أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد الحديثي، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقرىء، أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان الساعدي، أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال، أخبرنا أبي، أخبرنا سعيد - يعني: ابن بشير - عن قتادة عن الحسن، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كنتُ أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث "
. قال قتادة: وذلك قول الله عزّ وجلّ: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } ، فبدأ به صلى الله عليه وسلم قبلهم.
وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضاً في أحاديث متعددة، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك، حدثنا زهير، يعني: ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عطاء بن يسار، عن أبي مالك الأشجعي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض ـ أو في الدار ـ فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً، فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة ". (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، والحارث بن يزيد، عن عبد الرحمن بن جبير، قال: سمعت المستورد بن شداد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ولي لنا عملاً، وليس له منزل، فليتخذ منزلاً، أو ليست له زوجة، فليتزوج، أو ليس له خادم، فليتخذ خادماً، أو ليست له دابة، فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئاً سوى ذلك، فهو غال " هكذا رواه الإمام أحمد. وقد رواه أبو داود بسند آخر، وسياق آخر، فقال: حدثنا موسى بن مروان الرقي، حدثنا المعافى، حدثنا الأوزاعي عن الحارث بن يزيد، عن جبير بن نفير، عن المستورد بن شداد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان لنا عاملاً، فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم، فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن، فليكتسب مسكناً " قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من اتخذ غير ذلك، فهو غال، أو سارق " قال شيخنا الحافظ المزي رحمه الله: رواه جعفر بن محمد الفريابي عن موسى بن مروان: فقال: عن عبد الرحمن بن جبير بدل جبير بن نفير، وهو أشبه بالصواب.
(حديث آخر) قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا حفص بن بشر، حدثنا يعقوب القمي، حدثنا حفص بن حميد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء، فينادي: يا محمد يا محمد فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رغاء، فيقول: يا محمد يا محمد فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة ينادي: يا محمد، يا محمد فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك. ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قَشْعاً من أدم ينادي: يا محمد يا محمد فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك "
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي، عن أبي زرعة بن عمر بن جرير، عن أبي هريرة، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره، ثم قال: " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك "
حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد، حدثني قيس عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملاً، فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه، فهو غل يأتي به يوم القيامة " قال: فقام رجل من الأنصار أسود قال مجالد: هو سعيد بن عبادة، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك. قال: «وما ذاك؟» قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: " وأنا أقول ذاك الآن، من استعملناه على عمل، فليجىء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نهي عنه انتهى " وكذا رواه مسلم وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، به
حديث آخر) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ردوا الخياط والمخيط؛ فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة ". (حديث آخر) قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن مطرف، عن أبي الجهم، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً، ثم قال: " انطلق أبا مسعود لا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء، قد غللته " قال: إذاً لا أنطلق، قال: " إذاً لا أكرهك " ، تفرد به أبو داود.
(حديث آخر) قال أبو بكر بن مردويه: أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا عبد الحميد بن صالح، أنبأنا أحمد بن أبان عن علقمة بن مرثد، عن أبي بريدة عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال " إن الحجر ليُرْمى به في جهنم، فيهوي سبعين خريفاً ما يبلغ قعرها، ويؤتى بالغلول، فيقذف معه، ثم يقال لمن غل: ائت به، فذلك قوله: { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ".
(حديث آخر) قال أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، حدثنا صالح بن محمد بن زائدة عن سالم بن عبد الله: أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الروم، فوجد في متاع رجل غلول، قال: فسأل سالم بن عبد الله، فقال: حدثني أبي عبد الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من وجدتم في متاعه غلولاً فأحرقوه، قال: وأحسبه قال: واضربوه " قال: فأخرج متاعه في السوق، فوجد فيه مصحفاً، فسأل سالماً، فقال: بعه، وتصدق بثمنه. وكذا رواه علي بن المديني وأبو داود والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي، زاد أبو داود وأبو إسحاق الفزاري، كلاهما: عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة، به. وقد قال علي بن المديني والبخاري وغيرهما: هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا، وقال الدارقطني: الصحيح أنه من فتوى سالم فقط، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومن تابعه من أصحابه، .....
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير، سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن، هو ابن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالاً، فلم يؤد زكاته، مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه ـ يعني: بشدقيه ـ ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } إِلى آخر الآية
{ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي } يعني بالخير الخيل، والعرب تسميها كذلك، وتُعاقِب بين الراء واللام؛ فتقول: انهملت العين وانهمرت، وختلت وخترت إذا خدعت. قال الفراء: الخير في كلام العرب والخيل واحد. النحاس: في الحديث: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " فكأنها سمّيت خيراً لهذا......
وقال ابن عباس في رواية عنه، ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والحكم والسدي والضحاك وعطاء الخراساني في قوله: { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ }
يعني: دين الله عز وجل، هذا كقوله:
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ }
[الروم: 30]
على قول من جعل ذلك أمراً، أي: لا تبدلوا فطرة الله
، ودعوا الناس على فطرتهم، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تجدون بها من جدعاء " ؟ وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم "...
وقيام المرابـي يوم القيامة كذلك مما نطقت به الآثار، فقد أخرج الطبراني عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياك الذنوب التي لا تغفر، الغلول فمن غل شيئاً أتى به يوم القيامة، وأكل الربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط "ثم قرأ الآية،
وثبت في " الصحيحين ": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن ". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار، ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ } " وقال ابن جريج عن ليث عن مجاهد: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ } قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن، فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار، وأما الكافر، فيهدم بيته الذي في الجنة، ويبنى بيته الذي في النار. وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضاً،
قيل المراد بسيماهم فى وجوهم ما جاء فى الحديث الصحيح
إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل
وفی رواية
أنا أوَّلُ من يُؤذَنُ لَهُ بالسُّجودِ يومَ القيامةِ، وأنا أوَّلُ من يُؤذَنُ لَهُ أن يرفعَ رأسَهُ، فأنظُرَ إلى ما بينِ يديَّ، فأعرفَ أمَّتي مِن بينِ الأممِ، ومِن خلفي مثلُ ذلِكَ، وعَن يميني مثلُ ذلِكَ، وعَن شمالي مثلُ ذلِكَ فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، كيفَ تعرفُ أمَّتَكَ من بينِ الأممِ فيما بينَ نوحٍ إلى أمَّتِكَ ؟ قالَ: هم غُرٌّ محجَّلونَ من أثرِ الوضوءِ، ليسَ أحدٌ كذلِكَ غيرَهم، وأعرفُهم أنَّهم يؤتَونَ كتُبَهم بأيمانِهم، وأعرفُهم تَسعى بينَ أيديهِم ذرِّيَّتُهُم
قال ابن الجوزى فى زاد المسير:
قوله تعالى: { سِيماهم } أي: علامتهم { في وُجوههم } ، وهل هذه العلامة في الدنيا، أم في الآخرة؟ فيه قولان.
أحدهما: في الدنيا. ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها السَّمْت الحسن، قاله ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة؛ وقال في رواية مجاهد: أما إِنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإِسلام وسَمْتُه وخُشوعُه، وكذلك قال مجاهد: ليس بِنَدَبِ التراب في الوجه، ولكنه الخُشوع والوَقار والتواضع.
والثاني: أنه نَدَى الطَّهور وتَرَى الأرض، قاله سعيد بن جبير. وقال أبو العالية: لأنهم يسجُدون على التراب لا على الأثواب. وقال الأوزاعي: بلغني أنه ما حمَلَتْ جباهُهم من الأرض.
والثالث: أنه السُّهوم، فإذا سهم وجه الرجُل من الليل أصبح مُصفارّاً. قال الحسن البصري: " سيماهم في وجوههم ": الصُّفرة؛ وقال سعيد بن جبير: أثر السهر؛ وقال شمر بن عطية: هو تهيُّج في الوجه من سهر الليل.
والقول الثاني: أنها في الآخرة. ثم فيه قولان.
أحدهما: أن مواضع السجود من وجوههم يكون أشدَّ وجوههم بياضاً يوم القيامة، قاله عطية العوفي، وإِلى نحو هذا ذهب الحسن، والزهري. وروى العوفي عن ابن عباس قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
والثاني: أنهم يُبْعَثون غُراً محجَّلين من أثر الطَّهور، ذكره الزجاج.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده من الغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار. يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة. زاد ابن مردويه { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً } "......
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدوّ الله!... حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: أن لي عبداً بمجمع البحرين وهو أعلم منك. قال موسى: يا رب، كيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً تجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثَم. فأخذ حوتاً فجعله في مكتل، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد { قال } موسى { لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً } قال: فكان للحوت سرباً، ولموسى ولفتاه عجباً. فقال موسى { ذلك ما كنا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصاً } قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة، ولا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش. قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نَعَم أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً { قال إنك لن تستطيع معي صبراً } يا موسى، إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلَمُهُ أنت، وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه. فقال موسى { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } فقال له الخضر { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا } يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلَهَا؟. { لقد جئت شيئاً إمْرَا } فقال: { ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً }.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسياناً، قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل، إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر بيده فاقتلعه فقتله، فقال له موسى: { أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } قال: وهذه أشد من الأولى { قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض } قال: مائل، فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه، فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } فقال: { هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً }.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما "....
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق آخر، عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني.
قلت: أي أبا عباس، جعلني الله فداءك، بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل. قال: كذب عدوّ الله، حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوماً، حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولّى، فأدركه رجل فقال: أي رسول الله، هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى. قيل: بلى. قال: أي رب، فأين؟ قال: بمجمع البحرين. قال: أي رب، اجعل لي علماً أعلم به ذلك. قال: خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت. قال: ما كلفت كثيراً. قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه: لا أوقظه. حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره. وتضرب الحوت حتى دخل البحر، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر. قال موسى { لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال: قد قطع الله عنك النصب،فرجعا فوجدا خضراً على طنفسة خضراء على كبد البحر، مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام...!؟ من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشداً. قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك يا موسى؟ إن لي علماً لا ينبغي أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه. فأخذ طائر بمنقاره من البحر، فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر. حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر، فخرقها ووتد فيها وتداً. قال موسى { أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمْراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً } كانت الأولى نسياناً والوسطى والثالثة عمداً { قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله } ووجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، فقال: { أقتلت نفساً زكية } لم تعمل الحنث. قال ابن عباس قرأها: { زكية } زاكية مسلمة، كقولك: غلاماً زكياً. فانطلقا فوجدا { جداراً يريد أن ينقض فأقامه } قال: بيده هكذا، ورفع يده فاستقام { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } قال: أجراً تأكله { وكان وراءهم ملك } قرأها ابن عباس " وكان أمامهم ملك " يزعمون مدد بن ندد، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور { ملك يأخذ كل سفينة } صالحة { غصباً } فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها، ومنهم من يقول سدوها بالقار { فكان أبواه مؤمنين } وكان كافراً { فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً } أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً } هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر. " وزعم غير سعيد أنهما أُبْدِلا جارية ".
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه من وجه آخر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده، فقال القوم: إن نوفاً الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل، فكان ابن عباس متكئاً فاستوى جالساً فقال: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، لرأى من صاحبه عجباً ".
ملحوظة
جاء فی الحديث
إنما سمي الخضِرَ أنه جلس على فروةٍ بيضاءَ ، فإذا هي تهتزُ من خلفِه خضراء
ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس؛ كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البيعان بالخيار مالم يتفرقا " وفي لفظ البخاري: " إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا "...
وقوله: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي: بارتكاب محارم الله، وتعاطي معاصيه، وأكل أموالكم بينكم بالباطل { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } أي: فيما أمركم به، ونهاكم عنه. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال، لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، عام ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت ذلك له، فقال: " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب " قال: قلت: يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قول الله عز وجل: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } فتيممت، ثم صليت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً، ....
ثم أورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة من حديث الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه، فهو مترد في نار جهنم خالداً فيها أبداً " وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، وكذلك رواه أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وعن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة " وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من طريق أبي قلابة. وفي الصحيحين من حديث الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان رجل ممن كان قبلكم، وكان به جرح، فأخذ سكيناً نحر بها يده، فمارقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه، حرمت عليه الجنة
وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر، قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم عن مغيرة عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن قَرْثع الضبي، عن سلمان الفارسي، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " أتدري ما يوم الجمعة؟ " قلت: هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم، قال: " لكن أدري ما يوم الجمعة، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره، ثم يأتي الجمعة، فينصت حتى يقضي الإمام صلاته، إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة "
وقد روى البخاري من وجه آخر عن سلمان نحوه. وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني المثنى، حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، حدثني خالد عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر، أخبرني صهيب مولى العُتْواري، أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: " والذي نفسي بيده " ثلاث مرات، ثم أكب، فأكب كل رجل منا يبكي، لا ندري ماذا حلف عليه، ثم رفع رأسه، وفي وجهه البشر، فكان أحب إلينا من حمر النعم، فقال: " ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، ثم قيل له: ادخل بسلام " ، وهكذا رواه النسائي والحاكم في مستدركه من حديث الليث بن سعد به، ورواه الحاكم أيضاً وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال به، ثم قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
(تفسير هذه السبع) وذلك بما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: " الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ". (طريق أخرى عنه) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فهد بن عوف، حدثنا أبو عوانة عن عمرو ابن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الكبائر سبع: أولها الإشراك بالله، ثم قتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر، والفرار من الزحف، ورمي المحصنات، والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة
فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر، لا ينفي ما عداهن، إلا عند من يقول بمفهوم اللقب، وهو ضعيف عند عدم القرينة، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم، كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع، فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه حيث قال: حدثنا أحمد بن كامل القاضي إملاء، حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد، حدثنا معاذ بن هانىء، حدثنا حرب بن شداد، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان، عن عبيد بن عمير، عن أبيه، يعني: عمير بن قتادة رضي الله عنه: أنه حدثه، وكانت له صحبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع:
ألا إن أولياء الله المصلون، من يقيم الصلوات الخمس التي كتبت عليه، ويصوم رمضان، ويحتسب صومه، يرى أنه عليه حق، ويعطي زكاة ماله، يحتسبها، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها " ، ثم إن رجلاً سأله فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ فقال " تسع: الشرك بالله، وقتل نفس مؤمن بغير حق، وفرار يوم الزحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً " ثم قال: " لا يموت رجل لا يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، إلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار مصاريعها من ذهب "...
حديث آخر فيه ذكر شهادة الزور): قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، حدثني عُبيد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أنس بن مالك: قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عن الكبائر، فقال: " الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين " ، وقال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى قال: الإشراك بالله، وقول الزور ـ أو شهادة الزور ـ " قال شعبة: أكبر ظني أنه قال: شهادة الزور. أخرجاه من حديث شعبة به. وقد رواه ابن مردويه من طريقين آخرين غريبين عن أنس بنحوه.
(حديث آخر) أخرجه الشيخان من حديث عبد الرحمن بن أبي بَكْرة عن أبيه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى يارسول الله، قال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين " وكان متكئاً، فجلس، فقال: " ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور " فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
(حديث آخر) عن عبد الله بن عمرو في التسبب إلى شتم الوالدين. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبدالله بن عمرو، رفعه سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه مسعر على عبد الله بن عمرو، قال: " من الكبائر أن يشتم الرجل والديه " قالوا: وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال: " يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه " أخرجه البخاري عن أحمد بن يونس، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن عمه حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: " يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه "
حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا أبو معاوية، يعني: شيبان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس الأشجعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا إنما هن أربع: أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا " قال: فما أنا بأشح عليهن مني إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رواه أحمد أيضاً والنسائي وابن مردويه من حديث منصور بإسناده مثله.
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، ثم تلا هذه الآية { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم... } الآية ".
وأخرج النسائي وابن ماجه وابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة وأبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال: والذي نفسي بيده ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويؤدي الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة، حتى أنها لتصطفق، ثم تلا { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه... } الآية ".
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني في الأوسط والبيهقي عن عبد الله بن أنيس الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة ".
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يَسُبُّ أبا الرجل فيسب أباه، ويَسُبُّ أمه فيسب أمه ".
ملحوظة
جاء فی الحديث الصحيح
الصلواتُ الخمْسُ ، و الجُمعةُ إلى الجُمعةِ و رَمضانُ إلى رمضانَ ، مُكفَِّراتٌ لما بينهُنَّ إذا اجْتُنِبتْ الكبائِرَ
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم إذا سئل في القبر، شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } " ورواه مسلم أيضاً وبقية الجماعة كلهم من حديث شعبة به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به الأرض، فرفع رأسه فقال: " استعيذوا بالله من عذاب القبر " مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال: فتخرج تسيل، كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها، يعني: على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذين بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي - قال -: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه، معهم المسوح، فجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } فيقول الله: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ } فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: ومن أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة "....
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن يونس بن حبيب عن المنهال بن عمرو، عن زاذان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة، فذكر نحوه، وفيه: " فإذا خرجت روحه، صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله عز وجل أن يعرج بروحه من قبلهم " ، وفي آخره: " ثم يقيض له أعمى أصم أبكم، وفي يده مرزبة، لو ضرب بها جبل، لكان تراباً، فيضربه ضربة، فيصير تراباً، ثم يعيده الله عز وجل كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين "....
قال البراء: " ثم يفتح له باب إلى النار، ويمهد له من فرش النار " وقال سفيان الثوري عن أبيه، عن خيثمة عن البراء في قوله تعالى: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } قال: عذاب القبر....
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير: أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا أدخل المؤمن قبره، وتولى عنه أصحابه، جاءه ملك شديد الانتهار، فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبده، فيقول له الملك: انظر إلى مقعدك الذي كان لك في النار، قد أنجاك الله منه، وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة، فيراهما كليهما، فيقول المؤمن: دعوني أبشر أهلي، فيقال له: اسكن، وأما المنافق، فيقعد إذا تولى عنه أهله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، أقول كما يقول الناس، فيقال له: لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة قد أبدلت مكانه مقعدك من النار "
قال جابر: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يبعث كل عبد في القبر على ما مات، المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه " إسناده صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه......
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا عباد بن راشد عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن، وتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك في يده مطراق من حديد، فأقعده، فقال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمناً قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول له: صدقت، ثم يفتح له باباً إلى النار، فيقول: كان هذا منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت، فهذا منزلك، فيفتح له باباً إلى الجنة، فيريد أن ينهض إليه، فيقول له: اسكن، ويفسح له في قبره، وإن كان كافراً أو منافقاً، فيقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً، فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت، ثم يفتح له باباً إلى الجنة، فيقول له: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت به، فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، فيفتح له باباً إلى النار، ثم يقمعه قمعة بالمطراق، فيصيح صيحة يسمعها خلق الله عز وجل كلهم غير الثقلين " ، فقال بعض القوم: يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هيل عند ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } وهذا أيضاً إسناد لا بأس به، فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري مقروناً، ولكن ضعفه بعضهم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. قال: فلا يزال يقال لها ذلك، حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقولون: مرحباً بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. قال: فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وإذا كان الرجل السوء، قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لا تفتح لك أبواب السماء، فيرسل من السماء، ثم يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل له في الحديث الأول ".....
وقال ابن حبان في صحيحه: حدثنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا زيد بن أخزم، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة، عن قسام بن زهير، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن إذا قبض، أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي إلى روح الله، فتخرج كأطيب ريح مسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضاً يشمونه حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من قبل الأرض؟ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك، حتى يأتوا به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحاً به من أهل الغائب بغائبهم، فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح؛ فإنه كان في غم، فيقول: قد مات، أما أتاكم؟ فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية، وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي إلى غضب الله، فتخرج كأنتن ريح جيفة، فيذهب به إلى باب الأرض " وقد روي أيضاً من طريق همام بن يحيي عن أبي الجوزاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، قال: " فيسأل: ما فعل فلان، ما فعل فلان، ما فعلت فلانة؟ قال: وأما الكافر فإذا قبضت نفسه، وذهب بها إلى باب الأرض، تقول خزنة الأرض: ما وجدنا ريحاً أنتن من هذه، فيبلغ بها الأرض السفلى " قال قتادة: وحدثني رجل عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين تجتمع بالجابية، وأرواح الكفار تجتمع ببرهوت، سبخة بحضرموت، ثم يضيق عليه قبره.
وقال الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله: حدثنا يحيى بن خلف، حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِذا قبر الميت أو قال: أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: منكر، والآخر: نكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، وينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع الى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك " ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلاَْخِرَةِ } قال: " ذلك إِذا قيل له في القبر: من ربك، وما دينك، ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، جاءنا بالبينات من عند الله، فآمنت به وصدقت، فيقال له: صدقت، على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث " وقال ابن جرير: حدثنا مجاهد بن موسى والحسن بن محمد، قالا: حدثنا يزيد، أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده إن الميت ليسمع خفق نعالكم حين تولون عنه مدبرين، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، فيؤتى عن يمينه، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، فيؤتى عن يساره، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، فيؤتى عند رجليه، فيقول فعل الخيرات: ما قبلي مدخل، فيقال له: اجلس، فيجلس، قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب، فيقال له: أخبرنا عما نسألك، فيقول: دعني حتى أصلي، فيقال له: إنك ستفعل، فأخبرنا عما نسألك، فيقول: وعم تسألوني؟ فيقال: أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم، ماذا تقول فيه، وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: أمحمد؟ فيقال له: نعم، فيقول: أشهد أنه رسول الله، وأنه جاءنا بالبينات من عند الله، فصدقناه، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: انظر إلى ما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسروراً، ثم تجعل نسمته في النسم الطيب، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة، ويعاد الجسد إلى ما بدىء من التراب، وذلك قول الله: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } "
وقال البزار: حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي، حدثنا الوليد بن القاسم، حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أحسبه رفعه، قال: " إن المؤمن ينزل به الموت، ويعاين ما يعاين، فيود لو خرجت، يعني نفسه، والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه الى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين، فتستخبره عن معارفهم من أهل الأرض، فإِذا قال: تركت فلاناً في الأرض، أعجبهم ذلك، وإِذا قال: إِن فلاناً قد مات، قالوا: ما جيء به إلينا، وإن المؤمن يجلس في قبره فيسأل، من ربك؟ فيقول: ربي الله، ويسأل: من نبيك؟ فيقول: محمد نبيي، فيقال: ماذا دينك؟ قال: ديني الإسلام، فيفتح له باب في قبره، فيقول - أو يقال -: انظر إلى مجلسك، ثم يرى القبر، فكأنما كانت رقدة، وإذا كان عدو الله نزل به الموت وعاين ما عاين، فإنه لا يحب أن تخرج روحه أبداً، والله يبغض لقاءه، فإذا جلس في قبره، أو أجلس، فيقال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري، فيقال: لا دريت، فيفتح له باب إلى جهنم، ثم يضرب ضربة تسمعها كل دابة إلا الثقلين، ثم يقال له: نم كما ينام المنهوش " قلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي تنهشه الدواب والحيات، ثم يضيق عليه قبره، ثم قال: لا نعلم رواه إلا الوليد بن القاسم.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا حجين بن المثنى، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال: كانت أسماء، يعني بنت الصديق رضي الله عنها، تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال: " إذا دخل الإنسان قبره، فإن كان مؤمناً، أحف به عمله: الصلاة، والصيام، قال: فيأتيه الملك من نحو الصلاة، فترده، ومن نحو الصيام، فيرده، قال: فيناديه: اجلس، فيجلس، فيقول له: ماذا تقول في هذا الرجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: من؟ قال: محمد، قال: أشهد أنه رسول الله، قال: وما يدريك، أدركته؟ قال: أشهد أنه رسول الله، قال: يقول: على ذلك عشت، وعليه مت، وعليه تبعث. وإن كان فاجراً أو كافراً، جاءه الملك ليس بينه وبينه شيء يرده، فأجلسه، فيقول له: ماذا تقول في هذا الرجل؟ قال: أي رجل؟ قال: محمد؟ قال: يقول: والله ما أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، قال له الملك: على ذلك عشت، وعليه مت، وعليه تبعث، قال: ويسلط عليه دابة في قبره معها سوط، تمرته جمرة مثل غرب البعير، تضربه ما شاء الله، صماء لا تسمع صوته فترحمه "
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن مردويه والبيهقي من طريق أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا وضع المؤمن في قبره، أتاه ملكان فانتهراه، فقام يهب كما يهب النائم، فيقال له: من ربك؟ فيقول: الله ربي والإِسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي. فينادي مناد، أن صدق عبدي. فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة فيقول: دعوني أخبر أهلي. فيقال له: اسكن ".
وأخرج أبو داود والحاكم والبيهقي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة عند قبر، وصاحبه يدفن فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسْأل ".
وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري، عن أبي حمزة، عن الحسن البصري، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء " ثم قال: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة اسمه عبد الله بن جابر، شيخ بصري. وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم، ولما يلحق بهم، فقال: " المرء مع من أحب " ، قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث. وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وأرجو أن الله يبعثني معهم، وإن لم أعمل كعملهم. قال الإِمام مالك بن أنس: عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم " قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم، قال: " بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " ، أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك، واللفظ لمسلم، ورواه الإِمام أحمد: حدثنا فزارة، أخبرني فليح عن هلال، يعني: ابن علي، عن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون ـ أو ترون - الكوكب الدري الغابر في الأفق الطالع؛ في تفاضل الدرجات " قالوا: يا رسول الله، أولئك النبيون؟ قال: " بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " قال الحافظ الضياء المقدسي: هذا الحديث على شرط البخاري، والله أعلم.
قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، هو ابن يوسف، عن ابن جريج، سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث عن ابن عباس، وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير، قال: قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ترون هذه الآية نزلت؟ { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } قالوا: الله أعلم.
فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال عمر: يا بن أخي قل ولا تحقر نفسك، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ضربت مثلاً بعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لرجل غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي، حتى أغرق أعماله. ثم رواه البخاري عن الحسن بن محمد الزعفراني، عن حجاج بن محمد الأعور، عن ابن جريج، فذكره، وهو من أفراد البخاري رحمه الله، وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية،
وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولاً، ثم بعد ذلك انعكس سيره، فبدل الحسنات بالسيئات عياذاً بالله من ذلك، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح، واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال، فلم يحصل له منه شيء وخانه أحوجَ ما كان إليه، ولهذا قال تعالى: { وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ } وهو الريح الشديدة { فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ } أي: أحرق ثمارها، وأباد أشجارها، فأي حال يكون حاله؟
وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر:
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابَنوس، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله، فالشرك بالله، قال الله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية، وقال: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } ، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه؛ من صوم يوم تركه أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، فظلم العباد بعضهم بعضاً، القصاص لا محالة " تفرد به أحمد.
(الحديث الثاني) قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن مالك، حدثنا زائدة بن أبي الرّقاد، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يتركه الله، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك، وقال: { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ، وأما الظلم الذي يغفره الله، فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه، فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين لبعضهم من بعض ". (الحديث الثالث) قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون، عن أبي إدريس، قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً " ورواه النسائي عن محمد بن مثنى، عن صفوان بن عيسى به.
(الحديث الرابع) قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثنا ابن غنم: أن أبا ذر حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني، فإني غافر لك على ما كان فيك، يا عبدي إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة، ما لم تشرك بي، لقيتك بقرابها مغفرة " تفرد به أحمد من هذا الوجه.
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا حسين عن ابن بريدة: أن يحيى بن يعمر حدثه: أن أبا الأسود الديلي حدثه: أن أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق " ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: " على رغم أنف أبي ذر " ، قال: فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر، وكان أبو ذر يحدث بهذا ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر. أخرجاه من حديث حسين به.....
طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني، حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي، حدثنا موسى بن عبيدة الرَّبَذِي، أخبرني عبد الله بن عبيدة عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئاً إلا حلت لها المغفرة، إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } ...
(الحديث الحادي عشر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوش اليمامي، قال: قال لي أبو هريرة: يا يمامي لا تقولن لرجل: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الجنة أبداً. قلت: يا أبا هريرة، إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب، قال: لا تقلها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كان في بني إسرائيل رجلان: كان أحدهما مجتهداً في العبادة، وكان الآخر مسرفاً على نفسه، وكانا متآخيين، وكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب، فيقول: يا هذا أقصر، فيقول: خلني وربي، أبعثت عليّ رقيباً؟ قال: إلى أن رآه يوماً على ذنب استعظمه، فقال له: ويحك، أقصر قال: خلني وربي، أبعثت عليّ رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة أبداً، قال: فبعث الله إليهما ملكاً، فقبض أرواحهما، واجتمعا عنده، فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أكنت عالماً، أكنت على ما في يدي قادراً؟ اذهبوا به إلى النار " قال: " فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته " ، ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار، حدثني ضمضم بن جوش، به....
وقال البزار: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا شيبان بن أبي شيبة، حدثنا حرب بن سُريج عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر، حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } وقال: " أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة " ...
وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن، حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أخبركم بأكبر الكبائر؛ الشرك بالله " ثم قرأ: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } ، " وعقوق الوالدين " ثم قرأ:
{ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ }
[لقمان: 14].
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر ".
وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك، ويا عبدي لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن جرير عن أبي الدرداء قال: كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار، فاستعدى عليه، فقال معاوية: أنا أسترضيه، فألح الأنصاري فقال معاوية: شأنك بصاحبك؟ وأبو الدرداء جالس فقال أبو الدرداء " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة " " فقال الأنصاري: فاني قد عفوت.
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن جرير عن أبي الدرداء. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط به خطيئة " فقال الانصاري: فإني قد عفوت.
وأخرج أحمد والنسائي عن عبادة بن الصامت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " مامن رجل يجرح من جسده جرحة فيتصدق بها إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به ".
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زهير، يعني: ابن معاوية، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا قيس قال: قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه، يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه " قال: سمعت أبا بكر يقول: يا أيها الناس، إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان. وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد به، متصلاً مرفوعاً، ومنهم من رواه عنه به موقوفاً على الصديق، وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره، وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولاً في مسند الصديق رضي الله عنه.
وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثنا عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أياماً، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم "
قال عبد الله بن المبارك: وزاد غير عتبة: قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: " بل أجر خمسين منكم " ، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح، وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك، ورواه ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم.
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي في الشعب عن أنس قال: " قيل يا رسول الله، متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال " إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم. قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الادهان في خياركم، والفاحشة في كباركم، وتحوّل الملك في صغاركم والفقه " ، وفي لفظ: " والعلم في رذالكم ".
وأخرج البيهقي عن حذيفة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم. والله تعالى أعلم ".
قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة، سمعت أبي بريدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } " هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجوه.
(حديث ابن عمر) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلاالله: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } " انفرد بإخراجه البخاري، فرواه في كتاب الاستسقاء في " صحيحه " عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان بن سعيد الثوري به. ورواه في التفسير من وجه آخر، فقال: حدثنا يحيى بن سليمان، حدثنا ابن وهب، حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: أن أباه حدثه: أن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " مفاتيح الغيب خمس " ثم قرأ: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ } انفرد به أيضاً. ورواه الإمام أحمد عن غندر عن شعبة عن عمر بن محمد أنه سمع أباه يحدث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } ".....
حديث أبي هريرة) قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا إسحاق عن جرير عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً بارزاً للناس، إذ أتاه رجل يمشي فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر " قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: " الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان " قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك " قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها، فذاك من أشراطها، وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ } " الآية، ثم انصرف الرجل، فقال: " ردوه علي " ، فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئاً، فقال: " هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم " ورواه البخاري أيضاً في كتاب الإيمان، ومسلم من طرق عن أبي حيان به. وقد تكلمنا عليه في أول شرح البخاري، وذكرنا ثم حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ذلك بطوله، وهو من أفراد مسلم....
وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } أي ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر أم بر أو سهل أو جبل. وقد جاء في الحديث: " إذا أراد الله قبض عبد بأرض، جعل له إليها حاجة " فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في " معجمه الكبير " في مسند أسامة بن زيد: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي المليح عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما جعل الله ميتة عبد بأرض إلا جعل له فيها حاجة ". وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن أبي إسحاق عن مطر بن عكاش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قضى الله ميتة عبد بأرض، جعل له إليها حاجة " وهكذا رواه الترمذي في القدر من حديث سفيان الثوري به، ثم قال: حسن غريب، ولا يعرف لمطر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وقد رواه أبو داود في المراسيل، فالله أعلم....
وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت أنت أعلم أي رب...! قال: فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي. قال: فعلمت ما في السموات والأرض، ثم تلا هذه الآية { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } ثم قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الدرجات والكفارات قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلى الجماعات، والمجالس في المساجد خلاف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكروه، فمن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير، ويكن من خطيئته كهيتئه يوم ولدته أمه، وأما الدرجات فبذل السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال: قل اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموهن فإنهن حق ".
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، عن النواس ابن سمعان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإثم، فقال: " الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع الناس عليه ".
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي جعفر المدائني رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس؟ قال: " أكثرهم ذكراً للموت وأحسنهم لما بعده استعداداً. قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال: نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح له. قالوا فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال: الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت " ".
وأخرج عبد بن حميد عن الفضيل " أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله { من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } فكيف الشرح؟ قال: إذا أراد الله بعبد خيراً قذف في قلبه النور فانفسح لذلك صدره ، فقال: يا رسول الله هل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: نعم. قال: فما آية ذلك؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإِنابة إلى دار الخلود، وحسن الإِستعداد للموت قبل نزول الموت ".
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت عن الحسن قال: " لما نزلت هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قام رجل إلى رسول الله صلى الله وسلم فقال: هل لهذه الآية علم تعرف به؟ قال " نعم، الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل أن ينزل " ".
وأخرج ابن شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } قال " إذا أدخل الله النورَ القلبَ انشرحَ وانفسحَ. قالوا: فهل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والإِستعداد للموت قبل نزول الموت ".
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رجل: " يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال " أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً. ثم تلا رسول الله صلى الله وعليه وسلم { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قلت: وكيف يشرح صدره للإِسلام؟ قال: هو نور يقذف فيه، إن النور إذا وقع في القلب انشرح له الصدر وانفسح. قالوا: يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال: نعم، الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والإِستعداد للموت قبل الموت. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس القوم لا يقومون لله بالقسط، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط " "
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن المسور ـ وكان من ولد جعفر بن أبي طالب ـ قال: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قالوا: يا رسول الله ما هو هذا الشرح؟ قال: نور يقذف به في القلب ينفسح له القلب. قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال: نعم، الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور والإِستعداد للموت قبل الموت ".
ملحوظة
جاء فی الحديث الاستعاذة من فتنة الصدر
اللهمَّ إني أعوذُ بك من الكسلِ والهَرَمِ ومن عذابِ القبرِ ومن فتنةِ الصدرِ
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ، ثم قال " هذا سبيل الله مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ".
وأخرج أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال " كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً هكذا أمامه فقال: هذا سبيل الله، وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال: هذا سبيل الشيطان. ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه... } الآية ".
وقال ابن كثير
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا الأسود بن عامر شاذان، حدثنا أبو بكر، هو ابن عياش، عن عاصم، هو ابن أبي النجود، عن أبي وائل، عن عبد الله، هو ابن مسعود رضي الله عنه: قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده، ثم قال: " هذا سبيل الله مستقيماً " وخط عن يمينه وشماله، ثم قال: " هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } ،
قال الإمام أحمد: حدثني الحسن بن سوار أبو العلاء، حدثنا ليث، يعني: ابن سعد، عن معاوية بن صالح: أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه، عن النواس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعن جنبي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يدعو: يا أيها الناس هلموا ادخلوا الصراط المستقيم جميعاً، ولا تفرقوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن فتحته تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب، المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم "
أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو عبد الله بن منده في التوحيد وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر ".
وأخرج أبو نعيم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لله مائة اسم غير اسم، من دعا بها استجاب الله له دعاءه ".
وأخرج الدارقطني في الغرائب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال: قال الله عز وجل: لي تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة ".
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد، من أحصاها دخل الجنة ".
وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن حبان وابن منده والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارىء، المصور، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدىء، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، البر، التوّاب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك، الملك، ذو الجلال والإِكرام، الوالي، المتعال، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور ".
ملحوظة
جاء فی الحديث
ما أصاب عبدًا قط همٌّ ولا غمٌّ ولا حزنٌ فقال اللهم إني عبدُك ابنُ عبدِك ابنُ أمتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيّ حكمُك عدلٌ فيّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علمتَه أحدًا من خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندك أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حزني وذهابَ همِّي وغمِّي إلا أذهب اللهُ همَّه وغمَّه وأبدله مكانه فرحًا قالوا يا رسولَ اللهِ أفلا نتعلمُهن قال بلى ينبغي لمن يسمعُهن أن يتعلمَهن
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق وهب بن جرير عن أبيه قال: كنت جالساً عند الحسن إذ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد ما تقول في العبد يذنب الذنب ثم يتوب؟ قال: لم يزدد بتوبته من الله إلا دنواً. قال: ثم عاد في ذنبه ثم تاب؟ قال: لم يزدد بتوبته إلا شرفاً عند الله. قال: ثم قال لي: ألم تسمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: وما قال؟ قال " مثل المؤمن مثل السنبلة تميل أحياناً وتستقيم أحياناً - وفي ذلك تكبر - فإذا حصدها صاحبها حمد أمره كما حمد صاحب السنبلة بره،ثم قرأ { إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } "
ملخوظة
جاء فی الحديث
مَثَلُ المؤمنِ مثلُ السُّنبُلةِ ، تستقيمُ مرَّةً ، و تخِرُّ مرةً ، و مَثَلُ الكافرِ مَثَلُ الأَرْزَةِ ، لا تزال مُستقيمةً حتى تخِرَّ ، و لا تشعرُ
وقال سفيان بن عيينة: عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله تعالى: { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. وقال صلى الله عليه وسلم: " خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح " وقد وصل هذا من وجه آخر؛ كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي في كتابه الفاصل بين الراوي والواعي: حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زياد، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال: أشهد على أبي لحدثني عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، لم يمسني من سفاح الجاهلية شيء "
ملحوظة
هناك قراءة شاذة انفسكم بفتح الفاء من النفاسة وهى تؤيد هذا المعنى
وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء موقوفاً وابن السني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من قال حين يصبح وحين يمسي { حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة "
وأنه المحمود في الأولى والآخرة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وفي جميع الأحوال، ولهذا جاء في الحديث: " إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس "
ملحوظة
الحديث فی الصحيح
إنَّ أَهْلَ الجنَّةِ يأكُلونَ فيها ويشرَبونَ . ولا يَتفُلونَ ولا يبولونَ ولا يتغوَّطونَ ولا يتمَخَّطونَ قالوا: فما بالُ الطَّعامِ ؟ قالَ: جُشاءٌ ورشحٌ كرشحِ المسكِ، يُلهَمونَ التَّسبيحَ والتَّحميدَ، كما يُلهَمونَ النَّفَسَ
يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون؛ كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقياً، كان لله ولياً، { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي: فيمايستقبلونه من أهوال الآخرة { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما وراءهم في الدنيا، وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس وغير واحد من السلف: أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وقد ورد هذا في حديث مرفوع؛ كما قال البزار: حدثنا علي بن حرب الرازي، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق، حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري - وهو القمي - عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله من أولياء الله؟ قال: " الذين إِذا رؤوا ذكر الله " ثم قال البزار: وقد روي عن سعيد مرسلاً، وقال ابن جرير: حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا أبو فضيل، حدثنا أبي عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير البجلي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من عباد الله عباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء " قيل: من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم؟ قال: " هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس " ثم قرأ: { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ثم رواه أيضاً أبو داود من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وهذا أيضاً إسناد جيد، إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب، والله أعلم، وفي حديث الإمام أحمد: عن أبي النضر عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله، وتصافوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها، يفزع الناس ولايفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " والحديث مطول.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان عن الأعمش عن ذكوان أبي صالح عن رجل عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } قال:
" الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له " وقال ابن جرير: حدثني أبو السائب، حدثنا معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء في قوله: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } قال: سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الآية فقال: لقد سألت عن شيء ما سمعت أحداً سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم، أو ترى، له بشراه في الحياة الدنيا، وبشراه في الآخرة الجنة " ثم رواه ابن جرير عن سفيان عن ابن المنكدر عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر: أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الآية، فذكر نحو ما تقدم، ثم قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح قال: سمعت أبا الدرداء سئل عن هذه الآية: { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } فذكر نحوه سواء. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبان، حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن عبادة بن الصامت: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } فقال: " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي - أو قال: أحد قبلك - تلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل، أو ترى له " وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن عمران القطان عن يحيى بن أبي كثير به، ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، فذكره. ورواه علي بن المبارك عن يحيى عن أبي سلمة قال: نبئنا عن عبادة بن الصامت سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فذكره.
وقال ابن جرير: حدثني أبو حميد الحمصي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأحموسي عن حميد بن عبد الله المزني قال: أتى رجل عبادة بن الصامت، فقال: آية في كتاب الله أسألك عنها؛ قول الله تعالى: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } فقال عبادة: ما سألني عنها أحد قبلك، سألت عنها نبي الله، فقال مثل ذلك: " ما سألني عنها أحد قبلك، الرؤيا الصالحة يراها العبد المؤمن في المنام، أو ترى له " ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد بن صفوان عن عبادة بن الصامت: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } فقد عرفنا بشرى الآخرة الجنة، فما بشرى الدنيا؟ قال: " الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له، وهي جزء من أربعة وأربعين جزءاً أو سبعين جزءاً من النبوة "
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا بهز، حدثنا حماد، حدثنا أبو عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر: أنه قال: يا رسول الله الرجل يعمل العمل، ويحمده الناس عليه، ويثنون عليه به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه مسلم، وقال أحمد أيضاً: حدثنا حسن، يعني: الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } - قال: - الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن، جزء من تسعة وأربعين جزءاً من النبوة، فمن رأى ذلك فليخبر بها، ومن رأى سوى ذلك، فإنما هو من الشيطان ليحزنه، فلينفث عن يساره ثلاثاً، وليكبر، ولا يخبر بها أحداً " لم يخرجوه. وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث: أن دراجاً أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لهم البشرى في الحياة الدنيا: الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن، جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " وقال أيضاً ابن جرير: حدثني محمد بن أبي حاتم المؤدب، حدثنا عمار بن محمد، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } - قال: - في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد، أو ترى له، وهي في الآخرة الجنة " ثم رواه عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال: الرؤيا الحسنة بشرى من الله، وهي من المبشرات، هكذا رواه من هذا الطريق موقوفاً، وقال أيضاً: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو بكر، حدثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المسلم، أو ترى له " وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن حماد الدولابي، حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كريز الكعبية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ذهبت النبوة، وبقيت المبشرات "
قال الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" يوم يقوم الناس لرب العالمين، حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " رواه البخاري من حديث مالك وعبد الله بن عون، كلاهما عن نافع به،ورواه مسلم من الطريقين أيضاً، وكذلك رواه أيوب بن يحيى، وصالح بن كيسان، وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر، ومحمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر به. ولفظ الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يوم يقوم الناس لرب العالمين لعظمة الرحمن عز وجل يوم القيامة، حتى إن العرق ليلجم الرجال إلى أنصاف آذانهم ".
[حديث آخر] قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد، يعني: ابن الأسود الكندي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كان يوم القيامة، أدنيت الشمس من العباد، حتى تكون قدر ميل أو ميلين ــــ قال ــــ فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاماً " رواه مسلم عن الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة، والترمذي عن سويد عن ابن المبارك، كلاهما عن ابن جابر به.
[حديث آخر] قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن سوار، حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح: أن أبا عبد الرحمن حدثه عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل، ويزاد في حرها كذا كذا، تغلي منها الهوام كما تغلي القدور، يعرقون فيها على قدر خطاياهم، منهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى وسطه، ومنهم من يلجمه العرق " انفرد به أحمد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو عشانة حيي بن يؤمن: أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تدنو الشمس من الأرض، فيعرق الناس، فمن الناس من يبلغ عرقه عقبيه، ومنهم من يبلغ إلى نصف الساق، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ العجز، ومنهم من يبلغ الخاصرة، ومنهم من يبلغ منكبيه، ومنهم من يبلغ وسط فيه ــــ وأشار بيده فألجمها فاه، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده هكذا ــــ ومنهم من يغطيه عرقه " وضرب بيده إشارة، انفرد به أحمد،
ملحوظة
جاء فی الحديث
سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه : الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ ربِّه، ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتَمَعا عليه وتفَرَّقا عليه، ورجلٌ طلَبَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصَدَّق، أخفَى حتى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، ورجلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا، ففاضَتْ عيناه
وروى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً غريباً جداً مرفوعاً عن علي، فقال: حدثنا أبي، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي، سمعت أبا معاذ البصري قال: إن علياً كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية: { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } فقال: ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون، أو يؤتون بنوق بيض لها أجنحة، وعليها رحال الذهب، شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما، فتغسل ما في بطونهم من دنس، ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبداً، وتجري عليهم نضرة النعيم، فينتهون، أو فيأتون باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فيضربون بالحلقة على الصفحة، فيسمع لها طنين - يا علي - فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتبعث قيّمها فيفتح له، فإذا رآه، خر له - قال مسلمة: أراه قال: ساجداً - فيقول: ارفع رأسك، فإنما أنا قيمك وكلت بأمرك، فيتبعه، ويقفو أثره، فتستخف الحوراء العجلة، فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه، ثم تقول: أنت حبي وأنا حبك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا المقيمة التي لا أظعن، فيدخل بيتاً من رأسه إلى سقفه مائة ألف ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق: أحمر وأصفر وأخضر، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها. وفي البيت سبعون سريراً، على كل سرير سبعون حشية، على كل حشية سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه، الأنهار من تحتهم تطرد، أنهار من ماء غير آسن - قال: صاف لا كدر فيه - وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، ولم يخرج من ضروع الماشية، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم يعتصرها الرجال بأقدامهم، وأنهار من عسل مصفى، لم يخرج من بطون النحل، فيستحلي الثمار، فإن شاء أكل قائماً، وإن شاء قاعداً، وإن شاء متكئاً؛ ثم تلا: { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـٰلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } فيشتهي الطعام، فيأتيه طير أبيض، وربما قال: أخضر، فترفع أجنحتها، فيأكل من جنوبها؛ أي الألوان شاء، ثم تطير، فتذهب فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض لأضاءت الشمس معها سواد في نور
" هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعاً، وقد رويناه في المقدمات من كلام علي رضي الله عنه بنحوه، وهو أشبه بالصحة، والله أعلم.
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة - قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئاً - جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منهن شيئاً، فليس له عند الله عهد، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه ".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن موسى الشيباني، حدثنا حماد بن خالد، حدثنا ابن معاذ، أحسبه الصائغ، عن الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أخذتم، يعني: الساحر فاقتلوه، ثم قرأ: { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } قال: لا يؤمن به حيث وجد " وقد روى أصله الترمذي موقوفاً ومرفوعاً
والظاهر أن المراد بالصلاة الصلوات المفروضة ويؤمر بأدائها الصبـي وإن لم تجب عليه ليعتاد ذلك فقد روى أبو داود بإسناد حسن مرفوعاً " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع "....
وقوله تعالى: { لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ } دفع لما عسى أن يخطر ببال أحد من أن المداومة على الصلاة ربما تضر بأمر المعاش فكأنه قيل داوموا على الصلاة غير مشتغلين بأمر المعاش عنها إذ لا نكلفكم رزق أنفسكم إذ نحن نرزقكم،...,
نعم قد يستشعر من الآية أن الصلاة مطلقاً تكون سبباً لإدرار الرزق وكشف الهم وعلى ذلك يحمل ما جاء في الأخبار، أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني في «الأوسط» وأبو نعيم في «الحلية» والبيهقي في «شعب الإيمان» بسند صحيح عن عبد الله بن سلام قال:" كان النبـي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلٰوةِ } " وأخرج أحمد في «الزهد» وغيره عن ثابت قال: " كان النبـي صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله بالصلاة صلوا صلوا» "
وقال ابن كثير فى تفسيره:
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، حدثنا سيار، حدثنا جعفر عن ثابت قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة، نادى أهله: " يا أهلاه صلوا، صلوا " قال ثابت: وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر، فزعوا إلى الصلاة، وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي، أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لم تفعل، ملأت صدرك شغلاً، ولم أسد فقرك " وروى ابن ماجه من حديث الضحاك عن الأسود عن ابن مسعود: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: " من جعل الهموم هماً واحداً؛ هم المعاد، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يبال الله في أي أوديته هلك " ، وروي أيضاً من حديث شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كانت الدنيا همه، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: " يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال الله: { من كل حدب ينسلون } فيغشون الناس وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم ويشربون مياه الأرض حتى يتركوه يبساً، حتى إن بعضهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان ههنا مرة ماء. حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أخذ في حصن أو مدينة، قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض، قد فرغنا منهم وبقي أهل السماء. قال: يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دماً للبلاء والفتنة، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله دوداً في أعناقهم كنغف الجراد يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس، فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هؤلاء العدو؟ فيتجرد رجل منهم محتسباً نفسه قد أوطنها على أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض! فينادي معشر المسلمين، أبشروا إن الله قد كفاكم عدوكم. فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم فما يكون لها مرعى إلا لحومهم، فتشكر عنه أحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط ". ....
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتهُّا فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيما عهد إليّ ربي أن الدجال خارج ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص فيهلكه الله إذا رآني، حتى أن الحجر والشجر يقول: يا مسلم، إن تحتي كافراً فتعال فاقتله. فيهلكهم الله، ثم يرجع الناس إلى بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه، ثم رجع الناس يشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجري الأرض من نتن ريحهم، وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر. وفيما عهد إلي ربي، إذا كان ذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجأهم بولادتها ليلاً أو نهاراً ". ....
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق خالد بن عبد الله بن حرملة، عن حذيفة قال: " خطب رسول الله صلى عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب فقال: إنكم تقولون لا عدوّ لكم، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون، صهب الشفار، من كل حدب ينسلون... كأن وجوههم المجان المطرقة ". ....
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث، عن النّواس بن سمعان قال: " ذكر رسول الله صلى عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه رفع، حتى ظننا أنه في ناحية النخل فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم؛ وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب جعد قطط عينه طافئة، وإنه تخرج خيله بين الشام والعراق، فعاث يميناً وشمالاً، يا عباد الله اثبتوا: قلنا: يا رسول الله، ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر الأيام كأيامكم. قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي هو كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا... أقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله، ما أسرعه في الأرض؟ قال: كالغيث يشتد به الريح، فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كان دراً، وأمده خواصر وأشبعه ضروعاً، ويمرّ بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوله، فتتبعه أموالهم فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ويأمر برجل فيقتل فيضربه ضربة بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل إليه.
فبينما هم على ذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً يده على أجنحة ملكين فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لدّ الشرقي، فبينما هم كذلك أوحى الله إلى عيسى ابن مريم: أني قد أخرجت عباداً من عبادي لا يدان لك بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. فيبعث الله يأجوج ومأجوج كما قال الله: { وهم من كل حدب ينسلون } فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل عليهم نغفاً في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة، فيهبط عيسى وأصحابه إلى الأرض فيجدون نتن ريحهم، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم طيراً كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ويرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا بر أربعين يوماً فتغسل الأرض حتى تتركها زلفة، ويقال للأرض: أنبتي ثمرتك فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي الفخذ، والشاة من الغنم تكفي البيت، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة " ...
وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول الآيات: الدجال، ونزول عيسى، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا، وتبيت معهم إذا باتوا، والدخان، والدابة، ويأجوج ومأجوج. قال حذيفة: قلت: يا رسول الله، ما يأجوج ومأجوج؟ قال: يأجوج ومأجوج أمم، كل أمة أربعمائة ألف أمة... لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطوف بين يديه من صلبه، وهم ولد آدم، فيسيرون إلى خراب الدنيا ويكون مقدمتهم بالشام وساقتهم بالعراق، فيمرون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات ودجلة وبحيرة طبرية، حتى يأتوا بيت المقدس فيقولون: قد قتلنا أهل الدنيا فقاتلوا من في السماء، فيرمون بالنشاب إلى السماء فترجع نشابتهم مخضبة بالدم، فيقولون: قد قتلنا من في السماء. وعيسى والمسلمون بجبل طور سينين فيوحي الله إلى عيسى: أن أحرز عبادي بالطور وما يلي أيلة، ثم إن عيسى يرفع يديه إلى السماء ويؤمن المسلمون فيبعث الله عليهم دابة يقال لها، النغف. تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشام إلى حاق المشرق، حتى تنتن الأرض من جيفهم، ويأمر الله السماء فتمطر كأفواه القرب فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم، فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها ".
ملحوظة
جاء فی الاحاديث فی الدر المنثور
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا، فستفتحونه غداً ولا يستثني. فإذا أصبحوا وجدوه قد رجع كما كان، فإذا أراد الله بخروجهم على الناس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه إن شاء الله - ويستثني - فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون: قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسوة وعلواً. فيبعث الله عليهم نغفاً في أعناقهم فيهلكون.
وأخرج البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: " لا إله إلا الله... ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلق - قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ".
فقال قائلون: هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا، وأول أحوال الساعة. وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا يحيى، حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة في قوله: { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ } قال: قبل الساعة، ورواه ابن أبي حاتم من حديث الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن علقمة، فذكره، قال: وروي عن الشعبي وإبراهيم وعبيد بن عمير نحو ذلك. وقال أبو كدينة عن عطاء بن عامر الشعبي: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ } قال: هذا في الدنيا قبل يوم القيامة. وقد أورد الإمام أبو جعفر بن جرير مستند من قال ذلك في حديث الصور من رواية إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة عن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر " قال أبو هريرة: يا رسول الله وما الصور؟ قال: " قرن " قال: فكيف هو؟ قال: " قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض، إلا من شاء الله، ويأمره فيمدها ويطولها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى: { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } فتسير الجبال فتكون سراباً، وترج الأرض بأهلها رجاً، وهي التي يقول الله تعالى: { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } [النازعات:6-8]، فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر، تضربها الأمواج تكفؤها بأهلها، وكالقنديل المعلق بالعرش، ترجحه الأرواح، فيمتد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب في وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً، وهي التي يقول الله تعالى: { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } فبينما هم على ذلك، إذ انصدعت الأرض من قطر إلى قطر، ورأوا أمراً عظيماً، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل، ثم خسف شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها، ثم كشطت عنهم ــــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك "
قال أبو هريرة: فمن استثنى الله حين يقول:
{ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ }
[النمل: 87] قال: " أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه، وهو الذي يقول الله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } " وهذا الحديث رواه الطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم وغير واحد مطولاً جداً، والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة، أضيفت إلى الساعة لقربها منها، كما يقال: أشراط الساعة، ونحو ذلك، والله أعلم،
وقال آخرون: بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال كائن يوم القيامة في العرصات بعد القيام من القبور، واختار ذلك ابن جرير، واحتجوا بأحاديث:
(الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن هشام، حدثنا قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } فلما سمع أصحابه بذلك، حثوا المطي، وعرفوا أنه عند قول يقوله، فلما دنوا حوله قال: " أتدرون أي يوم ذاك؟ ذاك يوم ينادى آدم عليه السلام، فيناديه ربه عز وجل، فيقول: يا آدم ابعث بعثك إلى النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة " قال: فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة، فلما رأى ذلك قال: " أبشروا واعملوا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من بني آدم وبني إبليس " قال: فسري عنهم، ثم قال: " اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو الرقمة في ذراع الدابة "
وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما عن محمد بن بشار عن يحيى، وهو القطان، عن هشام، وهو الدستوائي، عن قتادة به بنحوه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(طريق آخر) لهذا الحديث. قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا ابن جدعان عن الحسن عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } ــــ إلى قوله ــــ { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } قال: نزلت عليه هذه الآية وهو في سفر، فقال: " أتدرون أي يوم ذلك؟ ــــ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال ــــ ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة " فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قاربوا وسددوا، فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن تمت، وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " ــــ فكبروا ثم قال ــــ: " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " ــــ فكبروا ثم قال ــــ: " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " فكبروا ثم قال: ولا أدري قال: الثلثين أم لا؟ وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة به. ثم قال الترمذي أيضاً: هذا حديث صحيح. وقد روي سعيد بن أبي عروبة عن الحسن عن عمران بن الحصين، وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن والعلاء بن زياد العدوي عن عمران بن الحصين، فذكره، وهكذا روى ابن جرير عن بندار عن غندر عن عوف عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العسرة، ومعه أصحابه بعد ما شارف المدينة، قرأ: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ } وذكر الحديث، فذكر نحو سياق ابن جدعان، والله أعلم.....
الحديث الثالث) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سعيد ابن سلمان، حدثنا عباد، يعني: ابن العوام، حدثنا هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فذكر نحوه، وقال فيه:
إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ــــ ثم قال ــــ إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ــــ ثم قال ــــ إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة " ففرحوا، وزاد أيضاً: " وإنما أنتم جزء من ألف جزء ". (الحديث الرابع) قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف ــــ أراه قال ــــ تسعمائة وتسعة وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد، { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } ، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. قال النبي صلى الله عليه وسلم «من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون، ومنكم واحد، أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ــــ فكبرنا ثم قال ــــ ثلث أهل الجنة ــــ فكبرنا ثم قال ــــ شطر أهل الجنة " فكبرنا، وقد رواه البخاري أيضاً في غير هذا الموضع، ومسلم والنسائي في تفسيره من طرق عن الأعمش به.
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد: حدثنا عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري وعبيدة المعنى، كلاهما عن إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يبعث يوم القيامة منادياً ينادي: يا آدم إن الله يأمرك أن تبعث بعثاً من ذريتك إلى النار، فيقول آدم: يا رب من هم؟ فيقال له: من كل مائة تسعة وتسعون " فقال رجل من القوم: من هذا الناجي منا بعد هذا يا رسول الله؟ قال: " هل تدرون؟ ما أنتم في الناس إلا كالشامة في صدر البعير " انفرد بهذا السند وهذا السياق الإمام أحمد.
(الحديث السادس) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن حاتم بن أبي صغيرة، حدثنا ابن أبي مليكة: أن القاسم بن محمد أخبره عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم تحشرون إلى الله يوم القيامة حفاة عراة غرلاً " قالت عائشة: يا رسول لله الرجال والنساء، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: " يا عائشة إن الأمر أشد من أن يهمهم ذاك "
الحديث السابع) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه، يوم القيامة؟ قال: " يا عائشة أما عند ثلاث، فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف، فلا، وأما عند تطاير الكتب، إما يعطى بيمينه، وإما يعطى بشماله، فلا، وحين يخرج عنق من النار، فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة، وكلت بثلاثة، وكلت بثلاثة: وكلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكلت بكل جبار عنيد ــــ قال ــــ فينطوي عليهم، ويرميهم في غمرات جهنم، ولجهنم جسر أرق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك يأخذن من شاء الله، والناس عليه كالبرق وكالطرف وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، والملائكة يقولون: رب سلم، سلم. فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه "
خرج أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً { واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم } وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي من الحرام، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، فأنى يستجاب لذلك ".
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } يقول: دينكم دين واحد وقال الحسن البصري في هذه الآية يبين لهم ما يتقون وما يأتون، ثم قال: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي سنتكم سنة واحدة، فقوله إن هذه إن واسمها، وأمتكم خبر إن، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم. وقوله أمة واحدة نصب على الحال، ولهذا قال: { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } كما قال:
{ يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً }
ــــ إلى قوله ــــ
{ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ }
[المؤمنون:51-52]وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة: " إذَا عايَنَ الـمُؤْمِنُ الـمَلائِكَةَ قالُوا: نُرْجِعُكَ إلـى الدُّنْـيا؟ فَـيَقَولُ: إلـى دار الهُمُومِ وَالأحْزَانِ؟ فَـيَقُولُ: بَل قَدِّمانِـي إلـى اللّهِ. وأمَا الكافِرُ فَـيُقالُ: نُرْجِعُكَ؟ فـيَقُولُ: لَعَلِّـي أعْمَلُ صَالِـحاً فِما تَرَكْتُ " .. الآية.
وأخرج ابن مردويه والضياء في صفة النار عن أبي الدرداء قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { تلفح وجوههم النار } قال:تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعصابهم ".
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردوية وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن جهنم لما سيق إليها أهلها تلقتهم بعنق، فلفحتهم لفحة فلم تدع لحماً على عظم إلا ألقته على العرقوب ". ....
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون } قال " تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته ".
حدثنـا أبو حميد الـحمصي أحمد بن الـمغيرة، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا حفص بن سلـيـمان، عن مـحمد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللَّهَ لَـيَدْفَعُ بِـالْـمُؤْمِنِ الصَّالِـحِ عَنْ مائَةٍ أَهْلِ بَـيْتٍ مِنْ جِيرَانهِ الْبَلاَءَ " ثم قرأ ابن عمر: { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ }.
حدثنـي أحمد أبو حميد الـحمصي، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن مـحمد بن الـمنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ لَـيُصْلِـحُ بِصَلاح الرَّجُلِ الْـمُسْلِـمِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَأَهْلَ دُوَيْرَتِهِ وَدُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ، وَلاَ يَزَالُونَ فِـي حِفْظِ اللَّهِ مَا دَامَ فِـيهِمْ " وقد دللنا علـى قوله العالـمين، وذكرنا الرواية فـيه.
ملحوظة
ضعف ابن كثير هذه الاحاديث فی تفسيره
فقال فی تفسيره
وقال ابن جرير: حدثني أبو حميد الحمصي أُحد بن المغيرة، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ ابن عمر { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } وهذا إسناد ضعيف، فإن يحيى ابن سعيد هذا هو أبو زكريا العطار الحمصي، وهو ضعيف جداً، ثم قال ابن جرير: حدثنا أبو حميد الحمصي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده، وولد ولده، وأهل دويرته، ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله عزّ وجل، ما دام فيهم " وهذا أيضاً غريب ضعيف؛ لما تقدم أيضاً. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا علي بن إسماعيل بن حماد، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، أخبرنا زيد بن الحباب، حدثني حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان رفع الحديث، قال: " لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون، وبهم تمطرون، وبهم ترزقون، حتى يأتي أمر الله ".
وقال ابن مردويه أيضاً: وحدثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن جرير بن يزيد، حدثنا أبو معاذ نهار عثمان الليثي، أخبرنا زيد بن الحباب، أخبرني عمر البزار عن عنبسة الخواص، عن قتادة، عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم ترزقون، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون " قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقي عن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفه "
وقال ابن كثير
وقال مالك عن الزهري: { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }: الخاتم والخلخال. ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ماظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه: حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا: حدثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " وأشار إلى وجهه وكفيه، لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي: هذا مرسل؛ خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها، والله أعلم.
وقال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، حدثنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " يا علي لاتتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليس لك الآخرة " ورواه الترمذي من حديث شريك، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديثه. وفي الصحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والجلوس على الطرقات " قالوا: يارسول الله لابد لنا من مجالسنا؛ نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبيتم، فأعطوا الطريق حقه " قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ فقال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ". وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا فضل بن جبير، سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اكفلوا لي ستاً، أكفل لكم بالجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا اؤتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم " وفي " صحيح البخاري ": " من يكفل لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أكفل له الجنة "....
وتارة يكون بحفظه من النظر إليه؛ كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن: " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " { ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } أي: أطهر لقلوبهم، وأنقىٰ لدينهم، كما قيل: من حفظ بصره، أورثه الله نوراً في بصيرته، ويروى: في قلبه.
وروى الإمام أحمد: حدثنا عتاب، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة (أول مرة) ثم يغض بصره، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها " وروي هذا مرفوعاً عن ابن عمر وحذيفة وعائشة رضي الله عنهم، ولكن في إسنادها ضعف، إلا أنها في الترغيب، ومثله يتسامح فيه
. وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً: " لتغضن أبصاركم، ولتحفظن فروجكم، ولتقيمن وجوهكم، أو لتكسفن وجوهكم ". وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير التستري قال: قرأنا على محمد بن حفص بن عمر الضرير المقري: حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا هزيم بن سفيان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي، أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه " وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } كما قال تعالى:
{ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ }
[غافر: 19]. وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين الاستماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطى، والنفس تمنىٰ وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " رواه البخاري تعليقاً، ومسلم مسنداً من وجه آخر بنحو ما تقدم،
{ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ...، وذكر البغوي عن عمر بنحوه، وعن الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله " ..
وقوله تعالى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجاً بالتعفف عن الحرام؛ كما قال صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء " الحديث، ...
وقوله تعالى: { إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } قال بعضهم: أمانة، وقال بعضهم: صدقاً، وقال بعضهم: مالاً، وقال بعضهم: حيلة وكسباً. وروى أبو داود في " المراسيل " ، عن يحيــــى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَكَـٰتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } قال: " إن علمتم فيهم حرفة، ولا ترسلوهم كلاً على الناس " ،
قيل: المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم. وقيل: المعنى إذا رأتهم خزّانها سمعوا لهم تغيظاً وزفيراً حرصاً على عذابهم. والأوّل أصح؛ لما روي مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً " قيل: يا رسول الله! ولها عينان؟ قال: " أما سمعتم الله عز وجل يقول: { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } يخرج عُنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول وُكِّلت بكل من جعل مع الله إلهاً آخر فلهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه " في رواية " فيخرج عُنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم " ذكره رَزِين في كتابه، وصححه ابن العربي في قبسه، وقال: أي تفصلهم عن الخلق في المعرفة كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة. وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. " يَخرج عُنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إني وُكِّلت بثلاث بكل جبّار عنيد وبكلّ من دعا مع الله إلهاً آخر وبالمصوِّرين " وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وقوله: { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح، أي: من ضيقه، وقال عبد الله بن وهب: أخبرني نافع بن يزيد عن يحيى بن أبي أسيد يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن قول الله: { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } قال: " والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار، كما يستكره الوتد في الحائط " وقوله: { مُّقَرَّنِينَ } قال أبو صالح: يعني: مكتفين { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } أي: بالويل والحسرة والخيبة { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَٰحِداً } الآية. روى الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه، ويسحبها من خلفه، وذريته من بعده، وهو ينادي: ياثبوراه، وينادون ياثبورهم حتى يقفوا على النار، فيقول: يا ثبوراه، ويقولون: ياثبورهم، فيقال لهم: لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً، وادعوا ثبوراً كثيراً " لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن عفان به، ورواه ابن جرير من حديث حماد بن سلمة به.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله، هو ابن مسعود، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال: " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " قال: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قال: ثم أي؟ قال: " أن تزاني حليلة جارك " قال عبد الله: وأنزل الله تصديق ذلك: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } الآية،...
وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، حدثنا عامر بن مدرك، حدثنا السري، يعني ابن إسماعيل، حدثنا الشعبي عن مسروق قال: قال عبد الله: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاتبعته، فجلس على نشز من الأرض، وقعدت أسفل منه، ووجهي حيال ركبتيه، واغتنمت خلوته، وقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أي الذنب أكبر؟ قال: " أن تدعو لله نداً وهو خلقك " قلت: ثم مه؟ قال: " أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك " قلت: ثم مه؟ قال: " أن تزاني حليلة جارك " ثم قرأ { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ } الآية، وقال النسائي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا إنما هي أربع " فما أنا بأشح عليهن مني منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا ". وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن المديني رحمه الله، حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري، سمعت أبا طيبة الكلاعي، سمعت المقداد بن الأسود رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " ما تقولون في الزنا؟ " قالوا: حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " لأن يزني الرجل بعشر نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره "
قال: " فما تقولون في السرقة؟ " قالوا: حرمها الله ورسوله، فهي حرام، قال: " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره " وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا عمار بن نصر، حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن الهيثم بن مالك الطائي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له ".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي فاختة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق، وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو كلبك، وينهاك أن تزني بحليلة جارك " قال سفيان: وهو قوله: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } الآية....
والقول الثاني) أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذلك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى، ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار، فيوم القيامة، وإن وجده مكتوباً عليه، فإنه لا يضره، وينقلب حسنة في صحيفته، كما ثبتت السنة بذلك، وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي الله عنهم، وهذا سياق الحديث. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً إلى الجنة، يؤتى برجل فيقول: نحوا كبار ذنوبه، وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت يوم كذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا، كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئاً، فيقال: فإن لك بكل سيئة حسنة، فيقول: يا رب عملت أشياء لا أراها ههنا " قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، انفرد بإخراجه مسلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثني هاشم بن يزيد، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني أبي، حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نام ابن آدم، قال الملك للشيطان: أعطني صحيفتك، فيعطيه إياها، فما وجد في صحيفته من حسنة، محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان، وكتبهن حسنات، فإذا أراد أحدكم أن ينام، فليكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرة، ويحمد أربعاً وثلاثين تحميدة، ويسبح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، فتلك مائة ".
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج أحمد وهناد ومسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه، فيعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا وكذا؛ كذا وكذا وهو مقر ليس ينكر، وهو مُشْفِقٌ من الكبار أن تجيء فيقال: اعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة ".
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليأتين ناس يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الذين بدل الله سيئاتهم حسنات ".
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن عائشة قالت: " سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: " إنهم ليسوا بشيء فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحياناً بالشيء يكون حقاً. قال: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة " ".
وأخرج البخاري وابن المنذر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الملائكة تحدث في العنان - والعنان: الغمام - بالأمر في الأرض؛ فيسمع الشيطان الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة ".
قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في " صحيحه ": حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها، خضعاناً لقوله؛ كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ــــ ووصف سفيان بيده فحرفها، ونشر بين أصابعه ــــ فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائه كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به، والله أعلم.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرزاق قالا: حدثنا معمر، أخبرنا الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه، قال عبد الرزاق: من الأنصار، فرمي بنجم فاستنار، فقال صلى الله عليه وسلم " ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟ "
قالوا: كنا نقول: يولد عظيم، أو يموت عظيم. قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية، قال: نعم، ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمراً، سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء، حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع، فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه، فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون " هكذا رواه الإمام أحمد، وقد أخرجه مسلم في " صحيحه "
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف وأحمد ابن منصور بن سيار الرمادي، والسياق لمحمد بن عوف، قالا: حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا الوليد، هو ابن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عبد الله بن أبي زكريا عن رجاء بن حيوة عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أراد الله تبارك وتعالى أن يوحي بأمره تكلم بالوحي، فإذا تكلم، أخذت السموات منه رجفة ــــ أو قال: رعدة ــــ شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع بذلك أهل السموات، صعقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه الصلاة والسلام، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، فيمضي به جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة، كلما مر بسماء سماء، يسأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول عليه السلام: قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله تعالى من السماء والأرض "