بسم الله الرحمن الرحيم
أرغب بالرجوع إلى قوله تعالى( ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾
)
( إذا تأمّل القارئ قوله تعالي : " فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ " فقد يبدو له أنّ قوله : " فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ " مغنٍ عن قوله : " مِنْ فَوْقِهِمْ " ؛ لأن " خَرَّ " و" عَلَيْهِمُ " و " السَّقْفُ " كلّها تدلّ علي حصول الخرِّ من فوقهم ؛ فالخرّ لا يكون إلا فيما سقط من العُلّوِ إلي الأسفل , و ( علي ) في أصل استعمالها تدلّ علي وقوع الشيء من أعلي إلي أسفل , والسقف أصله أن يكون في العُلّوِ لكنّ المتدبّر لهذه الآية يدرك أنّ لقوله : " مِنْ فَوْقِهِمْ " فائدةً جليلةً ؛ إذ دلّتْ علي الفوقيّة الحقيقيّة , فالسقف قد وقع عليهم , وكانوا تحته , فهلكوا , وما أفلتوا [ البرهان فى علوم القرآن : 2 / 443 , 3 /67 ] , ولولا ذِكْرُ " مِنْ فَوْقِهِمْ " لَتُوُهِّمَ غيرُ ذلك ؛ لأنّ ( على ) ليستْ قطعيّةً في الدلالة علي العلو , بل قد تكون هنا " بمعني ( عن ) , أي : خرّ عن كفرهم بالله , كما تقول : اشتكى فلانٌ عن دواءٍ شَربَهُ , أي : من أجل كفرهم أو بمعني ( اللام ) , أي فخرّ لهم " [ البرهان فى علوم القرآن : 2 / 442 ] , وذكر ابن جنّي أنّ ( علي ) قد تخرج عن الاستعمال في العلوم إلي الاستعمال في الأفعال الشاقّة المستثقلة " علي ( حد ) قولِ مَنْ يقول : قد سرنا عشرًا , و بقيت علينا ليلتان , وقد حفظتُ القرآن وبقيتْ عليّ منه سورتان , و قد صمنا عشرين , و بقي علينا عشرٌ , وكذلك يقال في الاعتداء علي الإنسان بذنوبه وقبيح أفعاله : قد أخربَ عليَّ ضيعتي , وموّت عليَّ عواملي , وأبطلَ عليَ انتفاعي , فعلي هذا لو قيلَ " فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ " , ولم يقل : " مِنْ فَوْقِهِمْ " لجاز أن يُظنَّ به أنه كقولك : قد خرّبتُ عليهم دارَهُمْ و قد أهلكتُ عليهم مواشيَهُمْ وغلاتِهِمْ , وقد تلفتْ عليهم تجارتُهُمْ , فإذا قال : " مِنْ فَوْقِهِمْ " زال ذلك المعني المحتمل , وصار معناه أنّه سقط وهم من تحته " [ الخصائص : 2 / 270 – 271 ] , ويؤيّد ذلك أنّه يقال : سقط عليه موضع كذا , إذا كان يملكه , وإن لم يكن من فوقه , بل تحته [ البرهان فى علوم القرآن : 2 / 443 ] . كما أنّه ليس كلّ سقفٍ يكون من فوقٍ ؛ " فإن كثيرًا من السقوف يكون أرضًا لقومٍ , وسقفًا لآخرين " [ البرهان فى علوم القرآن : 3 / 67 ] , فرفع احتمال أن يكون السقف تحتهم بقوله : " مِنْ فَوْقِهِمْ " . والله أعلم .
رابط الكلام هو
https://tadars.com/tdbr/list/eloquence?page=661
وللعبد الفقير وقفة تأملية حول الآية الكريمة: الآية احتوت أربعة أفعال هي ( مكر ) وهو خاص بالعصاة والثلاثة الباقية خصت قيوم السموات والارض وهي : أتى وخر وأتاهم هذه هي الافعال التي رد بها الله تعالى مكرهم فكيف يصمد فعل واحد أمام ثلاثة أفعال !!! لهذا فإنهم ذاقوا الهلاك وأتاهم فوق رؤوسهم وهنا نرى أن الله سبحانه اختار أن يكون رده بجمل فعلية تتميز بالقوة والتجدد والحركة التي تذهل من وقعت عليه فسبحان من كلامه هذا والله تعالى اعلم .