تهافت القول بالإعجاز العلمي في قوله تعالى (كأنما يصعد في السماء)

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

بكر الجازي

New member
إنضم
22/07/2009
المشاركات
150
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
قرأت جواباً ماتعاً للدكتور مساعد الطيار - وفقه الله- بخصوص الإعجاز العلمي، أورده الدكتور عبد الرحمن الشهري على هذا الرابط:

http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=384

ومما كتبه الدكتور الطيار تفسير قوله تعالى ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وبيان الفرق بين فهم السلف وفهم القائلين بالإعجاز العلمي.

وكنت كتبت في تفسير هذه الآية مبحثاً طويلاً فندتُ فيه رأي القائلين بالإعجاز العلمي في تفسير هذه الآية، وهو من جملة أبحاث مطولة لي في هذا الباب. فأحببت أن أورده ها هنا في رابط مستقل، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن ينفع به، وأرجو ألا يبخل علينا الدكتور الطيار والإخوة الأفاضل بملاحظاتهم وتصويباتهم...
 
[align=center](1)[/align]

قولُه تعالى ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنعام:125)

يدَّعي أربابُ التفسيرِ العِلميِّ أنَّ في هذه الآيةِ دلالةً على ظاهرةٍ علميَّةٍ لم تكن معهودةً ولا معروفةً للعربِ، حتى جاءَ العلمُ الحديثُ فَكََشَفَ عنها، ألا وهي نقصانُ الأكسجينِ كلَّما صعدنا في طبقاتِ الجوِّ العُليا، ونقصانُه يؤدّي إلى حَرَجِ الصَّدرِ وضيقِه، فمَثَلُ الكافرِ - في ضيقِ صدرِه بالإسلامِ، وتَبَرُّمِه بدعوةِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم مَثَلُ الذي يَصَّعدُ في السّماءِ، فيضيقُ صدرُه بنقصانِ الأكسجينِ في طبقاتِ الجوِّ العُليا، وهذه حقيقةٌ لم يُدرِكْها الإنسانُ إلاّ في العُقودِ المُتَأَخِّرَةِ من القرنِ العشرين، وإن بدأ يَتَحَسَّسُها منذ نهايةِ القرنِ الثامنَ عشرَ، وورودُها في كتابِ اللهِ الذي أُنزِلَ قبلَ أربعةَ عشرَ قرناً علي نبيٍّ أمِّيٍّ - صلى الله وسلم وبارك عليه-، في أمَّةٍ كانت غالبيَّتُها الساحقةُ من الأمّيين، مما يؤكِّدُ أنَّ القرآنَ الكريمَ هو كلامُ اللهِ الخالقِ، وأنَّ هذا النبيَّ الخاتمَ، والرَّسولَ الخاتمَ، كان موصولاً بالوحيِ ومُعَلَّماً من قِبَلِ خالقِ السّماواتِ والأرضِ (1)‏.

وقبلَ أن ننقلَ تفسيرَ هذه الآيةِ من أمُّهاتِ كتبِ التفسيرِ، لنُبَيِّنَ أنَّ العربَ الأوَّلين قد فهموها حقَّ الفهمِ، ووَعَوها حقَّ الوعيِ، نرى أن نُوَجِّهَ للقائلين بهذا التفسيرِ العلميِّ سؤالاً في أحكامِ التَّشبيهِ، الذي هو فنٌّ من فنونِ البلاغةِ، وضربٌ من ضروبِ البيانِ، أبدعَ الشُّعَراءُ والأُدَباءُ فيه أيَّما إبداعٍ.

التَّشبيهُ في اصطِلاحِ البلاغيِّين له أكثرُ من تعريفٍ يورِدُها الدُّكتورُ عبدُ العزيزِ عتيقٌ نقلاً عن عُلَماءِ سابقين:
(فابنُ رشيقِ مثلاً يُعَرِّفُه بقولِه: التَّشبيهُ صفةُ الشَّيءِ بما قارَبَه وشاكَلَه من جِهَةٍ واحِدةٍ أو جِهاتٍ كثيرةٍ، لا من جميعِ جهاتِه، لأنَّه لو ناسَبَه مُنَاسَبَةً كليَّةً لكانَ إيّاه. ألا ترى أنَّ قولهم "خَدٌّ كالوردِ" إنما أرادوا حمرةَ أوراقِ الوردِ وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صُفرَةِ وسطِه، وخضرةِ كمائمِه؟
وأبو الخطيبِ القَزوينيُّ بقولِه: هو الدَّلالةُ على مشاركةِ أمرٍ لأمرٍ في معنىً) (2).

فهو إذن يَرِدُ للدلالةِ على مُشارَكَةِ أمرٍ لأمرٍ في معنىً ما، ويدَّعي فيه المُشَبِّهُ أنَّ هذا الشَّيءَ يُقارِبُ ذلك الشَّيءَ ويُشاكِلُه من جِهَةٍ ما، واحدةً كانت أو أكثرَ، ولا تكونُ هذه المُشابهةُ والمشاكَلَةُ من جميعِ الجهاتِ، أو بيانِ أنَّ شيئاً أو أشياءَ شاركت غيرَها في صِفَةٍ أو أكثَرَ. وهذا يقتضي أن تكونَ الجهةُ التي يكون فيها الشَّبهُ والمُشارَكَةُ بين الشَّيئينِ أو ما يُسَمَّى بـ"وجهِ الشَّبَهِ" معلوماً.
ومن المعلومِ –أيضاً- أنَّ فَنَّ التَّشبيهِ يَقْصَِدُ بِه المُشَبِّهُ أن يُقَرِّرَ المعنى، ويُمَكِّنَه ويُثَبِّتَه في نفسِ المُخاطَبِ، ويُقَرِّبَه إلى فهمِه، فإن قلتَ: زيدٌ كالأسَدِ، أو ليلى كالبدرِ، فهو لتثبيتِ معنى شجاعةِ زيدٍ وجمالِ ليلى، وتمكينِه وتقريرِه في نفسِ السّامعِ أو المُخاطَبِ. وهذا يقتضي أن يكونَ هناك مُشَبَّهٌ، ومُشَبَّهٌ به، ووَجْهُ شَبَهٍ، أو علاقةٌ شَبَهِيَّةٌ، فعندما نقولُ: زيدٌ كالأسدِ، فالمُشَبَّهُ زيدٌ، والمُشَبَّهُ به هو الأسدُ، ووَجْهُ الشَّبَهِ هو الشَّجاعةُ المعروفةُ في الأسدِ، والتي هي لازمٌ من لوازمِه، وزيدٌ هذا قد أشبَهَ الأسدَ في شجاعتِه وقُوَّةِ قلبِه،وأنَّه يُقْدِمُ فلا يخشى شيئاً. وعندما نقولُ: ليلى كالبدرِ، فالمُشَبَّهُ ليلى، والمُشَبَّهُ به هو البَدْرُ، ووَجْهُ الشَّبَهِ هو جمالُ القَمَرِ في ليلةِ البدرِ، وأُنسُ النُّفوسِ به، وليلى في جمالها وأُنسِ النَّفسِ بها قد أشْبَهَت البَدرَ.
وفَنُّ التَّشبيهِ يقتضي أوَّلاً أن يكونَ وجهُ الشَّبهِ معروفاً ومعهوداً، وثانياً أن يكونَ وَجْهُ الشَّبَهِ في المُشَبَّهِ به أعْرَفَ منه في المُشَبَّهِ، أي يَنبَغِي أن يكونَ وجهُ الشَّبَهِ في الأسدِ معروفاً بين المخاطَبين بأنَّه الشَّجاعَةُ، وأن تكونَ الشَّجاعةُ في الأسدِ أعْرَفَ منها في زيدٍ، وفي ليلى والبَدْرِ يقتضي أن يكونَ وَجْهُ الشَّبَهِ - عند التَّشبيهِ بالبَدْرِ- معروفاً بين المخاطبين بأنَّه الجَمالُ، ويقتضي أن يكونَ الجَمالُ في البَدرِ أَعْرَفَ منه في ليلى، وإلاّ فلا فائدةَ تُرجى من التَّشبيهِ.
فإذا قُلتَ في مخاطَبَةِ بَدَوِيٍّ لا يَعرِفُ السَّيَّارَةِ، لم يَسْمَعْ بها ولم يَرَها، إذا قلتَ له في وصفِ رَجُلٍ سريعٍ: فلانٌ يمشِي مَشْيَ السَّيَّارَةِ، فلن يُدْرِكَ وَجْهَ الشَّبَهِ، ولا الغَرَضَ من التَّشبيهِ، لأنَّ المُشَبَّهَ به غيرُ معروفٍ لديه، والأجدى أن تقولَ له: فلانٌ يمشي كَالغَزالِ، أو كَالفَهدِ أو كالأرنَبِ، ممّا هو مَعهودٌ بِسُرْعَتِه لدى البَدَوِيِّ،. بل رُبَّما يَفْهَمُ أنَّ السَّيَّارَةَ هي القَافِلَةُ، فيكونُ هذا دليلاً على بُطءِ الرَّجُلِ في مَشْيِهِ لا على سُرْعَتِه، لأنَّ المَعهودَ من كَلِمَةِ "سَيَّارَةٍ" عند هذا الأعرابيِّ هو القافِلَةُ وليس السَّيَّارَةَ المعروفةَ، فيفهمُ منك نقيضَ مقصودِك...
ولو قلتَ في وَصْفِ رَجُلٍ ثقيلِ الظِّلِّ، باردٍ سمجٍ، لو قلتَ في وصفِه: فلانٌ كالغازِ السَّائلِ، فلن يفهمَ هذا إلاّ أهلُ الكيمياءِ، والأجدى والأنفعُ أن تقولَ: فلانٌ كالثَّلجِ ممّا هو معهودٌ بِبُرودَتِه لدى المُخاطَبِ...
حتى التَّشبيهُ المَقلوبُ - والذي هو أن يُجْعَلَ ما كانَ الأصلُ فيه أن يكونَ مُشَبَّهاً مُشَبَّهاً بِه، وما كانَ الأصلُ فيه أن يكونَ مُشَبَّهاً بِه مُشَبَّهاً- لا بُدَّ فيه من مَعرِفَةِ المُشَبَّهِ والمُشَبَّهِ به ووَجْهِ الشَّبَهِ، إلاّ أنَّ المُشَبِّهَ يَدَّعي فيه أنَّ وجهَ الشَّبَهِ فيما كانَ في الأصلِ مُشَبَّهاً أعرفُ منه فيما كان في الأصلِ مُشَبَّهاً به، وهذا من بابِ المُبالَغةِ في المعنى.
فقولُنا في التشبيهِ المُعتادِ: زيدٌ كالأسدِ، وليلى كالبدرِ، يُصبحُ في التشبيهِ المقلوبِ: هذا الأسدُ كَزيدٍ، وهذا البدرُ كَليلى، وكأنَّ زيداً أصبح مشهوراً بشجاعتِه أكثرَ من الأسدِ، وحتّى صار مضربَ المَثَلِ فيها، وليلى أشهرَ وأعرفَ في جمالها من البدرِ. ومنه قولُ الشاعرِ:
وَ بَدَا الصّباحُ كأنّ غُرَّتَهُ ... وَجْهُ الخليفةِ حِينَ يُمْتَدَحُ
فالأصلُ فيه أن يقولَ إنَّ وجهَ الخليفةِ في بهائه وبهجتِه كَغُرَّةِ الصباحِ، فََقَلَبَ التشبيهَ، وادَّعى أنَّ غُرَّةَ الصباحِ في حُسنِها وبهائها وبهجتِها كوجهِ الخليفةِ، وكأنَّ الحسنَ والبهاءَ والبهجةَ التي تراها في وجهِ الخليفةِ أعرفُ وأشهرُ من غرَّةِ الصباحِ حتى صارَ وجهُ الخليفةِ مضربَ المَثَلِ في هذا المعنى.

وكذلك الأمرُ فيما يُسَمَّى بالتشبيهِ الوهميِّ، وهو التشبيهُ بما لا يُدرَكُ بالحواسِّ الخمسِ الظاهرةِ، كقولِه تعالى ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ. إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ. إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ﴾ (الصافات:62-65)، فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قد بيَّنَ لهم شجرةَ الزَّقُّومِ وعرَّفَهم بها، وأخبرَهم بأنها شجرةٌ تخرجُ في أصلِ الجحيمِ، فأصبحت بهذا معهودةً ومعروفةً لهم، ثمَّ بعد ذلك شبَّه اللهُ لهم ثمرَها برؤوسِ الشياطينِ، وذلك أنَّ للشيطانِ صورةً ذهنيَّةً عند العربِ، وهي ما كان في مُنتهى القُبحِ والشناعةِ، فيقولون: كأنَّ هذا وجهُ شيطانٍ، في الدلالةِ على قبحِ منظرِه، وتناهيه إلى الغايةِ في السوءِ والشرِّ. يقولُ الزمخشريُّ في تفسيرِ هذه الآيات:
(وشبَّه برؤوسِ الشياطينِ دلالةً على تناهيهِ في الكراهيَةِ وقبحِ المنظرِ؛ لأنّ الشيطانَ مكروهٌ مستقبحٌ في طباعِ الناسِ، لاعتقادِهم أنَّه شرّ محضٌ لا يخلِطه خيرٌ، فيقولون في القبيحِ الصورةِ: كأنَّه وجهُ شيطانٍ، كأنَّه رأسُ شيطانٍ، وإذا صوَّرَه المُصَوِّرون: جاؤوا بصورتِه على أقبحِ ما يُقَدَّرُ وأهولِه؛ كما أنهم اعتقدوا في المَلَكِ أنَّه خيرٌ محضٌ لا شرّ فيه، فشبَّهوا به الصورةَ الحسنةَ. قالَ اللهُ تعالى ﴿مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ (يوسف: 31) وهذا تشبيهٌ تخييلِيٌّ. وقيلَ: الشّيطانُ حيَّةٌ عرفاءُ لها صورةٌ قبيحةُ المنظرِ هائلةٌ جدّاً. وقيلَ: إنّ شَجَراً يقالُ له الأَسْتَنُ خَشِناً مُنتِناً مرّاً مُنكَرَ الصورةِ، يُسَمَّى ثمرُه رؤوسَ الشياطينِ. وما سمَّت العربُ هذا الثَّمَرَ رؤوسَ الشياطينِ إلاّ قصداً إلى أحدِ التشبيهينِ) (3).
ويقولُ الشّوكانيُّ في تفسيرِها:
(ثمَّ بيَّنَ سبحانَه أوصافَ هذه الشَّجَرَةِ ردًّا على مُنكريها، فقالَ ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ﴾ أي: في قعرِها، قال الحَسَنُ: أصلُها في قعرِ جهنَّمَ، وأغصانها تُرفَعُ إلى دَرَكاتها، ثمّ قالَ ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءوسُ ٱلشَّيَـٰطِينِ﴾ أي: ثمرُها، وما تحمِلُه كأنَّه في تناهي قُبحِه، وشناعةِ منظرِه رؤوسُ الشياطينِ، فشبَّهَ المحسوسَ بالمُتَخَيَّلِ، وإن كان غيرَ مرئيٍّ، للدلالةِ على أنَّه غايةٌ في القُبحِ، كما تقولُ في تشبيهِ من يستقبحونه: كأنَّه شيطانٌ، وفي تشبيهِ من يستحسنونه: كأنَّه مَلَكٌ، كما في قولِه ﴿مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ (يوسف: 31)، ومنه قول امريءِ القَيسِ:
أيقتُلُني والمَشرَِفِيُّ مُضاجِعِي ... ومَسنونَةٌ زُرْقٌ كَأنيابِ أغوالِ
وقالَ الزَّجَّاجُ، والفَرَّاءُ: الشياطينُ: حيّاتٌ لها رءوسٌ، وأعرافٌ، وهي من أقبحِ الحيَّاتِ، وأخبثِها، وأخَفِّها جِسماً. وقيلَ: إنَّ رؤوسَ الشياطينِ اسمٌ لنبتٍ قبيحٍ معروفٍ باليمنِ يقالُ له: الأَسْتَنُ، ويقالُ له: الشيطانُ. قال النَّحَّاسُ: وليس ذلك معروفاً عند العَرَبِ. وقيلَ: هو شَجَرٌ خَشِنٌ مُنتِنٌ مُرٌّ مُنكَرُ الصورةِ، يُسَمَّى ثمرُه رؤوسَ الشياطينِ) (4).
فالشيطانُ عند العَرَبِ لمَّا كانَ الغايةَ في القُبحِ، والمَلَكُ والمَلاكُ لمَّا كانَ الغايةَ في الجمالِ والحُسْنِ والأخلاقِ، والغُولُ لمّا كانَ غايةً في إدخالِ الرَّهبةِ والهَلَعِ والخوفِ إلى القلوبِ، كانت لهذه الألفاظِ معانٍ مُتَصَوَّرَةٌ في أذهانهم ومُتَخَيَّلَةٌ، لذلك تجدُ أنَّ من يريدُ أن يرسِمَ الشيطانَ أو يُصَوِّرَه جاءَ به على أقبحِ ما يكونُ، وأشدِّ ما يكونُ شناعةٍ ممّا يَتَخَيَّلُه في ذهنِه، بخلافِ من أرادَ رسمَ المَلاكِ أو تصويرَه، فإنَّه يأتي به على أحسنِ ما يَتَخَيَّلُه ويَتَصَوَّرُه في ذهنِه، وكذلك الأمرُ في الغولِ، يأتي به من يريدُ تصويرَه ورسمَه على أشدِّ ما يكونُ تخويفاً في ذهنِه.
وسُمِِّيَّ هذا التشبيهُ وهميّاً لأنَّ هذه الصُّوَرَ الذِّهنيَّةَ موجودةٌ في أوهامِهم وتخيُّلِهم، بغضِّ النَّظَرِ عن وجودِها في الخارجِ أو عدمِه. وقد ذكرنا فيما سبقَ أنَّ الألفاظَ موضوعةٌ بإزاءِ الصُّورِ الذِّهنيَّةِ، فهي إذن مُتصوَّرةٌ في الوهمِ ومُتخيَّلَةٌ ومُدركةٌ، سواءٌ أكانَ لها وجودٌ في الخارجِ أم لم يكن لها وجودٌ.
وقولُك في وصفِ رجلٍ غنيٍّ "هو جبلٌ من ذهبٍ" أو في وصفِ حصانٍ سريعٍ "هذا حصانٌ يطيرُ بجناحين" أمرٌ مُتَخَيَّلٌ موهومٌ لا وجودَ له في الواقعِ الخارجيِّ أو الواقعِ الموضوعيِّ، ومع ذلك فهو مُتصوَّرٌ في الذِّهنِ ومعهودٌ له، لما في العقلِ من قدرةٍ على التَّركيبِ والتَّجزئةِ والتخييلِ. فالجبلُ والذهبُ والحصانُ والأجنحةُ مفرداتٌ مدركةٌ معروفةٌ معانيها، ولها وجودٌ في الذهنِ والخارجِ، أمّا "جبلٌ من ذهبٍ" و "حصانٌ بجناحين" فصورةٌ مُرَكَّبَةٌ لا وجودَ لها إلا في الذهنِ فقط، وقد يضعُ لها الإنسانُ لفظاً خاصّاً بها ويدُلُّ عليها مع أنَّه لا وجودَ لهذه الصُّوَرِ إلاّ في الذِّهنِ فقط.
وعليه فإنَّ هذه الألفاظَ ومعانِيَها معهودةٌ للعَرَبِ ومعروفةٌ لهم، فلا يقالُ إنَّ القرآنَ خاطبَهم بما لا يعرفون، وجاءهم بتشبيهاتٍ لا عهدَ لهم بها.
وهكذا نرى أنَّه في كلِّ الأحوالِ، وفي كلِّ أضربِ التشبيهِ، لا بدَّ أن تكونَ أركانُه معروفةً معهودةً، وأن تََتَحَقَّقَ شروطُه حتى يؤدِّيَ غرضَه عند المُخاطَبِ، ومن المعروفِ عند النُّقّادِ والأدباءِ أنَّ من عيوبِ التشبيهِ خَفاءَ وجهِ الشَّبَهِ وبُعدَه، وتَكَلُّفَ الأذهانِ والعُقولِ في طَلَبِه، ولا يكونُ ذكرُ التشبيهِ للإلغازِ، أو لِتَعمِيَةِ المعنى على السامعِ، وإدخالِ الوهمِ إلى نفسِه إلاّ في الطَّرائفِ والمُمازحاتِ، كقولِك لرجلٍ "أنت كالحمارِ" في الدلالةِ على وفورِ صحَّتِه، وصبرِه...
قال أبو العباسِ المبرّدُ في هذا المعنى:
(والعربُ تشبِّهُ على أربعةِ أضربٍ: فتشبيهٌ مفرطٌ، وتشبيهٌ مصيبٌ، وتشبيهٌ مقاربٌ، وتشبيهٌ بعيدٌ يحتاجُ إلى التفسيرِ ولا يقومُ بنفسِه، وهو أخشنُ الكلامِ) (5). ثم قال في بيانِ التشبيهِ البعيدِ:
(وأمّا التشبيهُ البعيدُ الذي لا يقومُ بنفسِه، فكقولِه:
بل لو رأتني أختُ جيرانِنا ... إذ أنا في الدّارِ كأني حمار
فإنما أرادَ الصحَّةِ، فهذا بعيد، لأنَّ السامعَ إنما يستدلُّ عليه بغيره. وقال اللهُ عزَّ وجلَّ – وهو من البَيِّنِ الواضحِ- ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ (الجمعة:5) في أنهم قد تعامَوا عنها، وأضربوا عن حدودِها، وأمرِها ونهيِها، حتى صاروا كالحمارِ الذي يحملُ الكتبَ، ولا يعلمُ ما فيها) (6)، فاستخدامُ لفظِ الحمارِ في الدلالةِ على وفورِ الصحَّةِ بعيدٌ قبيحٌ، بخلافِ استخدامِه في الدلالةِ على الغباءِ وبلادةِ الحسِّ.
ونرى – أيضاً- أنَّ التشبيهَ مهما كان مُوغِلاً في الغرابةِ -وسواءٌ أكانَ وجهُ الشبهِ قريباً أم بعيداً بشرطِ ألاّ يمجَه الذَّوقُ- لا يجوزُ بحالٍ ألاّ يكونَ مفهوماً ومعهوداً، أو مُنَزَّلاً منزلِةَ المعهودِ والمعروفِ بين الناسِ، وإلا نُسِبَ الشاعرُ أو الأديبُ إلى العِيِّ والعَجْزِ، وعدمِ الوفاءِ بحقِّ المعنى.
نعودُ لمُدارسةِ الآيةِ على حسبِ ما يدَّعيه أصحابُ التفسيرِ العِلميِّ، فنقولُ بناءً على تفسيرِهم: يقولُ اللهُ في هذه الآيةِ إنَّه إذا أرادَ إضلالَ من كََتَبَ عليه الضَّلالَ يجعلُ صدرَه ضيِّقاً حَرَجاً، وحتى يُقَرِّرَ معنى الضِّيقِ والحَرَجِ عند المُخاطَبِ، ويُقَرِّبَه إلى الأذهانِ، ويمكِّنَه في نفسِه، يُشبِّهُ ضيقَ الصَّدرِ وحرجَه في الكافرِ – على رأيهم - بضيقِ الصَّدرِ الذي يكونُ من رجلٍ يَصَّعَّدُ في السَّماءِ!
فإن سألناهم: ما وجهُ الشَّبَهِ؟
قالوأ: وجهُ الشَّبهِ أنَّ الأكسجينَ يقلُّ في طبقاتِ الجوِّ العليا، فيؤدّي هذا إلى ضيقِ الصَّدرِ وحَرَجِه!!!
فإن قلنا لهم: فهل فهمَ العربُ هذا المعنى آنذاك؟
قالوا: لا... لأنَّه لم يكن معهوداً لهم ولا معروفاً عندهم...
فلنا أن نقولَ عندها: فكيف إذن يخبرُهم القرآنُ بحالِ الكافرِ، وما يكونُ منه من ضيقِ صدرِه وحَرَجِه بالإسلامِ، ثم إذا أرادَ أن يُقَرِّرَ هذا المعنى في نفوسِهم، ويُقَرِّبَه إلى أذهانِهم، جاءَهم بتشبيهٍ لا عهدَ لهم به؟؟!!! ومنذ متى كانَ التشبيهُ في القرآنِ للإلغازِ والإبهامِ، أولتعميةِ المعنى على السامعِ، لا لتقريبِ المعنى وتقريرِه في نفسِه؟؟!!
أليس في تفسيرِ الآيةِ على ما يدّعونه من إشارةٍ إلى الحقيقةِ العلميَّةِ خروجٌ على أصولِ البلاغةِ وحسنِ الإفهامِ، من حيث إبهامُ معنى التَّصَعُّدِ في السماءِ على العربِ ومن جاءَ بعدهم، حتى جاء العلمُ الحديثُ فَكَشَفَ عنها! مع أنَّ واقعَ التشبيهِ والغرضَ المقصودَ به إنما هو لِتقريبِ المعنى للسّامعِ، وتثبيتِه وتمكينِه في نفسِه؟
لو كانَ يَصِحُّ هذا في الدَّلالةِ على الحقيقةِ العِلمِيَّةِ، لكانَ الأصلُ قلبَ التشبيهِ في الآيةِ، فيُقالُ (من يصّعَّدُ في السَّماءِ يضيقُ صدرُه كما يضيقُ صدرُ الكافرِ بالإسلامِ)، أو تشبيهُ من يصّعَّد في السَّماءِ – في ضيق صدرِه وحرجِه الذي لم يعهدْه العربُ- بشيءٍ عهدوه وعرفوه، كمن يختنقُ، أو كمن يُغمَرُ رأسُه بالماءِ، فينقطعُ نَفَسُه، ذلك أنَّ حَرَجَ الصَّدرِ عند من يصّعَّدُ في السَّماءِ بسببِ قِلَّةِ الأكسجينِ غيرُ معروفٍ ولا معهودٍ للعَرَبِ الأقدمين، فكان لا بدَّ من تعريفِه، وبيانِ أنَّه مُشابِهٌ في حالِه لحالِ من يختنقُ، فإذا ماجاءَ العلمُ الحديثُ كَشَفَ عن صِحَّةِ هذه الدَّعوى، أو هذا الخَبَرِ الذي وَرَدَ في القرآنِ، أمّا أن يُشَبِّهَ الكافرَ في ضيقِ صدرِه بالإسلامِ بأمرٍ لم يعهَدْه العربُ فلا، وهو أمرٌ يحيلُه المنطقُ وواقعُ اللغةُ، وتأباه البلاغةُ، ويخرجُ الآيةَ عن سياقِها إلى معنىً غثٍّ ركيكٍ لا يُستَساغُ عند أهلِ الذَّوقِ.
يكفي أن نورِدَ هذا الاعتِراضَ لبيانِ زيفِ دعواهم، وبُعدِهم عن الصوابِ في تفسيرِ هذه الآية، التي يدعون أنها قاطعةٌ في الدلالةِ على الحقيقةِ العلميَّةِ!!!


الحواشي:

(1) مقالة في جريدة الأهرامِ للدُّكتور زغلول النجار، منشورة بتاريخ 21 رجب 1422 هـ، 8 أكتوبر 2001 للميلاد، السنة 126، العدد 41944، وانظر الموقع الرسمي للدكتور زغلول النجار على الإنترنت:
http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=92&p=2&cat=6

(2)علم البيان، الدكتور عبد العزيز عتيق ص 61-62.

(3) الكشّاف للزمخشري، ج 4، ص 44.

(4) فتح القدير للشوكاني، ج 4، ص 498.

(5) الكامل في اللغة والأدب للمبرد، ج 2 ص 104.

(6) الكامل في اللغة والأدب للمبرد، ج2 ص 107.
 
الأخ الفاضل بكر الجازي

سلام الله عليك

تهافات .. سقوط ..... عبارات أقول إنها طنانة كما يقولون.

ليتنا أخي الكريم نتخلى عن مثل هذه العبارات التي ليس لها أثر في تقرير المسائل العلمية وبخاصة إذا كانت فارغة من المضمون وأيضا موجهة إلى علماء لهم مكانتهم وجهودهم في خدمة الإسلام ولا أدعي لأحد العصمة فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
ما ذكرته بخصوص الآية فإن الله تبارك وتعالى أخبر أنه يجعل صدر الكافر الذي كتب الله عليه الضلالة " ضيقا حرجا" وهذه صورة معقولة يفهمها السامع ثم شبهها بصورة متخيلة ولكنها معقولة وهي قوله" كأنما يصعد في السماء" ، والتصعد أو الصعود إلى السماء هو الصعود إلى العلو ، والمخاطبون بهذا القرآن ابتداء هم أهل مكة
وإدراك هذا التشبيه أمر ممكن وميسور لهم بسبب طبيعة بلدهم الجبلية ، فإن الصاعد في الجبل كلما ارتفع كلما ضاق صدره وصعب تنفسه وزادت ضربات قلبه ، لكن هل كان أهل مكة يدركون سر هذا الضيق والحرج عند صعود الجبال وأن ذلك بسبب نقص الأكسجين ؟ بالتأكيد لا.
فلما ظهرت الكشوف العلمية وتبين أن حياة الإنسان تتوقف على وجود غاز الأكسجين في الهواء ,وأن الإنسان كلما ارتفع إلى طبقات الجو العليا كلما قل غاز الأكسجين ويصبح تنفس الإنسان بصعوبة حتى يصل إلى مرحلة ينعدم فيه الأكسجين ومن ثم يحصل الاختناق.
وبهذا تبين أن الآية تخفي في ثنايها دلالة على آية كونية لم تكن معروفة للإنسان وهي شاهد على صدق هذا القرآن وأنه من عند الله تعالى الذي اتقن كل شيء.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
الأخ الفاضل بكر الجازي

سلام الله عليك

تهافات .. سقوط ..... عبارات أقول إنها طنانة كما يقولون.

ليتنا أخي الكريم نتخلى عن مثل هذه العبارات التي ليس لها أثر في تقرير المسائل العلمية وبخاصة إذا كانت فارغة من المضمون وأيضا موجهة إلى علماء لهم مكانتهم وجهودهم في خدمة الإسلام ولا أدعي لأحد العصمة فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

شكر الله لك نصحك أخي الحجازي، ويعلم الله أني لم أرد بهذا الانتقاص من أحد، ولا الزراية به، وإنما أقرر حقيقة كل ما يسمى بالتفسير العلمي (التجريبي) بعد أن درستها دراسة أحسب أنها مستفيضة. ولا بأس في استخدام هذه الكلمة (تهافت) وأنا أزعم أنها أدق ما يوصف به التفسير العلمي والإعجاز العلمي (التجريبي)، فإنك لو تأملت ما يأتي به أرباب الإعجاز العلمي (التجريبي)، وعرضته على شيء من فقه اللغة وأصول الفقه، عرفت أنه ليس إلا تهافتاً.
ثم اعلم أن في المنكرين للإعجاز العلمي، والتفسير العلمي (التجريبي) علماء أجلاء حسبنا منهم الإمام الشاطبي رحمه الله.

ما ذكرته بخصوص الآية فإن الله تبارك وتعالى أخبر أنه يجعل صدر الكافر الذي كتب الله عليه الضلالة " ضيقا حرجا" وهذه صورة معقولة يفهمها السامع ثم شبهها بصورة متخيلة ولكنها معقولة وهي قوله" كأنما يصعد في السماء" ، والتصعد أو الصعود إلى السماء هو الصعود إلى العلو ، والمخاطبون بهذا القرآن ابتداء هم أهل مكة
وإدراك هذا التشبيه أمر ممكن وميسور لهم بسبب طبيعة بلدهم الجبلية ، فإن الصاعد في الجبل كلما ارتفع كلما ضاق صدره وصعب تنفسه وزادت ضربات قلبه ، لكن هل كان أهل مكة يدركون سر هذا الضيق والحرج عند صعود الجبال وأن ذلك بسبب نقص الأكسجين ؟ بالتأكيد لا.
فلما ظهرت الكشوف العلمية وتبين أن حياة الإنسان تتوقف على وجود غاز الأكسجين في الهواء ,وأن الإنسان كلما ارتفع إلى طبقات الجو العليا كلما قل غاز الأكسجين ويصبح تنفس الإنسان بصعوبة حتى يصل إلى مرحلة ينعدم فيه الأكسجين ومن ثم يحصل الاختناق.
وبهذا تبين أن الآية تخفي في ثنايها دلالة على آية كونية لم تكن معروفة للإنسان وهي شاهد على صدق هذا القرآن وأنه من عند الله تعالى الذي اتقن كل شيء.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.


ولو سلمنا لك هذا الوجه في تفسير الآية، فإنه حجة عليك، بيان ذلك أن أهل مكة - على الوجه الذي ذكرتَه- كانوا يعرفون أن الصاعد في الجبل كلما ارتفع ضاق صدره، وصعب تنفسه، وكان لهم عهد بهذا المعنى، وما أتت به الآية لا يزيد على هذا!
إذ ليس في الآية ذكر للأكسجين ولا للهواء، وليس فيها بيان أن السبب في ضيق الصدر هو نقصان الأكسجين، فكيف تزعم أن هذا هو المقصود بالآية؟ أو أن الآية دلت عليه أو أشارت إليه؟
 
ولو سلمنا لك هذا الوجه في تفسير الآية، فإنه حجة عليك، بيان ذلك أن أهل مكة - على الوجه الذي ذكرتَه- كانوا يعرفون أن الصاعد في الجبل كلما ارتفع ضاق صدره، وصعب تنفسه، وكان لهم عهد بهذا المعنى، وما أتت به الآية لا يزيد على هذا!
إذ ليس في الآية ذكر للأكسجين ولا للهواء، وليس فيها بيان أن السبب في ضيق الصدر هو نقصان الأكسجين، فكيف تزعم أن هذا هو المقصود بالآية؟ أو أن الآية دلت عليه أو أشارت إليه؟

الأخ الفاضل بكر

هذه خلاصة كلام المفسرين كما أوردها بن كثير رحمه الله تعالى:

"وقال مجاهد والسدي : ( ضيقا حرجا ) شاكا . وقال عطاء الخراساني : ( ضيقا حرجا ) ليس للخير فيه منفذ . وقال ابن المبارك ، عن ابن جريج ( ضيقا حرجا ) بلا إله إلا الله ، حتى لا تستطيع أن تدخله ، كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه .

وقال سعيد بن جبير : يجعل صدره ( ضيقا حرجا ) قال : لا يجد فيه مسلكا إلا صعدا .

وقال السدي : ( كأنما يصعد في السماء ) من ضيق صدره .

وقال عطاء الخراساني : ( كأنما يصعد في السماء ) يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد [ ص: 337 ] في السماء . وقال الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( كأنما يصعد في السماء ) يقول : فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه ، حتى يدخله الله في قلبه .

وقال الأوزاعي : ( كأنما يصعد في السماء ) كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا أن يكون مسلما .

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصول الإيمان إليه . يقول : فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه ، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه; لأنه ليس في وسعه وطاقته .
"

وأنت ترى أن جميع الأقوال لم تأت بما يشفي الغليل في بيان العلاقة بين المشبه والمشبه به ، والعلم الحديث كشف لنا ما يمكن أن نفهم من خلاله هذا التشبيه على وجهه الصحيح.

والذي يرفض هذا التفسير الذي تتوافق فيه سنن الله المحكمة في الكون وآيات كتابه الحكيم ، فليأت بقول في الآية يقبله العقل وتطمئن له النفس.

وفق الله الجميع لفهم كتابه.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

" ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين "
الأخ الكريم / بكر الجازى
الأخ الكريم / حجازى الهوى
السلام عليكما ورحمة الله وبركاته
وبعد
لا تعجبا ان قلت لكما : كلاكما على حق فيما ذهبتما اليه برغم ما يبدو بينكما من تناقض فى التوجه والرؤية !!
والسر فى هذا أن كليكما قد نظر الى المسألة من زاوية واحدة فحسب مع أن المسألة تتسع لوجهتى نظركما معا
ذلك أن البيان القرآنى المعجز - وقد يكون هذا سر اعجازه - لا يقتصر على معنى واحد قطعى الدلالة رافضا ما عداه من معانى تجود بها القرائح على مر العصور ، وانما هو يختزن من المعانى ما يناسب كل العصور وما يتفق مع تقدم المعارف والعلوم بحيث يفهم منه أهل كل عصر ما يتناسب مع مبلغهم من العلم ، وبذلك يدرك اللاحقون من معانيه ما لم يدركه السابقون جريا مع سنة التطور والتقدم العلمى
وعلى ذلك فلا تناقض فى أن نفهم الآية الكريمة المذكورة فهما عصريا طالما أنه لا يتعارض مع فهم الرعيل الأول من السلف الصالح تعارضا جذريا
فالبيان القرآنى المعجز له ايحاءاته التى لا ينضب معينها والتى يأخذ منها أهل كل عصر على قدر مبلغهم من العلم وحظهم من المعرفة
تلك هى خلاصة المسألة ، وكلاكما على حق وصواب اذا لم يزعم كل منكما أن الحق معه وحده
وفقكما الله الى ما يحبه ويرضاه
والله هو الهادى الى سواء السبيل
 
[align=right]شكرا لك أستاذنا الفاضل بكراً

واقبل منا أن نخالفك في ما ذهبت إليه:
[/align]
[align=center](1)[/align]

فإن سألناهم: ما وجهُ الشَّبَهِ؟
قالوأ: وجهُ الشَّبهِ أنَّ الأكسجينَ يقلُّ في طبقاتِ الجوِّ العليا، فيؤدّي هذا إلى ضيقِ الصَّدرِ وحَرَجِه!!!
فإن قلنا لهم: فهل فهمَ العربُ هذا المعنى آنذاك؟
قالوا: لا... لأنَّه لم يكن معهوداً لهم ولا معروفاً عندهم...
فلنا أن نقولَ عندها: فكيف إذن يخبرُهم القرآنُ بحالِ الكافرِ، وما يكونُ منه من ضيقِ صدرِه وحَرَجِه بالإسلامِ، ثم إذا أرادَ أن يُقَرِّرَ هذا المعنى في نفوسِهم، ويُقَرِّبَه إلى أذهانِهم، جاءَهم بتشبيهٍ لا عهدَ لهم به؟؟!!! ومنذ متى كانَ التشبيهُ في القرآنِ للإلغازِ والإبهامِ، أولتعميةِ المعنى على السامعِ، لا لتقريبِ المعنى وتقريرِه في نفسِه؟؟!!

يكفي أن نورِدَ هذا الاعتِراضَ لبيانِ زيفِ دعواهم، وبُعدِهم عن الصوابِ في تفسيرِ هذه الآية، التي يدعون أنها قاطعةٌ في الدلالةِ على الحقيقةِ العلميَّةِ!!!

[

[align=right]لا نقول إن ذلك هو وجه الشبه ، بل وجهه هو ضيق صدر من يرتفع عن الأرض شيئاً فشيئاً ، وقد أدرك المخاطبون حينَها ما كان في زمانهم من ذلك ، وكان يسيرا، ً ، وأدركنا نحن الآن منه ما كان أكثر ، ومع التفاوت فنحن وهم متفقون في إدراك مطلق حقيقة وجه الشبه ، التي تصدق بأقل ما تطلق عليه.

ويبدو أن هذا هو الاعتراض الواحد الذي دار عليه بحثكم القيم، وهو - كما ظهر - مبني على مقدمة غير منتِجة منطقياًّ، فإذا كان لديكم اعتراض غيره أقوى فأفيدونا به.

لا يخفى أن منطلقكم هو الاحتياط والحرص على أن لا يجد المشككون في القرآن مطعنا .

ولكن أظن أن المشكلة الأساسية لدى منكري الإعجاز العلمي هي تصورهم أنه يقتضي القول بأن القرآن جاء ليبلغ للناس حقائق علمية، بينما الواقع أنه كتاب هداية وليس معجماً في العلوم، وأرى أن المهتمين بالإعجاز العلمي - من أهل التحري والبحث - لا يقولون بذلك، وإنما يرون أن مكمن الإعجاز أن تكون الآية ظاهرة في معناها الأساسي الشرعي بكل بلاغة ووضوح، وهي مع ذلك تحمل إشارة لا تناقض ذلك المعنى سيكتشفها أقوام آخرون متأخرون فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم.

كما أنه كان كل نبي سابق يأتي لأمته بما يعجزهم في ما هم بارعون فيه

فكان القرآن الخاتم متحديا لكل من يأتي من بعدُ ، من العصر العلمي إلى العصر الرقمي إلى ما شاء الله

ونعم ما كتب أستاذنا الفاضل / العليمي المصري ، فقد حز في المفصل

والسلام عليكم ورحمة الله
[/align]
 
وأنت ترى أن جميع الأقوال لم تأت بما يشفي الغليل في بيان العلاقة بين المشبه والمشبه به ، والعلم الحديث كشف لنا ما يمكن أن نفهم من خلاله هذا التشبيه على وجهه الصحيح.

والذي يرفض هذا التفسير الذي تتوافق فيه سنن الله المحكمة في الكون وآيات كتابه الحكيم ، فليأت بقول في الآية يقبله العقل وتطمئن له النفس.

وفق الله الجميع لفهم كتابه.

الأخ الفاضل الحجازي:

محل النزاع هو في دلالة الآية على ما كشف عنه العلم الحديث، وليس في ثبوت الحقيقة العلمية في نفسها. أي أن العلم التجريبي إذا أثبت أن الأكسجين ينقص في طبقات الجو العليا، فليس لنا أن ننكر هذا، وليس هذا محل نزاع، محل النزاع إنما هو في دلالة الآية على هذه الحقيقة العلمية، وهذا ما أنكره.

إذا كنت تزعم أن العلم الحديث كشف عن معنى الآية بعد أن لم يكن معلوماً، ففي هذا خروج القرآن على أصول البلاغة وحسن الإفهام، من حيث إنه يكون بهذا قد أتى العرب الأولين بتشبيه لا يعرفونه، وهو خلاف قول تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر).

وقد بينت لك في أصول التشبيه أن وجه الشبه لا بد أن يكون معروفاً، ودعوى أرباب الإعجاز العلمي تنفي أن يكون معروفاً للعرب، ومعهوداَ لهم، فكيف يستقيم هذا؟

أما أن أقوال المفسرين لم تشف الغليل فهذه دعوى أخالفك فيها، وسأبين لك في الجزء الثاني من مبحثي إن شاء الله أقوال المفسرين أو بعضهم في أمهات الكتب مفصلة.
 
بارك الله فيك أخي المصري وشكر لك...

ذلك أن البيان القرآنى المعجز - وقد يكون هذا سر اعجازه - لا يقتصر على معنى واحد قطعى الدلالة رافضا ما عداه من معانى تجود بها القرائح على مر العصور ، وانما هو يختزن من المعانى ما يناسب كل العصور وما يتفق مع تقدم المعارف والعلوم بحيث يفهم منه أهل كل عصر ما يتناسب مع مبلغهم من العلم ، وبذلك يدرك اللاحقون من معانيه ما لم يدركه السابقون جريا مع سنة التطور والتقدم العلمى
وعلى ذلك فلا تناقض فى أن نفهم الآية الكريمة المذكورة فهما عصريا طالما أنه لا يتعارض مع فهم الرعيل الأول من السلف الصالح تعارضا جذريا
فالبيان القرآنى المعجز له ايحاءاته التى لا ينضب معينها والتى يأخذ منها أهل كل عصر على قدر مبلغهم من العلم وحظهم من المعرفة
تلك هى خلاصة المسألة ، وكلاكما على حق وصواب اذا لم يزعم كل منكما أن الحق معه وحده
وفقكما الله الى ما يحبه ويرضاه
والله هو الهادى الى سواء السبيل

من آيات القرآن ما هو قطعي الدلالة، ومنها ما هو ظني، أو من آيات القرآن ما هو من المحكم، ومنها ما هو من المتشابه، وفهمنا للقرآن للقرآن الكريم لا بد أن يكون بحسب معهود العرب الأولين أهل اللغة، فإنما نزل بلسانهم، سواء في ذلك محكمه ومتشابهه.

ولست أرفض تفاسير المحدثين إن كان لها شاهد من معهود العرب الأولين.

على كل حال لعلني أضيف الجزء الثاني من المبحث، فإن فيه مزيد تفصيل...

وبارك الله فيك أخي الكريم...
 
بارك الله فيك أخي:

[align=right]شكرا لك أستاذنا الفاضل بكراً

لا نقول إن ذلك هو وجه الشبه ، بل وجهه هو ضيق صدر من يرتفع عن الأرض شيئاً فشيئاً ، وقد أدرك المخاطبون حينَها ما كان في زمانهم من ذلك ، وكان يسيرا، ً ، وأدركنا نحن الآن منه ما كان أكثر ، ومع التفاوت فنحن وهم متفقون في إدراك مطلق حقيقة وجه الشبه ، التي تصدق بأقل ما تطلق عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله
[/align]

إذا كان مطلق الشبه مدركاً، فلم تزد الآية على هذا...

إذا كان العرب الأولون يدركون ضيق صدر من يرتفع عن الأرض، فهذا حسبنا، وليس في الآية ما يزيد على هذا. أما أن هذا الضيق يحص بسبب قلة الأكسجين أو غيره، فهذا أمر لم تعرض له الآية من قريب أو بعيد.

الله سبحانه وتعالى يبين أنه إذا أراد إضلال عبد جعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، فإذا كان يعرفون أن من يصعد في السماء يضيق صدره، فأين الإعجاز العلمي في ذلك؟
ما فعله العلماء التجريبيون هو تفسير ظاهرة ضيق الصدر التي كانت مدركة لهم، وأن هذا كان بسبب قلة الأكسجين، أما مطلق الظاهرة فكان مدركاً، هذا على تسليم هذا الوجه من التفسير.
مثال ذلك أنك إن قلت في وصف رجل سريع، هو كالسيارة، فليس يلزم أن تكون عالماً بالأسباب التي كانت بها السيارة سريعة (المحرك، والجير، ومحور الدفع الخلفي...إلخ)، بل يكفيك إحساسك بأن هذه الآلة سريعة، وأدراكك لذلك يكفيك في التشبيه، وإذا ذهبت تشرح آلية عمل السيارة، وكيف يكون انتقال الحركة فيها، فقد حملت الكلام ما لا يحتمل، وما لا طاقة له به.

وكذلك الأمر في التصعد في السماء، إذا كان الأولون يعرفون أن الصعود في السماء يضيق الصدر ويسبب الحرج فهذا كاف في التشبيه، وليس في الآية ما يزيد على هذا، أما السبب الكامن وراء ضيق الصدر كلما صعدت في السماء فليس في الآية إشارة إليه من قريب ولا بعيد حتى نزعم أن الآية دلت عليه، وهو تحميل لكتاب الله ما لا يحتمل، وهذه دقيقة شريفة في الاعتراض على أرباب الإعجاز العلمي.

[align=right]
وأرى أن المهتمين بالإعجاز العلمي - من أهل التحري والبحث - لا يقولون بذلك، وإنما يرون أن مكمن الإعجاز أن تكون الآية ظاهرة في معناها الأساسي الشرعي بكل بلاغة ووضوح، وهي مع ذلك تحمل إشارة لا تناقض ذلك المعنى سيكتشفها أقوام آخرون متأخرون فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم.
[/align]

أرى والله أعلم أن الحق خلاف هذا...
إذا كان ضيق الصدر عند الصعود في السماء معهوداً لدى العرب الأولين، فليس عند العلماء التجريبيين إلا تفسير هذه الظاهرة، وتفسير الظاهرة بأنه عائد إلى نقصان الأكسجين في طبقات الجو العليا، أمر لم تعرض له الآية، بل اكتفت بوصف الظاهرة على ما هي عليه دون تفاصيل.

وإذا لم يكن هذا المعنى معهوداً للعرب الأولين، وحملنا الآية عليه، لزم من هذا أن القرآن خاطبهم بما لا يعرفون، وفي هذا خروج على أصول البلاغة وحسن الإفهام كماس سبق بيانه في أصول التشبيه، تعالى الله عن ذلك.

وشكر الله لك أخي الكريم...
 
الأخ الكريم بكر،

1. واضح في الآية الكريمة أن التشبيه يقصد به بيان ضيق الصدر. وواضح أن الآية تُصرّح بأن من يصعد في السماء يضيق صدره.
2. إذا صح أن يشبه الناس على ضوء صورة وهمية قد لا تطابق الواقع فإن ذلك لا يصح في حق العليم الخبير. ومن هنا ننتقل من الوهم إلى الحقيقة.
3. الصعود في الجبل شيء والتصعّد في السماء شيء آخر، وكان الأولى عندها أن يقال كأنما يصعد في جبل.
4. لم يسبق للبشر أن صعدوا في السماء في حدود علمنا، ومن هنا لا مجال لمعرفة ذلك إلا عن طريق علوم كونية لم تكن متيسرة للبشر إلا حديثاً.
5. ليس كل تشبيه يفهمه كل واحد، ولو كان ذلك شرطاً لما صح أن نشبّه إلا بما كان متصوراً ومعلوماً لكل البشر دون استثناء. ومن هنا لا يصح أن تنقضي الدنيا قبل أن يفهم البشر حقيقة هذا التشبيه. فوجود من يفهم التشبيه ويتصوره يكفي للإجابة على اعتراضك. وإلا قل لي: هل كل البشر قديماً يعرفون الأسد وشجاعته أو الجمل وصبره.
 
إذا كان مطلق الشبه مدركاً، فلم تزد الآية على هذا...

سلَّمتَ معنا أخي العزيز بأن هذا وجهُ الشبه، مع أن المفسرين القدماء لم يذكروه، وإنما جعلوا وجه الشبه هو "امتناع الحصول" ، فيمتنع حصول الهداية كما يمتنع على الإنسان الصعود إلى السماء.

ومع ذلك فما قاله القدماء لا يخالف ما قاله أهل الإعجاز العلمي ، وكلاهما تتحمله اللغة، وتقبله العادة، وما كان كذلك فلا وجه لإنكاره.
 
الأخ الفاضل أبا عمرو:

الأخ الكريم بكر،

1. واضح في الآية الكريمة أن التشبيه يقصد به بيان ضيق الصدر. وواضح أن الآية تُصرّح بأن من يصعد في السماء يضيق صدره.

هذا من حيث المعنى المفرد لكل كلمة، وحمل الكلام على هذا الوجه من التفسير بعيد عن التحقيق، على سبيل المثال: هناك مثال في عاميتنا المحكية في الأردن وفلسطين تقوله لمن يتهددك "روح بلط البحر"، ومعناها الإفرادي أن تجمع من البلاط ما يكفي لتبليط البحار، فهل هذا هو المقصود من المثل؟ بالطبع لا...
وكذلك الأمر هنا، المعنى الإفرادي هو الصعود في السماء على الحقيقة، ولكننا نعلم أن العرب كانت تضربه مثالاً لك ما يشق على النفس ويصعب عليها، فجرى التمثيل به.

2. إذا صح أن يشبه الناس على ضوء صورة وهمية قد لا تطابق الواقع فإن ذلك لا يصح في حق العليم الخبير. ومن هنا ننتقل من الوهم إلى الحقيقة.

والله سبحانه وتعالى أنزل كتابه على معهود العرب الأولين في الكلام وتصرفهم فيه، فلا يجوز في حقه سبحانه أن يخاطبهم بما لا يعهدون في الوقت الذي قال فيه (ولقد يسرنا القرآن للذكر).

3. الصعود في الجبل شيء والتصعّد في السماء شيء آخر، وكان الأولى عندها أن يقال كأنما يصعد في جبل.

إنما قلتُ هذا من باب التسليم الجدلي، أي لو سلمنا أن العرب كانت تعرف أن الصاعد في السماء يضيق صدره، من حيث طبيعة مكة الجبلية، وأن الصاعد من مكة إلى الطائف مثلاً يجد حرج الصدر، لو أنا سلمنا أن هذا هو المقصود في الآية، فليس هناك أي إعجاز علمي، لأن القرآن يكون بهذا قد أشار إلى ظاهرة معروفة للعرب، معهودة لهم، وجرى في التشبيه على وفقها. أما أن السبب في هذا هو نقصان الأكسجين فليس في الآية أي دلالة عليه، وهذا هو محل النزاع.

4. لم يسبق للبشر أن صعدوا في السماء في حدود علمنا، ومن هنا لا مجال لمعرفة ذلك إلا عن طريق علوم كونية لم تكن متيسرة للبشر إلا حديثاً.

محل النزاع ليس في ثبوت هذه الحقيقة، بل هو في دلالة الآية عليها، وعليه فكون البشر صعدوا أم لم يصعدوا ليس مما يعنينا في شيء، ما يعنينا هو هل دلت الآية على شيء لم يكن معروفاً للعرب الأولين؟
لا أظن ذلك، وسأوافيك إن شاء الله بأقوال المفسرين فيها.

5. ليس كل تشبيه يفهمه كل واحد، ولو كان ذلك شرطاً لما صح أن نشبّه إلا بما كان متصوراً ومعلوماً لكل البشر دون استثناء. ومن هنا لا يصح أن تنقضي الدنيا قبل أن يفهم البشر حقيقة هذا التشبيه. فوجود من يفهم التشبيه ويتصوره يكفي للإجابة على اعتراضك. وإلا قل لي: هل كل البشر قديماً يعرفون الأسد وشجاعته أو الجمل وصبره.

ليس شرطاً أن يكون التشبيه مفهوماً لكل عربي في ذلك الوقت، بل يكفي أن يفهمه الأكثرون، أو الثلة المتذوقة.
إذا لم يكن التشبيه مفهوماً للعرب الأولين، فمعنى ذلك أن الله خاطب العرب بغير ما يفهمون، وهذا أمر ننزه عنه منصب الشارع سبحانه وتعالى.
 
سلَّمتَ معنا أخي العزيز بأن هذا وجهُ الشبه، مع أن المفسرين القدماء لم يذكروه، وإنما جعلوا وجه الشبه هو "امتناع الحصول" ، فيمتنع حصول الهداية كما يمتنع على الإنسان الصعود إلى السماء.

ومع ذلك فما قاله القدماء لا يخالف ما قاله أهل الإعجاز العلمي ، وكلاهما تتحمله اللغة، وتقبله العادة، وما كان كذلك فلا وجه لإنكاره.

إنما سلمت بهذا جدلاً، في حوار الأخ حجازي الهوى، وإلا فأنا أقول بما قال به المفسرون القدامى.

ومع هذا فإن ما كشف عنه العلم الحديث لا ينبغي أن يكون وجهاً في تفسير الآية لا راجحاً ولا مرجوحاً، وسأوافيك بتفصيل هذا في الجزء الثاني من المبحث فقد كنت عرضت لها.

وبارك الله فيك.
 
الأخ الفاضل الحجازي:

محل النزاع هو في دلالة الآية على ما كشف عنه العلم الحديث، وليس في ثبوت الحقيقة العلمية في نفسها. أي أن العلم التجريبي إذا أثبت أن الأكسجين ينقص في طبقات الجو العليا، فليس لنا أن ننكر هذا، وليس هذا محل نزاع، محل النزاع إنما هو في دلالة الآية على هذه الحقيقة العلمية، وهذا ما أنكره.

إذا كنت تزعم أن العلم الحديث كشف عن معنى الآية بعد أن لم يكن معلوماً، ففي هذا خروج القرآن على أصول البلاغة وحسن الإفهام، من حيث إنه يكون بهذا قد أتى العرب الأولين بتشبيه لا يعرفونه، وهو خلاف قول تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر).

وقد بينت لك في أصول التشبيه أن وجه الشبه لا بد أن يكون معروفاً، ودعوى أرباب الإعجاز العلمي تنفي أن يكون معروفاً للعرب، ومعهوداَ لهم، فكيف يستقيم هذا؟

أما أن أقوال المفسرين لم تشف الغليل فهذه دعوى أخالفك فيها، وسأبين لك في الجزء الثاني من مبحثي إن شاء الله أقوال المفسرين أو بعضهم في أمهات الكتب مفصلة.

يا أخانا الكريم

دلالة الآية على ما كشفه العلم الحديث واضحة جلية لكل من يريد أن يفهم.

وأما قولك :
"إذا كنت تزعم أن العلم الحديث كشف عن معنى الآية بعد أن لم يكن معلوماً، ففي هذا خروج القرآن على أصول البلاغة وحسن الإفهام، من حيث إنه يكون بهذا قد أتى العرب الأولين بتشبيه لا يعرفونه، وهو خلاف قول تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر)."
.

فهذا كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل:
فأما معنى الآية العام فهو مفهوم لك عربي ،والضيق والحرج في الصدر يعرفه من يصاب بسببه ، وأسبابه كثيرة منها ماهو معنوي ومنها ما هو حسي ، ولكن الذي لم يكن معلوما هو لماذا يضيق صدر المصعد في السماء ويصبح حرجا والدليل اختلاف أقوال المفسرين في معنى التصعد في السماء.

والتصعد في السماء صورة ذهنية متخلية ومعقولة للسامعين ولكنها غير ممكنة لهم في ذلك الوقت وهذا لا يخرج القرآن عن أصول البلاغة وحسن الإفاهم وليس بمخالف لقول الله تعالى :" ولقد يسرنا القرآن للذكر".

أما أقوال المفسرين فالكل يعرفها وسبق أن نقلت لك خلاصة أقوالهم من تفسير بن كثير رحمه الله تعالى وليس فيها ما تستريح له النفس في معنى التصعد في السماء.

وفق الله الجميع لما يرضيه
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
أخي الكريم:

يا أخانا الكريم

دلالة الآية على ما كشفه العلم الحديث واضحة جلية لكل من يريد أن يفهم.

وفي هذا النزاع...
فنحن نقول إنها لا تدل على ما كشف عنه العلم الحديث...



فأما معنى الآية العام فهو مفهوم لك عربي ،والضيق والحرج في الصدر يعرفه من يصاب بسببه ، وأسبابه كثيرة منها ماهو معنوي ومنها ما هو حسي ، ولكن الذي لم يكن معلوما هو لماذا يضيق صدر المصعد في السماء ويصبح حرجا والدليل اختلاف أقوال المفسرين في معنى التصعد في السماء.

قلت لك في مشاركة سابقة: إذا كان حرج الصدر بسبب صعود الجبال (السماء) مدركاً للعرب، فليس في الآية ما يزيد على هذا، والزعم بأنها دلت على أن هذا بسبب نقص الأكسجين من تحميل الآية ما لا تحتمل. أنت تقول: إن الذي لم يكن معلوماً هو لماذا يضيق صدر المصعد في السماء ويصبح حرجا؟

فإذا كان العلم الحديث كشف عن أن هذا بسبب نقصان الأكسجين فليس في الآية دلالة على ذلك، بل الآية دلت فقط على حرج الصدر عند صعود الجبال (السماء)، ولم تعرض لسبب هذا، وإذا كان حرج الصدر معروفاً عند العرب الأولين عند صعود الجبال فليس هناك أي إعجاز علمي.
وهذا بالطبع بناء على تسليم هذا الوجه في تفسير الآية، وأن المقصود بها هو حرج الصدر عند صعود الجبال. مع أن أقول المفسرين غير هذا...

والتصعد في السماء صورة ذهنية متخلية ومعقولة للسامعين ولكنها غير ممكنة لهم في ذلك الوقت وهذا لا يخرج القرآن عن أصول البلاغة وحسن الإفاهم وليس بمخالف لقول الله تعالى :" ولقد يسرنا القرآن للذكر".

لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم (لو صعد أحدكم في السماء انقطع نفسه) على هذا الوجه من التصريح لقبلنا ذلك منك، أو من أرباب الإعجاز العلمي، ويكون هذا منزلاً منزلة الأخبار الصادقة التي أخبر بها الحبيب المصطفى، وانكشفت لنا من بعده، كما أخبر بفتح القسطنطينية صلى الله عليه وسلم.

أما أن يكون هذا في سياق التشبيه، وفي معرض تقرير القدر فيمن كتب الله عليه الهداية وفيمن كتب عليه الضلال، فلا...
ومثل هذا كمثل من يقرأ:
أدميت باللحظات وجنته ... فاقتص ناظره من القلب
ثم بعد أن يستوفي الكلام على هذا المعنى الغزلي الرائع، يذهب بنا إلى ما يمكن أن يكشف عنه العلماء في هذا الباب من أن حمرة الخجل تكون بسبب كثرة ضخ الدم إلى الوجنتين، وأن الخلايا الفلانية تتحسس الخجل الحاصل عند المرء، فترسل إشارة إلى مركز ما في الدماغ، فيرسل الدماغ إشارة إلى القلب بزيادة ضخ الدم إلى الوجنتين، ثم يستطرد في تفصيل هذا!!!
أفليس هذا خروجاً عن الموضوع بالكلية!!!

أما أقوال المفسرين فالكل يعرفها وسبق أن نقلت لك خلاصة أقوالهم من تفسير بن كثير رحمه الله تعالى وليس فيها ما تستريح له النفس في معنى التصعد في السماء

أمهلني آتك بأقوالهم، أو بأقول ثلاثة منهم كنت قد دونتها عندي وعلقت عليها...

وفيها ما تستريح له النفس...

وإن كنت ألتمس العذر لكل من لا تستريح نفسه بأقوال المفسرين الأولين، ذلك أن دعوى الإعجاز العلمي باتت أشهر من أن تعرف، والمواضيع التي يطرحونها في كل محفل، وما يرافقها من تغطية إعلامية، تجعل ذهنك ينصرف عند قراءة القرآن إلى كل ما يدعونه في تفسير الآيات من دلالة على كشوف تجريبية...

والحق يا أخي تجده في بطون الكتب من أمهات كتب التفسير، فإن أضفت إليه شيئاً من فقه اللغة انكشفت لك الإشكالات وتبين لك فساد دعوى الإعجاز العلمي، وتهافتها وأنها ليست بشيء...
 
[align=center](2)[/align]

نعودُ إلى تفسيرِ هذه الآيةِ عند المفسرين الأوَّلين...

يقولُ الإمامُ القُرطبيُّ في تفسيرِها:
قولُه تعالى: ﴿كأنما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ﴾: قَرَأه ابنُ كثيرٍ بإسكانِ الصادِ مخفَّفاً من الصُّعودِ، وهو الطُّلوعُ. شبَّهَ اللهُ الكافرَ في نفورِه من الإيمانِ وثقلِه عليه بمنزلةِ من تَكَلَّفَ ما لا يُطيقُه، كما أنَّ صعودَ السَّماءِ لا يُطاقُ. (1)

وقال الإمامُ الزمخشريُّ:
﴿كأنما يصعد في السماء﴾: ‏كأنما يُزاوِلُ أمراً غيرَ ممكنٍ‏.‏ لأنَّ صعودَ السَّماءِ مَثَلٌ فيما يمتَنِعُ ويبعُدُ من الاستطاعةِ، وتضيقُ عنه المقدرة ‏.(2)

وقال الإمامُ الشوكانيُّ في تفسيرِها:
قولُه ﴿كأنما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ﴾: قرأ ابن كثيرٍ بالتخفيفِ من الصعودِ، شبَّهَ الكافرَ في ثقلِ الإيمانِ عليه بمن يتكلَّفُ ما لا يطيقه كصعود السماءِ. وقرأ النخعيُّ "يصّاعدُ" وأصلُه "يتصاعدُ". وقرأ الباقون "يَصَّعَّدُ" بالتشديدِ، وأصلُه "يَتَصَعَّدُ"، ومعناه: يتكلَّفُ ما لا يُطيقُ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، كما يتكلَّفُ من يريدُ الصعودَ إلى السماءِ. وقيلَ: المعنى على جميعِ القراءاتِ: كادَ قلبُه يصعدُ إلى السماءِ نبوّاً على الإسلامِ (3) ...

وقال الإمامُ الرّازيُّ:
أمّا قولُه تعالى: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَاءِ﴾ ففيه بحثان:
البحثُ الأوَّلُ: قرأ ابنُ كثيرٍ ﴿يَصْعَدُ﴾ ساكنةَ الصادِ، وقرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ ﴿يصّاعَدُ﴾ بالألفِ وتشديدِ الصادِ، بمعنى يتصاعدُ، والباقون ﴿يَصَّعَّدُ﴾ بتشديدِ الصادِ والعينِ بغيرِ ألفٍ، أمّا قراءةُ ابنِ كثيرٍ ﴿يَصْعَدُ﴾ فهي من الصُّعودِ، والمعنى: أنَّه في نفورِه عن الإسلامِ وثقلِه عليه بمنزلةِ من تكلَّفَ الصعودَ إلى السماءِ، فكما أنَّ ذلك التكليفَ ثقيلٌ على القلبِ، فكذلك الإيمانُ ثقيلٌ على قلبِ الكافرِ، وأمّا قراءةُ أبي بكرٍ ﴿يصّاعد﴾ فهو مثلُ يتصاعدُ. وأمّا قراءةُ الباقين ﴿يَصْعَدُ﴾ فهي بمعنى يَتَصَعَّدُ، فأدغمت التاءُ في الصادِ، ومعنى "يَتَصَعَّدُ": يتكلَّفُ ما يثقلُ عليه.

البحث الثاني: في كيفيَّةِ هذا التشبيهِ وجهان:
الأول: كما أنَّ الإنسانَ إذا كُلِّفَ الصعودَ إلى السماءِ ثَقُلَ ذلك التكليفُ عليه، وعظُمَ وصعُبَ عليه، وقويت نفرتُه عنه، فكذلك الكافرُ يثقلُ عليه الإيمانُ، وتعظم نفرتُه عنه.
والثاني: أن يكونَ التقديرُ أنَّ قلبَه ينبو عن الإسلامِ ويتباعدُ عن قبولِ الإيمانِ، فشبَّه ذلك البعدَ ببعدِ من يصعدُ من الأرضِ إلى السماءِ ....
انتهى (4).

ومن هذا البابِ أن تقولَ: هذا أمرٌ أهونُ منه نقلُ الجبالِ وتحريكُها، في الدلالةِ على صعوبتِه واستحالتِه، وأنَّه تكليفٌ بما لا يُطاقُ، كما قالَ الشاعرُ:
نقلُ الجبالِ الرَّواسي عن أماكِنِها ... أخفُّ من نقلِ قلبٍ حين ينصرفُ
وأشارَ إمامُ البلاغةِ وعَلَمُها القاضي عبدُ القاهرِ الجرجانيُّ في كتابِه "دلائلُ الإعجازِ" إلى هذه المعاني وأنها من بابِ التكليفِ بما لا يطاقُ، فقالَ في موضعٍ من كتابِه:
(كقولهم أتصعدُ إلى السّماءِ؟ أتستطيعُ أن تنقلَ الجبالَ؟ أإلى ردِّ ما مضى سبيل؟) (5) في الدلالةِ على استحالةِ الأمرِ وصعوبتِه وأنَّه ليس في وُسعِ بشرٍ ولا مقدورِه...

ونظيرُ هذا في لهجتِنا المحكيَّةِ أن تقولَ للرجلِ يطلبُ أمراً صعباً ليس في الوسعِ تحقيقُه، أو يتعنَّتُ في رأيِه فلا يرجعُ عنه "روح بلِّطِ البحر"، لِما في تبليطِ البحرِ من تكليفٍ بما لا يُطاقُ، أو لأنَّ الأمرَ الذي تطلبُه أهونُ منه تبليطُ البحرِ. فهل لنا أن نذهبَ فنجريَ دراسةً علميَّةً لأرضيَّةِ البحرِ، وإثباتِ أنها لا تصلحُ للبلاطِ، أو أنَّ تبليطَها أو تجهيزَها لتكونَ صالحةً لِلتبليطِ أمرٌ شاقٌّ مُكْلِفٌ من ناحيةٍ علميَّةٍ، أو أنَّ تبليطَ البحارِ يحتاجُ إلى كَمٍّ هائلٍ من البلاطِ ليس في حدودِ القُوى البشريَّةِ؟!

ومن ذلك أيضاً ما نقولُه – في لهجتِنا المحكيَّةِ- "هذا يريدُ إقامةَ الدِّين في مالطا"، أو "بدّو يقيم الدين في مالطا"، للرَّجلِ يتكلَّفُ ما لا يُطيقُ، أو يدَّعي القدرةَ على المستحيلِ، وكأنَّ إقامةَ الدينِ في مالطا شيءٌ عسيرُ المنالِ، أو كالمستحيلِ، ودعواك أنَّك تريدُ أن تفعلَ كذا وكذا أمرٌ أهونُ منه إقامةُ الدينِ في مالطا، والتي هي مطلبٌ عسيرٌ لا يمكن حصولُه. فترانا نضربُ الأمثالَ في الدلالةِ على صعوبةِ الأمرِ بإقامةِ الدينِ في مالطا، مع أنَّ إقامةَ الدينِ في أمريكا أو أوروبّا الآنَ أصعبُ منها في مالطا. ولكنَّه لمّا كان هذا مثلاً معهوداً عندنا في الدلالةِ على طلبِ المستحيلِ، والتكليفِ بما لا يطاقُ، جازَ لنا أن نضربَه مَثَلاً، ولا تجدُ الواحدُ منا يبحثُ في أصلِ هذه المقولةِ، ولا في الواقعِ الفِعليِّ لاستحالةِ إقامةِ الدينِ في مالطا.

فأين هذا من تفسيرِ أربابِ الإعجازِ العلميِّ الذي يَتَضَمَّنُ خروجاً على قواعدِ البلاغةِ والذَّوقِ، وحسنِ الإفهامِ، ومخاطبةَ العربِ بغيرِ ما يعهدون؟!

ومن هذا البابِ - أيضاً- قولُه تعالى ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ (يونس:42)، وقولُه ﴿إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ (الروم:52)، وقوله ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ (الزخرف:40) في الدلالةِ على أنَّ مَثَلَ هؤلاء الكُفّارِ في عدمِ الانتفاعِ بما يُتلى عليهم، وعدمِ تدبُّرِهم كلامَ اللهِ، ونَظَرِهم في صدقِ دعوةِ رسولِ اللهِ r مَثَلُ الصُّمِّ الذين لا يسمعون ما يقالُ لهم، وفي عدمِ بصيرتهم بالحقِّ كالعُمي الذي لا يرون ما شأنُه أن يُرى. أي أنَّ اللهَ أصمَّهم عن الحقِّ، وأعماهم عنه، فكيف يسمعون أو يبصرون؟ والمقصودُ هنا أنَّك يا محمّدُ – في سعيِك لهدايةِ من كَتَبَ اللهُ عليه الضَّلالَ- بمنزلةِ من يدَّعي أمراً مستحيلاً في العادةِ، وهو القدرةُ على إسماعِ الصُّمِّ، أو هديِ العُمْيِ. ولم أسمع أحداً من أربابِ الإعجازِ العلميِّ يذهبُ إلى دراسةِ حاسَّةِ السمعِ أو حاسَّة البصرِ، والدلائلِ العلميةِ لهذه الآياتِ، والسببِ الذي بعدمِه تنعدمُ حاسَّةُ السمعِ أو البصرِ، فلا يمكنُ في العادةِ إعادتُها إلى الأصمِّ أو الأعمى، وأنَّ العلمَ الحديثَ يقولُ – مثلاً- بأنَّ هناك أجهزةً معيَّنَةً في السمعِ أو البصرِ، إذا تلفت استحال أن يستعيدَ الأصمُّ سمعَه، أو الأعمى بصرَه، أو أنَّ الإنسانَ إذا ابتعد عن فكرةٍ ما، وانصرفَ ذهنُه عنها، يحدثُ في أجهزةِ السمعِ والبصرِ عنده شيءٌ ما يحولُ علميّاً بينه وبين سماعِ هذه الفكرةِ وما هو منها بسبيلٍ. إذا كان هذا في السمعِ والبصرِ بمنزلةِ التكليفِ بما لا يُطاقُ، أو ادعِّاءِ ما لا يكون من بَشَرٍ، فليكن صعودُ السماءِ – في استحالتِه وفي أنَّه تكليفٌ بما لا يُطاقُ كمن يريدُ إسماعَ الصمِّ أو هديَ العميِ، ومن العبثِ وسوءِ الفهمِ أن نذهبَ في تأويلِ الآيةِ أو تفسيرِها بمقتضى العلمِ الحديثِ.

فلا يجوزُ – إذن- أن يقالَ: إنَّ العربَ لم يفهموها، ولم يدركوا المرادَ بها حتى جاء العلمُ الحديثُ فكشف الغطاءَ عن المرادِ بهذه الآيةِ، لا يقالُ هذا لأنَّ الواقعَ والمعروفَ - في أمُّهاتِ كتبِ التفسيرِ القديمةِ- أنَّ العربَ والمفسرين الأوَّلين قد فهِموها وفسَّروها على معهودِهم، ولم تكن عندهم غيرَ ذاتِ معنىً، وما فهموه من الآياتِ على معهودِهم وتصرُّفِهم في الكلامِ حجَّةٌ علينا، ولنا فيه كفايةٌ، فلا نزيدُ فيه بلا دليلٍ أو أثارةٍ من علمٍ، فكيف ونحن ندّعي أنهم لم يفهموها حتى كشفَ العلمُ الحديثُ عن معناها؟ وكيف وقد بيَّنَّا بما لا يدعُ موقعاً للشكِّ أنَّ هذه التأويلَ العلميَّ فيه ما فيه من إخلالٍ بأصولِ البلاغةِ وفنِّ التشبيهِ، وأنَّ المقصودَ من التشبيهِ في القرآنِ كما هو في لغةِ العربِ أنَّه لتقريبِ المعاني للأذهان، وإفهامِهم إياها، وليس للإلغازِ أو لتعميةِ المعاني وكتمانِها، وتركِها للأجيالِ القادمةِ! وهذا خلافُ النُّصوصِ التي تدُلُّ قطعاً على أنَّ القرآنَ نزلَ بلسانِ العربِ، وأنَّه مُيسَّرٌ للذِّكرِ، وأنَّه أُنزِلَ بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ، فكيف يكون مُبيناً وفيه معانٍ لم تعهدها العرب إلى أن جاء العلمُ الحديثُ فكشفَ النِّقابَ عنها؟؟!! وإذا كان أبو العباس المبرّدُ يعدُّ التشبيهَ البعيدَ الذي لا يقومُ بنفسِه، والذي يحتاجُ إلى تفسيرٍ من أخشنِ الكلامِ، فكيف بمن يدَّعي أنَّ العربَ الأوّلين، ومن جاء بعدهم، ولقرونٍ متطاولةٍ لم يفهموا المرادَ بالآيةِ؟! إنَّ تفسيرَ الآيةِ بما كشف عنه العلمُ الحديثُ يكون من أخشنِ الكلامِ إذن، وهو أبعدُ ما يكونُ عن البلاغةِ وحسنِ الإفهامِ.

يقولُ الإمامُ عبد القاهر الجُرجانيُّ في هذا المعنى: (وكذلك كانَ من حقِّ الطائفةِ الأخرى (6) أن تعلمَ أنَّه عزَّ وجلَّ لم يرضَ لنظمِ كتابِه الذي سمّاه هدىً وشفاءً، ونوراً وضياءً، وحياةً تحيا بها القلوبُ، وروحاً تنشرحُ عنه الصّدورُ، ما هو عندَ القومِ الذين خوطبوا به خلافُ البيانِ، وفي حدِّ الإغلاقِ والبُعدِ من التِّبيانِ، وأنَّه تعالى لم يكن ليُعْجِزَ بكتابِه من طريقِ الإلباسِ والتَّعميةِ، كما يتعاطاه المُلغِزُ من الشُّعراءِ والمُحاجي من النّاسِ، كيفَ وقد وصفَه بأنَّه عربيٌّ مبينٌ) (7) .

وما من شكٍّ أن تأويلَ الآيةِ على ما يدّعيه أربابُ الإعجازِ العلميِّ تأويلٌ على خلافِ البيان، وفي حدِّ الإغلاقِ والبُعدِ من التِّبيانِ، وأنَّه أولى بأن يكونَ إلباساً وتعميةً وإلغازاً، فكيف وهو عربيٌّ مُبينٌ؟



الحواشي:
ـــــــــــــــ

(1) الجامع لأحكام القرآن، تفسير القرطبي، ج 7 ص 54.

(2) الكشاف للزمخشري، ج 2 ص 61.

(3) فتح القدير للشوكاني، ج 2 ص 201.

(4) التفسير الكبير "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي، ج 13 ص 183.

(5) دلائل الإعجاز، ص 120.

(6) المقصود بالطائفة الأخرى الطائفة المُفرطةُ في التّأويلِ، ذلك أن الإمامَ الجرجانيَّ يتحدثُ عن طائفتين، طائفةٍ مُفَرِّطَةٍ تحملُ كلَّ الألفاظَ على ظواهرها دون تأويلٍ والمقامُ مقامُ تأويلٍ، وطائفةٍ مُفْرِطَةٍ تتعاطى غرائب التأويل، وتستكره الألفاظ على ما لا تحتمل من المعاني، والمقامُ مقام الأخذ بالظاهر. وحديثنا هنا عن الطائفة الثانية التي تبحث في غرائب التأويل مع أن الفائدة بادية ظاهرة، إما حباً للتشوُّف، أو قصداً للتمويهِ والزيغ.

(7) أسرار البلاغة، ص 394.
 
لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم (لو صعد أحدكم في السماء انقطع نفسه) على هذا الوجه من التصريح لقبلنا ذلك منك، أو من أرباب الإعجاز العلمي، ويكون هذا منزلاً منزلة الأخبار الصادقة التي أخبر بها الحبيب المصطفى، وانكشفت لنا من بعده، كما أخبر بفتح القسطنطينية صلى الله عليه وسلم.

الله تعالى أخبرنا أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويكون حرجا ، ومن خوطب بهذا القرآن بل البشرية كلها لم تكن تعرف التصعد في السماء كيف يكون لأكثر من ألف سنة ونيف ، حتى عرف الطيران وتبين أن الإنسان بحاجة إلى أجهزة تساعده على التنفس كلما صعد إلى طبقات الجو العليا.

وبهذا ظهر شاهد على صدق هذا القرآن أنه من عند الله تعالى ، وإلا فمن أين للرسول صلى الله عليه وسلم لو كان هذا القرآن من كلامه في ذلك الزمن أن يعرف أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويصبح حرجا؟

فلا داعي أخي الكريم للمكابرة وإنكار الحقائق ، وأنت لو تأملت قوله تعالى " ضيقا حرجا" وعرفت حال من يفقد القدرة على التنفس لفقد الأكسجين لعرفت ما في الآية من إعجاز.
 
الله تعالى أخبرنا أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويكون حرجا ، ومن خوطب بهذا القرآن بل البشرية كلها لم تكن تعرف التصعد في السماء كيف يكون لأكثر من ألف سنة ونيف ، حتى عرف الطيران وتبين أن الإنسان بحاجة إلى أجهزة تساعده على التنفس كلما صعد إلى طبقات الجو العليا.

عجباً لك أخي...
في أول مشاركاتك هنا قلتَ إن العرب كانت تعرف هذا، والآن تقول إنها لم تكن تعرفه لأكثر من ألف سنة ونيف!!
فكيف يستقيم هذا؟!

ألست أنت القائل:
ما ذكرته بخصوص الآية فإن الله تبارك وتعالى أخبر أنه يجعل صدر الكافر الذي كتب الله عليه الضلالة " ضيقا حرجا" وهذه صورة معقولة يفهمها السامع ثم شبهها بصورة متخيلة ولكنها معقولة وهي قوله" كأنما يصعد في السماء" ، والتصعد أو الصعود إلى السماء هو الصعود إلى العلو ، والمخاطبون بهذا القرآن ابتداء هم أهل مكة
وإدراك هذا التشبيه أمر ممكن وميسور لهم بسبب طبيعة بلدهم الجبلية ، فإن الصاعد في الجبل كلما ارتفع كلما ضاق صدره وصعب تنفسه وزادت ضربات قلبه ، لكن هل كان أهل مكة يدركون سر هذا الضيق والحرج عند صعود الجبال وأن ذلك بسبب نقص الأكسجين ؟ بالتأكيد لا.
فلما ظهرت الكشوف العلمية وتبين أن حياة الإنسان تتوقف على وجود غاز الأكسجين في الهواء ,وأن الإنسان كلما ارتفع إلى طبقات الجو العليا كلما قل غاز الأكسجين ويصبح تنفس الإنسان بصعوبة حتى يصل إلى مرحلة ينعدم فيه الأكسجين ومن ثم يحصل الاختناق.
.

وقلت لك عندها إنني لو سلمت لك هذا الوجه من التشبيه فليس فيه أي دلالة على ما يدعى من إعجاز علمي، ذلك أن ضيق الصدر بسبب صعود الجبال شيء، وكون هذا بسبب نقصان الأكسجين شيء آخر، والقرآن ذكر ضيق الصدر عند صعود( الجبال) على رأيك ولم يذكر لنا أن هذا بسبب نقصان الأكسجين...


وبهذا ظهر شاهد على صدق هذا القرآن أنه من عند الله تعالى ، وإلا فمن أين للرسول صلى الله عليه وسلم لو كان هذا القرآن من كلامه في ذلك الزمن أن يعرف أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويصبح حرجا؟

هذا لو سلمنا لك أن هذا هو معنى الآية، أما وهذا محل نزاع، فهذه مصادرة على المطلوب...

فلا داعي أخي الكريم للمكابرة وإنكار الحقائق ، وأنت لو تأملت قوله تعالى " ضيقا حرجا" وعرفت حال من يفقد القدرة على التنفس لفقد الأكسجين لعرفت ما في الآية من إعجاز.

ليست هذه مكابرة، ونعوذ بالله من ذلك...

وقد جيتك بأقوال المفسرين فتأملها، وانظر فيها...
 
عجباً لك أخي...
في أول مشاركاتك هنا قلتَ إن العرب كانت تعرف هذا، والآن تقول إنها لم تكن تعرفه لأكثر من ألف سنة ونيف!!
فكيف يستقيم هذا؟!

العرب لم تكن تدرك التصعد في السماء على الصورة التي نعرفها اليوم ، ,وإنما أنا ذكرت لك صورة من صور هذا التصعد في السماء الذي كان بإمكان العرب إدركه ومع هذا فأنت رفضت حمل معنى الآية عليه ، ولم تأتنا بالمعنى الصحيح حتى الآن ونحن في الانتظار.



وقد جيتك بأقوال المفسرين فتأملها، وانظر فيها...

أين أقوال المفسرين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
 
معذرة يا بكر

رأيت ما أوردته من أقوال المفسرين وكما سبق وذكرت لك ليس فيها ما يشفي الغليل في معنى التصعد في السماء :

القرطبي : "كما أنَّ صعودَ السَّماءِ لا يُطاقُ."
الزمخشري:
"لأنَّ صعودَ السَّماءِ مَثَلٌ فيما يمتَنِعُ ويبعُدُ من الاستطاعةِ، وتضيقُ عنه المقدرة "
الشوكاني:

"شبَّهَ الكافرَ في ثقلِ الإيمانِ عليه بمن يتكلَّفُ ما لا يطيقه كصعود السماءِ"
الرازي:
"أنَّه في نفورِه عن الإسلامِ وثقلِه عليه بمنزلةِ من تكلَّفَ الصعودَ إلى السماءِ"


وأنا أسأللك هل كانت العرب تعرف من يحاول صعود السماء ويتكلفه ومن ثم يصبح صدره ضيقا حرجا؟

وأما قول القرطبي الشوكاني الزمخشري : فكيف نوجهه إذا علمنا أن صعود السماء أصبح من الأمور السهلة واليسيرة؟

وأما بقية الكلام الذي سطرته وميزته بخط أسفله فهو كلام إنشائي ، لأن قلنا وكررنا أن ألاية مفهومة المعنى وفيه إشارة إلى سنة كونية كانت خافية على البشرية حتى ظهرت في أعقاب الزمن .
 
الأخ الكريم بكر،

1. العرب فهموا أن الله يخبرهم أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره. وعليه لا نقول إن العرب لم تفهم النص.
2. عندما يمثل الله تعالى لا بد أن يكون المثال مطابقاً للواقع. فعندما وجدنا أن من يصعد في السماء يضيق صدره تنبهنا إلى صدقية المثال، وبعد أن كان إيماناً وتسليما أصبح معلومة محسوسة. ولا يهمني هنا السبب في ضيق الصدر. وبالمناسبة فإن سبب ضيق الصدر ليس فقط لقلة الأوكسجين بل أيضاً لقلة الضغط المسبب لارتفاع الحجاب الحاجز وضغطه على الأحشاء في الصدر.
3. نزل القرآن بلسان عربي مبين ولم ينزل للعرب، بل للبشرية إلى يوم القيامة. وكم من عربي عاش ومات وهو يجهل معاني القرآن الكريم. وكم من أعجمي سبق في الفهم.
4. ما نقلته من أقوال المفسرين لا علاقة له بالعربية وإنما هم قاموا بتأويل النص لعدم إمكانية أن يدركوا المرمى الحقيقي للمثال. وجهل البعض لبعض دلالات النص لا يجعل منه خطاباً بما لا يعقل، لأننا والملايين غيرنا نعقله اليوم من غير تأويل. نعم، نحن أخذنا بظاهر النص وهم أولوه. أما ظاهره فيقول: من يصعد في السماء يضيق صدره. وهم أضافوا إلى النص ما ليس من دلالة ألفاظه.
 
معذرة يا بكر

رأيت ما أوردته من أقوال المفسرين وكما سبق وذكرت لك ليس فيها ما يشفي الغليل في معنى التصعد في السماء :

أما أنها لا تشفي الغليل، فذلك لأن بدعة الإعجاز العلمي قد انتشرت، وكثر المروجون لها، بحيث صرنا نستبعد أقوال العلماء المحققين في أمهات كتب التفسير، ونتعاهد كل جديد عند أرباب الإعجاز العلمي. المسألة بحاجة إلى شيء من تعاهد أمهات الكتب، والإقبال عليها بالدراسة، حتى نرتوي منها ونشفي الغليل.

معذرة يا بكر

رأيت ما أوردته من أقوال المفسرين وكما سبق وذكرت لك ليس فيها ما يشفي الغليل في معنى التصعد في السماء :

وأنا أسأللك هل كانت العرب تعرف من يحاول صعود السماء ويتكلفه ومن ثم يصبح صدره ضيقا حرجا؟



الأمر ليس حسياً، بل هو معنوي، وهو بمعنى التكليف بما لا يطاق، كما أننا في عاميتنا المحكية في بلاد الشام نقول مثلا للرجل "روح بلط البحر"، أو "أعلى ما في خيلك اركبه" في الدلالة على عدم الاكتراث به، وليس معنى هذا أن تذهب لجمع البلاط من أجل تبليط البحر، ولا معنى هذا أن تنظر أي خيولك أعلى فتركبه.

وأما قول القرطبي الشوكاني الزمخشري : فكيف نوجهه إذا علمنا أن صعود السماء أصبح من الأمور السهلة واليسيرة؟

إذا عرفنا أن عماد الأمر التمثيل للتكليف بما لا يطاق، وأن مثل الكافر في نبو قلبه عن الإسلام كمثل من يطلب إليه الصعود في السماء، وأن هذا الأمر كان من التكليف بما لا يطاق عند العرب الأولين، فليس يضيرنا أن يكون الصعود إلى السماء سهلاُ ويسيراً في زماننا هذا. فالعبرة بالأمثال وباللغات بمعهود أصحابها، والأصل أن تفهم القرآن على معهود العرب الأولين، لا على معهودك الآن.

وأما بقية الكلام الذي سطرته وميزته بخط أسفله فهو كلام إنشائي ، لأن قلنا وكررنا أن ألاية مفهومة المعنى وفيه إشارة إلى سنة كونية كانت خافية على البشرية حتى ظهرت في أعقاب الزمن .

إما أن يكون وجه التشبيه معلوماً أم مجهولاً...

فإن كان معلوماً فهو بمعنى التكليف بما لا يطاق كما فهمه العرب الأولون، وإن كان وجه الشبه مجهولاً لهم، ولم يتبين إلا في زماننا هذا، فمعناه أن الله سبحانه وتعالى خاطب العرب بما لا يعهدون، وجاءهم بما لا عهد لهم به. وهذا ما ننزه منصب الشارع سبحانه وتعالى عنه، إذ مثل القرآن في هذا كما لو قلت لصاحبك فلان كالأغشية اللمفاوية، في الدلالة على ميوعته، وهو لا يعرف الأغشية اللمفاوية، ولا تركيب الجسم، ولا شيء من هذا...

فهل يستقيم هذا التشبيه؟

وبارك الله فيك...
 
الأخ الكريم أبا عمرو:

الأخ الكريم بكر،

1. العرب فهموا أن الله يخبرهم أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره. وعليه لا نقول إن العرب لم تفهم النص.
2. عندما يمثل الله تعالى لا بد أن يكون المثال مطابقاً للواقع. فعندما وجدنا أن من يصعد في السماء يضيق صدره تنبهنا إلى صدقية المثال، وبعد أن كان إيماناً وتسليما أصبح معلومة محسوسة. ولا يهمني هنا السبب في ضيق الصدر. وبالمناسبة فإن سبب ضيق الصدر ليس فقط لقلة الأوكسجين بل أيضاً لقلة الضغط المسبب لارتفاع الحجاب الحاجز وضغطه على الأحشاء في الصدر.

العرب لم يفهموا هذا، بل فهموا أن المراد هو تشبيه الكافر في نبو قلبه عن الإسلام وضيقه بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم كمن يحاول الصعود في السماء، أو كمن يتكلف الصعود في السماء، دليل هذا:
1. أداة التشبيه "كأنما" وفيها تشبيه صدر الكافر في ضيقه بالإسلام، بضيق الصدر والحرج الذي يجده من يتكلف الصعود إلى السماء.
2. وهذا الفهم مطابق للواقع، وعليه شواهد من أمهات كتب التفسير، بل إننا أخذنا هذا المعنى من أمهات كتب التفسير، والذي هو فهم العرب الأولين لهذه الآية،
3. ولما علمنا أن "الصعود إلى السماء" مثل يضرب للتكليف بما لا يطاق، فلا يهمنا أن يكون العلم الحديث أثبت أن الصعود "الحقيقي" في السماء يسبب ضيق الصدر أم لا، ذلك أن المقصود ضرب المثل، بغض النظر عن الحقيقة التجريبية التي كشف العلم عنها.
4. نحن هنا لا ننكر الحقيقة التجريبية التي كشف عنها العلم الحديث، فليس لنا أن ننكرها إذا ما ثبتت، وإنما ننكر أن يكون هذا هو معنى الآية، وفرق ما بين الأمرين بيِّن.
5. ولذلك فإن الاعتراض لا يزال قائماً على أرباب الإعجاز العلمي، وخلاصته:

من المعروف أن الغرض البلاغي من التشبيه إنما هو تقريب المعنى إلى السامع، وتثبيته في نفسه، وتمكينه فيها، وهذا يقتضي أن يكون وجه الشبه معروفاً ومعهوداً، كقولك: زيد كالإسد، فوجه الشبه الذي هو الشجاعة معهود معروف في الإسد، فهل كان وجه الشبه معروفاً في "التصعد في السماء"؟
إذا قلنا: نعم، فقد أبطلنا الإعجاز العلمي المدعى.
وإن قلنا: لا، بطل التشبيه، ولم تحصل فائدته، وأخرجنا القرآن من حيز الإفهام إلى حيز الإبهام، ومن الإعجاز إلى الإلغاز، ومن تقريب المعنى إلى السامع إلى تعمية المعنى عليه، وهذا مما لا قائل به.


وأحبذ أن نبقي البحث في هذه النقطة...
 
أما أنها لا تشفي الغليل، فذلك لأن بدعة الإعجاز العلمي قد انتشرت، وكثر المروجون لها، بحيث صرنا نستبعد أقوال العلماء المحققين في أمهات كتب التفسير، ونتعاهد كل جديد عند أرباب الإعجاز العلمي. المسألة بحاجة إلى شيء من تعاهد أمهات الكتب، والإقبال عليها بالدراسة، حتى نرتوي منها ونشفي الغليل....
يا رجل القرآن عربي وأقوال المفسرين بلغة العرب وهم عرضة للخطاء والصواب والحجة ليست أقوالهم وإنما الحجة الدليل على صحة أقوالهم.
وعجيب أمرك أخي الكريم حين تخاطب أعضاء ملتقى أهل التفسير وكأن لا علاقة لهم بأمهات كتب التفسير.
أخي الكريم لو كان في أقوال أهل التفسير ما يشفي الغليل في تفسير هذا التشبيه لما وقع النزاع.
ثم اعلم أن كثيرا من أصحاب الإعجاز العلمي أصحاب عقول تحليلية لها القدرة على تحليل الألفاظ ومعرفة مدلولتها أكثر من أولئك الذين يظنون أنهم مرجعية في اللغة والشريعة ، فعلينا أن نحترم عقول الآخرين.


الأمر ليس حسياً، بل هو معنوي، وهو بمعنى التكليف بما لا يطاق، كما أننا في عاميتنا المحكية في بلاد الشام نقول مثلا للرجل "روح بلط البحر"، أو "أعلى ما في خيلك اركبه" في الدلالة على عدم الاكتراث به، وليس معنى هذا أن تذهب لجمع البلاط من أجل تبليط البحر، ولا معنى هذا أن تنظر أي خيولك أعلى فتركبه. ...

أما كلامك لا يصلح للنقاش العلمي إطلاقاً ‘ فالله سبحانه وتعالى شبه ضيق صدر الكافر وحرجه بضيق صدر المصعد في السماء وحرجه ، فالقرآن الكريم يتكلم عن حقائق ولا يتكلم عن خيالات وأوهام فتنبه لذلك.


إذا عرفنا أن عماد الأمر التمثيل للتكليف بما لا يطاق، وأن مثل الكافر في نبو قلبه عن الإسلام كمثل من يطلب إليه الصعود في السماء، وأن هذا الأمر كان من التكليف بما لا يطاق عند العرب الأولين، فليس يضيرنا أن يكون الصعود إلى السماء سهلاُ ويسيراً في زماننا هذا. فالعبرة بالأمثال وباللغات بمعهود أصحابها، والأصل أن تفهم القرآن على معهود العرب الأولين، لا على معهودك الآن....

أنت تعطى مثالا أخر للتمسك بالأقوال غير المقنعة فيؤدى إلى أقوال عجيبة غريبة مثل قولك هذا .
أنا أفهم القرآن لأنه لسان عربي مبين واضح وقول المفسر هو الذي يحتاج إلى بيان ، فقول المفسر إذا عرضناه على منطوق الآية نجده يبهم الواضح.
الله تعالى شبه ضيق صدر الكافر وحرجه بضيق صدر المصعد وحرجه ثم يأتي المفسر ليقول المتكلف الصعود !!!!!



إما أن يكون وجه التشبيه معلوماً أم مجهولاً...

فإن كان معلوماً فهو بمعنى التكليف بما لا يطاق كما فهمه العرب الأولون، وإن كان وجه الشبه مجهولاً لهم، ولم يتبين إلا في زماننا هذا، فمعناه أن الله سبحانه وتعالى خاطب العرب بما لا يعهدون، وجاءهم بما لا عهد لهم به. وهذا ما ننزه منصب الشارع سبحانه وتعالى عنه، إذ مثل القرآن في هذا كما لو قلت لصاحبك فلان كالأغشية اللمفاوية، في الدلالة على ميوعته، وهو لا يعرف الأغشية اللمفاوية، ولا تركيب الجسم، ولا شيء من هذا...

فهل يستقيم هذا التشبيه؟

وبارك الله فيك...

يا رجل القرآن واضح المشبه هو ضيق وحرج صدر الكافر ، والكافر نعرفه من هو ، والمشبه به ضيق وحرج صدر المصعد إلى السماء ، والعرب لم تكن تعرف المصعد إلى السماء وماذا يحدث له إلا عن طريق الإيمان بأن هذا النص من عند الله ويجب الإيمان والتصديق به ، إلا ما ذكرت لك من الصورة التي كان يمكن أن يدركه العرب صور التصعد في السماء .
أما اليوم فالبشرية جميعها عرفت صورة التصعد في السماء على الحقيقة فأي ضير أن يجعل الله في كتابه من الأسرار ما يدعو الناس إلى التصديق بأنه من عند الله تعالى.

عجبا لكم يا منكري الإعجاز العلمي ......... هل لأنكم سبقتم إلى ما لم يكتب الله أن يظهر على أيديكم فأنكرتموه؟
أم هو حب المخالفة فقط؟
أم هو العجز عن إدراك الحقائق مع وضوحها ووضوح براهينها؟
 
الأخ الكريم الحجازي:

باختصار شديد، وبعيداً عن المطولات...

إذا حملت الآية على معنى ضيق الصدر عند التصعد في السماء بسبب نقصان الأكسجين، فهذا أمر لم تعهده العرب، ولم تعرفه، وبهذا يفقد التشبيه غرضه البلاغي، ويكون الكلام من باب الألغاز والأحاجي، مع أن الغرض البلاغي من التشبيه إنما هو تقريب المعنى إلى السامع وتثبيته في نفسه. هذا من بديهيات علم البلاغة التي لا يسوغ منك تجاهلها.
وإن كانت العرب تعرف معنى معيناً للتصعد في السماء "أياً كان هذا المعنى"، فهذا ما ينبغي أن نحمل الآية عليه، لا على غيره، لأن القرآن نزل بلسانهم، وعلى معهودهم في الألفاظ والتراكيب.

وأما أننا سُبقنا إلى ما لم يكتب الله أن يظهر على أيدينا فأنكرناه، فاعلم أن أصحاب التفسيرات الباطنية، وغلاة الصوفية، قد سبقوا إلى أشياء باطلة في التفسير لم يفطن إليها من قبلهم ولا من بعدهم، والحمد لله أننا ننكرها لفسادها وتهافتها.

وكذلك الأمر هنا، العبرة بالحق لا بالسبق...

فتنبه بارك الله فيك، وتأمل وجه الاعتراض على أرباب الإعجاز التجريبي في تفسير هذه الآية.
 
الأخ الكريم الحجازي:

باختصار شديد، وبعيداً عن المطولات...

إذا حملت الآية على معنى ضيق الصدر عند التصعد في السماء بسبب نقصان الأكسجين، فهذا أمر لم تعهده العرب، ولم تعرفه، وبهذا يفقد التشبيه غرضه البلاغي، ويكون الكلام من باب الألغاز والأحاجي، مع أن الغرض البلاغي من التشبيه إنما هو تقريب المعنى إلى السامع وتثبيته في نفسه. هذا من بديهيات علم البلاغة التي لا يسوغ منك تجاهلها.
وإن كانت العرب تعرف معنى معيناً للتصعد في السماء "أياً كان هذا المعنى"، فهذا ما ينبغي أن نحمل الآية عليه، لا على غيره، لأن القرآن نزل بلسانهم، وعلى معهودهم في الألفاظ والتراكيب.
.

أخي الكريم أظن الآية واضحة وكلامي واضح وكلام العقلاء واضح
وأعيده وأكرره: الآية شبهت ضيق وحرج صدر الكافر بضيق وحرج صدر المصعد في السماء ، وهذا معنى مفهوم ومعروف لكل أحد ، فالأمر المشترك بين الكافر والمصعد في السماء هو ضيق الصدر وحرجه.

والنقاش هو حول : ما هي حقيقة التصعد في السماء ؟ وهل كانت تعرفها العرب؟
هذا مالم تجب عليه أقوال المفسرين ، ولا أظنك أنت ومن يقول بمثل قولك يستطيع أن يذكر لنا حقيقة المصعد إلى السماء ولماذا يضيق ويحرج صدره ، إلا إذا رجعت للحقائق والسنن التي أودعها الله في الكون وكشف عنها العلم الحديث.
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

الأخ / حجازى الهوى
السلام عليكم ورحمة الله ، وبعد
بالرغم من اننى أشارككم فى التوجه والرؤية ، ولا أستبعد التفسير العلمى للآية محل النقاش وكما هو واضح من مداخلتى السابقة فى هذا الموضوع
أقول : بالرغم من هذا فاننى أخالفكم فى انكاركم على الأخ بكر فهمه للآية على غرار فهم قدامى المفسرين ، وقولكم أنهم قد أخفقوا فى فهم مدلولها الحقيقى
والصواب فيما أرى أن فهمهم لها يلتقى مع أحد مستويات النص القرآنى ، حيث تكون ( السماء ) فيه مرادا بها ( الجبال ) أو الأماكن شاهقة الارتفاع
ولعل خير برهان على صحة هذا المعنى أن الاستقراء البيانى لألفاظ القرآن الكريم يهدينا الى أن لفظ ( السماء ) لا يأتى دائما بمعناه الشائع المعروف ، وانما قد يأتى أحيانا على معان مختلفة تماما
وقد يعجب كثير من الناس من أن لفظ ( السماء ) قد جاء فى القرآن ذات مرة بمعنى ( سقف البيت ) !!
نعم ، هذا ما نجده فى قوله تعالى :
" من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والآخرة فليمدد بسبب الى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " 15 من سورة الحج
فهنا نجد أن معنى الآية كالتالى :
من كان - من الكفار - يظن أن الله لن ينصر رسوله فليمدد بحبل الى سقف بيته ( ليصنع منه مشنقة ) ثم ليشنق بها نفسه ( بقطع ذلك الحبل ) فلينظر : هل فعله ذاك يذهب بغيظه من نصر الله لرسوله ؟!
بل وفى نفس السورة ( الحج ) نجد لفظ ( السماء ) قد أتى كذلك بمعنى ( الجبل ) الشاهق ، وكان ذلك فى قوله تعالى :
" ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير ، أو تهوى به الريح فى مكان سحيق " الآية 31
فالآية ترسم صورة أخرى من صور الانتحار بالقاء النفس من مكان شاهق وصفته بالسماء ( والمراد به الجبل وما شابهه فى العلو )
وهذا يعضد ويؤيد فهم الأخ بكر ومن شايعه فى آية الأنعام : " كأنما يصعد فى السماء " بأن المراد بها كذلك : المكان المرتفع بحيث يكون المعنى المقصود من التصعد فى السماء هو : ارتقاء الجبال
فهذا الفهم لا غبار عليه ، وهو يمثل كما ذكرت من قبل أحد مستويات النص القرآنى
أما الفهم العصرى لها والذى يتبناه مؤيدو الاعجاز العلمى فانه يمثل مستوى أخر من فهم النص ، وهو كذلك لا غبار عليه طالما أنه لا يتعارض مع الفهم الأول وانما يزيده ثراءا فى المعنى دون أن يلغيه أو يستبدله وينسخه
وهذا هو ما كنت قد ذكرته اجمالا فى مداخلتى السابقة ، وكنت أرجو به أن يزول ويرتفع الخلاف بينكما ، ولهذا قلت فى ختام حديثى :
كلاكما على صواب اذا لم يزعم كل منكما أن الحق معه وحده
هدانا الله جميعا الى الحق باذنه
 
الأخ الكريم العليمي،

عجبت كثيراً من قولك إن لفظة السماء يقصد بها أحياناً الجبل. بل هذا فهم من عجز عن إدراك المراد من القول.

الأخ الكريم بكر،
قال تعالى: "فلما رآها تهتز كأنها جان": فهل رأى الناس الجان يهتز؟ مع ملاحظة أن قول البعض أن الجان هنا نوع من الحيات لم نقتنع به. والذي نراه أن من مقاصد هذا التشبيه أن ندرك أن الجان يهتز بشدة، لأن موسى عليه السلام ولى مدبراً.
من قال إن العرب قد فهموا كل معاني القرآن الكريم. والذي نراه أن القرآن يخاطب البشرية في كل العصور إلى يوم القيامة، وأن معانيه ستتجلى حيناً بعد حين:" ثم إن علينا بيانه".
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

الأخ / حجازى الهوى
السلام عليكم ورحمة الله ، وبعد
بالرغم من اننى أشارككم فى التوجه والرؤية ، ولا أستبعد التفسير العلمى للآية محل النقاش وكما هو واضح من مداخلتى السابقة فى هذا الموضوع
أقول : بالرغم من هذا فاننى أخالفكم فى انكاركم على الأخ بكر فهمه للآية على غرار فهم قدامى المفسرين ، وقولكم أنهم قد أخفقوا فى فهم مدلولها الحقيقى

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أنا لا أنكر أن المفسرين فهموا الآية ، فالآية مفهومة المعنى للمفسرين ولمن سبق المفسرين ، وهو كما ذكرت سابقاً وأعيده هنا: الآية شبهت ضيق صدر الكافر وحرجه بصدر وحرج المصعد في السماء، وصورة المصعد في السماء صورة ذهنية معقولة للعرب ، لكن الخلافة في حقيقة التصعد في السماء ما هي ؟ ما هي صورته؟

فالتصعد في السماء لا يساوي أبدا ولا يعني البته محاولة الصعود . هل سبق أن رأيتم أحدا يحاول أن يصعد في السماء دون وسيلة؟
لو رأينا رجل يقفز ويكرر القفز وسألناه ماذا تفعل؟ فيجيبنا أريد أن أصعد إلى السماء فماذا ترون يقول عنه الناس؟

يا أخي الكريم الأمر واضح ولا إشكال فيه ولله الحمد.
كثير من الذين هداهم الله كان سبب هدايتهم ما تكشف لهم من إعجاز هذا الكتاب فلا أدري لماذا تضيق صدور بعض الناس بمثل هذا؟

أنا معك أن هذا الباب ، أي : باب الإعجاز العلمي يجب أن يكون بضوابط ومن أهل الاختصاص وليس كلاء مباح لكل أحد.
 
الأخ الكريم العليمي،

عجبت كثيراً من قولك إن لفظة السماء يقصد بها أحياناً الجبل. بل هذا فهم من عجز عن إدراك المراد من القول.

أما أنا فكان عجبى أكثر من عجبكم
فقد عجبت أنك لم تعجب مما هو أكثر مدعاة للعجب !
حيث لم تعجب من قولى أن لفظة السماء يقصد بها أحيانا : سقف البيت !!
أولم يك هذا أولى بعجبك أخى الكريم ؟!
علما بأن لا هذا ولا ذاك هو قولى كما تقول ، وانما هى أقوال جمهور المفسرين
وكنت أتمنى - وأنت أحد العلماء الذين أقدرهم وأجلهم فى هذا المنتدى المبارك - أن تتأمل كلامى جيدا فى مستويات النص القرآنى ، وكيف أنها تلائم كل الأفهام وتناسب كل العصور


من قال إن العرب قد فهموا كل معاني القرآن الكريم. والذي نراه أن القرآن يخاطب البشرية في كل العصور إلى يوم القيامة، وأن معانيه ستتجلى حيناً بعد حين:" ثم إن علينا بيانه".

[align=center]ها أنت تقول بنفسك أن القرآن يخاطب البشرية فى كل العصور
فلماذا تسقط من حسابك العصر الأول ( عصر البعثة النبوية الشريفة ) ؟!
أوليس هذا العصر هو أيضا واحد من بين ( كل العصور ) ؟؟!!!

ثم من قال اننى أرفض تفسير الآية وفقا للمعطيات العلمية الحديثة ؟
يبدو يا أخى الكريم انك كنت فى عجلة من أمرك ولم تتأمل كلامى جيدا
مع بالغ احترامى وتقديرى
[/size[/align]]
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أنا لا أنكر أن المفسرين فهموا الآية ، فالآية مفهومة المعنى للمفسرين ولمن سبق المفسرين ، وهو كما ذكرت سابقاً وأعيده هنا: الآية شبهت ضيق صدر الكافر وحرجه بصدر وحرج المصعد في السماء، وصورة المصعد في السماء صورة ذهنية معقولة للعرب ، لكن الخلافة في حقيقة التصعد في السماء ما هي ؟ ما هي صورته؟

فالتصعد في السماء لا يساوي أبدا ولا يعني البته محاولة الصعود . هل سبق أن رأيتم أحدا يحاول أن يصعد في السماء دون وسيلة؟
لو رأينا رجل يقفز ويكرر القفز وسألناه ماذا تفعل؟ فيجيبنا أريد أن أصعد إلى السماء فماذا ترون يقول عنه الناس؟

يا أخي الكريم الأمر واضح ولا إشكال فيه ولله الحمد.
كثير من الذين هداهم الله كان سبب هدايتهم ما تكشف لهم من إعجاز هذا الكتاب فلا أدري لماذا تضيق صدور بعض الناس بمثل هذا؟

أنا معك أن هذا الباب ، أي : باب الإعجاز العلمي يجب أن يكون بضوابط ومن أهل الاختصاص وليس كلاء مباح لكل أحد.

الخلاف بينى وبينك يسير جدا أخى الكريم
ونحن متفقون فى الخطوط العريضة فيما عدا احدى التفاصيل
فأنا أرى أن لفظة السماء قد فهمها القدماء بمعنى الجبل فى ذلك الوقت وقدمت الأدلة على ذلك من سورة الحج
وأنت تقول أن السماء هى السماء فى كل وقت
ولكن ماذا تقول فى الآية الخامسة عشر من سورة الحج ؟
ماذا تعنى السماء فيها بالنسبة اليك ؟
أعتقد أن معناها يختلف كليا عن السماء المعهودة
وهذا يكفى لاثبات أن لفظة السماء يمكن أن تؤول الى معانى أخرى
وهذا هو بيت القصيد ، فهل أدركت قصدى ؟
بارك الله فيكم ، والسلام عليكم
 
قال تعالى: "فلما رآها تهتز كأنها جان": فهل رأى الناس الجان يهتز؟ مع ملاحظة أن قول البعض أن الجان هنا نوع من الحيات لم نقتنع به. والذي نراه أن من مقاصد هذا التشبيه أن ندرك أن الجان يهتز بشدة، لأن موسى عليه السلام ولى مدبراً.
من قال إن العرب قد فهموا كل معاني القرآن الكريم. والذي نراه أن القرآن يخاطب البشرية في كل العصور إلى يوم القيامة، وأن معانيه ستتجلى حيناً بعد حين:" ثم إن علينا بيانه".

القول بأن الجان هنا نوع من الحيات، هو ما تشهد له اللغة أي الكريم، وتجد هذا جلياً في لسان العرب، والقاموس المحيط، ولولا ضيق الوقت نقلت لك النقول في هذا...
وعليه فإن التشبيه هنا أدى الغرض، من حيث تشبيه اهتزاز عصا موسى عليه السلام بالحية، وفيه تقريب المعنى للسامع، بخلاف آية التصعد في السماء، والتي لو أخذناها على ما يقول به أرباب الإعجاز العلمي أبطلنا الغرض من التشبيه.
 
أخي العليمي المصري:
بارك الله فيك وأحسن إليك، وشكر لك ما تفضلت به.

وأحب أن أزيد في بيان هذا الأمر، وتحرير محل النزاع على وجه يحقق الفائدة:

1. أنا لا أنكر الحقائق التي يتوصل إليها العلم التجريبي، وما يصل إلينا من كشوف ومخترعات، بل إن هذه الكشوف والمخترعات في الطب والهندسة والزراعة والصناعة آية من آيات الله الدالة على أنه مسبب الأسباب، سبحانه.

2. نزاعنا ليس في أصل الحقائق التجريبية (العلمية) ولا في ثبوتها، بل في زعم القائلين بالإعجاز العلمي أن القرآن دل عليها، وأشار إليها على وجه لم يكن معهوداً للعرب الأولين حتى كشف عنها العلم الحديث في عصرنا هذا، فنحن لا ننكر الحقائق، بل ننكر أن تكون آيات القرآن دالة على هذه الحقائق التي يكشف عنها العلم الحديث على وجه لم يكن معهوداً للأولين، وفي جعلهم هذا السبق القرآني "المزعوم" وجهاً من وجوه الإعجاز.

3. القول بأن العرب الأولين لم يفهموا المقصود بآية التصعد في السماء، ولم يعرفوا مرماها قول بعيد عن التحقيق، بل إن أمهات كتب التفسير مبينة لمعناها، وقد جئت بأقوال المفسرين الأولين لهذه الآية، وهذا أمر توافقنا عليه والحمد لله.

4. بقي أمر واحد تفضلت بذكره في قولك:

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

فهذا الفهم لا غبار عليه ، وهو يمثل كما ذكرت من قبل أحد مستويات النص القرآنى
أما الفهم العصرى لها والذى يتبناه مؤيدو الاعجاز العلمى فانه يمثل مستوى أخر من فهم النص ، وهو كذلك لا غبار عليه طالما أنه لا يتعارض مع الفهم الأول وانما يزيده ثراءا فى المعنى دون أن يلغيه أو يستبدله وينسخه

وقد أشار أخونا محمد الأمين في مشاركة له سابقة إلى هذا في قوله:

ومع ذلك فما قاله القدماء لا يخالف ما قاله أهل الإعجاز العلمي ، وكلاهما تتحمله اللغة، وتقبله العادة، وما كان كذلك فلا وجه لإنكاره.

وكأنك يا أخي تقول، وكذلك الأخ محمد الأمين:

ما المانعُ من أن يكونَ العربُ قد فهموها على معروفِهم ومعهودِهم، أو فهموا منها ما قدروا على فهمِه، من أنها بمعنى التكليفِ بما لا يُطاقُ، أو بعدِ الكافرِ من الإسلامِ كبعدِ الأرضِ عن السماءِ، أو نُبُوِّ الكافر عن قبول الإسلام وضجره به حتى كأنه يتصعد في السماء، ثمَّ لمّا جاءَ العلمُ الحديثُ كشفَ لنا عن معنىً آخرَ في تفسيرِ هذه الآيةِ، والذي هو ضيقُ الصَّدرِ وحرجُه بسَبَبِ نقصانِ الأكسجينِ عند الصُّعودِ إلى طبقاتِ الجوِّ العُليا. وبالتالي يكونُ لدينا وجهانِ محتملانِ في تفسيرِ الآيةِ:
الوجهُ القديمُ الذي فَهِمَه العَرَبُ على معهودِهم.
والوجهُ الجديدُ الذي كَشَفَ عنه العلمُ الحديثُ.

وبهذا يكونُ العربُ قد فهموها على معهودِهم على ما يقتضيه فنُّ التشبيهِ من تقريبِ المعنى إلى السامعِ، وبما يجري على أصولِ البلاغةِ وحسنِ الإفهامِ ولا يُصادِمُها، ويكونُ لنا – بعد ذلك- أن نضيفَ إليها وجهاً جديداً كشفَ عنه العلمُ الحديثُ بما لا يخالفُ أصولَ البلاغةِ بعد أن أصبحَ نقصانُ الإكسجينِ عند الصعودِ في السماءِ معنىً معهوداً لنا في هذا العصرِ، وحقيقةً علميَّةً لا جدالَ فيها، وهذا الوجه الجديد تحتمله اللغة، وتقبله العادة.


هذا ما أفهمه من كلامك ومن كلام الأخ الأمين، وكنت قد وعدتُه بالجواب على هذا الاعتراض، إلا أنه ما زال عندي بحاجة إلى شيءٍ من ترتيب وتنسيق لم يسعفني فيه الوقت، وكثرة المشاغل.

ولكن أجبني - أحسن الله إليك- إن كنت توافقني في تحرير محل النزاع، وفي فهمي لكلامك.

وبارك الله فيك.
 
الخلاف بينى وبينك يسير جدا أخى الكريم
ونحن متفقون فى الخطوط العريضة فيما عدا احدى التفاصيل
فأنا أرى أن لفظة السماء قد فهمها القدماء بمعنى الجبل فى ذلك الوقت وقدمت الأدلة على ذلك من سورة الحج
وأنت تقول أن السماء هى السماء فى كل وقت
ولكن ماذا تقول فى الآية الخامسة عشر من سورة الحج ؟
ماذا تعنى السماء فيها بالنسبة اليك ؟
أعتقد أن معناها يختلف كليا عن السماء المعهودة
وهذا يكفى لاثبات أن لفظة السماء يمكن أن تؤول الى معانى أخرى
وهذا هو بيت القصيد ، فهل أدركت قصدى ؟
بارك الله فيكم ، والسلام عليكم

يا أخانا الكريم
أنا لم أختلف معك في دلالة لفظ"السماء" ، فالسماء في لغة العرب تطلق على العلو ، فكل ما علاك فهو سماء، وعليه حمل أهل العلم السماء في قوله تعالى " فليمدد بسب إلى السماء " على السقف ، وقد يحتمل غير هذا المعنى.

وأما آية سورة الحج فقوله تعالى "فكأنما خر من السماء" أي من العلو ، من رأس جبل من أعلى منه المهم أنه من علو ، لكن لا يمكن أن تقول إن السماء يعني الجبل هذا لم نعهده في لغة العرب.

وآية الحج فيها صور تشبيهية يجدر بنا الوقوف عندها ، فالله تعالى يقول:
"فكأنما خر من السماء ، فتخطفه الطير ، أو تهوي به الريح في مكان سحيق"
فهنا صورتان لمن يخر من السماء:
الأولى : تخطفه الطير.
الثانية تهوي به الريح في مكان سحيق.
وهتان الصورتان صورتان ذهنيتان معقولاتان تصور شناعة الهلاك الذي يحل بالمشرك
والصورة الثانية متصورة ذهنيا وربما رأى البشر حقيقتها.
أما الأولى : فهي صورة ذهنية متخيلة ومعقولة ، لكن لا أظن أن أحد من البشر قد رأى مثل هذه الصورة ، فهل تخبي لنا سنن الله في الكون حقيقة هذه الصورة ربما كشف عنها الزمن يوما ما؟
الله أعلى وأعلمز
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

أعتذر منكم اخوانى الكرام لتأخرى فى الرد
ولكن عسى أن يأتى هذا التأخير بالخير الكثير ان شاء الله تعالى
فقد وجدت أن المسألة لا تزال بحاجة لمزيد من البحث والتمحيص
وقضيت الأمس كله فى مراجعة ما يربو على أربعين تفسيرا للقرآن الكريم فى الآية محل النقاش ، وفى مراجعة الأمر جيدا ومن كافة الوجوه
وقد انتهيت بالفعل الى بلورة رؤية جديدة فى المسألة المطروحة ، وسأوافيكم بها قريبا جدا ان شاء الله ، فأمهلونى قليلا من الوقت
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
بارك الله فيك أخي المصري...

سأكون بانتظارك...

ونسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه...
 
[align=center]( 1 )

بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

بعد أن درست موضوعنا هذا دراسة أحسبها وافية مستفيضة ، وبعد أن رجعت الى كافة كتب التفسير التى أمكننى الوصول اليها ( وقد بلغ عددها أربعين ونيف ) فانه يمكننى الآن أن أوجز أركان القضية على النحو التالى :
التشبيه القرآنى " كأنما يصعد فى السماء " يتنازع فيه طرفان :
الطرف الأول : يولى عنايته القصوى بالبلاغة والبيان ويقدمهما على أى توجه آخر ، ويمثل حد التطرف فيه الأخ الفاضل بكر الجازى
الطرف الثانى : يهتم باعجاز القرآن بمعناه الشامل ويولى عناية خاصة بالاشارات العلمية الاعجازية ، ويمثل حد التطرف فيه الأخ الفاضل أبو عمرو البيراوى ، ثم يليه بدرجة أقل حدة وتطرفا أخونا الفاضل حجازى الهوى
وقد حاولت أنا أن أنشىء تيارا متوسطا بين هذين الاتجاهين المتطرفين ، وكذلك حاول معى أخونا الفاضل محمد الأمين بارك الله فيه
أما لماذا وضعت أخى الأستاذ البيراوى فى جهة التطرف بالفريق الثانى فلأنه - على العكس من أخينا حجازى - ينطلق من فهم خاص لقوله تعالى : "ثم ان علينا بيانه " بحيث يظل البيان القرآنى بنظره ينكشف شيئا فشيئا على مر الزمان وبما يعنى أن بعض معانى القرآن تبقى مستترة وتظل غامضة حقبا متطاولة وقرونا كثيرة قبل أن تبوح بأسرارها ومعانيها الحقة حين يصل الناس الى درجة من العلم تؤهلهم لفهمها على وجهها الصحيح والأوحد
كان هذا تلخيصا - أرجو أن يكون أمينا - لمواقف المشاركين فى هذا النقاش بوجه عام
وفى المداخلة القادمة ان شاء الله سوف أبين مواطن القصور والضعف لدى كل فريق ، فانتظرونى
 
[align=center]( 2 )[/align]
والآن ابدأ فى توجيه النقد الموضوعى لطرفى النزاع
وأتوجه أولا الى فريق أخى البيراوى قائلا :
ادعاء أن بعض معانى القرآن تظل مستترة وخافية بالكلية الى أن يأتى أوان ظهورها هو ادعاء مرفوض
ويأتى هذا الرفض من منطلق أن القرآن يخاطب البشرية فى كل العصور ، بمعنى أنه يجب أن يكون مفهوما لكل عصر على نحو من الأنحاء ، وعلينا فحسب توصيف ورصد تطور هذا الفهم وتتبع مراحله
أما انكاره بالكلية فى عصر ( أو عصور ) كاملة فذلك أمر يتنزه عنه كلام الله
فحتى الحروف المتقطعة التى يضرب بها المثل فى غموض المعنى قد خاضت فيها الأفهام وتعددت فيها الآراء بما يعنى قابليتها للفهم والتفسير
فتلك القابلية هى السمة المميزة للنص القرآنى فى كل العصور بصرف النظر عن بلوغ المراد وادراك المعنى الحقيقى للنص
فالمهم أن النص القرآنى يكون قابلا للفهم على نحو من الأنحاء ، ولا يكون أبدا ملغزا ومستعصيا على كل الأفهام كل الاستعصاء ، ومن يقول بهذا يعد متطرفا فى الرأى
وبتنزيل هذا الكلام على الآية محل النقاش أتوجه لأخى البيراوى متسائلا :
ما هو حظ ونصيب العصور القديمة من فهم مدلول هذه الآية ؟
أنت تقول أنهم لم يدركوا معناها الحقيقى
وأنا أرى أنهم قد أدركوا لها معنى ما ، وهذا يكفى
فلماذا يكفى ؟
لأن المعنى الذى أدركوه يسمح به ( البيان القرآنى ) ولا يتعارض مع المعنى الذى كشف عنه العلم الحديث
أما ان كان يتعارض ويتصادم معه ، فعندها نقول : الحق معك ، والنص القرآنى كان ملغزا لهم
وأعتقد انك لا تقول بذلك ، وكذلك أخى حجازى

[align=center]( يتبع فى المداخلة القادمة )[/align]
 
[align=center]( 3 )[/align]

تم أتوجه الآن الى الفريق الآخر الذى يمثله الأخ بكر فأقول له :
انك يا أخى تتبنى دعوى متطرفة باقصائك التام للمدلول العلمى فى تفسير الآية واستبعادك له بالكلية
ودعنى أصارحك القول :
لقد طالعت أنا ما يزيد عن أربعين تفسيرا للآية محل النقاش ، وبامكانى الآن أن أؤكد لك ما سبق أن قاله من قبل أخى حجازى من أن أقوال قدامى المفسرين فيها لا تشفى غليلا ، بل وأزيد على قوله بأنها لا تسمن ولا تغنى من جوع
اننى يمكن أن أقبل أن القدماء قد فهموا ( التصعد فى السماء ) على أنه يعنى ( ارتقاء الجبل الوعر ) مثلا ، وهذا فهم سديد ولا غبار عليه كما قلت من قبل ، أما ما قدمه المفسرون من أقوال قد ذكرت أنت بعضها وطالعت أنا بقيتها فى عشرات التفاسير فاننى لا أستطيع أن أقبل بها الآن بعد أن علمت مدلول الآية على ضوء العلم الحديث ، فهذا المدلول يبدو لى أكثر اقناعا وأوضح بيانا مما قالوه
ولكنى أقول : نعم ، كان يمكننى أن أقبل بأقوالهم لو كنت أعيش عصورهم تلك
بل وكان من الممكن أن أقتنع بأن هذا هو ما تعنيه الآية حقا وبكل تأكيد ، هذا لو كنت معاصرا لهم ، أما الآن فأقول :
سبحان من كان هذا كلامه !!!
ثم انك أخى الكريم لم تنتبه الانتباه الكافى الى نكتة لطيفة فى النص القرآنى
فقد كان من الممكن أن يقول البيان القرآنى عن ذى الصدر الضيق الحرج : " كأنما يرتقى جبلا " وتصبح القضية محسومة لصالحك
ولكنه عدل عن هذا التعبير المباشر الى نص أكثر اعجازا : " كأنما يصعد فى السماء "
فانظر أخى رعاك الله الى اختياره لفظ ( السماء ) عن عمد وقصد ، وعدوله عن لفظ ( الجبل ) أو ( الطور )
فأرجو أن تنتبه أخى الكريم الى دقة القرآن فى اختيار ألفاظه ، وكيف لا يكون بمثل تلك الدقة وهو كلام الله عز وجل ؟!
انه يختار الألفاظ بحيث تسع معانى متعددة على مر العصور والأزمنة ، والتى منها عصرنا هذا ويجب عليك أن تضعه فى اعتبارك أيضا
فلولا أن القرآن الكريم قد اختار هذا اللفظ عمدا ( السماء ) ما كنا نتناقش الآن فى مدلول هذه الآية كل هذا النقاش الطويل
ويمكننى الآن أن أقرر وأنا مطمئن ومستريح :
ان هذه الآية الكريمة تعد شاهدا قويا من شواهد الاعجاز العلمى للقرآن الكريم

هذا ، والله عز وجل هو أعلى وأعلم
 
الأخ الكريم العليمي حفظه الله

1. عندما يعجز القدماء عن تصور المعنى يذهبون إلى توليد المعاني، وما نقلته أنت عنهم في معنى السماء أوضح مثال على ذلك؛ فأين نجد في اللغة العربية أن السماء تعني الجبل. ونقلك هذا هو ما جعلني أعجب لعلمي أنك لا تفسر الآية الكريمة كما فسرها بعض القدماء رحمهم الله.
2. يكون سقف البيت سماء للبيت وهذا لا غبار عليه فلماذا أعجب؟!
3. أما آية الحج:" فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع..." فكل كلمة منها مفهومة للعربي، ولكن يبدو أنهم لم يدركوا المراد حتى الآن، ومن هنا ذهبوا إلى أن السبب هنا هو الحبل ويبدو أن الذي دعاهم إلى ذلك هو كلمة يقطع. وعليه فصحيح كلامك أنهم فهموا النص بصورة من الصور ولكن ليس بالضرورة أن يكون هو الفهم الصحيح.
4. نحن نأخذ من القرآن الكريم بقدر وعينا وخبراتنا، وهذا أمر بدهي لا يتعلق بالنص القرآني فقط بل أيضاً بكل نص.
5. من المنطق السليم أن تقول إنه يجب أن يكون النص قابلاً للفهم بالنسبة للمكلفين. ولكن ليس من المقبول القول إن قابيلية النص للفهم تعني حصول الفهم من كل أحد.

وأخيراً لك كل حب وتقدير وإعجاب
 
أخي الكريم المصري:

قرأت مداخلاتك الثلاث الأخيرة، وبارك الله فيك على ما تفضلتَ به.

أحسب يا أخي أنني حرَّرتُ موطن النزاع في مداخلتي رقم 35. وأحب أن أعيدها على مسامعك هنا لننظر في مواطن الاتفاق والاختلاف، ثم نبني عليها:

1. أنا لا أنكر الحقائق التي يتوصل إليها العلم التجريبي، وما يصل إلينا من كشوف ومخترعات، بل إن هذه الكشوف والمخترعات في الطب والهندسة والزراعة والصناعة آية من آيات الله الدالة على أنه مسبب الأسباب، سبحانه.

2. ونزاعنا مع أرباب الإعجاز العلمي ليس في أصل الحقائق التجريبية (العلمية) ولا في ثبوتها، بل في زعمهم ودعواهم أن القرآن دل عليها، وأشار إليها على وجه لم يكن معهوداً للعرب الأولين حتى كشف عنها العلم الحديث في عصرنا هذا، فنحن لا ننكر الحقائق، بل ننكر أن تكون آيات القرآن دالة على هذه الحقائق التي يكشف عنها العلم الحديث على وجه لم يكن معهوداً للأولين، وفي جعلهم هذا السبق القرآني "المزعوم" وجهاً من وجوه الإعجاز.

3. القول بأن العرب الأولين لم يفهموا المقصود بآية التصعد في السماء، ولم يعرفوا مرماها قول بعيد عن التحقيق، بل إن أمهات كتب التفسير مبينة لمعناها، وقد جئت بأقوال المفسرين الأولين لهذه الآية، فنحن الآن متفقان على أن هذه الآية كانت مفهومة للعرب الأولين، سواء كان على معنى التكليف بما لا يطاق، أو على معنى صعود الجبل أو غير ذلك. ما يهمنا أن هذه الآية كانت مفهومة للعرب الأولين على وجه ما، ولا يجوز بحال ألا تكون مفهومة لهم.

أظن أن النقاط الثلاث السابقة ليست محل نزاع بيننا.

4. فيبقى محل النزاع فيما ذكرتَه في قولك:

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
أما الفهم العصرى لها والذى يتبناه مؤيدو الاعجاز العلمى فانه يمثل مستوى أخر من فهم النص ، وهو كذلك لا غبار عليه طالما أنه لا يتعارض مع الفهم الأول وانما يزيده ثراءا فى المعنى دون أن يلغيه أو يستبدله وينسخه

والذي أشار الأخ الأمين إلى معناه...

حيث تقول ما يمنع أن يكون هناك مستويان في فهم النص؟:
أ. فهم قديم للعرب الأولين بحيث يجري على أصول البلاغة وحسن الإفهام.
ب. وفهم حديث بحسب ما كشفت عنه العلوم الحديثة بحيث يزيد في ثراء المعنى ولا يلغيه.

وبهذا يكونُ العربُ الأولون قد فهموها على معهودِهم على ما يقتضيه فنُّ التشبيهِ من تقريبِ المعنى إلى السامعِ، وبما يجري على أصولِ البلاغةِ وحسنِ الإفهامِ ولا يُصادِمُها، ويكونُ لنا – بعد ذلك- أن نضيفَ إليها وجهاً جديداً كشفَ عنه العلمُ الحديثُ بحيث لا يعارض الفهم القديم، ولا يخالفُ أصولَ البلاغةِ بعد أن أصبحَ نقصانُ الإكسجينِ عند الصعودِ في السماءِ معنىً معهوداً لنا في هذا العصرِ، وحقيقةً علميَّةً لا جدالَ فيها، وهذا الوجه الجديد تحتمله اللغة، وتقبله العادة.

أظن أن الخلاف بيننا الآن محصور في النقطة الرابعة؟

أليس كذلك أخي؟
 
أخى الأستاذ / البيراوى ، حفظه الله
أسعدنى ردكم الكريم
ويعلم الله أنى أبادلكم ما ذكرتموه من مشاعر الحب والاعجاب والتقدير
كما أنى أكن نفس المشاعر تجاه شيخكم الكريم / بسام جرار ، حفظه الله
وقد كان بينى وبينه مراسلات عديدة ، لكنها توقفت منذ عام تقريبا
وأرجو أن أتعرف منكم على أخباره ، لأنى وجدت موقعه ( نون ) متوقفا عن النشاط منذ مطلع هذا العام ( 2009 ) وحتى اليوم
فأرجو أن يكون بخير ان شاء الله ، وأرجو أن تبلغه تحياتى وسلامى
فى حفظ الله ، ودمتم بخير
 
أظن أن الخلاف بيننا الآن محصور في النقطة الرابعة؟

أليس كذلك أخي؟

فى الواقع لقد احترت - أخى الكريم - فى تحديد موقفك بدقة
ذلك أن نصف كلامك يوحى بأنك لا تعترض على تفسير أنصار الاعجاز العلمى للآية محل النقاش
بينما نصفه الآخر يوحى بعكس ذلك !!
عليك اخى الفاضل أن تحسم أمرك وتحدد موقفك بوضوح
فان كنت لا تعترض على تفسيرهم ففيما اذا وجه الخلاف بينك وبينهم ؟
ثم ان كنت لا تعترض عليهم فما معنى قولك :


فنحن لا ننكر الحقائق، بل ننكر أن تكون آيات القرآن دالة على هذه الحقائق التي يكشف عنها العلم الحديث على وجه لم يكن معهوداً للأولين، وفي جعلهم هذا السبق القرآني "المزعوم" وجهاً من وجوه الإعجاز.

وأخيرا ان كنت لا تعترض عليهم فلماذا جعلت عنوان موضوعك هذا يقول :
" تهافت القول بالاعجاز العلمى . . . " ؟!

كما أخبرتك : حدد موقفك بوضوح أكثر رفعا للالتباس وقطعا للأمر
وعلى كل حال فانى أرى أن نقاط الاتفاق فيما بيننا هى أكثر من نقاط الاختلاف باذن الله تعالى
وفقك الله لما يحبه ويرضاه
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأفاضل سلام الله ورحمته وبركاته عليكم أجمعين
أعتقد أنه لا يخفى على أحد منكم أن معنى التفسير : هو الكشف عن المراد الإلهي في آيات كتابه الكريم وفق الطاقة البشرية ، وهذا الأخير شرط لابد منه فما من مخلوق يحيط بكلام الخالق تعالى .
ولا شك أن الناس تتفاوت مشاربهم ومذاهبهم فأهل اللغة يصفون عذوبة وروعة الجمال البياني ودقة الألفاظ والمعاني ، وهذا ما يضفي على النص وقارا وتقديرا ، وأهل التفسير والتأويل يبحثون عن الكشف عن دقائق المعاني وأساليب بيانها ، وأهل العلم يكشفون عن الحقائق العلمية والنواميس التي خلقها الله في هذا الكون وأشار إليها في كتابه الكريم ، وهذه الأساليب كلها تُجَلّي قداسة الآيات القرآنية .
فلا يعاب على أحد جهده في الكشف عن المراد الإلهي على أن لا يخرج عن الحقيقة الظاهر ويخالف ظاهر الآية فيأتي بتأويلات ليس لها أصل أو دلالات علميه ليس له عليها برهان.
وإذا كان الأمر كذلك فإننا نعلم أن الناس تتفاوت علومهم ومعارفهم من زمان إلى آخر
ومن بديع حكمة الله تعالى أننا نجد القرآن الكريم لم تتغير حاله مهما تغيرت أحوالنا .
فقل في هذا الزمان من يصف القرآن الكريم بعد أن يتذوق عذوبته وحلاوته كوصف الوليد بن المغيرة ولا يخفى قوله على أحد حين قال : والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر ... وما هو بكلام بشر.
لكننا اليوم نجد جوانب تبهر العقول فلا مانع لأي أحد أن يجتهد مشكورا ولا ننكر على أحد علما آتاه الله إياه.
وأنصح في هذا الباب قراءة كتاب الله يتجلى في عصر العلم
وهذا الكتاب موضوعات متنوعة في العلوم كتبها علماء كل وفق اختصاصه ، ولا أظن أحدا يقرأ هذا الكتاب إلا وقد قوي وشحذ إيمانه.
 
أنا أرى أنها (ولّعت) في هذا النقاش فنسأل الله أن يأجر الجميع
والحقيقة أنا مع الاخ الحجازي فلا مجال لإنكار القول بالاعجاز العلمي في القرآن بالطبع دون تكلف أو تحميل الآيات ما لا تحتمل هذا أمر مفهوم....
والقرآن معجز للعرب وغيرهم ووجوه الاعجاز فيه متعددة لأنها لأكثر من جهة...
فهو معجز للعرب ببلوغة الغاية في البلاغة والنظم ولذلك عجزوا عن الاتيان بمثله..
وهو معجز للعجم كذلك ولكن بماذا؟ فإن قلت ببلاغته فلا معنى لأن يتحدى القرآن ببلاغت قوماً لا يفهمون لغته فاي فضل في هذا؟ تصور أن يأتي رجل مفتول العضلات ويتحدى فتاة رقيقة ناعمة في رفع صخرة فاي فضل له في ذلك؟ إذن لزم أن يكون التحدي لهم وإعجازهم بوجه آخر...ولو قلت يستدلون بإعجازه -يعني هؤلاء العجم- بعجز العرب عن الاتيان بمثله فهذا لا معنى له كذلك؟
فما الوجه المعجز في القرآن لغير العرب الذين لا يفهمون لغته؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:
شهدنا في معجزات الرسل السابقين عليهم وعلى نبينا أفضل الصلوات والتسليم أنها كانت منفصلة عن الكتب التوجيهات والتشريعات الإلهية التي يؤمرون بتبليغها لأقوامهم فالمقصود من المعجزة بيان عجز البشر عن الإتيان بمثل ما يأتي به الرسول ، ليسلم البشر للرسل في دعواهم الحق .
أما القرآن الكريم فليس الإعجاز فيه مقصود لذات الإعجاز ، فبأي وجه ظهر الإعجاز قامت الحجة على الناس ، بل المقصود التثبت اليقيني بأن هذا الكلام ليس كلام بشر ، فينبغي أن نؤمن به فنتّبع ما يأمرنا به ونجتنب ما ينهانا عنه ، وهذه الغاية من هذا الكتاب الكريم.
 
الأخ الكريم العليمي حفظه الله

بلغت تحيتك الشيخ وسر بها، ويسأل الله لكم ولكل الأخوة في الملتقى أن يؤيدكم بروحٍ منه. وهو شغوف بمطالعة ما يكتب في صفحات الملتقى.
مركز نون مغلق بأمر عسكري إسرائيلي لمدة سنتين تنتهي في منتصف نيسان القادم.
أما نشاط الصفحة الإلكترونية لمركز نون فمن المتوقع استئنافه بعد عيد الفطر إن شاء الله تعالى.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:
شهدنا في معجزات الرسل السابقين عليهم وعلى نبينا أفضل الصلوات والتسليم أنها كانت منفصلة عن الكتب التوجيهات والتشريعات الإلهية التي يؤمرون بتبليغها لأقوامهم فالمقصود من المعجزة بيان عجز البشر عن الإتيان بمثل ما يأتي به الرسول ، ليسلم البشر للرسل في دعواهم الحق .
أما القرآن الكريم فليس الإعجاز فيه مقصود لذات الإعجاز ، فبأي وجه ظهر الإعجاز قامت الحجة على الناس ، بل المقصود التثبت اليقيني بأن هذا الكلام ليس كلام بشر ، فينبغي أن نؤمن به فنتّبع ما يأمرنا به ونجتنب ما ينهانا عنه ، وهذه الغاية من هذا الكتاب الكريم.

ذكرنى هذا الكلام الطيب لحضرتكم بكلمة شهيرة لأستاذنا الامام / محمد متولى الشعراوى - عليه رحمة الله حيث قال :
فى الرسالات السابقة على الاسلام كانت المعجزة منفصلة عن المنهج لدى كل رسول
أما فى الاسلام فنجد أن المعجزة هى عين المنهج ( يعنى بذلك القرآن العظيم )

وربما نجد نفس هذا المعنى فى حديث شريف لحضرة النبى - اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين - أورده الامام البخارى فى صحيحه حيث قال صلى الله عليه وسلم :
" ما من الأنبياء الا أعطى ما مثله آمن عليه البشر ، وانما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله الي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "

ومن هنا فاعجاز القرآن لا يحصره حد ، ولا يعده عاد ، بارك الله فيكم
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
عودة
أعلى