"وأما ما ذكره من الأحداث والعقوبات الحاصلة بقتل الحسين فلا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هو أفضل منه من النبيين والسابقين الأولين ومن قتل في حرب مسيلمة وكشهداء أحد والذين قتلوا ببئر معونة وكقتل عثمان وقتل على لا سيما والذين قتلوه أباه عليا كانوا يعتقدونه كافرا مرتدا وإن قتله من أعظم القربات بخلاف الذين قتلوا الحسين فإنهم لم يكونوا يعتقدون كفره وكان كثير منهم أو أكثرهم يكرهون قتله ويرونه ذنبا عظيما لكن قتلوه لغرضهم كما يقتل الناس بعضهم بعضا على الملك
وبهذا وغيره يتبين أن كثيرا مما روى في ذلك كذب مثل كون السماء أمطرت دما فإن هذا ما وقع قط في قتل أحد ومثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين ولم تظهر قبل ذلك فإن هذا من الترهات فما زالت هذه الحمرة تظهر ولها سبب طبيعي من جهة الشمس فهي بمنزلة الشفق
وكذلك قول القائل إنه ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط
هو أيضا كذب بين
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص559،660
الدليل على ان ابن تيمية لايقبل روايات المعجزات او الخوارق المزعومة وانه مالم ترد آية قرآنية أو حديث صحيح فإنه لايلتزم به بل يرده إن لم يتبين أنه حق قال رحمه الله "يتبين أن كثيرا مما روى في ذلك كذب ...مثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين ولم تظهر قبل ذلك فإن هذا من الترهات فما زالت هذه الحمرة تظهر ولها سبب طبيعي من جهة الشمس فهي بمنزلة الشفق وكذلك قول القائل إنه ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط
هو أيضا كذب بين
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص559،660
والكلام فيه رد على العلمانيين فابن تيمية يرد الأمور ألى السنن الكونية الطبيعية وهكذا أهل الإسلانم، إلا ماثبت أنه حقيقة متجاوزة للكونية السببية، وهذا هو الفارق بيننا وبين العلمانيين حتى إنهم ينكرون كل غيب أياً كان بل ينكرون الوحي والإيمان والتنزيل وكلام الله واللوح المحفوظ، وفي الجملة، ينكرون الدين كله.!!
"وأما قوله وأنزل الله فيهم قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فهذا كذب ظاهر فإن هذه الاية في سورة الشورى وسورة الشورى مكية بلا ريب نزلت قبل أن يتزوج على بفاطمة رضي الله عنهما وقبل أن يولد له الحسن والحسين فإن عليت إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة في العام الثاني ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر وكانت بدر في شهر رمضان سنة اثنتين وقد تقدم الكلام على الاية الكريمة وأن المراد بها ما بينه ابن عباس رضي الله عنهما من أنه لم تكن قبيلة من قريش إلا وبينها وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم قرابة فقال لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى إلا أن تودوني في القرابة التي بين وبينكم رواه البخاري وغيره
وقد ذكر طائفة من المصنفين من أهل السنة والجماعة والشيعة من أصحاب أحمد وغيرهم حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم أن هذه الاية لما نزلت قالوا يا رسول الله من هؤلاء قال علي وفاطمة وابناهما وهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث
ومما يبين ذلك أن هذه الاية نزلت بمكة باتفاق اهل العلم فإن سورة الشورى جميعها مكية بل جميع ال حم كلهن مكيات وعلى لم يتزوج فاطمة إلا بالمدينة كما تقدم ولم يولد له الحسن والحسين إلا في السنة الثالثة والرابعة من الهجرة
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص562،563
سورة الشوري وجميع آل حم كلهن مكيات " وأنزل الله فيهم قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ...فإن هذه الاية في سورة الشورى وسورة الشورى مكية بلا ريب ... وقد تقدم الكلام على الاية الكريمة وأن المراد بها ما بينه ابن عباس رضي الله عنهما من أنه لم تكن قبيلة من قريش إلا وبينها وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم قرابة فقال لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى إلا أن تودوني في القرابة التي بين وبينكم رواه البخاري وغيره ... ومما يبين ذلك أن هذه الاية نزلت بمكة باتفاق اهل العلم فإن سورة الشورى جميعها مكية بل جميع آل حم كلهن مكيات
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص562،563
الدليل على مساواة السيسي بمبير العراق المختار بن أبي عبيد الثقفي وأنه ليس من هذه الأمة ولايجب إدخاله في نصوص الرحمة والإسلام والإختلاف والإقتتال في الأمة كما لم يفعل بن تيمية وغيره مع هذا الأفاك الأثيم وفلم ينزل عليه أحكام الإجتهاد والتأويل والعذر أو الإثم مادون الكفر فتنبه! قال :"والجواب أن القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء وغيرهم ويزيد خير من غيره خير من المختار بن أبي عبيد الثقفي أمير العراق الذي أظهر الانتقام من قتلة الحسين فإن هذا ادعى أن جبريل يأتيه وخير من الحجاج بن يوسف فإنه أظلم من يزيد باتفاق الناس
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص567
وادعاء نزول جبريل من المختار الكذاب في العراق، ليس أكثر من نفي التنزيل أصلا ، وإعلان العلمانية والعلمانيين ظهيرا فكريا، للسيسي، ووضعهم على رأس ثقافة الأمة، أي الفعل العلمي الحضاري، فضلا عن أنه من طائفة منع الشريعة والصد عنها من يوم سقطت الخلافة بل وقبلها، فعض على هذا بالنواجذ ولاتقل إن السيسي وعصابته من الدولة العميقة والعلمانيين مسلمون فإن هذا والله هو الكفر بعينه
مرة أخرى أقول: ارجوكم لاتدخلوا لنا الترحم على العلمانيين، ممن يعلن -الواحد منهم-أنه غير مؤمن بالله أصلاً، لاتدخلوهم كل مرة، ةعند كل جنازة!!، في الرحمة، وهم اصلا ردوها في وجوه الحقيقة، ورفضوا صاحبها أصلاً!!،وأنكروا خالقهم أصلا، فكلام بن تيمية عن المسلمين المؤمنون بأن لهم وحيا وشريعة، دين وسيادة به في الدنيا
قال بن تيمية:"
فأما قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين فهي آية عامة كآيات الوعيد بمنزلة قوله إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ويصلون سعيرا وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب لكن قد يرتفع موجبة لمعارض راجح إما توبة وإما حسنات ماحية وإما مصائب مكفرة فمن أين يعلم الإنسان أن يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب من هذه أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ظلمة ولم يبتل بمصائب تكفر عنه وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أول جيش شخص يغزو القسطنينية مغفور لهم وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد والجيش عدد معين لا مطلق وشمول المغفرة لاحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحد واحد من الظالمين فإن هذا أخص والجيش معينون
ويقال إن يزيد إنما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث ونحن نعلم أن أكثر المسلمين لا بد لهم من ظلم فإن فتح هذا الباب ساغ أن يلعن أكثر موتى المسلمين والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين لم يأمر بلعنتهم
ثم الكلام في لعنة الأموات أعظم من لعنة الحي فإنه قج ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا حتى أنه قال لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا لما كان قوم يسبون أبا جهل ونحوه من الكفار الذين أسلم أقاربهم فإذا سبوا ذلك آذوا قرابته
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص571،572
يقصد قرابته من أهل الإسلام!
"ولو كان كل ذنب لُعن فاعله يلعن المعين الذي فعله للُعن جمهور الناس وهذا بمنزلة الوعيد المطلق لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا وجدت شروطة وانتفت موانعه"منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص573،574
"وأما ما فعله-يقصد يزيد بن معاوية- بأهل الحرة فإنهم فإنهم لما خلعوه وأخرجوا نوابه وعشيرته أرسل إليهم مرة بعد مرة يطلب الطاعة فامتنعوا فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المرى وأمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة ثلاثة إيام وهذا هو الذي عظم إنكار الناس له من فعل يزيد ولهذا قيل لأحمد أتكتب الحديث عن يزيد قال لا ولا كرامة أو ليس الذي فعل بأهل المدينة ما فعل لكن لم يقتل جميع الأشراف ولا بلغ عدد القتلى عشرة الاف ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي صلى الله عليه و سلم ولا إلى الروضة ولا كان القتل في المسجد منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص575،576
"ومعلوم أن من أعظم الناس كفرا القرامطة الباطنية الذين قتلوا الحجاج وألقوهم في بئر زمزم وأخذوا الحجر الأسود وبقى عندهم مدة ثم أعادوزه وجرى فيه عبرة حتى أعيد ومع هذا فلم يسلطوا على الكعبة بإهانة بل كانت معظمة مشرفة وهم كانوا من أكفر خلق الله تعالى وأما ملوك المسلمين من بني أمية وبني العباس ونوابهم فلا ريب أن أحدا منهم لم يقصد أهانة الكعبة لا نائب يزيد ولا نائب عبد الملك الحجاج بن يوسف ولا غيرهما بل كان المسلمين كانوا معظمين للكعبة وإنما كان مقصودهم حصار ابن الزبير والضرب بالمنجنيق كان له لا للكعبة ويزيد لم يهدم الكعبة ولم يقصد إحراقها لا وهو ولا نوبه باتفاق المسلمين ولكن ابن الزبير هدمها تعظيما لها لقصد إعادتها وبنائها على الوجه الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه و سلم لعائشة رضي الله عنها وكانت النار قد أصابت بعض ستائرها فتفجر بعض الحجارة
ثم إن عبد الملك أمر الحجاج بإعادتها إلى البناء الذي كانت عليه زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا ما زاد في طولها في السماء فأمره أن يدعه فهي على هذه الصفة إلى الان
وهذه مسألة اجتهاد فابن الزبير ومن وافقه من السلف رأوا إعادتها إلى الصفة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قال لعائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم فإن قرشا حين بنت الكعبة استقصرت ولجعلت لها خلفا قال البخاري يعني بابا
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص577،578
"وأما الحديث الذي رواه وقوله إن قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب اهل النار وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ينكس في النار حتى يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتن ريحه وهو فيها خالد إلى اخره فهذا من أحاديث الكذابين الذين لا يسحيون من المجازفة في الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فهل يكون على واحد نصف عذاب أهل النار أو يقدر نصف عذاب أهل النار ؟ وأبن عذاب آل وآل المائدة والمنافقين وسائر الكفار ؟ وأين قتلة الأنبياء وقتلة السابقين الأولين ؟
وقاتل عثمان اعظم إثما من قاتل الحسين فهذا الغلو الزائد يقابل بغلو الناصبة الذين يزعمون أن الحسين كان خارجيا وأنه كان يجوز قتله لقول النبي صلى الله عليه و سلم من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان رواه مسلم
وأهل السنة والجماعة يردون غلو هؤلاء وهؤلاء ويقولون إن الحسين قتل مظلوما شهيدا وإن الذين قتلوه كانوا ظالمين معتدين وأحاديث النبي صلى الله عليه و سلم التي يأمر فيها بقتال المفارق للجماعة لم تتناوله فإنه رضي الله عنه لم يفرق الجماعة ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده أو إلى الثغر إو إلى يزيد داخلا في الجماعة معرضا عن تفريق الأمة ولو كان طالب ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك فكيف لا تجب إجابة الحسين إلى ذلك ولو كان الطالب لهذه الأمور من هو دون الحسين لم يجز حبسه ولا إمساكه فضلا عن أسره وقتله
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص585،586
انظر إلى عقل بن تيمية رحمه الله فهو يرد الروايات الكاذبة بالعقل وأيضا بما يعلم أن الإسلام ميزان لايمكن أن تخالفه رواية صحيحة أبداً!
الكلام التالي هو رد على العلماني أيضاً، وكمثال سيد القمني، ومثله خليل عبد الكريم، فإن الأول زعم أن النبي صنع حزباً هامشيا(رد على القمني فهمي هويدي في مقال وضعته في كتابي أقطاب العلمانية ج2) وأن الرسول توسل بالديانة ليصنع العصبية والهيمنة!!، وأما الثاني فقد كتب كتابين يناقض احدهما الآخر، وفي احدهما يرجع أمر النبوة لدعم إمبراطورية قرشية، وقد كتبت في ذلك أكثر من مقال في سلسلة انهيار الإستشراق، وأيضاً فصلاً كاملاً من أقطاب العلمانية ج3،وهو مخطوط لم ينشر بعد)
قال ابن تيمية رحمه الله
:"وكذلك قول اشتد غضب الله وغضبي على من أراق دم أهلي وآذاني في عترتي
كلام لا ينقله عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا ينسبه إليه إلا جاهل فإن العاصم لدم الحسن والحسين وغيرهما من الإيمان والتقوى أعظم من مجرد القرابة ولو كان الرجل من أهل البيت النبي صلى الله عليه و سلم وأتى بما يبيح قتله أو قطعه كان ذلك جائزا بإجماع المسلمين كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
فقد أخبر أن أعز الناس عليه من أهله لو أتى بما يوجب الحد لأقامه عليه فلو زنى الهاشمي وهو محصن رجم حتى يموت باتفاق علماء المسلمين ولو قتل نفسا عمدا عدوانا محضا لجاز قتله به وإن كان المقتول من الحبشة أو الروم أو الترك أو الديلم
فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال المسلمون تتكافأ دماؤهم فدماء الهاشميين وغير الهاشميين سواء إذا كانوا أحرارا مسلمين باتفاق الأمة فلا فرق بين إراقة دم الهاشمي وغير الهاشمي إذا كان بحق فكيف
يخص النبي صلى الله عليه و سلم أهله بأن يشتد غضب الله على من أراق دماءهم
فإن الله حرم قتل النفس إلا بحق فالمقتول بحق لم يشتد غضب الله على من قتله سواء كان المقتول هاشميا أو غير هاشمي
وإن قتل بغير حق فمن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فالعاصم للدماء والمبيح لها يشترك فيه بنو هاشم وغيرهم فلا يضيف مثل هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا منافق يقدح في نبوته أو جاهل لا يعلم العدل الذي بعث به صلى الله عليه و سلم
وكذلك قوله من اذاني في عترتي فإن ايذاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حرام في عترته وأمته وسنته وغير ذلك
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص586،587
انهيار شرفات الاستشراق على طريق السور المكية (أساطير لحجب النبوة) طارق منينة-جريدة السبيل الأردنية تاريخ النشر : 14/08/2009 لم تكن اتهامات قريش للرسول من أنه "انما يعلمه بشر" وان ما معه انما هو "أساطير الأولين" اتهامات (عقلانية) كما يزعم العلمانيون الماديون وانما كانت اتهامات طائشة لاعقل لها وهم يعلمون كذبها، فالعقلانية لم تكن منهج "الدهرية" التي يسميها شاكر النابلسي "الدهرية العلمانية"، والعجيب ان النابلسي وغيره مرة يقولون بان قريش كانت لا يعنيها الدين في شيء وانما مصالحها المادية فقط، ومرة يصفونها بالعقلانية والتنويرية، ومعلوم ان هذا نهج يهودي فهؤلاء يرجحون الدهرية على الاسلام كما رجح اليهود الوثنية عليه وقد نزل في هذا الشأن قرآنا يتلى! ان نفس هذا الدافع النفسي لزعماء مكة هو نفسه الذي اشتعل في العقل العلماني الحديث كما اكتوى به الشعور الاستشراقي القديم واحترق به خياله، ما ادى الى إنتاج اساطير خائبة وسيناريوهات (الهوى) العلماني التي حجبت حقيقة القراءة القرآنية الرحمانية للكون والاعلان الالهي الذي جاءت به الايات الخمس الاولى من الوحي القرآني وما تلاها من تلاوات كانت اعظم الفتوحات للانسان في مجالات العلوم من "العلق" و"الفلق" الي"الآفاق والفلك" والتي شاهد الغرب آثارها واستفاد من نتائجها وغفل عن مصادرها الاصلية او كتم اصولها. لقد كانت الاساطير الاستشرافية القديمة عدائية بصورة "ساذجة" وصارخة كما سيأتي عرضه في سياق الكلام عن أسباب اهمالها من قبل الاستشراق الجديد الذي يصفه جوزيف شاخت في كتابه تراث الاسلام (1-63) بالاستشراق العلماني. ومعلوم ان الكنيسة في العصور الوسطي قد سقطت بفعل الحراك المعرفي الذي اشيع في ربوع الاندلس، بيد ان العلمانية تملكت زمام الامور فيما بدات الاساطير القديمة "الساذجة" تختفي رويدا رويدا الا بقايا لها أدخلتها الماكينة العلمانية المهيمنة والحديثة -من القرن التاسع عشر الميلادي في نشاطاتها الفكرية الخيالية والاسطورية في آن، والتي أنشات أساطيرها الخاصة تجاه "أصل الحياة" و"أصل الوحي" و"أصل الانسان"و"مصدر القرآن". وظهرت الاساطير الكاذبة هذه المرة ضد النبي محمد في صور وضعية واكاديمية ظهر ذلك في كتابات عديدة، منها تاريخ القرآن لنولدكه وكتب واط ورودنسون وغيرهم. بيد ان الامر هنا يستدعي على عجالة عرضا مختصرا لما انتجته الذهنية العلمانية العربية (الاستشراقية كما سماها أحدهم وهو هادي العلوي) تجاه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان فشلت كل المحاولات الاخرى لاختطاف الاسلام والتغطية على الحضارة المنبثقة من القرآن. فبعد ان فشل العلمانيون العرب في ترويج مشاريعهم في مواضيع " الدولة في الاسلام" و"التراث والمعاصرة" ومحاولة احياء" الفرق الضالة" وتشويه " تاريخ الصحابة" ذهبوا يفتشون في الاساطير الاستشراقية والعلمانية بحثا عن "نتف" يقيمون بها مشاريعهم الجديدة، للطعن فيمن أنزل عليه القرأن وهو النبي محمد فوجدوا بغيتهم في اساطيرها والتي انطلقت هذه المرة من "المذهب المادي" القاصر في تفسير النبوة والوحي. كان الاستاذ فهمي هويدي قد كشف عقم خيال أحد هؤلاء الماديين وهو سيد القمني في الزعم بان رسول الله كان يسعى الى تمكين ما أسماه بـ(الحزب الهاشمي) في الجزيرة العربية باعتبار انه "حلم اجداده!" (مقالة بعنوان "التعدد لا التعدي" الاهرام 23 مارس 1989). وأشار الاستاذ هويدي الي ان هذه الكتابات أخطر وأسوأ من رواية سلمان رشدي بعد ذلك كتب خليل عبدالكريم كتابه "قريش من القبيلة الى الدولة المركزية" ليجعل طموح النبي أكبر من حزب هاشمي ليكون في الاسطورية الجديدة "امبراطورية قرشية"! والشيء اللافت للنظر ان خليل عبدالكريم نفسه كتب كتابه "فترة التكوين" وقد رسم فيه سيناريو للرسول يناقض السيناريو الذي رسمه في كتابه "قريش من القبيلة" ففي هذا الكتاب الاخير جعل من النبي شخصا يطمح الى الملك ويسعى في وعي كامل الى هدف تأسيس "امبراطورية قرشية" وفي كتابه الاخر (فترة التكوين) يجعله لا يعرف شيئا عن اي مخطط او هدف، بل هو في فترة التكوين لخليل عبد الكريم طيع خاضع بين يدي خديجة وورقة بن نوفل -بمساعدة قساوسة من بُعْد- ولمدة خمسة عشر عاما في دراسة لاهوتية من العشاء حتى الفجر حتى نحجت تجربة قساوسة التجريب والتصنيع في اخراج نبي اسطوري!! (كيف يجتمع في رأس مفكر-علماني- نقيضين بهذه الصورة الفاضحة –كل سيناريو في كتاب!-الا اذا كانت النفسية كما وصفها الله جل علاه) ولاتنسي ان هذا الرجل هاجم الفتوحات الاسلامية والشريعة الالهية والصحابة، وقام بالاستهزاء الممنهج المختلط بالطعن في النبي خصوصا في كتابه فترة التكوين. اما الدكتور طيب تيزيني فقد سبق خليل عبدالكريم في اختراع اسطورة مصطنعة بجداره لجعل النبي خاضع عن طريق زوجته المأمورة من "تنظيم دولي" ينطلق من روما ويمر بالاسكندرية وله سيطرة فكرية على مكة والحجاز! ما أدي بتيزيني الي اطلاق "فاعلية تاريخية" لمحمد افرزتها الظروف المادية وقتذاك! رصد تيزيني مشروعه المادي الجدلي من 12 مجلدا وهو مشروع "رؤية جديدة للفكر العربي.." ورصد لتسجيل أسطورته العلمانية عن النبي محمد الجزء الرابع منه وهو "مقدمات اولية في الاسلام المحمدي الباكر: نشأة وتأسيسا". كما صنع هشام جعيط المفكر التونسي اسطورته عن النبي في كتابه تاريخية الدعوة المحمدية، وفيه زعم ان الرسول كان يسافر الى سوريا للدراسة اللاهوتية مسلحا بلغات مختلفة عربية وسريانية ما نتج عنه القرآن الأولي بزعمه!
انهيار شرفات الاستشراق... المفتون التاريخي!
بقلم طارق منينة
تاريخ النشر : 06/01/2010 - 07:13 م
صحيفة السبيل الأردنيةلا يعني إبطال الوليد بن المغيرة (وهو قائد وثني وسيد قرشي) لإتهامات قريش السابقة -ومنها "تهمة الجنون" التي أطلقوها كبداية لإعاقة الدعوة- انه كان يحاول أن يبطل "أصل" الفرية و"مادة" الإتهام الموجه للرسول بنكران وطغيان، فهو على كل حال كان معادياً للرسول كبقية قادة قريش الكافرة وصناديدها النافرة، ولولا أن فريته الجديدة تحظى من قومه بالإهتمام والقبول "تهمة السحر" لما أطلقها، بل هم اطلقوها أولا وهو قبلها بعد رفضه لها ما أعطاها دعم من أصحاب السلطان والمال، ما يعني أنه قَبِل بهواه ما كان عقله قد نقضه ونفاه: "...قَالُوا: فَنَقُولُ: سَاحِرٌ؛ قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرِ، لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ...ما أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ لَأَنْ تَقُولُوا سَاحِرٌ". ان سهولة قبول الإتهام الجديد وتمريره في الأوساط القرشية والتلبيس به على الناس في عملية وثنية مُلبسة للخلط بين الساحر والنبي، والكاهن والنبي، والشاعر والنبي، فتح المجال لإتهامات مماثلة تم ترويجها وقبولها فيما بعد على مستوى واسع، اقليميا ودوليا ،تمت صياغتها في سيناريوهات راحت تُرقع أساطيرها بنِتف تلك الإتهامات القرشية. وفيما كانت وعود الإسلام تتحقق ويكتسح الإنقاذ الإسلامي المدن العريقة للحضارات القديمة ويحرر فيها الأمم والشعوب ويسطر حضارة علمية عظيمة بمداد العلماء وبتجارب علمية معملية لفقهاء الكون ممن يسطرون قواعد المنهاج العلمي وهم يصلون ويذكرون الله كثيرا ، كانت تلك الأساطير تحرق نفوس أهلها في دوائرها المتبرصة البعيدة (الكنيسة الغربية)، والقريبة (الكنيسة الشرقية) التي خلطت في أدبياتها بين الكاهن المسيحي المتمرد او الهرطوقي والنبي المرسل، وبين الدجال –الساحر- والمحتال والنبي المختار، كما رأيناه في اساطير وأدبيات بيزنطة (الصورة الأوروبية الوسيطة للإسلام)، حتى عميت عن حقيقة رسالة النبي مع أنها كانت تشاهد آثارها العلمية والعقلية والمدنية والدينية في مدن اوروبية كقرطبة وصقلية ومدن الأندلس عموما وغيرها من المدن الإسلامية. ولإنحطاط إهتماماتها لم تلتفت الا الى الحطّ من شخصية محمد رسول الله ورحمته للعالمين، حتى ان "مونتحمري وات" قال في ذلك "ليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حُط من قدرها في الغرب كمحمد" كذلك نجد حديثا ومع ظهور نتائج حضارة الإسلام وإفادة الغرب منها أيما إفادة- ان سيناريوهات الإتهامات العلمانية العصرية لشخص الرسول محمد مازالت تراوح مكان الإتهامات القديمة وإن شانَتها بمفاتن المذاهب الحديثة. وفيما نراها تحاول فضح اساطير البهتان القديمة نجدها تزرع اساطير جديدة تتذرع بالموضوعية وتتشدق بالعلمية والتاريخية ... وقد حولت "الجنون" القرشي كما عند "غوتاف لوبون" الى ما اطلق هو عليه "الهوس"! وله في العصر الاوروبي الوسيط مصطلحات اخر.. كما تحول المحتوى النفسي لمن كله شر (هكذا وصف رسول الله قديما)الي المحتوى المقتبس من اليهود والنصارى الي تهمة "محتوى اللاشعور الجمعي" (بل اليها كلها مجتمعة!!)التهمة التي أطلقها "مونتجمري وات" (انظر الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر لمونتجمري وات،ترجمة عبد الرحمن الشيخ، الهيئة العامة للكتاب، 1998، ص209) وهي التهمة الساقطة المستفادة من علياء فلسفة "يونج" "النفسية" وخياله المفرط والذي نقضه مفكرون اوروبيون كما نقد هو استاذه فرويد. وقد اشار "وات"الي انه استفاد تهمته من "يونج" كما في المرجع السابق ص206-208- كما يقول: "والى عمل هذا اللاشعور الجمعي يعزى كثير من الأساطير الدينية بل وكثير من المعتقدات الجامدة" (ص207)، وتبعه في ذلك "مكسيم رودنسون" -الذي قلده في حججه ومنها زعمه ان القرآن صادر عن منطقة اللاوعي عند محمد!- وكذلك ذهبت "كارين آرمسترونج" التي قالت ايضا : "إنني مدينة -تحديدا- للمجلدين اللذين كتبهما مونتغمري واط محمد في مكة ومحمد في المدينة" ("الإسلام في مرآة الغرب" لكارين ص 18)
ويمكن القول بأن الإفتراءات العلمانية لم تتعدى حدود الإتهامات القرشية إلا أنها جاءت بصيغ السيناريوهات العلمانية الجديدة المحلاة بالمذاهب الإجتماعية والنفسية وإنشغالاتها المادية الضيقة والمنغلقة في آن ؛ وهذه الإتهامات تكاد تنحصر في انها اما اتهامات نفسية "ترتيب نفسي أو خطة داخلية قام بها محمد (زعموا) أو التهمة المونتجمرية باللاشعور الداخلي الجمعي(تراث جمعي في نفس!!)! او التهمة بالشعور بالإحباط والضياع واليتم الذي -زعم نصر ابو زيد- انها صاغت في شخص محمد ألفاظ "القرآن"(انظر مفهوم النص ص 67)، واما نقلية "نقل عن غلام أو بشر" ، واما اسطورية "نقل عن أساطير!" اساطير حضارية او وثنية او مسيحية او يهودية او هندية او يونانية ، حتى ان "شبرنغر" قال انه صلى الله عليه وسلم نقل عن كتاب يسمى "اساطير الأولين" مستخدماً لفظة النضر ابن الحارث في نسج تهمة جديدة للرسول بأن ماجاء به ماهو إلا أساطير الأولين وقد سخّف نولدكه مقولة "شبرنغر" (انظر تاريخ القرآن لنولدكه، ص15-16)، فأبطل بذلك فرية النقل الكتابي (أي عن كتاب)التي افتراها "شبرنغر" وغيره وذلك ليثبت نولدكه شيئا آخر وهو النقل الشفاهي!! يقول "إستنادا إلى ما تقدم لابد لنا من أن ننفي إمكانية إستعمال محمد مصادر مكتوبة، فهو تقبل أهم أجزاء تعليمه من اليهود والمسيحيين على الأرجح"( ص 16) ومما يدخل في هذا السياق إبطال خليل عبد الكريم لفرضية سيد القمني عن سعي الرسول لإقامة مجد قبيلته الهاشمية تحت دعوى النبوة! (التهمة النفسية والخطة الداخلية!،وهنا تنتقل التهمة في هذه الجزئية من نقل"علم"إلي نقل"حلم")، فقال خليل: لا، الامر ليس كذلك بل الفرضية هي: حلم أجداد بإقامة مجد امبراطورية قرشية لقبائل قريش وليس للفرع الهاشمي!-ويعرفنا "علي حرب" العلماني بخليل عبد الكريم فيقول انه "من أبرز أعلام النهضة والحداثة "(هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة..لعلي حرب ص76). مما يدخل في السياق ايضا نقد "هشام جعيط" -المفكر التونسي الذي أشاد مكسيم ورودنسون بإفتراءاته- لسيناريو "تور اندري" السويدي الذي زعم ان المسيحية السورية المشخصة في فكر الكاهن "إفرائيم" ذهبت الى اسواق العرب ومنها تعلم الرسول ما دعاه اندري "القرآن الأولي" أي معارفه الأولية!، فقال جعيط: لا ليس الأمر كذلك بل ذهب محمد الى المسيحية السورية ليتعلم منها على فترات دراسية مدعوما بلغات يونانية وغيرها فلم ينقض جعيط أصل الإتهام، ولكن صورته والأصل فاسد والصورة ملفقة ليس عليها أي دليل ومع ان جعيط ألف كتابا ليدشن هذه الفرية الملفقة من بعض ماقاله اندري وغيره الا انه قال فيه "التأثير المباشر السوري ايضا يدخل في مجال التخمينات والإفتراضات وليس لنا أي شاهد علي ذلك"( تاريخية الدعوة المحمدية لجعيط،دار الطليعة ،بيروت، ط1،2007،ص 174)، ومع ان هشام جعيط اعترف بفقدان الدليل وضلال التخمين الا انه قال بلا ارتجاف ضمير: "ونحن نلحظ أن عالما مثل تور أندري يحلل عن كثب القرابة بين إفرائيم وبين القرآن الأولي، لكن لا يجسر(!) أن يقر بتأثير واضح مباشر من المسيحية الشرقية على القرآن. بالنسبة للمؤرخ الموضوعي(!)، لا يمكن الإفلات من إقرار هذا التأثير، وهو ليس بالتأثير السطحي ولكن العميق والمستبطن بقوة، وإلا عاد محمد غير ممكن في بلده وفي زمانه، أو وجب على المؤرخ الإذعان والإقرار بألوهية القرآن مبدئيا ونهائيا والتوقف عن كل بحث" (ص164). ألم يقل جعيط (لا دليل..) فكيف يكون الدليل "عميقا" و"بقوة"!!؟وكأنه الوليد بن المغيرة يقتنع بما ليس معه عليه دليل بل ويعترف في نفس الوقت بعدم الدليل لكنه يقسم بالعلمانية علي نقيضه! يذكرني هذا ايضا بالمواقف المتناقضة التي اتخذها حسن حنفي عن النبوة والوحي والحضارة الإسلامية، حتى طرابيشي يقول في كتابه "المثقفون العرب والتراث" ص 105-128: "ان حنفي لا يصنع قضية إلا لينفيها، ولايقول رأيا إلا ليقول عكسه"(ص105) اذن، عاد وحي القرآن فوق الزمان والمكان ولله الحمد والمنة وثبتت نعمة النبوة وصار المفتون الذي دعتنا السورة الى فحصه وتأمله والنظر اليه في مسيرة التاريخ هو النمط الوثني والعلماني والإستشراقي ومن العجيب ان يكون الواحد من هؤلاء حامل لفكرتين متناقضتين في آن، فخليل عبد الكريم صنع كتابه "فترة التكوين" ليثبت ان الرسول كان ساذجا وانه استُغل من تنظيم يبدأ من خديجة وينتهي بعداس، وتحت هذا التأثير وحده انفعل شعوره الداخلي فأعلن النبوة!، اما في كتابه "قريش من القبيلة الى الدولة المركزية" فقد سطر فيه خليل عبد الكريم دعواه ان النبي رتب كل شيء في نفسه بدون معونة خارجية لإقامة إمبراطورية قرشية وفي الحقيقة فانا لم أجد أي وجود في هذا الكتاب لفرية خليل الأخرى المسطورة في كتابه "فترة التكوين"، وكأن الكاتب مختلف والمخترع له قلبين في جوفه!، لقد عرفنا العلمانيون بباطل العلمانيين!، فطرابيشي العلماني يكذب حنفي العلماني وخليل العلماني ينقض القمني العلماني بل يتناقض خليل مع خليل نفسه..ويكذب بعضهم بعضا في الإفتراءات المتصنعة.
قال سبحانه منعما على رسوله بعلوم عن افراد وجماعات وتخرصات واختلافات في التاريخ المسطور ضد النبوة : "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج" (سورة ق: آية 5) كما قال سبحانه لزعماء الإفك والضلال "إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون" (الذاريات:8-10)
انهيار شرفات الاستشراق.. تعليق وسيناريوهات
تاريخ النشر : 20/01/2010 - 06:45 م
جريدة السبيل الأردنية
بقلم طارق منينةعَلقّت الدكتورة حنان فاروق على مقالي السابق "المفتون التاريخي" في المساحة المتاحة للقراء بقولها: "فَنَّد القرآن ادعاءات المدعين قبل حتى أن ينطقوا بها.. قال إنهم سيفترون على الله الكذب وفعلوا، قال إنهم سيتهمون النبي بـ"الجنون" و"السحر" و"النقل" و"الادعاء" و"الهوس" و"المس" و"الشعر" وفعلوا.. والغريب أنهم مازالوا يفعلون، وهم يرون اتهاماتهم مفندة أمامهم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً... مؤلم ما تفعل البشرية بنفسها.. وأكثر إيلاماً إصرارها على الغرق". وقد كان عنوان المقال يشير إلى قوله تعالى من سورة القلم "فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون".
وهي السورة التي نكتشف من خلال آياتها العميقة الدلالة، فضيحة الأخلاق اللاعقلانية والطائشة لمعارضي النبوة، ومنهم من هم جاثمون على صدورنا اليوم بحجة أنهم أعلام النهضة والتنوير والإبداع، أمثال: خليل عبد الكريم، وهشام جعيط، والجابري، وطيب تيزيني، ونصر، والعشماوي، وغيرهم، والذين كتب جابر عصفور "ضد التعصب" و"هوامش على دفتر التنوير" دفاعا عنهم وعن حريتهم في التلفيق والخداع، وقد أردتُ بالإشارة-العنوان، أن أثبت الواقع التاريخي لأهل الفتنة على مختلف أديانهم ومذاهبهم -من الدهريين والمستشرقين البيزنطيين، وممن أتى بعدهم من اليهود والمسيحيين والعلمانيين-، وأن الفتنة ليست في أو من جهة النبوة، فهي سبب السعادة والحضارة والعلم والخير والمصلحة لمن فقهها وعلم حقائقها وانتفع بمبادئها وشرائعها، وإنما الفتنة في جهة من وقف للنبوة والنبي بالمرصاد والشطط والبهتان، وقد رأينا عند أهلها من الهوى والتلاعبات الواعية ما يثير الشفقة عليهم، وكما قالت الدكتورة إنه مؤلم أن هؤلاء يصرون على الغرق -ويحاولون بكل وسيلة وخديعة إغراق الأمة معهم- وطوق النجاة وافر وآمن.
فخليل عبد الكريم كمثال على الفتنة الواعية والتلاعبات العابثة اللاهية، اتخذ من الحقيقة التاريخية لأمية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة لدعم سخريته وحيلته التي سطرها في كتابه "فترة التكوين" ضد الرسول، وهي فرضية عبثية مخترعة لا دليل عليها إلا أنه نسجها بدهاء، ومع محاولة تعسفية غاية في التصنع والتهكم، وكان مسارها على النحو التالي: بما أن النبي كان أميا، وبما أنه جاء بـ"الكم الغفير من المعلومات" (الأعمال الكاملة-3، فترة التكوين، دار مصر المحروسة، ط2، 2003، انظر ص 17)، وهي التي لا يمكن أن تصدر عن رجل أمي فإنه لا بد أن يكون تعلم على يد خديجة وورقة ابن نوفل بالدراسة الشفهية ليلا ونهارا، لمدة خمسة عشر عاما قبل نبوته، ورسمت "خيوط" تكاملت حلقاتها لإنجاح اختيارها وتجربتها الكبرى (انظر ص36) وأنها هي من اختارته وليس الله: "أنه موضوع التجربة الخطيرة المقدمة عليها، وأيضا لاختيار صلاحيته للنكاح؛ لأن الأمرين مقترنان متشابكان" (ص42، وانظرص169)، وكان الزواج "بدوره المدخل لغمسه في التجربة الكبرى" (ص47) ويضيف "لأنه من الحتم اللازم أن تنكح محمدا؛ أي تتخذه زوجا؛ أي تصير هي بعله؛ لأنها من جانب تطيع أمرا صارما صدر لها من سنوات" (ص72). ويزعم أنها كانت تجربة سرية في الظلام :"هذا الملحظ البالغ الأهمية.. غاب عن فطانة كل من زَبَرَ (نسخ) سطورا في السيرة... فالتجربة لها كنه مستقل، وقوام فذ، وكينونة مفردة، فهي والكتمان صنوان والسر توأمان والخفاء شقيقان، يصلح لها الظلام(!) وتنفعها العتمة، ويقويها التواري -عن الأعين- ويعينها الصمم، وإن شئت الدقة، وتحريّت الصحة، وابتغيت الصواب، قلت: التصامم" (ص238) وفي ص85 :"والتي لولاها-يقصد خديجة رضي الله عنها- لما أكمل التجربة حتى نهايتها" (وسيأتي زعم هشام جعيط أنه لولا المسيحية السورية ما كان محمد!!).
فالإسلام عنده هو مؤامرة -يجب تجاوزه كما سيأتي من كلامه-تمت "بليل" لتدريب شاب أمي على حفظ المعلومات الدينية لتحويله لنبي أسطوري!، يقول "وفي ليالي مكة الطويلة استمرت هذه الجلسات حتى ينفجر نور الصباح فهي جزء عضوي(!!) في الإعداد والتأهيل والتهيئة" (ص129)، لكنه من ناحية أخرى يعترف بـ"ندرة أخبار التجربة.. ولذا أصابنا الجهد والإعياء(!) ونحن نلهث وراءها (أخبار التجربة المجيدة)... ومع ذلك فقد اضطررنا اضطرارا(!) للجوء لبعض الفروض التي تتناغم مع السياق(!) كيما تكتمل الصورة، وتسد الثغرات، وتملأ الفجوات" (فترة التكوين ص239)، ويتراجع عن لفظ "الندرة" إلى ألفاظ "النضوب" والخلو من وقائع تاريخية على أكاذيبه، فيقول "سنوات التجربة.. ناضبة من الأخبار، وشلة من النوازل، مليطة من الوقائع، معراة من الحوادث" (ص236) ولذلك وصفها بـ"العقبة الكؤود -بالنسبة للتجربة- ندرة الأخبار والوقائع" (ص235)، ومع ذلك يقول جازما متيقنا "إن هذا الكتاب من أهم أغراضه الكشف عما فات القدامى والمحدثين" (ص44) ويقول وهو على غير يقين مما سطره "ونحن لا نزعم أن غاية الكتاب هو الحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، إنما هي جهد متواضع لفتح مغلاق(!)" (ص 19)، والسؤال الآن: إذا لم تدون كتب التاريخ أي وقائع لهذا التدريب الليلي المزعوم، فكيف يؤكد-العلماني- أنه حدث وكل ليلة -ومن الليل حتى الفجر- ولمدة 15 سنة؟ وهل تُلغى النبوة بهذه الظنون والتلفيقات والتناقضات؟ ومعلوم أن الروايات التاريخية تكذب سيناريو تعليم الثقافة المسيحية-المزعومة- من خديجة رضي الله عنها لمحمد كل ليلة حتى الفجر، ففضلا عن أنه لم يحاجج النبي أحد من المشركين في مكة -وهم أعرف الناس به وبأهله- بأن ما جاء به تعلمه في جلسات مطولة مستمرة وليلية من خديجة رضي الله عنها وورقة ابن عمها، كذلك فإن سؤال خديجة رضي الله عنها لورقة بن نوفل يوم مجيء الوحي للنبي عن (من هو جبريل أو ما هو؟) ينسف هذا السيناريو تماما، فكيف تقوم بتعليم الرسول هذه العلوم الدينية الكثيفة ليل نهار طيلة هذه السنوات ثم لا تعرف -وهي المعلمة-من هو جبريل؟ خصوصاً وهو القائل "فهي من باب اليقين قد استوعبت الأسفار... من التوراة والإنجيل" (فترة التكوين ص 13) وكيف يعرفه ورقة ويجيب على سؤال ما هو جبريل، وهي المشاركة له كما يزعم خليل ولا تعرف هي ذلك، بل تسأله بعد خبرة 15 عاما من التعليم والأستذة؟، إن سؤالها في الحقيقة دليل براءتها من افتراءات العلمانيين والمستشرقين، وقد أورد خليل قول خديحة وسؤالها في أكثر من موضع من كتابه، ليس كدليل على براءتها، وإنما كدليل على أنها كانت حلقة وصل (الحلقة الكتابية الخارجية"ص128") في تعليم محمد فهل تغيب هذه المعلومة طول هذه الفترة عن الوسيط والمعلم الذي له-بزعم خليل عبد الكريم-صلة بقساوسة الجزيرة العربية، صلة تنظيمية، وهو الذي قال "المؤكد(!) أنها جالستهم ونشبت بينها وبينهم محاورات قوامها العلم الكتابي، مما يزيد ثقافتها الدينية علما.. وإلا لما(!) نجحت في إنجاز التجربة الفذة" (ص128)؟! ويزعم فيما يتهم وهو يستعمل المذهب المادي، فيقول عن ما زعمه من إعداد دقيق للتجربة المزعومة :"ولولا هذا الخلط البارع... لما قدر(!) لها "التجربة" الفلج الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ أربعة عشر قرنا، وما زال يشغلهم حتى الآن ما لم تتبدل(!!) أحوالهم الاجتماعية والإقتصادية والثقافية(!) وما لم يتحلحل حراس الإسطير المخيم، وحلاس التراث المبارك عن أماكنهم الميمونة"!!!(ص84). كما أن زواج خديجة قبل النبوة مرتين، ولها أولاد ممن توفاهم الله قبل زواجها بالنبي، ينسف المحور الآخر الذي بنى عليه خليل عبد الكريم أركان فضيحته: وهو أن خديجة رضي الله عنها كانت تراقبه منذ الصغر لتتزوجه "لأنه المرشح الأوحد للنكاح وتوابعه شديدة الخطر"(ص48) لتدخله وتغمسه في تجربة دينية ارتبطت في خيال خليل عبد الكريم بجلسات مطولة، إذا كان كذلك فلِما تزوجت لا مرة واحدة ولكن مرتين، فقد تزوجت مرة ثانية بعد موت زوجها الأول؟.. فهذان برهانان ناسفان لطائشة خليل عبد الكريم ولله الحمد والمنة. ويكفي استدعاء كلام له في الرد على من زعم أن الرسول تعلم القرآن من "حدّاد" في مكة يسمى بلعام لنقيمه دليلا عليه، انظر إليه يقول: "المدة التي كان يمكثها محمد مع بلعام أو يسار أو جبر -حتى ولو كان هؤلاء يجيدون الحديث باللغة العربية - لا تتيح لهم أن يمدوه بهذا الفيض الزاخر من المعارف، ولم تقل لنا إحدى الروايات أو كلتاهما أن محمدا كان دائم اللباث عندهم، أو كان كثير اللزام لهم أو كان طويل المكث لديهم، يقضي معهم الليالي الطوال، أو يعقد معهم الجلسات المادّة" (ص17) والسؤال الآن: هل قالت الروايات أن الرسول كان يقضي مع خديجة وورقة الجلسات الطوال، كل يوم، عاما بعد عام إلى 15 عاما ليمدوه بهذا "الفيض الزاخر من المعارف"؟ وقد قال خليل عبد الكريم نفسه كما تقدم أنه لا حوادث ولا وقائع ولا نوازل على جلسات التهيئة المزعومة، الجلسات الطوال! والتي عند خليل تمثل "الجزء العضوي" من أسطورته الفاشلة، لقد قال خليل عن اتهام قريش للرسول بأن حدّادا مدّه بالعلوم القرآنية، قال "سبق صناديد مكة أولئك المستشرقين الذين ذكرناهم بفكرة لا تقل ركا، وتنافسها في السخف، وتباريها في الضعف، وهي أن محمدا تعلم القرآن من.. "حداد" لمكة" (16) فهل يمكن أن نقول في فريته نفس الكلمات (سخف-ضعف-ركا-تمحل-تكلف-اصطناع) (انظر ص16) خصوصا أنه نفى تهمة تعليم الغلام-الحدّاد للرسول لا لوجه الله - كما قلنا إنه أثبت أمية الرسول أيضا لا لوجه الله -ولكن ليجعل بدلا عنها فرية :"تعليم خديجة وقساوسة لمحمد" في مؤامرة مسيحية خضع لها تماما ونتجت عنها دعوته!!!..
إن الزعم بوجود الدليل ثم قول نقيضه، والاعتراف بخلو الحوادث منه في نفس الوقت الذي يتم فيه رسم سيناريو آخر نقيض، وهو سيناريو حلم الإمبراطورية القرشية، ليدل على أن الأمر لم يكن غرضه طلب الحق وإنما المخادعة والتلاعب بالنصوص؛ من أجل إلحاق مساس ما بالإسلام. وهو دليل إضافي على المرض والحقد والغل التي أشارت إليه كارين آرمسترونج وقد انتقل من بيزنطة القديمة والحديثة إلى العلمانيين العرب. كما أن الزعم بالرأي الجديد "رؤية جديدة نزعم أنها غير مسبوقة"! (ص18) مفضوح؛ لأنه أخذ معظم افتراءاته من سيناريو لطيب تيزيني عن تعليم خديجة للنبي وتهيئته بمتابعة أوامر تنظيم - الذي أخذ بدوره كثيرا من نتف أسطورته الطائشة عن مستشرقين- لكن تيزيني جعله تنظيما دوليا غربيا! أما خليل فقد أغلق دائرة التنظيم داخل حدود الجزيرة! فيما انفتح جعيط على الشام!. إن كلا من هؤلاء يختار فرية ثم يفكر ويقدر ويقلب فيها.. ثم يبني عليها سيناريو أسطوريا كاذبا. وهو ما يسمونه "التنوير" ظلما وبهتانا.
انهيار شرفات الاستشراق.. صبيانية علمانية
بقلم طارق منينة
( جريدة السبيل الاردنية)تاريخ النشر : 09/02/2010 - 07:16 مزيادة على مزاعم المستشرقين المسيحيين واليهود من تأثير ورقة ابن نوفل وغيره على الرسول، وتحت المفهوم العلماني المادي "جدلية الداخل والخارج، الفكر والواقع" أضاف طيب تيزيني سيناريو أبعد في الضلال مما رسمه المستشرقون الغربيون، بل وأبعد مما رسمته الأساطير البيزنطية القديمة والساذجة في آن، مستخدما في التلفيق والتنسيق والتعديل جهازه المفاهيمي المعرفي (اللامعرفي بالأحرى!) للمادية التاريخية كما وصفه بنفسه (انظر مشروع رؤية جديدة للفكر العربي، مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر، دار دمشق، ط1، 1994، ص36، 41، 176) مغيباً لحقائق، وزارعاً لأغاليط وأساطير، وناسجاً لمؤامرة "تنظيم مسيحي معارض" استدرج النبي واحتواه وصنعه بزعمه! ومستخدماً لدعم تفسيره المادي والأسطوري أفكار مكسيم رودنسون اليهودي وغيره مثل "هنري ماسيه" و"ديلاسي أوليري" و"تور أندري" (انظر ص 177، 370)، و"رودنسون" كما هو معروف صاحب تفسير مادي للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي. كما استخدم تيزيني أفكار وتحليلات بندلي صليبا الجوزي (انظر 188)، ومعلوم أن بندلي اعتمد على دراسات نولدكه ولامانس وفلهاوزن وجولدتسيهر وغيرهم، كما اعتمد التفسير الاقتصادي المادي للتاريخ، ولذلك أُعجب به تيزيني، ونهل منه، كما أن لـ"بندلي" قولا يصب في أسطورة تيزيني بدرجة ما، وهو أن النبي انتُدب ليكون مُصلحا لبلاده!!، وكذلك اعتمد طيب تيزيني على الرواية الخيالية التي كتبها طه حسين "على هامش السيرة" وبعض مشاهدها التي نسجها طه حسين من محض خياله، ومكر حباله، وسيأتي في الحلقة القادمة اعتماد تيزيني في شأن زعمه بوجود تنظيم دولي سعى إلى تهيئة من يحمل أحلامه وأساطيره الدينية، على خيال طه حسين الذي هو محض افتراء. فأقام تيزيني أمر التنظيم -وهو يعلم- على جُرفٍ هارٍ من رمال طه حسين المتحركة، الذاهبة بالدين والدنيا معا، فالتقى الخيال العلماني القديم على تلفيق وأمر قد حُفر وسُطر ودُبّر. كذلك اعتمد تيزيني على أفكار ومنهج مونتجمري وات (انظر ص195)، وهذا الأخير كان قد قال إنه بمجيء محمد كان هناك "مشروع قرشي" اقتصادي مادي للتغيير(!) ناهَضَهُ "مشروع محمدي" مادي للتغيير أيضا! فقال تيزيني: لا، بل هما مشروع مادي واحد هو مشروع قريش، وقد أتمه محمد وانتهى إليه ونفذه، وهو الإستراتيجية-المزعومة طبعا- القرشية الكبرى! (انظر ص 195). والمدهش أن التنظيم الدولي اختفى من مخيلة تيزيني وهو يلفق المشروع القرشي المزعوم، على الرغم من أن غرض أسطورته هو إثبات مشروع "خارجي غربي مسيحي" معارض للإمبراطورية الرومانية!.. وتنتهي الأسطورة إلى نتيجة وهي أن محمدا رسول الله كان ينفذ أجندة خارجية بحيلة زوجة!. ولقد ورث خليل عبد الكريم من طيب تيزيني عملية الاحتيال والتناقض الآنف الذكر معا، مع زيادة تلبيس وتحوير وادعاء، فصنع للمشروع القرشي أكثر من كتاب يؤكد فيه اتهام تيزيني بدون الإشارة إلى مصدره، وبادعاء الكشف التاريخي! كما صنع لمشروع التنظيم كتابه "فترة التكوين" إلا أنه قَصَر حدود التنظيم على الجزيرة العربية، بخلاف تيزيني الذي كان قد جعل روما مصدر التنظيم مع مستعمراتها، ففي أسطورته التي صنع لها كتابه "مقدمات أولية..." لإعادة تركيب التاريخ الإسلامي كما يحلو لماركسي أن يفعل، ادعى تيزيني أن المشروع الإستراتيجي المُصَنّع لمحمد (رسول الله) هو بيزنطي-مسيحي- غربي، مُخطط له، جاء من "الخارج!" -وليس من"الداخل!" لتحقيق حلم المعارضة المسيحية البيزنطية، وهو حلم -بحسب طيب تيزيني- جاء من روما، وتوغل في مستعمراتها حتى سيطر في نهاية المطاف على مكة. ومن ثم على خديجة التي أُرغمت -بزعم تيزيني- على الزواج من محمد، الذي استُدرج بالأمر البيزنطي الصارم! وهو ما يعني أن الإسلام -والرسول- ما هو إلا نتاج اختراق ومؤامرة "المعارضة المسيحية في الإمبراطورية البيزنطية"!! (وبلفظ طيب تيزيني :"أنه كان مخترقا من الخارج البيزنطي"(انظر ص 242)) وهنا أيضا وفي هذا السيناريو لا نرى أثرا للحلم القرشي المزعوم الذي زعم تيزيني أن محمدا نفذه وتبناه!، فالنصرانية بزعم تيزيني كمنت وراء ظهور الإسلام، وقامت بتحفيز محمد (رسول الله) عن طريق استدراج امرأة له -وهنا أشم رائحة الأساطير البيزنطية المتراكمة المتعفنة تاريخيا!- ليتزوجها ليدخل في دائرة الرصد والتصنيع التنظيمي الخارجي، وكأنه تنظيم ماركسي في عقل تيزيني!
لم يشعر تيزيني بتعارض فكرة الحلم أو المشروع القرشي مع الحلم أو المشروع البيزنطي، لكنه شعر بتناقضه في جعل "دعوة محمد صلى الله عليه وسلم" تحقيقا لدعوة خصومه من قريش، فحاول سد الثغرة بقوله بأنها "وإن بدت لفترة ما مناوئة لذلك المشروع فإنها خضعت له في نهاية المطاف بمثابته المشروع الإستراتيجي الكبير"!!!(ص 196)، مع أن الذي خضع في النهاية هو قريش، وقد آمنت بالإسلام الذي هدم تطلعاتها المادية، وتصوراتها العصبية، والتي انتقل أفضل رجالاتها وقادتها من النقيض إلى النقيض، من الكفر إلى الإيمان، بعد أن حاربت الإسلام لعقود أو لسنوات، واضطهدت المؤمنين وطاردتهم، وقد سجل القرآن وقائع الحرب على الإسلام بما لا يدع لأحد مجالا للشك في اختلاف دعوة القرآن عن أهداف قريش والقبائل المحاربة للرسول، لكن يبدو أن عقل تيزيني، وهو يشتغل غلاًّ وحقداً بالتلفيقات، لا يبالي بكمّ التناقضات والغرائب التي تلفها.. لا يعنيه تناقضها الداخلي بقدر عنايته بصب زيت الأهواء الثقيلة في أتون المحرقات المادية الجدلية التي رأيناها أخيرا -فلسفة وواقعا- تحطم نفسها، وتأكل ذاتها بعد سقوط أساطيرها الأصلية الماركسية، وفي التعديلات الفاضحة عليها، بل والمناقضة لفكر رجالاتها الأوائل!
هنا يمكننا فتح قوسين فنقول: هل سرق خليل عبد الكريم أفكار طيب تيزيني وعدّل فيها، سواء أكانت فكرة خضوع خديجة لأوامر خارجية للزواج من محمد، أو تطويعه لتنظيم أو لمشروع!؟
دعوني أقول إن إلهام خليل في أساطيره عن النبي كان تيزينياً، وأما في سخريته من النبي فكان كتاب "ذهنية التحريم" لصادق جلال العظم، وتحريضه.
لاشك أن عملية التبني والاستلهام للأكاذيب العلمانية والاستشراقية عن الرسول والقرآن (تحوير -تعديل- دمج- تلوين) تجري اليوم بصورة شديدة المكر، وفي غفلة من أغلب القراء، وهي تجري على قدم وساق في البيئة العلمانية العربية المقلدة حتى النخاع والأذقان والأمخاخ، وبمشروعنا هنا نعمل على تفكيكها وفضحها؛ لأنها كما قال منير شفيق في كتابه في "الحداثة والخطاب الحداثي" (المركز العربي الثقافي، ط1، 1999، ص29) هي الوجه الفكري للاستعمار، فإن ما جرى في المجالات الاقتصادية السياسية والعسكرية "حدث مثله تماما في المجال الحضاري والثقافي والإيديولوجي كذلك"
وقد رأينا هنا كيف عدّل تيزيني فكرة مونتجري وات -صاحب التفسير الاقتصادي المادي للإسلام- عن المشروعين الملفقين، ليصيرا عند تيزيني مشروعا ماديا واحدا (داخل التفسير المادي الجدلي!)، فما أرادته قريش وحلمت به حققه محمد-صلى الله عليه وسلم- بزعمه!، كما رأينا كذلك تعديل هشام جعيط لمسار أسطورة تور أندري (القس السويدي!!).. مع ملاحظة أن (العلماني هنا انطلق من خيال قسيس! فهي دائرة مغلقة من الأهواء) فجعيط انطلق من تور أندري لا من وقائع تاريخية، بدليل اعتراف جعيط نفسه، بل وزيادة على ذلك أقول: إن جعيط لم يقرأ تور أندري أولا، إلا من خلال أطروحة "طيب تيزيني" الخاطئة الكاذبة -والأمر شبيه بقراءة خليل عبد الكريم لتيزيني عن مشروع وتنظيم المؤامرة، فلولا تيزيني ما ظهر خليل هذا الظهور، ولولا تور أندري وإشارة تيزيني ما ظهر مشروع جعيط للسيرة !- ويمكن القول إن هشام جعيط سرق زعم طيب تيزيني القديم (فتوقيت وزمن أطروحة تيزيني كان 1994) عن تأثير المسيحية السورية على "القرآن" الأولي، واحتجاج تيزيني في ذلك بفكرة تور أندري كما أشار (فالتأثير يمر من أندري إلى تيزيني هذه المرة!) (انظر مقدمات أولية ص 370)، فتلقفها جعيط بعد أن أعجبته الفكرة وزعم الاقتباس والتأثير، وصنع منها بحثا ضخما هو كتابه (تاريخية الدعوة المحمدية في مكة، 2007 ) وأراد أن ينفرد به، وكأنه مبدع في الاتهام مع اعترافه بفراغ اليد من الدليل!! ومع أن تيزيني أفرد للفكرة (المقتبسة بدورها من تور أندري!) صفحة واحدة فقط، إلا أن جعيط حوّر في أسطورة أندري، وحوّل مسار التأثير، فنسب للرسول ما لم ينسبه أندري نفسه، وذلك في كتاب ضخم يفتخر به العلمانيون والمسيحيون في مواقع الإنترنت، مع أنها معتمدة كلها على الخيال والأهواء!
إن أصل افتراءات خليل عبد الكريم وهشام جعيط أُخذت "مُصَغّرة" من طيب تيزيني، ثم نُفخ فيها وكُبرت وحُورت، وادعى أصحابها أنهم لم يُسبقوا إليها!.. وهذا يشبه من وجه تعديل العشماوي وسيد القمني بعد اقتباس لأسطورة فرويد عن النبي موسى، وقد شرحتُ ذلك في كتابي أقطاب العلمانية (2) وهكذا فإننا نرى المشهد مثيرا للغثيان، فالمصدر المخترع لـ"مسارات" الافتراءات "علماني غربي" تمتد نتفه وعروقه إلى تاريخ الحقد البيزنطي، والتعديل والتلوين والتقليد والسرقة والانتحال "عربي طفولي ساذج" بل الطفل بريء بخلاف سارق ألاعيب الاستشراق وتضابيره وأضاليله.
إن أهم سقطة وقع فيها طيب تيزيني هو نسجه أسطورته من تلاعبات طه حسين الروائية الأسطورية. فلننظر كيف تم حبك السيناريو، لنرى على أي أساس اعتمد فيلسوف المادية التاريخية العربي والكاتب في جريدة الاتحاد الإماراتية، والبالغ الآن من العمر أرذله!؟
انهيار شرفات الاستشراق... البيان الأخير في فضح الأساطير طارق منينة الثلاثاء, 13 نيسان 2010 21:20 أقسمَ الله بظواهر الكون السماوية والأرضية، السابحة في كوننا البديع، والجارية في أفلاك تُبهر الأبصار، وتثير الألباب، وكذلك الجارية بالبشر في آفاق الأرض جرياناً قلّما تشعر معه باضطراب، أو تحملهم حملاً خفيفاً لطيفاً في وديانها وسهولها وآفاقها وبحارها.. من كل ما يحمل البشر في الآفاق، أو يجري بهم للرفاهة وجلب الأرزاق.. أقسمَ سبحانه بذلك مما يشاهدونه ويعرفونه، ومما لم تصل إليه المعرفة البشرية إلا بعد ذلك بقرون، على أنه سيفضح الفتن الجامحة لأعداء الإسلام، وسيبصرهم اضطراب تصوراتهم، وإفك تخرصاتهم، في وعد قرآني ما يزال يتحقق إلى يومنا هذا، وقد أظهرنا فيما تقدم "جهة" أو "جهات" هذه الفتن المضطربة التي شاهد الصحابة أوائلها تتساقط أمامهم، فما سمعوه من وعد قرآني وهم تحت التعذيب تحقق كما أخبر "فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ" (سورة القلم: 5-6)، وهو وعد ذُكِر لاحقا -أيضا- مع قَسَم عظيم "وَالذَّارِيَات� � ذَرْوًا، فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا، فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا، فَالْمُقَسِّمَا تِ أَمْرًا، إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ، وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ، قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ" (الذاريات 1-11) إن تخرصات العلمانيين والمستشرقين وأقوالهم المتخالفة التي يكذب بعضها بعضا، هي من غمرات الغفلة التي أقسم الحق على إبصار أصحابها في التاريخ نتائجها الخاطئة، وقد عرضنا بعضا منها في المقالات السابقة، ومنها ماعبر عنه الربيعو بأنه نتاج سراب المادية المبتذلة الحديثة، فقال في كتابه (الأرض اليباب): "تيزيني يجعل من الأسطرة مجرد وسيلة معرفية يتلاعب بها كبار الكهنة، بحيث يظهر الدين في مشروعه لعبة كبار الكهنة، بهدف الوصول والحصول على فائض اقتصادي... يغريه بذلك اللهاث وراء السراب، والركض وراء أسطورة المادية التاريخية، إن جاز التعبير. إنه الخواء بكل معناه الذي يتحكم في رقاب مشروع بهذه الضخامة" (ص147) وقال: "إن من يتجشم عناء السفر في أسفار تيزيني لا بد أن يصيبه الإعياء والنصب.. تيزيني لا يمارس القراءة، بل يقوم بقسر التراث والتاريخ ليطابق المادية التاريخية كسقف للتاريخ ظل تيزيني عاجزا عن بلوغه باستمرار"(ص 143) وأضاف: "هي من وجهة نظرنا لوثة فكرية بقيت كراسب ماركسوي في ثقافتنا المعاصرة.. نرصد آثارها في كتابات الراديكاليين العرب، مثل: صادق جلال العظم، والطيب تيزيني، وبصورة خاصة كتابات الدكتور السيد القمني" (ص210). كذلك يسجل الربيعو اندهاشه من هذه الحشود المتخرصة عبر التاريخ، التي استعان بها تيزيني، فقال: "لماذا كل هذا الحضور بصورته الاستشراقية الكلاسيكية المفوَّتة كإطار مرجعي في عمل طيب تيزيني، حضور فلهاوزن ورودنسون وبلاشير وهنري ماسيه وجيب وبيتروشيفسكي من الاستشراق السوفيتي-الروسي الجديد؟ ألا يشي هذا الحضور الكبير للاستشراق في الفكر المادي الجدلي على تلك الصلة الوثيقة بين الماركسية والاستشراق، الصلة التي سبق لإدوارد سعيد أن بينها وفضحها عندما بيّن الخلفية المرجعية لماركس عن الشرق.. ثم ألا يعني هذا الحضور الكبير للاستشراق عند باحث عربي يعلن صراحة انتماءه إلى الفكر المادي الجدلي في قراءته للإسلام الباكر.. أقول ألا يعني أن هذا المفكر يحكم على مشروعه بالإحباط والقصور المنهجي والأدواتي والمفاهيمي، عندما يتكئ على الاستشراق" (ص154). العجيب أن محمد أركون اتكأ أيضا على الاستشراق، مثل اعتماده على هنري كوربان الذي يُعيِّرُ الربيعو الجابريَّ به، انظر ص175، ومع ذلك، ولأن أركون متفق مع تركي علي الربيعو على الأخذ من المذاهب الحديثة جدا في الغرب -وهو لهث في نفس المضمار العلماني في الحقيقة- فإننا لم نر في كتاب الربيعو ونقده إلا استشهاداً بأركون ضد من ذكرناهم آنفا (انظر على سبيل المثال ص 116،219). إن هؤلاء لا يرون ما لا يحبون أن يرونه مع أنه موجود، فالحقيقة أمامهم، لكنهم لا يريدون أن يروها كما قال جلال أمين، كما أنهم يرون ما ليس بموجود لمجرد أنهم يحبون أن يكون موجودا (انظر "التنوير المزيف" لجلال أمين، سلسلة اقرأ، طبعة دار المعارف ص130). وهو نفس ما قاله زياد منى العلماني في تحليله لكتاب "قس ونبي" لصاحبه (أبو موسى الحريري" بقوله "ونرى أن بحثه المحموم عن دعم لآرائه المسبقة هو ما سبب تسرعه وبحثه عن الإثارة، ومحاولة إجبار المراجع على البوح بمعلومات لا تحويها" ("الإبيونيون وورقة ابن نوفل والإسلام"، زياد منى، قدمس للنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2001، ص23). في نهاية عرضنا لهذه الأساطير العلمانية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان لا بد أن نعرض الحكم الأخير من داخل المنظومة العلمانية نفسها، حكم "تركي الربيعو" على أسطورة طيب تيزيني عن النبي، يقول: "إن تيزيني يمارس شططا في قراءة التاريخ عندما يتحدث عن الحتمية التاريخية التي أفرزت الإسلام المحمدي الباكر... وفي إطار بحثه هذا يرى أن ورقة بن نوفل كان المعلم الأول... تيزيني يندفع بشططه بعيدا عندما يخبرنا أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من خديجة كان "مخططا له ومقصودا وناجحا"، ويضيف بقوله: "نميل إلى ترجيح أن ورقة وخديجة مثلا نقطتين حاسمتين في تكوين شخصية محمد باستدراج محمد الشاب -عبر تعيينه مدير أعمال لتجارتها ثم الزواج بها- إلى دائرة الفكر النوفلي نسبة إلى ورقة بن نوفل. الاستشهادات السابقة المأخوذة عن طيب تيزيني، ما هي إلا عينة من فيض كبير لا ينفع معه الحوار، ولا تنفع معه مقارعة الحجة بالحجة... وفي رأيي النهائي أن كتاب "الإسلام المحمدي الباكر" ما هو إلا بيان ختامي يعلن فيه تيزيني، وباللاشعور، موت المادية التاريخية والجدلية في فكرنا، وموت الاستشراق"!(ص161-162) وهكذا أعلنت الفرضيات العلمانية الجديدة موت الفرضيات العلمانية القديمة في بيان علماني ختامي يُصدق القسم القرآني من حيث لا يدري.
"ومع هذا فيقال غاية يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فساقا فلعنة الفاسق المعين ليست مأمورا بها إنما جاءت السنة بلعنة الأنواع كقول النبي صلى الله عليه و سلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده وقوله لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا وقوله لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقوله لعن الله المحلل والمحلل له لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها واكل ثمنها
وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعين فقيل إنه جائز كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي الفرج بن الجوزي وغيره وقيل إنه لا يجوز كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي بكر عبد العزيز وغيره والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعين كالحجاج بن يوسف وأمثاله وأن يقول كما قال الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين وقد ثبت في صحيح البخاري أن رجلا كان يدعى حمارا وكان يشرب الخمر وكان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه و سلم فيضربه فأتى به إليه مرة فقال رجل لعنة الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تلعنه فإنه يجب الله ورسوله
فقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر شرب الخمر معللا ذلك بأنه يحب الله ورسوله مع أنه صلى الله عليه و سلم لعن شارب الخمر مطلقا فدل ذلك على أنه يجوز أن يلعن المطلق ولا تجوز لعنة المعين الذي يجب الله ورسوله
ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله ولكن في المظهرين للإسلام من هم منافقون فأولئك ملعونون لا يحبون الله ورسوله ومن علم حال الواحد من هؤلاء لم يصل عليه إذا مات لقوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره
ومن جوز من أهل السنة والجماعة لعنة الفاسق المعين فإنه يقول يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحق للثواب مستحق للعقاب، فالصلاة عليه لاستحقاقه الثواب، واللعنه له لاستحقاقه العقاب واللعنة البعد عن الرحمة والصلاة عليه سبب لرحمة فيرحم من وجه ويبعد عنها من وجه
وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة ومن يدخل فيهم من الكرامية والمرجئة والشيعة ومذهب كثير من الشيعة الإمامية وغيرهم الذين يقولون إن الفاسق لا يخلد في النارمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص567-571
"من المعلوم أن كل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله ولكن في المظهرين للإسلام من هم منافقون فأولئك ملعونون لا يحبون الله ورسوله ومن علم حال الواحد من هؤلاء لم يصل عليه إذا مات لقوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبرهمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص567-571
سيرة
" وسار أسامة لوجهه الذي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصاب في ذلك العدو مصيبة عظيمة وغنم هو وأصحابه وقتل قاتل أبيه وردهم الله سالمين إلى المدينة وإنما أنفذ جيش أسامة أبوبكر الصديق بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم وقال لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأشار عليه غير واحد أن يرد الجيش خوفا عليهم فإنهم خافوا أن يطمع الناس في الجيش بموت النبي صلى الله عليه و سلم فامتنع أبو بكر من رد الجيش وأمر بإنفاذه فلما رآهم الناس يغزون عقب موت النبي صلى الله عليه و سلم كان ذلك مما أيد الله به الدين وشد به قلوب المؤمنين وأذل به الكفار والمنافقين وكان ذلك من كمال معرفة أبي بكر الصديق وإيمانه ويقينه وتدبيره ورأيهمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص489
قال بعد أن تكلم عن القرامطة وقتلهم للحجاج وإفسادهم في الحرم "وأيضا فلو قدر والعياذ بالله أن أحدا يقصد إهانة الكعبة وهو قادر على ذلك لم يحتج إلى رميها بالمنجنيق بل يمكن تخريبها بدون ذلك كما تخرب في اخر الزمان إذا أراد الله أن يقيم القيامة فيخرب بيته ويرفع كلامه من الأرض فلا يبقى في المصاحف والقلوب قران ويبعث ريحا طيبة فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ولا يبقى في الأرض خير من ذلك وتخريبها بأن يسلط عليها ذو السويقتين كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الني صلى الله عليه و سلم قال يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص583
في دفاعه عن الأنبياء ضد جهل الشيعة وأمثالهم "وظننتم أن انتقال الادمى من الجهل إلى العلم ومن الضلال إلى الهدى ومن ألغى إلى الرشاد تنقصا ولم تعلموا أن هذا من أعظم نعم الله وأعظم قدرته حيث ينقل العباد من النقص إلى الكمال وأنه قد يكون الذي يذوق الشر والخير ويعرفهما يكون حبه للخير وبغضه للشر أعظم ممن لا يعرف إلا الخير كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص590
"ومن العجب من هؤلاء الرافضة أنهم يدعون تعظيم آل محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهم سعوا في مجىء التتر الكفار إلى بغداد دار الخلافة حتى قتلت الكفار من المسلمين مالا يحصيه إلا الله تعالى من بني هاشم وغيرهم وقتلوا بجهات بغداد ألف ألف وثمانمئة ألف ونيفا وسبعين ألفا وقتلوا الخليفة العباسي وسبوا النساء الهاشميات وصبيان الهاشميين فهذا هو البغض لآل محمد صلى الله عليه و سلم بلا ريب منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص593
نص خبير "ولا ريب أنه لآل محمد صلى الله عليه و سلم حقا على الأمة لا يشكرهم فيه غيرهم ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر بطون قريش كما أن قريشا يستحقون من المحبة والموالاة مالا يستحقه غير قريش من القبائل كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر أجناس بني ادم" منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص599 أقول لكم : لابد من إبراز هذه الجملة، ضد العلمانية والعلمانيين العرب، المتلاعبون بالتاريخ، فهي الحقيقة المحسوسة في التاريخ بإعتبار أنهم حملوا هذا الدين للعالم، وفتحوه لنشر الرحمة كلها، وأسلم الملايين، وتمتع الآخرون بدنيا حضارة الإسلام، وانتقل العلم لشمال أوروبا وغربها وشرقها بعد أن غزا جنوبها، فهؤلاء الآل والأصحاب، خصوصا الأولون من قريش ، وهم الذين تربوا أحسن تربية بالإسلام(انظر في هذه النقطة بالذات كلام الدكتور منير الغضبان في سلسلة التربية) ومعهم الأنصار، هم الذين قادوا الجميع نحو الفتح والهداية والحرية للمسلمين وغيرهم، ورفع الأغلال عن الناس، حتى عن المجوس في عهد عمر بن الخطاب. ثم بعد الإستقرار والتوسع لصالح الشعوب المقهورة ومنحها الحرية ومنهجية النظر في اسباب الكون وانتاج حضارة مع المسلمين من نبع القرآن!
فلقريش أو قل أهل مكة فضل على العالم حتى اليوم لمن فقه أنه لولاهم ، وإختيار الله لهم أولاً، لما انتفع العالم ماديا وروحياً، بهذا الدين وما أنتجه من حضارة غيرت التاريخ، وتغيرت على إثرها أوروبا كما يقر أهلها وأصحاب التاريخ فيها.
وهذا المعدن الأول لقريش ، وصبر النبي عليهم، حتى علموا الحقيقة، وهلك قادة الكفر منهم، وإهتدى بعضهم(خالد ابن الوليد، سهيل بن عمرو، عمر بن العاص، كمثال، الأول قائد عسكري، والثاني سياسي، عسكري، والثالث مفاوض بارع)، هذا المعدن أثبت أنه أفضل من غيره من معادن العرب والعجم، ولذلك كان حديث رسول الله تفضيل قريش كقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح إن الله اصطفى قريشا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم
يعضد كلامي النص التالي
لماذا النبي ولماذا قريش؟
والنص التالي نغزو به العلمانيين ونجرح شهاداتهم المزيفة للحقيقة به، خصوصاً في ردهم لحديث الإئمة من قريش) ويتوسلون بذلك إلى نقض النبوة وهدم حقيقة التاريخ
قال بن تيمية
"قال النبي صلى الله عليه و سلم الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة كان معدن الذهب خيرا لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه فإن قدر أنه تعطل ولم يخرج ذهبا كان ما يخرج الفضة أفضل منه
فالعرب في الأجناس وقريش فيها ثم هاشم في قريش مظنة أن يكون فيهم من الخير أعظم مما يوجد في غيرهم ولهذا كان في بني هاشم النبي صلى الله عليه و سلم الذي لا يماثله أحد في قريش فضلا عن وجوده في سائر العرب وغير العرب وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب وكان في العرب من السابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس
فلا بد أن يوجد الصنف الأفضل مالا يوجد مثله في المفضول وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم
فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من إلغى فضيلة الأنساب مطلقا ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى فكلا القولين خطأ وهما متقابلان بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة وفضيلة لأجل المظنة والسبب والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامة ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله والثواب من الله يقع على هذا لأن الحقيقة قد وجدت فلم يعلق الحكم بالمظنة ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه فلا يستدل بالأسباب والعلامات
ولهذا كان رضا الله عن السابقين الأولين أفضل من الصلاة على ال محمد لأن ذلك إخبار برضا الله عنهم فالرضا قد حصل وهذا طلب وسؤال لما لم يحصل ومحمد صلى الله عليه و سلم قد أخبر الله عنه أنه يصلى عليه هو وملائكته بقوله إن الله وملائكته يصلون على النبي فلم تكن فضيلته بمجرد كون الأمة يصلون عليه بل بأن الله تعالى وملائكته يصلون عليه بخصوصه وإن كان الله وملائكته يصلون على المؤمنين عموما كما قال تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ويصلون على معلمى الناس الخير كما في الحديث إن الله وملائكته يصلون على معلمى الناس الخير فمحمد صلى الله عليه و سلم لما كان أكمل الناس فيما يستحق به الصلاة من الإيمان وتعليم الخير وغي رذلك كان له من الصلاة عليه خبرا وأمرا خاصية لا يوجد مثلها لغيره صلى الله عليه و سلم
فبنو هاشم لهم حق وعليهم حق والله تعالى إذا أمر الإنسان بما لم يأمر به غيره لم يكن أفضل من غيره بمجرد ذلك بل إن امتثل ما أمر الله به كان أفضل من غيره بالطاعة كولاة الأمور وغيرهم ممن أمر بما لم يؤمر به غيره من أطاع منهم كان أفضل لأن طاعته أكمل ومن لم يطع منهم كان من هو أفضل منه في التقوى أفضل منه ولهذا فضل الخلفاء الراشدون على سائر الناس وفضل من فضل من أمهات المؤمنين على سائر النساء لأن الله أمر الخلفاء بما لم يأمر به غيرهم فقاموا من الأعمال الصالحة بما لم يقم غيرهم بنظيره فصاروا أفضل وكذلك أزواج النبي صلى الله عليه و سلم قال الله لهن من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما وهن ولله الحمد قنتن لله رسوله وعملن صالحا فاستحققن الأجر مرتين فصرن أفضل لطاعة الأمر لا لمجرد الأمر ولو قدر والعياذ بالله أن واحدة تأتي بفاحشة مبينة لضوعف لها العذاب ضعفين وقد روى عن علي بن الحسين أنه جعل هذا الحكم عاما في ال البيت وأن عقوبة الواحد منهم تضاعف وتضاعف حسناته كما تضاعف العقوبة والثواب على من كان في المسجد الحرام وعلى من فعل ذلك في شهر رمضان ونحو ذلك
وهذا كله مما يبين أن كرامة الله تعالى لعباده إنما هي بالتقوى فقط كما في الحديث الذي في السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود إبلا بالتقوى الناس من ادم وادم من تراب
وقال إن الله تعالى أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالاباء الناس رجلان مؤمن تقى وفاجر شقي
فالصلاة على ال محمد حق لهم عند المسلمين وذلك سبب لرحمة الله تعالى لهم بهذا النسب لأن ذلك يوجب أن يكون كل واحد من بني هاشم لأجل الأمر بالصلاة عليه تبعا للنبي صلى الله عليه و سلم أفضل ممن لم يصل عليه ألا ترى أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه سلم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص602-607
ميزان الإسلام العدل-يتفق مع النص السابق "بل قد يكون من فقراء المهاجرين الذين ليس لهم صدقة يأتونه بها من هو أفضل من كثير ممن أتاه بالصدقة وصلى عليه وقد يكون بعض من يأخذ الصدقة أفضل من بعض من يعطيها وقد يكون فيمن يعطيها أفضل من بعض من يأخذها وإن كانت اليد العليا خيرا من اليد السفلى فالفضيلة بنوع لا تستلزم أن يكون صاحبها أفضل مطلقا ولهذا كان في الأغنياء من هو أفضل من جمهور الفقراء وفي الفقراء من هو أفضل من جمهور الأغنياء فإبراهيم وداوود وسليمان ويوسف وأمثالهم أفضل من أكثر الفقراء ويحيى وعيسى ونحوهما أفضل من أكثر الأغنياء
فالاعتبار العام هو التقوى كما قال تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل سواء كانا أو أحدهما غنيين أو فقيرين أو أحدهما غنيا والاخر فقيرا وسواء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين أو قرشيين أو هاشميين أو كان أحدهما من صنف والاخر من صنف اخر وإن قدر أن أحدهما له من سبب الفضيلة ومظنتها ما ليس للاخر فإذا كان ذاك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها وإن كان ذاك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها وإن كان أقدر على الإتيان بها فالعالم خير من الجاهل وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم والبر أفضل من الفاجر وإن كان الفاجر أقدر على البر والمؤمن الضعيف خير من الكافر القوى وإن كان ذاك يقدر على الإيمان أكثر من المؤمن القوي وبهذا تزول شبه كثيرة تعرض في مثل هذه الأمور
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج4 ص607،608
"الخوارج... كانوا مقرين بالإسلام وشرائعه يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجون البيت العتيق ويحرمون ما حرم الله ورسوله وليس فيهم كفر ظاهر بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظمة عندهم وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص9
"فإن عليا رضي الله عنه لم ينزهه المخالفون بل القادحون في علي طوائف متعددة وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه فإن الخوارج متفقون على كفره وهم عند المسلمين كلهم خبر من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته بل هم والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الأثنى عشرية الذين اعتقدوه إماما معصوما وأبو بكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما والمروانية الذين ينسبون عليا إلى الظلم ويقولون أنه لم يكن خليفة يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم فكيف يقال مع هذا إن عليا نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص7،8
عن علي رضي الله عنه والخوارج "ومعلوم أن شر الذين يبغضونه هم الخوارج الذين كفروه واعتقدوا أنه مرتد عن الإسلام واستحلو قتله تقربا إلى الله تعالى...وكانوا موجودين في زمن الصحابة والتابعين يناظرونهم ويقاتلونهم والصحابة اتفقوا على وجوب قتالهم ومع هذا فلم يكفروهم ولا كفرهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص11،12
عن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة سورة المجادلة قال شيخ الإسلام :"الأمر بالصدقة لم يكن واجبا على المسلمين حتى يكونوا عصاة بتركه وإنما أمر به من أراد النجوى منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص16
وأضاف:وهذا كأمره بالهدى لمن تمتع بالعمرة إلى الحج وأمره بالهدى لمن أحصر وأمره لمن به أذى من رأسه بفدية من صيام أو صدقة أو نسك وهذه الآية نزلت في كعب بن عجرة لما مر به النبي صلى الله عليه و سلم وهو ينفخ تحت قدر وهوام رأسه تؤذيه وكأمره لمن كان مريضا أو على سفر بعدة من أيام أخر وكأمره لمن حنث في يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وكأمره إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق وكأمره إذا قرأوا القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ونظائر هذا متعددة
فالأمر المعلق بشرط إذا لم يوجد ذلك الشرط إلا في حق واحد لم يؤمر به غيره وهكذا آية النجوى فإنه لم يناج الرسول قبل نسخها إلا علي ولم يكن على من ترك النجوى حرج فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمة ولا من خصائص علي رضي الله عنه ولا يقال إن غير على ترك النجوى بخلا بالصدقة لأن هذا غير معلوم فإن المدة لم تطل وفي تلك المدة القصيرة قد لا يحتاج الواحد إلى النجوى وإن قدر أن هذا كان يخص بعض الناس لم يلزم أن يكون أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من هؤلاء كيف وأبو بكر رضي الله عنه قد أنفق ماله كله يوم رغب النبي صلى الله عليه و سلم في الصدقة وعمر رضي الله عنه جاء بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى فكيف يبخل أحدهما بدرهمين أو ثلاثة يقدمها بين يدي نجواه
"ولا ريب أن جهاد أبي بكر بماله ونفسه أعظم من جهاد علي وغيره كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر وقال ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكره وأبو بكر كان مجاهدا بلسانه ويده وهو أول من دعا إلى الله وأول من أوذي في الله بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأول من دافع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان مشاركا لرسول الله صلى الله عليه و سلم في هجرته وجهاده حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر وحتى أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر لما قال أفيكم محمد فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تجيبوه فقال أفيكم ابن أبي قحافة فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تجيبوه فقال أفيكم ابن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تجيبوه فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه فقال كذبت عدو الله إن الذين عددت لأحياء وقد أبقى الله لك ما يخزيك ذكره البخاري وغيره
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص21،22
"فتبين أن قوله لعلي أنت مني وأنا منك ليس من خصائصه بل قال ذلك للأشعريين وقال لجليبيب وإذا لم يكن من خصائصه بل قد شاركه في ذلك غيره من هو دون الخلفاء الثلاثة في الفضيلة لم يكن دالا على الأفضلية ولا على الإمامة منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص30 يذكرني كلام ابن تيمية هنا بكلامه في الجواب الصحيح عن رواية كتاب المسيحيين أنا والآب واحد قال في كتابه الجواب الصحيح"ومن هذا الباب ما يذكر عن المسيح عليه السلام أنه قال أنا وأبي واحد من رآني فقد رأى أبي، وقوله تعالى فيما حكاه عن رسوله ،عبدي مرضت فلم تعدني عبدي جعت فلم تطعمني ويشبهه قوله إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ،فينبغي أن يعرف هذا النوع من الكلام فإنه تنحل به إشكالات كثيرة فإن هذا موجود في كلام الله ورسله وكلام المخلوقين في عامة الطوائف مع ظهور المعنى ومعرفة المتكلم والمخاطب أنه ليس المراد أن ذات أحدهما اتحدت بذات الآخر بل أبلغ من ذلك يطلق لفظ الحلول والاتحاد ويراد به معنى صحيح كما يقال فلان وفلان بينهما اتحاد إذا كانا متفقين فيما يحبان ويبغضان ويواليان ويعاديان فلما اتحد مرادهما ومقصودهما صار يقال هما متحدان وبينهما اتحاد ولا يعني بذلك أن ذات هذا اتحدت بذات الآخر كاتحاد النار والحديد والماء واللبن أو النفس والبدن وكذلك لفظ الحلول والسكنى والتخلل وغير ذلك كما قيل، قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمى الخليل خليلا والمتخلل مسلك الروح منه هو محبته له وشعوره به ونحو ذلك لا نفس ذاته وكذلك قول الآخر ساكن في القلب يعمره لست أنساه فأذكره . والساكن في القلب هو مثاله العلمي ومحبته ومعرفته فتسكن في القلب معرفته ومحبته لا عين ذاته وكذلك قول الآخر،ا سكن الغدير على صفاء وجنب أن يحركه النسيم بدت فيه السماء بلا امتراء كذاك الشمس تبدو والنجوم كذاك قلوب أرباب التجلي يرى في صفوها الله العظيم...وقد يقال فلان ما في قلبه إلا الله وما عنده إلا الله يراد بذلك إلا ذكره ومعرفته ومحبته وخشيته وطاعته وما يشبه ذلك أي ليس في قلبه ما في قلب غيره من المخلوقين بل ما في قلبه إلا الله وحده ويقال فلان ما عنده إلا فلان إذا كان يلهج بذكره ويفضله على غيره وهذا باب واسع مع علم المتكلم والمستمع أن ذات فلان لم تحل في هذا فضلا عن أن تتحد به وهو كما يقال عن المرآة إذا لم تقابل إلا الشمس ما فيها إلا الشمس أي لم يظهر فيها غير الشمس وأيضا فلفظ الحلول يراد به حلول ذات الشيء تارة وحلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي تارة كما تقدم ذكره وعندهم في النبوات أن الله حل في غير المسيح من الصالحين وليس المراد به أن ذات الرب حلت فيه بل يقال فلان ساكن في قلبي وحال في قلبي وهو في سري وسويداء قلبي ونحو ذلك وإنما حل فيه مثاله العلمي وإذا كان كذلك فمعلوم أن المكان إذا خلا ممن يعرف الله ويعبده لم يكن هناك ذكر الله ولا حلت فيه عبادته ومعرفته فإذا صار في المكان من يعرف الله ويعبده ويذكره ظهر فيه ذكره والإيمان به وحل فيه الإيمان بالله وعبادته وذكره وهو بيت الله عز وجل فيقال إن الله فيه وهو حال فيه كما يقال إن الله في قلوب العارفين وحال فيهم والمراد به حلول معرفته والإيمان به ومحبته ونحو ذلك وقد تقدم شواهد ذلك فإذا كان الرب في قلوب عباده المؤمنين أي نوره ومعرفته وعبر عن هذا بأنه حال فيهم وهم حالون في المسجد قيل إن الله في المسجد وحال فيه بهذا المعنى كما يقال الله في قلب فلان وفلان ما عنده إلا الله كما قال النبي في الحديث الصحيح أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلو عدته لوجدتني عنده
"
"...ألفاظ هي كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم كقوله ,,, لاينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي فإن النبي صلى الله عليه و سلم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه وخليفته غيره وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته في المدينة غيره وغزا حنينا والطائف وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره
وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث وكان علي معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال
فإن قيل استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل لزم أن يكون علي مفضولا في عامة الغزوات وفي عمرته وحجته لا سيما وكل مرة كان يكون الإستخلاف على رجال مؤمنين وعام تبوك ما كان الإستخلاف إلا على النساء والصبيان ومن عذر الله وعلى الثلاثة الذين خلفوا أو متهم بالنفاق وكانت المدينة آمنة لا يخاف على أهلها ولا يحتاج المستخلف إلى جهاد كما يحتاج في أكثر الاستخلافاتمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص34،35
"...كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس بن شماس وعبد الله بن سلام وغيرهما وإن كان قد شهد بالجنة لآخرين والشهادة بمحبة الله ورسوله لعبد الله حمار الذي ضرب في الخمر وإن شهد بذلك لمن هو أفضل منه وكشهادته لعمرو بن تغلب بأنه ممن لا يعطيه لما في قلبه من الغنى والخير لما قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح إني لأعطي رجالا وأدع رجالا والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي أعطي رجالا لما في قلوبهم من الهلع والجزع وأكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص49
"وقال الخطابي في كتاب شعار الدين وقوله لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي هو شيء جاء به أهل الكوفة عن زيد بن يثيع وهو متهم في الرواية منسوب إلى الرفض وعامة من بلغ عنه غير أهل بيته فقد بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام ويعلم الأنصار القرآن ويفقههم في الدين وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة فأين قول من زعم أنه لا يبلغ عنه إلا رجل من أهل بيته منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص63 علق شارح الكتاب بأن كتاب الخطابي مفقود
"قال تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير سورة الإسراء 1 وكان الإسراء من المسجد الحرام وقال والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى سورة النجم إلى قوله أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى سورة النجم 12 14 إلى قوله أفرأيتم اللات والعزى سورة النجم 19 وهذا كله نزل بمكة بإجماع الناس منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص66،67
وكلمة التقوى مثل لا إله إلا الله والله أكبر من الكلمات التي يصدق المؤمنون بمضمونها إن كانت خبرا ويطيعونها إن كانت أمرا ...وكلمة التقوى اسم جنس لكل كلمة يتقى الله فيها وهو الصدق والعدل
فكل من تحرى الصدق في خبره والعدل في أمره فقد لزم كلمة التقوى وأصدق الكلام وأعدله قول لا إله إلا الله فهو أخص الكلمات بأنها كلمة التقوىمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص80
الصحابة "أن ما ينقل عن الصحابة من المثالب فهو نوعان أحدهما ما هو كذب إما كذب كله وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب ..النوع الثاني ما هو صدق وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب .وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققا فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة
منها التوبة الماحية وقد ثبت عن أئمة الإمامية أنهم تابوا من الذنوب المعروفة عنهم
ومنها الحسنات الماحية للذنوب فإن الحسنات يذهبن السيئات وقد قال تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم سورة النساء 3 ومنها المصائب المكفرة
ومنها دعاء المؤمنين بعضم لبعض وشفاعة نبيهم فما من سبب يسقط به الذم والعقاب عن أحد من الأمة إلا والصحابة أحق بذلك فهم أحق بكل مدح ونفي كل ذم ممن بعدهم من الأمة ونحن نذكر قاعدة جامعة في هذا الباب لهم ولسائر الأمة فنقول لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص81-83
ومعلوم أن الناس إذا اشتبهت عليهم القبلة في السفر فكلهم مأمورون بالإجتهاد والاستدلال على جهة القبلة ثم بعضهم يتمكن من معرفة جهتها وبعضهم يعجز عن ذلك فيغلط فيظن في بعض الجهات أنها جهتها ولا يكون مصيبا في ذلك لكن هو مطيع لله ولا إثم عليه في صلاته إليها لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فعجزه عن العلم بها كعجزه عن التوجه إليها كالمقيد والخائف والمحبوس والمريض الذي لا يمكنه التوجه إليها منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص99
"... مسلم فإنه وقع في صحيحه عدة أحاديث غلط أنكرها جماعة من الحفاظ على مسلم والبخاري قد أنكر عليه بعض الناس تخريج أحاديث لكن الصواب فيها مع البخاري والذي أنكر على الشيخين أحاديث قليلة جدا وأما سائر متونهما فمما اتفق علماء المحدثين على صحتها وتصديقها وتلقيها بالقبول لا يستريبون في ذلك منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص102
"وقد قال سبحانه وتعالى وقالوا اخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون سورة الأنبياء 26 فالإتخاذ فعل من الأفعال وقد نزه سبحانه نفسه عنه فعلم أن من الأفعال ما نزه سبحانه نفسه عنه " منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص105
"وقوله ساء ما يحكمون سورة الأنعام 136 دل على أن هذا حكم سيء والحكم السيء هو الظلم الذي لا يجوز فعلم أن الله تعالى منزه عن هذا ومن قاله إنه يسوي بين المختلفين فقد نسب إليه الحكم السيء وكذلك تفضيل أحد المتماثلين بل التسوية بين المتماثلين والتفضيل بين المختلفين هو من العدل والحكم الحسن الذي يوصف به الرب سبحانه وتعالى والظلم وضع الشيء في غير موضعه فإذا جعل النور كالظلمة والمحسن كالمسيء والمسلم كالمجرم كان هذا ظلما وحكما سيئا يقدس وينزه عنه سبحانه وتعالى منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص107
"وقال تعالى وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سورة الأنعام 124 فدل على أنه أعلم بالمحل الذي يناسب الرسالة ولو كان الناس مستوين والتخصيص بلا سبب لم يكن لهذا العلم معلوم يختص به محل الرسالة منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص108
"وقال تعالى ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر سورة القمر 41 43 وقال أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين سورة الدخان 37 فهذا يبين أن أولئك إذا كانوا كفارا وقد عذبناهم والكفار الذين كذبوا محمد ليسوا خيرا من أولئك بل هم مثلهم استحقوا من العقوبة ما استحقه أولئك ولو كانوا خير منهم لم يستحقوا ذلك فعلم انه سبحانه يسوي بين المتماثلين ويفضل صاحب الخير فلا يسوي بينه وبين من هو دونه منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص108
"وكذلك قوله تعالى هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار سورة الحشر 2 إلى قوله تعالى ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب سورة الأنفال 13 والإعتبار أن يعبر منهم إلى أمثالهم فيعرف أن من فعل كما فعلوا استحق كما استحقوا ولو كان تعالى قد يسوي بين المتماثلين وقد لا يسوي لم يمكن الإعتبار حتى يعلم أن هذا المعين مما يسوى بينه وبين نظيره وحينئذ فلا يمكن الإعتبار إلا بعد معرفة حكم ذلك المعين وحينئذ فلا يحتاج إلى الإعتبار
ومن العجب أن أكثر أهل الكلام احتجوا بهذه الآية على القياس وإنما تدل عليه لكون الإعتبار يتضمن التسوية بين المتماثلين فعلم أن الرب يفعل هذا في حكمه فإذا اعتبروا بها في أمره الشرعي لدلالة مطلق الإعتبار على ذلك فهلا استدلوا بها على حكمه الخلقي الكوني في الثواب والعقاب وهو الذي قصد بالآية فدلالتها عليه أولى
فعلم أن المتماثلين في الذنب متماثلان في استحقاق العقاب بخلاف من لم يشركهما في ذلك وإذا قيل هذا قد علم بخبره قيل هو لم يخبر قبل بهذا بل دل على أن هذا هو حكمه الذي لا يجوز أن يضاف إليه سواه كما دل على ذلك ما تقدم من الآيات
وأيضا فالنصوص قد أخبرت بالميزان بالقسط وأن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تلك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فدل هذا على أن مثقال ذرة إذا زيد في السيئات أو نقص من الحسنات كان ظلما ينزه الله عنه ودل على أنه يزن الأعمال بالقسط الذي هو العدل فدل على أن خلاف ذلك ليس قسطا بل ظلم تنزه الله عنه ولو لم يكن هنا عدل لم يحتج إلى الموازنة فإنه إذا كان التعذيب والتنعيم بلا قانون عدلي بل بمحض المشيئة لم يحتج إلى الموازنةمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص109،110
" فالنصوص قد أخبرت بالميزان بالقسط وأن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تلك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فدل هذا على أن مثقال ذرة إذا زيد في السيئات أو نقص من الحسنات كان ظلما ينزه الله عنه ودل على أنه يزن الأعمال بالقسط الذي هو العدل فدل على أن خلاف ذلك ليس قسطا بل ظلم تنزه الله عنه ولو لم يكن هنا عدل لم يحتج إلى الموازنة فإنه إذا كان التعذيب والتنعيم بلا قانون عدلي بل بمحض المشيئة لم يحتج إلى الموازنةمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص109،110
كنت قد نقلت من قبل ، في وقته، دليلي، من مجموع فتاوى ابن تيمية(موضوع ولاية يوسف النبي) الذين يصرحون كثير، في مواضع أخرى أنه الإسلام دين وشريعة، وأن القرآن دستورهم، وها أنا أقدم الآن من كلام شيخ الإسلام نفسه، فيتفق ماكتبه في مجموع الفتاوي مع ماكتبه هنا في منهاج السنة النبوية وأنهم محمودون في الشريعة على ماأمكنهم فعله وأنهم يحاولون أن يتقوا الله (مااستطاعوا) بخلاف من كفر أردوغان أو مرسي أو حتى راشد الغنوشي!(والثلاثة ينتمون إلى النهضة الإسلامية)!
ولانصوب كل أعمالهم لكنهم فعلوا الممكن بإجتهادهم
قال ابن تيمية رحمه الله
" وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام بل إنما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة : خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روى أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن
والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك
والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن فإن قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل وقيل إنه سم على ذلك فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص112،113