"الوجه السادس قولهم إنهم رووا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال على مع الحق والحق معه يدور حيث دار ولن يفترقا حتى يردا على الحوض من أعظم الكلام كذبا وجهلا فإن هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي صلى الله عليه و سلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف فكيف يقال إنهم جميعا رووا هذا الحديث وهل يكون أكذب ممن يروى عن الصحابة والعلماء أنهم رووا حديثا والحديث لا يعرف عن واحد منهم أصلا بل هذا من أظهر الكذب ولو قيل رواه بعضهم وكان يمكن صحته لكان ممكنا فكيف وهو كذب قطعا على النبي صلى الله عليه و سلم
بخلاف إخباره أن أم أيمن في الجنة فهذا يمكن أنه قاله فإن أم أيمن امرأة صالحة من المهاجرات فإخباره أنها في الجنة لا ينكر بخلاف قوله عن رجل من أصحابه أنه مع الحق وأن الحق يدور معه حيثما دار لن يفترقا حتى يردا على الحوض فإنه كلام ينزه عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم
أما أولا فلأن الحوض إنما يرده عليه أشخاص كما قال للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض وقال إن حوضي لأبعد ما بين أيلة إلى عدن وإن أول الناس ورودا فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يجد لها قضاء رواه مسلم وغيره
وأما الحق فليس من الأشخاص الذين يردون الحوض وقد روى أنه قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فهو من هذا النمط وفيه كلام يذكر في موضعه إن شاء الله
ولو صح هذا لكان المراد به ثواب القران أما الحق الذي يدور مع شخص ويدور الشخص معه فهو صفة لذلك الشخص لا يتعداه ومعنى ذلك أن قوله صدق وعمله صالح ليس المراد به أن غيره لا يكون معه شيء من الحق
وأيضا فالحق لا يدور مع شخص غير النبي صلى الله عليه و سلم ولو دار الحق مع على حيثما دار لوجب أن يكون معصوما كالنبي صلى الله عليه و سلم وهم من جهلهم يدعون ذلك ولكن من عُلم أنه لم يكن بأولى بالعصمة من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم وليس فيهم من هو معصوم عُلم كذبهم وفتاويه من جنس فتاوي عمر وعثمان ليس هو أولى بالصواب منهم ولا في أقوالهم من الأقوال المرجوحة أكثر مما في قوله ولا كان ثناء النبي صلى الله عليه و سلم ورضاه عنه بأعظم من ثنائه عليهم ورضائه عنهم بل لو قال القائل إنه لا يعرف من النبي صلى الله عليه و سلم أنه عتب على عثمان في شيء وقد عتب على علي في غير موضع لما أبعد فإنه لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل اشتكته فاطمة لأبيها وقالت إن الناس يقولون إنك لا تغضب لبناتك فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا وقال إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا ابنتهم علي بن أبي طالب وإني لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم فإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فقال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي والحديث ثابت صحيح أخرجناه في الصحيحين
وكذلك في الصحيحين لما طرقه وفاطمة ليلا فقال ألا تصليان فقال له على إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا فانطلق وهو يضرب فخذه ويقول وكان الإنسان أكثر شيء جدلامنهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص238-242
"الوجه السابع أن ما ذكره عن فاطمة أمر لا يليق بها ولا يحتج بذلك إلا رجل جاهل يحسب أنه يمدحها وهو يجرحها فإنه ليس فيما ذكره ما يوجب الغضب عليه إذ لم يحكم لو كان ذلك صحيحا إلا بالحق الذي لا يحل لمسلم أن يحكم بخلافه ومن طلب أن يُحكم له بغير حكم الله ورسوله فغضب وحلف أن لا يكلم الحاكم ولا صاحب الحاكم لم يكن هذا مما يُحمد عليه ولا مما يذم به الحاكم بل هذا إلى أن يكون جرحا أقرب منه إلى أن يكون مدحا ونحن نعلم أن ما يحكى عن فاطمة وغيرها من الصحابة من القوادح كثير منها كذب وبعضها كانوا فيه متأولين وإذا كان بعضها ذنبا فليس القوم معصومين بل هم مع كونهم أولياء الله ومن أهل الجنة لهم ذنوب يغفرها الله لهم وكذلك ما ذكره من حلفها أنها لا تكلمه ولا صاحبه حتى تلقى أباها وتشتكي إليه أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة رضي الله عنها فإن الشكوى إليه أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة رضي الله عنها فإن الشكوى إنما تكون إلى الله تعالى كما قال العبد الصالح إنما أشكو بثى وحزني إلى الله وفي دعاء موسى عليه السلام اللهم لك التكلان وقال النبي صلى الله عليه و سلم لابن عباس إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ولم يقل سلني ولا استعن بي وقد قال تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ثم من المعلوم لكل عاقل أن المرأة إذا طلبت مالا من ولي أمر فلم يعطها إياه لكونها لا تستحقه عنده وهو لم يأخذه ولم يعطه لأحد من أهله ولا أصدقائه بل أعطاه لجميع المسلمين وقيل إن الطالب غضب على الحاكم كان غاية ذلك أنه غضب لكونه لم يعطه مالا وقال الحاكم إنه لغيرك لا لك فأي مدح للطالب في هذا الغضب لو كان مظلوما محضا لم يكن غضبه إلا للدنيا وكيف والتهمة عن الحاكم الذي لا يأخذ لنفسه أبعد من التهمة عن الطالب الذي يأخذ لنفسه فكيف تحال التهمة على من لا يطلب لنفسه مالا ولا تحال على من يطلب لنفسه المال وذلك الحاكم يقول إنما أمنع لله لأني لا يحل لي أن اخذ المال من مستحقه فأدفعه إلى غير مستحقه والطالب يقول إنما أغضب لحظى القليل من المال أليس من يذكر مثل هذا عن فاطمة ويجعله من مناقبها جاهلا أو ليس الله قد ذم المنافقين الذين قال فيهم ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها ورضا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما اتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيوتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون فذكر الله قوما رضوا إن اعطوا وغضبوا إن لم يعطوا فذمهم بذلك فمن مدح فاطمة بما فيه شبه من هؤلاء ألا يكون قادحا فيها فقاتل الله الرافضة وانتصف لأهل البيت منهم فإنهم ألصقوا بهم من العيوب والشين مالا يخفى على ذي عين ولو قال قائل فاطمة لا تطلب إلا حقها لم يكن هذا بأولى من قول القائل أبو بكر لا يمنع يهوديا ولا نصرانيا حقه فكيف يمنع سيدة نساء العالمين حقها فغن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم قد شهدا لأبي بكر أنه ينفق ماله لله فكيف يمنه الناس أموالهم وفاطمة رضي الله عنها قد طلبت من النبي صلى الله عليه و سلم مالا فلم يعطها إياه كما ثبت في الصحيحين عن علي رضي الله عنه في حديث الخادم لما ذهبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه و سلم تسأله خادما فلم يعطها خادما وعلمها التسبيح وإذا جاز أن تطلب من النبي صلى الله عليه و سلم ما يمنعها النبي صلى الله عليه و سلم إياه ولا يجب عليه أن يعطيها إياه جاز أن تطلب ذلك من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلم أنها ليست معصومة أن تطلب ما لا يجب إعطاؤها إياه وإذا لم يجب عليه الإعطاء لم يكن مذموما بتركه ما ليس بواجب وإن كان مباحا فأما إذا قدرنا أن الإعطاء ليس بمباح فإنه يستحق أن يحمد على المنع وأما أبو بكر فلم يعلم أنه منع أحدا حقه ولا ظلم أحدا حقه لا في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا بعد موته وكذلك ما ذكره من إيصائها أن تدفن ليلا ولا يصلي عليها أحد منهم لا يحكيه عن فاطمة ويحتج به إلا رجل جاهل يطرق على فاطمة ما لا يليق بها وهذا لو صح لكان بالذنب المغفور أولى منه بالسعي المشكور فإ صلاة المسلم على غيره زيادة خير تصل إليه ولا يضر أفضل الخلق أن يصلي عليه شر الخلق وهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عليه ويسلم عليه الأبرار والفجار بل والمنافقون وهذا إن لم ينفعه لم يضره وهو يعله أن في أمته منافقين ولم ينه أحدا من أمته عن الصلاة عليه بل أمر الناس كلهم بالصلاة والسلام عليه مع أن فيهم المؤمن والمنافق فكيف يذكر في معرض الثناء عليها والاحتاج لها مثل هذا الذي لا يحكيه ولا يحتج به إلا مفرط في الجهل ولو وصى موص بأن المسلمين لا يصلون عليه لم تنفذ وصيته فإن صلاتهم عليه خير له بكل حال ومن المعلوم أن إنسانا لو ظلمه ظالم فأوصى بأن لا يصلي عليه ذلك الظالم لم يكن هذا من الحسنات التي يحمد عليها ولا هذا مما أمر الله به ورسوله فمن يقصد مدح فاطمة وتعظيمها كيف يذكر مثل هذا الذي لا مدح فيه بل المدح في خلافه كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع وأما قوله ورووا جميعا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك فهذا كذب منه ما رووا هذا عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا يعرف هذا في شيء من كتب الحديث المعروفة ولا له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه و سلم لا صحيح ولا حسن ونحن إذا شهدنا لفاطمة بالجنة وبأن الله يرضى عنها فنحن لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعيد وعبد الرحمن بن عوف بذلك نشهد ونشهد بأن الله تعالى أخبر برضاه عنهم في غير موضع كقوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وقوله تعالى لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم توفى وهو عنهم راض ومن رضي الله عنه ورسوله لا يضره غضب أحد من الخلق عليه كائنا من كان بل من رضي الله عنه ورضى عن الله يكون رضاه موافقا لرضا الله فإن الله راض عنه فهو موافق لما يرضى الله وهو راض عن الله فحكم الله موافق لرضاه وإذا رضوا بحكمه غضبوا لغضبه فإن من رضى بغضب غيره لزم أن يغضب لغضبه فإن الغضب إذا كان مرضيا لك فعلن ما هو مرض لك وكذلك الرب تعالى وله المثل الأعلى إذا رضى عنهم غضب لغضبهم إذ هو راض بغضبهم منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص243-250
"وأما قوله رووا جميعا أن فاطمة بضعة مني من آذاها اذاني ومن آذاني اذى الله فإن هذا الحديث لو يرو بهذا اللفظ بل روى بغيره كما روى في سياق حديث خطبه على لابنه أبي جهل لما قام النبي صلى الله عليه و سلم خطيبا فقال إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب وإني لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما اذاها إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم وفي رواية إني أخاف أن تفتن في دينها ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فقال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وإني لست أحل حراما ولا أحرم حلالا ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من رواية علي بن الحسين والمسور بن مخرمة فسبب الحديث خطبة على رضي الله عنه لابنة أبي جهل والسبب داخل في اللفظ قطعا إذ اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج سببه منه بل السبب يجب دخوله بالاتفاق
وقد قال في الحديث يريبني ما رابها ويؤذيني ما اذاها ومعلوم قطعا أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها والنبي صلى الله عليه و سلم رابه ذلك وآذاه فإن كان هذا وعيدا لاحقا بفاعله لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب وإن لم يكن وعيدا لاحقا بفاعله كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي وإن قيل إن عليا تاب من تلك الخطبة ورجع عنها
قيل فهذا يقتضي أنه غير معصوم وإذا جاز أن من راب فاطمة وآذاها يذهب ذلك بتوبته جاز أن يذهب بغير ذلك من الحسنات الماحية فإن ما هو أعظم من هذا الذنب تذهبه الحسنات الماحية والتوبة والمصائب المكفرة
وذلك أن هذا الذنب ليس من الكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة ولو كان كذلك لكان علي والعياذ بالله قد ارتد عن دين الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه و سلم ومعلوم أن الله تعالى نزه عليا من ذلك والخوارج الذين قالوا إنه ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم لم يقولوا إنه ارتد في حياته ومن ارتد فلا بد أن يعود إلى الاسلام أو يقتله النبي صلى الله عليه و سلم وهذا لم يقع وإذا كان هذا الذنب هو مما دون الشرك فقد قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وإن قالوا بجهلهم إن هذا الذنب كفر ليكفروا بذلك أبا بكر لزمهم تكفير علي واللازم باطل فالملزوم مثله وهم دائما يعيبون أبا بكر وعمر وعثمان بل ويكفرونهم بأمور قد صدر من علي ما هو مثلها أو أبعد عن العذر منها فإن كان مأجورا أو معذورا فهم أولى بالأجر والعذر وإن قيل باستلزام الأمر الأخف فسقا أو كفرا كان استلزام الأغلظ لذلك أولى
وأيضا فيقال إن فاطمة رضي الله عنها إنما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب وهذا حال أبي بكر وعمر فإنهما احترزا عن أن يوذيا أباها أو يريباه بشيء فإنه عهد عهدا وأمر بأمر فخافا إن غيرا عهده وأمره أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذى بذلك وكل عاقل يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حكم بحكم وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك الحكم كان مراعاة حكم النبي صلى الله عليه و سلم أولى فإن طاعته واجبة ومعصيته محرمة ومن تأذى لطاعته كان مخطئا في تأذيه بذلك وكان الموافق لطاعته معصيبا في طاعته وهذا بخلاف من اذاها لغرض نفسه لا لأجل طاعة الله ورسوله
منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص250-245
ومن تدبر حال أبي بكر في رعايته لأمر النبي صلى الله عليه و سلم وأنه إنما قصد طاعة الرسول صلى الله عليه و سلم لا أمرا آخر يحكم أن حاله أكمل وأفضل وأعلى من حال علي رضى الله عنهما وكلاهما سيد كبير من أكابر أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وعباد الله الصالحين ومن السابقين الأولين ومن أكابر المقربين الذين يشربون بالتسنيم ولهذا كان أبو بكر رضي الله عنه يقول والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلى أن أصل من قرابتي وقال ارقبوا محمدا صلى الله عليه و سلم في أهل بيته رواه البخاري عنه لكن المقصود أنه لو قدر أن أبا بكر آذاها فلم يؤذها لغرض نفسه بل ليطيع الله ورسوله ويوصل الحق إلى مستحقه وعلي رضي الله عنه كان قصده أن يتزوج عليها فله في أذاها غرض بخلاف أبي بكر فعلم أن أبا بكر كان أبعد أن يذم بأذاها من علي وأنه إنا قصد طاعة الله ورسوله بما لاحظ له فيه بخلاف علي فإنه كان له حظ فيما رابها به وأبو بكر كان من جنس من هاجر إلى الله ورسوله وهذا لا يشبه من كان مقصوده امرأة يتزوجها والنبي صلى الله عليه و سلم يؤذيه ما يؤذي فاطمة إذا لم يعارض ذلك أمر الله تعالى فإذا أمر الله تعالى بشيء فعله وإن تأذى من تأذى من أهله وغيرهم وهو في حال طاعته لله يؤذيه ما يعارض طاعة الله ورسوله وهذا الإطلاق كقوله من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني ثم قد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم إنما الطاعة في المعروف
منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص254،255
ونحن نعلم أن ما يحكى عن فاطمة وغيرها من الصحابة من القوادح كثير منها كذب وبعضها كانوا فيه متأولين وإذا كان بعضها ذنبا فليس القوم معصومين بل هم مع كونهم أولياء الله ومن أهل الجنة لهم ذنوب يغفرها الله لهم منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص243،244
"أولا إن الله تعالى لم يخبر أنه طهر جميع أهل البيت وأذهب عنهم الرجس فإن هذا كذب على الله كيف ونحن نعلم أن في بني هاشم من ليس بمطهر من الذنوب ولا أذهب عنهم الرجس لا سيما عند الرافضة فإن عندهم كل من كان من بني هاشم يحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فليس بمطهر والاية إنما قال فيها إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وقد تقدم أن هذا مثل قوله ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون وقوله يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلم ويتوب عليكم ونحو ذلك مما فيه بيان أن الله يحب ذلك لكم ويرضاه لكم ويأمركم به فمن فعله حصل له هذا المراد المحبوب المرضى ومن لم يفعله لم يحصل له ذلك منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص259،260
قال الرافضي وقد روى عن الجماعة كلهم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في حق أبي ذر ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولم يسموه صديقا وسموا أبا بكر بذلك مع أنه لم يرد مثل ذلك في حقه فيقال هذا الحديث لم يروه الجماعة كلهم ولا هو في الصحيحين ولا هو في السنن بل هو مروي في الجملة وبتقدير صحته وثبوته فمن المعلوم أن هذا الحديث لم يرد به أن أبا ذر أصدق من جميع الخلق فإن هذا يلزم منه أن يكون أصدق من النبي صلى الله عليه و سلم ومن سائر النبيين ومن علي بن أبي طالب وهذا خلاف إجماع المسلمين كلهم من السنة والشيعة فعلم أن هذه الكلمة معناها أن أبا ذر صادق ليس غيره أكثر تحريا للصدق منه ولا يلزم إذا كان بمنزلة غيره في تحرى الصدق أن يكون بمنزلته في كثرة الصدق والتصديق بالحق وفي عظم الحق الذي صدق فيه وصدق به وذلك أنه يقال فلان صادق اللهجة إذا تحرى الصدق وإن كان قليل العلم بما جاءت به الأنبياء والنبي صلى الله عليه و سلم لم يقل ما أقلت الغبراء أعزم تصديقا من أبي ذر بل قال أصدق لهجة والمدح للصديق الذي صدق الأنبياء ليس بمجرد كونه صادقا بل في كونه مصدقا للأنبياء وتصديقه للنبي صلى الله عليه و سلم هو صدق خاص فالمدح بهذا التصديق الذي هو صدق خاص نوع والمدح بنفس كونه صادقا نوع اخر فكل صديق صادق وليس كل صديق صديقا
ففي الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا فالصديق قد يراد به الكامل في الصدق وقد يراد به الكامل في التصديق والصديق ليست فضيلته في مجرد تحري الصدق بل في أنه علم ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم جملة وتفصيلا وصدق ذلك تصديقا كاملا في العلم والقصد والقول والعمل وهذا القدر لم يحصل لأبي ذر ولا لغيره فإن أبا ذر لم يعلم ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم كما علمه أبو بكر ولا حصل له من التصديق المفصل كما حصل لأبي بكر ولا حصل عنده من كمال التصديق معرفة وحالا كما حصل لأبي بكر فإن أبا بكر أعرف منه وأعظم حبا لله ورسوله منه وأعظم نصرا لله ورسوله منه وأعظم جهادا لنفسه وماله منه إلى غير ذلك من الصفات التي هي كمال الصديقية وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال اسكن أحد وضربه برجله وقال ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان
منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص264-266
أن الخليفة إما أن يكون معناه الذي يخلف غيره وإن كان لم يستخلفه كما هو المعروف في اللغة وهو قول الجمهور وإما أن يكون معناه من استخلفه غيره كما قاله طائفة من أهل الظاهر والشيعة ونحوهم منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص269
"أن الخليفة إما أن يكون معناه الذي يخلف غيره وإن كان لم يستخلفه كما هو المعروف في اللغة وهو قول الجمهور وإما أن يكون معناه من استخلفه غيره كما قاله طائفة من أهل الظاهر والشيعة ونحوهم فإن كان هو الأول فأبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه خلفه بعد موته ولم يخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد بعد موته إلا أبو بكر فكان هو الخليفة دون غيره ضرورة فإن الشيعة وغيرهم لا ينازعون في أنه هو الذي صار ولي الأمر بعده وصار خليفة له يصلي بالمسلمين ويقيم فيهم الحدود ويقسم بينهم الفىء ويغزو بهم العدو ويولى عليهم العمال والأمراء وغير ذلك من الأمور التي يفعلها ولاة الأمور
فهذه باتفاق الناس إنما باشرها بعد موته أبو بكر فكان هو الخليفة للرسول صلى الله عليه و سلم فيها قطعا لكن أهل السنة يقولون خلفه وكان هو أحق بخلافته والشيعة يقولون علي كان هو الأحق لكن تصح خلافه أبي بكر ويقولون ما كان يحل له أن يصير هو خليفة لكن لا ينازعون في أنه صار خليفة بالفعل وهو مستحق لهذا الاسم إذ كان الخليفة من خلف غيره على كل تقدير
وأما إن قيل إن الخليفة من استخلفه غيره كما قاله بعض أهل السنة وبعض الشيعة فمن قال هذا من أهل السنة فإنه يقول إن النبي صلى الله عليه و سلم استخلف أبا بكر إما بالنص الجلي كما قاله بعضهم وإما بالنص الخفي كما أن الشيعة القائلين بالنص على علي منهم من يقول بالنص الجلي كما تقوله الإمامية ومنهم من يقول بالنص الخفي كما تقوله الجارودية من الزيدية ودعوى أولئك للنص الجلي أو الخفي علي أبي بكر أقوى وأظهر بكثير من دعوى هؤلاء للنص على علي لكثرة النصوص الدالة على ثبوت خلافة أبي بكر وأن عليا لم يدل على خلافته إلا ما يعلم أنه كذب أو يعلم أنه لا دلالة فيه
وعلى هذا التقدير فلم يستخلف بعد موته أحدا إلا أبا بكر فلهذا كان هو الخليفة فإن الخليفة المطلق هو من خلفه بعد موته أو استخلفه بعد موته وهذان الوصفان لم يثبتا إلا لأبي بكر فلهذا كان هو الخليفةمنهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص269-271
"وأما إستخلافه لعلي على المدينة فذلك ليس من خصائصه فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج في غزاة استخلف على المدينة رجلا من أصحابه كما استخلف ابن أم مكتوم تارة وعثمان بن عفان تارة واستخلف ابن ام مكتوم في غزوة بدر وغيرها وعثمان في غزوة ذات الرقاع وغطفان التي يقال لها غزوة أنمار واستخلف في بدر الوعيد بن رواحة وزيد بن حارثة في المريسيع واستخلف أبا لبابة في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق وفي غزوة الأبواء سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في غزوة بواط وفي غزوة العُشَيرة أبا سلمة واستخلاف علي لم يكن على أكثر ولا أفضل ممن استخلف عليهم غيره بل كان يكون في المدينة في كل غزوة من الغزوات من المهاجرين والأنصار أكثر وأفضل ممن تخلف في غزوة تبوك فإن غزوة تبوك لم يأذن النبي صلى الله عليه و سلم لأحد بالتخلف فيها فلم يتخلف فيها إلا منافق أو معذور أو الثلاثة الذين تاب الله عليهم وإنما كان عظم من تخلف فيها النساء والصبيان ولهذا لما استخلف عليا فيها خرج إليه باكيا وقال أتدعني مع النساء والصبيان وروى أن بعض المنافين طعنوا في علي وقالوا إنما استخلفه لأنه يبغضه وإذا كان قد استخلف غير علي على أكثر وأفضل مما استخلف عليه عليا وكان ذلك استخلافا مقيدا على طائفة معينة في مغيبه ليس هو استخلافا مطلقا بعد موته على أمته لم يطلق على أحد من هؤلاء أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا مع التقييد وإذا سمى علي بذلك فغيره من الصحابة المستخلفين أولى بهذا الاسم فلم يكن هذا من خصائصه وأيضا فالذي يخلف المطاع بعد موته لا يكون إلا أفضل الناس وأما الذي يخلفه في حال غزوه لعدوه فلا يجب أن يكون أفضل الناس بل العادة جارية بأنه يستصحب في خروجه لحاجته إليه في المغازي من يكون عنده أفضل ممن يستخلفه على عياله لأن الذي ينفع في الجهاد هو شريكه فيما يفعله فهو أعظم ممن يخلفه على العيال فإن نفع ذاك ليس كنفع المشارك له في الجهاد والنبي صلى الله عليه و سلم إنما شبه عليا بهارون في أصل الاستخلاف لا في كماله ولعلي شركاء في هذا الاستخلاف يبين ذلك أن موسى لما ذهب إلى ميقات ربه لم يكن معه أحد يشاركه في ذلك فاستخلف هارون على جميع قومه والنبي صلى الله عليه و سلم لما ذهب إلى غزوة تبوك أخذ معه جميع المسلمين إلا المعذور ولم يستخلف عليا إلا على العيال وقليل من الرجال فلم يكن استخلافه كاستخلاف موسى لهارون بل ائتمته في حال مغيبة كما ائتمن موسى هارون في حال مغيبه فبين له النبي صلى الله عليه و سلم أن الاستخلاف ليس لنقص مرتبة المستخلف بل قد يكون لأمانته كما استخلف موسى هارون على قومه وكان على خرج إليه يبكي وقال أتذرني مع النساء والصبيان كأنه كره أن يتخلف عنه وقد قيل إن بعض المنافقين طعن فيه فبين له النبي صلى الله عليه و سلم أن هذه المنزلة ليست لنفص المستخلف إذ لو كان كذلك ما استخلف موسى هارون وأما قوله أنه قال له إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فهذا كذب على النبي صلى الله عليه و سلم لا يعرف في كتب العلم المعتمدة ومما يبين كذبه أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج من المدينة غير مرة ومعه علي وليس بالمدينة لا هو ولا علي فكيف يقول إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فيوم بدر كان علي معه وبين بدر والمدينة عدة مراحل وليس واحد منهما بالمدينة وعلي كان معه يوم بدر بالتواتر وكان يوم فتح مكة معه باتفاق العلماء وقد كانت أخته أم هانىء قد أجارت حموين لها فأراد علي قتلهما فقالت يا رسول الله زعم ابن أمى علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء والحديث في الصحيح ولم يكن بالمدينة لا هو ولا علي وكذلك يوم خيبر كان قد طلب عليا فقدم وهو أرمد فأعطاه الراية حتى فتح الله علي يديه ولم يكن بالمدينة لا هو ولا علي وكذلك يوم حنين والطائف وكذلك في حجة الوداع كان علي باليمن والنبي صلى الله عليه و سلم خرج حاجا فاجتمعا بمكة وليس بالمدينة واحد منهما والرافضة من فرط جهلهم يكذبون الكذب الذي لا يخفى على من له بالسيرة أدنى علم منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص271-276
"وأما قوله إنه أمر أسامة رضي الله عنه على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر
فمن الكذب الذي يعرفه من له أدنى معرفة بالحديث فإن أبا بكر لم يكن في ذلك الجيش بل كان النبي صلى الله عليه و سلم يستخلفه في الصلاة في حين مرض إلى أن مات وأسامة قد روى أنه قد عقد له الراية قبل مرضه ثم لما مرض أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فصلى بهم إلى أن مات النبي صلى الله عليه و سلم فلو قدر أنه أمر بالخروج مع اسامة قبل المرض لكان أمره له بالصلاة تلك المدة مع إذنه لأسامة أن يسافر في مرضه موجبا لنسخ إمرة أسامة عنه فكيف إذا لم يؤمر عليه أسامة بحال
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم تكن عادته في سراياه بل ولا في مغازيه أن يعين كل من يخرج معه في الغزو بأسمائهم ولكن يندب الناس ندبا عاما مطلقا فتارة يعلمون منه أنه لم يأمر كل أحد بالخروج معه ولكن ندبهم إلى ذلك كما في غزوة الغابة وتارة يأمر أناسا بصفة كما أمر في غزوة بدر أن يخرج من حضر ظهره فلم يخرج معه كثير من المسلمين وكما أمر في غزوة السويق بعد أحد أن لا يخرج معه إلا من شهد أحدا وتارة يستنفرهم نفيرا عاما ولا يأذن لأحد في التخلف كما في غزوة تبوك
وكذلك كانت سنة خلفائه من بعده وكان أبو بكر لما أمر الأمراء إلى الشام وغيرها يندب الناس إلى الخروج معهم فإذا خرج مع الأمير من رأى حصول المقصود بهم سيره والنبي صلى الله عليه و سلم لما أرسل إلى مؤته السرية التي أرسلها وقال أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل بعبد الله بن رواحة لم يعين كل من خرج معهم فلان وفلان ولم تكن الصحابة مكتوبين عند النبي صلى الله عليه و سلم في ديوان ولا يطوف نقباء يخرجونهم بأسمائهم وأعيانهم بل كان يؤمر الأمير فإذا اجتمع معه من يحصل بهم المقصود أرسلهم وصار أميرا عليهم كما أنه في الحج لما أمر أبا بكر لم يعين من يحج معه لكن من حج معه كان أميرا عليه وأردفه بعلي وأخبر أنه مأمور وأن أبا بكر أمير عليه ولما أمر أسامة بن زيد بعد مقتل أبيه فأرسله إلى ناحية العدو الذين قتلوا أباه لما رآه في ذلك من المصلحة ندب الناس معه فانتدب معه من رغب في الغزو من المصلحة وروى أن عمر كان ممن انتدب معه لا أن النبي صلى الله عليه و سلم عن عمر ولا غير عمر للخروج معه لكن من خرج معه في الغزاة كان أسامة أميرا عليه كما أنه لما استخلف عتاب بن أسيد على مكة كان من أقام بمكة فعتاب أمير عليه وكذلك لما أرسل خالد بن الوليد وغيره من أمراء السرايا كان من خرج مع الأمير فالأمير أمير عليه باختياره الخروج معه لا بأن النبي صلى الله عليه و سلم عين للخروج مع الأمير كل من يخرج هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه و سلم بل ولا
وهذا كما أنه إذا كان إمام راتب في حياته يصلي بقوم فمن صلى خلفه كان ذلك الإمام إماما له يتقدم عليه وان كان المأموم أفضل منهمنهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص276-280
"ولكن في الغزو لو يكن النبي صلى الله عليه و سلم يأمر جميع الناس بالخروج في السرايا ولا يعين من يخرج بأسمائهم وأعيانهم بل يندبهم فيخرج من يختار الغزو ولهذا كان الخارجون يفضلون على القاعدين ولو كان الخروج معينا لكان كل منهم مطيعا لأمره بل قال تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجان منه ومغفره ورحمة وكان الله غفورا رحيما منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص281،282
"فأسامة رضي الله عنه كان أميرا من أمراء السرايا وأمراء السرايا لم يكونوا يسمون خلفاء فإنهم لم يخلفوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد موته ولا خلفوه في مغيبه على شيء كان يباشره بل هو أنشأ لهم سفرا وعملا استعمل عليه رجلا منهم فهو متول عليه ابتداء لا خلافة عمن كان يعمله قبله وقد يسمى العمل على الأمصار والقرى خلافة ويسمى العمل مخلافا وهذه أمور لفظية تطلق بحسب اللغة والاستعمال منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص282
"فمجرد قول القائل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس حجة باتفاق أهل العلم
"فمجرد قول القائل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس حجة باتفاق أهل العلم ولو كان حجة لكان كل حديث قال فيه واحد من أهل السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ونحن نقنع في هذا الباب بأن يروى الحديث بإسناد معروفين بالصدق من أي طائفة كانوا لكن إذا لم يكن الحديث له إسناد فهذا الناقل له وإن كان لم يكذبه بل نقله من كتاب غيره فذلك الناقل لم يعرف عمن نقله ومن المعروف كثرة الكذب في هذا الباب وغيره فكيف يجوز لأحد أن يشهد على رسول الله صلى الله عليه و سلم بما لم يعرف إسناده
منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص286،287
"قال الرافضي وسموا عمر الفاروق ولم يسموا عليا عليه السلام بذلك مع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فيه هذا فاروق أمتي يفرق بين أهل الحق والباطل وقال ابن عمر ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه و سلم إلا ببغضهم عليا عليه السلام فيقال أولا أما هذان الحديثان فلا يستريب أهل المعرفة بالحديث أنهما حديثان موضوعان مكذوبان على النبي صلى الله عليه و سلم ولم يرو واحد منهما في شيء من كتب العلم المعتمدة ولا لواحد منهما إسناد معروف ...ويقال ثالثا من المعلوم لكل من له خبرة أن أهل الحديث أعظم الناس بحثا عن أقوال النبي صلى الله عليه و سلم وطلبا لعلمها وأرغب الناس في اتباعها وأبعد الناس عن اتباع هوى يخالفها فلو ثبت عندهم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي هذا لم يكن أحد من الناس أولى منهم باتباع قوله فإنهم يتبعون قوله إيمانا به ومحبة لمتابعته لا لغرض لهم في الشخص الممدوح... فلو ثبت عندهم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي هذا فاروق أمتي لقبلوا ذلك ونقلوه كما نقلوا قوله لأبي عبيدة هذا أمين هذه الأمة وقوله للزبير إن لكل نبي حوارى وحوارى الزبير وكما قبلوا ونقلوا قوله لعلي لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وحديث الكساء لما قال لعلي وفاطمة وحسن وحسين اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأمثال ذلك ويقال رابعا كل من الحديثين يعلم بالدليل أنه كذب لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم
منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص286-290
"فإنه يقال ما المعنى بكون علي أو غيره فاروق الأمة يفرق بين الحق والباطل إن عنى بذلك أنه يميز بين أهل الحق وأهل الباطل فيميز بين المؤمنين والمنافقين فهذا أمر لا يقدر عليه أحد من البشر لا نبي ولا غيره وقد قال تعالى لنبيه وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم فإذا كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يعلم عين كل منافق في مدينته وفيما حولها فكيف يعلم ذلك غيره وإن قيل إن يذكر صفات أهل الحق وأهل الباطل فالقران قد بين ذلك غاية البيان وهو الفرقان الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل بلا ريب وإن أريد ذلك أن من قاتل معه كان على الحق ومن قاتله كان على الباطل فيقال هذا لو كان صحيحا لم يكن فيه إلا التمييز بين تلك الطائفة المعينة وحينئذ فأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أولى بذلك لأنهم قاتلوا بالمؤمنين أهل الحق الكفار أهل الباطل فكان التمييز الذي حصل بفعلهم أكمل وأفضل فإنه لا يشك عاقل أن الذين قاتلهم الثلاثة كانوا أولى بالباطل ممن قاتلهم علي وكلما كان العدو أعظم باطلا كان عدوه أولى بالحق ولهذا كان أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو من قتله نبي وكان المشركون الذين باشروا الرسول صلى الله عليه و سلم بالتكذيب والمعاداة كأبي لهب وأبي جهل شرا من غيرهم فإذا كان من قاتله الثلاثة أعزم باطلا كان الذين قاتلوهم أعظم حقا فيكونوا أولى بالفرقان بهذا الاعتبار وإن قيل إنه فاروق لأن محبته هي المفرقة بين أهل الحق والباطل قيل أولا هذا ليس من فعله حتى يكون هو به فاروقا وقيل ثانيا بل محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم أعظم تفريقا بين أهل الحق والباطل باتفاق المسلمين وقيل ثالثا لو عارض هذا معارض فجعل محبة عثمان هي الفارقة بين الحق والباطل لم تكن دعواه دون دعوى ذلك في علي مع ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم من قوله لما ذكر الفتنة هذا يومئذ وأصحابه على الحق وأما إذا جعل ذلك في أبي بكر وعمر فلا يخفى أنه أظهر في المقابلة ومن كان قوله مجرد دعوى أمكن مقابلته بمثله وإن إريد بذلك مطلق دعوى المحبة دخل في ذلك الغالية كالمدعين لإلهيته ونبوته فيكون هؤلاء أهل حق وهذا كفر باتفاق المسلمين وإن أريد بذلك المحبة المطلقة فالشأن فيها فأهل السنة يقولون نحن أحقها بها من الشيعة وذلك أن المحبة المتضمنة للغلو هي كمحبة اليهود لموسى والنصارى للمسيح وهي محبة باطلة وذلك أن المحبة الصحيحة أن يحب العبد ذلك المحبوب على ما هو عليه في نفس الأمر فلو اعتقد رجل في بعض الصالحين أنه نبي من الأنبياء أو أنه من السابقين الأولين فأحبه لكان قد أحب ما لا حقيقة له لأنه أحب ذلك امرأة توهم أنها عظيمة المال والجمال والدين والحسب فأحبها ثم تبين أنها دون ما ظنه بكثير فلا ريب أن حبه ينقص بحسب نقص اعتقاده إذ الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها فاليهودي إذا أحب موسى بناء على أنه قال تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض وأنه نهى عن اتباع المسيح ومحمد صلى الله عليه و سمل ولم يكن موسى كذلك فإذا تبين له حقيقة موسى صلى الله عليه و سلم يوم القيامة علم أنه لم يكن يحب موسى على ما هو عليه وإنما أحب موصوفا بصفات لا وجود لها فكانت محبته باطلة فلم يكن مع موسى المبشر بعيسى المسيح ومحمد وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال المرء مع من أحب واليهودي لم يحب إلا ما لا وجود له في الخارج فلا يكون مع موسى المبشر بعيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم فإنه لم يحب موسى هذا والحب والإرادة ونحو ذلك يتبع العلم والاعتقاد فهو فرع الشعور فمن اعتقد باطلا فأحبه كان محبا لذلك الباطل وكانت محبته باطلة فلم تنفعه وهكذا من اعتقد في بشر الإلهية فأحبه لذلك كمن اعتقد إلهية فرعون ونحوه أو أئمة الإسماعيلية أو اعتقد الإلهية في بعض الشيوخ أو بعض أهل البيت أو في بعض الأنبياء أو الملائكة كالنصاري ونحوهم ومن عرف الحق فأحبه كان حبه لذلك الحق فكانت محبته من الحق فنفعته قال الله تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم وهكذا النصراني مع المسيح إذا أحبه معتقدا أنه إله وكان عبدا كان قد أحب ما لا حقيقة له فإذا تبين له أن المسيح عبد رسول لم يكن قد أحبه فلا يكون معه وهكذا من أحب الصحابة والتابعين والصالحين معتقدا فيهم الباطل كانت محبته لذلك الباطل باطلة ومحبة الرافضة لعلي رضي الله عنه من هذا الباب فإنهم يحبون ما لم يوجد وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته الذي لا إمام بعد النبي صلى الله عليه و سلم إلا هو الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ظالمان معتديان أو كافران فإذا تبين لهم يوم القيامة إن عليا لم يكن أفضل من واحد من هؤلاء وإنما غايته أن يكون قريبا من أحدهم وإنه كان مقرا بإمامتهم وفضلهم ولم يكن معصوما لا هو ولا هم ولا كان منصوصا على إمامته تبين لهم أنه لم يكونوا يحبون عليا بل هم من أعظم الناس بغضا لعلي رضي الله عنه في الحقيقة فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت في علي أكمل منها في غيره من إثبات إمامة الثلاثة وتفضيلهم فإن عليا رضي الله عنه كان يفضلهم ويقر بإمامتهم فتبين أنهم مبغضون لعلي قطعا وبهذا يتبين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق إن كان هذا محفوظا ثابتا عن النبي صلى اله عليه وسلم فإن الرافضة لا تحبه على ما هو عليه بل محبتهم من جنس محبة اليهود لموسى والنصارى لعيسى نعوت موسى وعيسى فإنهم يبغضون من أقر نبوة محمد صلى الله عليه و سلم وكانا مقرين بها صلى الله عليهم أجمعين وهكذا كل من أحب شيخا على أنه موصوف بصفات ولم يكن كذلك في نفس الأمر كمن اعتقد في شيخ أنه يشفع في مريديه يوم القيامة وأنه يرزقه وينصره ويفرج عنه الكريات ويجيبه في الضرورات كم اعتقد أن عنده خزائن الله أو أنه يعلم الغيب أو أنه ملك وهو ليس كذلك في نفس الأمر فقد أحب ما لا حقيقة له وقول على رضي الله عنه في هذا الحديث لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ليس من خصائصه بل قد ثبت في لصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اية الإيمان حب الأنصار واية النفاق بغض الأنصار وقال لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الاخر وقال لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق وفي الحديث الصحيح حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا له ولأمه أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين قال فلا تجد مؤمنا إلا يحبني وأمي وهذا مما يبين به الفرق بين هذا الحديث وبين الحديث الذي روى عن ابن عمر ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه و سلم إلا ببغضهم عليا فإن هذا مما يعلم كل عالم أنه كذب لأن النفاق له علامات كثيرة وأسباب متعددة غير بغض علي فكيف لا يكون على النفاق علامة إلا بغض علي وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح آية النفاق بغض الأنصار وقال في الحديث الصحيح آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وقد قال تعالى في القران في صفة المنافقين ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا ومنهم الذين يؤذون النبي ومنهم من عاهد الله ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني فمنهم من يقول أيكم زادنه هذه إيمانا وذكر لهم سبحانه وتعالى في سورة براءة وغيرها من العلامات والصفات ما لا يتسع هذا الموضع لبسطه بل لو قال كنا نعرف المنافقين ببغض على لكان متوجها كما أنهم أيضا يعرفون ببغض الأنصار بل وببغض أبي بكر وعمر وببغض هؤلاء فإن كل من أبغض ما يعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم يحبه ويواليه وأنه كان يحب النبي صلى الله عليه و سلم ويواليه كان بغضه شعبة من شعب النفاق والدليل يطرد ولا ينعكس ولهذا كان أعظم الطوائف نفاقا المبغضين لأبي بكر لأنه لم يكن في الصحابة أحب إلى النبي صلى الله عليه و سلم منه ولا كان فيهم أعظم حبا للنبي صلى الله عليه و سلم منه فبغضه من أعظم ايات النفاق ولهذا لا يوجد المنافقون في طائفة أعظم منها في مبغضيه كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص290-300
"...خديجة نفعته في أول الإسلام نفعا لم يقم غيرها فيه مقامها فكانت خيرا له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة لكن عائشة صحبته في اخر النبوة وكمال الدين فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا أول زمن النبوة فكانت أفضل بهذه الزيادة فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت يغيرها وبلغت من العلم والسنة ما لم يبلغه غيرها فخديجة كان خيرها مقصورا على نفس النبي صلى الله عليه و سلم لم تبلغ عنه شيئا ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة ولا كان الدين قد كمل حتى تعلمه ويحصلها من كمال الإيمان به ما حصل لمن علمه وآمن به بعد كماله ومعلوم أن من اجتمع همه على شيء واحد كان أبلغ فيه ممن تفرق همه في أعمال متنوعة فخديجة رضي الله تعالى عنها خير له من هذا الوجه ولكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك ألا ترى أن من كان من الصحابة أعظم إيمانا وأكثر جهادا بنفسه وماله كحمزة وعلي وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وغيرهم هم أفضل ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم وينفعه في نفسه أكثر منهم كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما
وفي الجملة الكلام في تفضيل عائشة وخديجة ليس هذا موضع استقصائه
منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص303،304
"وذلك أن ... أهل بدر كلهم في الجنة وكذلك أمهات المؤمنين عائشة وغيرها وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء وأهل السنة يقولون إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ بل ولا عن الذنب بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبا صغيرا أو كبيرا ويتوب منه وهذا متفق عليه بين المسلمين ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب الكبائر عند جماهيرهم بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تمحى بالحسنات التي هي أعظم منها وبالمصائب المكفرة وغير ذلك منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص310
"إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ بل ولا عن الذنب بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبا صغيرا أو كبيرا ويتوب منه وهذا متفق عليه بين المسلمين ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب الكبائر عند جماهيرهم بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تمحى بالحسنات التي هي أعظم منها وبالمصائب المكفرة وغير ذلك منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص310
روعة النصوص والنصوص كلها روعة"ما يذكر عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب وكثير منه كانوا مجتهدين فيه ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم وما قدر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم إما بتوبة وإما بحسنات ماحية وإما بمصائب مكفرة وإما بغير ذلك فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه إنهم من أهل الجنة فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة وإذا لم يمت أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة ليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك فكيف يجوز مقل ذلك في خيار المؤمنين والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد واحد منهم باطنا وظاهرا وحسناته وسيئاته واجتهاداته أمر يتعذر علينا معرفته فكان كلامنا في ذلك كلاما فيما لا نعلمه والكلام بلا علم حرام فلهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيرا من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال إذ كان كثير من الخوض في ذلك أو أكثره كلاما بلا علم وهذا حرام لو لم يكن فيه هوى ومعارضة الحق المعلوم فكيف إذا كان كلاما بهوى يطلب فيه دفع الحق المعلوم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار فإذا كان هذا في قضاء بين اثنين في قليل المال أو كثيره فكيف بالقضاء بين الصحابة في أمور كثيرة
فمن تكلم في هذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجبا للوعيد ولو تكلم بحق لقصد اتباع الهوى لا لوجه الله تعالى أو يعارض به حقا آخر لكان أيضا مستوجبا للذم والعقاب ومن علم ما دل عليه القران والسنة من الثناء على القوم ورضا الله عنهم واستحقاقهم الجنة وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس لم يعارض هذا المتيقن المعلوم بأمور مشتبهة منها ما لا يعلم صحته ومنها ما يتبين كذبه ومنها ما لا يعلم كيف وقع ومنها ما يعلم عذر القوم فيه ومنها ما يعلم توبتهم منه ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال وإلا حصل في جهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضلال
منهاج السنة النبوية لإبن تيمية رحمه الله ج4 ص310-313
من أراد معرفة عقل ابن تيمية رحمه الله ومعرفته بالسيرة والصحابة والتاريخ والقرآن وطريقة حواره مع عملاء تزييف الصحابة وتزييف التاريخ ، من الشيعة الروافض والعلمانيين المناكيد ، ومعرفته بالواقع ، ودقائق الوقائع،ومنزلة الناس والصحابة عند الرسول وفي ميزان الإسلام، وسر الوحي في "السابقون الأولون" من اصحاب رسول الله ومدى انتفاع الناس بهم ، وانتفاع الامة بهم وكذلك احتجاجه بالتاريخ المحسوس، كوقائع انسانية واسلامية، موثقة بالرواية الصحيحة والعقل الموزون، وسرده له واعتماده عليه ، من طريق صحته، كطريق موصل للمعرفة من غير أن ينقص من ميزان الوحي شئ فالوحي قيم على التاريخ ،وحاكم عليه ، من غير أن يلغيه بل بإثباته كما هو ، قعليه بقراءة تلك النصوص الكثيفة العلم والخبرة لشيخ الإسلام رحمه الله
ليس في شئ من دفاعنا عن الصحابة رضوان الله عليهم تقديساً لهم، بمعنى رفعهم فوق مستوى البشر، وإنما هم بشر، من خيار البشر، ولهم فضل على الأمة كلها، لاينكر ذلك إلا دهري أو علماني. وللعلمانيين فرية في هذا المجال، ونصوص ابن تيمية السابقة تعتبر ردا على اتهامات العلمانيين المغرضة، وهم يتوسلون بها إلى ماوراءها من القدح في الوحي نفسه، وكمثال فمحمد اركون السوربوني، والشيعي في الأساس، والمابعد حداثي في الأخير، والذي، وياللعجب تقتدي به قامات علمانية عربية، يتهم الأمة بأنها تقدس الصحابة، ثم يتهمها بأنها تقدس الرسول بمعنى ترفعه فوق بشريته!، ويتهم القرآن نفسه، ويتهم علماء التفسير، وعلماء الأصول، بل ويتهم من أسلم من علماء أوروبا كموريس بوكاي وجارودي وهونكه ومحمد أسد وغيرهم..
بينما هو جاهل بحقيقة الوحي في الإسلام، وحقيقة تاريخ الصحابة، وحقيقة النبوة وماجاءت به، وله، وأبعاد مزايا التنزيل، ليس فقط في حياة المسلمين، ولكن وأيضاً ، بما انتفع به الغرب نفسه في العقل والمادة والروح، والرفاهية التي جلبتها حضارتنا للعالم كله.
إن دراسة تاريخنا ومعرفة نصوص العلماء في مسائل العلم لأمر من الأهمية بمكان، وهو نافع في كل معاركنا ، مع من يزيفون التاريخ ليل نهار، مع معرفتنا، ومن كتاباتهم، التي لاتقرأ ، غالبا، بأهدافهم في إسقاط الوحي، وإزاحته، من حياة المسلمين.
"وكذلك لما صالح النبي صلى الله عليه و سلم المشركين يوم الحديبية وقال لأصحابه انحروا واحلقوا رؤوسكم فلم يقم أحد فدخل مغضبا على أم سلمة فقالت من أغضبك أغضبه الله فقال ما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا يطاع فقالت يا رسول الله ادع بهديك فانحره وأمر الحلاق فليحلق رأسك وأمر عليا أن يمحو اسمه فقال والله لا أمحوك فأخذ الكتاب من يده ومحاه فمعلوم أن تأخر علي وغيره من الصحابة عما امروا به حتى غضب النبي صلى الله عليه و سلم إذا قال القائل هذا ذنب كان جوابه كجواب القائل إن عائشة أذنبت في ذلك فمن الناس من يتأول ويقول إنما تأخروا متأولين لكونهم كانوا يرجون تغيير الحال بأن يدخلوا مكه وآخر يقول لو كان لهم تأويل مقبول لم يغضب النبي صلى الله عليه و سلم بل تابوا من ذلك التأخير ورجعوا عنه مع أن حسناتهم تمحو مثل هذا الذنب وعلي داخل في هؤلاء رضي الله عنهم أجمعين" منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص316
لماذا خرجت عائشة أيام الفتنة وكذلك طلحة والزبير قال :"وأما الحديث الذي رواه وهو قوله لها تقاتلين عليا وأنت ظالمة له فهذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة ولا له إسناد معروف وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه الأحاديث الصحيحة بل هو كذب قطعا فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال فندم طلحة والزبير وعلي رضي الله عنهم أجمعين ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في الاقتتال ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم فإنه لما تراسل على وطلحة والزبير وقصدوا الاتفاق على المصلحة وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة وكان على غير راض بقتل عثمان ولا معينا عليه كما كان يحلف فيقول والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله وهو الصادق ابار في يمينه فخشى القتله أن يتفق على معهم على إمساك القتلة فحملوا على عسكر طلحة والزبير فظن طلحة والزبير أن عليا حمل عليهم فحملوا دفعا عن أنفسهم فظن على أنهم حملوا عليه فحمل دفعا عن نفسه فوقعت الفتنة بغير اختيارهم وعائشة رضي الله عنها راكبة لا قاتلت ولا أمرت بالقتال هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار
منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص316،317
والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافى الخروج لمصلحة مأمور بها "وأما قوله وخالفت أمر الله في قوله تعالى وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافى الخروج لمصلحة مأمور بها كما لو خرجت للحج والعمرة أو خرجت مع زوجها في سفرة فإن هذه الاية قد نزلت في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وقد سافر بهن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه وأعمرها من التنعيم وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الاية ولهذا كان أزواج النبي صلى الله عليه و سلم يحججن كما كن يحججن معه في خلافة عمر رضي الله عنه وغيره وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزا فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك
منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص317،318
الوعيد لا يتناول المجتهد المتأول "فلو قال قائل إن عليا ومن قاتله قد التقيا بسيفهما وقد استحلوا دماء المسلمين فيجب أن يلحقهم الوعيد لكان جوابه أن الوعيد لا يتناول المجتهد المتأول وإن كان مخطئا فإن الله تعالى يقول في دعاء المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال قد فعلت فقد عفى للمؤمنين عن النسيان والخطأ والمجتهد المخطىء مغفور له خطؤه وإذا غفر خطأ هؤلاء في قتال المؤمنين فالمغفره لعائشة لكونها لم تقر في بيتها إذ كانت مجتهدة أولى منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص319
"وأيضا قلو قال قائل إن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن المدينة تنفى خبثها وينصع طيبها وقال لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه أخرجه في الموطأ كما في الصحيحين عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنها طيبة يعني المدينة وإنها تنفى الرجال كما تنفى النار خبث الحديد وفي لفظ تنفى الخبث كما تنفى النار خبث الفضة وقال إن عليا خرج عنها ولم يقم بها كما أقام الخلفاء قبله ولهذا لم تجتمع عليه الكلمة لكان الجواب أن المجتهد إذا كان دون علي لم يتناوله الوعيد فعلى أولى أن لا تناوله الوعيد لاجتهاده وبهذا يجاب عن خروج عائشة رضي الله عنها وإذا كان المجتهد مخطئا فالخطأ مغفور بالكتاب والسنة منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص320،321
لماذا خرجت عائشة أيام الفتنة (2) وكذلك طلحة والزبير :"وأما قوله إنها خرجت في ملأ من الناس تقاتل عليا علي غير ذنب فهذا أولا كذب عليها فإنها لم تخرج لقصد القتال ولا كان أيضا طلحة والزبير قصدهما قتال علي ولو قدر أنهم قصدوا القتال فهذا هو القتال المذكور في قوله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغث إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم فجعلهم مؤمنين إخوة مع الاقتتال وإذا كان هذا ثابتا لمن هو دون أولئك المؤمنين فهم به أولى وأحرى منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص321،322
هل رضي الصحابة عن قتل عثمان :"وأما قوله إن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان فجوابه من وجوه أحدها أن يقال أولا هذا من أظهر الكذب وأبينه فإن جماهير المسلمين لم يأمروا بقتله ولا شاركوا في قتله ولا رضوا بقتله أما أولا فلأن أكثر المسلمين لم يكونوا بالمدينة بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة والبصرة ومصر وخراسان وأهل المدينة بعض المسلمين
وأما ثانيا فلأن خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان
لا قتل ولا أمر بقتله وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض من أوباش القبائل وأهل الفتن وكان علي رضي الله عنه يحلف دائما إني ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ويقول اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل وغاية ما يقال إنهم لم ينصروه حق النصرة وأنه حصل نوع من الفتور والخذلان حتى تمكن أولئك المفسدون ولهم في ذلك تأويلات وما كانوا يظنون أن الأمر يبلع إلى ما بلغ ولو علموا ذلك لسدوا الذريعة وحسموا مادة الفتنة
ولهذا قال تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فإن الظالم يظلم فيبتلى الناس بفتنة تصيب من لم يظلم فيعجز عن ردها حينئذ بخلاف ما لو منع الظالم ابتداء فإنه كان يزول سبب الفتنة الثاني أن هؤلاء الرافضة في غاية التناقض والكذب فإنه من المعلوم أن الناس أجمعوا على بيعة عثمان ما لم يجمعوا على قتله فإنهم كلهم بايعوه في جميع الأرض فإن جاز الاحتجاج بالإجماع الظاهر فيجب أن تكون بيعته حقا لحصول الإجماع عليها وإن لم يجز الاحتجاع به بطلت حجتهم بالإجماع على قتله لا سيما ومن المعلوم أنه لم يباشر قتله إلا طائفة قليلة ثم إنهم ينكرون الإجماع على بيعته وقولون إنما بايغ أهل الحق منهم خوفا وكرها ومعلوم أنهم لو اتفقوا كلهم على قتله وقال قائل كان أهل الحق كارهين لقتله لكن سكتوا خوفا وتقية على أنفسهم لكان هذا أقرب إلى الحق لأن العادة قد جرت بأن من يريد قتل الأئمة يخيف من ينازعه بخلاف من يريد مبايعته الأئمة فإنه لا يخيف المخالف كما يخيف من يريد قتله فإن المريدين للقتل أسرع إلى الشر وسفك الدماء وإخافة الناس من المريدين للمبايعه
فهذا لو قدر أن جميع الناس ظهر منهم الأمر بقتله فكيف وجمهورهم أنكروا قتله ودافع عنه من دافع في بيته كالحسن بن علي وعبد الله بن الزبير وغيرهما
منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص322،324
بيعة الناس لعثمان، ردا على العلمانية التي تدعي أن الخلفاء تسودوا بالحق الإلهي!! "فإنه من المعلوم أن الناس أجمعوا على بيعة عثمان... فإنهم كلهم بايعوه في جميع الأرض منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص322،324
الرد على العلمانيين في موضوع يوم السقيفة، وسعد بن عبادة يوم توفي الرسول واجتماع الناس في سقيفة الأنصار للتشاور في من يخلف الرسول في أمر الناس :"وأيضا فإجماع الناس على بيعة أبي بكر أعظم من إجماعهم على بيعة علي وعلى قتل عثمان وعلى غير ذلك فإنه لم يتخلف عنها إلا نفر يسير كسعد بن عبادة وسعد قد علم سبب تخلفه والله يغفر له ويرضى عنه وكان رجلا صالحا من السابقين الأولين من الأنصار من أهل الجنة كما قالت عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك لما أخذ يدافع عن عبد الله بن أبي رأس المنافقين قالت وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية
وقد قلنا غير مرة إن الرجل الصالح المشهود له بالجنة قد يكون له سيئات يتوب منها أو تمحوها حسناته أو تكفر عنه بالمصائب أو بغير ذلك فإن المؤمن إذا أذنب كان لدفع عقوبة النار عنه عشرة أسباب ثلاثة منه وثلاثة من الناس وأربعة يبتديها الله التوبة والاستغفار والحسنات الماحية ودعاء المؤمنين له وإهداؤهم العمل الصالح له وشفاعة نبينا صلى الله عليه و سلم والمصائب
منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص324،325
الرد على العلمانيين في اختيار الناس لابي بكر رضي الله عنه بالشورى والانتخاب! :"وأيضا فإجماع الناس على بيعة أبي بكر أعظم من إجماعهم على بيعة علي ...فإنه لم يتخلف عنها إلا نفر يسير كسعد بن عبادة وسعد قد علم سبب تخلفه والله يغفر له ويرضى عنه وكان رجلا صالحا من السابقين الأولين من الأنصار من أهل الجنة كما قالت عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك لما أخذ يدافع عن عبد الله بن أبي رأس المنافقين قالت وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية وقد قلنا غير مرة إن الرجل الصالح المشهود له بالجنة قد يكون له سيئات يتوب منها أو تمحوها حسناته أو تكفر عنه بالمصائب أو بغير ذلك فإن المؤمن إذا أذنب كان لدفع عقوبة النار عنه عشرة أسباب ثلاثة منه وثلاثة من الناس وأربعة يبتديها الله التوبة والاستغفار والحسنات الماحية ودعاء المؤمنين له وإهداؤهم العمل الصالح له وشفاعة نبينا صلى الله عليه و سلم والمصائب
منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص324،325
"فإن الناس كانوا في زمن علي على ثلاثة أصناف صنف قاتلوا معه وصنف قاتلوه وصنف لا قاتلوه ولا قاتلوا معه وأكثر السابقين الأولين كانوا من هذا الصنف ولو لم يكن تخلف عنه إلا من قاتل مع معاوية رضي الله عنه فإن معاوية ومن معه لم يبايعوه وهم أضعاف الذين قتلوا عثمان أضعافا مضاعفة والذين أنكروا قتل عثمان أضعاف الذين قاتلوا مع على فإن كان قول القائل إن الناس أجمعوا على قتال علي باطلا فقوله إنهم أجمعوا على قتل عثمان أبطل وأبطل منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص326
ثم دعوى المدعى الإجماع على قتل عثمان مع ظهور الإنكار من جماهير الأمة له وقيامهم في الانتصار له والانتقام ممن قتله أظهر كذبا من دعوى المدعى إجماع الأئمة على قتل الحسين رضي الله عنه منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص327
"فإن الحسين رضي الله عنه لم يعظم إنكار الأمة لقتله كما عظم إنكارهم لقتل عثمان ولا انتصر له جيوش كالجيوش الذين انتصرت لعثمان ولا انتقم أعوانه من أعدائه كما انتقم أعوان عثمان من أعدائه ولا حصل بقتله من الفتنة والشر والفساد ما حصل بقتل عثمان ولا كان قتله أعظم إنكارا عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من قتل عثمان فإن عثمان من أعيان السابقين الأولين من المهاجرين من طبقة على وطلحة والبير وهو خليفة للمسلمين أجمعوا على بيعته بل لم يشهر في الأمة سيفا ولا قتل على ولايته أحدا وكان يغزو بالمسلمين الكفار بالسيف وكان السيف في خلافته كما كان في خلافة أبي بكر وعمر مسلولا على الكفار مكفوفا عن أهل القبلة ثم إنه طلب قتله وهو خليفة فصبر ولم يقاتل دفعا عن نفسه حتى قتل ولا ريب أن هذا أعظم أجرا وقتله أعظم إثما ممن لم يكن متوليا فخرج يطلب الولاية ولم يتمكن من ذلك حتى قاتله أعوان الذين طلب أخذ الأمر منهم فقاتل عن نفسه حتى قُتلمنهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص328
وعثمان ترك القتال دفعا عن ولايته فكان حاله أفضل من حال الحسين وقتله أشنع من قتل الحسين كما أن الحسن رضي الله عنه لما لم يقاتل على الأمر بل أصلح بين الأمة بتركه القتال مدحه النبي صلى الله ليه وسلم على ذلك فقال إن ابنة هذا سد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص328
المختار بن أبي عبيد الثقفي وأعوانه "والمنتصرون لعثمان معاوية وأهل الشام والمنتصرون من قتلة الحسين المختار بن أبي عبيد الثقفي وأعوانه ولا يشك عاقل أن معاوية رضي الله عنه خير من المختار فإن المختار كذاب ادعى النبوة وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يكون في ثقيف كذاب ومبير فالكذاب هو المختار والمبير هو الحجاج بن يوسف وهذا المختار كان أبوه رجلا صالحا وهو أبو عبيد الثقفي الذي قتل شهيدا في حرب المجوس وأخته صفية بنت أبي عبيد امرأة عبد الله ابن عمر امرأة صالحة وكان المختار رجل سوء منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص329
نص خبير! :"وأما قوله إن عائشة كانت في كل وقت تأمر بقتل عثمان وتقول في كل وقت اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا ولما بلغها قتله فرحت بذلك فيقال له أولا أين النقل الثابت عن عائشة بذلك ويقال ثانيا المنقول الثابت عنها يكذب ذلك ويبيبن أنها أنكرت قتله وذمت من قتله ودعت على أخيها محمد وغيره لمشاركتهم في ذلك ويقال ثالثا هب أن واحدا من الصحابة عائشة أو غيرها قال في ذلك على وجه الغضب إنكاره بعض ما ينكر فليس قوله حجة ولا يقدح ذلك لا في إيمان القائل ولا المقول له بل قد يكون كلاهما وليا لله تعالى من أهل الجنة ويظن أحدهما جواز قتل الاخر بل يظن كفره وهو مخطىء في هذا الظن كما ثبت في الصحيحين عن علي وغيره في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكان من أهل بدر والحديبية وقد ثبت في الصحيح أن غلامه قال يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار فقال له النبي صلى الله عليه و سلم كذبت إنه قد شهد بدرا والحديبية وفي حديث علي أن حاطبا كتب إلى المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أراد غزوة الفتح فأطلع الله نبيه على ذلك فقال لعلي والزبير اذهبا حتى تأتيا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فلما أتيا بالكتاب قال ما هذا يا حاطب فقال والله يا رسول الله ما فعلت هذا ارتدادا ولا رضا بالكفر ولكن كنت امرءا ملصقا في قرش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم بمكة قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذا فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي فقال عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه شهد بدرا وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأنزل الله تعالى أول سورة الممتحنة يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلفون إليهم بالمودة وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء المغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء وكان على رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة وروى عنه كاتبه عبدالله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى فإن عثمان وعليا وطلحة والزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب ابن أبي بلتعة وكان حاطب مسيئا إلى مماليكه وكان ذنبه في مكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه أعظم من الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء ومع هذا فالنبي صلى الله عليه و سلم نهى عن قتله وكذب من قل إنه يدخل النار لأنه شهد بدرا والحديبية وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر ومع هذا فقد قال عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق فسماه منافقا واستحل قتله ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة وكذلك في الصحيحين وغيرهما في حديث الإفك لما قام النبي صلى الله عليه و سلم خطيبا على المنبر يعتذر من رأس المنافقين عبد الله بن أبي فقال من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا فقام سعد بن معاذ سيد الأوس وهو الذي اهتز لموته عرش الرحمن وهو الذي كان لا تأخذه في الله لومة لائم بل حكم في حلفائه من بني قريظة بأن يقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم حتى قال النبي صلى الله عليه و سلم لقد حكمتن فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة فقال يا رسول الله نحن نعذرك منه إن كان من إخواننا من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير فقال كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين وكادت تثور فتنة بين الأوس والخزرج حتى نزل النبي صلى الله عليه و سلم وخفضهم وهؤلاء الثلاثة من خيار السابقين الأولين وقد قال أسيد بن حضير لسعد بن عبادة إنك منافق تجادل عن المنافقين وهذا مؤمن ولي لله من أهل الجنة وذاك مؤمن ولي الله من أهل الجنة فدل على أن الرجل قد يكفر اخر بالتأويل ولا يكون واحد منهما كافرا وكذلك في الصحيحين حديث عتبال بن مالك لما أتى النبي صلى الله عليه و سلم منزله في نفر من أصحابه فقام يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك إلى مالك بن الدخشم وودوا أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا عليه فيهلك فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاته وقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالوا بلى وإنه يقول ذلك وما هو في قلبه فقال لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه وإذا كان ذلك فإذا ثبت أن شخصا من الصحابة إما عائشة وإما عمار بن ياسر وإما غيرهما كفر اخر من الصحابة عثمان أو غيره أو أباح قتله على وجه التأويل كان هذا من باب التأويل المذكور ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة فإن عثمان وغيره أفضل من حاطب بن أبي بلتعة وعمر أفضل من عمار وعائشة وغيرهما وذنب حاطب أعظم فإذا غفر لحاطب ذنبه فالمغفرة لعثمان أولى وإذا جاز أن يجتهد مثل عمر وأسيد بن حضير في التكفير أو استحلال القتل ولا يكون ذلك مطابقا فصدور مثل ذلك من عائشة وعمار أولى منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص329-334
فعائشة ظهر منها من التألم لقتل عثمان والذم لقتلته وطلب الانتقام منهم ما يقتضي الندم على ما ينافى ذلك كما ظهر منها الندم على مسيرها إلى الجمل فإن كان ندمها على ذلك يدل على فضيلة علي واعترافها له بالحق فكذلك هذا يدل على فضيلة عثمان واعترافها له بالحق وإلا فلا منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص335
قيل نحن لسنا ندعى لواحد من هؤلاء العصمة من كل ذنب بل ندعى أنهم من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين وأنهم من سادات أهل الجنة ونقول إن الذنوب جائزة على من هو أفضل منهم من الصديقين ومن هو أكبر من الصديقين ولكن الذنوب يرفع عقابها بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك وهؤلاء لهم من التوبة والاستغفار والحسنات ما ليس لمن هو دونهم وابتلوا بمصائب يكفر الله بها خطاياهم لم يبتل بها من دونهم فلهم من السعي المشكور والعمل المبرور ما ليس لمن يعدهم وهم بمغفرة الذنوب أحق من غيرهم ممن بعدهم والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم كحال أهل البدع فإن الرافضة تعمد إلى أقوام متقاربين في الفضيلة تريد أن تجعل أحدهم معصوما من الذنوب والخطايا والاخر مأثوما فاسقا أو كافرا فيظهر جهلهم وتناقضهم كاليهودي والنصراني إذا أراد أن يثبت نبوة موسى أو عيسى مع قدحه في نبوة محمد صلى الله عليه و سلم فإنه يظهر عجزه وجهله وتناقضه فإنه ما من طريق يثبت بها نبوة موسى وعيسى إلا وتثبت نبوة محمد صلى الله عليه و سلم إلا وتعرض في نبوة موسى وعيسى عليهما السلام بما هو مثلها أو أقوى منها وكل من عمد إلى التفريق بين المتماثلين أو مدح الشيء وذم ما هو من جنسه أو أولى بالمدح منه أو بالعكس أصابه مثل هذا التناقض والعجز والجهل وهكذا أتباع العلماء والمشايخ إذا أراد أحدهم أن يمدح متبوعه ويذم نظيره أو يفضل أحدهم على الاخر بمثل هذا الطريق
منهاج السنة لابن تيمية رحمه الله ج4 ص336،337
"وأما قوله إن معاوية كان مقيما على شركة هاربا من النبي صلى الله عليه و سلم لأنه كان قد أهدر دمه فهرب إلى مكة فلما لم يجد له مأوى صار إلى النبي صلى الله عليه و سلم مضطرا فأظهر الإسلام وكان إسلامه قبل موت النبي صلى الله عليه و سلم بخمسة أشهر فهذا من أظهر الكذب فإن معاوية أسلم عام الفتح باتفاق الناس منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص436
"وكان معاوية قد أسلم حينئذ فإنه أسلم عند فتح مكة واستكتبه النبي صلى الله عليه و سلم لخبرته وأمانته ولا يعرف عنه ولا عن أخيه يزيد بن أبي سفيان أنهما آذيا النبي صلى الله عليه و سلم كما كان يؤذيه بعض المشركين وأخوه يزيد أفضل منه وبعض الجهال يظن أن يزيد هذا هو يزيد الذي تولى الخلافة بعد معاوية وقُتل الحسين في زمنه فيظن يزيد بن معاوية من الصحابة وهذا جهل ظاهر فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان وأما يزيد عمه هذا فرجل صالح من خيار الصحابة واستعمله الصديق أحد أمراء الشام ومشى في ركابه ومات في خلافة عمر فولى عمر رضي الله عنه أخاه معاوية رضي الله عنه مكانه أميرا ثم لما ولى عثمان أقره على الإمارة وزاده وبقى أميرا إلى أن قتل عثمان ووقعت الفتنة إلى أن قتل أمير المؤمنين على رضي الله عنه وبايع أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنهما فأقام ستة أشهر ثم سلم الأمر إلى معاوية تحقيقا لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وبقى معاوية بعد ذلك عشرين سنة ومات سنة ستين
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص439
"ولو كان لمعاوية من الذنوب ما كان لكان الإسلام يجب ما قبله فكيف ولم يعرف له ذنب يهرب لأجله أو يهدر دمه لأجله وأهل السير والمغازى متفقون على أنه لم يكن معاوية ممن أهدر دمه عام الفتح فهذه مغازى عروة بن الزبير والزهري وموسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي وسعيد بن يحيى الأموي ومحمد بن عائذ وأبي إسحاق الفزاري وغيرهم وكتب التفسير والحديث كلها تنطق بخلاف ما ذكره ويذكرون من إهدار النبي صلى الله عليه و سلم دمه مثل مقيس بن حُبابة وعبد الله بن خطل وهذان قتلا وأهدر دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم بايعه والذين أهدر دماءهم كانوا نفرا قليلا نحو العشرة منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص440،441
"وأبو سفيان كان أعظم الناس عداوة للنبي صلى الله عليه و سلم فهو في غزوة بدر الذي أرسل إلى قريش ليستنفرهم ، وفي غزوة أحد هو الذي جمع الأموال التي كانت معه للتجارة ، وطلب من قريش أن ينفقها في قتال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وهو من أعظم قواد الجيش يوم أحد ، وهو قائد الأحزاب أيضا وقد أخذه العباس بغير عهد ولا عقد ومشى عمر معه يقول للنبي صلى الله عليه و سلم يا نبي الله هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فاضرب عنقه فقاوله العباس في ذلك فأسلم أبو سفيان وأمنه النبي صلى الله عليه و سلم وقال من دخل دار أبي سفيان فهو امن ومن دخل المسجد فهو امن ومن ألقى السلاح فهو امن فكيف يهدر دم معاوية وهو شاب صغير ليس له ذنب يختص به ولا عرف عنه أنه كان يحض على عداوة النبي صلى الله عليه و سلم وقد أمن رؤوس الأحزاب فهل يظن هذا إلا من هو من أجهل الناس بالسيرة وهذا الذي ذكرناه مجمع عليه بين أهل العلم مذكور في عامة الكتب المصنفة في هذا الشأن
وقد بسطنا الكلام على هذا في كتاب الصارم لمسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه و سلم لما ذكرنا من أهدر النبي صلى الله عليه و سلم دمه عام الفتح وذكرناهم واحدا واحدا نعم كان فيهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم إن عثمان رضي الله عنه أتى به فأسلم بمكة وحقن النبي صلى الله عليه و سلم دمه
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص441،442