نصر أبو زيد ومحمد عبده
أزعم وزعمي أقرب للحقيقة جدا أنه لااحد ممن نقد محمد عبده (من الإسلاميين المعروفين) قرأ كتاب تلميذه الكبير محمد رشيد رضا (تاريخ الأستاذ الإمام )، ويبدو أن هذا النص سيكون آخر منشور لي نهاري هذا، ولذلك أقول الجديد فيه، وهو أنه حتى نصر أبو زيد وقد كتب عن عبده كلاما فارغا ذكرته ونقدته في أقطاب العلمانية ج1، فإنه لم يقرأ تاريخ الاستاذ الإمام لرشيد رضا، ودليلي المظنون لا المضنون به على أهله، هو أن طالب من ليدن ، هو الآن استاذ في جامعة ليدن ، وصديق من اصدقاء حسابي هنا على الفيس ، قال لي منذ زمن(ايام كان نصر هذا حي يرزق) ، أن نصر أبو زيد طلب منه كتاب (تاريخ الأستاذ الإمام)، فإعطاه إياه، (كان ذلك بعد صدور أغلب كتب نصر أبو زيد وردي عليها وصدور ردي في الأقطاب ج1، وكلامه عن عبده ) وهذا في أغلب الظن دليل على أنه لم يقع من قبل في يد نصر حامد، فالكتاب لم يكن موجودا على النت، والطالب اشتراه على مااظن كما فهمت من مصر، وأنا استعرت الكتاب منه وقرأته كاملا وأرجعته اليه (وزمن أستعارتي الكتاب منه وقد تذكرت الآن كان في مكتبة الدكتور الذي كان طالبا في الجامعة نفسها أي بعد تخرجه وأظن هنا والآن أن نصر كان حيا يرزق وتحتاج هذه الجملة مراجعة لاني بعد أن ذكرت مكتب الدكتور اتلخبطت عندي التواريخ ، ثم وجدت الكتاب نزل على النت(سأرفقه في التعليق لتحملوه)
لكن اتهام ابو زيد هو اتهام علماني مضحك وهو أنه قال ان عبده تأثر بالإستشراق من أن حضارتنا وشريعتنا هي النجاة لنا!!!
وأما النجاة عند نصر أبو زيد ففي العلمانية والتلاعب بالنصوص!
دمتم بخير
ليس معنى دفاعنا عن محمد عبده أو رفاعة الطهطاوي أو جمال الدين الأفغاني أو أيا كان من العلماء أننا نوافق أحدا منهم على الخطأ بل لانوافق أحد على الخطأ !
فليس أحد معصوم الا رسول الله.
لكن هناك افتراءات فجة مثل أن محمد عبده مثلا كان يشرب الخمر، فلو كان يفعل فلما اتبعه رشيد رضا حتى الموت، ولما كتب عنه ومعه آلاف الصفحات التي كونت أجيالنا المسلمة التي مازالت تقاوم.
أو قولهم أن الأفغاني كان ماسوني ، ومقصدهم بذلك القدح في نيته وقلبه جاسوسا مخربا )وفي الزمن الماضي كان الماسونية غير معروفة تماما كما اليوم، وحتى غرض الأفغاني منها مختلف عن مايكتب عنه) ، مع أنه كتب كتابه الرد على الدهريين ضد الماسونية وملاحدة الشرق والغرب!!
لقد أُرهق الأفغاني بطرده من مصر وتركيا، ليس لسبب أن تركيا ومصر كانتا على صواب، بل كانت المؤامرات تدار ضد الافغاني وعبده.
هناك مواضيع سياسية أخطأ فيها عبده، وغيره رحمهم الله.
ومن لايخطئ؟
الموضوع كبير وأنصح الجميع بقراءة خلاصة الاستاذ تلميد محمد عبده واستاذنا جميعا وهو رشيد رضا، الذي عاشر عبده وكتب معه التفسير وكتب كتابه المهم عنه(تاريخ الأستاذ الإمام)
وكنت قد كتبت من سنة:هناك فكرة تلح علي وعندي لها ملامح دالة
الا وهي أن كثير مما يقول عنه العلمانيين أنه استعارة إسلامية من العلمانية أو أنه الخطاب العلماني المسروق إسلاميا!، هو بالفعل إسلامي الأصل
وهو مايغفل عنه كثير من الإسلاميين وكثير من العلمانيين
وانقل لكم نصا من كتابي(أقطاب العلمانية) وهو قول نصر حامد أبو زيد من كتابه (النص، السلطة، الحقيقة)، انظر من ص23-25،:": (( لقد تم إرجاع سر التخلف والانحطاط إلى البعد عن الإسلام , من هنا لم يكن الطهطاوي يجد في باريس ما يتناقض مع قيم الإسلام الصحيحة , بل حاول أن يرد التقدم إلى مفاهيم وقيم إسلامية , واعتبر أن مفاهيم (( الحقوق الطبيعية )) و (( النواميس الفطرية )) و (( الحرية والمساواة )) كلها مفاهيم موجودة في علم (( أصول الفقه الإسلامي )) .. واشتهرت إلى حد بعيد عبارة الإمام محمد
عبده : (( وجدت هناك إسلاماً بلا مسلمين , بينما يحيا هنا مسلمون بلا إسلام )) . ومعنى ذلك أن العقل العربي تقبل الصورة التي طرحها الأوربي عليه (!) وأن الإسلام هويته (!) , لكنه لم يتقبل بقية الصور التي تربط التخلف والانحطاط بالإسلام (!) وقام بدلاً من ذلك (!) بطرح تفسيره الخاص للتخلف والانحطاط بالابتعاد عن قيم الإسلام الأصيلة , والتي صنعت تقدم الغرب ومدنيته رغم أنها لا تحمل لافتة الإسلام , وهكذا في حين تم الفصل بين (( الإسلام )) و (( المسلمين )) تم إعادة تفسير الإسلام لينطلق بقيم التمدن والحضارة الوافدين (!) , بصرف النظر عن اختلاف السياق , وبدلاً من إدراك أسباب التقدم والتطور والنهوض بردها إلى عملية تحرير الإنسان وتحرير عقله() يصر الإمام محمد عبده على التعبير عن دهشته لما حققته أوروبا من تقدم رغم كونها مسيحية , وبعبارة أخرى يصر على جعل الدين إطار التفسير الوحيد , ولذلك يجعل من غياب القيم نفسها تفسيراً لتخلف العرب وانحطاط العالم الإسلامي .. إن الفارق بين الطهطاوي وعبده فارق كمي لا كيفي , ذلك أن عبده يخوض سجلاً ضد الاستشراق الذي يهاجم الإسلام ويحمله كل مظاهر الانحطاط والتخلف() في حين أن الطهطاوي يمرر قيم الحضارة الحديثة باسم الإسلام , لكن الإثنين معاً ينتهيان إلى مرجعية الإسلام (!) ويتقبلان الصورة التي صاغها الآخر(!) وصدرها للأنا , صورة الإسلام الهوية والإطار المرجعي ))( )..
وتعليقي اليوم على هذا النص وغيره هو أن النواميس الفطرية والقوانين الطبيعية والحقوق الطبيعية موجودة في الإسلام ، والنهوض الإسلامي يعلم أن هذه القيم والمقومات أو المفاهيم والحقوق هي أصول إسلامية، وأما الزعم بأن الإسلام يحاول اليوم أن ينسبها لنفسه، نفعيا، وأنها قيم عقلانية غربية، فكذب تكذبه حقائق تاريخنا، الحضاري والقيمي.
أما موضوع السياسة ومايقولون عنه إنه الرضوخ للعلمانية أو استعمال لخطابها أو التنازل لواقعها وسلطانها، مثل مايقولون مثلا أن الأحزاب الإسلامية تستعمل الخطاب العلماني في الحل!، فيقال لهؤلاء إنكم لم تفهموا ديناميكية الإسلام لو صح التعبير، لم تفهموا طريقة الإسلام أو طريقه التشريعي في التعامل مع الوقائع الجديدة، أو التي يغيب عنها أثر الإسلام في السلطة، نتيجة سطوة القوى الحاكمة بغيره، على سبيل المثال، ,اكبر وأعظم وأدق نص يمكن أن نطرحه هنا في مجالنا هذا هو نص كلام ابن تيمية حول شرعية التدافع التي تكلم عنها في نصه المشهور عن يوسف عليه السلام في مصر السياسية في ايامه!
إن أي قارئ للنص من غير أن يعرف أن الكلام لابن تيمية، قد يظن أنه كلام لعالم نفعي، أو لادين له ولاشريعة، وأنه براجماتي!!، في حين أن النص يظهر مرونة الشريعة وقابليتها للتعامل مع أي واقع مهما كان، تحت مفهوم فَاتَّقُوا اللَّهَ مَااسْتَطَعْتُمْ وتحت فهم واقعي وعلمي إسلامي للسيرة ولأغراض القرآن ، ومفاهيمه في حفظ العقل والدين وغير ذلك مما هو في أصول الفقه
وهذا جزء من كلامه:"قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَااسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعلا لأوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر".
والنص عرضته اكثر من مرة وهو نص طويل من مجموع فتاوى ابن تيمية
فلو كان ابن تيمية يعيش في عصرنا لزعم العلمانيين أنه سرق التفكير العقلي الغربي ولبسه ثوبا إسلاميا!!
وأن ابن تيمية تلفيقي توفيقي براجماتي ليس في كلامه هذا من الاسلام شئ وأنه تأثر بالفكر العلماني لما بعد ثورة التنوير في فرنسا!!!
المدهش أن كثير من الإسلاميين ، ومثقفيهم يرمون اشباه ابن تيمية في هذا المجال بأنهم خضعوا لفكر الحداثة وبراجماتيتها ونفعيتها وقاموا بالتوفيق الغير شرعي بين العقلانية الغربية وبين الإسلام وأنهم يتحللون من الإسلام بتوفيقيتهم هذه، وأن هذا انتصار للحداثة والعلمانية!!!
ومايعلمون أن من الإسلام في موضوعنا هذا ماقاله ابن تيمية في نص التعليق على يوسف النبي ووجوده في عمل للملك المصري قديما:"وهذا ثابت في سائر الأمور، فإن الطبيب مثلا يحتاج إلى تقوية القوة ودفع المرض، والفساد أداة تزيدهما معا، فإنه يرجح عند وفور القوة تركه إضعافا للمرض وعند ضعف القوة فعله لأن منفعة إبقاء القوة والمرض أولى من إذهابهما جميعا، فإن ذهاب القوة مستلزم للهلاك ولهذا استقر في عقول الناس أنه عند الجدب يكون نزول المطر لهم رحمة وإن كان يتقوى بما ينبته أقوام على ظلمهم لكن عدمه أشد ضررا عليهم ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان كما قال بعض العقلاء ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان. ثم السلطان يؤاخذ على ما يفعله من العدوان ويفرط فيه من الحقوق مع التمكن لكن أقول هنا، إذا كان المتولي للسلطان العام أو بعض فروعه كالإمارة والولاية والقضاء ونحو ذلك إذا كان لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة: جازت له الولاية وربما وجبت وذلكلأن الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها من جهاد العدو وقسم الفيءوإقامة الحدود وأمن السبيل: كان فعلها واجبا فإذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق وأخذ بعض ما لا يحل وإعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك: صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به فيكون واجبا أو مستحبا إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم،ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها. ودفع أكثره باحتمال أيسره: كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنيةدفع ما هو أشد منها جيدا. وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب من ه ظالم قادر وألزمه مالا فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم وأخذ منه وأعطى الظالم مع اختياره أن لا يظلم ودفعه ذلك لو أمكن: كان محسنا ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئا. وإنما الغالب في هذه الأشياء فساد النية والعمل أما النية فبقصده. السلطان والمال وأما العمل فبفعل المحرمات وبترك الواجبات لا لأجل التعارض ولا لقصد الأنفع والأصلح. ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبةفقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب. أو أحب فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباتارة واستحبابا أخرى. ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض"
بل يبين ابن تيمية أن ذلك خاضع كله لقواعد شرعية لا علمانية طبعا!!!
يقول في نصه الدقيق:"وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة فإن هذه المسائل تكثرفيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء ولهذا جاء في الحديث:(إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات). فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم -: العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط. مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة مايكون أعظم ضررا من ذنبه ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسولهم ما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أوالنهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح - كما تقدم - بحسب الإمكان فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمربأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك،قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها. يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به. فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولانهي وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كانبيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع. فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لايبالغ إلا ما أمكن علمه والعمل به كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد لايمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك وإذالم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأميرأن يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب إقرارالمحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط. فتدبر هذا الأصل فإنه نافع. ومن هنا يتبين سقوط كثيرمن هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصلوالله أعلم. ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علما وعملا أن ما قاله العالم أوالأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الإباحة والعفو. وهذا باب واسع جدا فتدبره "
انها شريعتنا التي يقدح فيها اسلاميون من غير أن يعلموا ظنا منهم براديكاليتهم المعاصرة أنهم يحمون الإسلام ، كما أننا نقول للعلمانيين اننا لم نسرق شئ بل أنتم من سرقتم ولبستم على الخلق ولم يفهموا شريعتنا وبعضكم يعلم ويكتم الحقيقن، يقول ابن تيمية في نفس النص:"جامع في تعارض الحسنات، أو السيئات، أو هما جميعا. إذا اجتمعا ولم يمكن التفريق بينهما، بل الممكن إما فعلهما جميعا وإما تركهما جميعا. وقد كتبت مايشبه هذا في [قاعدة الإمارة والخلافة] وفي أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما فنقول: قد أمرالله ورسوله بأفعال واجبة ومستحبة، وإن كان الواجب مستحبا وزيادة. ونهى عن أفعال محرمة أو مكروهة والدين هو طاعته وطاعة رسوله وهو الدين والتقوى، والبر والعمل االصالح، والشرعة والمنهاج وإن كان بين هذه الأسماء فروق. وكذلك حمد أفعالا هي الحسنات ووعد عليها وذم أفعالا هي السيئات وأوعد عليها وقيد الأمور بالقدرة والاستطاعة والوسع والطاقة فقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَااسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَااكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] وقال تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] وكل من الآيتين وإن كانت عامة فسبب الأولى المحاسبة على ما في النفوس وهو من جنس أعمال القلوب وسبب الثانية الإعطاءالواجب. وقال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّنَفْسَكَ} [النساء: 84] وقال: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]وقال: {يُرِيدُاللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} [النساء: 28] وقال: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [المائدة: 105] الآية وقال:{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]وقال: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] وقال: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]. وقد ذكرفي الصيام والإحرام والطهارة والصلاة والجهاد من هذا أنواعا. وقال في المنهيات:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَبَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] {فَمَنِ اضْطُرَّغَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[الأنعام: 145] {لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا} [البقرة: 286] {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ} [الأحزاب: 5] {وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] الآية. وقال في المتعارض: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219] وقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] وقال: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [النساء: 101] وقال: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُمِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] وقال: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} إلى قوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: 102] وقال: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} إلى قوله: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ} [لقمان: 14، 15]. ونقول: إذا ثبت أن الحسنات لهامنافع وإن كانت واجبة: كان في تركها مضار والسيئات فيها مضار وفي المكروه بعضحسنات. فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما، فتقدم أحسنهما بتفويتالمرجوح وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما، فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما.وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما، بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة،وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة، فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة.فالأول كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية، مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع. والثاني كتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين،وتقديم نفقة الوالدين عليه كما في الحديث الصحيح: {أي العمل أفضل ؟ قال:الصلاة على مواقيتها قلت: ثم أي ؟ قال: ثم بر الوالدين قلت. ثم أي ؟قال: ثم الجهاد في سبيل الله وتقديم الجهاد على الحج كما في الكتاب والسنة متعين على متعين ومستحب على مستحب وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان وتقديم الصلاة عليهما إذا شاركتهما في عمل القلب وإلا فقد يترجح الذكربالفهم والوجل على القراءة التي لا تجاوز الحناجر وهذا باب واسع. والثالث كتقديمالمرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب كما فعلت أم كلثومالتي أنزل الله فيها آية الامتحان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] وكتقديم قتل النفس على الكفر كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُمِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] فتقتل النفوس التي تحصل بهاالفتنة عن الإيمان لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس وكتقديم قطع السارق ورجمالزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب وكذلك سائر العقوبات المأمور بهافإنما أمر بها مع أنها في الأصل سيئة وفيها ضرر، لدفع ما هو أعظم ضررا منها، وهي جرائمها، إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير. وكذلك في "باب الجهاد " وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما فمتىاحتيج إلى قتال قد يعمهم مثل: الرمي بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق وفي أهل الدار من المشركين يبيتون وهودفع لفساد الفتنة أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله. وكذلك [مسألة التترس] التيذكرها الفقهاء، فإن الجهاد هو دفع فتنة الكفر فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها،ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي[إلى] قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك، وإن لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد إلا بما يفضي إلى قتلهم ففيه قولان. ومن يسوغ ذلك يقول: قتلهم لأجل مصلحة الجلادمثل قتل المسلمين المقاتلين يكونون شهداء ومثل ذلك إقامة الحد على المباذل، وقتالالبغاة وغير ذلك ومن ذلك إباحة نكاح الأمة خشية العنت. وهذا باب واسع أيضا.وأما الرابع: فمثل أكل الميتة عند المخمصة، فإن الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلابهذه السيئة ومصلحتها راجحة وعكسه الدواء الخبيث، فإن مضرته راجحة على مصلحته منمنفعة العلاج لقيام غيره مقامه، ولأن البرء لا يتيقن به وكذلك شرب الخمر للدواء.فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها وتحصلبما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها والحسنة تترك في موضعين إذا كانت مفوتةلما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة. هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية. وأما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا، وإباحة المحرملحاجة في الدنيا، كسقوط الصيام لأجل السفر، وسقوط محظورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج الذي قد تختلف فيه الشرائع،بخلاف الباب الأول، فإن جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وإن اختلفت في أعيانه بل ذلك ثابت في العقل كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر وإنما العاقلالذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين وينشد:
إن اللبيب إذا بدا من جسمه ** مرضان مختلفان داوى الأخطرا
وهذا ثابت في سائر الأمور، فإن الطبيب مثلا يحتاج إلى تقوية القوة ودفع المرض، والفساد أداة تزيدهما معا، فإنه يرجح عند وفور القوة تركه إضعافا للمرض وعند ضعف القوة فعله لأن منفعة إبقاء القوة والمرض أولى من إذهابهما جميعا، فإن ذهاب القوة مستلزم للهلاك ولهذا استقر في عقول الناس أنه عند الجدب يكون نزول المطر لهم رحمة وإن كان يتقوى بما ينبته أقوام على ظلمهم لكن عدمه أشد ضررا عليهم ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان كما قال بعض العقلاء ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان. ثم السلطان يؤاخذ على ما يفعله من العدوان ويفرط فيه من الحقوق مع التمكن لكن أقول هنا، إذا كان المتولي للسلطان العام أو بعض فروعه كالإمارة والولاية والقضاء ونحو ذلك إذا كان لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة: جازت له الولاية وربما وجبت وذلكلأن الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها من جهاد العدو وقسم الفيءوإقامة الحدود وأمن السبيل: كان فعلها واجبا فإذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق وأخذ بعض ما لا يحل وإعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك: صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به فيكون واجبا أو مستحبا إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم،ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها. ودفع أكثره باحتمال أيسره: كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنيةدفع ما هو أشد منها جيدا. وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب من ه ظالم قادر وألزمه مالا فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم وأخذ منه وأعطى الظالم مع اختياره أن لا يظلم ودفعه ذلك لو أمكن: كان محسنا ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئا. وإنما الغالب في هذه الأشياء فساد النية والعمل أما النية فبقصده. السلطان والمال وأما العمل فبفعل المحرمات وبترك الواجبات لا لأجل التعارض ولا لقصد الأنفع والأصلح. ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبةفقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب. أو أحب فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباتارة واستحبابا أخرى. ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض