عبد الحكيم عبد الرازق
New member
- إنضم
- 09/04/2007
- المشاركات
- 1,499
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 36
هذه رسالتي لقراء الشام الكرام
السلام عليكم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما
ثم أما بعد :
إن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم
وبعد :
فهذه رسالتي إلي قراء الشام آمل ان تصل إليهم ، في دفع المطاعن عن الشيخ عامر بن عثمان واتهامه بأنه أول من قال بعدم الإطباق في حكم النون الساكنة والتنوين مع الباء وكذا الميم الساكنة مع الباء
وأضع الرسالة لكل منصف طلب الحق وأبا ما سواه ، راجيا المولي أن يرزقنا حسن الفهم وسعة الإطلاع .
فقد كثرت الأقاويل في هذه المسألة وذهبوا فيه كل مذهب ، ومن ثم أخذ البعض يلفق للشيوخ القائلين بالفرجة أباطيل وينسبون إليهم القول بالإطباق ، كما حدث مع الشيخ الزيات والشيخ الضباع وغيرهم ، ثم ظهرت بعض التسجيلات للشيخ الزيات وغيره ، وهم يقولون وأصواتهم مرتفعة القول بالفرجة أصح وبه نأخذ ، وكذا الشيخ الضباع قال الشيخ مدكور : إننا قرأنا علي الضباع بالفرجة " وقس علي ذلك والافتراء بأن الشيخ عامر أساس القضية ، ونسوا أو تناسوا أن من هم أعلي من الشيخ عامر قالوا بهذا القول ، ثم أصلوا افتراءاتهم . بل الأمر أن الشيخ عامر كان أكثرهم تمسكا ، ولا يرخص في غير الصواب .
ومنهم من أنصف في الأمر وأبقي الأمر علي وجود دليل علي الفرجة ، أو يكون هناك نص يصف المسألة وصفا دقيقا ، وأظن في هؤلاء متى وجدوا النص اتبعوه ، مادام النص واضحا لا يحتاج إلي تأويل .
ولقد أخبرهم قراؤنا أن الإطباق ليس علي معناه الحقيقي في المسألة واللفظة من باب الأغلب ، كما ذكروا لفظة الإطباق عند الحديث عن أحرف الإطباق ، لأن الإطباق في الصفات : ليس معناه إطباقا تاما ، بل توجد هناك ثمة فرق بين اللسان والحنك لخروج الصوت من هذا الفرق ، وهذا أمر مجمع عليه ، مع أنهم يقولون ويعبرون في تعبيراتهم بلفظة " إلصاق " . ولذا قلنا في الإخفاء : إذا أطبقنا الشفتين أين الإخفاء ؟؟
ولقد نظرت في قول الحسن بن قاسم المعروف بابن أم قاسم المرادى في شرحه لقصيدة السخاوى ( المفيد فى شرح عمدة المجيد فى النظم و التجويد ) صـ عند حديثه عن حكم الإقلاب : (( و ذكر الجعبري فى شرح الشاطبية أن أكثر المصنفين أطلق فى قوله : إن النون الساكنة و التنوين يقلبان ميما عند الباء , و لابد من قيدين قلبهما ميما ثم إخفائهما بغنة )) ا.هـ قول الجعبرى
قلت (المرادى) :
أما الغنة فقد نص مكي على أن النون الساكنة إذا أبدلت ميما فالغنة لابد من إظهارها ، قال : لأنك أبدلت من حرف فيه غنة حرفا آخر فيه غنة و هو الميم الساكنة , و أما الإخفاء ففيه نظر . و قد تقدم ما ذكره صاحب الإقناع .
و الذي يظهر أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء . ا.هـ 75
وقد تعجبت من قوله : (و أما الإخفاء ففيه نظر ) فهذا اعتراض على الإخفاء الذي ذهب إليه الجعبري. وهومذهب ابن مجاهد والداني وابن الجزري وغيرهم
قال ابن الجزرى : (و اخفين... الميم إن تسكن بغنة لدى باء على المختار من أهل الأداء)
وقال الداني في التيسير : وأما الميم فأخفاها عند الباء اذا تحرك ما قبلها نحو قوله : بأعلم بالشاكرين و يحكم به ، وشبهه والقراء يعبرون عن هذا بالادغام وليس كذلك لامتناع القلب فيه وانما تذهب الحركة فتخفى الميم....)ا.هـ21
و قال الداني في جامع البيان عند إخفاء الميم عند الباء : و ذلك إخفاء للحرف لا إخفاء للحركة ) اهـ )))
هذا ما عليه العمل .
وقال أيضا العلامة ابن الجزري في كتابه النشر
" وذهب جماعة إلى إظهار الميم عند الباء من غير غنة وهو اختيار مكي القيسي وغيره وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر بلاد المشارقة ـ ثم قال : والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب" ج1 ص222
قال القسطلاني في (لطائف الإشارات جـ )) : فبإخفاء الميم مع إظهار الغنة أخذ الداني وغيره من أهل التحقيق وفاقا لابن مجاهد وسائر أهل الأدا بمصر والشام والأندلس .
وبإظهارها أخذ مكي القيسي وغيره ، وفاقا لأهل الأداء من العراقيين وصحح في النشر الوجهين ، إلا أنه قال بأولية الإخفاء للإجماع علي إخفائها عند القلب وعلي إخفائها في مذهب أبي عمرو حالة الإخفاء في نحو: ( أعلم بالشاكرين ) ا.هــ 247
ونلحظ من نص القسطلاني أنه ذكر الإظهار للعراقيين وغيرهم ولعله يقصد بـ (غيرهم ) المغاربة ، وهنا إشكال :
هل قصد الإظهار في القلب ؟؟ لأن ابن الجزري قال في النشر :" قلت : وقد زل بسبب ذلك قوم وأطلقوا قياس ما لا يروى على ما روي وما له وجه ضعيف على الوجه القوي كأخذ بعض الأغبياء بإظهار الميم المقلوبة من النون والتنوين .." 1/18
ثم قال ابن الجزري في النشر : وأما الحكم الثالث وهو (القلب) : فعند حرف واحد وهي الباء فإن النون الساكنة والتنوين يقلبان عندها ميماً خالصة من غير إدغام وذلك نحو (أنبئهم، ومن بعد، وصم بكم) ولابد من إظهار الغنة مع ذلك فيصير في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة عند الباء فلا فرق حينئذ في اللفظ بين (أن بورك، وبين: يعتصم بالله) إلا أنه لم يختلف في إخفاء الميم ولا في إظهار الغنة في ذلك.
وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء.
والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك عن الداني ، وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة واختار مع ذلك الإخفاء. وفد بسطنا بيان ذلك في كتاب التمهيد والله أعلم.))ا.هـ2/84
وقول ابن الجزري : وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء.
والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك عن الداني ، وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة واختار مع ذلك الإخفاء.)) .
قلتُ : والمرادي من متأخري المغاربة لعله أراد الإظهار في القلب بقوله : والذي يظهر أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء . ا.هـ
وإمام آخر من أئمة المغاربة المتأخرين هو الإمام عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السداد ، أبو محمد المالقي (ت 705هـ) قال في كتابه : شرح التيسير للداني ، المسمى : الدر النثير والعذب النمير ، وهو يتحدث عن قلب النون الساكنة والتنوين ميماً قبل الباء : " لا خلاف في لزوم القلب في جميع هذه الأمثلة وما أشبهها ، وحقيقة القلب هنا : أن تلفظ بميم ساكنة بدلاً من النون الساكنة ، ويُتَحَفَّظُ من سريان التحريك السريع ، ومعيار ذلك : أن تنظر كيف تلفظ بالميم في قولك : الخَمْر والشَّمْس، فتجد الشفتين تنطبقان حال النطق بالميم ، ولا تنفتحان إلا بالحرف الذي بعدها ، وكذا ينبغي أن يكون العمل في الباء ، فإن شرعت في فتح الشفتين قبل تمام لفظ الميم ، سرى التحريك إلى الميم ، وهو من اللحن الخفي الذي ينبغي التَّحَرُّزُ منه ، ثم تلفظ بالباء متصلة بالميم ، ومعها تنفتح الشفتان بالحركة ، وَلْيُحْرَزْ عليها ما تستحقه من الشدة والقلقلة " 449
فلا تجد المالقي ذكر الغنة مع القلب في هذه العبارة إنما يوضح كيف تقلب النون ميما ، بينما قال عند ذكره للإخفاء في النون الساكنة والتنوين : (..وقد فسر الحافظ رحمه الله الإخفاء بأنه حال بين الإظهار والإدغام وهو عار عن التشديد .
وحقيقة ما أراد الحافظ : ألا تلصق طرف لسانك بما يقابله من مقدم الفم وتبقي الغنة في الأنف ...)) 452
فعند القلب لم يذكر الغنة وذكرها عند الإخفاء فدل ذلك علي المغايرة عنده في الحكم ، بل قال" ثم تلفظ بالباء متصلة بالميم" ولم يذكر أن هذا الاتصال يفصل بينهما بغنة ، وهو ما قاله ابن الجزري : وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم) .
ومع فرض أنه أراد القلب علي حقيقته ـ أي مع الغنة ـ فقد ظهر أن هذا من مذهب المغاربة خلطوا بين المذهبين مذهب الإظهار ومذهب الإخفاء . وهو ما عبر به المرادي " أما الغنة فقد نص مكي على أن النون الساكنة إذا أبدلت ميما فالغنة لابد من إظهارها"
ومن المعلوم أن مذهبهم في الميم الساكنة عند الباء الإظهار ، لأن المرادي قال: (و أما الإخفاء ففيه نظر ) ثم قال : والذي يظهر أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء . ا.هـ ولذا أعطوا حكم القلب حكم إخفاء الميم الصريحة وهذا يظهر في قوله " أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء" وهذا يؤكد ما قاله ابن الجزري في متأخري المغاربة .
ثم جاء مَن خلط بين المذهبين فقرأ بميم صريحة ثم صاحبها بالغنة ومن هنا ظهرت القراءة بالإطباق .
والذي يقوِّي هذا الوجه ما ذكره الجعبرى رحمه الله فى منظومتة ( حدود الإتقان فى تجويد القرآن ) و قد حققه الأخ جمال السيد رفاعى فى كتابه ( مجموعة من المتون و المهمات فى التجويد و القراءات و الرسم و عد الأيات )الناشر مكتبة الإيمان القاهرة ت 3452302 ووضع فى الكتاب 24 متنا من متون القراءات المختلفة و ذكر المحقق داخل الكتاب أن متن حدود الإتقان حققة محمد محفوظ و طبع بدار الغرب الإسلامى ببيروت .
(( وقد جاءني بالدليل الشافى الكافى على وجوب الفرجة الشيخ محمود عبد الرحمن الحسينى حفظه الله وقال : إنه وجد فى مخطوطة للجعبرى رحمه الله يقول فيه ( لاطباق اتقيا) فلم أصدق لأول وهلة أن ينفى الأطباق بهذا التصريح , ذلك مع ثقتى فى أخينا الشيخ محمود حفظه الله فهو من الشيوخ أصحاب الهمه العالية و الخبرة فى مسألة البحث فى المخطوطات و قد حقق من قبل (المنظومه فى طريق الإمام ورش من أصول و فرش ) للعلامة سليمان الجمزورى و كذلك له أبحاث مفيدة بارك الله فيه .ثم أخبرني بأن المتن مطبوع))
ونقلي نظرة علي ترجمة الإمام الجعبري قال الذهبي في (معرفة القراء الكبار ) : ابراهيم بن عمر ابن إبراهيم الشيخ الإمام العالم المقرئ الأستاذ برهان الدين أبو إسحاق الجعبري شيخ بلد الخليل عليه السلام من بضع وعشرين سنة له شرح كبير للشاطبية كامل في معناه وشرح الرائية وقصيدة لامية في القراءات العشر قرأتها عليه وأخرى في الرسم وأخرى في العدد تخرج به جماعة وهو الآن باق قد قارب الثمانين))1/378
قال عنه ابن الجزري في (غاية النهاية ): إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس العلامة الأستاذ أبو محمد الربعي الجعبري السلفي بفتحتين نسبة إلى طريقة السلف محقق حاذق ثقة كبيرة، شرح الشاطبية والرائية وألف التصانيف في أنواع العلوم، ولد سنة أربعين وستمائة أو قبلها تقريباً بربض قلعة جعبر......)ا.هـ1/20
يقول الجعبرى ـ رحمه الله ـ وهو يصف كيفية الإخفاء وصفا أقوي وأوضح من قول المرعشى ـ :
46. الســـاكنين اجمـع بوقف الهجـا *** وقياس غير بعد حــرف زمـان
47.حرك والاصل الكسر الأول وقد أخذ *** قـل و يؤى الله ذو الإحســان
48. لادغــام خـف ممـاثلا و مناسبا *** و امنع لشـد النون والنقصــان
49. لقوى أجز للكـوفى و البصري و ما *** هو مختلف إذا لم يلتق الكفــان
50 . سكن لإخفا اقلب و لإطــــــــــــباق اتقيا *** واتـــمم لشد المحض ضمن الثــــانى
51. وهـو الكبـير اشمم سوى شفهـية *** فمجـاور أيضا به الوجهـــان
52. أوجبت بمثــل سـاكن لها مـدة *** طرف وجـاد بمالـــيه قـولان
وقد أتيتُ بالسابق و اللاحق ( رغم أننا لا نريد إلا البيت رقم (50) ألا و هو
(سكن لإخفا اقلب و لإطباق اتقيا ) حتى يتضح الكلام من أوله .
أما البيتان (46،47) يتحدث فيهما عن الساكنين و كيفية التخلص من الساكنين و ليس من موضوعنا. و البيتان رقم (48،49) يتحدث عن المثلين و مافيهما إلى قوله و للكوفى .
و أما قوله ( والبصرى وما : هو مختلف إذا لم يلتقى الكفان) يقصد بهما المتقاربين و المتجانسين في مذهب البصري
ثم ذكر البيت رقم (50) و هو بيت القصيد
قوله : ( سكن ) أى يتحدث فيه عن حرفين متحركين وهو المسمي بالإدغام الكبير لأنه هو الذي يسكن ثم يخفي أو يدغم حسب ما بعده من الأحرف .
وقوله : ( لاخفا ) وحكم الإخفاء بعد تسكين الحرف لا يكون إلا فى حكم الميم مع الباء كما هو معلوم ولا يبقي مع الإخفاء قلب قال الداني : ... والقراء يعبرون عن هذا بالإدغام وليس كذلك لامتناع القلب فيه وإنما تذهب الحركة فتخفى الميم....)ا.هـ
قال ابن الجزرى فى الطيبه : (و الميم عند الباء عن محرك ...... تخفى... )
وقال الشاطبى فى الحرز ( وتسكن عنه الميم من قبل بائها ..... على إثر تحرك فتخفى... )
وهو ما ذكره الإمام الجعبرى فى البيت الثانى ( رقم 51) بقوله : و هو الكبير ....
وقوله (لاطباق اتقيا ) هذا خاص بإخفاء الميم عند الباء
وأما قوله ( اقلب ) أى إقلب الحرف الأول من جنس الثانى بعد تسكينه وهذا لا يكون إلا في الإدغام الكامل وهو ما وصفه بقوله (وأتمم لشد المحض ضمن الثانى )
ذكر الجعبري قاعدة الإخفاء والقلب معا ، ثم جاء بوصف كل منهما فيما بعد ، ونظير هذا الأسلوب قد جاء في الحرز : وَيُسْمِعُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ هَمْزُهُ لَدى فَتْحِهِ يَاءًا وَوَاوًا مُحَوَّلاَ))
قال أبوشامة معلقا : وهذا البيت فصيح النظم حيث لف الكلام فجمع بين الكسر والضم ثم رد إليهما قوله ياء وواوا فردت الفطنة الياء إلى الكسر والواو إلى الضم فهو من باب قوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) ، وقول امرئ القيس ، (كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والخشف البالي) ا.هـ1/238
وكذا هنا يُرَدُّ اتقاء الإطباق إلي الإخفاء ، ويرد القلب للإدغام لأنه لايصح الإدغام في المتقارب والمتجانس إلا بعد القلب في الحرف الأول . قال الداني في كتاب الإدغام : ...وحقيقة إدغام الحرف المتقارب أن ينقلب إلي لفظ الثاني ثم يدغم ..)ا.هـ 29
و قد يعتقد البعض أن الإخفاء المقصود به الاختلاس ؟
أقول: الأمر واضح بأنه إخفاء حرف و ليس حركة لقوله ( سكن لاخفا ) فالإسكان لا يكون معه حركة ولا أبعاضها .
وقد يقول القائل بأنه يقصد أن يتقي القارئ شدة الضغط لا الفرجة .
أقول : لو أراد ذلك لقال : (ولاطباق اخّففا ) مثلا أو عبر بأي تعبير عن التخفيف وليس الاتقاء
قال ابن الناظم رحمه الله فى شرح الطيبة عند قول الناظم فى طيبته ( و الميم عند الباء عن محرك ..... تخفى) الإخفاء حاله بين الإظهار و الإدغام
و لم نسمع أحدًا من القدامى اعترض على قول الجعبرى مثلما اعترضوا عليه فى مسألة ترقيق الألف بعد الحرف المفخم .
فكلام صريح باتقاء الإطباق ولا أصرح من ذلك .... ماذا يقول إخواننا في مثل هذه النصوص الواضحة البيّنة .
والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف نتقي الإطباق مع الملامسة بين الشفتين ؟؟
وإلي إخواني أيضا قولا واضحا غير قول الجعبري ، قال صاحب الطرازات المعلمة" وهو الإمام الأزهري وهو تلميذ ابن الجزري المباشر ، وهو يوجه الإقلاب (... وذلك لعسر الإتيان بالغنة مع انطباق الشفتين حال الإظهار ولم يدغما في الباء لقلة المناسبة بينهما ))107 فذكر عسر الإتيان بالغنة مع انطباق الشفتين ، فكيف تكون حال الشفتين عن الإتيان بالغنة إن لم تكونا مطبقين ؟؟ ألم ينفي الإطباق يا إخواني ؟؟ ألم يقل : لا غنة مع انطباق الشفتين ؟؟
ومن هنا يتضح لنا أن النص واضح لا مرية فيه وهذا مع تعريفات القدامي للإخفاء بأنه حالة بين الإظهار والإدغام وهذا ما فسره المرعشي بقوله : فقال " والظاهر أن معنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية بل إضعافها وستر ذاتها فى الجملة بتقليل الاعتماد على مخرجها وهذا كإخفاء الحركة فى قوله "لا تأمنا" إذ ذلك ليس بإعدام الحركة بالكلية بل تبعيضها." أ.هـ.
فلا يقول بزوال الميم ولكن بتبعيض المخرج , وقوله " بتقليل الاعتماد على مخرجه " وهو ما نعنيه بالفرجة , إذ إن إطباق الشفتين والتلاصق من غير كز لا يخرج الميم من كونه بملامسة الشفتين فلا يوجد فيها تبعيض , وهذا ظاهر.وأمام قول المرعشي وقف أصحاب الإطباق حائرين : أجاب بعضهم فقالوا هذا يدل علي عدم الكز " ولفساد هذا القول إليك نص ممن يقول بالإطباق وهو د /غانم قدوري قال بعد نص المرعشي السابق :" ولا يبدوا الفرق جليا بين إخفاء الميم وإظهارها في كلام المرعشي السابق ، مع تقديرنا لدقة تحليله ولا نكاد نجد تفسيرا لقوله في أول كلامه : إن إخفاء الميم هو إضعافها بتقليل الاعتماد علي مخرجها ، فالناطق لا يحتاج إلي تكلف هذا النوع من الإخفاء حين ينطق الميم ساكنة قبل الباء ، ويكفيه أن يضم شفتيه ويجري النفس من الخيشوم ....." الدراسات الصوتية عند علماء التجويد صـ393
فكما تري وقف حائرا لأن النص واضح في تبعيض المخرج وهو ما نسميه بالفرجة ، ولم يتعسف مثل البعض في تأويل النص .
ولاضير في أن يعود قراء الشام إلي مذهب الإمام ابن مجاهد والداني وابن الجزري لأن أسانيدهم من قِبل ابن الجزري .
وإنى أدعو إخواننا قراء الشام و غيرهم ممن ساروا على نهجهم بأن يعودوا إلى الوجه الصواب , فقد رجع كثير من القراء عن أوجه كانوا يقرؤن بها ولا ضير في ذلك ،و إليكم بعض ما ذكر بهذا الخصوص :
قال الدانى فى جامع البيان (..... وقد خالف محمد بن الجهم من القراء فى ذلك محمد بن أحمد بن واصل فروى عن سلمة بن عاصم عن الفراء : أن الكسائى رجع بعد ذلك إلى مذهب حمزة .... و العمل و الأخذ برواية ابن الجهم و بذلك قرأت ا.هـ صـ149
وفى صـ 176 قال : ( حدثنا عبد الباقى بن الحسن عن زيد بن على أنه سمع ابن مجاهد سنة ثلاثمائة يقرأ ( و لتأت طائفة ) ( و يخل لكم ) بالإدغام ثم رجع إلى الإظهار فى آخر العمر ا.هـ
و اختم برجوع ابن الجزرى عن القول بترقيق الألف إذا جاءت بعد حروف التفخيم و كذلك كان سلفنا يبتغون الحق و يرجعون عن أخطائهم إذا تبين لهم الصواب .
هدانا الله و إياكم إلي طريق الحق والصواب .
و السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
(كتبه أبو عمر عبد الحكيم عبد الرازق فولى)
السلام عليكم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما
ثم أما بعد :
إن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم
وبعد :
فهذه رسالتي إلي قراء الشام آمل ان تصل إليهم ، في دفع المطاعن عن الشيخ عامر بن عثمان واتهامه بأنه أول من قال بعدم الإطباق في حكم النون الساكنة والتنوين مع الباء وكذا الميم الساكنة مع الباء
وأضع الرسالة لكل منصف طلب الحق وأبا ما سواه ، راجيا المولي أن يرزقنا حسن الفهم وسعة الإطلاع .
فقد كثرت الأقاويل في هذه المسألة وذهبوا فيه كل مذهب ، ومن ثم أخذ البعض يلفق للشيوخ القائلين بالفرجة أباطيل وينسبون إليهم القول بالإطباق ، كما حدث مع الشيخ الزيات والشيخ الضباع وغيرهم ، ثم ظهرت بعض التسجيلات للشيخ الزيات وغيره ، وهم يقولون وأصواتهم مرتفعة القول بالفرجة أصح وبه نأخذ ، وكذا الشيخ الضباع قال الشيخ مدكور : إننا قرأنا علي الضباع بالفرجة " وقس علي ذلك والافتراء بأن الشيخ عامر أساس القضية ، ونسوا أو تناسوا أن من هم أعلي من الشيخ عامر قالوا بهذا القول ، ثم أصلوا افتراءاتهم . بل الأمر أن الشيخ عامر كان أكثرهم تمسكا ، ولا يرخص في غير الصواب .
ومنهم من أنصف في الأمر وأبقي الأمر علي وجود دليل علي الفرجة ، أو يكون هناك نص يصف المسألة وصفا دقيقا ، وأظن في هؤلاء متى وجدوا النص اتبعوه ، مادام النص واضحا لا يحتاج إلي تأويل .
ولقد أخبرهم قراؤنا أن الإطباق ليس علي معناه الحقيقي في المسألة واللفظة من باب الأغلب ، كما ذكروا لفظة الإطباق عند الحديث عن أحرف الإطباق ، لأن الإطباق في الصفات : ليس معناه إطباقا تاما ، بل توجد هناك ثمة فرق بين اللسان والحنك لخروج الصوت من هذا الفرق ، وهذا أمر مجمع عليه ، مع أنهم يقولون ويعبرون في تعبيراتهم بلفظة " إلصاق " . ولذا قلنا في الإخفاء : إذا أطبقنا الشفتين أين الإخفاء ؟؟
ولقد نظرت في قول الحسن بن قاسم المعروف بابن أم قاسم المرادى في شرحه لقصيدة السخاوى ( المفيد فى شرح عمدة المجيد فى النظم و التجويد ) صـ عند حديثه عن حكم الإقلاب : (( و ذكر الجعبري فى شرح الشاطبية أن أكثر المصنفين أطلق فى قوله : إن النون الساكنة و التنوين يقلبان ميما عند الباء , و لابد من قيدين قلبهما ميما ثم إخفائهما بغنة )) ا.هـ قول الجعبرى
قلت (المرادى) :
أما الغنة فقد نص مكي على أن النون الساكنة إذا أبدلت ميما فالغنة لابد من إظهارها ، قال : لأنك أبدلت من حرف فيه غنة حرفا آخر فيه غنة و هو الميم الساكنة , و أما الإخفاء ففيه نظر . و قد تقدم ما ذكره صاحب الإقناع .
و الذي يظهر أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء . ا.هـ 75
وقد تعجبت من قوله : (و أما الإخفاء ففيه نظر ) فهذا اعتراض على الإخفاء الذي ذهب إليه الجعبري. وهومذهب ابن مجاهد والداني وابن الجزري وغيرهم
قال ابن الجزرى : (و اخفين... الميم إن تسكن بغنة لدى باء على المختار من أهل الأداء)
وقال الداني في التيسير : وأما الميم فأخفاها عند الباء اذا تحرك ما قبلها نحو قوله : بأعلم بالشاكرين و يحكم به ، وشبهه والقراء يعبرون عن هذا بالادغام وليس كذلك لامتناع القلب فيه وانما تذهب الحركة فتخفى الميم....)ا.هـ21
و قال الداني في جامع البيان عند إخفاء الميم عند الباء : و ذلك إخفاء للحرف لا إخفاء للحركة ) اهـ )))
هذا ما عليه العمل .
وقال أيضا العلامة ابن الجزري في كتابه النشر
" وذهب جماعة إلى إظهار الميم عند الباء من غير غنة وهو اختيار مكي القيسي وغيره وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر بلاد المشارقة ـ ثم قال : والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب" ج1 ص222
قال القسطلاني في (لطائف الإشارات جـ )) : فبإخفاء الميم مع إظهار الغنة أخذ الداني وغيره من أهل التحقيق وفاقا لابن مجاهد وسائر أهل الأدا بمصر والشام والأندلس .
وبإظهارها أخذ مكي القيسي وغيره ، وفاقا لأهل الأداء من العراقيين وصحح في النشر الوجهين ، إلا أنه قال بأولية الإخفاء للإجماع علي إخفائها عند القلب وعلي إخفائها في مذهب أبي عمرو حالة الإخفاء في نحو: ( أعلم بالشاكرين ) ا.هــ 247
ونلحظ من نص القسطلاني أنه ذكر الإظهار للعراقيين وغيرهم ولعله يقصد بـ (غيرهم ) المغاربة ، وهنا إشكال :
هل قصد الإظهار في القلب ؟؟ لأن ابن الجزري قال في النشر :" قلت : وقد زل بسبب ذلك قوم وأطلقوا قياس ما لا يروى على ما روي وما له وجه ضعيف على الوجه القوي كأخذ بعض الأغبياء بإظهار الميم المقلوبة من النون والتنوين .." 1/18
ثم قال ابن الجزري في النشر : وأما الحكم الثالث وهو (القلب) : فعند حرف واحد وهي الباء فإن النون الساكنة والتنوين يقلبان عندها ميماً خالصة من غير إدغام وذلك نحو (أنبئهم، ومن بعد، وصم بكم) ولابد من إظهار الغنة مع ذلك فيصير في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة عند الباء فلا فرق حينئذ في اللفظ بين (أن بورك، وبين: يعتصم بالله) إلا أنه لم يختلف في إخفاء الميم ولا في إظهار الغنة في ذلك.
وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء.
والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك عن الداني ، وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة واختار مع ذلك الإخفاء. وفد بسطنا بيان ذلك في كتاب التمهيد والله أعلم.))ا.هـ2/84
وقول ابن الجزري : وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء.
والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك عن الداني ، وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة واختار مع ذلك الإخفاء.)) .
قلتُ : والمرادي من متأخري المغاربة لعله أراد الإظهار في القلب بقوله : والذي يظهر أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء . ا.هـ
وإمام آخر من أئمة المغاربة المتأخرين هو الإمام عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السداد ، أبو محمد المالقي (ت 705هـ) قال في كتابه : شرح التيسير للداني ، المسمى : الدر النثير والعذب النمير ، وهو يتحدث عن قلب النون الساكنة والتنوين ميماً قبل الباء : " لا خلاف في لزوم القلب في جميع هذه الأمثلة وما أشبهها ، وحقيقة القلب هنا : أن تلفظ بميم ساكنة بدلاً من النون الساكنة ، ويُتَحَفَّظُ من سريان التحريك السريع ، ومعيار ذلك : أن تنظر كيف تلفظ بالميم في قولك : الخَمْر والشَّمْس، فتجد الشفتين تنطبقان حال النطق بالميم ، ولا تنفتحان إلا بالحرف الذي بعدها ، وكذا ينبغي أن يكون العمل في الباء ، فإن شرعت في فتح الشفتين قبل تمام لفظ الميم ، سرى التحريك إلى الميم ، وهو من اللحن الخفي الذي ينبغي التَّحَرُّزُ منه ، ثم تلفظ بالباء متصلة بالميم ، ومعها تنفتح الشفتان بالحركة ، وَلْيُحْرَزْ عليها ما تستحقه من الشدة والقلقلة " 449
فلا تجد المالقي ذكر الغنة مع القلب في هذه العبارة إنما يوضح كيف تقلب النون ميما ، بينما قال عند ذكره للإخفاء في النون الساكنة والتنوين : (..وقد فسر الحافظ رحمه الله الإخفاء بأنه حال بين الإظهار والإدغام وهو عار عن التشديد .
وحقيقة ما أراد الحافظ : ألا تلصق طرف لسانك بما يقابله من مقدم الفم وتبقي الغنة في الأنف ...)) 452
فعند القلب لم يذكر الغنة وذكرها عند الإخفاء فدل ذلك علي المغايرة عنده في الحكم ، بل قال" ثم تلفظ بالباء متصلة بالميم" ولم يذكر أن هذا الاتصال يفصل بينهما بغنة ، وهو ما قاله ابن الجزري : وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم) .
ومع فرض أنه أراد القلب علي حقيقته ـ أي مع الغنة ـ فقد ظهر أن هذا من مذهب المغاربة خلطوا بين المذهبين مذهب الإظهار ومذهب الإخفاء . وهو ما عبر به المرادي " أما الغنة فقد نص مكي على أن النون الساكنة إذا أبدلت ميما فالغنة لابد من إظهارها"
ومن المعلوم أن مذهبهم في الميم الساكنة عند الباء الإظهار ، لأن المرادي قال: (و أما الإخفاء ففيه نظر ) ثم قال : والذي يظهر أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء . ا.هـ ولذا أعطوا حكم القلب حكم إخفاء الميم الصريحة وهذا يظهر في قوله " أن النون الساكنة إذا أبدلت قبل الباء أعطيت حكم الميم الأصلية إذا وقعت قبل الباء" وهذا يؤكد ما قاله ابن الجزري في متأخري المغاربة .
ثم جاء مَن خلط بين المذهبين فقرأ بميم صريحة ثم صاحبها بالغنة ومن هنا ظهرت القراءة بالإطباق .
والذي يقوِّي هذا الوجه ما ذكره الجعبرى رحمه الله فى منظومتة ( حدود الإتقان فى تجويد القرآن ) و قد حققه الأخ جمال السيد رفاعى فى كتابه ( مجموعة من المتون و المهمات فى التجويد و القراءات و الرسم و عد الأيات )الناشر مكتبة الإيمان القاهرة ت 3452302 ووضع فى الكتاب 24 متنا من متون القراءات المختلفة و ذكر المحقق داخل الكتاب أن متن حدود الإتقان حققة محمد محفوظ و طبع بدار الغرب الإسلامى ببيروت .
(( وقد جاءني بالدليل الشافى الكافى على وجوب الفرجة الشيخ محمود عبد الرحمن الحسينى حفظه الله وقال : إنه وجد فى مخطوطة للجعبرى رحمه الله يقول فيه ( لاطباق اتقيا) فلم أصدق لأول وهلة أن ينفى الأطباق بهذا التصريح , ذلك مع ثقتى فى أخينا الشيخ محمود حفظه الله فهو من الشيوخ أصحاب الهمه العالية و الخبرة فى مسألة البحث فى المخطوطات و قد حقق من قبل (المنظومه فى طريق الإمام ورش من أصول و فرش ) للعلامة سليمان الجمزورى و كذلك له أبحاث مفيدة بارك الله فيه .ثم أخبرني بأن المتن مطبوع))
ونقلي نظرة علي ترجمة الإمام الجعبري قال الذهبي في (معرفة القراء الكبار ) : ابراهيم بن عمر ابن إبراهيم الشيخ الإمام العالم المقرئ الأستاذ برهان الدين أبو إسحاق الجعبري شيخ بلد الخليل عليه السلام من بضع وعشرين سنة له شرح كبير للشاطبية كامل في معناه وشرح الرائية وقصيدة لامية في القراءات العشر قرأتها عليه وأخرى في الرسم وأخرى في العدد تخرج به جماعة وهو الآن باق قد قارب الثمانين))1/378
قال عنه ابن الجزري في (غاية النهاية ): إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس العلامة الأستاذ أبو محمد الربعي الجعبري السلفي بفتحتين نسبة إلى طريقة السلف محقق حاذق ثقة كبيرة، شرح الشاطبية والرائية وألف التصانيف في أنواع العلوم، ولد سنة أربعين وستمائة أو قبلها تقريباً بربض قلعة جعبر......)ا.هـ1/20
يقول الجعبرى ـ رحمه الله ـ وهو يصف كيفية الإخفاء وصفا أقوي وأوضح من قول المرعشى ـ :
46. الســـاكنين اجمـع بوقف الهجـا *** وقياس غير بعد حــرف زمـان
47.حرك والاصل الكسر الأول وقد أخذ *** قـل و يؤى الله ذو الإحســان
48. لادغــام خـف ممـاثلا و مناسبا *** و امنع لشـد النون والنقصــان
49. لقوى أجز للكـوفى و البصري و ما *** هو مختلف إذا لم يلتق الكفــان
50 . سكن لإخفا اقلب و لإطــــــــــــباق اتقيا *** واتـــمم لشد المحض ضمن الثــــانى
51. وهـو الكبـير اشمم سوى شفهـية *** فمجـاور أيضا به الوجهـــان
52. أوجبت بمثــل سـاكن لها مـدة *** طرف وجـاد بمالـــيه قـولان
وقد أتيتُ بالسابق و اللاحق ( رغم أننا لا نريد إلا البيت رقم (50) ألا و هو
(سكن لإخفا اقلب و لإطباق اتقيا ) حتى يتضح الكلام من أوله .
أما البيتان (46،47) يتحدث فيهما عن الساكنين و كيفية التخلص من الساكنين و ليس من موضوعنا. و البيتان رقم (48،49) يتحدث عن المثلين و مافيهما إلى قوله و للكوفى .
و أما قوله ( والبصرى وما : هو مختلف إذا لم يلتقى الكفان) يقصد بهما المتقاربين و المتجانسين في مذهب البصري
ثم ذكر البيت رقم (50) و هو بيت القصيد
قوله : ( سكن ) أى يتحدث فيه عن حرفين متحركين وهو المسمي بالإدغام الكبير لأنه هو الذي يسكن ثم يخفي أو يدغم حسب ما بعده من الأحرف .
وقوله : ( لاخفا ) وحكم الإخفاء بعد تسكين الحرف لا يكون إلا فى حكم الميم مع الباء كما هو معلوم ولا يبقي مع الإخفاء قلب قال الداني : ... والقراء يعبرون عن هذا بالإدغام وليس كذلك لامتناع القلب فيه وإنما تذهب الحركة فتخفى الميم....)ا.هـ
قال ابن الجزرى فى الطيبه : (و الميم عند الباء عن محرك ...... تخفى... )
وقال الشاطبى فى الحرز ( وتسكن عنه الميم من قبل بائها ..... على إثر تحرك فتخفى... )
وهو ما ذكره الإمام الجعبرى فى البيت الثانى ( رقم 51) بقوله : و هو الكبير ....
وقوله (لاطباق اتقيا ) هذا خاص بإخفاء الميم عند الباء
وأما قوله ( اقلب ) أى إقلب الحرف الأول من جنس الثانى بعد تسكينه وهذا لا يكون إلا في الإدغام الكامل وهو ما وصفه بقوله (وأتمم لشد المحض ضمن الثانى )
ذكر الجعبري قاعدة الإخفاء والقلب معا ، ثم جاء بوصف كل منهما فيما بعد ، ونظير هذا الأسلوب قد جاء في الحرز : وَيُسْمِعُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ هَمْزُهُ لَدى فَتْحِهِ يَاءًا وَوَاوًا مُحَوَّلاَ))
قال أبوشامة معلقا : وهذا البيت فصيح النظم حيث لف الكلام فجمع بين الكسر والضم ثم رد إليهما قوله ياء وواوا فردت الفطنة الياء إلى الكسر والواو إلى الضم فهو من باب قوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) ، وقول امرئ القيس ، (كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والخشف البالي) ا.هـ1/238
وكذا هنا يُرَدُّ اتقاء الإطباق إلي الإخفاء ، ويرد القلب للإدغام لأنه لايصح الإدغام في المتقارب والمتجانس إلا بعد القلب في الحرف الأول . قال الداني في كتاب الإدغام : ...وحقيقة إدغام الحرف المتقارب أن ينقلب إلي لفظ الثاني ثم يدغم ..)ا.هـ 29
و قد يعتقد البعض أن الإخفاء المقصود به الاختلاس ؟
أقول: الأمر واضح بأنه إخفاء حرف و ليس حركة لقوله ( سكن لاخفا ) فالإسكان لا يكون معه حركة ولا أبعاضها .
وقد يقول القائل بأنه يقصد أن يتقي القارئ شدة الضغط لا الفرجة .
أقول : لو أراد ذلك لقال : (ولاطباق اخّففا ) مثلا أو عبر بأي تعبير عن التخفيف وليس الاتقاء
قال ابن الناظم رحمه الله فى شرح الطيبة عند قول الناظم فى طيبته ( و الميم عند الباء عن محرك ..... تخفى) الإخفاء حاله بين الإظهار و الإدغام
و لم نسمع أحدًا من القدامى اعترض على قول الجعبرى مثلما اعترضوا عليه فى مسألة ترقيق الألف بعد الحرف المفخم .
فكلام صريح باتقاء الإطباق ولا أصرح من ذلك .... ماذا يقول إخواننا في مثل هذه النصوص الواضحة البيّنة .
والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف نتقي الإطباق مع الملامسة بين الشفتين ؟؟
وإلي إخواني أيضا قولا واضحا غير قول الجعبري ، قال صاحب الطرازات المعلمة" وهو الإمام الأزهري وهو تلميذ ابن الجزري المباشر ، وهو يوجه الإقلاب (... وذلك لعسر الإتيان بالغنة مع انطباق الشفتين حال الإظهار ولم يدغما في الباء لقلة المناسبة بينهما ))107 فذكر عسر الإتيان بالغنة مع انطباق الشفتين ، فكيف تكون حال الشفتين عن الإتيان بالغنة إن لم تكونا مطبقين ؟؟ ألم ينفي الإطباق يا إخواني ؟؟ ألم يقل : لا غنة مع انطباق الشفتين ؟؟
ومن هنا يتضح لنا أن النص واضح لا مرية فيه وهذا مع تعريفات القدامي للإخفاء بأنه حالة بين الإظهار والإدغام وهذا ما فسره المرعشي بقوله : فقال " والظاهر أن معنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية بل إضعافها وستر ذاتها فى الجملة بتقليل الاعتماد على مخرجها وهذا كإخفاء الحركة فى قوله "لا تأمنا" إذ ذلك ليس بإعدام الحركة بالكلية بل تبعيضها." أ.هـ.
فلا يقول بزوال الميم ولكن بتبعيض المخرج , وقوله " بتقليل الاعتماد على مخرجه " وهو ما نعنيه بالفرجة , إذ إن إطباق الشفتين والتلاصق من غير كز لا يخرج الميم من كونه بملامسة الشفتين فلا يوجد فيها تبعيض , وهذا ظاهر.وأمام قول المرعشي وقف أصحاب الإطباق حائرين : أجاب بعضهم فقالوا هذا يدل علي عدم الكز " ولفساد هذا القول إليك نص ممن يقول بالإطباق وهو د /غانم قدوري قال بعد نص المرعشي السابق :" ولا يبدوا الفرق جليا بين إخفاء الميم وإظهارها في كلام المرعشي السابق ، مع تقديرنا لدقة تحليله ولا نكاد نجد تفسيرا لقوله في أول كلامه : إن إخفاء الميم هو إضعافها بتقليل الاعتماد علي مخرجها ، فالناطق لا يحتاج إلي تكلف هذا النوع من الإخفاء حين ينطق الميم ساكنة قبل الباء ، ويكفيه أن يضم شفتيه ويجري النفس من الخيشوم ....." الدراسات الصوتية عند علماء التجويد صـ393
فكما تري وقف حائرا لأن النص واضح في تبعيض المخرج وهو ما نسميه بالفرجة ، ولم يتعسف مثل البعض في تأويل النص .
ولاضير في أن يعود قراء الشام إلي مذهب الإمام ابن مجاهد والداني وابن الجزري لأن أسانيدهم من قِبل ابن الجزري .
وإنى أدعو إخواننا قراء الشام و غيرهم ممن ساروا على نهجهم بأن يعودوا إلى الوجه الصواب , فقد رجع كثير من القراء عن أوجه كانوا يقرؤن بها ولا ضير في ذلك ،و إليكم بعض ما ذكر بهذا الخصوص :
قال الدانى فى جامع البيان (..... وقد خالف محمد بن الجهم من القراء فى ذلك محمد بن أحمد بن واصل فروى عن سلمة بن عاصم عن الفراء : أن الكسائى رجع بعد ذلك إلى مذهب حمزة .... و العمل و الأخذ برواية ابن الجهم و بذلك قرأت ا.هـ صـ149
وفى صـ 176 قال : ( حدثنا عبد الباقى بن الحسن عن زيد بن على أنه سمع ابن مجاهد سنة ثلاثمائة يقرأ ( و لتأت طائفة ) ( و يخل لكم ) بالإدغام ثم رجع إلى الإظهار فى آخر العمر ا.هـ
و اختم برجوع ابن الجزرى عن القول بترقيق الألف إذا جاءت بعد حروف التفخيم و كذلك كان سلفنا يبتغون الحق و يرجعون عن أخطائهم إذا تبين لهم الصواب .
هدانا الله و إياكم إلي طريق الحق والصواب .
و السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
(كتبه أبو عمر عبد الحكيم عبد الرازق فولى)