهري عن أبي سلمة عن الرداد ــــ أو أبي الرداد ــــ عن عبد الرحمن بن عوف به، ورواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عن أبيه، والأحاديث في هذا كثيرة جداً.

وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن عبد الله بن علاثة عن الحجاج بن الفرافصة، عن أبي عمر البصري عن سليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف " وبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم " والأحاديث في هذا كثيرة، والله أعلم.
 
الجوهرة التاسعة والاربعون بعد المائتين

لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }

جاء فى الحديث الصحيح الذى رواه الامام البخارى

كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال تلك السكينة تنزلت بالقرآن

جاء فى فتح البارى شرح صحيح البخارى للشيخ ابن حجر العسقلانى :

قوله : ( تلك السكينة ) بمهملة وزن عظيمة ، وحكى ابن قرقول والصغاني فيها كسر أولها والتشديد بلفظ المرادف للمدية ؛ وقد نسبه ابن قرقولللحربي وأنه حكاه عن بعض أهل اللغة . وتقرر لفظ السكينة في القرآن والحديث ،

فروى الطبري وغيره عن علي قال : هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان ، وقيل : لها رأسان ، وعن مجاهد لها رأس كرأس الهر وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع وعن السدي : السكينة طست من ذهب من الجنة يغسل فيها قلوب الأنبياء ، وعن أبي مالك قال : هي التي ألقى فيها موسى الألواح والتوراة والعصا ، وعن وهب بن منبه : هي روح من الله ، وعنالضحاك بن مزاحم قال : هي الرحمة ، وعنه هي سكون القلب وهذا اختيار الطبري ، وقيل : هي الطمأنينة ، وقيل : الوقار ، وقيل : الملائكة ذكرهالصغاني . والذي يظهر أنها مقولة بالاشتراك على هذه المعاني ، فيحمل كل موضع وردت فيه على ما يليق به ، والذي يليق بحديث الباب هو الأول ، وليس قول وهب ببعيد . وأما قوله : فأنزل الله سكينته عليه وقوله : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فيحتمل الأول ويحتمل قول وهب والضحاك ، فقد أخرج المصنف حديث الباب في تفسير سورة الفتح كذلك ، وأما التي في قوله تعالى : فيه سكينة من ربكم فيحتمل قول السدي وأبي مالك ، وقال النووي : المختار أنها شيء من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة .

مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير:

{ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قوله تعالى: { لولا كتاب من الله سبق } في معناه خمسة أقوال.

أحدها: لولا أن الله كتب في أُم الكتاب أنه سيُحِلُّ لكم الغنائم لمسَّكم فيما تعجَّلتم من المغانم والفداء يوم بدر قبل أن تؤمروا بذلك عذابٌ عظيم، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مقاتل. وقال أبو هريرة: تعجَّل ناس من المسلمين فأصابوا الغنائم، فنزلت الآية.

والثاني: لولا كتاب من الله سبق أنَّه لا يعذِّب من أتى ذنباً على جهالةٍ لعوقبتم، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس، وابن جريج عن مجاهد. وقال ابن اسحاق: سبق أن لا أعذِّب إلا بعدَ النهي، ولم يكن نهاهم.

والثالث: لولا ما سبق لأهل بدر أن الله لا يعذِّبهم، لعُذِّبتم، قاله الحسن، وابن جبير، وابن أبي نجيح عن مجاهد.

والرابع: لولا كتاب من الله سبق من أنه يغفر لمن عمل الخطايا ثم علم ما عليه فتاب، ذكره الزجاج.

والخامس: لولا القرآن الذي اقتضى غفران الصغائر لعُذِّبتم، ذكره الماوردي. فيخرج في الكتاب قولان.

أحدهما: أنه كتاب مكتوب حقيقة. ثم فيه قولان. أحدهما: أنه ما كتبه الله في اللوح والمحفوظ. والثاني: أنه القرآن.

والثاني: أنه بمعنى القضاء.

ملحوظة

بالنسبة للقول الثالث جاء فى الحديث الصحيح

...سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ , يَقُولُ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ , قَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخَ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا , فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ , قُلْنَا : أَخْرِجِي الْكِتَابَ , قَالَتْ : مَا مَعِي كِتَابٌ , قُلْنَا : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لِتَقْلَعِنَّ الثِّيَابَ , فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا , فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا حَاطِبُ مَا هَذَا ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لا تَعْجَلْ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفَسِهَا وَكَانَ مَنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ , وَلَمْ يَكُنْ لِي فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ " . قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ , قَالَ : " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ
 
الجوهرة الخمسون بعد المائتين

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جنتان من فضة؛ آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب؛ آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن

{ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ }

قال ابن كثير فى تفسيره:

وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر؛ لشرفهما على غيرهما، قال عبد بن حميد: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا حصين بن عمر، حدثنا مخارق عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب قال: جاء أناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أفي الجنة فاكهة؟ قال: " نعم، فيها فاكهة ونخل ورمان " قالوا: أفيأكلون كما يأكلون في الدنيا؟ قال: " نعم، وأضعاف " قالوا: فيقضون الحوائج؟ قال: " لا، ولكنهم يعرقون ويرشحون، فيذهب الله ما في بطونهم من أذى

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نخل الجنة سعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم، ومنها حللهم، وكربها ذهب أحمر، وجذوعها زمرد أخضر، وثمرها أحلى من العسل وألين من الزبد، وليس له عجم. وحدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد ــــ هو ابن سلمة ــــ عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نظرت إلى الجنة، فإذا الرمانة من رمانها كالبعير المقتب

{ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ }

قال ابن كثير:قوله تعالى: { فِى ٱلْخِيَامِ } قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون " ورواه أيضاً من حديث أبي عمران به، وقال: " ثلاثون ميلاً " وأخرجه مسلم من حديث أبي عمران به، ولفظه: " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً

وقال عبد الله بن وهب: أخبرنا عمرو: أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء " ورواه الترمذي
 
عودة
أعلى