"وأما الخلاف الذي بين الفلاسفة فلا يحصيه أحد لكثرته ولتفرقهم فإن الفلسفة التي عند المتأخرين كالفارابي وابن سينا ومن نسج على منوالهما هي فلسفة أرسطو وأتباعه وهو صاحب التعاليم المنطق والطبيعي وما بعد الطبيعة والذي يحكيه الغزالي والشهرستاني والرازي وغيرهم من مقالات الفلاسفة هو من كلام ابن سينا والفلاسفة أصناف مصنفة غير هؤلاء ولهذا يذكر القاضي أبو بكر في دقائق الكلام وقبله أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات غير الإسلاميين وهو كتاب كبير أكبر من مقالات الإسلاميين أقوالا كثيرة للفلاسفة لا يذكرها هؤلاء الذين يأخذون عن ابن سينا وكذلك غير الأشعري مثل أبي عيسى الوراق والنوبختي وأبي علي وأبي هاشم وخلق كثير من أهل الكلام والفلسفة
والمقصود أن كتب أهل الكلام يستفاد منها رد بعضهم على بعض وهذا لا يحتاج إليه من لا يحتاج إلى رد المقالة الباطلة لكونها لم تخطر بقلبه ولا هناك من يخاطبه بها ولا يطالع كتابا هي فيه ولا ينتفع به من لم يفهم الرد بل قد يستضر به من عرف الشبهة ولم يعرف فسادها
ولكن المقصود هنا أن هذا هو العلم الذي في كتبهم فإنهم يردون باطلا بباطل وكلا القولين باطل ولهذا كان مذموما ممنوعا منه عند السلف والأئمة وكثير منهم أو أكثرهم لا يعرف أن الذي يقوله باطل وبكل حال فهم يذكرون من عيوب باطل غيرهم وذمة ما قد ينتفع به
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص282،284
"وقد قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم سورة الحج 52 فهذ رفع لشيء ألقاه الشيطان ولم ينزله الله لكن غايته أن يظن أن الله أنزله وقد أخبر أنه نسخة" منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص291
نص لطيف
"وهو يكره أن يصلي العبد له عريانا بل يكره سبحانه أن تصلي المرأة له مكشوفة الرأس وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ولهذا لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ويقولون إن الله أمرنا بهذا قال تعالى إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون سورة الأعراف 28 فتحسين النعل والثوب لعبادة الله هو من التجمل الذي يحبه الله ولو تزين به لمعصية لم يحب ذلك والمؤمن الذي نور الله قلبه بالإيمان يظهر نور الإيمان على وجهه ويكسى محبة ومهابة والمنافق بالعكس
وأما الصورة المجردة سواء كانت حسنة مشتهاة كشهوة الرجال للنساء والنساء للرجال أو لم تكن مشتهاة فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ويقال ولا إلى لباسكم
وقد قال تعالى وإذا تتلى عليهم أياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلكم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا سورة مريم 73 74 والأثاث اللباس والمال والرئى المنظر والصورة
وقال تعالى عن المنافقين وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون سورة المنافقون 4 فبين أن لهم أجساما ومناظر قال ابن عباس كان ابن أبي جسيما فصيحا طلق اللسان قال المفسرون وصفهم الله بحسن الصورة وإبانة المنطق ثم أبان أنهم في عدم الفهم والإستغفار بمنزلة الخشب المسندة الممالة إلى الجدار والمراد أنها ليست بأشجار تثمر بل هي خشب مسندة إلى حائط ثم عابهم بالجبن فقال يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون أي لايسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم
فصاحب الصورة الجميلة إذا كان من أهل هذه الأعمال التي يبغضها الله كان الله يبغضه ولا يحبه لجماله فإن الله لا ينظر إلى صورته وإنما ينظر إلى قلبه وعمله
ويوسف الصديق وإن كان أجمل من غيره من الأنبياء وفي الصحيح أنه أعطى شطر الحسن فلم يكن بذلك أفضل من غيره بل غيره أفضل منه كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ويوسف وإن كانت صورته أجمل فإن إيمان هؤلاء وأعمالهم كانت أفضل من إيمانه وعمله وهؤلاء أوذوا على نفس الإيمان والدعوة إلى الله فكان الذين عادوهم معادين لله ورسوله وكان صبرهم صبرا على توحيد الله وعبادته وطاعته وهكذا سائر قصص الأنبياء التي في القرآن ويوسف عليه السلام إنما آذاه إخوته لتقريب أبيه له حسدا على حظ من حظوظ الأنفس لا على دين ولهذا كان صبره على التي راودته وحبس الذين حبسوه على ذلك أفضل له من صبره على أذى إخوته فإن هذا صبر على تقوى الله باختياره حتى لا يفعل المحرم وذلك صبر على أذى الغير الحاصل بغير اختياره فهذا من جنس صبر المصاب على مصيبته وذاك من جنس صبر المؤمن على الذين يأمرونه بالمعاصي ويدعونه إليها فيصبر على طاعة الله وعن معصيته ويغلب هواه وشهوته وهذا أفضل فأما صبر إبراهيم وموسى وعيسى ونبينا صلوات الله وسلامه عليهم على أذى الكفار وعدواتهم على الإيمان بالله ورسوله فذاك أفضل من هذا كله كما أن التوحيد والإيمان أفضل من مجرد ترك الزنا وكما أن تلك الطاعات أعظم فالصبر عليها وعلى معاداة أهلها أعظم وأيضا فهؤلاء كانوا يطلبون قتل من يؤمن وإهلاكه بكل طريق لا يحبون المؤمنين أصلا بخلاف يوسف فإنه إنما ابتلى بالحبس وكانت المرأة تحبه فلم تعاقبه بأكثر من ذلك
وقوله تعالى نحن نقص عليك أحسن القصص سورة يوسف 3 سواء كان القصص مصدر قص يقص قصصا أو كان مفعولا أي أحسن المقصوص فذاك لا يختص بقصة يوسف بل قصة موسى أعظم منها قدرا وأحسن ولهذا كرر ذكرها في القرآن وبسطها قال تعالى فلما جاءه وقص عليه القصص سورة القصص 25 ولهذا قال بما أوحينا إليك هذا القرآن سورة يوسف 3 وقد قرىء أحسن القصص بالكسرة ولا تختص بقصة يوسف بل كل ما قصه الله فهو أحسن القصص فهو أحسن مقصوص وقد قصه الله أحسن قصصمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص315-319
"وقوله صلى الله عليه و سلم إن الله جميل يحب الجمال قاله جوابا للسائل في بيان ما يحبه الله من الأفعال وما يكرهه فإنه صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ومعلوم أن هذا الكبر من كسب العبد الداخل تحت قدرته ومشيئته وهو منهي عنه ومأمور بضده فخاف السائل أن يكون ما يتجمل به الإنسان فيكون أجمل به ممن لم يعمل مثله من الكبر المذموم فقال إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا أفمن الكبر ذاك
وحسن ثوبه ونعله هو مما حصل بفعله وقصده ليس هو شيئا مخلوقا فيه بغير كسبه كصورته فقال له لنبي صلى الله عليه و سلم إن الله جميل يحب الجمال ففرق بين الكبر الذي يمقته الله وبين الجمال الذي يحبه الله
ومعلوم أن الله إذا خلق شخصا أعظم من شخص وأكبر منه في بعض الصفات إما في جسمه وإما في قوته وإما في عقله وذكائه ونحو ذلك لم يكن هذا مبغضا فإن هذا ليس باختيار العبد بل هذا خلق فيه بغير اختياره بخلاف ما إذا كان هو متكبرا على غيره بذلك أو بغيره فيكون هذا من عمله الذي يمقته الله عليه كما قال لإبليس فما يكون لك أن تتكبر فيها سورة الأعراف 13
كذلك من خلقه الله حسن اللون معتدل القامة جميل الصورة فهذا ليس من عمله الذي يحمد عليه أو يذم أو يثاب أو يعاقب ويحبه الله ورسوله عليه أو يبغضه عليه كما أنه إذا كان أسود أو قصيرا أو طويلا ونحو ذلك لم يكن هذا من عمله الذي يحمد عليه أو يذم ويثاب أو يعاقب ويحبه الله ورسوله عليه أو يبغضه ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى
ولهذا لما كان المنافقون لهم جمال في الصورة وليس في قلوبهم إيمان شبهم الله سبحانه بالخشب المسندة اليابسة التي لا تثمر فالخشبة اليابسة إذا كانت لا ثمر فيها لا تمدح ولو كانت عظيمة وهكذا الصورة مع القلب نعم قد تكون الصورة عونا على الإيمان والعمل الصالح كما تكون القوة والمال وغير ذلك فيحمد صاحبها إذا استعان بها في طاعة الله وعف عن معاصيه ويكون حينئذ في الجمال الذي يحبه الله ولو كان أسود وفعل ما يحبه الله من الجمال كان أيضا فيه الجمال الذي يحبه اللهمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص319-321
"وإن كان من المرجئة الذين إيمانهم بالوعيد ضعيف استرسلت نفسه في المحرمات وترك الواجبات حتى يكون من شر الخلق بخلاف من وجد حلاوة الإيمان بمحبة الله وعلمه بأنه يحب العبادات وأنه يحب أفعالا وأشخاصا ويبغض أفعالا وأشخاصا ويرضى عن هؤلاء ويغضب على هؤلاء ويفرح بتوبة التائبين إلى غير ذلك مما أخبر به الرسول فإن هذا هو الإسلام الذي به يشهد العبد أن لا إله إلا الله
ومن لم يقل بالفرق فلم يجعل الله معبودا محبوبا فإنما يشهد أن لا رب إلا هو والمشركون كانوا يقرون بهذه الشهادة لم يشهدوا أن لا إله إلا الله والرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا بتوحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية
وأما توحيد الربوبية مجردا فقد كان المشركون يقرون بأن الله وحده خالق السموات والأرض كما أخبر الله بذلك عنهم في غير موضع من القرآن
قال تعالى ولئن سألتم من خلق السموات والأرض ليقولن الله سورة الزمر 38 وقال تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون سورة يوسف 106 وهذا قد بسطناه في موضع آخر
وهؤلاء يدعون محبة الله في الإبتداء ويعظمون أمر محبته ويستحبون السماع بالغناء والدفوف والشبابات ويرونه قربة لأن ذلك بزعمهم يحرك محبه الله في قلوبهم وإذا حقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله
قال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم سورة آل عمران 31
وقال تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره سورة التوبة 24
وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم سورة المائدة 54
وهؤلاء لا يحققون متابعة الرسول ولا الجهاد في سبيل الله بل كثير منهم أو أكثرهم يكرهون متابعة الرسول وهم من أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله بل يعاونون أعداءه ويدعون محبته لأن محبتهم من جنس محبة المشركين الذين قال الله فيهم وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية سورة الأنفال 35
ولهذا يحبون سماع القصائد أعظم مما يحبون سماع القرآن ويجتهدون في دعاء مشايخهم والإستعانة بهم عند قبورهم وفي حياتهم في مغيبهم أعظم مما يجتهدون في دعاء الله والإستعانة به في المساجد والبيوت
وهذا كله من فعل أهل الشرك ليس من فعل المخلصين لله دينهم كالصحابة والتابعين لهم بإحسان فأولئك أنكروا محبته وهؤلاء دخلوا في محبة المشركين والطائفتان خارجتان عن الكتاب والسنة
فنفس محبته أصل لعبادته والشرك في محبته أصل الإشراك في عبادته وأولئك فيهم شبه من اليهود وعندهم كبر من جنس كبر اليهود وهؤلاء فيهم شبه من النصارى وفيهم شرك من جنس شرك النصارى
والنصارى ضالون لهم عبادة ورحمة ورهبانية لكن بلا علم ولهذا يتبعون أهواءهم بلا علم قال تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق سورة النساء 171 وقال تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل سورة المائدة 77 أي وسط الطريق وهي السبيل القصد الذي قال الله فيها وعلى الله قصد السبيل سورة النحل 9 وهي الصراط المستقيم فأخبر بتقدم ضلالهم ثم ذكر صفة ضلالهممنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص330-327
"والأهواء هي إرادات النفس بغير علم فكل من فعل ما تريده نفسه بغير علم يبين أنه مصلحة فهو متبع هواه والعلم بالذي هو مصلحة العبد عند الله في الآخرة هو العلم الذي جاءت به الرسل قال تعالى فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص330
"ولهذا كان العارفون كالجنيد بن محمد سيد الطائفة قدس الله روحه لما سئل عن التوحيد قال التوحيد إفراد الحدوث عن القدم فإنه كان عارفا ورأى أقواما ينتهي بهم الأمر إلى الإتحاد فلا يميزون بين القديم والمحدث وكان أيضا طائفة من أصحابه وقعوا في الفناء في توحيد الربوبية الذي لا يميز فيه بين المأمور والمحظور فدعاهم الجنيد إلى الفرق الثاني وهو توحيد الإلهية الذي يميز فيه بين المأمور والمحظور فمنهم من وافقه ومنهم من خالفه ومنهم لم يفهم كلامه منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص339
#منهاج_السنة_النبوية_لابن_تيمية
"وهذا الذي ذكره الجنيد من الفرق بين القديم والمحدث والفرق بين المأمور والمحظور بهما يزول ما وقع فيه كثير من الصوفية من هذا الضلال ولهذا كان الضلال منهم يذمون الجنيد على ذلك كابن عربي وأمثاله فإن له كتابا سماه الإسرا إلى المقام الأسرى مضمونه حديث نفس ووساوس شيطان حصلت في نفسه جعل ذلك معراجا كمعراج الأنبياء وأخذ يعيب على الجنيد وعلى غيره من الشيوخ ما ذكروه وعاب على الجنيد قوله التوحيد إفراد الحدوث عن القدم وقال قلت له يا جنيد ما يميز بين الشيئين إلا من كان خارجا عنهما وأنت إما قديم أو محدث فكيف تميز
وهذا جهل منه فإن المميز بين الشيئين هو الذي يعرف أن هذا غير هذا ليس من شرطه أن يكون ثالثا بل كل إنسان يميز بين نفسه وبين غيره وليس هو ثالثا والرب سبحانه يميز نفسه وبين غيره وليس هناك ثالث
وهذا الذي ذمه الجنيد رحمه الله وأمثاله من الشيوخ العارفين وقع فيه خلق كثير حتى من أهل العلم بالقرآن وتفسيره والحديث والآثار ومن المعظمين لله ورسوله باطنا وظاهرا المحبين لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم الذابين عنها وقعوا في هذا غلطا لا تعمدا وهم يحسبون أن هذا نهاية التوحيد كما ذكر ذلك صاحب منازل السائرين مع علمه وسنته ومعرفته ودينه
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص341،342
"والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه وتعليق النجاة والفلاح واقتضاء السعادة في الآخرة به ومعلوم أن الناس متفاضلون في تحقيقه وحقيقته إخلاص الدين كله لله والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء وهو أن تثبت إلاهية الحق في قلبك وتنفي إلاهية ما سواه فتجمع بين النفي والإثبات فتقول لا إله إلا الله فالنفي هو الفناء والإثبات هو البقاء وحقيقته أن تفنى بعبادته عما سواه ومحبته عن محبة ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبموالاته عن موالاة ما سواه وبسؤاله عن سؤال ما سواه وبالإستعاذه به عن الإستعاذة بما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه وبالتفويض إليه عن التفويض إلى ما سواه وبالإنابة إليه عن الإنابة إلى ما سواه وبالتحاكم إليه عن التحاكم إلى ما سواه وبالتخاصم إليه عن التخاصم إلى ما سواه منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص347،348
النص التالي يثبت أن توحيد الربوبية عند شيخ الإسلام بن تيمية لاينفي الأسباب والحكم كما يدعي العلمانيين عن اهل الإسلام(الدكتور محمد الحداد تلميذ اركون مثلاً) قال:" وأما الفناء الذي يذكره صاحب المنازل(يقصد الإمام الهروي) فهو الفناء في توحيد الربوبية لا في توحيد الإلهية وهو يثبت توحيد الربوبية مع نفي الأسباب والحكم كما قول القدرية المجبرة كالجهم بن صفوان ومن اتبعه والأشعري وغيره وشيخ الإسلام وإن كان رحمه الله من أشد الناس مباينة للجهمية في الصفات وقد صنف كتابه الفاروق في الفرق بين المثبتة والمعطلة وصنف كتاب تكفير الجهمية وصنف كتاب ذم الكلام وأهله وزاد في هذا الباب حتى صار يوصف بالغلو في الإثبات للصفات لكنه في القدر على رأي الجهمية نفاة الحكم والأسباب
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص358
فهو يؤمن"بثبوت ما أثبته الحق من الأسباب والحكم " ص356
وهو الذي قال في مجموع الفتاوى المجلد17
والمقصود هنا أنه قد يكون الشيء من أصلين بانقلاب المادة التي بينهما إذا التقيا؛ كان بينهما مادة فتنقلب؛ وذلك لقوة حك أحدهما بالآخر فلابد من نقص أجزائها، وهذا مثل تولد النار بين الزنادين إذا قدح الحجر بالحديد، أو الشجر بالشجر، كالمرخ والعفار، فإنه بقوة الحركة الحاصلة من قدح أحدهما بالآخر يستحيل بعض أجزائهما، ويسخن الهواء الذي بينهما فيصير نارًا، والزندان كلما قدح أحدهما بالآخر نقصت أجزاؤهما بقوة الحك، فهذه النار استحالت عن الهواء وتلك الأجزاء بسبب قدح أحد الزندين بالآخر.
وكذلك النور الذي يحصل بسبب انعكاس الشعاع على ما يقابل المضيء، كالشمس والنار، فإن لفظ النور والضوء يقال تارة على الجسم القائم بنفسه، كالنار التي في رأس المصباح، وهذه لا تحصل إلا بمادة تنقلب نارًا كالحطب والدُّهْنِ، ويستحيل الهواء ـ أيضًا ـ نارًا، ولا ينقلب الهواء ـ أيضًا ـ نارًا إلا بنقص المادة التي اشتعلت، أو نقص الزندين.وتارة يراد بلفظ النور والضوء والشعاع: الشعاع الذي يكون على الأرض والحيطان من الشمس، أو مـن النار، فهـذا عرض ليس بجسم قائم بنفسـه، لابـد له مـن محـل يقـوم بـه يكـون قابـلًا له، فلابـد في الشعاع مـن جسم مضيء، ولابـد مـن شيء يقابله حتى ينعكس عليه الشعاع.
/وكذلك النار الحاصلة في ذبالة المصباح إذا وضعت في النار، أو وضع فيها حطب؛ فإن النار تحيل أولًا المادة التي هي الدُّهْن أو الحطب، فيسخن الهواء المحيط بها فينقلب نارًا، وإنما ينقلب بعد نقص المادة.وكذلك الريح التي تحرك النار مثل ما تهب الريح فتشتعل النار في الحطب.ومثل ما ينفخ في الكِير وغيره تبقي الريح المنفوخة تضرم النار؛ لما في محل النار كالخشب والفحم من الاستعداد لانقلابه نارًا، وما في حركة الريح القوية من تحريك النار إلى المحل القابل له، وقد ينقلب ـ أيضًا ـ الهواء القريب من النار، فإن اللهب هو الهواء انقلب نارًا، مثل مافي ذبالة المصباح؛ ولهذا إذا طفئت صار دُخَانًا، وهو هواء مختلط بنار كالبخار، وهو هواء مختلط بماء، والغبار هواء مختلط بتراب.
شوف يااخي ابن تيمية بيتكلم عن الهروي بما يعلم عنه من الدفاع عن الاسلام والتآليف فيه بروح العالم الرحيم والفقيه ، هذا وهو ينقده في أمور، قال "وشيخ الإسلام وإن كان رحمه الله من أشد الناس مباينة للجهمية في الصفات وقد صنف كتابه الفاروق في الفرق بين المثبتة والمعطلة وصنف كتاب تكفير الجهمية وصنف كتاب ذم الكلام وأهله وزاد في هذا الباب حتى صار يوصف بالغلو في الإثبات للصفات لكنه في القدر على رأي الجهمية نفاة الحكم والأسباب منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص358
وقال ص 361"ولهذا قال شيخ الإسلام ..."
نص ثمين جدا
النص التالي(2) يثبت أن توحيد الربوبية عند شيخ الإسلام بن تيمية لاينفي الأسباب والحكم كما يدعي العلمانيين عن اهل الإسلام(الدكتور محمد الحداد تلميذ اركون مثلاً)
قال رحمه الله
:"وقد سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن إسقاط الأسباب نظرا إلى القدر فرد ذلك كما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب فقال لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له ...وفي السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قيل له أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا فقال هي من قدر الله
وقد قال تعالى في كتابه وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات سورة الآعراف 57 وقال وما أنزل الله من المساء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها سورة الجاثية 5
وقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم سورة التوبة 14
وقال ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا سورة التوبة 52
وقال يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين سورة البقرة 26
وقال يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام سورة المائدة 16
وقال وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم سورة الشورى 52
وقال ولكل قوم هاد سورة الرعد 7 فكيف لا يشهد الدليل
قال وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم سورة الزمر 61
وقال إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم سورة يونس 9
وقال والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ سورة الطور 21
وقال كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم سورة إبراهيم 1
وقال كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية سورة الحاقة 24
وقال ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون سورة النحل 32
وقال إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا سورة الأنفال 29
وقال ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب سورة الطلاق 2 3
وقال فبما رحمة من الله لنت لهم سورة آلعمران 159
وقال فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل سورة النساء 160 161
وقال فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين سورة الأنعام 6
وقال فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار سورة المائدة 85
وقال وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا سورة الإنسان 42
وقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب سورة آل عمران 190
وقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون سورة البقرة 164 وأمثال ذلك في القرآن كثير... لكن الأسباب كما قال فيها أبو حامد وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهما الإلتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا تغيير في وجه العقل والأعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع
والتوكل معنى يلتئم من معنى التوحيد والعقل والشرع فالموحد المتوكل لا يلتفت إلى الأسباب بمعنى أنه لا يطمئن إليها ولا يثق بها ولا يرجوها ولا يخافها فإنه ليس في الوجود سبب يستقل بحكم بل كل سبب فهو مفتقر إلى أمور أخرى تضم إليه وله موانع وعوائق تمنع موجبه وما ثم سبب مستقل بالإحداث إلا مشيئة الله وحده فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وما شاء خلقه بالأسباب التي يحدثها ويصرف عنه الموانع فلا يجوز التوكل إلا عليه
كما قال تعالى إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون سورة آل عمران 160
وما سبق من علمه وحكمه فهو حق وقد علم وحكم بأن الششيء الفلاني يحدثه هو سبحانه بالسبب الفلاني فمن نظر إلى علمه وحكمه فليشهد الحدوث بما أحدثه وإذا نظر إلى الحدوث بلا سبب منه لم يكن شهوده مطابقا لعلمه وحكمه فمن شهد أن الله تعالى خلق الولد لا من أبوين لسبق علمه وحكمه فهذا شهوده عمى بل يشهد أن الله تبارك وتعالى سبق علمه وحكمه بأن يخلق الولد من الأبوين والأبوان سبب في وجوده فكيف يجوز أن يقال إنه سبق علمه وحكمه بحدوثه بلا سبب وإذا كان علمه وحكمه قد أثبت السبب فكيف أشهد الأمور بخلاف ما هي عليه في علمه وحكمه والعلل التي تنفي نوعان أحدهما أن تعتمد على الأسباب وتتوكل عليها وهذا شرك محرم والثاني أن تترك ما أمرت به من الأسباب وهذا أيضا محرم
بل عليك أن تعبده بفعل ما أمرك به من الأسباب وعليك أن تتوكل عليه في أن يعينك على ما أمرك به وأن يفعل هو ما لا تقدر أنت عليه بدون سبب منك فليست العلة إلا ترك ما أمرك به الرب أمر إيجاب أو استحباب ومن فعل ما أمر به كما أمر به فليس عنده علة ولكن قد يجهل حقيقة ما أمر به كما أمر به فيكون منه علة
وقول القائل يسلك سبيل إسقاط الحدث إن أراد أنى أعتقد نفي حدوث شئ فهذا مكابرة وتكذيب بخلق الرب وجحد للصانع وإن أراد أنى أسقط الحدث من قلبي فلا أشهد محدثا وهو مرادهم فهذا خلاف ما أمرت به وخلاف الحق
بل قد أمرت أن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد حدوث المحدثات بمشيئته بما خلقه من الأسباب ولما خلقه من الحكم وما أمرت أن لا أشهد بقلبي حدوث شئ قط
وقول القائل يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل إن أراده أنه يبقى على الوجه المأمور به بحيث يشهد أن الحق هو المحدث لكل ما سواه بما أحدثه من الأسباب ولما أراده من الحكمة فهذا حقمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص362-369
هل تحب الله لحاجتك اليه فقط أم لكمال ذاته وابداعه وإلهيته.(النص يشرح)
"وهؤلاء الذين أنكروا محبته من أهل الكلام وهم مؤمنون لو رجعوا إلى فطرتهم التي فطروا عليها واعتبروا أحوال قلوبهم عند عبادته لوجدوا في قلوبهم من محبته ما لا يعبر عن قدره وهم من أكثر الناس نظرا في العلم به وبصفاته وذكره وذلك كله من محبته وإلا فما لا يحب لا تحرص النفوس على ذكره إلا لتعلق حاجتها به ولهذا يقال من أحب شيئا أكثر من ذكره
والمؤمن يجد نفسه محتاجة إلى الله في تحصيل مطالبه ويجد في قلبه محبة الله غير هذا فهو محتاج إلى الله من جهة أنه ربه ومن جهة أنه إلهه قال تعالى إياك نعبد وإياك نستعين فلا بد أن يكون العبد عابدا لله ولا بد أن يكون مستعينا به ولهذا كان هذا فرضا على كل مسلم أن يقوله في صلاته ...ومن كان إنما يحب الطاعة والعبادة للعوض المخلوق فهو لا يحب إلا ذلك العوض ولا يقال أن هذا يحب الله
ألا ترى أن الكافر والظالم ومن يبغضه المؤمن قد يستأجر المؤمن على عمل يعمله فيعمل المؤمن لأجل ذلك العوض ولا يكون المؤمن محبا للكافر ولا للظالم إذا عمل له بعوض لأنه ليس مقصوده إلا العوض فمن كان لا يريد من الله إلا العوض على عمله فإنه لا يحبه قط إلا كما يحبر الفاعل لمن يستأجره ويعطيه العوض على عمله فإن كل محبوب إما أن يحبر لنفسه وإما أن يحب لغيره فما أحب لغيره فالمحبوب في نفس الأمر هو ذلك الغير وأما هذا فإنما أحب لكونه وسيلة إلى المحبوب والوسيلة قد تكون مكروهة غاية الكراهة لكن يتحملها الإنسان لأجل المقصود كما يتجرع المريض الدواء الكريه لأجل محبته للعافية ولا يقال إنه يحب ذلك الدواء الكريه
فإن كان الرب سبحانه لا يحب إلا لما يخلقه من النعم فإنه لا يحب وقد قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله سورة البقرة 165 فأخبر أن المؤمنين أشد حبا لله من المشركين وأن المشركين يحبون الأنداد كحب الله ومن المعلوم أن المشركين يحبون آلهتهم محبة قوية كما قال تعالى وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم سورة البقرة 93 وهذا وإن كان يقال إنه لما يظنونه فيهم من أنها تنفعهم فلا ريب أن الشيء يحب لهذا ولهذا ولكن إذا ظن فيه أنه متصف بصفات الكمال كانت محبته أشد مع قطع النظر عن نفعه
والحديث الذي يروى أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني بحب الله وأحب أهل بيتي بحبي إسناده ضعيف فإن الله يجب أن يحب لذاته وإن كانت محبته واجبة لإحسانه ...بل كل مؤمن فأنه يحب الله لذاته ولو أنكر ذلك بلسانه ومن لم يكن الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لم يكن مؤمنا ومن قال إني لا أجد هذه المحبة في قلبي لله ورسوله فأحد الأمرين لازم إما أن يكون صادقا في هذالخبر فلا يكون مؤمنا فإن أبا جهل وأبا لهب وأمثالهما إذا قالوا ذلك كانوا صادقين في هذا الخبر وهم كفار أخبروا عما في نفوسهم من الكفر مع أن هؤلاء في قلوبهم محبة الله لكن مع الشرك به فإنهم اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ولهذا أبغضوا الرسول وعادوه لأنه دعاهم إلى عبادة الله وحده ورفض ما يحبونه معه فنهاهم أن يحبوا شيئا كحبة فأبغضوه على هذا فقد يكون بعض هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله يفضل ذلك الند على الله في أشياء وهؤلاء قد يعلمون أن الله أجل وأعظم لكن تهوى نفوسهم ذلك الند أكثر
والرب تعالى إذا جعل من يحب الأنداد كحبه مشركين فمن أحب الند أكثر كان أعظم شركا وكفرا كما قال تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم سورة الأنعام 108 فلولا تعظيمهم لآلهتهم على الله لما سبوا الله إذا سبت آلهتهم... فمن قال إني لا أجد في قلبي أن الله أحد الي مما سواه فأحد الأمرين لازم إما أن يكون صادقا فيكون كافرا مخلدا في النار من الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وإما أن يكون غالطا في قوله لا أجد في قلبي هذا
والإنسان قد يكون في قلبه معارف وإرادات ولا يدري أنها في قلبه فوجود الشيء في القلب شيء والدراية به شيء آخرمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص393-398
"فلو قال بلسانه أريد أن أضع يدي في هذا الإناء لآخذ لقمة آكلها كان احمق عند الناس فهكذا من يتكلم بمثل هذه الألفاظ في نية الصلاة والطهارة والصيام ومع هذا فتجد خلقا كثيرا من الموسوسين بعلم وعبادة يجتهد في تحصيل هذه النية أعظم مما يجتهد من يستخرج ما في قعر معدته من القيء أو من يبتلع الأدوية الكريهة وكذلك كثير من المعارف قد يكون في نفس الإنسان ضروريا وفطريا وهو يطلب الدليل عليه لإعراضه عما في نفسه وعدم شعوره بشعوره فهكذا كثير من المؤمنين يكون في قلبه محبة لله ورسوله منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص399
"والمحبة لا تستلزم نقصا بل هي صفة كمال بل هي أصل الإرادة فكل إرادة فلا بد أن تستلزم محبة فإن الشيء إنما يراد لأنه محبوب أو لأنه وسيلة إلى المحبوب ولو قدر عدم المحبة لامتنعت الإرادة فإن المحبة لازمة للإرادة فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم وكذلك المحبة مستلزمة للإرادة فمن أحب شيئا فلا بد أن يتضمن حبه إياه إرادة لبعض متعلقاته
ولهذا كان خلقه تعالى لمخلوقاته لحكمة والحكمة مرادة محبوبة فهو خلق ما خلق لمراد محبوب كما تقدم وهو سبحانه يحب عباده المؤمنين فيريد الإحسان إليهم وهم يحبونه فيريدون عبادته وطاعته
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين وما من مؤمن إلا وهو يجد في قلبه للرسول من المحبة مالا يجد لغيره حتى أنه إذا سمع محبوبا له من أقاربه وأصدقائه يسب الرسول هان عليه عداوته ومهاجرته بل وقتله لحب الرسول وإن لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنامنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص401
فوجود حلاوة الإيمان في القلب لا تكون من محبة العوض الذي لم يحصل بعد بل الفاعل الذي لا يعمل إلا للكراء لا يجد حال العمل إلا التعب والمشقة وما يؤلمه فلو كان لا معنى لمحبة الله ورسوله إلا محبة ما سيصير إليه العبد من الأجر لم يكن هنا حلاوة إيمان يجدها العبد في قلبه وهو في دار التكليف والإمتحان وهذا خلاف الشرع وخلاف الفطرة التي فطر الله عليها قلوب عباده ... فالله فطر عباده على الحنيفية مله إبراهيم وأصلها محبة الله وحده فما من فطرة لم تفسد إلا وهي تجد فيها محبة الله تعالى لكن قد تفسد الفطرة إما لكبر وغرض فاسد كما في فرعون وإما بأن يشرك معه غيره في المحبة منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص402،403
والحمد ضد الذم والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته والذم خبر بمساوىء المذموم مقرون ببغضه فلا يكون حمد لمحمود إلا مع محبته ولا يكون ذم لمذموم إلا مع بغضه وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة وأول ما نطق به آدم الحمد لله رب العالمين وأول ما سمع من ربه يرحمك ربك وآخر دعوى أهل الجنة أن الحمد لله رب العالمين وأول من يدعى إلى الجنة الحمادون ونبينا محمد صلى الله عليه و سلم صاحب لواء الحمد آدم فمن دونه تحت لوائه وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود ولا يكون حمد إلا بحب المحمود وهو سبحانه المعبود المحمود وأول نصف الفاتحة الذي للرب حمده وآخره عبادته منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص404،405
"فما خلق شيئا إلا لحكمة وهو سبحانه قد قال أحسن كل شيء خلقه سورة السجدة وقال صنع الله الذي أتقن كل شيء سورة النمل 88 وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به ولهذا كانت كلها حسنى والحسنى بخلاف السوأى فكلها حسنة والحسن محبوب ممدوح منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص409
روعة نصوص بن تيمية تتجلى في هذا النص الرائق
قال
"والناس تظهر لهم الحكمة في كثير من تفاصيل الأمور التي يتدبرونها كما تظهر لهم الحكمة في ملوحة ماء العين وعذوبة ماء الفم ومرارة ماء الأذن وملوحة ماء البحر وذلك يدلهم على الحكمة فيما لم يعلموا حكمته فإن من رأى إنسانا بارعا في النحو أو الطب أو الحساب أو الفقه وعلم أنه أعلم منه بذلك إذا أشكل عليه بعض كلامه فلم يفهمه سلم ذلك إليه
فرب العالمين الذي بهرت العول حكمته ورحمته الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا وهو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأرحم بعباده من الوالدة بولدها كيف لا يجب على العبد أن يسلم ما جهله من حكمته إلى ما علمه منهامنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص416
الفرق بين الإسلام والعلمانية ، في مسألة الأسباب، فالعلمانية الطائشة تنفي خلق الأسباب، والإسلام يثبت أن الأسباب مخلوقة والأدلة عقلية، وحسية مادية فالحكمة من وجودها تؤكد أن لها خالقاً مدبراً حكيماً عليما، قديرأ، قيوما، وهنا يظهر الفرق في كل القيم والمبادئ
قال بن تيمية
"وقد بينا في جواب المسائل التي سُئلت عنها في ذلك أن الأفلاك مستديرة عند علماء المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان كما ثبت ذلك عنهم بالأسانيد المذكورة في موضعها بل قد نقل إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من علماء المسلمين...وكذلك المطر معروف عند السلف والخلف بأن الله تعالى يخلقه من الهواء ومن البخار المتصاعد لكن خلقه للمطر من هذا كخلق الإنسان من نطفة وخلقه للشجر والزرع من الحب والنوى فهذا معرفة بالمادة التي خلق منها ونفس المادة لا توجب ما خلق منها باتفاق العقلاء بل لا بد مما به يخلق تلك الصورة على ذلك الوجه وهذا هو الدليل على القادر المختار الحكيم الذي يخلق المطر على قدر معلوم وقت الحاجة إليه والبلد الجرز يسوق إليه الماء من حيث أمطر كما قال أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجزر فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون سورة السجدة 27 فالأرض الجرز لا تمطر ما يكفيها كأرض مصر لو أمطرت المطر المعتاد لم يكفها فإنها أرض إبليز وإن أمطرت كثيرا مثل مطر شهر خربت المساكن فكان من حكمة الباري ورحمته أن أمطر مطرا أرضا بعيدة ثم ساق ذلك الماء إلى أرض مصر
فهذه الآيات يستدل بها على علم الخالق وقدرته ومشيئته وحكمته وإثبات المادة التي خلق منها المطر والشجر والإنسان والحيوان مما يدل على حكمته
ونحن لا نعرف شيئا قط خلق إلا من مادة ولا أخبر الله في كتابه بمخلوق إلا من مادة
وكذلك كون كسوف الشمس وغيره سببا لبعض الحوادث هو مما دلت عليه النصوص الصحيحة ففي الصحاح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله عز و جل يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة
وقد ثبت عنه في الصحاح أنه صلى صلاة الكسوف بركوع زائد في كل ركعة وأنه طولها تطويلا لم يطوله في شيء من صلوات الجماعات وأمر عند الكسوف بالصلاة والذكر والدعاء والعتاقة والصدقة والإستغفار
وقوله يخوف الله بهما عباده كقوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا سورة الإسراء 59 ولهذا كانت الصلوات مشروعة عند الآيات عموما مثل تناثر الكواكب والزلزلة وغير ذلك والتخويف إنما يكون بما هو سبب للشر المخوف كالزلزلة والريح العاصف وإلا فما وجوده كعدمه لا يحصل به تخويف
فعلم أن الكسوف سبب للشر ثم قد يكون عنه شر ثم القول فيه كالقول في سائر الأسباب هل هو سبب كما عليه جمهور الأمة أو هو مجرد اقتران عادة كما يقوله الجهمية
وهو صلى الله عليه و سلم أخبر عند أسباب الشر بما يدفعها من العبادات التي تقوي ما انعقد سببه من الخير وتدفع أو تضعف ما انعقد سببه من الشر كما قال إن الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء والأرض
والفلاسفة تعترف بهذا لكن هل ذلك بناء على أن الله يدفع ذلك بقدرته وحكمته أو بناء على أن القوى النفسانية تؤثر هذا مبني على أصولهم في هذا الباب
ويحكى عن بطليموس أنه قال ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات تحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات وعن أبقراط أنه قال واعلم أن طبنا بالنسبة إلى طب أرباب الهياكل كطب العجائز بالنسبة إلى طبنا
فالقوم كانوا معترفين بما وراء القوى الطبيعية والفلكية وليس ذلك مجرد القوى النفسانية كما يقوله ابن سينا وطائفة بل ملائكة ملء العالم العلوي والسفلي والجن أيضا لا يحصى عددهم إلا الله والله قد وكل الملائكة بتدبير هذا العالم بمشيئته وقدرته كما دلت على ذلك الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة وكما يستدل على ذلك أيضا بأدلة عقليةمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص442-447
النص الفذ في الرد على العلمانية الخائبة الخلافة ليست كهنوتية ولا حكم إلهي ، يقول بن تيمية رحمه الله عن قول أبي بكر للناس على المنبر أنه إن زاغ فليقوموه! "والجواب أن يقال هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق رضي الله عنه وأدلها على أنه لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فسادا فلم يكن طالب رياسة ولا كان ظالما وإنه إنما كان يأمر الناس بطاعة الله ورسوله فقال لهم إن استقمت على طاعة الله فأعينوني عليها وإن زغت عنها فقوموني كما قال أيضا أيها الناس أطيعوني ماأطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم ...ومقصود الصديق بذلك إني لست معصوما كالرسول صلى الله عليه و سلم وهذا حق ...فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته حتى يستغني عنهم ولا هو رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا فلا بد له من إعانتهم ولا بد لهم من إعانته كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق إن سلك بهم الطريق اتبعوه وإن أخطأ عن الطريق نبهوه وأرشدوه وإن خرج عليهم صائل يصول عليهم تعاون هو وهم علي دفعه لكن إذا كان أكملهم علما وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لأحوالهم وكذلك إمام الصلاة إن استقام صلوا بصلاته وإن سها سبحوا به فقوموه إذا زاغ
وكذلك دليل الحاج إن مشى بهم في الطريق مشوا خلفه وإن غلط قوموه
والناس بعدالرسول لا يتعلمون الدين من الإمام بل الأئمة والأمة كلهم يتعلمون الدين من الكتاب والسنة
ولهذا لم يأمر الله عند التنازع برد الأمر إلى الأئمة بل قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآيةسورة النساء 59 فأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول لا إلى الأئمة وولاة الأمور وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور تبعا لطاعة الرسول
ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم إنما الطاعة في المعروف وقال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه وقول القائل كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية تحتاج إليه
وارد في كل متعاونين ومتشاركين يحتاج كل منهما إلى الاخر حتى الشركاء في التجارات والصناعات
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص462-465
الاصل عند عمر هو المشاورة والتريث والاختيار للخليفة وهذا يعني أنه لم يتعلم من الإسلام ماهو كهنوت في المسيحية ولا الحق الإلهي للملوك أو الرهبان، بل إنه الإختيار والتشاور وبيعة الخاصة والعامة قال بن تيمية :"قال الرافضي وقال عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق فاعلها القتل فيلزم تطرق الطعن إلى عمر وإن كانت باطلة لزم الطعن عليهما معا والجواب أن لفظ الحديث سيأتي قال فيه فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقي الله شرها وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ومعناه أن بيعة أبي بكر بودر إليها من غير تريث ولا انتظار لكونه كان متعينا لهذا الأمر كما قال عمر ليس فيكم من تقطع إليه الاعناق مثل أبي بكر
وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه وتقديم رسول الله صلى الله عليه و سلم له على سائر الصحابة أمرا ظهرا معلوما فكانت دلالة النصوص على تعيينه تغني عن مشاورة وانتظار وتريث بخلاف غيره فإنه لا تجوز مبايعته إلا بعد المشاورة والإنتظار والتريث فمن بايع غير أبي بكر عن غير انتظار وتشاور لم يكن له ذلك
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 469-470
يقول عن الصديق رضي الله عنه "ولم يكن بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم من يقضي ويفتي إلا هو ولم يكن النبي صلى الله عليه و سلم أكثر مشاورة لأحد من أصحابه منه له ولعمر ولم يكن أحد أعظم اختصاصا بالنبي صلى الله عليه و سلم منه ثم عمر وقد ذكر غير واحد مثل منصور بن عبد الجبار السمعاني وغيره إجماع أهل العلم على أن الصديق أعلم الأمة وهذا بين فإن الأمة لم تختلف في ولايته في مسألة إلا فصلها هو بعلم يبينه لهم وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة كما بين لهم موت النبي صلى الله عليه و سلم وتثبيتهم على الإيمان وقراءته عليهم الآية ثم بين لهم موضع دفنه وبين لهم قتال مانعي الزكاة لما استراب فيه عمر وبين لهم أن الخلافة في قريش في سقيفة بني ساعدة لما ظن من ظن أنها تكون في غير قريش
وقد استعمله النبي صلى الله عليه و سلم على أول حجة حجت من مدينة النبي صلى الله عليه و سلم وعلم المناسك أدق ما في العبادات ولولا سعة علمه بها لم يستعمله وكذلك الصلاة استخلفه فيها ولولا علمه بها لم يستخلفه ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة
وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ما روي فيها وعليه اعتمد الفقهاء وفي الجملة لا يعرف لأبي بكر مسسائل من الشريعة غلط فيها وقد عرف لغيره مائل كثيرة كما بسط في موضعه
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 496،497
"وأما في خلافة أبي بكر فلم يعلم أنه استقر بينهم نزاع في مسألة واحدة من مسائل الدين وذلك لكمال علم الصديق وعدله ومعرفته بالأدلة التي تزيل النزاع فلم يكن يقع بينهم نزاع إلا أظهر الصديق من الحجة التي تفصل النزاع ما يزول معها النزاع وكان عامة الحجج الفاصلة للنزاع يأتي بها الصديق ابتداء وقليل من ذلك يقوله عمر أو غيره فيقره أبو بكر الصديق منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 499
"ومما يدل على كمال حال الصديق وأنه أفضل من كل من ولى الأمة بل وممن ولى غيرها من الأمم بعد الأنبياء أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل الأولين والأخرين وأفضل من سائر الخلق من جميع العالمين وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء ويكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال فوا بيعة الأول فالأول ومن المعلوم أنه من تولى بعد الفاضل إذا كان فيه نقص كثير عن سياسة الأول ظهر ذلك النقص ظهورا بينا وهذا معلوم من حال الولاة إذا تولى ملك بعد ملك أو قاض بعد قاض أو شيخ بعد شيخ أو غير ذلك فإن الثاني إذا كان ناقص الولاية نقصا بينا ظهر ذلك فيه وتغيرت الأمور التي كان الأول قد نظمها وألفها ثم الصديق تولى بعد أكمل الخلق سياسة فلم يظهر في الإسلام نقص بوجه من الوجوه بل قاتل المرتدين حتى عاد الأمر إلى ما كان عليه وأدخل الناس في الباب الذي خرجوا منه ثم شرع في قتال الكفار من أهل الكتاب وعلم الأمة ما خفي عليهم وقواهم لما ضعفوا وشجعهم لما جبنوا وسار فيهم سيرة توجب صلاح دينهم ودنياهم فأصلح الله بسببه الأمة في علمهم وقدرتهم ودينهم وكان ذلك مما حفظ الله به على الأمة دينها وهذا مما يحقق أنه أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه و سلم
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 501
"وأما أبو بكر فكان الذين حول منبره هم أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الذين تعلموا من رسول الله صلى الله عليه و سلم العلم والدين فكانت رعية أبي بكر أعلم الأمة وأدينها منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 508
الحكم بالشريعة ونص مهم الشيعة يوردون كذبا رواية اخترعوها عن علي رضي الله عنه وبن تيمية يردها احسن رد أولا يورد الرواية المصطنعة، وفيها(فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فتقول صدق علي قد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ( فيقول رحمه الله"والحديث المذكور عن علي كذب ظاهر لا تجوز نسبة مثله إلى علي فإن عليا أعلم بالله وبدين الله من أن يحكم بالتوراة والإنجيل إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لمسلم أن يحكم بين أحد إلا بما أنزل الله في القرآن وإذا تحاكم اليهود والنصارى إلى المسلمين لم يجز لهم أن يحكموا بينهم إلا بما أنزل الله في القرآن كما قال تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك سورة المائدة إلى قوله تعالى فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين سورة المائدة 42 إلى قوله فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا سورة المائدة 48 إلى قوله وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله من أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون سورة المائدة 49
وإذا كان من المعلوم بالكتاب والسنة والإجماع أن الحاكم بين اليهود والنصارى لا يجوز أن يحكم بينهم إلا بما أنزل الله على محمد سواء وافق ما بأيديهم من التوراة والإنجيل أو لم يوافقه كان من نسب عليا إلى أنه يحكم بالتوراة والإنجيل بين اليهود والنصارى أو يفتيهم بذلك ويمدحه بذلك إما أن يكون من أجهل الناس بالدين وبما يمدح به صاحبه وإما أن يكون زنديقا ملحدا أراد القدح في علي بمثل هذا الكلام الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب دون المدح والثواب
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 508،209، تحقيق محمد رشاد سالم
عن قول علي رضي الله عنه"يا كُميل ابن زياد إن ههنا لعلما جما لو أصبت له حملة " قال ":وعلي رضي الله عنه لم يكن يقول هذا بالمدينة لا في خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان وإنما كان يقول هذا في خلافته في الكوفة ليعلم أولئك الذين لم يكونوا يعلمون ما ينبغي لهم علمه وكان هذا لتقصيرهم في طلب العلم وكان علي رضي الله عنه يأمرهم بطلب العلم والسؤال وحديث كُميل بن زياد يدل على هذا فإن كميلا من النابغين لم يصحبه إلا بالكوفة فدل على أنه كان يرى تقصيرا من أولئك عن كونهم حملة للعلم ولم يكن يقول هذا في المهاجرين والأنصار بل كان عظيم الثناء عليهم
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 512،513، تحقيق محمد رشاد سالم
"وإذا قال القائل علي كان معذورا في ترك قتل قتلة عثمان لأن شروط الإستيفاء لم توجد إما لعدم العلم بأعيان القتلة وإما لعجزه عن القوم لكونهم ذوي شوكة ونحو ذلك قيل فشروط الإستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة وقتل قاتل الهرمزان لوجود الشبهة في ذلك والحدود تدرأ بالشبهات ...مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود أقام عليهم حجة سلموا لها إما لظهور الحق معه وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الإجتهاد منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 515،516، تحقيق محمد رشاد سالم
عن خالد بن الوليد وليلة قتله لمالك بن نويرة "وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله فهذا مما لم يعرفه ثبوته" منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 519، تحقيق محمد رشاد سالم وأضاف"والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة هل تجب للكافر على قولين وكذلك تنازعوا هل يجب على الذمية عدة وفاة على قولين مشهورين للمسلمين بخلاف عدة الطلاق فإن تلك سببها الوطء فلا بد من براءة الرحم وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا فيه نزاع وكذلك إن كان دخل بها وقد حاضت بعد الدخول حيضة
هذا إذا كان الكافر أصليا وأما المرتد إذا قتل أو مات على ردته ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة لأن النكاح بطل بردة الزوج وهذه الفرقة ليست طلاقا عند الشافعي وأحمد وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها كما ليس عليها عدة من الطلاق
ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتدا فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة لا بعدة كاملة في أحد قوليهم وفي الآخر بثلاث حيض وإن كان كافرا أصليا فليس على أمرأته عدة وفاة في أحد قوليهم وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم
وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم وهذا مما حرمه الله ورسوله "(ص519،520)
فجميع أئمة الفقهاء عندهم أن الأنبياء لا يورثون مالا وكلهم يحب فاطمة ويعظم قدرها رضي الله عنها لكن لا يترك ما علموه من قول النبي صلى الله عليه و سلم لقول أحد من الناس ولم يأمرهم الله ورسوله أن يأخذوا دينهم من غير محمد صلى الله عليه و سلم لا عن أقاربه ولا عن غير أقاربه وإنما أمرهم الله بطاعة الرسول وأتباعه منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 522، تحقيق محمد رشاد سالم
"وعمر لم يستخلف واحدا معينا وكان يقول إن أستخلف فإن أبا بكر استخلف وإن لم استخلف فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يستخلف منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج5 ص 525، تحقيق محمد رشاد سالم
موت عمر وفوائد من حديثه وطلبه أن يُدفن مع رسول الله وصاحبه (وفي الحديث أدب عمر وتواضعه وخضوعه لما ستقرره عائشة رضي الله عنهما)
"...انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله ابن عمر وقد جاء فقال ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان شيء أهم من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم وقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين وذكر تمام الحديث
ففي نفس الحديث أنه يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات وهو عنه راض ورعيته عنه راضون مقرون بعدله فيهم ولما مات كأنهم لم يصابوا بمصيبة قبل مصيبته لعظمها عندهم وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذي تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ولم يقتل عمر رضي الله عنه رجل من المسلمين لرضا المسلمين عنه وإنما قتله كافر فارسي مجوسى
وخشيته من الله لكمال علمه فإن الله تعالى يقول إنما يخشى الله من عباده العلماء سورة فاطر 28
وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء وقرأ عليه ابن مسعود سورة النساء فلما بلغ إلى قوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا سورة النساء 41 قال حسبك فنظرت إلى عينيه وهما تذرفان
وقد قال تعالى قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم سورة الأحقاف 9منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص 12،13، تحقيق محمد رشاد سالم
"وأما قول الرافضي وهل هذا إلا مساو لقول الكافر يا ليتني كنت ترابا سورة النبأ 40 (يقصد قول لعمر رضي الله عنه وهو فراش الموت) فهذا جهل منه فإن الكافر يقول ذلك يوم القيامة حين لا تقبل توبة ولا تنفع حسنة وأما من يقول ذلك في الدنيا فهذا يقوله في دار العمل على وجه الخشية لله فيثاب على خوفه من الله وقد قالت مريم يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا سورة مريم 23 ولم يكن هذا كتمني الموت يوم القيامة ولا يجعل هذا كقول أهل النار كما أخبر الله عنهم بقوله ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك سورة الزخرف 77
وكذلك قوله ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون سورة الزمر 47 فهذا إخبار عن حالهم يوم القيامة حين لا ينفع توبة ولا خشية
وأما في الدنيا فالعبد إذا خاف ربه كان خوفه مما يثيبه الله عليه فمن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة ومن جعل خوف المؤمن من ربه في الدنيا كخوف الكافر في الآخرة فهو كمن جعل الظلمات كالنور والظل كالحرور والأحياء كالأموات ومن تولى أمر المسلمين فعدل فيهم عدلا يشهد به عامتهم وهو في ذلك يخاف الله أن يكون ظلم فهو أفضل ممن يقول كثير من رعيته (يقصد بن تيمية: الخوارج وغيرهم من شيعة عثمان ممن طالب بقتلته ولم يبايع علي) إنه ظلم وهو في نفسه آمن من العذاب مع أن كليهما من أهل الجنة
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص 15،16، تحقيق محمد رشاد سالم
مامعنى شهادة الرعية في أئمتهم ؟ الشهادة غالبا تعني أن الرعية حاكم، له وزن ، ومحكوم، وأن الرعية في الإسلام وزن ثقيل وهذا يعني أنها تشاور كما فعل الصحابة في استخلاف ابي بكر وغيره رضي الله عنهما (بيعة العامة) قال شيخ الإسلام :"ومعلوم أن شهادة الرعية لراعيها أعظم من شهادته هو لنفسه وقد قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا سورة البقرة 143
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت وجبت ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال وجبت وجبت قالوا يا رسول الله ما قولك وجبت وجبت قال هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار أنتم شهداء الله في الأرض
وفي المسند عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا بم يا رسول الله قال بالثناء الحسن وبالثناء السىء
ومعلوم أن رعية عمر انتشرت شرقا وغربا وكانت رعية عمر خيرا من رعية علي وكانت رعية علي جزءا من رعية عمر ومع هذا فكلهم يصفون عدله وزهده وسياسته ويعظمونه والأمة قرنا بعد قرن تصف عدله وزهده وسياسته ولا يعرف أن أحدا طعن في ذلك
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص 17، تحقيق محمد رشاد سالم
"وأما علي رضي الله عنه فإن أهل السنة يحبونه ويتولونه ويشهدون بأنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين لكن نصف رعيته يطعنون في عدله فالخوارج يكفرونه وغير الخوارج من أهل بيته وغير أهل بيته يقولون إنه لم ينصفهم وشيعة عثمان يقولون إنه ممن ظلم عثمان وبالجملة لم يظهر لعلي من العدل مع كثرة الرعية وانتشارها ما ظهر لعمر ولا قريب منه منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص 18، تحقيق محمد رشاد سالم
ماقصة الكتاب الذي أراد النبي كتابته عند موته "وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد أن يكتبه فقد جاء مبينا كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر ...والنبي صلى الله عليه و سلم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة فلما رأى أن الشك قد وقع علم أن الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه كما قال ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر
وقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين أن يكتب الكتاب يقتضي أن هذا الحائل كان رزية وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو اشتبه عليه الأمر فإنه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشك فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه ولله الحمد
ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه وأما الشيعة القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب...فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه و سلم يبينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق له فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ إذ لو وجب لفعله ولو أن عمر رضي الله عنه اشتبه عليه أمر ثم تبين له أو شك في بعض الأمور فليس هو أعظم ممن يفتي ويقضي بأمور ويكون النبي صلى الله عليه و سلم قد حكم بخلافها مجتهدا في ذلك ولا يكون قد علم حكم النبي صلى الله عليه و سلم فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه
وكل هذا إذا كان باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رفع الله المؤاخذه به كما قضى على في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين مع ما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما قيل له إن أبا السنابل بن بعكك أفتى بذلك لسبيعة الأسلمية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذب أبو السنابل بل حللت فانكحى من شئت فقد كذب النبي صلى الله عليه و سلم هذا الذي أفتى بهذا وأبو السنابل لم يكن من أهل الاجتهاد وما كان له أن يفتي بهذا مع حضور النبي صلى الله عليه و سلم
وأما علي وابن عباس رضي الله عنهما وإن كانا أفتيا بذلك لكن كان ذلك عن اجتهاد وكان ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم ولم يكن بلغهما قصة سبيعة
وهكذا سائر أهل الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم إذا اجتهدوا فأفتوا وقضوا وحكموا بأمر والسنة بخلافه ولم تبلغهم السنة كانوا مثابين على اجتهادهم مطيعين لله ورسوله فيما فعلوه من الاجتهاد بحسب استطاعتهم ولهم أجر على ذلك ومن اجتهد منهم وأصاب فله أجران
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص 23-27، تحقيق محمد رشاد سالم
حكم المجتهد (المفقود اليوم وبدله هو التكفيرللعلماء الأفاضل أهل العلم والدعوة) قال:"وهكذا سائر أهل الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم إذا اجتهدوا فأفتوا وقضوا وحكموا بأمر والسنة بخلافه ولم تبلغهم السنة كانوا مثابين على اجتهادهم مطيعين لله ورسوله فيما فعلوه من الاجتهاد بحسب استطاعتهم ولهم أجر على ذلك ومن اجتهد منهم وأصاب فله أجران والناس متنازعون هل يقال كل مجتهد مصيب أم المصيب واحد وفصل الخطاب أنه إن أريد بالمصيب المطيع لله ورسوله فكل مجتهد أتقى الله ما استطاع فهو مطيع لله ورسوله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وهذا عاجز عن معرفة الحق في نفس الأمر فسقط عنه وان عنى بالمصيب العالم بحكم الله في نفس الأمر فالمصيب ليس إلا واحدا فإن الحق في نفس الأمر واحد
وهذا كالمجتهدين في القبلة إذا أفضى اجتهاد كل واحد منهم إلى جهة فكل منهم مطيع لله ورسوله والفرض ساقط عنه بصلاته إلى الجهة التي اعتقد أنها الكعبة ولكن العالم بالكعبة المصلى إليها في نفس الأمر واحد وهذا قد فضله الله بالعلم والقدرة على معرفة الصواب والعمل به فأجره أعظم كما أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه و سلم
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص27،28 تحقيق محمد رشاد سالم
"فإن أبا لؤلؤة كافر قتل عمر كما يقتل الكافر المؤمن وهذه الشهادة أعظم من شهادة من يقتله مسلم فإن قتيل الكافر أعظم درجة من قتيل المسلمين منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص31، تحقيق محمد رشاد سالم
"والداعي إذا دعا على مسلم بأن يقتله كافر كان ذلك دعاء له لا عليه كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو لأصحابه بنحو ذلك كقوله يغفر الله لفلان فيقولون لو أمتعنا به وكان إذا دعا لأحد بذلك استشهد منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص32، تحقيق محمد رشاد سالم
لو كان حاكما مطلقاً وحاكماً الهيا كما فعل ملوك أوروبا لحمى ابنه ومامسه أحد بسوء بل لقتل كل من مسه!! لكنه عمر ":وعمر رضي الله عنه من المتواتر عنه أنه كان لا تأخذ في الله لومة لائم حتى أنه أقام على ابنه الحد لما شرب بمصر بعد أن كان عمرو ابن العاص ضربه الحد لكن كان ضربه سرا في البيت وكان الناس يضربون علانية فبعث عمرو إلى عمر يزجره ويتهدده لكونه حابي ابنه ثم طلبه فضربه مرة ثانية فقال له عبد الرحمن ما لك هذا فزجر عبد الرحمن وما روى أنه ضربه بعد الموت فكذب على عمر وضرب الميت لا يجوز منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص36، تحقيق محمد رشاد سالم
عمر والعطاء "فالجواب أما حفصة فكان ينقصها من العطاء لكونها ابنته كما نقص عبد الله بن عمر وهذا من كمال احتياطه في العدل وخوفه مقام ربه ونهيه نفسه عن الهوى وهو كان يرى التفضيل في العطاء بالفضل فيعطى أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أعظم مما يعطى غيرهن من النساء كما كان يعطى بني هاشم من آل أبي طالب وأل العباس أكثر مما يعطى أعدادهم من سائر القبائل فإذا فضل شخصا كان لأجل اتصاله برسول الله صلى الله عليه و سلم أو لسابقته واستحقاقه وكان يقول ليس أحد أحق بهذا المال من أحد وإنما هو الرجل وغناؤه والرجل وبلاؤه والرجل وسابقته والرجل وحاجته فما كان يعطى من يتهم على إعطائه بمحاباة في صداقة أو قرابة بل كان ينقص ابنه وابنته ونحوهما عن نظرائهم في العطاء وإنما كان يفضل بالأسباب الدينية المحضة ويفضل أهل بيت النبي صلى الله عليه و سلم على جميع البيوتات ويقدمهم منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص37،38 تحقيق محمد رشاد سالم
عن الرافضي وقوله في عمر رضي الله عنه أنه غير حكم الله(مع الإشارة أن الدكتور عمارة رد على العشماوي في سقوط الغلو العلماني (في موضوع إلغاء عمر للشريعة!!، حد السرقة على وجه التحديد ، بزعم العشماوي طبعا متوسلا الى ألغاء الشريعة في عصرنا!!) بكلام دقيق طيب)
"وأما قوله وغير حكم الله في المنفيين
فالجواب أن التغيير لحكم الله بما يناقض حكم الله مثل إسقاط ما أوجبه الله وتحريم ما أحله الله والنفي في الخمر كان من باب التعزير الذي يسوغ فيه الاجتهاد وذلكأن الخمر لم يقدر النبي صلى الله عليه و سلم حدها لا قدره ولا صفته بل جوز فيها الضرب بالجريد والنعال وأطراف الثياب وعُثكول النخل والضرب في حد القذف والزنا إنما يكون بالسوط وأما العدد في الخمر فقد ضرب الصحابة أربعين وضربوا ثمانين وقد ثبت في الصحيح عن علي رضي الله عنه أنه قال وكل سنة والفقهاء لهم في ذلك قولان قيل الزيادة على أربعين حد واجب كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وقيل هو تعزير للإمام أن يفعله وأن يتركه بحسب المصلحة وهذا قول الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى وهو أظهر وكان عمر رضي الله عنه يحلق في شرب الخمر وينفى أيضا وكان هذا من جنس التعزير العارض فيها
وقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما وقد تنازع العلماء هل هو منسوخ أو محكم أو هو من باب التعزير الذي يفعله الإمام إن احتاج إليه ولا يجب على ثلاثة أقوال وعلي رضي الله عنه كان يضرب في الحد فوق الأربعين وقال ما أحد أقيم عليه الحد فيموت فأجد في نفسي إلا شارب الخمر فإنه لو مات لوديته فإن شيء فعلناه برأينا رواه الشافعي وغيره واستدل الشافعي بهذا على أن الزيادة من باب التعزير الذي يفعل بالاجتهادمنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص39،40 تحقيق محمد رشاد سالم
عدل عمر وسياسته :"لأن عمر ساس المسلمين وأهل الذمة يعطى الحقوق ويقيم الحدود ويحكم بين الناس كلهم وفي زمنه انتشر الإسلام وظهر ظهورا لم يكن قبله مثله وهو دائما يقضى ويفتى ولولا كثرة علمه لم يُطق ذلك فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأى عيب في ذلك منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص42، تحقيق محمد رشاد سالم
عقل عمر وموقفه من مراعاة التطوير الإنساني والإجتماعي، والسياسي والتشريعي فيما هو متغير
هكذا كان العقل الاسلامي، انظروه عملياً ورحمانيا وربانيا، وإنسانياً وخُلقيا(إنه عمر!)
أفضل نص وجدته عن عمر من كلام بن تيمية
:"ثم يقال عمر رضي الله عنه قد بلغ من علمه وعدله ورحمته بالذرية أنه كان لا يفرض للصغير حتى يفطم ويقول يكفيه اللبن فسمع امرأة تكره ابنها على الفطام ليفرض له فأصبح فنادى في الناس أن أمير المؤمنين يفرض للفطيم والرضيع وتضرر الرضيع كان بإكراه أمه لا بفعله هو لكن رأى أن يفرض للرضعاء ليمتنع الناس عن إيذائهم فهذا إحسانه إلى ذرية المسلمين
منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص43، تحقيق محمد رشاد سالم
تعليق
فماذا لو قامت جميع مؤسسات المسلمين المدنية والدينية، بالعمل على وتيرة إنسانية الإسلام في عمر، وإنسانية عمر في الإسلام. وانشاء المنظمات الدولية والمحلية، الداخلية والخارجية، للإهتمام حتى بأصغر المخلوقات البشرية!!، وإنك تلاحظ حس عمر الإنساني هذا حتى مع البغلة ، وذلك في تعبيره هو عن تسوية الطريق للبغلة والإنسان أنه يخاف أن يُسأل: لما لم تسوي لها الطريق ياعمروتلاحظ أن الأمر كان يدور أيضا حول الخبرة وتطويرها فعمر كان على قرار معين وموقف معين، ولما علم أمرأً أخر، وحدثت له خبرة جديدة، ترك الرأي الأول للخبرة الجديدة الصحيحة أياً كانت، مادامت في مصلحة " الإنسان" وكذلكم فعل في الاستفادة من " دواوين " من خبرة الغير، من خبرة فارس!!
وكذلك كانت حضارتنا، تتطور، وتضيف، وتزدهر في كل بلد من بلاد المسلمين والخلافة، قرونا طوالاً، تكلم عنها الغربيون أيضاً
"القتال يوم الجمل وصفين الذي أفضى إلى أنواع من الفساد ... وعلي رضي الله عنه كان مع نظره واجتهاده لا يظن أن الأمر يبلغ إلى ما بلغ ولو علم ذلك لما فعل ما فعل كما أخبر عن نفسه منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص44، تحقيق محمد رشاد سالم
"وأصحاب معاوية الذين قاتلهم علي لم يكونوا يعلمون أن لهم ذنبا فلم يجز لعلي قتالهم على ما لا يعلمون أنه ذنب وإن كانوا مذنبين فإن غاية ما يقال إنهم تركوا الطاعة الواجبة لكن كثير منهم أو أكثرهم لم يكونوا يعلمون أنه يجب عليهم طاعة علي ومتابعته بل كان لهم من الشبهات والتأويلات ما يمنع علمهم بالوجوب منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص47، تحقيق محمد رشاد سالم
"وولى الأمر إلى معرفة الأحكام في السياسة العامة الكلية أحوج منه إلى معرفة الأحكام في الحدود الجزئية وعمر رضي الله عنه لم يكن يخفى عليه أن المجنون ليس بمكلف لكن المشكل أن من ليس بمكلف هل يعاقب لدفع الفساد هذا موضع مشتبه فإن الشرع قد جاء بعقوبة غير المكلفين في دفع الفساد في غير موضع والعقل يقتضي ذلك لحصول مصلحة الناس منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج6 ص48، تحقيق محمد رشاد سالم