الأخ الشيخ البهيجي جزاكم الله خيرا و أشكرك على احالتي الي قواعد التفسير و رغم أني أهتم بقراءة التفاسير الا أني أعمل بتدبر القران و لا أعمل بالتفسير , و هو عنوان هذا القسم من المشاركات و الذي اشارك فية ( تدبر ثم قل ما قل و دل ) - و الله سبحانه و تعالى أمرنا بالتدبر و لم يأمرنا بالتفسير " كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته " و لم يقل الله تعالى " ليفسروا آياته " , و قد يكون التدبر من أدوات التفسير و لكنه ليس التفسير , فالتدبر غير التفسير . أما بعد فالقران بالفعل مفسر لنفسه " كتاب احكمت آياته ثم فصلت " ... فمابال أقوام يفهمون التدبر على أنه النظر في كتب التفسير و أن تأتي بما في كتب التفسير و ان كان خطأ ؟ ...... بالنسبة لعبارة " من قبلكم " التي جائت في المائدة الآية 5 فهي قيد و معلوم في قواعد اللغة العربية أن القيد اذا جاء بعد أمرين فانه لا يعود على المتأخر منها و لكن يعود على الأثنين معا ........ و جواب فعل الشرط ( آتيتموهن ) لأداة الشرط ( اذا ) التي جائت بعد فعل الشرط ( حل لكم ) , جواب فعل الشرط هذا يعود على الاثنين معا ( المحصنات من المؤمنات - فئة منهن ) و ( المحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) .
جاء في التحرير و التنوير ج 6 : ( و عن الشافعي : من كان من أهل الكتاب قبل البعثة المحمدية فهو من أهل الكتاب , و من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القران فلا يقبل منه الا الاسلام و لا تقبل منه الجزية , أي كالمشركين ) - و قد نظرت في دلالات النص الشرعي فوجدت في صيغة الاية الخامسة من سورة المائدة - دلالة اشارة - ( من قبلكم ) تدل على اشارة لمعنى لازم لما يفهم من عبارة النص ( الذين استقبلوا الكتب السماوية قبل الاسلام ) غير مقصود بالضرورة من هذا السياق و هذا المعنى يفيد التخصيص و القصر على نكاح من كن بالفعل كتابيات قبل نزول هذا الحكم و هذا القصر ايضا يسري على فئة من المؤمنات , ( قارن ب المحصنات المؤمنات , كما جائت في الاية 25 من سورة النساء ) - فمن هن المحصنات من المؤمنات ؟
و هذا التدبر يوافق كلام الامام الشافعي , فكل فتاة في جزيرة العرب و ما حولها بلغت سن الرشد و هو معلوم عند العرب ( فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم ) وأصبحت مختارة و مكلفة و بغض النظرعن دين أبويها - فان هي اختارت اليهودية أو المسيحية بعد يوم عرفة في حجة الوداع أو بعد قيام دولة الاسلام فلا يحل نكاحها الا أن تسلم و يبدو لي ان هذا هو الحكم الذي نزل يوم عرفة من حجة الوداع , فاذا راجعنا رد فعل الصحابة رضي الله عنهم فهمنا أنهم فهموا الحكم بالتخصيص و القصر و أكبر دليل على هذا هو ان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبطل حكم نكاح الكتابيات في عهدة كما أبطل حكم نكاح المتعة فقال في الكتابيات " تنزعوهن صغارا قماء - و قال - لان صح زواجهن لصح طلاقهن " .. و قال رضي الله عنه في نكاح المتعة " عن أبي نضرة عن جابر (رضي الله عنه ) قال قلت: إن ابن الزبير ينهى عن المتعة وان ابن عباس يأمر به, قال: على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ومع أبي بكر (رضي الله عنه ) فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) هذا, وان القرآن هذا القرآن, وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وانا أنهى عنهما واعاتب عليهما: أحدهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل الا غيبته بالحجارة والاخرى: متعة الحج. (سنن البيهقي/ 7 ص206).
الخلاصة أن عبارة (من قبلكم) جائت في سياق الكلام عن نكاح الكتابيات فقيدت النكاح فقط بمن كن بالفعل كتابيات قبل نزول الحكم فهناك غاية زمانية واضحة و كما يفهم من كلام الشافعي و كما يفهم من رد فعل الصحابة رضي الله عنهم في التعامل مع الحكم و منهم على بن أبي طالب رضي الله عنه و عبدالله بن عمر رضي الله عنه , ولم تأت عبارة ( من قبلكم ) بعد ( الذين أوتوا الكتاب ) في سياق الكلام عن الطعام فأصبح طعام الذين أوتوا الكتاب حل للمسلمين الي يوم القيامة و ليس نسائهم ....... و الا فلماذا لم تأت عبارة ( من قبلكم ) بعد ( الذين أوتوا الكتاب ) في أول الآية ؟ و سلام .. أخوكم في الله