وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { ثم يتوبون من قريب } قال: ما لم يغرغر.
.....
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
وقال ابن كثير
قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن البَيْلماني، قال: اجتمع أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم " ، فقال الآخر: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم " ، فقال الثالث: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة " ، قال الرابع: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر بنفسه " وقد رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن البَيْلماني، فذكر قريباً منه....
أثر آخر) قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران عن قتادة، قال: كنا عند أنس بن مالك، وثم أبو قلابة، فحدث أبو قلابة فقال: إن الله تعالى لما لعن إبليس، سأله النظرة، فقال: وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، فقال الله عز وجل: وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح. وقد ورد هذا في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو، وأبي الهيثم العتواري، كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " قال إبليس: وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل، وهو يرجو الحياة، فإن توبته مقبولة،
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ".
وقال ابن كثير
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة ـ رجل من قيس ـ حدثنا أبو رجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين، وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أنعم الله عليه نعمة، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه " ، وقال روح مرة: " على عبده ".
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا هشام بن سعد، قال: ثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْريّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا لتلحق كلّ أمة بما كانت تعبد، فلا يبقى أحدّ كان يعبد صنماً ولا وثناً ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار، ويبقى من كان يعبد الله وحده من برّ وفاجر، وغُبَّرات أهل الكتاب ثم تعرض جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، ثم تدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: عزَير ابن الله، فيقول: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تريدون؟ فيقولون: أي ربنا ظمئنا فيقول: أفلا تردون فيذهبون حتى يتساقطوا في النار، ثم تدعى النصارى، فيقال: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: المسيح ابن الله، فيقول: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تريدون؟ فيقولون: أي ربنا ظمئنا اسقنا، فيقول: أفلا تردون، فيذهبون فيتساقطون في النار، فيبقى من كان يعبد الله من برّ وفاجر قال: ثم يتبدّى الله لنا في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أوّل مرّة، فيقول: أيها الناس لحقت كلّ أمة بما كانت تعبد، وبقيتم أنتم فلا يكلمه يومئذٍ إلا الأنبياء، فيقولون: فارقنا الناس في الدنيا، ونحن كنا إلى صحبتهم فيها أحوج لحقت كلّ أمة بما كانت تعبد، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، فيقول: هل بينكم وبين الله آية تعرفونه بها؟ فيقولون نعم، فيكشف عن ساق، فيخرّون سجداً أجمعون، ولا يبقى أحد كان سجد في الدنيا سمعة ولا رياء ولا نفاقاً، إلا صار ظهره طبقاً واحداً، كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه قال: ثم يرجع يرفع برّنا ومسيئنا، وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أوّل مرّة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعم أنت ربنا ثلاث مرّار "
وقال الامام الطبري ايضا
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ } ذلكم والله يوم القيامة. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " يُؤْذَنُ للْمُؤْمِنينَ يَوْمَ القِيامَةِ في السُّجُودِ، فَيَسْجُدُ المُؤْمِنُونَ، وَبَينَ كُلّ مُؤْمِنَيْنِ مُنافقٌ، فَيَقْسُو ظَهْرُ المُنافِقِ عَنْ السُّجُودِ، ويَجْعَلُ اللَّهُ سُجُودَ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِمْ تَوْبِيخاً وَذُلاًّ وَصَغاراً، وَنَدَامَةً وَحَسْرَةً "
وقوله: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال: حشرها الموت، وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل، عن سعيد، عن مسروق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: موت البهائم حشرها، وكذا رواه العوفي عنه، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك مثله.
(والقول الثاني):
إن حشرها هو يوم بعثها يوم القيامة، لقوله:
{ وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ }
[التكوير: 5]
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سليمان، عن منذر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان، فقال: " يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان؟ " قال: لا، قال: " لكن الله يدري، وسيقضي بينهما " ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عمن ذكره، عن أبي ذر، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عنزان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون فيم انتطحتا؟ " قالوا: لا ندري، قال: " لكن الله يدري، وسيقضي بينهما " رواه ابن جرير، ثم رواه من طريق منذر الثوري، عن أبي ذر، فذكره، وزاد: قال أبو ذر: ولقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء، إلا ذكر لنا منه علماً.
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثني عباس بن محمد، وأبو يحيى البزار، قالا: حدثنا حجاج بن نصير، حدثنا شعبة، عن العوام بن مراجم من بني قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة " وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، في قوله: { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَـٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة؛ البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ، أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني تراباً، فلذلك يقول الكافر: { يَـٰلَيْتَنِي كُنتُ } وقد روي هذا مرفوعاً في حديث الصور.
اذا علمت اخى الحبيب ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال
لايَتَمَنَّى أحدُكم الموتَ ، ولا يَدْعُ به من قبلِ أن يأتيَه ، إنه إذا مات أحدُكم انقطع عملُه ، وإنه لا يَزِيدُ المؤمنَ عُمُرُه إلا خيرًا
وفی رواية
لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ لضُرٍّ نزل به . فإن كان لابدَّ مُتمنِّيًا فليقُلِ : اللَّهمَّ ! أحيِني ما كانت الحياةُ خيرًا لي ، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي . وفي روايةٍ : عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم . بمثلِه . غيرَ أنَّه قال : من ضُرٍّ أصابه
علمت ان السيدة الكاملة مريم لم تتمنى الموت لضر اصابها
قال الامام القرطبيى فى تفسيره:
تمنت مريم عليها السلام الموت من جهة الدين لوجهين
: أحدهما: أنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير فيفتنها ذلك.
الثاني: لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك. وعلى هذا الحدّ يكون تمني الموت جائزاً، وقد مضى هذا المعنى مبيناً في سورة «يوسف» عليه السلام. والحمد لله.
قلت: وقد سمعتُ أن مريم عليها السلام سمعت نداء من يقول: اخرج يا من يُعبَد من دون الله فحزنت لذلك، و { قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }.
" قيل لبني اسرائيل: ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدلوا، وقالوا: حبة في شعرة "
وفى رواية اخري
" دخلوا الباب - الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً - يزحفون على أستاههم، وهم يقولون: حنطة في شعيرة "
واعلم اخی الحبيب ان سيدنا يوشع كان امام ونبي بنی اسرائيل فی هذا الغزو
جاء فی الحديث الصحيح
غزا نبيٌّ من الأنبياءِ ، فقال لقومِهِ : لا يَتِّبِعْنِي رجلٌ ملكَ بضعَ امرأةٍ ، وهو يريدُ أن يَبْنِيَ بها ولمَّا يَبْنِ بها ، ولا أَحَدٌ بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها ، ولا أَحَدٌ اشترى غنمًا أو خَلِفَاتٍ ، وهو ينتظرُ ولادها ، فغزا ، فدنا من القريةِ صلاةَ العصرِ ، أو قريبًا من ذلك ، فقال للشمسِ : إنكِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ ، اللهمَّ احبسها علينا ، فحُبِسَتْ حتى فتحَ اللهُ عليهِ ، فجمعَ الغنائمَ فجاءت - يعني النارَ - لتأكلها فلم تَطْعَمْهَا ، فقال : إنَّ فيكم غُلُولًا ، فليُبَايعني من كلِّ قبيلةٍ رجلٌ ، فلزقتْ يدُ رجلٍ بيدِهِ ، فقال : فيكمُ الغُلُولُ ، فلتُبايعني قبيلتُكَ ، فلزقتْ يدُ رجليْنِ أو ثلاثةٌ بيدِهِ ، فقال : فيكمُ الغُلُولُ ، فجاؤوا برأسٍ مثلِ رأسِ بقرةٍ من الذهبِ ، فوضعوها ، فجاءتِ النارُ فأكلتها ، ثم أحلَّ اللهُ لنا الغنائمَ ، رأى ضعفنا وعجزنا ، فأحلَّها لنا
وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام، فروي عن ابن عباس في ذلك روايات، فقال عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة قال ابن عباس: ابتلاه الله بالمناسك، وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي عن التميمي عن ابن عباس. وقال عبد الرزاق أيضاً، أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } ، قال: ابتلاه بالطهارة؛ خمس في الرأس، وخمس في الجسد، في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء. قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي، وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك، (قلت): وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة " قال وكيع: انتقاص الماء يعني: الاستنجاء. وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: " الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط " ، ولفظه لمسلم
ملحوظة
جاء فی الحديث
كان أولَ مَنْ ضَيَّفَ الضيفَ إبراهيمُ ، و هو أولُ مَنِ اخْتَتَنَ على رَأْسِ ثُمَّانينَ سنةٍ ، و اختتن بِالقَدُومِ
وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم. قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي "
أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.....
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير، يعني: ابن حازم، عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلاً، قال: { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } ...
قال الإمام أحمد: حدثنا روح، هو ابن عبادة، حدثنا مالك، وحدثنا إسحاق، حدثنا مالك عن زيد بن أبي أنيسة: أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني: أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِىۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } الآية، فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها، فقال: " إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون " فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خلق الله العبد للجنة، استعمله بأعمال أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار، استعمله بأعمال أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار ...
قال الترمذي عند تفسيره هذه الآية: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله آدم، مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه، قال: أي رب من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود، قال: رب وكم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب وقد وهبت له من عمري أربعين سنة، فلما انقضى عمر آدم، جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم، فجحدت ذريته، ونسي آدم، فنسيت ذريته، وخطىء آدم، فخطئت ذريته
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحممة، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي ".
قيل نقص الثمرات موت الاولاد وقد جاء هذ المعنى فى الحديث
قال الله: يا ملك الموت قبضت ولد عبدي؟ قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده؟ قال: نعم. قال: فما قال؟ قال: حمدك واسترجع. قال: ابنوا له بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد
ويأمر تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها، وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: " الصلاة في وقتها " قلت: ثم أي؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " قلت: ثم أي؟ قال: " برّ الوالدين " ، قال: حدثني بهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني. وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا ليث عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، عن القاسم بن غنام، عن جدته أم أبيه الدنيا، عن جدته أم فروة، وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الأعمال، فقال: " إن أحب الأعمال إلى الله تعجيل الصلاة لأول وقتها " وهكذا رواه أبو داود والترمذي، وقال: لا نعرفه إلا من طريق العمري، وليس بالقوي عند أهل الحديث، .....
وقيل: إنها صلاة العصر. قال الترمذي والبغوي رحمهما الله: وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم. وقال القاضي الماوردي: هو قول جمهور التابعين. وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر. وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: وهو قول جمهور الناس. وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى بكشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى، وقد نص فيه: أنها العصر، وحكاه عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي أيوب وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب وأبي هريرة وأبي سعيد وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة، وعن ابن عمرو وابن عباس وعائشة على الصحيح عنهم، وبه قال عبيدة وإبراهيم النخعي ورزين وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل وعبيد ابن أبي مريم وغيرهم، وهو مذهب أحمد بن حنبل. قال القاضي الماوردي والشافعي: قال ابن المنذر: وهو الصحيح عن أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد، واختاره ابن حبيب المالكي، رحمهم الله.
ذكر الدليل على ذلك. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن شتير بن شكل، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً " .....
ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من رواية الزهري عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ....
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي تميم عن أبي بصرة الغفاري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد من أوديتهم، يقال له: المخمَّص، صلاة العصر، فقال: " إن هذه الصلاة صلاة العصر عرضت على الذين من قبلكم فضيعوها، ألا ومن صلاها ضعف له أجره مرتين، ألا ولا صلاة بعدها حتى تروا الشاهد ".....
وقوله تعالى: { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ } أي: خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة؛ لمنافاته إياها، ولهذا لما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه وهو في الصلاة، اعتذر إليه بذلك وقال: " إن في الصلاة لشغلاً " وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية بن الحكم السلمي حين تكلم في الصلاة: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله " ، وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل، حدثني الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم، قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة في الصلاة، حتى نزلت هذه الآية: { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ } فأمرنا بالسكوت، رواه الجماعة سوى ابن ماجه، من طرق عن إسماعيل به، وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة، كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح، قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة، وهو في الصلاة، فيرد علينا، قال: فلما قدمنا، سلمت عليه، فلم يرد علي، فأخذني ما قرب وما بعد، فلما سلم قال: " إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة " ....
وقال السيوطی فی الدر المنثور:
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن الله تبارك وتعالى على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن " ، وفي لفظ: " من أحسن وضوءهن، وصلاتهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله تبارك وتعالى عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ".
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله ".
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ".
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ".
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر لأتوهما ولو حبواً ".
وأخرج مسلم والبيهقي عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ".
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ".
وأخرج ابن جرير من طريق زر عن ابن مسعود قال " كنا نتكلم في الصلاة فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليّ، فلما انصرف قال: قد أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة، ونزلت هذه الآية { وقوموا لله قانتين } ".
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي وابن ماجة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة طول القنوت ".
وإنما قلنا: إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك هو الذي الأغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها، وذلك حال شدة الخوف؛ لأن: محمد بن حميد وسفيان بن وكيع حدثاني، قالا: ثنا جرير، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف: " يقوم الأمير وطائفة من الناس معه، فيسجدون سجدة واحدة، ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو، ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم، ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة، ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه، وإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا أو ركبانا "
حدثني سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثني أبي، قال: ثنا ابن جريح، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إذا اختلطوا - يعني في القتال - فإنما هو الذكر، وأشار بالرأس. قال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركباناً "
ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا الله بهما
(الحديث الأول) قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا شعبة عن سليمان، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ الآيتين " وحدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، كفتاه " .....
الحديث الثاني) قال الإمام أحمد: حدثنا حسين، حدثنا شيبان، عن منصور، عن ربعي، عن خرشة بن الحر، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يعطهن نبي قبلي ".....
الحديث السابع) قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا بندار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن الحرمي، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرأ بهن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان " ثم قال: هذا حديث غريب، وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.....
فقوله { آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت عليه هذه الآية: " ويحق له أن يؤمن " ...
وقد روي من طريق آخر، وأعله أحمد وأبو حاتم، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن شهر، عن أم الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان، والاستكراه " قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن، فقال: أجل، أما تقرأ بذلك قرآناً: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا }.
وقال السيوطی فی الدر المنثور:
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { إلا وسعها } قال: إلا ما تطيق.
وأخرج سفيان والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم به ".......
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { ولا تحمل علينا إصراً } يقول: التشديد الذي شدد به على من كان من أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عبد الرحمن بن حسنة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض ".
وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } قال: نسختها الآية التي بعدها، وهكذا روي عن عليّ وابن مسعود وكعب الأحبار والشعبي والنخعي ومحمد بن كعب القرظي وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة، أنها منسوخة بالتي بعدها، وقد ثبت بما رواه الجماعة في كتبهم الستة من طريق قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تكلم، أو تعمل ". وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله: إذا همّ عبدي بسيئة، فلا تكتبوها عليه، فإن عملها، فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة، فلم يعملها، فاكتبوها حسنة، فإن عملها، فاكتبوها عشراً " لفظ مسلم، وهو في أفراده من طريق إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله: إذا هم عبدي بحسنة، ولم يعملها، كتبتها له حسنة، فإن عملها، كتبتها له عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم بسيئة، فلم يعملها، لم أكتبها عليه، فإن عملها، كتبتها سيئة واحدة "....
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" قال الله: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة، فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها، فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة، فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن عملها، فأنا أكتبها له بمثلها " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قالت الملائكة: رب إن عبدك، يريد أن يعمل سيئة، وهو أبصر به، فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنما تركها من جراي " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أحسن أحد إسلامه، فإن له بكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل " تفرد به مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بهذا السياق واللفظ، وبعضه في صحيح البخاري. وقال مسلم أيضاً: حدثنا أبو كريب، حدثنا خالد الأحمر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من همّ بحسنة، فلم يعملها، كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة، فعملها، كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف، ومن هم بسيئة، فلم يعملها، لم تكتب له، وإن عملها، كتبت " تفرد به مسلم دون غيره من أصحاب الكتب. وقال مسلم أيضاً: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا عبد الوارث عن الجعد أبي عثمان، حدثنا أبو رجاء العطاردي عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى، قال: " إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة، فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بحسنة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها، فعملها، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة، وإن همّ بها فعملها، كتبها الله عنده سيئة واحدة " ثم رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان في هذا الإسناد بمعنى حديث عبد الوارث،. زاد: " ومحاها الله، ولا يهلك على الله إلا هالك " وفي حديث سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه، فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: " وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم، قال: " ذاك صريح الإيمان ....
وروى ابن جرير عن مجاهد والضحاك نحوه، وعن الحسن البصري أنه قال: هي محكمة لم تنسخ، واختار ابن جرير ذلك، واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة المعاقبة، وأنه تعالى قد يحاسب ويغفر، وقد يحاسب ويعاقب، بالحديث الذي رواه عند هذه الآية قائلاً: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد بن هشام (ح) وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، حدثنا هشام، قالا جميعاً في حديثهما: عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر، وهو يطوف، إذ عرض له رجل، فقال: يابن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدنو المؤمن من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول له: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف ـ مرتين ـ حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، قال: فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه، وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رؤوس الأشهاد "
{ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ }
[هود: 18] وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة عن قتادة به،
وقال السيوطی فی الدر المنثور
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال " لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } [البقرة: 285] فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها { آمن الرسول } [البقرة: 285] الآية. فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [البقرة: 286] إلى آخرها ". ...
وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } كما ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية، عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء
وقوله إخباراً عن أم مريم أنها قالت: { وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } أي: عوذتها بالله عز وجل من شر الشيطان، وعوذت ذريتها، وهو ولدها عيسى عليه السلام، فاستجاب الله لها ذلك، كما قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مسه إياه، إلا مريم وابنها " ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: { وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ }....
ورواه ابن جرير عن أحمد بن الفرج، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وروي من حديث قيس، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرةً أو عصرتين، إلا عيسى بن مريم ومريم " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ }....
وهكذا رواه الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه حين تلده أمه، إلا عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب ".
أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة
وأما المرابطة، فهي المداومة في مكان العبادة والثبات، وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة، قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، وروى ابن أبي حاتم ههنا الحديث الذي رواه مسلم والنسائي من حديث مالك بن أنس، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ".....
وقيل: المراد بالمرابطة ههنا مرابطة الغزو في نحور العدو، وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين، وقد وردت الأخبار بالترغيب في ذلك، وذكر كثرة الثواب فيه، فروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ". (حديث آخر) روى مسلم عن سلمان الفارسي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان ". (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح، أخبرني أبو هانىء الخولاني: أن عمرو بن مالك الجَنْبي أخبره: أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل ميت يختم على عمله، إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله، فإنه يَنْمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر " وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي هانىء الخولاني، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن حبان في صحيحه أيضاً......
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، وحسن بن موسى وأبو سعيد وعبد الله بن يزيد، قالوا حدثنا ابن لهيعة، حدثنا مشرح بن هاعان، سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل ميت يختم على عمله، إلا المرابط في سبيل الله، فإنه يجري عليه عمله حتى يبعث، ويأمن من الفتان " وروى الحارث بن محمد بن أبي أسامة في مسنده عن المقبري، وهو عبد الله بن يزيد، به، إلى قوله: «حتى يبعث» دون ذكر: «الفتان» وابن لهيعة إذا صرح بالتحديث، فهو حسن، ولا سيما مع ما تقدم من الشواهد.
(حديث آخر) قال ابن ماجه في سننه: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني الليث عن زهرة بن معبد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من مات مرابطاً في سبيل الله، أجري عليه عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع ". (طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا موسى، أنبأنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من مات مرابطاً، وقي فتنة القبر، وأمن من الفزع الأكبر، وغدا عليه ريح برزقه من الجنة، وكتب له أجر المرابط إلى يوم القيامة ". (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، عن إسحاق بن عبد الله، عن أم الدرداء، ترفع الحديث، قالت: " من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام، أجزأت عنه رباط سنة ". (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا كهمس، حدثنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، قال: قال عثمان رضي الله عنه، وهو يخطب على منبره: إني محدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلاّ الضن بكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها "
حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، حدثنا محمد بن المنكدر، قال: مر سلمان الفارسي بشرحبيل بن السمط، وهو في مرابَط له، وقد شق عليه وعلى أصحابه، فقال: أفلا أحدثك يابن السمط بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " رباط يوم في سبيل الله أفضل ـ أو قال: خير ـ من صيام شهر وقيامه، ومن مات فيه وقي فتنة القبر، ونمي له عمله إلى يوم القيامة " تفرد به الترمذي من هذا الوجه، وقال: هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ زيادة، وليس إسناده بمتصل، وابن المنكدر لم يدرك سلمان. (قلت): الظاهر أن محمد بن المنكدر سمعه من شرحبيل بن السمط. وقد رواه مسلم والنسائي من حديث مكحول وأبي عبيدة بن عقبة، كلاهما عن شرحبيل بن السمط، وله صحبة، عن سلمان الفارسي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان " وقد تقدم سياق مسلم بمفرده.
(حديث آخر) قال الترمذي: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا بشر بن عمر، حدثنا شعيب بن رُزيق أبو شيبة عن عطاء الخراساني، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله " ثم قال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رُزيق، قال: وفي الباب عن عثمان وأبي ريحانة.
حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان، حدثنا رشدين عن زَبّان، عن سهل بن معاذ، عن أبيه معاذ بن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حرس من وراء المسلمين متطوعاً لا بأجرة سلطان، لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم، فإن الله يقول: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } " تفرد به أحمد رحمه الله.
(حديث آخر) ـ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع
{ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } ، قال ابن عباس: يعني بذلك: خصي الدواب، وقد روي عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صالح والثوري، وقد ورد في حديث النهي عن ذلك، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: يعني بذلك: الوشم، وفي صحيح مسلم، النهي عن الوشم في الوجه، وفي لفظ: " لعن الله من فعل ذلك " وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: " لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله عز وجل "....
وقال ابن عباس في رواية عنه، ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والحكم والسدي والضحاك وعطاء الخراساني في قوله: { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } يعني: دين الله عز وجل، هذا كقوله:
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ }
[الروم: 30] على قول من جعل ذلك أمراً، أي: لا تبدلوا فطرة الله، ودعوا الناس على فطرتهم، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تجدون بها من جدعاء " ؟ وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم "
{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } أي: لا أحد أصدق منه قولاً، أي: خبراً، لا إله هو، ولا رب سواه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: " إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ".
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل ".
وقال ابن كثير
قال أيوب السختياني: إن أول من أخذ بهذه الآية من هذه الأمة { لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّىۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } لَعثمانُ بنُ عفان رضي الله عنه،رواه ابن أبي حاتم. وقال الإمام أحمد: حدثنا مرحوم، حدثني أبوعمران الجوني عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: ركب النبي صلى الله عليه وسلم حماراً أردفني خلفه، وقال: " يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد، لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ "
قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " تعفف " ، قال: " يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس موت شديد، يكون البيت فيه بالعبد يعني: القبر، كيف تصنع؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " اصبر " قال: " يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً، يعني: حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف تصنع؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: " اقعد في بيتك، وأغلق عليك بابك " قال: فإن لم أترك؟ قال: " فأت من أنت منهم، فكن منهم " قال: فآخذ سلاحي؟ قال: " فإذاً تشاركهم فيماهم فيه، ولكن إذا خشيت أن يردعك شعاع السيف، فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك " ، ورواه مسلم وأهل السنن سوى النسائي، من طرق عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت به، ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق حماد بن زيد عن أبي عمران، عن المشعث بن طريف، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر بنحوه، قال أبو داود: ولم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد ابن زيد، وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم، حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن منصور، عن ربعي، قال: كنا في جنازة حذيفة، فسمعت رجلاً يقول: سمعت هذا يقول في ناس: مما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن اقتتلتم، لأنظرن إلى أقصى بيت في داري، فلألجنه، فلئن دخل علي فلان، لأقولن: ها، بؤ بإثمي وإثمك، فأكون كخير ابني آدم ....
قال ابن عباس: قوله { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } يريد عمرو بن لحي وأصحابه يقولون على الله هذه الأكاذيب والأباطيل في تحريمهم هذه الأنعام،
قال السيوطى فى الدر المنثور
وأخرج البخاري وابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً، ورأيت عمراً يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب ".
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه " عن أبي هريرة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكتم بن الجون: يا أكتم، عرضت عليَّ النار فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به ولا به منك. فقال أكتم: أخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إنك مؤمن وهو كافر، إنه أول من غيَّر دين إبراهيم، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الحامي ".
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أول من سيب السوائب، وعبد الأصنام، أبو خزاعة عمرو بن عامر، وإني رأيته يجر أمعاءه في النار ".
اعلم اخى الحبيب ان العلماء اختلفوا فى معنى هب لي ملكا لا ينبغى لاحد من بعدى على قولين
قال ابن الجوزى فى زاد المسير:
أحدهما: لا يكون لأحد بعدي، قاله مقاتل، وأبو عبيدة. وقد أخرج البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ عِفْرياً من الجِنّ تفلَّت عليّ البارحةَ ليَقْطَعَ عَلَيَّ صلاتي، فأمكنني اللهُ منه، فأخذتُه، فأردتُ أن أَربطه إِلى سارية من سواري المسجد حتى تنظُروا إِليه كلُّكم، فذكرتُ دعوة أخي سليمان { هَبْ لي مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } فرددتُه خاسئاً "
والثاني: لا ينبغي لأحد أن يسلبُه مِنِّي في حياتي، كما فعل الشيطان الذي جلس على كرسيه، قاله الحسن، وقتادة. وإنما طلب هذا المُلك، ليَعلم أنه قد غُفر له، ويعرف منزلته بإجابة دعوته، قاله الضحاك. ولم يكن في مُلْكه حين دعا بهذا الرّيحُ ولا الشياطينُ { فسَخَّرْنا له الرِّيحَ } وقرأ أبو الجوزاء، وأبو جعفر، وأبو المتوكل: " الرِّياح " على الجمع انتهي
اعلم اخى الحبيب ان الحبيب صلى الله عليه وسلم لم يريط ويحبس العفريت الذى تفلت عليه لدعوة سيدنا سليمان كما قال صلى الله عليه وسلم
وقد يقول قائل ما العلاقة بين دعوة سيدنا سليمان عليه السلام و ان يربط الحبيب صلى الله عليه وسلم العفريت
لا حظ مقرنين اى مقيدين فعلم من هذا ان تقييد الشياطين كان من الملك الذى اعطاه الله عز وجل لسيدنا سليمان عليه السلام فقط لذلك لم يربط ويقيد الحبيب صلى الله عليه وسلم العفريت وهذا من الادب المحمدی العالي لانه تذكر دعوة سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام
وقال أبو العالية { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } ردّوا إلى علمه فيهم،
وقال سعيد بن جبير: كما بدأكم تعودون، كما كتب عليكم تكونون، وفي رواية: كما كنتم عليه تكونون،
وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }: من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة، صار إلى ما ابتدىء عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، ومن ابتدأ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدىء خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملوا بأعمال أهل الشقاء، ثم صاروا إلى ما ابتدئوا عليه،
....
قلت: ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري: " فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة
أي: من حسد وبغض؛ كما جاء في صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خلص المؤمنون من النار، حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، فو الذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا "
وقال السدي في قوله: { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } الآية: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة، وجدوا عند بابها شجرة، في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبداً،
وأخرج أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نادى: اللهمَّ ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد حظرت رحمة واسعة، أن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنّها وإنسها وبهائمها، وعنده تسعة وتسعون ".
وأخرج أحمد ومسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن لله مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسع وتسعون إلى يوم القيامة ".
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان موقوفاً وابن مردويه عن سلمان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السموات والأرض، كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأهبط منها رحمة إلى الأرض، فيها تراحم الخلائق، وبها تعطف الوالدة على ولدها، وبها يشرب الطير والوحوش من الماء، وبها تعيش الخلائق، فإذا كان يوم القيامة انتزعها من خلقه ثم أفاضها على المتقين، وزاد تسعاً وتسعين رحمة، ثم قرأ { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } ".
يذكر المفسرون ههنا آثاراً وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها، ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء الله وبه الثقة،
قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عبد الصمد: حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما ولدت حواء، طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره "
وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به، ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه....
والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه ........
(الثالث): أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً، لما عدل عنه. قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن: { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا } قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم.
{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } أي: على سائر الأديان؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " ، وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن أبي يعقوب، سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول: صلى هذا الحي من محارب الصبح، فلما صلوا، قال شاب منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " ، وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان، حدثنا سليم بن عامر عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، يعز عزيزاً ويذل ذليلاً؛ بعز عزيز، أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر " فكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافراً منهم الذل والصغار والجزية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني ابن جابر، سمعت سليم بن عامر قال: سمعت المقداد بن الأسود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر، إلا دخلته كلمة الإسلام، يعز عزيزاً، ويذل ذليلاً، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها "
وفي المسند أيضاً: حدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي حذيفة عن عدي بن حاتم سمعه يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا عدي أسلم تسلم " فقلت: إني من أهل دين، قال: " أنا أعلم بدينك منك " فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: " نعم، ألست من الركوسية، وأنت تأكل مرباع قومك " ؟ قلت: بلى قال: " فإن هذا لا يحل لك في دينك " قال: فلم يعد أن قالها، فتواضعت لها، قال: " أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ " قلت: لم أرها، وقد سمعت بها، قال: " فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر، حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز " قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: " نعم، كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد " قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها.
وقال مسلم: حدثنا أبو معن زيد بن يزيد الرقاشي، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله عز وجل: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ } الآية، أن ذلك تام، قال: " إنه سيكون من ذلك ما شاء الله عز وجل، ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم ".
قال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم " ، حدثنا بذلك ابن حميد، حدثنا جرير عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، قال: قال عبد الله بن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم " ، قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك؟ قال: فقرأ هذه الآية: { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلاَ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ }.
وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا المحاربي عن ليث عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام يسأل عن رعيته، والرجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيده " قال الليث: وحدثني ابن طاوس مثله، ثم قرأ: { فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بدون هذه الزيادة،
ملحوظة
جاء فى الحديث الصحيح
لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناة وعن جسمه فيما أبلاه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه
وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة، تركوا " وقد روي نحوه من حديث أنس وأبي سعيد.
حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا ثابت عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى؛ لما يرى من فضل الشهادة " تفرد به مسلم من طريق حماد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثنا إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم، وحسن متقلبهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } وما بعدها "
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً "
ملحوظة
جاء فی الاحاديث
للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ : يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ
يُغفَرُ للشهيدِ كلَّ ذنبٍ ، إلا الدَّيْنَ
المائِدُ في البَحْرِ الذي يُصِيبُهُ القَيْءُ لهُ أَجْرُ شَهِيدٍ ، والغريقُ لهُ أَجْرُ شَهِيدٍ .
الشهادةُ سبعٌ سوَى القتلِ في سبيلِ اللهِ المطعونُ شهيدٌ والغريقُ شهيدٌ وصاحبُ ذاتِ الجَنبِ شهيدٌ والمبطونُ شهيدٌ وصاحبُ الحريقِ شهيدٌ والذي يموتُ تحت الهدمِ شهيدٌ والمرأةُ تموتُ بجُمْعٍ شهيدٌ
ما أَحدٌ يدخلُ الجنَّةَ يُحبُّ أن يرجِعَ إلى الدُّنيا ، و إنَّ لهُ ما علَى الأرضِ مِن شيءٍ غيرَ الشَّهيدِ ، فإنَّهُ يتمَنَّى أن يرجِعَ فيُقْتَلَ عَشرَ مرَّاتٍ لما يَرى مِن الكَرامةِ
من قاتل في سبيلِ اللهِ فَواقَ ناقةٍ ، فقد وجبت له الجنَّةُ ، ومن سأل اللهَ القتلَ في سبيلِ اللهِ من نفسِه صادقًا ، ثم مات ، أو قُتِلَ فإنَّ له أجرُ شهيدٍ ، ومن جُرح جرحًا في سبيلِ اللهِ أو نُكِبَ نكبةً ، فإنها تجيءُ يومَ القيامةِ كأغزرِ ما كانت ، لونُها لونُ الزَّعفرانِ ، وريحُها ريحُ المسكِ ، ومن خرج به خُرَّاجٌ في سبيلِ اللهِ كان عليه طابعُ الشُّهداءِ
من سأل اللهَ القتلَ في سبيلِ اللهِ ، صادقًا من قلبِه ، أعطاه اللهُ أجرَ شهيدٍ ، و إن مات على فراشِه
روى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم يكذب إبراهيم النبي في شيء قط إلا في ثلاث، قوله: «إِني سقِيم» وقوله: لسارة أختي وقوله: «بل فعله كبِيرهم» " لفظ الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح. ووقع في الإسراء في صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة إبراهيم قال: وذكر قوله في الكوكب «هذا ربي». فعلى هذا تكون الكذبات أربعاً إلا أن الرسول عليه السلام قد نفى تلك بقوله: " لم يكذب إبراهيم النبي قط إلا في ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله قوله: { إِنِّي سَقِيمٌ } وقوله: «بل فعله كبِيرهم» وواحدة في شأن سارة "
الحديث لفظ مسلم. وإنما لم يعد عليه قوله في الكوكب: «هذا ربي» كذبة وهي داخلة في الكذب؛ لأنه ـ والله أعلم ـ كان حين قال ذلك في حال الطفولية، وليست حالة تكليف. أو قال لقومه مستفهماً لهم على جهة التوبيخ والإنكار، وحذفت همزة الاستفهام. أو على طريق الاحتجاج على قومه: تنبيهاً على أن ما يتغير لا يصلح للربوبية. وقد تقدمت هذه الوجوه كلها في «الأنعام» مبينة والحمد لله.
الثالثة: قال القاضي أبو بكر بن العربي: في هذا الحديث نكتة عظمى تقصم الظهر، وهي أنه عليه السلام قال: " لم يكذب إبراهيم إلا في ثلاث كذبات ثنتين مَاحَلَ بهما عن دين الله وهما قوله: «إِني سقِيم» وقوله: «بل فعله كبيرهم " ولم يعدّ (قوله) هذه أختي في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروهاً، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله، لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال:
{ أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ }
[الزمر: 3]. وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا. والله أعلم.
الرابعة: قال علماؤنا: الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه. والأظهر أن قول إبراهيم فيما أخبر عنه عليه السلام كان من المعاريض، وإن كانت معاريض وحسنات وحججاً في الخلق ودلالات، لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالاً لله؛ فإن الذي كان يليق بمرتبته في النبوّة والخُلَّة، أن يصدع بالحق ويصرح بالأمر كيفما كان، ولكنه رخص له فقبل الرخصة فكان ما كان من القصة؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة " إنما اتخذت خليلاً من وراء وراء " بنصب وراء فيهما على البناء كخمسة عشر، وكما قالوا: جاري بَيْتَ بَيْتَ، ووقع في بعض نسخ مسلم «من وراءُ من وراءُ» بإعادة من، وحينئذٍ لا يجوز البناء على الفتح، وإنما يبنى كل واحد منهما على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة ونوى المضاف كقبل وبعد، وإن لم ينو المضاف أعرب ونون غير أن وراء لا ينصرف؛ لأن ألفه للتأنيث؛ لأنهم قالوا في تصغيرها وريية؛ قال الجوهري: وهي شاذة. فعلى هذا يصح الفتح فيهما مع وجود «مِن» فيهما. والمعنى إني كنت خليلاً متأخراً عن غيري. ويستفاد من هذا أن الخُلَّة لم تصح بكمالها إلا لمن صح له في ذلك اليوم المقام المحمود كما تقدم. وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ملحوظة
جاء فی الحديث الصحيح
لم يَكْذِبْ إبراهيمُ إلا ثلاثَ كَذِبَاتٍ ، ثِنْتَيْنِ منهنَّ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ . قولُهُ : { إِنِّي سَقِيمٌ } . وقولُهُ : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } . وقال : بينا هو ذاتَ يومٍ وسارةُ ، إذ أتى على جبارٍ من الجبابرةِ ، فقيل لهُ : إنَّ هاهنا رجلًا معهُ امرأةٌ من أحسنِ الناسِ ، فأرسلَ إليهِ فسألَهُ عنها ، فقال : من هذهِ ؟ قال : أختي ، فأتى سارةَ فقال : يا سارةُ ليس على وجهِ الأرضِ مؤمنٌ غيري وغيركِ ، وإنَّ هذا سألني فأخبرتُهُ أنكِ أختي ، فلا تُكَذِّبِينِي ، فأرسلَ إليها ، فلمَّا دخلت عليهِ ذهب يَتناولها بيدِهِ فأُخِذَ ، فقال : ادعي اللهَ ولاأضرُّكِ ، فدعتِ اللهَ فأُطْلِقَ . ثم تَناولها الثانيةَ فأُخِذَ مثلها أو أشدَّ ، فقال : ادعي اللهَ لي ولا أضرُّكِ ، فدعتْ فأُطْلِقَ ، فدعا بعضَ حجبتِهِ ، فقال : إنكم لم تأتوني بإنسانٍ ، إنما أتيتموني بشيطانٍ ، فأخدمها هاجرَ ، فأتتْهُ وهو يُصلِّي ، فأومأَ بيدِهِ : مَهْيَا ، قالت : رَدَّ اللهُ كيدَ الكافرِ ، أو الفاجرِ ، في نحرِهِ ، وأخدمَ هاجرَ ) . قال أبو هريرةَ : تلكَ أُمُّكُمْ ، يا بني ماءِ السماءِ .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، حدثنا خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فجعلنا لا نصعد شرفاً، ولا نعلو شرفاً، ولا نهبط وادياً، إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، قال: فدنا منا، فقال: " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله "...
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا شعبة، حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني " وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، أنبأنا عبد الله، أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة بنت الحَسْحاس المزنية، قالت: حدثنا أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه "...
والمراد من هذا أنه تعالى لا يخيب دعاء داع، ولا يشغله عنه شيء، بل هو سميع الدعاء، ففيه ترغيب في الدعاء، وأنه لا يضيع لديه تعالى، كما قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا رجل: أنه سمع أبا عثمان، هو النهدي، يحدث عن سلمان، يعني الفارسي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيراً فيردهما خائبتين " قال يزيد: سموا لي هذا الرجل، فقالوا: جعفر بن ميمون، وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث جعفر بن ميمون صاحب الأنماط به، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه، قال الشيخ الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله في أطرافه: وتابعه أبو همام محمد بن الزبرقان عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي به، وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو عامر، حدثنا علي بن دؤاد أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " قالوا: إذاً نكثر؟ قال: " الله أكثر " ، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا ابن ثوبان عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير: أن عبادة بن الصامت، حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو كف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " ورواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن محمد بن يوسف الفريابي، عن ابن ثوبان، وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الإمام مالك: عن ابن شهاب، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يستجاب لأحدكم مالم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي " أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك به، وهذا لفظ البخاري رحمه الله وأثابه الجنة، وقال مسلم في صحيحه: حدثني أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب، أخبرني معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم مالم يستعجل " قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: " يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء " ، وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبو هلال عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال العبد بخير مالم يستعجل " قالوا: وكيف يستعجل؟ قال: " يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي " وقال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره: حدثني يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، حدثني أبو صخر: أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ما من عبد مؤمن يدعو الله بدعوة فتذهب حتى تعجل له في الدنيا، أو تدخر له في الآخرة إذا لم يعجل أو يقنط، قال عروة: قلت: يا أماه كيف عجلته وقنوطه؟ قالت: يقول: سألت فلم أعط، ودعوت فلم أجب. قال ابن قسيط: وسمعت سعيد بن المسيب يقول كقول عائشة سواء، وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا بكر بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل "....
وقال الحافظ أبو بكر البزار: وحدثنا الحسن بن يحيى الأزدي ومحمد بن يحيى القطعي، قالا: حدثنا الحجاج بن منهال، حدثنا صالح المري عن الحسن، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: يا ابن آدم واحدة لك، وواحدة لي، وواحدة فيما بيني وبينك، فأما التي لي، فتعبدني لا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فما عملت من شيء وفيتكه، وأما الذي بيني وبينك، فمنك الدعاء وعلي الإجابة " ....
وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، يقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ".
قال الامام القرطبي فى تفسيره:
وقال قوم: إن الله يجيب كلّ الدعاء؛ فإمّا أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإمّا أن يكفّر عنه، وإمّا أن يدّخر له في الآخرة؛ لما رواه أبو سعيد الخُدْرِيّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رَحِم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إمّا أن يُعجّل له دعوته وإمّا أن يدّخر له وإمّا أن يكفّ عنه من السوء بمثلها " قالوا: إذن نُكثر؟ قال: «الله أكثر». خرّجه أبو عمر بن عبد البر، وصححه أبو محمد عبد الحق، وهو في الموطّأ منقطع السّند. قال أبو عمر: وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند لقول الله تعالى
{ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ }[غافر: 60] فهذا كله من الإجابة. وقال ٱبن عباس: كل عبد دعا أستجيب له؛ فإن كان الذي يدعو به رزقَا له في الدنيا أعطيَه، وإن لم يكن رزقاً له في الدنيا ذُخِر له
وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم ".
ملحوظة
جاءت قصة جريح فى حديث فى صحيح البخاري وهى:
كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج يصلي ، فجاءته أمه فدعته فأبى أن يجيبها ، فقال : أجيبها أو أصلي ؟ ثم أتته فقالت : اللهم لا تمته حتى تريه المومسات ، وكان جريح في صومعته ، فقالت امرأة : لأفتنن جريجا ، فتعرضت له ، فكلمته فأبى ، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها ، فولدت غلاما ، فقالت : هو من جريح ، فأتوه وكسروا صومعته فأنزلوه وسبوه ، فتوضأ وصلى ، ثم أتى الغلام فقال : من أبوك يا غلام ؟ قال : الراعي ، قالوا : نبني صومعتك من ذهب ، قال : لا ، من طين .
وجاء فی الحديث
لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت : يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة فقال : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها قال : قلت : وما شأنها قال : بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقطت المدرى من يديها فقالت : بسم الله فقالت لها ابنة فرعون : أبي قالت : لا ولكن ربي ورب أبيك الله قالت : أخبره بذلك قالت : نعم فأخبرته فدعاها فقال : يا فلانة وإن لك ربا غيري قالت : نعم ربي وربك الله فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها قالت له : إن لي إليك حاجة قال : وما حاجتك قالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا قال : ذلك لك علينا من الحق قال : فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله قال : يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت قال : قال ابن عباس : تكلم أربعة صغار عيسى بن مريم عليه السلام وصاحب جريج وشاهد يوسف وابن ماشطة ابنة فرعون
قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داود، أخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: { كانَ الناسُ أمَّةً واحدةً فاخْتَلَفُوا }. ورواه الحاكم في مستدركه من حديث بندار عن محمد بن بشار ثم قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، كذا روى أبو جعفر الرازي عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها: { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } قال: كانوا على الهدى جميعاً، { فاختلفوا، فبعث الله النبيين } ، فكان أول من بعث نوحاً. وهكذا قال مجاهد، كما قال ابن عباس أولاً.
وقال العوفي عن ابن عباس: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } يقول: كانوا كفاراً { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ }
والقول الأول عن ابن عباس أصح سنداً ومعنى، لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحاً عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.
ملحوظة
جاء فی صحيح ابن حبان
أنَّ رجُلًا قال : يا رسولَ اللهِ أنبيٌّ كان آدَمُ ؟ قال : ( نَعم مُكَلَّمٌ ) قال : فكم كان بيْنَه وبيْنَ نوحٍ ؟ قال : ( عشَرةُ قُرونٍ )
وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في قوله: { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ } الآية، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، فغداً لليهود، وبعد غد للنصارى "
ثم رواه عبد الرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة. وقال ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قوله: { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ } فاختلفوا في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة،
واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، فهدى الله أمة محمد للقبلة،
واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك،
واختلفوا في الصيام، فمنهم من يصوم بعض النهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.
واختلفوا في إبراهيم عليه السلام، فقالت اليهود: كان يهودياً، وقالت: النصارى كان نصرانياً، وجعله الله حنيفاً مسلماً، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.
واختلفوا في عيسى عليه السلام، فكذبت به اليهود، وقالوا لأمه بهتاناً عظيماً، وجعلته النصارى إلهاً وولداً، وجعله الله روحه وكلمته، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك،
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراماً، وإني حرمت المدينة حراماً ما بين مأزميها، أن لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين " الحديث، رواه مسلم، والأحاديث في تحريم المدينة كثيرة، وإنما أوردنا منها ما هو متعلق بتحريم إبراهيم عليه السلام لمكة، لما في ذلك من مطابقة الآية الكريمة. وتمسك بها من ذهب إلى أن تحريم مكة إنما كان على لسان إبراهيم الخليل، وقيل: إنها محرمة منذ خلقت مع الأرض، وهذا أظهر وأقوى، والله أعلم.
وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن الله تعالى حرم مكة قبل خلق السموات والأرض
كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحلَّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلَّ لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاها " فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: " إلا الإذخر " وهذا لفظ مسلم، ولهما عن أبي هريرة نحو من ذلك، ثم قال البخاري بعد ذلك: وقال أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وهذا الذي علقه البخاري رواه الإمام أبو عبد الله بن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح، فقال: " يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد " فقال العباس: إلا الإذخر، فإنه للبيوت والقبور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إلا الإذخر " وعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد، وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أحادثك قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم. وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب " فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدمٍ ولا فاراً بخربة، رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظه.
فإذا علم هذا، فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم عليه السلام حرمها، لأن إبراهيم بلغ عن الله حكمه فيها وتحريمه إياها، وأنها لم تزل بلداً حراماً عند الله قبل بناء إبراهيم عليه السلام لها، كما أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوباً عند الله خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، ومع هذا قال إبراهيم عليه السلام { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ } الآية، وقد أجاب الله دعاءه بما سبق في علمه وقدره
وفي الحديث: " إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم
وقال البخاري: قوله: { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ } لدين الله، خلق الأولين: دين الأولين، الدين والفطرة: الإسلام.
حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول: " فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم "
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام، حدثنا قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته: " إن ربي عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا: كل ما نحلته عبادي حلال، وإِني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإِنهم أتتهم الشياطين، فأضلتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، ثم إن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم؛ عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان، ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشاً، فقلت: رب إذاً يثلغ رأسي، فيدعه خبزة، قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق عليهم، فسننفق عليك، وابعث جيشاً، نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ــــ قال ــــ: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، ورجل عفيف فقير متصدق. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك "
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التفكر وابن المنذر وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر " عن عطاء قال قلت لعائشة أخبرني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: وأي شأنه لم يكن عجباً! إنه أتاني ليلة فدخل معي في لحافي ثم قال: ذريني أتعبد لربي. فقام فتوضأ ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى. فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم لا أفعل وقد أنزل علي هذه الليلة { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } إلى قوله { سبحانك فقنا عذاب النار } ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ". ...
وقال ابن كثير
ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ }. كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك ...
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد يلقى الله إلاّ ذا ذنب إلاّ يحيى بن زكريا، فإن الله يقول: { وسيداً وحصوراً } قال: وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب، وأشار بأنملته ".
وخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة من وجه آخر عن ابن عمرو. موقوفاً وهو أقوى اسناداً من المرفوع.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلاّ يحيى بن زكريا، فإنه كان { سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين } ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة "
وقال ابن كثير
وقد قال القاضي عياض في كتابه الشفاء: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان { وَحَصُورًا } ليس كما قاله بعضهم: إنه كان هيوباً، أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين، ونقاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب، ولا تليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب، أي: لا يأتيها؛ كأنه حُصِر عنها. وقيل: مانعاً نفسه من الشهوات. وقيل: ليست له شهوة في النساء، وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة، ثم قمعها، إما بمجاهدة كعيسى، أو بكفاية من الله عز وجل كيحيى عليه السلام، ثم هي في حق من قدر عليها، وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه، درجة عليا، وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن، وقيامه عليهن، وإكسابه لهن، وهدايته إياهن، .....
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمار ابن محمد عن ليث بن أبي سليم عن المنهال بن عمرو، عن زاذان أبي عمرو، عن البراء بن عازب، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال: " إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه، يسمعها كل دابة غير الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله تعالى: { أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ } يعني دواب الأرض " ورواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح، عن عامر بن محمد به،
ملحوظة
جاء فی الحديث
استعيذوا باللهِ من عذابِ القبرِ ، إنَّهم يُعذَّبون في قبورِهم عذابًا تسمعُه البهائمُ
أحاديث متعلقة بسورة الفاتحة من الدر المنثور للسيوطی
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي في شعب الإِيمان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء { الحمد لله } ".
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطهور شطر الإيمان { والحمد لله } تملأ الميزان، وسبحان الله تملآن ـ أو تملأ ـ مابين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو. فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها ".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان، والله أكبر يملأ ما بين السماء والأرض، والطهور نصف الميزان، والصوم نصف الصبر ".
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال لايبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ".
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن النّواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ضرب الله صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتفرقوا. وداع يدعو من فوق: الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك. لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه. فالصراط الإِسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم ".
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن { المغضوب عليهم } اليهود وإن { الضالين } النصارى ".
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمن الإِمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه ".
وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على التأمين ".
احاديث من تفسير ابن كثير
ثبت في الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحمد لله رب العالمين أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم
(حديث آخر): روى مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم عن عمار بن زريق عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل، إذ سمع نقيضاً فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء، فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته
ولمسلم نحوه حديث آخر، قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو ابن راهويه حدثنا سفيان ابن عيينة عن العلاء، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ثلاثاً - غير تمام فقيل لأبي هريرة: إنا نكون خلف الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال الله: أثنىٰ عليّ عبدي، فإذا قال { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } قال الله: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد ".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: " أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك، ولا مالك إلا الله
قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن كعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، فوافق آمين أهل الأرض آمين أهل السماء، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه، ومثل من لا يقول آمين كمثل رجل غزا مع قوم، فاقترعوا، فخرجت سهامهم، ولم يخرج سهمه، فقال: لمَ لم يخرج سهمي؟ فقيل: إنك لم تقل آمين ".
قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا حرمى بن عمارة، حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يلقى في النار، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فيها فتقول: قط قط " وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط وعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقاً آخر فيسكنهم الله تعالى في فضول الجنة " ثم رواه مسلم من حديث قتادة بنحوه، ورواه أبان العطار وسليمان التيمي عن قتادة بنحوه.....
[طريق أخرى] قال البخاري: وحدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ قال الله عز وجل للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فيها، فتقول: قط قط، فهنالك تمتلىء، وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحداً، وأما الجنة، فإن الله عز وجل ينشىء لها خلقاً آخر ".....
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثني عقبة بن مكرم، حدثنا يونس، حدثنا عبد الغفار ابن القاسم عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يعرفني الله تعالى نفسه يوم القيامة، فأسجد سجدة يرضى بها عني، ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني، ثم يؤذن لي في الكلام، ثم تمر أمتي على الصراط مضروب بين ظهراني جهنم، فيمرون أسرع من الطرف والسهم، وأسرع من أجود الخيل، حتى يخرج الرجل منها يحبو، وهي الأعمال، وجهنم تسأل المزيد، حتى يضع فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، وأنا على الحوض " قيل: وما الحوض يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج. وأطيب ريحاً من المسك، وآنيته أكثر من عدد النجوم، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبداً، ولا يصرف فيروى أبداً " وهذا القول هو اختيار ابن جرير....
قال الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم: أنه سمع مجاهداً يقول: لا يزال يقذف فيها حتى تقول: امتلأت، فتقول: هل من مزيد؟ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا، فعند هؤلاء أن قوله تعالى: { هَلِ ٱمْتَلاََتِ } إنما هو بعدما يضع عليها قدمه، فتنزوي وتقول حينئذ: هل بقي فيَّ مزيد يسع شيئاً؟ قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: وذلك حين لا يبقى فيها موضع يسع إبرة، والله أعلم....
سؤال
لماذا يخلق الله خلقا لفضول الجنة ولا يخلق لفضول النار؟
عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف،
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عفان، أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } وقال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ - قال: - فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم " وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة من حديث حماد بن سلمة به.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك يا ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا، وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عباس بن الوليد الخلال، حدثنا زيد - يعني: ابن يحيى - حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي نضرة عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } قال: " إن من أهل النار من تأخذه النار إلى كعبيه، وإن منهم من تأخذه النار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى تراقيه، منازلهم بأعمالهم، فذلك قوله: { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } ".
وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب، عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى " ، وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود مرفوعاً، فذكره، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، كذا قال، والأظهر أنه موقوف، والله أعلم...
قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا شعبة، قال: سمعت سليمان عن مجاهد: أن الناس كانوا يطوفون بالبيت، وابن عباس جالس معه محجن، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، ولو أن قطرة من الزقوم قُطِرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم؟
وقيل: { بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } يعني: القرآن؛ كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعاً في صفة القرآن: " هو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم ".
وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى،
فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثنا أسباط بن محمد، عن عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض "
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة قالوا: يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال: الجماعة. ثم قال { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ".
والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير؛ كما هو ظاهر الأية،
وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضاً ونحن إن شاء الله تعالى نورد منها ما تيسر.
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن الوليد بن العيزار: أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللهِ } قال:" هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة " هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي إسناده من لم يسم، وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شعبه به نحوه. ومعنى قوله: «بمنزلة واحدة» أي: في أنهم من هذه الأمة، وأنهم من أهل الجنة، وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة.
(الحديث الثاني) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا أنس بن عياض الليثي أبو ضمرة عن موسى بن عقبة، عن علي بن عبد الله الأزدي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللهِ } فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا، فأولئك الذين يحاسبون حساباً يسيراً، وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذي يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِىۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ٱلَّذِىۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } " [فاطر: 34 ــــ 35].
(طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ثم أورثنا الكتاب اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه ــــ قال ــــ فأما الظالم لنفسه، فيحبس حتى يصيبه الهم والحزن، ثم يدخل الجنة " ورواه ابن جرير من حديث سفيان الثوري عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت: أنه دخل المسجد، فجلس إلى جنب أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، ويسر لي جليساً صالحاً، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لئن كنت صادقاً، لأنا أسعد بك منك، سأحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحدث به منذ سمعته منه، وذكر هذه الآية: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ } ، فأما السابق بالخيرات، فيدخلها بغير حساب، وأما المقتصد، فيحاسب حساباً يسيراً، وأما الظالم لنفسه، فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن، وذلك قوله تعالى: { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِىۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ }.
(الحديث الثالث) قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس، حدثنا ابن مسعود، أخبرنا سهل بن عبد ربه الرازي، حدثنا عمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: { فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللهِ } الآية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" كلهم من هذه الأمة ".
(الحديث الرابع) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عزيز، حدثنا سلامة عن عقيل عن ابن شهاب عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أمتي ثلاثة أثلاث: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون: لا إله إلا الله وحده، يقول الله تعالى: صدقوا، لا إله إلا أنا، أدخلوهم الجنة بقولهم: لا إله إلا الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل النار، وهي التي قال الله تعالى: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } وتصديقها في التي فيها ذكر الملائكة، قال الله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } فجعلهم ثلاثة أفواج، وهم أصناف كلهم، فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يمحص ويكشف " غريب جداً.....