التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

كرومول
واستيلائه على مقاليد الحكم في إنجلترا

القائد الأعلى للجمهورية الإنجليزية بعد إعدام الملك شارل الأول(4)
وفي 30 نوفمبر 1655 وقع كرومول ومازاران "وكلاهما يخضع الدين للسياسة" تحالفاً إنجليزياً فرنسياً ضد أسبانيا. إن الحرب التي كانت أسبانيا قد استمرت تشنها على فرنسا بعد معاهدة وستغاليا 1648 كانت قد شغلت هاتين الدولتين أيما شغل عن التدخل في شأن كرومول واستيلائه على مقاليد الحكم في إنجلترا، أما الآن فإنها هيأت لسياسته الخارجية نجاحا رائعا، وإن كان عابرا.
قصة الحضارة ج32 ص34، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> الموت والضرائب
 
كرومول (البيوريتاني) -طائفة من البروتستانت- الذي كان البديل لملكه الملك شارل الاول المعدوم على مقصلة يخوض الحروب بجيشه ضد اسبانيا الكاثوليكية!
القائد الأعلى للجمهورية الإنجليزية بعد إعدام الملك شارل الأول(5)
:"وأخذ الجنود الإنجليز زمام المبادرة في هزيمة الجيش الأسباني في معركته تلال الدونز (بالقرب من دنكرك) في 4 يونيه 1658. ولما انتهت الحرب بصلح البرانس (1659) تخلت فرنسا عن دنكرك لإنجلترا، وبدا كرومول وكأنه عوض عن فقدان ماري تيودور لثغر كالية قبل ذلك بقرن من الزمان. أنه فكر في أن يقضي على اسم الإنجليز من العظمة ما كان للرومان من قبل، وكان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفه، فقد أصبح لإنجلترا السيادة على البحار، ومن ثم كانت المسألة مسألة وقت حتى تسيطر على أمريكا الشمالية، وتمد حكمها وسلطانها في آسيا. ونظرت أوربا كلها بعين الفزع الى البيوريتاني الذي كان يسبح الله ولكنه ابتنى بحرية، وألقى المواعظ ولكنه كسب معركة، والذي أسس الإمبراطورية البريطانية بالقوة العسكرية وهو يردد اسم المسيح. والآن 1659 كان لفرنسا السيادة في البر، وكان الطريق أمامها مفتوحا للتوسع في الأراضي الوطيئة وفرانش كونتية واللورين. وكم من رجل إنجليزي كان يجود بحياته لوقف أطماع لويس الرابع عشر العدوانية.
وفي نفس الوقت ازدهرت أحوال أمراء التجارة بسبب الحروب، وأعيد في 1657 تنظيم شركة الهند الشرقية بوصفها مشروعا برأس مال مشترك، "وأقرضت" كرومول ستين ألف جنيه، حتى تتجنب تدقيق الحكومة في فحص شئونها(66). وكانت هذه الشركة الآن من أقوى العوامل في اقتصاد إنجلترا وفي سياستها. وواجهت الحكومات نفقات الحرب برفع الضرائب إلى حد لم تبلغه في عهد شارل الأول وشارل الثاني. وباعت معظم أراضي التاج وأراضي الكنيسة الإنجليكانية، وضياع كثير من الملكيين، ونصف أراضي إيرلندة، وبرغم ذلك كله بلغ متوسط العجز السنوي 450 ألف جنيه بعد 1654. ولم ينتفع المواطن العادي إلا قليلا.
قصة الحضارة ج32 ص34،35، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> الموت والضرائب
 
رجل ادعى انه المسيح مجسدا! في زمن سيطرة البيوريتانية البروتستانتية(سبق منذ قليل عرض كلام عنها)
في هذا الجو في الغرب زمن مابعد اعدام الملك الانجليزي شارل الأول، ظهرت بدعة أغرب مما كان قد ظهر
:"إن أسوأ اضطهاد وأشده هو ما أصاب شيعه جيمس تايلر الذي بلغ به الأيمان بنظرية النور الباطن، حد الاعتقاد أو الادعاء بأنه هو المسيح مجسدا من جديد، وأنبه فوكس على هذا ولكن بعض أتباعه المخلصين الغيورين عبدوهن وأكدت إحدى النسوة أنه أعادها إلى الحياة بعد أن ظلت يومين في عداد الموتى: وعندما ركب تايلر إلى بريستول، ألقت النسوة بأوشحتهن أمام جواده وأنشدن: "مقدس، مقدس، مقدس رب القربان المقدس" وقبض عليه بتهمة التجديف. ولما سألوه عن دعاواه أو الدعاوى التي نسبوها إليه، لم يكن جوابه سوى جواب المسيح "أنت قلت" وعرض البرلمان إذ ذاك، وكان البيوريتانيون يسيطرون عليه لقضية تايلر (1656) وظل أحد عشر ويما يناقش موضوع إعدامه. وسقط القرار بأغلبية 96 ضد 82 صوتا. ولكن سادت روح تنادي بحل وسط إنساني فحكم عليه يقف ساعتين كاملتين وعنقه في آلة التعذيب (المشهرة)، ويجلد 130 جلدة، وتدمغ جبهته بالحرف الأول من لفظة مجدف (B في الإنجليزية)، وأن يثقب لسانه بقضيب من الحديد المحمي، واحتمل هذه الفظائع بشجاعة. وحياه أتباعه على أنه شهيد، وقبلوا جراحه وامتصوها واحتجزوه وحيدا في معتقل لا قلم ولا ورق ولا تدفئة ولا ضوء فيه وانهارت روحه المعنوي يوما بعد يوم، فاعترف بأنه غرر به، فأفرج عنه في 1659، وقضى نحبه فقيرا معدما في 1660(64).
قصة الحضارة ج32 ص31،32، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> الكويكرز
 
ضاعت الثورة الكبرى في انجلترا ولكن مات صاحب مذابح مابعد اعدام ملك انجلترا وفرح في انجلترا وهولندا ولاشك ايرلندة واسكوتلندا!
امتى مصر تفرح؟؟
وبات حكم الجيش وحكم القوة دون تستر أشد إزعاجا وظلما عن ذي قبل
قال ديورانت
:"وطرحت جانبا كل الأهداف التي ناضلت من أجلها الثورة الكبرى فيما بين 1642-1649. ولم يقل فظاعة عن ذي قبل فرض الضرائب دون موافقة البرلمان، والاعتقال غير القانوني، والمحاكمة دون محلفين، وبات حكم الجيش وحكم القوة دون تستر أشد إزعاجا وظلما عن ذي قبل، مذ أضفوا عليه مسحة من الدين. وأضحى حكم كرومول بغيضا ليس له مثيل، لا من قبل، ولا من بعد(67). وكانت إنجلترا ترقب موت حامي الحمى بصبر نافذ. وكم من مؤامرة دبرت لاغتياله، وكان عليه دوما أن يأخذ حذره، وزاد الآن عدد حرسه إلى 160 رجلاً، واستخدم ضابط متطرف سابق (برتبة مقدم) يدعى سكسبي Sexby، أحد السفاحين لقتله. وكشفت المؤامرة (يناير 1657) واعتقل السفاح ومات في السجن. وفي شهر مايو نشر سكسبي كتيبا بعنوان "قتل ليس بقتل"، كان دعوة صريحة للإطاحة برأس كرومول، وعثر على سكسبي ومات هو أيضا في السجن، ودبرت المؤامرات في الجيش وفي دوائر الملكيين، حيث ازداد أملهم بشكل جنوني في عودة أسرة ستيوارت إلى الحكم. واعتنقت ابنة كرومول الكبرى، زوجة اللواء المتطرف شارل فليتوود المبادئ الجمهورية، ونعت على والدها دكتاتوريته(68). وحطمت الهموم والمخاوف وفقدان الأهل والولد روح الرجل الحديدي. إنه مثل كثير ممن بلغوا ذروة السيطرة والسلطان، استشعر الأسف أحيانا لأنه تخلى عن حياة الدعة والهدوء في أيامه الأولى يوم كان من مالكي الأرض في الريف. "إني أقول، وأشهد الله على ما أقول" لو أني عشت في ظل تعريشة ورعيت قطيعا من الغنم، لكان خيرا من أن أتولى حكومة مثل هذه (69)" وفي أغسطس 1658 ماتت إليزابث أحب بناته إليه، بعد مرض طويل أليم، وبعد تشييع جنازتها بفترة وجيزة لزم كرومول فراشه وقد انتابه حمى متقطعة، وربما أفاد الكينين في شفائه، ولكن طبيبه أبى أن يستخدمه لأنه علاج حديث أتى به الجزويت الوثنيون إلى أوربا(70). وبدا أن كرومول أبل من مرضه، وتحدث في جرأة وشجاعة إلى زوجته قائلا: "لا تظني أني سأفارق الحياة، أني واثق من عكس هذا (71)". وطلب إليه أن يعين من يخلفه فأجاب "ريتشارد" أي ابنه الأكبر. وفي الثاني من سبتمبر أصيب بنكسة، وأحس باقتراب منيته. ودعا الله أن يغفر له خطاياه ويحفظ البيوريتانيين. وبعد ظهر اليوم التالي فارق الحياة. وكتب السكرتير ثورلو: "لقد صعد إلى السماء مضمخاً بدموع شعبه، على أجنحة صلوات القديسين ودعواتهم(72)" ولما وصلت أنباء موت كرومول إلى أمستردام "أضيئت المدينة أيما إضاءة، وكأنما طلقت من عقالها، ومضى الأطفال في القنوات هاتفين متهللين فرحا لموت الشيطان(73).
قصة الحضارة ج32 ص35ن36، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> الموت والضرائب
 
الانهيار الاقتصادي قبل هلاك كرومول -صاحب المجازر- القائد الأعلى لقوات الجمهورية التي ثارت على الملك الظالم واعدمته في انجلترا
:"وفي نفس الوقت ازدهرت أحوال أمراء التجارة بسبب الحروب، وأعيد في 1657 تنظيم شركة الهند الشرقية بوصفها مشروعا برأس مال مشترك، "وأقرضت" كرومول ستين ألف جنيه، حتى تتجنب تدقيق الحكومة في فحص شئونها(66). وكانت هذه الشركة الآن من أقوى العوامل في اقتصاد إنجلترا وفي سياستها. وواجهت الحكومات نفقات الحرب برفع الضرائب إلى حد لم تبلغه في عهد شارل الأول وشارل الثاني. وباعت معظم أراضي التاج وأراضي الكنيسة الإنجليكانية، وضياع كثير من الملكيين، ونصف أراضي إيرلندة، وبرغم ذلك كله بلغ متوسط العجز السنوي 450 ألف جنيه بعد 1654. ولم ينتفع المواطن العادي إلا قليلا. وطرحت جانبا كل الأهداف التي ناضلت من أجلها الثورة الكبرى فيما بين 1642-1649. ولم يقل فظاعة عن ذي قبل فرض الضرائب دون موافقة البرلمان، والاعتقال غير القانوني، والمحاكمة دون محلفين، وبات حكم الجيش وحكم القوة دون تستر أشد إزعاجا وظلما عن ذي قبل، مذ أضفوا عليه مسحة من الدين. وأضحى حكم كرومول بغيضا ليس له مثيل، لا من قبل، ولا من بعد(67).
قصة الحضارة ج32 ص35،36، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> الموت والضرائب
 
لاتظنوا ان الثورات تنتهي بفعل واحد
انما هي افعال كالدوائر حتى يستقر الحجر في الماء
فبعد الثورة الكبرى في انجلترا يعود ابن الملك مقصوف الرأس الى انجلترا ليحكمها من جديد!(المقتول شارل الأول والعائد ابنه شارل الثاني)
الى معركة أخرى!
أما قبل عودته فيقول ديورانت فالجنرال مونك هجم على انجلترا من الخارج ضد العسكر والبرلمان!!، لكن ليس لصالح الشعب ولكن لصالح عودة الملكية!
:"وأما الجنرال مونك الذي كان جيشه قد وصل إلى لندن في 3 فبراير 1660 فقد أنذر البرلمان القائم بأنه إذا لم يدع إلى انتخابات جديدة موسعة، ويحل نفسه في موعد غايته 6 مايو، فإنه - أي مونك - لن يتولى حمايته بعد ذلك. كما أشار على البرلمان بإعادة الأعضاء المشيخين الذين سبق إبعادهم، ففعل. وأعاد مجلس العموم الموسع (ازداد عدد أعضائه) إقرار مذهب المشيخية (البرسبتريانز) في إنجلترا، وأصدر الدعوة إلى انتخابات جديدة، وأعلن حل نفسه. وعند ذلك كانت النهاية الرسمية الشرعية للبرلمان الطويل (16 مارس 1660).
وفي اليوم نفسه محا أحد العمال؛ أو لطخ بالطلاء، عبارات "أخرج أيها الطاغية، هذا آخر ملك، التي كانت الجمهورية قد علقتها في "بورصة لندن". ثم ألقى العامل بقبعته وهتف "فليبارك الله الملك شارل الثاني" وعندئذ، كما يروى، "انضم كل من كان في
المكان يهتفون بأصوات مدوية (78). وفي اليوم التالي التقى مونك سراً برسول شارل، سيرجون جرينفل، الذي أسرع في الذهاب إلى بروكسل يحمل رسالة مونك إلى الملك غير ذي العرش.
صة الحضارة ج32 ص40، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> طريق العودة
 
لكن كيف كانت حياة الملك الإنجليزي العائد ، في فرنسا (شارل الثاني، ابن المقتول شارل الأول)
يخبرنا ديورانت عن ذلك فيقول
:" منذ غادر شارل الثاني إنجلترا في 1650 هاربا لاقى في هربه عنتا ومشقة، عاش متشردا قلقاً في القارة. واستقبلته أمه هنريتا ماريا في باريس، ولكن الفرنسيون كانوا قد أفقروها. وقضى شارل وحاشيته بعض الوقت في أشد العوز، عالة على الإعانات، حتى أن مستشاره المخلص، فيما بعد، إدوراد هايد كان يعيش على وجبة واحدة في اليوم. أما شارل نفسه الذي لم يكن لديه ما يسد الرمق في البيت، فكان يتناول الطعام في الحانات معظم الأحوال نسيئة، على حساب تطلعاته. ولما عاد لويس الرابع عشر إلى أيام الوفرة والرخاء أجرى شارل معاشاً سنوياً قدره ستة آلاف فرنك، ومن ثم بدأ شارل يستمتع بحياة رغدة طليقة إلى أبعد حد، حتى يدخل السرور على قلب أمه. كما أن الكاثوليك الإنجليز المهاجرين إلى فرنسا لم يألوا جهداً في تذكيره، حتى لا ينسى ما فعلوه من قبل لنصرة أبيه. ووعده مبعوثو المهاجرين المشيخين بالمساعدة على عودته إذا ارتضى حماية مذهبهم. واستمع لكلا الجانبين في لطف وكياسة، ولكنه عبر عن تصميمه على التزام مذهب الكنيسة الأنجليكانية الذي قاسى أبوه من أجله ما قاسى(79)، وربما نزع به الجدل الذي حاصروه به، إلى الشك في الدين كله. ولكن يبدو أن العبادة الكاثوليكية التي رآها حوله في فرنسا، كان لها أثر قوى عليه، وبات سراً مكتوما في حاشيته الصغيرة أنه لو أطلقت يداه لانحاز إلى الكنيسة الكاثوليكية (80) وفي 1651 كتب إلى البابا إنوسنت العاشر يعده بأنه لو عاد إلى عرش إنجلترا فلسوف يبطل كل القوانين التي صدرت ضد الكاثوليك. ولم يجب البابا بشيء. ولكن جماعة الجزويت أبلغوا شارل أن الفاتيكيان لا يمكن أن يؤيد أميرا هرطيقاً(81).
قصة الحضارة ج32 ص41، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> ويعود الملك
 
شارل الثاني يتحرك الى ملكه وملك ابيه(بعد أن أعدمت انجلترا شارل الأول) !!
انجلترا تنتكس للملكية لكن بوجه آخر تماماً غير ماكانت فقتل ملك أحدث صدمة هائلة ووعى الناس الدرس إلى حي،!!
قال ديورانت
:"فانتقل إلى كولون ومنها إلى بروكسل. وهناك في 26 مارس 1660 حمل إليه جرينفيل رسالة مونك: إذا وعد شارل بعفو عام، باستثناء مالا يزيد عن أربعة أشخاص، ومنح، حرية الفكر، وثبت الملاك الحاليين للممتلكات المصادرة، فإن مونك يلتزم بمساعدته. وفي نفس الوقت، حيث أن إنجلترا مازالت في حرب مع أسبانيا، فيحسن بشارل أن يترك الأراضي الوطيئة الأسبانية. "فانتقل شارل إلى بريدا في إقليم برامانت الهولندي، وهناك في 14 أبريل وقع اتفاقا قبل فيه شروط مونك من
حيث المبدأ، تاركا التفاصيل الدقيقة للبرلمان الجديد.وجاءت الانتخابات بمجلس عموم ذي أغلبية ساحقة من الملكيين، واتخذ اثنان وأربعون من صغار النبلاء مقاعدهم في مجلس اللوردات الجديد وفي أول مايو تليت في المجلسين كليهما الرسائل التي حملها جرينفيل من شارل وفي "إعلان بريدا" قدم الملك الشاب عفوا عاما فيما عدا الأفراد الذين يستثنيهم البرلمان فيما بعد"، وترك للبرلمان تسوية موضوع الأملاك المصادرة ووعد "بألا يزعج شخصاً أو يستدعيه لمساءلته لخلاف في الرأي في أمور العقيدة، وألا يعكر صفو الأمن في المملكة".
قصة الحضارة ج32 ص42،43، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> ويعود الملك
 
الجماهير والجيش(بعد عودة الملك شارل الثاني إلى إنجلترا، بعد إعدام شارل الأول ) يؤيدون النظام الجديد والملكي!! (لاحظ أن القضية أصبحت أوروبية فالجماهير في لاهاي تحتفل به) لكن مع تنزلات وتحولا ضخمة في الاوضاع لكن هل ستستمر، لنرى ذلك فيما بعد؟
:"وابتهجت إنجلترا كلها تقريبا بانتهاء عقدين من السنين سادهما العنف، بعودة النظام دون إراقة قطرة من الدماء. ودقت النواقيس في طول البلاد وعرضها. وفي لندن جثا الناس في الشوارع وشربوا نخب الملك(82). وهللت كل الرؤوس المتوجة في أوربا لانتصار الشرعية، حتى المقاطعات المتحدة، وهي جمهورية بشكل قوي، كرمت شارل طوال رحلته من بريدا إلى لاهاي، وقدمت له الجمعية التشريعية التي كانت قد تجاهلته حتى الآن، مبلغ ثلاثين ألف جنيه لنفقاته، عربونا للنيات الطيبة في المستقبل. وجاء إلى لاهاي أسطول إنجليزي ترفرف عليه الأعلام مزدانة بالحروف الأولى من "الملك شارل" وحمله إلى إنجلترا في 23 مايو.
وفي 25 مايو وصل الأسطول إلى دوفر، وإحتشد على الشاطئ عشرون ألفا لاستقبال الملك. ولما اقتربت السفينة من الشاطئ سجد الجميع، كما سجد الملك عندما وطئت قدماه الأرض، شكرا لله. وكتب فولتير: "أنبأني العجائز الذين كانوا هناك أن معظم العيون أغرورقت بالدموع". وربما لم يحدث من قبل مشهد مؤثر إلى هذا الحد(83). وعلى طول الطريق الذي احتشدت فيه الجموع السعيدة على مسافات قريبة، ركب شارل ومرافقوه، تتبعهم مئات الناس، إلى كنتربرى، ثم روشستر ومنها إلى لندن. وهناك خرج (120 ألفاً للترحيب به، حتى الجيش الذي حارب ضده، انضم الآن إلى قوات مونك، في هذا العرض. وانتظره أعضاء مجلسي البرلمان في قصر هويتهول. وقال رئيس مجلس اللوردات: "أيها الملك المهيب، أنت مناط رغبة ثلاث ممالك، وقوة لمختلف طبقات الشعب وسند لها، في تخفيف الانفعالات والآلام، وتسوية الخلافات .... واستعادة شرف هذه الأمم المنهار(84)". وتقبل شارل كل هذه التحية والإطراء في لطف وتملكه شعور خاص ، وعندما آوى إلى شيء من الراحة بعد أن أرهقه الانتصار، قال لأحد أصدقائه: "لا بد أنه كان من الخطأ أني لم أحضر من قبل، فإني لم ألتق بفرد واحد لم يحتج بأنه كان دوما راغبا في عودتي(85)".
قصة الحضارة ج32 ص43،44،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> كرومول -> ويعود الملك
 
الشاعر الذي دعم العسكري المستبد
ملتون شاعر إنجلترا(القرن السابع عشر)
نخن هنا سنتكلم عن شاعر إنجليزي دعم الثورة على شارل الأول الذي أُعدم، وعن رجل تكلم كلمات بارعة في حرية الصحافة ثم في حكم العسكر بعد الثورة انقلب على كلامه الفصيح!،الذي ادعى ان بعضها، كما يقول ديورانت"وزعم أنه من وحي السماء" وهو الذي دعم الاستبدداد البروتستانتي ضد الكاثوليك وقال الحرية للجميع الا هم!، وهو بروتستانتي من الفرقة التي دعمت الإنقلاب على الدكتاتور العظيم شار الأول، وقد عمي في نهاية حياته، وكانت لغته البارعة فيها أعظم البذاءات المكتوبة في الرد على الال
خصم الداعم للملكية القديمة مع أنه هو نفسه دعم عودة الملكية والسلطة العسكرية التي سفكت دماء الناس بالباطل
لكن دعونا ننظر في شخصية إنجليزية مشهورة في ذلك الزمان(زمن ماقبل ومابعد إعدجام ملك إنجلترا شارل الأول) وماذا كان تفكيره المتقلب وتناقضاته السياسية والفكرية، ولاشك أن دراسة شخصية تفتخر بها إنجلترا حتى اليوم لهو أمر ضروري للإلمام بتحولات تلك الفترة، في إنجلترا، وأوروبا، من الناحية السياسية، وغيرها، ولاننسى هنا أن نقول أن ديورانت أعقب عرضه للصراع حتى ذلك التاريخ بصفحات كثيرة ملئها بالحديث عن جون ملتون ، ويبدو أنه قصد ذلك عمداً، ليس لرفع الملل عن القارئ فقط، وإنما وأيضاُ، ليبرز الصراع الفكري بين أتباع شارل الأول وأتباع الثورة عليه لكن ليذكر أن ملتون تورط في دعم الملكية العسكرية وعودة الملكية من جديد، ودمويتها، وغير ذلك من أمور ستكتشفها في النصوص التالية، ولا أدعو القارئ إلى تجاوز موضوع ملتون الشاعر فإن المعرفة على كل حال مفيدة، في تصور التغييرات التي كانت تقوم بها الحروب والصراعات وتروح فيها أرواح وتنشأ من خلالها فرق ونزاعات فكرية دينية وغيرها داخل وخارج الفكر الكنسي المأزوم، الذي كان له نشاط واضح في كافة مجالات الحياة مما عانى الناس منه، حتى في ابسط أمور حياتهم
قال ديورانت:"
كان جد ملتون كاثوليكياً حكم عليه في 1601 بدفع غرامة قدرها ستون جنيهاً لتغيبه عن الصلوات الأنجليكانية، وحرم ابنه من الميراث لأنه تخلى عن الكنيسة الرومانية. أما جون ملتون، الذي تبرءوا منه وأنكروه فقد حصل على قدر لا بأس به من المال بوصفه كاتباً عمومياً في لندن، صاحب قلم برع في كتابة أو نسخ المخطوطات والوثائق والمستندات القانونية.... أما أخوه الأصغر فأصبح ملكياً يدين بالولاء لأسرة ستيوارت، وواحد من رجال الكنيسة التقليدية. على حين أن جون أصبح جمهورياً بيوريتانياً من أنصار كرومول...وقضى ملتون في كمبردج ثمان سنوات، وحصل على درجة البكالوريوس في 1628، والماجستير 1632. ثم تركها دون أن يحس بالولع المعهود في المتخرجين بحضور يوم الكلية التي تخرجوا منها. وكان أبوه يتوقع أن ينخرط في سلك الكهنوتية. ولكن الشاب المغرور أبى أن يقسم يمين الولاء للمذهب الأنجليكاني وطقوسه الدينية:
ومذ رأيت كيف غزا الطغيان الكنيسة-بمعنى أن الذي يرسم قسيساً يجب أن يتعهد بأن يكون عبداً رقيقاً، وفوق ذلك يقسم اليمين الذي لو لم يلتزم إلتزاماً يبعث على الضجر فإنه أما أن يحنث في يمينه أو يرائي في إيمانه-فأني وجدت من الأفضل إيثار الصمت البريء أمام الوظيفة المقدسة، وظيفة الكلام والوعظ، التي تشتري بالعبودية والقسم الكاذب(29).
قصة الحضارة ج32،ص53-55، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر الشاب
 
الشاعر الإنجليزي ملتون حياته قبل الثورة الكبرى التي اشترك فيها، وأعدمت شارل الأول ، ملك إنجلترا
"وغادر ملتون إنجلترا في إبريل 1632 يرافقه خادم. وقضى بضعة أيام في باريس (وكانت آنذاك تحت قبضة ريشليو العسكرية)، وأسرع إلى إيطاليا، حيث أقام شهرين في فلورنسة، زار خلالها جاليليو الكفيف نصف السجين، والتقى برجال الأدب، وجلس إلى الجامعيين، وتبادل معهم التحية في شعر باللاتينية، ونظم بالإيطالية قصائد السونيت، وكأنه نشأ وترعرع على ضفاف نهر أرنو أو نهر بو. وفي نابلي استقبله ورحب به وكرمه نفس المركيز مانسو الذي صادق وناصر تاسو وماريني من قبل وقضى في روما أربعة أشهر التقى فيها ببعض الكاردينالات المثقفين وأحبهم، ولكنه أعلن بصراحة مذهبه البروتستانتي. ثم عاد إلى فلورنسة، ثم تصد إلى البندقية عبر بولونيا وفيرار، ثم ذهب إلى فينبس عبوراً بمدينة فيرونا وميلان ثم قفل راجعاً إلى لندن مروراً بجنيف وليون وباريس (أغسطس 1639).
وفي كتاباته الأخيرة دون قطعتين مشهورتين عن رحلته في إيطاليا... وبدأ ملتون الآن يخطط لملحمة تخلد ذكر وطنه وعقيدته، وتخلد اسمه على مر القرون. وكان لزاماً أن تمضي عشرون سنة قبل أن يتمكن من البدء فيها، وتسع وعشرون سنة قبل أن يتمكن من نشرها. وفيما بين فترتي نظمه الشعر: الفترة الأولى (1630-1640) والثانية (1658-1668)، لعب دوراً في الثورة الكبرى، وسخر قلمه للحرب والنشر.
قصة الحضارة ج32 ص59،60، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر الشاب
 
ملتون الشاعر الإنجليزي يطور نموذج مدرسي تعلمي مخالف للكنيسة ولإجراءت الدولة في المدارس:"في 1639 استأجر ملتون مسكناً لرجل أعزب في "سانت بريد تشير شيارد" في لندن، حيث تولى التدريس لأبناء أخته. وبعد سنة واحدة انتقل معهم إلى أولد رزجيت ستريت"، وهناك (1643) أستقبل عددا آخر من التلاميذ بين سن العشرة إلى سن السادسة عشرة آواهم وعلمهم،وحصل من ذلك على دخل متواضع يكمل به المبلغ الذي خصصه له والده. وفي كتاب إلى "مستر هارتلب (1644) صاغ ملتون آراءه في التعليم...وأحس ملتون أن هذا يمكن تحقيقه على خير وجه بأن نغرس في الذهن الناشئ إيماناً قوياً باله واحد بصير، وأن نعوده على ضبط النفس... وبعد الدين والأخلاق، يجب أن تأتي الدراسات اللاتينية والإغريقية القديمة، والتي لم يستخدمها ملتون مجرد نماذج للأدب، بل وسائل لدراسة العلوم الطبيعية والجغرافيا والتاريخ والقانون والأخلاق والفسيولوجيا والطب والزراعة وهندسة العمارة، والخطابة والشعر والفلسفة واللاهوت. وإذا كان هذا التوفيق الفريد بين العلم والإنسانيات قد أفترض أن النزر اليسير قد أضيف إلى العلم منذ سقوط روما، فيجب أن نلاحظ أن هذا حقيقي فعلاً، اللهم إلا بالنسبة لجاليليو، بل أن كوبرنيكس نفسه كان له سلفه الإغريقي في شخص أرستارخوس. وفوق ذلك، اقترح ملتون تعريف تلاميذه كذلك ببعض النصوص الحديثة في العلوم والتاريخ، بل حتى ببعض النماذج الحية في الفنون العملية، وكان يأمل في أن يستقدم إلى حجرات الدراسة صيادين وبحارين وبساتين ومشتغلين بالتشريح وصيدليين ومهندسين ومعماريين، لينتقلوا إلى التلاميذ أحدث ألوان المعرفة في هذه المجالات(36) وخصص وقتاً كافياً للموسيقى
قصة الحضارة ج32،ص60،61، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> المصلح
 
شاعر إنجلترا ملتون
دعم الثورة الكبرى في إنجلترا ضد الملك المستبد شارل الأول إلا أنه لم ينضم إليها
:"وبينما انساقت إنجلترا إلى الحرب الأهلية (1642)، انطلق ملتون إلى الزواج (1643).
لم ينضم ملتون إلى جيش البرلمان، وعندما اقتربت القوات الملكية من لندن (12 نوفمبر 1642) نظم قصيدة (سونيت) يشير فيها على قادتها أن يحموا بيت الشاعر وشخصه؛ كما فعل الإسكندر الأكبر مع الشاعر بندرا من قبل، واعدا إياهم بأن ينشر على الملأ شعراً "حسن صنيعهم(53)". على أن القوات الملكية ردت على أعقابها. ولم يمس بيت ملتون بأذى
قصة الحضارة ج32 ص68،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> زواج وطلاق
 
مثال على أن قضية الدفاع عن الطلاق في إنجلترا قبل الثورة الكبرى لم تكن نتيجة فلسفة علمانية!!
وإنما بالنسبة لملتون وإنجلترا مابعد الثورة الكبرى كانت نتيجة حالة شخصية ل ملتون نفسه الذي راح وهو يعلم أن الإسلام أباحه للضرورة يفتش في الكتاب المقدس، العهد القديم عن داعم، بدلاً من جلب المتاعب مع الكنيسة والمسيحية عموما!
قال ديورانت:"
وربما أحس جون (يقصد جون ملتون) وهو في الرابعة والثلاثين، بأنه قد آن الأوان للزواج والنسل، وواضح أن ماري كانت تتحلى بالعذرية التي ينشدها. وفاجأ أبناء أخته بعودته إلى لندن متأبط ذراع زوجته.
ولم تدم السعادة طويلاً لأحد. فقد كره أبناء الأخت ماري كدخيلة عليهم، وكرهت هي كتب ملتون، وافتقدت أمها و "القدر الكبير من الصحبة والأنس والبهجة والرقص..." الذي كانت تنعم به في فورست هل. ويقول أوبري "كثيراً ما كانت تسمع أبناء الأخت هؤلاء يضربون فيتعالى صراخهم(54) مذ رأى ملتون أن ماري محدودة التفكير ضيقة الأفق ليس لديها سوى النزر اليسير من الأفكار، التي هي في جملتها ملكية، فإنه انصرف ثانية إلى كتبه. وتحدث فيما بعد عن "شريكة حياة بكماء جامدة كئيبة لا روح فيها"، ورثى "للإنسان الذي يجد نفسه مرتبطاً بأوثق رباط بهيكل من طين وبلغم، كان يأمل منه أن يكون شريك مجتمع تملؤه السعادة والبهجة والسرور(50)" ويعتقد بعض الباحثين في الزواج غير المتكافئ أن ماري أبت عليه البناء بها(56). وبعد شهر طلبت السماح لها بزيارة والديها، فوافق ملتون، مع التفاهم بينهما على عودتهما. ولكنها ذهبت ولم ترجع. وبعث إليها برسائل تجاهلها، ولما لم يجد أي متنفس آخر لمشاعره، كتب ونشر دون توقيع "مبدأ الطلاق ونظامه" (أغسطس 1643)، وأهداه إلى "برلمان إنجلترا والجمعية" أي جمعية وستمنستر التي كانت تصوغ آنذاك اعترافاً بالمذهب المشيخي. وتقدم إلى البرلمان برجاء أن يتحلل من أغلال التقاليد، ويسير بالإصلاح قدماً، بإقرار أسس أو شروط أخرى للطلاق، غير الزنى، وعرض أن يوضح:
أن التصور، وعدم الأهلية أو تنافر العقول الناشئ عن سبب طبيعي لا يتسنى تغييره، مما عوق، والأرجح أنه كثيراً ما يعوق إلى الأبد، مزايا الحياة الزوجية، وهب السلوى والبهجة والهدوء والطمأنينة، نقول أن هذا سبب للطلاق أقوى من البرودة الزوجية الطبيعية، لا سيما إذا لم يكن هناك أطفال، وكانت هناك موافقة من الطرفين(57).
واقتبس ملتون القانون اليهودي القديم الذي ورد في التوراة (سفر التثنية 24-1) "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء. وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته". وأوضح أن السيد المسيح رفض هذا الجزء من شريعة موسى. فقد جاء في إنجيل متي (5-31،32) "وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم أن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني"، واحتج ماتون بأنه "المسيح لم يقصد أن يؤخذ كلامه بمعناه الحرفي، كلمة بكلمة"(58)، وكثيراً ما أعلن أنه لم يأت ليغير مقدار ذرة من شريعة موسى. وكافح ملتون حتى يجعل تفسيره الواسع يشمل قضيته الشخصية، حتى أنه ذهب إلى حد تبرير الطلاق لعدم القدرة على الإسهام في حديث مناسب معقول. "لأن عدم الصلاحية والتخلف في العقلية التي تنفر من الزواج، يمكن أن تهبط بالزواج إلى "حالة أسوأ من حياة الوحدة الموحشة" حيث تكون النفس النابضة بالحياة مربوطة إلى مجرد جثة(59).
ونفد الكتاب الصغير بسرعة، لأنه قوبل باستنكار عام. وفي فبراير 1644 نشر ملتون طبعة مزبدة منقحة ظهر اسمه في جرأة وشجاعة. ورد على ناقديه في أسلوب العالم المتفقه، في "Ttwtrochordon" ثم في أسلوب أخف في Colasterion (صدر كلاهما في 4 مارس 1645)، تناولهم فيهما بأقسى القدح والألفاظ المقذعة-كتلة من الطين، خنزير، خنزير بري، ذو أنف بشع، محام له مخ الديك، حمار صفيق، بغيض، كريه الرائحة(60) لقد استطاع ملتون في الصحيفة الواحدة أن يقفز من مرتفعات بارناسوس إلى أحط مهاوي السفاهة والبذاءة.
وحيث أخفق في أن يحصل من البرلمان على تعديل في قانون الطلاق، اعتزم أن يتحدى القانون، ويتخذ زوجة ثانية، وكان يفضل مسن دافيز التي لا يعرف عنها شيئاً إلا أنها رفضته. ولما ترامت شائعات هذه الخطبة إلى مسامع ماري باول قررت أن تستعيد زوجها ، على أي الأحوال، حلوها أو مرها، قبل فوات الأوان. وذات يوم بينما كان ملتون في زيارة لصديق فاجأته ماري وجثت بين يديه وتوسلت إليه أن يعيدها إلى مخدعه وبيته. وتردد هو، ولكن أصدقاءه ناصروا قضيتها، فقبل عودتها إليه. وانتقل الآن إلى بيت أوسع في باربيكا ستريت، ضمها كما ضم أباه وتلاميذه. وسرعان ما جاء أبواها أيضاً مع الشاعر، بعد أن تدهورت حالهما بهزيمة الملكية، مما جعل هذا البيت أقرب ما يكون إلى دار للمجانين، أو الفلسفة. وزاد الأمر ضغثاً على أبالة في 1646، مولد طفلة ملتون الأولى آن. وخفف من هذه الفوضى موت ريتشارد باول في يولية، كما أن جون ملتون الأكبر (الوالد) اختتم حياته المديدة الكريمة في مارس التالي. ومن ثم أصبح الشاعر وريثاً لمنزلين أو ثلاثة في لندن، ولبعض المال، وربما لبعض العقارات في الريف. وفي 1647 فض ملتون مدرسته وانتقل مع زوجته وابنته واثنين من أبناء أخته إلى "هاي هلبورن ستريت" وفي 1648 ولدت له ابنته الثانية ماري.
قصة الحضارة ج32 ص68-71،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> زواج وطلاق
 
ملتون
يكتب في الحرية ويمنع الكاثوليكية من الحرية"ويرفض التسامح مع الكاثوليكية لأنها عدو للدولة، ولأنها هي نفسها موصومة بالتعصب(67). وفيما عدا ذلك، فإن الدولة التي تسود فيها حرية الفكر والكلام لابد أن ترقى وتنمو فيها سائر الأشياء سواء بسواء."
قال ديورانت تحت عنوان حرية الصحافة 1643 - 1649
:"في 13 أغسطس 1644، تحدث الكاهن المشيخي هربرت بالمر أمام مجلس البرلمان، واقترح علناً رسالة ملتون عن الطلاق. ولم تحرق الرسالة؛ ولكن شكوى بالمر ربما أدت "بشركة المكتبات" التي تضم كل باعة الكتب الإنجليز، إلى لفت نظر مجلس العموم (24 أغسطس) إلى أن الكتب والنشرات تخالف القانون الذي يتطلب تسجيلها وإجازتها بمعرفة الشركة. وكان هذا القانون قد صدر في عهد اليزابث، كما أن البرلمان كان قد جدد العمل به في 14 يونيه 1643، بإصداره أمراً ينص على:
أنه لا يطبع كتاب أو نشرة أو ورقة، أو أي جزء من شيء من هذا القبيل، أو يعرض للبيع، قبل التصديق على نسخة منه وإجازته، من أشخاص يعينهم لهذا الغرض أحد المجلسين أو كلاهما معاً، وقبل أن يسجل في السجل المعد لذلك في شركة المكتبات، طبقاً لما جرى عليه العرف من زمن بعيد(61).
ويعاقب أي خرق لهذا القانون بالقبض على من تولوا التأليف والطبع.
وكان ملتون يهمل دوماً تسجيل ما ينشره نثراً. وعلى الرغم من أن كتابه "مبدأ الطلاق ونظامه" ظهر بعد صدور الأمر سالف الذكر بشهرين، فإنه تجاهل ما يقضي به. وربما كان شاعرنا ذا حظوة لدى البرلمان لأنه ناصره في صراعه مع الملك، على أن البرلمان على أية حال، تغاضى عنه وحده ولكن الأمر ظل سيفاً مسلطاً على رأسه وعلى رؤوس سائر المؤلفين في بريطانيا. وبد لملتون ضرباً من المحال أن يزدهر الأدب في ظل مثل هذه الرقابة. فماذا يجدي خلع ملك وتحطيم نظام أسقفي استبدادي قاسٍ، إذا استمر البرلمان والكنيسة على التدقيق والتحقيق في كل كلمة يتفوه بها الإنجليز؟. وفي 24 نوفمبر 1643 أخرج درن تسجيل أو إجازة أروع أعماله النثرية "أريوباجيتيكا: حديث من جون ملتون عن حرية المطبوعات دون إجازة، إلى برلمان إنجلترا" وليس في هذا الحديث قذف ولا طعن ولا نقد لاذع، بل كان على مستوى عالٍ من اللغة والفكر وفيه يطلب إلى البرلمان بكل إجلال واحترام، أن يعيد النظر في قانون الرقابة، من حيث أنه ينزع إلى "تثبيط الهمم في سبيل العلم والمعرفة، ويعوق بل يقضي على أي إبداع واكتشاف يمكن أن يخرج في المستقبل إلى حيز الوجود في مجال الحكمة الدينية والمدنية كليهما." ثم يستطرد في قطعة مشهورة قيمة:
لست أنكر أنه من أعظم صلاحيات الكنيسة والدولة أن ترقب بعين يقظة كيف تحط الكتب من قدرها ومن أقدار الناس، ومن ثم يحتجز أو تسجن أو تطبق أقصى ما تقضي به العدالة على عوامل الشر لأن الكتب ليست أشباه ميتة إطلاقاً، بل أن فيها من الفعالية والحيوية مل يجعلها نشيطة في مثل نشاط النفس التي أنتجتها. ليس هذا فحسب، بل أنها كذلك، تحفظ، وكأنما تحفظ في قنينة، أبقى عصارة ودقة مؤثرة للفكر الحي الذي نماها وأبدعها... أعطني الحرية لأعرف وأتحدث وأناقش، بلا قيد، وفقاً لما يمليه الضمير، فوق كل الحريات(65)..ومع أن كل رياج المذاهب والمبادئ أطلقت لتهب على الأرض، حتى إذا دخلت الحقيقة إلى الميدان، أسأنا إليها بالرقابة والحظر، لنشكك في قوتها، فلنتركها مع البهتان يتصارعان، فمن ذا الذي رأى يوماً أن الحقيقة تنهزم في معركة حرة مفتوحة(66)؟.
ومهما يكن من أمر فإن ملتون لا يطالب بالحرية المطلقة للمطبوعات، فهو يؤمن بأن الإلحاد والتشهير والفحش يجب أن يحرمها القانون، ويرفض التسامح مع الكاثوليكية لأنها عدو للدولة، ولأنها هي نفسها موصومة بالتعصب(67). وفيما عدا ذلك، فإن الدولة التي تسود فيها حرية الفكر والكلام لابد أن ترقى وتنمو فيها سائر الأشياء سواء بسواء.
يخيل إلي أني أرى بعين البصيرة أمة كريمة قوية تستيقظ وتنفض النوم عن جفونها، مثل رجل قوي يفيق من سباته، وتهز خصلات شعرها. ويبدو لي أني أراها مثل نسر، يجدد شبابه ويفتح عينيه الحادتين(68) في وقت الظهيرة.
ولم يلتفت البرلمان لدفع ملتون أو حجته، بل على النقيض من ذلك، سن قوانين تصاعدت صرامتها (1647، 1649، 1653) ضد إصدار مطبوعات غير مرخصة. وشكا أعضاء شركة المكتبات من أن ملتون لم يكن قد سجل "الأريوباجيتيكا". وعين مجلس اللوردات اثنين من رجال القضاء لمساءلته، ولسنا نعرف النتيجة. ولكن من الواضح أنهم لم يزعجوه، لأنه كان صوتاً ذا نفع وقيمة للبيوريتانيين المنتصرين.
وفي فبراير 1649، أي بعد إعدام شارل الأول بأسبوعين اثنين، نشر ملتون رسالة عن "ولاية الملك والحكام"، ارتضى فيها نظرية العقد الاجتماعي التي تقول بأن سلطة الحكومة مستمدة من سيادة الشعب، وأنه من حق من يملكون السيادة أن يحاسبوا أي طاغية أو ملك شرير، وعزله وإعدامه، بعد إدانته إدانة عادلة(69)". وبعد شهر واحد دعاه مجلس الدولة في الحكومة الثورية ليكون "سكرتير المجلس للغات الأجنبية". فنحي ملحمته جانباً، ليتفرغ لمدة أحد عشر عاماً، لخدمة جمهورية البيوريتانيين وحكومة "الحماية" على عهد كرومول.
قصة الحضارة ج32 ص71-75،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> زواج وطلاق
 
ملتون يناقض نفسه وهو مع الحكام الجدد لإنجلترا( حكام الثورة الإنجليزية الكبرى التي أعدمت الملك المستبد شارل الأول، إلا أنها صارت عسكرية مستبدة)!!
قال ديورانت:" إن الرجل الذي كان قد دبج بأفصح بيان النداء الذي لم يكن له نظير من قبل، من أجل حرية الصحافةبات الآن ينظر إلى الرقابة من وجهة نظر السلطة الحاكمة. "
والنص كاملا ، قال تحت عنوان
:"سكرتير اللغة اللاتينية 1649 - 1659
كان النظام الجديد في حاجة إلى من يتقن اللغة اللاتينية، ليحرر المراسلات الأجنبية، وكان ملتون المرشح البارز لهذا العمل. حيث كان يستطيع الكتابة باللغات اللاتينية والإيطالية والفرنسية كأحد أبناء روما القديمة أو فلورنسة أو باريس، كما أنه كان قد أثبت في أشد أوقات الحرج أنه مخلص لقضية البرلمان في نزاعه ضد الأساقفة والملك. وكان مجلس الدولة لا "كرومول" هو الذي استخدمه لهذا العمل. ولم يكن له صلة وثيقة بالحاكم الجديد، ولكنه لا بد أن يكون قد رآه كثيراً، وأنه قد أحس في تفكيره وفي كتاباته، بالتقارب مع هذه الشخصية المرعبة. ولم يستخدم المجلس ملتون لمجرد ترجمة رسائله الأجنبية إلى اللاتينية، بل كذلك، ليبرز للحكومات الأجنبية، في نشرات لاتينية، وجه العدالة والحق في السياسة الداخلية التي ينتهجها المجلس، كما يبرز، فوق ذلك كيف كان من الحكمة وسداد الرأي الإطاحة برأس الملك.
وفي إبريل 1649، فور تقليده منصبه، انضم ملتون إلى موظفين آخرين في المجلس في وقف نشرات الملكيين وأنصاره المساواة ضد نظام الحكم الجديد(70). وكانت الرقابة على المطبوعات آنذاك أشد صرامة منها في أي وقت مضى في تاريخ إنجلترا، متعبة في ذلك القاعدة العامة التي تقول بأن الرقابة تشتد بتزعزع مركز الحكومة. إن الرجل الذي كان قد دبج بأفصح بيان النداء الذي لم يكن له نظير من قبل، من أجل حرية الصحافة بات الآن ينظر إلى الرقابة من وجهة نظر السلطة الحاكمة. على أنه يجدر بنا أن نلاحظ أن ملتون قال من قبل الأريوباجيتيكا: إنه من أهم صلاحيات الكنيسة والدلوة أن ترقب بعين يقظة كيف تحط الكتب من قدرها ومن أقدر الناس ومن ثم تحتجز أو تسجن أو تطبق أقصى ما تقضي به العدالة على عوامل الشر"(71).
قصة الحضارة ج32 ص75،76، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> سكرتير اللغة اللاتينية
 
ملتون خادم السلطة الجيدة بعد الثورة الكبرى وإعدام الملك شارل الأول، وهو الداعم الأكبر لكرومول الطاغية الجديد(في الملكية العسكرية!) ، يشارك في معارك فكرية وسياسية حول الملك المنقلب عليه،فقد انبرى يرد على كتب كتبت لصالح شارل الأول(الذي ستعدمه حكومة الثورة التي يعمل ملتون عندها)
"وظل على إعجابه بكرومول وامتدحه بأنه "أعظم بني الوطن وأكثرهم تألقاً وامتيازاً...أنه أبو البلاد"، وأكد له "أن في ائتلاف المجتمع الإنساني ليس ثمة شيء أحب إلى الله، أو أكثر التئاماً مع القليل من أن يتولى أسمى العقول السلطة العليا وقال للطاغية الدمويويوجه الحديث إلى "حامي الحمى": إننا جميعاً نقدرك حق قدرك ونقر بفضلك الذي لا يدانيه فضل، فأمض في طريقك القويم، ياكرومول،...يامحرر بلادك، ويا من أرسى دعائم الحرية فيها، ويا من تفوقت بأعمالك المجيدة، لا على إنجازات الملوك فحسب، بل على مغامرات أبطالنا الأسطورية أيضاً(88). " (كما سينقل ديورانت في النص التالي)
كما يبين ديورانت من كلام مليتون كيف هي نظرته(ونحن هنا بعد الثورة الإنجليزية، لاحظ!!) للحرية والإقتراع"يوضح ملتون بأجلى بيان أنه لا يقصد "بالحرية" الديمقراطية، وهو يسأل الناس:
لماذا يؤكد لكم أي إنسان حقكم في الاقتراع العام، أو قدرتكم على انتخاب من تريدون للبرلمان؟ هل من أجل أن تتمكنوا من انتخاب رجال من حزبكم في المدن، وفي الأقاليم، تنتخبون الرجل الذي مد لكم الموائد في بذخ بالغ، أو أسرف في تقديم الشراب برجال الريف والفلاحين السذج، سواء كان جديراً أو غير جدير بالانتخاب؟ ومن ثم لا يجتمع لنا في البرلمان أعضاء اتسموا بالحصافة والحكمة والخبرة والثقة، بل أعضاء صنعتهم الحزبية وموائد الطعام!!. وبعبارة أخرى تحصل على أعضاء من تجار الخمور والباعة المتجولين، من الحانات في المدن، ومن الرعاة ومربي الماشية في الريف، فهل يجدر بأي إنسان أن يكل أمور الجمهور لأمثال هؤلاء الذين لا يثق أحد أن يعهد إليهم بشأن من شئونه الخاصة(91)؟. كلا، إن مثل هذا الاقتراع العام لا يعتبر حرية"
قال ديورانت
:"ومذ كان جون ..(يقصد ملتون، جون ملتون) لليبرن(يقصد صاحب كتاب "اكتشاف أغلال جديدة") بصفة خاصة كاتباً مزعجاً من أنصار المساواة، فإن المجلس أصدر تعليماته إلى ملتون ليتولى الرد على كتابه المتطرف "اكتشاف أغلال جديدة". ولسنا ندري هل قام ملتون بهذه المهمة أو لم يقم. ولكنه يروي هو نفسه(72) أنه "أمر" أن يرد على "صورة الملك" وامتثل لهذا الأمر فنشر في 6 أكتوبر 1649 كتاباً من 242 صفحة تحت عنوان "محطم الصورة". وارتياباً، ولكن اعتراضاً منه بأن "صورة الملك" هو ما أوهم بأنه من تأليف شارل الأول نفسه، فإنه-أي ملتون تناول حجة الملكية فقرة فقرة، وانبرى لتنفيذها بكل مل أوتي من قوة ومن خلال ذلك دافع عن سياسة كرومول، وبرر إعدام الملك، وأبدى احتقاره "لتلك الشرذمة من الغوغاء المتقلبين الذين يعوزهم التفكير السليم المولعين بالصور،..قطيع ساذج عاجز تربى على الذل والخنوع....يفتتن بالطغيان(73)".
واستبد الغيظ والحنق بشارل الثاني، وهو يتجول في القارة، فاستأجر أعظم علماء أوربا كلود سوميز ليتولى الدفاع عن الملك الميت، وسرعان ما أصدر "سالماسيوس" "دفاعه عن الملك السابق شارل الأول"، في ليدن (نوفمبر 1649)، نعت فيه كرومول وأتباعه بأنهم "أوغاد متعصبون...وأنهم العدو المشترك للبشرية" وأهاب بكل الملوك، من أجلهم هم أنفسهم؛ أن يجهزوا الجيوش للقضاء على هذا الوباء...يقيناً أن دم الملك العظيم يستصرخ كل الملوك والأمراء في العالم المسيحي للثأر له. ولا يمكن أن يقوموا بعمل فيه هدوء روحه وسكونها خيراً من أن يعيدوا لوريثهالشرعي كل حقوقه كاملة، ويستردوا له عرش أبيه....وأن يذبحوا، كضحايا على جدث الميت المقدس، هذه الوحوش البالغة الضراوة، الذين تآمروا على قتل هذا الملك العظيم(24).
وخشي كرومول أن-تزيد حملات مثل هذا العالم الذائع الصيت في أوربا من الاستياء السائد في القارة ضد حكومته، فطلب إلى ملتون الرد على سالماسيوس. وجهد السكرتير اللاتيني في إنجاز هذه المهمة قرابة عام كامل، في ضوء الشموع، على الرغم من تحذير طبيبه له بأنه يفقد بصره تدريجياً، وأنه مهدد بالعمى. وكانت إحدى العينين عاطلة بالفعل، وفي 31 ديسمبر ظهر "دفاع الشعب الإنجليزي عن نفسه ضد دفاع سالماسيوس عن الملكية-لجون ملتون"، بدأ بالسخرية من سالماسيوس لبيعه خدماته لشارل الثاني، واستطرد ليظهر أن سالماسيوس قبل أربع سنوات فقط كتب يهاجم النظام الأسقفي الذي يدافع عنه الآن:
أيها العميل الفاسد المرتشي المأجور...أيها الجبان المحتقر المرتد الخارج على مبادئك...يا أشد الحمقى سذاجة وبلاهة....أنت جدير بعكازة المهرج، حين تظن أنك تغزي الملوك والأمراء بالحرب، بمثل هذه الحجج الصبيانية الواهية...هل تتخيل إذن، أيها المتلعثم المحامي الصغير الحقير، الذي لم يولد إلا لينسخ ويقلد كبار الكتاب، الذي لم يؤت أية موهبة أو ذكاء أو عبقرية، أنك ستنتج شيئاً تكتب له الحياة من عندياتك؟ صدقني أنك وكتاباتك العقيمة معاً، ستلقي في زوايا النسيان في الجيل القادم. لولا أن "دفاعك عن الملك" سيدين ببعض الفضل للرد عليه، بمحض الصدفة، وعلى الرغم من أنه قد أغفل وطرح جانباً لبعض الوقت، فإنه لذلك سيبعث من جديد(75).
وهذا هو ما حدث على وجه الدقة. أن سالماسيوس كان قد أضفى على شارل الأول صورة مثالية. ولكن ملتون يحط من قدره. ويشتبه في أن شارل حرض دوق بكنجهام على دس السم لوالده جيمس الأول، ويتهم الملك الميت بكل "ضروب الفساد الخلقي والإثم مع الدوق المذكور، ويتهم شارل بتقبيل النسوة في المسرح، وبمداعبته أثداء العذارى والعقيلات علناً(76)". وكان سالماسيوس قد أطلق على ملتون أسماء كثيرة، فثأر ملتون بأن نعت سالماسيوس بأنه، غبي، خنفساء، حمار، كذاب، قذاف مغتر، مرتد، معتوه، جهول، متشرد، عبد ذليل، ويسخر من سالماسيوس لسيطرة زوجته عليه، ويعنف على أخطائه اللاتينية. ويدعوه إلى أن يشنق نفسه، ويضمن له الدخول إلى الجحيم(77). ونظر توماس هويز إلى هذه الكتب المتنافسة من علياء فلسفته، فأعلن أنه عاجز عن أن يقرر أي الفريقين أقوى لغة وأيهما أضعف حجة(78). على أن مجلس الدولة قدم الشكر لملتون.
تلقى سالماسيوس نسخة من "دفاع" ملتون أثناء وجوده في بلاط الملكة كريستينا في ستكهلم، ووعد بالرد عليه، ولكنه أبطأ...
ومني، وهو رهين العمى، بخسارة أخرى، ففي عام 1653 انهارت الجمهورية التي طالما هلل لها ورحب بها، إلى "ملكية عسكرية" وأصبح فيها "حامي الحمى" كرومول، في واقع الأمر ملكاً. وراض ملتون نفسه على هذه التطورات بقوله: "أن أساليب العناية الإلهية يحوطها الغموض والإبهام(79)". وظل على إعجابه بكرومول وامتدحه بأنه "أعظم بني الوطن وأكثرهم تألقاً وامتيازاً...أنه أبو البلاد"، وأكد له "أن في ائتلاف المجتمع الإنساني ليس ثمة شيء أحب إلى الله، أو أكثر التئاماً مع القليل من أن يتولى أسمى العقول السلطة العليا(28)".
وسرعان ما طلب إليه أن يتولى الدفاع عن "حامي الحمى" في اتهام خطير. ذلك أنه في 1652 ظهر كتاب يشكل عنوانه نفسه صيحة الحرب "صرخة الدم الملكي" إلى السموات ضد الإنجليز الذين قتلوا أباهم" وبدأ الكتاب بأن نعت ملتون بأنه "حيوان شرير بشع، قبيح المنظر، ضخم الجسم، مكفوف البصر....جلاد...يستحق الشنق". وقرن الكتاب إعدام شارل الأول بصلب المسيح، واعتبر قتل الملك كبرى الجرائم(81) وسخر من جهر "الغاصبين" بإيمانهم بالدين:
أن لغة وثائقهم العامة محشوة بالتقى والورع وكان لزاماً أن يجاريها أسلوب كرومول ومن يدافعون عنه، وأنه لمما يثير الاشمئزاز، كما يثير السخرية المريرة، إلى أي حد من الوقاحة والصفاقة يخفي هؤلاء الأوغاد الخفيون واللصوص الظاهرون حقيقة شرورهم بذريعة أوستار من الدين(82).
وكما فعل سالماسيوس، أهاب المؤلف المجهول بدول القارة أن تغزو إنجلترا وتعيد آل ستيوارت إلى العرش. وختم الكتاب بتوجيهه إلى الحارس القذر المتوحش، جون ملتون، المدافع عن قتل الآباء وقتلتهم، مع الأمل في أن يلقى وشيكاً شر الجزاء فيضرب بالسياط:
حول هذا الرأس الحانث سدد الضربات جيداً، وشوه كل بوصة فيه بآثار العصا، إلى أن تصبح الجثة كتلة هلامية واحدة. هل توقفت؟ اضرب حتى تتفجر الصفراء من كبده من خلال عينيه الداميتين(83).
واستحث مجلس الدولة ملتون للرد على هذا العنف، ولكنه تمهل توقعاً لحملة من سالماسيوس، أملاً في أن يرد على الخصمين في رسالة واحدة. ولكن سالماسيوس قضى نحبه (1653) دون أن يتم رده. وخدع ملتون في اعتقاده بأن كاتب "صرخة الدم الملكي" هو الكساندر مورس-
Morus، وهو قسيس عالم في مدلبرج ...ملتون أبى أن يصدق هذا...يتناقله الناس في امستردام. وفي إبريل 1654 كتب جون دروري إلى ملتون، محذراً إياه بأنه مخطئ في نسبه "صرخة الدم الملكي" إلى موريس، ولكن ملتون تجاهل هذا التحذير، وفي 30 مايو كتب الدفاع الثاني للشعب الإنجليزي"-جون ملتون.
وكان سحر البيان في هذا الكتاب الذي بلغ عدد صفحاته 173، أمراً مشهوداً، حيث أملاه باللاتينية رجل كف بصره تماماً. وعزا أعداؤه ما أصابه من عمى إلى العقاب الإلهي جزاء خطاياه الفادحة. وأجاب ملتون على هذا بأنه لا يمكن أن يكون، لأن حياته كانت مثالية، وهو يشعر بالفرح والابتهاج لأن الدفاع الأول:
هكذا أصاب غريمي بهزيمة ساحقة....إلى حد أنه أستسلم من فوره وقد تحطمت روحه وانهارت سمعته، وعلى مدى السنوات الثلاث التالية من حياته، ولو أنه كان يهدد ويرغى ويزيد كثيراً. فإنه لم يعد يزعجنا، فيما عدا أنه استعان بالجهد التافه لشخص جدير بكل الازدراء، حرضه بما لست أدري من الملق القبيح المسرف، على أن يرقعا قدر الإمكان بمديحهما، ما حل بشخصه مؤخراً من دمار غير متوقع(86).
ثم يعرج ملتون على عدوه الجديد، فيذكر أن "موريس" تعني بالإغريقية "مغفل" ويتهمه بالهرطقة والتهتك والزنى، وبأن خادمة سالماً سالماسيوس حملت منه سفاحاً، ثم هجرها. بل أن طابع "صرخة الدم الملكي" نفسه يجلد بالسوط، وكل إنسان يعرف أنه غشاش مفلس سيئ السمعة(87).
وفي ظرف ومرح أكثر، ويستعرض ملتون أعمال كرومول، ويدافع عن حملاته غب أيرلندة، وعن حل البرلمان، وعن استيلاء على السلطة،
ويوجه الحديث إلى "حامي الحمى": إننا جميعاً نقدرك حق قدرك ونقر بفضلك الذي لا يدانيه فضل، فأمض في طريقك القويم، ياكرومول،...يامحرر بلادك، ويا من أرسى دعائم الحرية فيها، ويا من تفوقت بأعمالك المجيدة، لا على إنجازات الملوك فحسب، بل على مغامرات أبطالنا الأسطورية أيضاً(88).
ولكن بعد عبارات الإجلال والإكبار هذه، لم يتردد ملتون في أن يمحض كرومول النصح في أمر السياسة. فأشار عليه بأن يحيط نفسه برجال من أمثال فليتوود ولمبرت (وهما من المتطرفين)، وأن يدعم حرية الصحافة وأن يترك الدين منفصلاً تمام الانفصال عن الدولة. كما ينبغي ألا تجمع أية عشور لرجال الدين، فإنهم بالفعل متخمون، (وكل ما فيهم سمين، حتى عقولهم دون استثناء(89)". ويسترسل ملتون فيحذر كرومول من أنه "ونحن نعده، دوننا جميعاً، أعدل وأقدس وأفضل رجل" إذا أقدم على قمع الحرية التي دافع عنها، فلن تكون النتيجة إلا وبالاً ودماراً، لا لشخصه فحسب، بل كذلك لكل متطلبات الفضيلة والتقوى(90). ويوضح ملتون بأجلى بيان أنه لا يقصد "بالحرية" الديمقراطية، وهو يسأل الناس:
لماذا يؤكد لكم أي إنسان حقكم في الاقتراع العام، أو قدرتكم على انتخاب من تريدون للبرلمان؟ هل من أجل أن تتمكنوا من انتخاب رجال من حزبكم في المدن، وفي الأقاليم، تنتخبون الرجل الذي مد لكم الموائد في بذخ بالغ، أو أسرف في تقديم الشراب برجال الريف والفلاحين السذج، سواء كان جديراً أو غير جدير بالانتخاب؟ ومن ثم لا يجتمع لنا في البرلمان أعضاء اتسموا بالحصافة والحكمة والخبرة والثقة، بل أعضاء صنعتهم الحزبية وموائد الطعام!!. وبعبارة أخرى تحصل على أعضاء من تجار الخمور والباعة المتجولين، من الحانات في المدن، ومن الرعاة ومربي الماشية في الريف، فهل يجدر بأي إنسان أن يكل أمور الجمهور لأمثال هؤلاء الذين لا يثق أحد أن يعهد إليهم بشأن من شئونه الخاصة(91)؟.
كلا، إن مثل هذا الاقتراع العام لا يعتبر حرية:
فلأن أن تكون حراً، هو بالضبط أن تكون تقياً عاقلاً عادلاً معتدلاً مكتفياً بذاتك، لا تمد يديك إلى ما بأيدي الناس، وقصارى القول، أن تكون شهماً رحب الصدر شجاعاً. أما إذا تجردت من هذا كله أو كنت على نقيضه، فإنك لن تعدو أن تكون عبداً رقيقاً. وقد حكم الله على الأمة التي لا تستطيع أن تحكم نفسها وتدبر أمورها بنفسها، والتي استعبدتها شهواتها، بأنها لابد أن تستسلم لسلطان غيرها، فتقع في ذل العبودية بإرادتها وضد إرادتها معاً(92).
وفي أكتوبر 1654 أعاد أولاك طبع "الدفاع الثاني" لملتون، في لاهاي، مع رد عليه بقلم موريس بعنوان "دليل دامغ"...
ويبدو ملتون في مظهر أرق في قصيدة السونيت "مذبحة بيد مونت" (1655) . ويحتمل أنه هو الذي دون الرسائل التي أهاب فيها كرومول بدوق سافوي ليضع حداً لاضطهاد "الفدوا Vaudois" (أتباع بيتر فالدو-بيوريتانيون منشقون في جنوب فرنسا)، وإلى مزران وحكام السويد والدنمرك والمقاطعات المتحدة ومقاطعات سويسرا، ليتوسطوا لدى الدوق. وعلى الرغم من أن ملتون لابد كان يدرك أن إنجلترا سائرة في طريق استعادة ملكية آل ستيوراث، فإنه أصدر في أكتوبر 1658 طبعة جديدة من "دفاع الشعب الإنجليزي عن نفسه" في أسلوب يغري بالاستشهاد. وفي مقدمة رائعة وصف ملتون "الدفاع الأول" بأنه "أثر...تتعذر إزالته بسهولة"، وزعم أنه من وحي السماء ووضعه في المرتبة التالية لمآثر كرومول، الذي أنقذ حرية إنجلترا(96).
وقاوم في شجاعة عمياء حركة إعادة شارل الثاني، وعندما وصل جيش مونك إلى لندن، وتردد البرلمان بين الجمهورية والملكية، نشر ملتون في فبراير 1660 رسالة موجهة إلى البرلمان، تقع في 18 صحيفة، "الطريق الممهد السهل لإقامة جمهورية حرة، ومزاياه المرتقبة بالمقارنة إلى مساوئ ومخاطر إعادة الملكية في هذه الأمة". ومهرها في جرأة وبسالة باسمه (بقلم جون ملتون) وفيها ناشد البرلمان:
ألا يلوث ويهزأ بدم آلاف الإنجليز المخلصين البواسل الذين خلفوا لنا هذه الحرية، التي اشترت بحياتنا نحن. وماذا عسى أن يقول جيراننا عنا وعن اسم إنجلترا عامة، إلا أنهم على أحسن الفروض، سيسخرون منا، قدر السخرية بهذا الرجل الغبي، الذي أورد (مخلصنا) ذكره، والذي بدأ يبني صرحاً وعجز عن إتمام البناء؟ أين صرح الجمهورية الشامخ الذي تباهي الإنجليز بأنهم سيقيمونه ليتقلص ظل الملوك، وتصبح إنجلترا روما أخرى في الغرب؟....ما هذا الجنون الذي اعترى هؤلاء الذي يستطيعون في شرف وكرامة أن يدبروا شئونها بأنفسهم، حتى يحولوا كل هذه السلطات إلى شخص رجل واحد! يا للجبن والنذالة أن نحسب أن مثل هذا الفرد هو مناط حياتنا، ونعلق عليه كل سعادتنا وأمتنا وسلامتنا وخيرنا، وبدونه لا يكون لنا وجود، أو نكون مجرد أفراد كسالى بلداء أو أطفال! إنه ليجدر بنا أن نعتمد على الله وحده، وعلى أنفسنا نحن، وعلى فضائلنا العملية وعملنا الجاد(97).
وتنبأ ملتون بأن كل (الاعتداءات القديمة) التي ارتكبتها الملكية ضد حرية الشعب سوف تعود وشيكاً بعودة الملكية. واقترح أن يحل محل البرلمان (مجلس عام) يضم أقدر الرجال الذين ينتخبهم الشعب للعمل حتى الموت، ولا يخضعون للعزل إلا عند الإدانة بإحدى الجرائم، ويجدد المجلس بانتخابات دورية. وعلى هذا المجلس، على أية حال أن يوفر أكبر قدر ممكن من حرية الكلام والعبادة والحكم المحلي. واختتم ملتون رسالته بقوله: "أرجو أن أكون تحدثت إلى حد الإقناع إلى مجموعة كبيرة من الرجال الواعين المخلصين، أو إلى بعض من قد يقيمهم الله من هذه المقاعد الحجرية ليصبحوا "أبناء الحرية"، ويوقفهم ويجمعهم على قرارات حكيمة تقيم ما أعوج من أمورنا، وتصلح ما أفسد من أحوالنا، وتعالج هذه الخلل العام
المتفشي في الجمهور الذي أسيء استغلاله وأعوزه من يوجهه ويرشده(98)".
وتجاهل البرلمان هذا الالتماس الذي ينطوي على القضاء عليه. وظهرت النشرات المطبوعة التي تهاجم ملتون، وحبذت إحداها شنقه وأصدر مجلس الدولة، وهو آنئذ ملكي النزعة، أمراً بالقبض على طابع رسالة ملتون، وفصله من منصبه (السكرتير اللاتيني للمجلس) فكان جوابه على ذلك إنه أصدر طبعة ثانية مزيدة من الرسالة "الطريق الممهد السهل" (إبريل 1660)وحذر البرلمان من أن الوعود التي يقطعها الآن شارل من اليسير أن تنقض بمجرد تثبيت دعائم السلطة الملكية الجديدة. وسلم بأن غالبية الشعب ترغب في عودة شارل الثاني، ولكنه دفع بأن الأغلبية ليس لها الحق في استعباد الأقلية أو التحكم فيها. إنه لمن الأعدل....إذا وصل الأمر إلى حد الفرض بالقوة، أن ترغم الأقلية مجموعة أكبر مجموعة أكبر منها على أن تعيد إليها حريتها. من أن تفرض الأغلبية على أقلية من الناس من بني وطنهم أن يكونوا عبيداً أرقاء لهم، بشكل يسيء إليهم أبلغ إساءة(99). وتكاثرت الهجمات والحملات على ملتون وناشدت إحداها الملك شارل الثاني، وكان آنذاك في بريداً أن يتذكر جيداً الإهانات التي وجهها ملتون من قبل في رسالة "محطم الصور" وغيرها، إلى والده شارل الأول. واقترحت أن يضم ملتون إلى قائمة قتلة الملك الفعليين، لأنه يستحق الإعدام(100).
وقبل أن تصل هذه النشرة إلى شارل الثاني، كان قد أبحر هو بالفعل إلى إنجلترا، وفي 7 مايو، ودع ملتون أولاده وآوى إلى مخبأ مع أحد الأصدقاء. ولكن كشف أمره وأودع السجن، وبات مصيره لمدة ثلاثة أشهر مرهوناً بما يقرره البرلمان الملكي ورأى كثير من الأعضاء أنه إذا كان ثمة من يستحق الإعدام، فهو ملتون. وكان هذا متوقعاً. ولكن مارفل دافينانت وبعض الأعضاء الآخرين توصلوا إلى البرلمان أن يرحم شيخوخته وبصره المكفوف فاكتفى البرلمان بالأمر بإحراق بعض كتب بعينها من مؤلفاته، حيثما وجدت. وأطلق سراحه في 15 ديسمبر، فاتخذ داراً في هلبورن، انتقل إليها هو وأولاده، حيث انصرف-بعد أحد عشر عاماً صاخباً عصبياً مضطرباً، عن النشر، إلى الفترة الثانية من نظم الشعر، وهي فترة بالغة الروعة والعظمة"
قصة الحضارة ج32 ص67-86،-> عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> سكرتير اللغة اللاتينية
 
ملتون يموت معزولاً في منفاه!!(شارك في دعم الإستبداد العسكري ، وإضطهاد الكاثوليكية وهو البروتستانتي، لما بعد الثورة الكبرى في إنجلترا على الحكم المطلق لشارل الأول، الذي أعدمته الثورة)
:"الشاعر العجوز
1660 - 1667 وجد ملتون بعض السلوى والعزاء في العزف على الأرغن وفي الغناء، ويقول أوبري "كان صوته رخيماً رقيقاً(101)" وفي 1661 انتقل إلى دار أخرى، وفي 1664 استقربه المقام نهائياً في بيت في Artillery Wolk، فيه حديقة صغيرة استطاع أن يتمشى فيها دون أن يقوده أحد سوى يديه وقدميه. وكثيراً ما أقدم إليه أبناء أخته لزيارته ومعاونته، وقد نسوا ما كال لهم من ضرب في سابق الأيام، كما جاء إليه الأصدقاء ليقرئوا له، أو يكتبوا ما يمليه عليهم. وتولى بناته الثلاث خدمته بصبر نافد وجهد جهيد...ولم تشعر البنات بالسعادة في هذا البيت الكئيب، مع والد قاسٍ كثير المطالب سريع الغضب. ولما سمعت ابنته ماري بأنه يرتب لزواج جديد قالت: "ليس ثمة أنباء تستحق أن تسمع عن زفافه، ولكن النبأ الجدير بالاستماع هو نبأ وفاته"(104). واتخذ ملتون في 1663، وهو آنذاك في الخامسة والخمسين، زوجة ثالثة، هي اليزابث منشول Munshull، وكانت في الرابعة والعشرين من العمر. وتولت خدمته بإخلاص وأمانة حتى آخر أيام حياته. وبعد سبع سنوات مع زوجة الأب التي وصفها أوبري بأنها "وديعة مسالمة مرحة مقبولة"(105) هجر البنات الثلاث منزل والدهن، ليتعلمن، على نفقة ملتون بعض الحرف.
قصة الحضارة ج32 ص86،87، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر العجوز
 
ملتون شاعر إنجلترا والبلاط الجديد للإستبداد العسكري لما بعد إعدام شارل الأول ملك إنجلترا
:"وكانت عودة الملك قد كلفته كثيراً، وكادت أن تكلفه حياته، ولكنها مهدت الطريق لنظم "الفردوس المفقود". فلولاها ربما أفنى ملتون نفسه في التراشق بالنشر في المعركة، لأن "المقاتل" كان في مثل قوة "الشاعر" في شخصه. وبرغم هذا كله، لم يودع ملتون قط الأمل في أن يكتب لإنجلترا شيئاً تتغنى به لقرون قادمة. وفي 1640 أعد بياناً بموضوعات يمكن أن تكون ملحمة أو دراما، كان من بينها موضوع خطيئة آدم (خروجه من الجنة)، وأساطير الملك آرثر (ملك بريطانيا الذي يفترض أنه عاش في القرن السادس ق.م.، وبطل المائدة المستديرة) وتأرجح بين اللاتينية والإنجليزية، بأيتهما يكتب، وحتى حين قر قراره على "الفردوس المفقود"، موضوعاً له، فكر في أن يكتبه على شكل مأساة إغريقية، أو رواية دينية، على غرار روايات العصور الوسطى، وفي أوقات مختلفة نظم بعض أبيات أو مقطوعات أدخلت فيما بعد في القصيدة. ولم يتسن له إلا بعد وفاة كرومول، أن يجد فسحة من الوقت يومياً، ليكتب الملحمة، وفي 1658 فقد بصره تماماً. في الأيام السود، وألسن السوء، ولو أنها ولت، فقد لفنا الظلام واكتنفتنا الأخطار من كل جانب(106).
وتواردت على ذهنه الأبيات، حين كان يرقد عاجزاً أرقاً، ويكاد ينفجر بها. فينادي على من يكتب له قائلاً: "إنه يحتاج إلى من يحلبه(107)". وكانت تنتابه حمى الشعر، فيملي أربعين بيتاً "في نفس واحد"، ثم يجد في تصحيحها عندما تعاد تلاوتها عليه. ويحتمل ألا تكون ثمة قصيدة نظمت بمثل هذا الجد والكد والشجاعة والجراءة. وداخل ملتون شعور قوي بأنه يمثل لإنجلترا هوميروس واشعيا معاً، حيث اعتقد بأن الشاعر صوت الله، وأنه نبي أوحي إليه أن يعلم الناس.
وفي 1665، حين انتشر الطاعون بلندناتخذ التدابير صديق سجين من الكويكرز، هو توماس الوود، لنقل ملتون ليقيم في "كوخه المكون من عشة حجرات في "كالفونت سانت شيل في بنكجهام مشير". وهناك في هذه "المقصورة الجميلة" أكمل الشاعر "الفردوس المفقود" ولكن من ذا الذي يقدم على نشرها؟ لقد كانت لندن في اضطراب بالغ في 1665-1666 بسبب الحريق الذي جاء في أعقاب الطاعون، وإذا كان ثمة شيء من الفرح والمرح باق، فهو عودة الملكية في صخبها وعربدتها. وفي حالة نفسية ليس معها مجال لملحمة من 10558 بيتاً الخطيئة الأولى. لقد حصل ملتون من قبل على ألف من الجنيهات عن رسالته "دفاع الشعب الإنجليزي" أما الآن، في 27 إبريل 1667، فقد باع كل حقوقه في "الفردوس المفقود" إلى الناشر صمويل سيمونز لقاء خمسة جنيهات نقداً، مع الاتفاق على دفعات أخرى قيمة كل منها خمسة جنيهات، يتوقف تسديدها على ما يباع من الكتاب، فكان كل ما حصل عليه هو 18 جنيهاً(108). ونشرت القصيدة في أغسطس 1667. وبيع منها العامين الأولين 1300 نسخة، وفي الأحد عشر عاماً الأولى بيع 3000 نسخة
قصة الحضارة ج32 ص87،88عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر العجوز
 
في ديننا الإسلامي المعرفة مفتوحة على الكون كله، وليست محرمة،لكن في المسيحية كان الأمر مختلف!!(ظروفهم غير ظروفنا ودينهم غير ديننا وحضارتنا غير ماكانوا عليه)
ولانحتاج للشيطان ليدافع لنا عن المعرفة، كما خدمه ملتون في آخر حياته ، ليدافع عنها،بعد خبرة مع المسيحية الداعمة للحكم المطلق والجهل المطلق
وعن "الفردوس المفقود"، لملتون، أعظم قصيدة في اللغة الإنجليزية بحسب ديورانت يقول:"
وفي الأجزاء القديمة من القصيدة نجد أن فصاحة ملتون أغرته بأن يرسم لإبليس صورة تكاد تتسم بالود والعطف، وكأنه زعيم ثورة ضد السلطة الرسمية الاستبدادية. وتخلص الشاعر من أن يجعل الشيطان بطل الملحمة بتصويره، فيما بعد، بأنه "أبو الأكاذيب" الذي "يجثم مثل ضفدع الطين" أو كالأفعى التي تنزلق ملتوية فوق الوحل(112). ولكن في هذا القسم من الملحمة نفسه ينهض الشيطان مدافعاً عن المعرفة:
المعرفة محرمة محظورة؟ لماذا ينفس عليهما ربهما ذلك؟ هل تكون المعرفة إثماً؟ أو تكون فناء؟ هل يعيشان (آدم وحواء) على الجهل وحده؟ أو أن حالتهما السعيدة هي دليل طاعتهما وإيمانهما؟ سأثير في عقليهما مزيداً من الرغبة في المعرفة(113)... ومن ثم يحاور حواء وكأنه كنيسة عقلانية تحمل على كنيسة جامدة تعيش في ظلام الجهل، تقف عقبه كأداة في طريق انتشار المعرفة:
لماذا إذن كان هذا التحريم؟. لماذا كان، إلا ليرهب عباده ويبقيهم على حالة من الانحطاط والجهل، إنه يعلم أنه في اليوم الذي تأكلان من تلكما الشجرة، فإن أعينكما التي تبدو الآن صافية ولكنها كليلة، سوف تنفتح وتصفو تمام الانفتاح والصفاء، ومن ثم تكونان مثل الآلهة(114).
ويأمر روفائيل، وهو أحد الملائكة، آدم، بأن يكبت من حبه لاستطاع الكون، فليس من الحكمة أن يتطلع الإنسان إلى معرفة ما وراء نطاقه الفاني(115) فالإيمان أعقل من المعرفة.
وكان لنا أن نتوقع ألا يفسر ملتون "الخطيئة الأولى" بأنها رغبة في المعرفة، بل أنها علاقة جنسية. أنه على النقيض من ذلك، ينشد تسبيحة غير بيوريتانية إطلاقاً، من أجل مشروعية اللذة الجنسية، في حدود الزواج، ويصور آدم وحواء منغمسين في مثل هذه القيم المادية
قصة الحضارة ج32 ص90، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر العجوز
 
تعدد الزوجات عند ملتون شاعر انجلترا (القرن السابع عشر)
عن ملتون يتكلم
:"
وفي رسالته السرية "العقيدة المسيحية" دافع عن إعادة "تعدد الزوجات"، ألم يجره العهد القديم. ألم يترك العهد الجديد هذا القانون الحكيم الشجاع دون إلغاء أو تعطيل؟(121).
قصة الحضارة ج32 ص91، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر العجوز
 
انظر كيف يتناقض النص الواحد عند شاعر إنجلترا المرهف، للقرن ال17، أيام مابعد الثورة الكبرى
يعترف ملتون أن الكتاب المقدس محرف!!
رسالة ملتون السرية "العقيدة المسيحية"
قال عنها ديورانت
:"لم ينشرها ملتون قط، ولم يكشف أمرها إلا في 1823، ولم تصل إلى المطبعة إلا في 1825.
إن هذه الرسالة وثيقة جديرة بالذكر، فهي تبدأ في إطار من التقوى، ودون جدل أو لجاجة، بافتراض أن كل كلمة في الكتاب المقدس هي وحي من عند الله. وسلم ملتون بأن نصوص الكتاب المقدس قد طرأ عليها "التزييف والتشويه والتبديل" ولكنها حتى في صيغتها الراهنة، من صنع الله"!!
قصة الحضارة ج32 ص92،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر العجوز
 
ملتون ينبذ الثالوث المسيحي!!
قال ديورانت :"وعلى أساس من الأسفار المقدسة، ينبذ ملتون نظرية الثالوث الأقدس التقليدية، ويؤثر عليها هرطقة آريوس (الذي بقول بأن المسيح ليس من مادة الله، بل هو خير خليقة فقط)، فالمسيح بكل معنى الكلمة، أبن الله، ولكن الأب ولده في زمن ما، ومن ثم فهو غير معاصر للأب وليس متساويا معه أبداً. فالمسيح هو الوسيط الذي خلقه الله على أنه "اللوجوس أي الكلمة" الذي سيخلق منها كل من عداه. ولا يسلم ملتون "بالخلق من العدم"، فعالم المادة، مثل عالم الروح؛ انبثاق أو فيض سرمدي من المادة الإلهية. وحتى الروح نفسها، فهي مادة رقيقة جداً أثيرية، ولا يجوز تمييزها تمييزاً حاداً عن المادة. وفي النهاية، المادة والروح، والجسم والنفس في الإنسان، شيء واحد(125). وثمة شبه كبير يستحق الملاحظة بين هذه الآراء، وآراء هوبز (1588-1689) وسبينوزا (1632-1677)، وقد نرى أنهما فارقا الحياة في نفس العقد من السنين الذي مات فيه ملتون (1608-1674). وربما أطلع ملتون على مؤلفات هوبز التي لها دوي ملحوظ في بلاط شارل الثاني. وظلت عقيدة ملتون خليطاً غريباً من التوحيد والمادية، ومن مذهب حرية الإرادة عند جاكوب أرمينيوس (لاهوتي بروتستانتي هولندي 1506-1609)، ومن مذهب الجبرية أو القضاء والقدر عند كلفن. ويبدو في كتاباته أنه كان رجلاً متعمقاً في أمور الدين. ومع ذلك لم يذهب قط إلى الكنيسة حتى قبل فقد بصره، ولم يقم الشعائر الدينية في بيته(126). وكتب دكتور جونسون:"في توزيع ساعاته لم يخصص وقتاً للصلاة، وحده، أو مع أهل بيته. وحذف الصلوات العامة، لقد حذف الصلوات جميعاً(127)". وازدرى رجال الدين، ونعني على كرومول احتفاظه بعدد من رجال الدين تدفع الدولة رواتبهم، على أنه لون من "عبادة الأوثان"، يؤذي الدولة والكنيسة معاً(128). وفي أحد بياناته الأخيرة "بحث في العقيدة الحقة، والهرطقة والانشقاق عن الكنيسة والتسامح، وأمثل الطرق للحيلولة دون نمو البابوية" (1633) عارض بطريق مباشر الإعلان الثاني الذي أصدره شارل الثاني عن التسامح (1672)، محذرا إنجلترا من التسامح مع الكاثوليك وأنصار التوحيد، أو أية شيعة أخرى لا تعترف بالكتاب لمقدس أساساً وحيداً لمذهبها. أن هذا الرجل الذي تفوح منه رائحة الهرطقة، عرف عنه مقاومة رجال الدين وتدخلهم في الشؤون العامة والخروج على الكنيسة، هو نفس الرجل الذي أخرج للعقيدة المسيحية أكرم شرح حديث لها.
قصة الحضارة ج32 ص93، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> الشاعر العجوز
 
حكم ديورانت أو تقييمه ل ملتون
:"السنوات الأخيرة
1667 - 1674
احتفظ ملتون مع دخوله في العقد السابع من العمر، فيما خلا فقد البصر، بصحبة جسمه واعتداده بنفسه، وهما اللذان دعماه وسانداه في كل الصراعات الدينية والسياسية التي خاضها...ولم يكن بيوريتانياً بكل معنى الكلمة: كان عنده شعور البيوريتانيين بالإثم، والجحيم والإصطفاء والأسفار المقدسة التي لا تخطئ، ولكنه استساغ الجمال واستمتع بالموسيقى، وألف رواية، واحتاج إلى عدة زوجات، وتخلفت أثاره من حيوية عصر اليزابث وسطر زانته الخالية من المرح. وكان أنانياً، أو أنه كشف عن أنانيته الطبيعية إلى حد الإفراط غير المألوف. إنه كما قال أنطوني رود: "لم يكن يجهل مواهبه(131)"، وكما قال جونسن "قل من الرجال من كتب كثيراً وامتدح قليلاً من الناس، مثله(132)"، وربما تطلبت العبقرية أنانية يدعمها اعتداد داخلي بالنفس، حتى تقف في ثبات في وجه الجمهور. إن أثقل ما يمكن قبوله في ملتون هو طاقة الكراهية والبغضاء عنده، وإساءته المفرطة لمن اختلفوا عنه وذهب إلى أنه ينبغي علينا أن نصلي من أجل أعدائنا، ولكن ينبغي أيضاً أن نستنزل اللعنات جهاراً على أعداء الله وأعداء الكنيسة، وكذلك على الأخوان المضللين الزائفين، أو من يقترفون الآثام الفظيعة ضد الله، أو حتى ضد أنفسهم(133)". أما الوجه الآخر لهذه العاطفة المشبوبة، فهو شجاعة النبي في استنكار زمانه، فإنه بدلاً من أن يكمم فاه ما اقترن بعودة الملكية من شغف وصخب، هاجم في عنف، غراميات البلاط "في عهد شارل الثاني"، "والشهوات والاغتصاب" في القصور، و "البسمات المشتراة على شفاه بنات الهوى" و "المسرحيات الخليعة أو حفلات الرقص في منتصف الليل(134)".
وكأنما كان ملتون يقذف بآخر سهم في جعبته تحدياً للعصر المظلم
قصة الحضارة ج32 ص94،95، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> السنوات الأخيرة
 
ماذا وضع ملتون من رموز في روايته الفردوس المفقود؟
ديورانت يجيب ويحلل
:"فكر أنه رأى في مقاومة المسيح لإغراء الشيطان، وعداً بأن جانب الله في الإنسان لابد يوماً أن يقهر جانب الشيطان في الإنسان نفسه، ويهيئه للحياة تحت حكم المسيح والعدالة على الأرض.
ومن ثم فإن ملتون في الأقسام الأربعة من "الفردوس المسترد"، لم يركز في حياة المسيح على الصلب، بل على "تجربة الإغراء في البرية"، حيث يقدم الشيطان للمسيح "ولداناً...أجمل من سقاة الآلهة"، ثم "الحور والعذارى الفاتنات، وسيدات من حدائق التفاح الذهبي" ثم يعرض عليه المال والثراء-ولكن أولئك دون جدوى. ثم يريه الشيطان روما الإمبراطورية تحت حكم تيبريوس المنهوك المكروه الذي لم يعقب، فهلا يريد المسيح أن يقود ثورة بعون من الشيطان، وينصب نفسه إمبراطوراً على العالم؟ ولما لم يرق هذا في عيني يسوع ، ولم يستهو قلبه فإن الشيطان، أراه أثينا بلد أرسطو وأفلاطون، فهلا رغب في اللحاق بهما ليكون فيلسوفاً؟ ثم يدخل المسيح والشيطان في حوار غريب حول مزايا الأدب اليوناني والعبري. فينحاز المسيح إلى جانب أنبياء وشعراء بني إسرائيل على أنهم أسمى بكثير من اليونانيين: أخذت اليونان عنا هذه الفنون، ولم تحسن تقليدها(137). وبعد قسمين من الملحمة استغرقهما الحوار، أقر الشيطان بهزيمته، وبسط جناحيه وطار، على حين تتجمع فرقة من الملائكة حول المسيح المنتصر، وتنشد:
الآن انتقمت لآدم المغدور به، وبالتغلب على الإغراء استعدت الفردوس المفقود(138).
ولم يروِ ملتون لنا القصة بمثل الروعة الفياضة الرنانة التي تجلت في الملحمة الأولى الكبرى، ولكن بمثل براعته في الشعر، وميله إلى الحاجة، وهما أمران معهودان فيه، كما كشف في القصة حتى حادث صلب المسيح، وربما كان مرد ذلك إلى أنه لم يتفق مع القائلين بـأن موت المسيح هو الذي فتح أبواب الجنة من جديد. فالفضيلة وضبط النفس وحدهما اللذان يجلبان السعادة. ولم يدرك ملتون قط لما رفضت إنجلترا أن تأخذ بمأخذ الجد، إعادة كتابة الأناجيل على هذا الشكل المضحك، وذهب إلى القول بأن الملحمة الثانية ليست أقل من الملحمة الأولى، اللهم إلا من حيث مداها(139). وكان لا يطيق أن يسمع أن "الفردوس المفقود" تفضل "الفردوس المسترد"(140).
وتألقت عبقرية ملتون لآخر مرة في "شمشون أجونست-الجبار".إنه بعد أن تحدى هوميروس وفرجيل ودانتي، بملحمته، نراه الآن يتحدى أخيللس وسوفوكليس برواية ارتضت كل القيود المأساة (التراجيديا) اليونانية. وهو في المقدمة يطلب إلى القارئ أن يلحظ أن المسرحية (الدراما) تخضع للوحدات التقليدية القديمة، وتتجنب "خطأ الشاعر في خلط المادة الهزلية (الكوميدية) بأحزان المأساة ووقارها ورهبتها، أو في إدخال شخوص تافهين مبتذلين. وهنا نجد ملتون يولي ظهره لعصر اليزابث، ويشق طريقه إلى اليونان ولا يبعد كثيراً عن النماذج اليونانية. إن شمشون الذي فارقته قوته بعد أن حلقت دليلة سبع خصلات من شعر رأسه، وقلع من أوثقوه من الفلسطينيين عينيه، نقول أن شمشون هذا لا يحكي فقط، أوديب المكفوف في كولونس، بل أنه يحكي ملتون نفسه يعيش في عالم بغيضاً يرى منه أثراً:
"ضريرين أعداء، أواه هذا شيء أسوأ من الأغلال أو الزنزانة أو التسول، أو العجز بفعل الهرم، فالضياء، وهو فاتحة صنع الله، منطفئ أمامي، ولا أملك من مباهجه شيئاً. ربما كان يهدي من آلامي وأحزاني، آه، أنه الظلام والقتام والحكمة وسط وهج النور عند الظهيرة، ينشر كسوفاً كليلاً لا خلاص منه، دون أي أمل في بزوغ النهار(141)".
والحق أن الرواية كلها يمكن تفسيرها بأنها قصة رمزية متناغمة متماسكة: فملتون هو شمشون يناضل ويتعذب في محنته، وبنو إسرائيل المقهورون هم البيوريتانيون، أي الشعب المختار حطمته عودة الملكية، والفلسطينيون هو الملكيون الوثنيون المنتصرون، وهدم هيكلهم يكاد يكون تنبؤاً "بالثورة الجليلة" التي أطاحت بآل ستيوارت "الوثنيين" في 1788. أما دليلة فهي المرأة الخائنة ماري باول، Powell. وتكرر فرقة الموسيقى (الكورس) حجج ملتون وناقشاته من أجل الطلاق(143). ويكاد ملتون يكون قد تخلص من غضبه وحقده بترديد تلك الحجج والناقشات على لسان شمشون الذي يتقبل نهايته التي لابد آتية:
"سوف تمضي سلالة المجد، أما سلالة الخزي والعار التي ستبقى فسألحق بها وشيكاً(143)". وفي يوليه 1674 أحس ملتون بأنه يضعف وتنحط قواه، ولأسباب لا نعلمها أهمل تدوين وصيته.
قصة الحضارة ج32 ص 96،97،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> السنوات الأخيرة
 
قال ديورانت
وأنا لنعلم عن ملتون أكثر كثيراً مما نعلم عن شكسبير
قصة الحضارة ج32 ص 99،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> السنوات الأخيرة
 
الشاعر الذي قال القول ونقيضه قال بحرية الصحافة ثم لما عمل مع الاستبداد الجديد صار رقيبا على الصحافة من موقع رسمي!(لاحظ أنه الآن في حكومة مابعد الثورة الكبرى في إنجلترا مابعد إعدام شارل الأول، الملك المستبد المسيحي!!)
:"ولسنا ندري بالتفصيل لماذا ارتضى أن يكون رقيباً على الصحافة أيام كرومول، بعد دفاعه المجيد عن "حرية المطبوعات". ويمكن أن نعزو كثيراً من تعسفه وبذائته في الخصومة إلى أحول العصر ومعاييره. وقد نغتفر غروره وأنانيته باعتبارهما الركيزة التي تستند إليها العبقرية إذا لم تجد إلى القليل من ثناء الدنيا وإطرائها. ولسنا بحاجة إلى الاستماع به رجلاً. والإعجاب به شاعراً، وواحداً من أعظم الناشرين الإنجليز... وعندما طلب لويس الرابع عشر من سفيره في لندن أن يعدد له أحسن الكتاب الإنجليز الأحياء، كان جواب السفير: لا يوجد منهم من يستحق الذكر إلا ملتون الذي دافع من قبل، من سوء الحظ، عن قتل الملوك الذين كانوا آنذاك يشنقون أحياء أو أمواتاً. وحتى في هذا العصر المستهتر المشاغب، على أية حال، نجد أن أشهر شعرائه، جون دريدن، الذي قال عنه ملتون من قبل أنه "ناظم قواف جيد، وليس بشاعر(145)". نقول أن دريدن هذا، اعتبر "الفردوس المفقود" "من أعظم وأروع وأسمى ما أبدع هذا العصر وهذه الأمة من قصائد(146)". وبعد أن دالت دولة أسرة ستيوارت عاد إلى ملتون مجده ومكانته الرفيعة. وأطنب أديسون في مداحه في مجلة "سبكتاتور". ومنذ ذلك الوقت ازدادت صورة ملتون رفعة وقداسة في ضمير بريطانيا(147) حتى ناجاه وردزوث في 1802:
"أي ملتون، ما كنا أجدرك أن تكون حياً بيننا في هذه الساعة..، أن روحك مثل نجم رحل عنا بعيداً، لقد كان لك صوت يهدر كالبحر، صاف مثل السموات المكشوفة، صوت كريم حر".
قصة الحضارة ج32 ص 96،97،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> السنوات الأخيرة
 
ملتون يموت بالحمى
وفي 8 نوفمبر 1674 وأنهكت الحمى قواه، وفارق الحياة في تلك الليلة. وعاش ملتون خمساً وستين سنة وسبعة أشهر"
"اعتبر "الفردوس المفقود" "من أعظم وأروع وأسمى ما أبدع هذا العصر وهذه الأمة من قصائد(146)". وبعد أن دالت دولة أسرة ستيوارت عاد إلى ملتون مجده ومكانته الرفيعة. وأطنب أديسون في مداحه في مجلة "سبكتاتور". ومنذ ذلك الوقت ازدادت صورة ملتون رفعة وقداسة في ضمير بريطانيا(147) حتى ناجاه وردزوث في 1802:
"أي ملتون، ما كنا أجدرك أن تكون حياً بيننا في هذه الساعة..، أن روحك مثل نجم رحل عنا بعيداً، لقد كان لك صوت يهدر كالبحر، صاف مثل السموات المكشوفة، صوت كريم حر".
قصة الحضارة ج32 ص99،100، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> ملتون -> السنوات الأخيرة
 
لحظة دخول شارل الثاني إنجلترا بعد قتل والده بسنوات في الثورة الإنجليزية الكبرى وكأنه لم تحدث ثورة وشنق مستبد
تحت عنوان
عودة الملكية
1660-1685 ،قال ديورانت
"دخل الملك شارل الثاني لندن في اليوم التاسع والعشرين من مايو 1660، أي بعد ثلاثين سنة كاملة من مولده، وسط مظاهر فرح وابتهاج، تفوق كل ما تعيه ذاكرة إنجلترا من مثلها، يواكبه عشرون ألفاً من حرس المدينة...وهو مشهد كشف عن مزاج إنجلترا، وخيبة البيوريتانيين وإخفاقهم، فقد اقتضى خلع شارل الأول ست سنوات من الحروب والاضطرابات، على حين لم ترق نقطة دم واحدة في سبيل عودة ابنه إلى العرش. وتقاطر الإنجليز على قصر هويتهول لتحية الملك...وكان البرلمان، بدوره سعيداً، سيطرت عليه للوهلة الأولى، نزعة الامتثال الموسوم بالابتهاج للملك العائد: إننا وأبناءنا من بعدنا نضع أنفسنا تحت تصرف جلالتكم ونلتزم بطاعتكم إلى الأبد(3) "وقرر مجلس العموم "أن أعضاءه أنفسهم وشعب إنجلترا بأسره لن يبرءوا من الجريمة البشعة، جريمة الثورة الأخيرة غير الطبيعية، ولن ينجوا من العقوبات المترتبة على هذا الجريمة إلا إذا حظوا بصفح صاحب الجلالة وعفوه وبناءاً على ذلك قصد إليه البرلمان بكامل هيئته وجثوا أمام الملك الضاحك المبتهج، لينالوا غفرانه(4). وأحس مجلس العموم بمزيد من الإثم لأنه اجتمع دون دعوة من الملك، أو دون موافقته، ولذلك أطلق المجلس على نفسه تواضعاً أسم "اجتماع أو مؤتمر"، حتى تطيب نفس الملك، فيعلن أنه برلمان شرعي(5). وبعد انتهاء هذه المراسم، ألغي البرلمان كل التشريعات التي أصدرها البرلمان ولم يكن قد وافق عليها شارل الأول
قصة الحضارة ج32 ص101،102،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
إخراج الموتى من القبور وتعليقهم على المشانق!!!
وقتل قيادات الثورة الإنجليزية وتقطيعهم إرباً إرباً!!!
شارل الثاني ينتقم بعد عودته لإنجلترا محتفلاً به ممن أعدموا والده في الثورة الإنجليزية الكبرى
:"ورغب البرلمان في التوسع في عملية الانتقام، ولكن شارل أصر على ألا يستثني من العفو إلا من وقعوا الحكم بإعدام والده(7). وكان ثلث هؤلاء قد فارقوا الحياة، كما لاذ الثلث الثاني بالهروب، وقبض على 28 وحوكموا، وحكم على 15 بالسجن مدى الحياة، وشنق 13 ثم مزقوا أرباً (13، 17 أكتوبر 1660). ويقول شاهد العيان بيبز: أن توماس هاريسون، وهو أول من نفذ فيه الحكم، "كان يبدو مرحاً، كما يمكن أن يفعل أي رجل في مثل هذا الموقف" وتحدث بشجاعة من فوق المشنقة قائلاً أن دوره في الاقتراع على إعدام شارل الأول أملاه الله عليه(8). ويضيف بيبز: وفي الحال مزق أرباً، وعرض رأسه وقلبه على الجمهور، فتعالت صيحات الفرح(9) وفي 8 ديسمبر أصدر البرلمان أمراً بإخراج جثث كرمول وأيرتون وجون برادشو من كنيسة وستمنستر، وتعليقها على أعواد المشانق. وتم ذلك بالفعل غي 30 يناير 1661، وكأنما كان هذا لوناً من الاحتفال بذكرى موت شارل الأول، وعرضت رؤوسهم طيلة يوم كامل في أعلى قاعة وستمنستر (حيث اجتمع البرلمان). ودفنت الأشلاء في حفرة مشنقة تبيرن، كل أولئك جعل جون ايفلين يبتهج ويهلل "لحكم الله، وهو حكم هائل تحار فيه الألباب(10)". وثمة ضحية أخرى، هاري فين، الذي كان يوماً محافظاً لمستعمرة خليج ماساشوست، فقد شنق في 1662، لأنه كان أداة فعالة في تدبير إعدام سترافورد. وفي هذه القضية أغمضت رحمة الله جفونها، فقد وعد من قبل بالإبقاء على "سير هاري" الرجل الشعبي المحبوب، ولكن جراءة السجين وشجاعته أثناء المحاكمة أوغرت صدر الملك فتحجر قلبه.
قصة الحضارة ج32 ص103،104،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
هل سكت الشعب الإنجليزي على عودة الملكية من جديد
على الرغم من انحطاط معتقداتهم!؟
:"وفي 29 ديسمبر 1660 حل "المؤتمر" (البرلمان) نفسه، حتى يمهد الطريق لانتخاب أعضاء أكثر تمثيلاً للشعب، وفي غضون ذلك واجهت الحكومة أول مظاهرة عدائية تنازع في شعبيتها العاصمة...وفي 6 يناير 1661، وبينما كان الملك في تورتسموث يودع أخته الحبيبة هنريتا في طريقها إلى فرنسا، نادي بالتمرد والعصيان أحد المشتغلين بصناعة دنان النبيذ في مجمع "لقديسي الملكية الخامسة"، وعندئذ سلح سامعوه المهتاجون أنفسهم، وأسرعوا إلى الشوارع يرددون أن المسيح وحده هو الذي ينبغي أن يكون ملكاً، ويعملون القتل في كل من أعترض سبيلهم، وعاشت المدينة في ظل الإرهاب طيلة نهارين وليلتين، وانتشر "القديسون" في كل مكان يقتلون الناس في حماسة بالغة، حتى تمكنت آخر الأمر فرقة صغيرة من الحرس كانت الحكومة الواثقة من نفسها تعتمد عليها في حفظ الأمن، من تطويق المشاغبين واقتيادهم إلى حبل المشنقة. وعاد شارل مسرعاً إلى العاصمة، ونظم فرقاً جديدة من الشرطة للمحافظة على الأمن فيها.
قصة الحضارة ج32 ص105،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
الكنيسة الأنجليكانية تعطي ثقتها وتمسح الملك الداعر!!!
شارل الاول مؤيد من الكنيسة الأنجليكانية
:"وفي 23 أبريل، في يوم عيد سانت جورج راعي إنجلترا وحاميها، توج الملك السعيد في كنيسة وستمنستر، في كل مظاهر العظمة والجلال، ذات القيمة الكبرى لدى الملوك والتي يعتز بها الشعب، وحرص رجال الكنيسة الأنجليكانية التي استعادت مكانتها، وهم يمسحون الملك الداعر بالزيت المقدس، على التوكيد على تعهد الملك والتزامه بالدفاع عن العقيدة وعن الكنيسة
قصة الحضارة ج32 ص105،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
إنتقام من الفرقة المسيحية التي شاركت في الثورة الإنجليزية الكبرى وإعدام الملك شارل الأول، والمنتقم هو فرقة مسيحية اخرى بمساعدة شارل الأول ، الملك العائد مع ملكيته المطلقة لكن في جو مختلف بعد الثورة الإنجليزية الكبرى والتحولات التي أحدثتها كما سيذكرها النص التالي
:"وفي مايو (يقصد 1661م) اجتمع "برلمان الفرسان" الذي سمي كذلك لأن غالبية أعضائه كانوا ملكيين أكثر من الملك، متلهفين على الانتقام من البيوريتانيين. ووجد شارل مشقة في أن يثنيهم عن الاسترسال في إعدام أعداء والده، واسترد البرلمان، من الوجهة النظرية، كثيراً من الامتيازات التي كان قد فقدها شارل الأول: من ذلك أنه لا يصبح أي تشريع نافذ المفعول إلا بعد أن يوافق عليه المجلسان كلاهما، والملك. وكانت للملك السلطة العليا على القوات الإنجليزية المسلحة في البر والبحر، وأعاد البرلمان تنظيم مجلس اللوردات، وأعاد إليه أساقفة الكنيسة الرسمية...إن شارل في النصف الأول من حكمه بلغ من الضعف والوهن حداً لم يستطع معه أن يفرض أي قدر من السلطة المطلقة، من ذلك أنه أجاز "لبرلمان الفرسان" أن يستمر لمدة سبعة عشر عاماً، على الرغم من حقه الشرعي في حله. أنه كان من الناحية العملية ملكاً دستورياً. فإن النتيجة الجوهرية لثورة 1642-1649، وانتقال السلطة العليا من يد الملك إلى البرلمان، ثم من مجلس اللوردات إلى مجلس العموم، كل أولئك عاش بعد عودة الملكية، على الرغم من قيام الملكية المطلقة من الوجهة النظرية.
قصة الحضارة ج32 ص105،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
شارل الثاني ابن شارل الأول
والدة جدته لأمه هي ماري ملكة إسكتلندة،المعدومة في إنجلترا بفصل رأسها عن جسدها كما فعل بأبيه شارل الأول!!
انظر ص106، من قصة الحضارة ج32،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
حياة ملك إنجلترا شارل الثاني الجنسية (بعد منتصف القرن ال17)!!
ملك يتسلق الحديقة لكي يرى إمرأة!!
والبرلمان يبيح لطلاق لحاجة الملك!!، وتصريح رسمي بأن للملوك الزني بلا أدنى عقاب!!
:"أما فيما يتعلق بالناحية الجنسية، فقد كان شارل الثاني أخزى قادة زمانه، وأسوأهم، فإن تصرفاته كانت أسوأ مثال تحتذيه حاشيته والمجتمع الإنجليزي والمسرح بعد عودة الملكية، فانفلت الزمام للفجور والخلاعة في هذه كلها، وآن لنعرف أسماء ثلاث عشرة من خليلاته، أنه وهو في الثامنة عشرة، حين جاء كمن هولندا إلى إنجلترا ليقاتل من أجل والده، وجد فسحة من الوقت لينجب من "السمراء الجميلة الجريئة" لوسي وولتر، واداً كبر وترعرع تحت أسم جيمس سكوت، أعترف شارل ببنوته فيما بعد، وعينه دوق موغوث. ولحقت لوسي بشارل في القارة، وخدمته بإخلاص، والواضح أنه كان معها مساعدون آخرون لا نعرف الآن أسماؤهم. وفور أن أستقر به المقام في القصر الملكي، دعا بربارا بالمر لتسري عنه همومه وتخفف عنه متاعبه. وكانت بربارا هذه -مثل بربارا فلييرز- قد أقامت لندن وأقعدتها بجمالها. وفي سن الثامنة عشر (1659) تزوجت من روجر بالمر الذي أصبح إرل كاسلمين. وفي سن التاسعة عشر وجدت طريقها إلى مخدع الملك، ومن ثم سيطرت على روحه الوادعة، إلى حد أنه خصص لها جناحاً في قصر هويتهول، وأنفق عليها أموالاً طائلة وأجاز لها بيع المناصب السياسية، والتحكم في مصائر الوزراء. وولدت له ثلاث أبناء وابنتين أعترف ببنوتهم جميعاً، وساورته الشكوك على أية حال، لأنها وسط حبها الشديد للملك، لم تتورع عن الاتصال برجال آخرين(12)، وازدادت تفوهاً بازدياد علاقاتها غي المشروعة...وفي 1661 فكر شارل في أنه قد حان الوقت للزواج، ومن بين المرشحات أختار كاترين براجنزا ابنة جون الرابع ملك البرتغال التي قدمت إليه مع صداق هيأته الإلهية ليفي بحاجات ملك مبذر ودولة تاجرة...فقدموتزوجا في 21 مايو وفقاً للطقوس الكاثوليكية أولاً ثم الأنجليكانية... ومنذ هجرت باربارا زوجها، أصبحت الآن تعتمد كل الاعتماد على الملك، وتوسلت إليه ألا يتخلى عنها، فاستسلم لرجائها، وسرعان ما استأنف علاقته بها، وفي إخلاص موصوم بأشد الخسة والعار. ونسي الملك قواعد السلوك القويمة المألوفة، باربارا علانية إلى زوجته. فنزفت أنف كاترين دماً وانتابها إغماءه، من فرط الشعور بالمهانة والإذلال، وحُملت إلى خارج القاعة وبناء على إلحاح من الملك، أوضح لها كلارندون أن عملية الزنى امتياز ملكي معترف به للملوك في أعرق أسرات أوربا، وبمرور الوقت كيفت الملكة نفسها مع أساليب زجها الشرقية، ولمنها كانت تزوره ذات يوم، فوقعت عيناها على "شبشب" صغير بجوار سريره، فانسحبت في رفق وتلطف "حتى لا تصاب الحمقاء الجميلة الصغيرة المختفية وراء الستائر بالبرد(14)"، وكانت هذه المرة الممثلة -هول دافيز. هذا في الوقت الذي حاولت فيه كاترين كثيراً أن تنجب لشارل طفلاً، ولكنها -مثل كاترين أراجون مع ملك سابق- أجهضت عدة مرات. وفي 1670 أقر البرلمان قانوناً بالتوسع في أحكام الطلاق. وأشار بعض رجال البلاط المتلهفين على وريث بروتستانتي، شارل بأن يطلق كاترين، ولكنه أبى، حيث كان قد عرف آنذاك كيف يحبها حباً عميقاً على طريقته الخاصة.
ويصف بيبز البلاط في 27 يوليو 1667 فيقول:
"يقص على فن Fenn أن الملك وسيدتي كاسلمين قد حدثت بينهما فجوة شديدة، وأنها ستفارقه، ولكن بين جنبيها جنين، إن الملك لابد معترف ببنوته، وغلا فإنها ستحمل الوليد إلى قصر هويتهول، وتهشم رأسه أمام عيني الملك. ثم يضيف أن الملك والحاشية لم يكونوا في أي زمان في العالم بأسره أسوأ منهم الآن، بسبب اللهو والدعارة والفجور والسكر والعربدة، وغيرها من أحط الرذائل البغيضة، مما لم ير العالم مثيلها، وهذا أمر يجر الهلاك والدمار على الجميع، لا محالة(15)".
وضاق شارل ذرعاً بغضبات كاسلمين، وفي إحدى زياراته الأخيرة لها، فاجأ عندها جون تشرشل -دوق مالبرو فيما بعد-، الذي قفز من النافذة حتى يتجنب لقاء الملك(16)، .
قصة الحضارة ج32 ص107-109،،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
(2) حياة ملك إنجلترا شارل الثاني الجنسية (بعد منتصف القرن ال17)!!
قال ديورانت :"
وقد يشوقنا أن نقص كيف أن امرأة واحدة بعينها خيبت علانية أمل الملك المغرور المختال وصدته: تلك هي فرانسيس ستيوارت التي قيل إنها ربما كانت أجمل وجه وقعت عليه العين(17) ويقول أنطواني هاملتون "يندر أن يتيسر العثور على امرأة أقل ذكاء أو أكثر جمالاً(18)". وظل الملك يلحف في الوصول إليها حتى بعد زواجها من دوق وتشموند ويصف بيبز الملك وهو يجدف وحده في الليل إلى قصر سومرست، "وهناك حيث وجد باب الحديقة موصداً تسلق الجدران ليزور هذه المرأة وتلك فضيحة مخزية فظيعة(19)". وفي 1668 رأى شارل "نل جوين" وهي تمثل في "مسرح دروري لين"، وهي التي نشأت في فقر مدقع، وكانت تسلي رواد الحانة بأغنياتها، وتبيع البرتقال في المسرح، وتقوم بالأدوار الصغرى أو الأدوار الرئيسية في الروايات الهزلية، واحتفظت طوال عملها، تلقائياً بروح طيبة وإرادة طبية، مما سحر لب الملك الذي لا يبالي بشيء، والذي سئم اللذات، ولم تقم الممثلة أية عقبات في سبيل أن تكون عشيقة لجلالته. واستنزفت مبالغ طائلة من كيسه الذي يشكو خلو الوفاض، ولكنها أنفقت القدر الأكبر منها في أعمال البر والإحسان. ولكن سرعان ما كان عليها أن تنافس امرأة مغوية خطر موفدة من فرنسا (1671) لتثبت شارل على العقيدة الكاثوليكية والتقاليد الفرنسية، تلك هي لويز كيرووال التي قلدت نل مظاهرها الأرستقراطية تقليداً ساخراً شيطانياً. وكل العالم يعرف، كيف أنه، حيث حسب سكان لندن خطأ أن نل هي منافستها الكاثوليكية، فسخروا منها، أخرجت رأسها الصغير من نافذة العربة وصاحت بهم "صه أيها الشعب الطيب، أنا البغي البروتستانتية(20)" وظلت تحظى بعطف شارل إلى آخر حياته، ولم تبرح مخيلته حتى ساعة احتضاره
قصة الحضارة ج32 ص109،110،،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الملك السعيد
 
شارل الأول كان ربوبيا رفض العقائد كلها، إلا أنه كان مواليا للمسيحيين الذين كانوا مع ابيه شارل الأول
قال ديورانت
"هل تمسك الملك بأية عقيدة دينية؟...و=يقول بيرنت "أن إحساسه الديني كان ضعيفاً، إلى درجة أنه لم يكثر من التظاهر ولكن بسلوكه الموصوم بالتهاون في الصلوات وفي الأسرار المقدسة، كان لأي إنسان يراه أن يدرك كيف وقر في ذهن الملك أنه لا علاقة له بهذه الأمور(30). وقال أحد الوعاظ مرة لنبيل غلبه النعاس وهو جالس بين جماعة المصلين "سيدي: إنك تغط في نومك بصوت عال، وقد توقظ الملك(31)". وقال عنه سانت إيفر موند الذي كان يعرفه حق المعرفة أنه كان "روبوياً(32)"-وهو الذي كان يؤمن بوجود كائن أسمي غير مجسم تقريباً، ويفسر بقية المذاهب الدينية بأنها شعر شعبي. واتفق أرل بكنجهام ومركيز هاليفا كسي مع سانت إيفر موند في هذا الرأي(33) ويروي بيرمنت "قال لي الملك ذات مرة، أنه ليس ملحداً، ولكنه لا يظن أن الله يعذب الإنسان لأخذه بشيء من أسباب المتعة واللذة عرضاً أو خطأ(34)". ورحب الملك بصداقة هوبز الذي يدين بالمادية، وتولى حمايته من رجال اللاهوت الذين طالبوا بتقديمه للقضاء بتهمة الهرطقة. ويرى فولتير أن "لامبالاة الملك المطلقة" بكل الصراعات الدينية التي تفرق بين الناس عادةً، أسهمت بدرجة غير يسيرة، في حكمه السلمي(35). ويحتمل أن شارل كان متشككاً، مع شيء من الانعطاف نحو الكثلكة، بمعنى أنه كان يشك في اللاهوتيات، ويؤثر الكاثوليكية، لطقوسها النابضة بالحياة، وتعلقها بالفنون، وتساهلها مع الجسد، وتأييدها للملكية. وربما غاب عن ذاكرته أن العصبة الكاثوليكية وبعض الآباء اليسوعيين قد أقروا من قبل قتل الملك. ولكنه تذكر أن الكاثوليك الإنجليز دافعوا عن أبيه، وأن ثلث النبلاء الذين ماتوا في سبيل النضال عن شارل الأول كانوا من الكاثوليك(36)، وأن الكاثوليك الأيرلنديين بقوا على ولائهم لأسرة ستيوارت، وأن حكومة كاثوليكية كانت تمد له يد العون في منقاة الطويل الأمد -إن روح التعاطف التي تملكته بصفة عامة، جنحة به إلى الرغبة في التخفيف بعض الشيء من القوانين التي صدرت في إنجلترا ضد الكاثوليك، وهي في تقدير "هللام" قوانين "صارمة غاية الصرامة، بل هي في بعض الأحيان، دموية أو متعطشة للدم(37). ولم يشارك الملك البروتستانت الإنجليز فيما علق بأذهانهم من ذكرى "مؤامرة البارود "160"، أو الخوف من محاكم التفتيش أو البابا في رومه. ولم يغضب لالتزام أخيه العلني بالمذهب الكاثوليكي -والمفروض أنه وريث العرش. وقد يجوز لنا أن نحكم، من تحوله إلى الكثلكة وهو على فراش الموت، أنه كان من الجائز أن يعترف هو أيضاً بها، لو أن الاعتراف بها كان أمراً عملياً من الوجهة السياسية.
وهكذا فإن شارل، وهو السياسي اللطيف الودود، قبل الكنيسة الأنجليكانية ودعمها إنها قد دانت بالولاء لوالده، وفنيت بالدفاع عنه، وعانت ما عانت في أيام كرومول، وكافحت كفاحاً شديداً في سبيل عودة الملكية. إنه، أساساً، كانت تزعجه البيوريتانية، فوق أنها أتيحت لها من قبل فرصة الحكم، فكانت صارمة بغيضة إلى حد بالغ. ولم ينسى قط أن البرسبتيريانز سجنوا أباه وأن البيوريتانز أطاحوا برأسه، وأنه هو نفسه أرغم على قبول مذهبهم والاعتذار عن أخطاء آبائه. ووقع القانون الذي أصدره "البرلمان المؤتمر"، بإعادة الكهنة الأنجليكانيين إلى أبرشياتهم، التي كانت "الجمهورية" قد جردتهم منها، وكان وجه العدالة والإنصاف واضع في هذا القانون. وعلى الرغم من ذلك، كان قد وعد "بالحرية لذوي الضمائر الواهنة"، وألا يضار أي إنسان بسب الخلافات الدينية مادامت مسالمة. واقترح شارل في أكتوبر 1660 تسامحاً شاملاً مع كل الفرق المسيحية، بل كذلك تخفيف القوانين المعادية للكاثوليكية. ولكن البرسبتيريانز والبيوريتانز الذين خشوا مغبة هذا التراخي، انضموا إلى الأنجليكانيين في رفض هذا المشروع. ورغبة في المصالحة بين البرسبتيريانز والأنجليكانيين عرض الملك طقوساً تكون حلاً وسطاً بين الطائفتين ونظاماً أسقفياً محدوداً يتولى بمقتضاه بعض المشايخ المنتخبين تقديم العون والمشورة للأساقفة. ولكن البرلمان عارض هذه الفكرة. وأبلغ "مؤتمر سافوي" المكون من أثنى عشر أسقفاً، ومثلهم من المشايخ -أبلغ الملك "أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى اتفاق(38)".
وتلك الفرصة ضُيعت، لأن البرلمان الجديد كان أنجليكانياً بأغلبية ساحقة. فنكأ الجراح القديمة بإعادة النظام الأسقفي في اسكتلندا وأيرلندا، وأعاد المحاكم الكنسية للمعاقبة على "التجديف"، والتخلف عن دفع العشور للكنيسة الأنجليكانية، وجعل "كتاب الصلوات العامة الأنجليكاني" إلزامياً على جميع الإنجليز، وبمقتضى "قانون التوحيد" (20 نوفمبر 1661) حرمت المناصب العامة على كل الأشخاص اللذين لم يتلقوا الأسرار المقدسة وفقاً للطقوس الأنجليكانية قبل الانتخابات، وبمقتضى "مرسوم التنسيق" (19 مايو 1662) طلب إلى كل رجال الدين والمعلمين أن يقسموا اليمين على ألا يقاوموا الملك، وأن يعلنوا موافقتهم التامة على كتاب الصلوات العامة. وكان على رجال الدين الذين رفضوا هذه الشروط أن يتخلوا عن مراكزهم في موعد غايته 24 أغسطس ورفضها نحو 1200 منهم فطردوا. وهؤلاء بالإضافة إلى 1800 آخرين أخرجوا عند عودة الأنجليكانيين، انضموا جميعاً، مع مجموعة كبيرة من المجامع، إلى العدد المتزايد من "الشيع" أو "المنشقين"، الذين أرغموا أولى الأمر في النهاية على إصدار قانون التسامح 1689.
وحاول شارل أن يعدل من "مرسوم التنسيق" فطلب من البرلمان أن يستثني من العزل أولئك القساوسة الذين لم يعترضوا إلا على ارتداء اللباس الكهنوتي الأبيض، أو استخدام الصليب في التعميد، فوافق اللوردات ورفض النواب. وسعى الملك من أثر اللطمة، بتأجيل تنفيذ المرسوم لمدة ثلاثة أشهر، ولكن أحبطت هذه المساعي كذلك. فأصدر في 26 ديسمبر 1662 بياناً أعلن فيه عن عزمه على أن يستثني من العقوبات التي نص عليها القانون الأشخاص المسالمين الذين أبت عليهم ضمائرهم أداء القسم المطلوب، ولكن البرلمان، ارتاب في هذا الأجراء ورفضه، باعتبار أنه ينطوي ضمناً على سلطة الملك في الإعفاء من إطاعة القوانين. وعبر الملك عن مشاعره بالإفراج عن الكويكرز المعتقلين (22 أغسطس 1662) وبالتوكيد على التسامح الديني في المواثيق التي منحها لجزيرة رود وكارولينا، وفي التعليمات التي وجهها إلى حاكمي جمايكا وفرجينيا.
قصة الحضارة ج32 ص112-116، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> مرجل الدين
 
الإنجيليون البروتستانت يعطون شارل الثاني "حق الملك الإلهي" !! ، بعد عودته من المنفى، كما دعموا والده(شارل الأول الذي أعدمته من قبل الثورة الإنجليزية) ومحاولة الضغط على الكاثوليك وغيرهم في المملكة الظافرة
قال ديورانت
:"وهكذا فإن شارل، وهو السياسي اللطيف الودود، قبل الكنيسة الأنجليكانية ودعمها إنها قد دانت بالولاء لوالده، وفنيت بالدفاع عنه، وعانت ما عانت في أيام كرومول، وكافحت كفاحاً شديداً في سبيل عودة الملكية...إنه، أساساً، كانت تزعجه البيوريتانية، فوق أنها أتيحت لها من قبل فرصة الحكم، فكانت صارمة بغيضة إلى حد بالغ. ولم ينسى قط أن البرسبتيريانز سجنوا أباه وأن البيوريتانز أطاحوا برأسه، وأنه هو نفسه أرغم على قبول مذهبهم والاعتذار عن أخطاء آبائه. ووقع القانون الذي أصدره "البرلمان المؤتمر"، بإعادة الكهنة الأنجليكانيين إلى أبرشياتهم، التي كانت "الجمهورية" قد جردتهم منها...واقترح شارل في أكتوبر 1660 تسامحاً شاملاً مع كل الفرق المسيحية، بل كذلك تخفيف القوانين المعادية للكاثوليكية. ولكن البرسبتيريانز والبيوريتانز الذين خشوا مغبة هذا التراخي، انضموا إلى الأنجليكانيين في رفض هذا المشروع... وتلك الفرصة ضُيعت، لأن البرلمان الجديد كان أنجليكانياً بأغلبية ساحقة. فنكأ الجراح القديمة بإعادة النظام الأسقفي في اسكتلندا وأيرلندا، وأعاد المحاكم الكنسية للمعاقبة على "التجديف"، والتخلف عن دفع العشور للكنيسة الأنجليكانية، وجعل "كتاب الصلوات العامة الأنجليكاني" إلزامياً على جميع الإنجليز، وبمقتضى "قانون التوحيد" (20 نوفمبر 1661) حرمت المناصب العامة على كل الأشخاص اللذين لم يتلقوا الأسرار المقدسة وفقاً للطقوس الأنجليكانية قبل الانتخابات، وبمقتضى "مرسوم التنسيق" (19 مايو 1662) طلب إلى كل رجال الدين والمعلمين أن يقسموا اليمين على ألا يقاوموا الملك، وأن يعلنوا موافقتهم التامة على كتاب الصلوات العامة. وكان على رجال الدين الذين رفضوا هذه الشروط أن يتخلوا عن مراكزهم في موعد غايته 24 أغسطس ورفضها نحو 1200 منهم فطردوا. وهؤلاء بالإضافة إلى 1800 آخرين أخرجوا عند عودة الأنجليكانيين، انضموا جميعاً، مع مجموعة كبيرة من المجامع، إلى العدد المتزايد من "الشيع" أو "المنشقين"، الذين أرغموا أولى الأمر في النهاية على إصدار قانون التسامح 1689.
وحاول شارل أن يعدل من "مرسوم التنسيق" فطلب من البرلمان أن يستثني من العزل أولئك القساوسة الذين لم يعترضوا إلا على ارتداء اللباس الكهنوتي الأبيض، أو استخدام الصليب في التعميد، فوافق اللوردات ورفض النواب. وسعى الملك من أثر اللطمة، بتأجيل تنفيذ المرسوم لمدة ثلاثة أشهر، ولكن أحبطت هذه المساعي كذلك. فأصدر في 26 ديسمبر 1662 بياناً أعلن فيه عن عزمه على أن يستثني من العقوبات التي نص عليها القانون الأشخاص المسالمين الذين أبت عليهم ضمائرهم أداء القسم المطلوب، ولكن البرلمان، ارتاب في هذا الأجراء ورفضه، باعتبار أنه ينطوي ضمناً على سلطة الملك في الإعفاء من إطاعة القوانين. وعبر الملك عن مشاعره بالإفراج عن الكويكرز المعتقلين (22 أغسطس 1662) وبالتوكيد على التسامح الديني في المواثيق التي منحها لجزيرة رود وكارولينا، وفي التعليمات التي وجهها إلى حاكمي جمايكا وفرجينيا.
وأحس البرلمان أنه ليس ثمة متسع لهذا التسامح في إنجلترا. ولكي يمنع اجتماعات الكويكرز السرية للعبادة، قال أنها تضم أكثر من خمسة أشخاص بالإضافة إلى أفراد البيت، وحكم 1662 على كل شخص يحضرها بدفع غرامة قدرها خمسة جنيهات، أو بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، للمخالفة الأولى، ومضاعفة العقوبة (10 جنيهات غرامة أو ستة أشهر في السجن) للثانية، والنفي إلى مستعمرات المجرمين، للثالثة، أما المخالفون الذين يعجزون عن دفع نفقات انتقالهم إلى المستعمرات فكان عليهم أن يخدموا لمدة خمسة سنوات، عمالاً لا بعقود خاصة. أما المدانون أو المخالفون المرحلون الذين يهربون أو يعودون إلى إنجلترا قبل انقضاء، المدة المحكوم بها، فتكون عقوبتهم الإعدام، وفي 1664 امتدت هذه الإجراءات إلى البرسبتيريانز والمستقلين. وحظر "قانون الأميال الخمسة" (1665) على القساوسة الذين امتنعوا على حلف اليمين، أن يقيموا في نطاق خمسة أميال في أي مدينة ذات مجلس بلدي، أو يقوموا بالتدريس، في أية مدرسة خاصة أو عامة. وأطلق على هذه القوانين "تشريع كلارندون" لأن الذي فرضها هو كبير وزراء الملك ضد إرادة الملك أو رغباته الصريحة، وقبل شارل هذه التشريعات الصارمة لأنه كان يناشد البرلمان إقرار الاعتمادات التي طلبها. ولكنه لم يغفر قط لكلارندون، كما فقد ثقته بالأساقفة وقل احترامه لهم، لأنهم ما لبثوا أن أعيدوا حتى بدءوا ينتقمون أشد الانتقام، ويقبضون أيديهم عن البر والإحسان. وانتهى شارل إلى "أن المشيخة ليست مذهباً يليق بالرجل الماجد المهذب، وأن الأنجليكانية ليست
مذهباً يليق بالرجل المسيحي(39)"وإذ أدركت الكنيسة الأنجليكانية اعتمادها على الملكية، فإنها أكدت من جديد، وبشكل أكثر إيجابية عن ذي قبل "حق الملك الإلهي" والإثم العظيم الذي يؤدي إلى الهلاك، في مناهضة حكومة ملكية قائمة. .
قصة الحضارة ج32 ص114،117،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> مرجل الدين
 
حرق السحرة وإجازة الإتصال الجنسي لا للمتعة الحلال ولكن للإنجاب فقط!!!
كنا قد قدمنا تعريف بالبيوريتانيين الذين اسسوا الجمهورية التي انهارت بعد الثورتهم الإنجليزية الكبرى، وبقي علينا أن نقدم مثال على ألمع شخصية من البيوريتانيين كما يقول ديورانت وهو"ريتشارد باكستر"
قال ديورانت عنه
:"فإنه على الرغم من إخلاصه الشديد البيوريتاني حتى النهاية، أستنكر إعدام شارل الأول، وحكم كرومول حكماً استبدادياً مطلقاً، وحبذ عودة الملكية. ومنع عام 1662 من الوعظ، وأعتقل مراراً وتكراراً لمخالفته أمر الحظر. وكان من أكثر البيورتانيين استنارة، ولكنه مع ذلك أستحسن إحراق السحرة في سالم ومساشوست، وفكر في ربه على أساس جعل "مولوخ" (اله سامي كان يعبد عن طريق تضحية الأطفال على مذبحه)... وحرم باكستر الاتصال الجنسي إلا بقصد الإنجاب مع حليلة شرعية. ومنذ رأى أن هذا التقليد يتطلب ضبط النفس على طريقة الرواقيين، لأنه أوصى بالحمام البارد والتغذي على الخضراوات، لتخفيف من الشهوة الجنسية(46) وقد نغتفر له لاهوته إذا رأيناه، وهو في السبعين من العمر (1685) واقفاً في قفص الاتهام أمام القاضي الوحشي الغليظ القلب "جفري"، لأنه تفوه ببضع كلمات ضد مزاعم الأنجليكانيين ولم تتح له أية فرصة للدفاع عن نفسه أو تفسير آرائه، وحكم عليه بدفع غرامة قدرها 500 جنيه، أو السجن حتى يدفع المبلغ كاملاً(47). وأفرج عنه بعد 18 شهراً، ولكنه لم يسترد عافيته بعد ذلك قط.
قصة الحضارة ج32 ص118،119،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> مرجل الدين
 
السجون الإنجليزية (بعد منتصف القرن ال17) تمتلى بالفرق المسيحية المخالفة للبروتستانتية الإنجليكانية الحاكمة مع ملك عاد بالملكية وهو شارل الثاني، الذي انتقم لوالده بقتل من بقي حياً من رجال الثورة الإنجليزية المنقلبة على الحكم المطلق لوالده ما أدى إلى إعدام والده(شارل الاول)
الكويكرز نموذجا، ولاتنسى الكاثوليك، لكن الأمر المدهش أن الكويكرز كانوا يخدمون مملكة إنجلترا الإستعمارية في مستعمراتها وهم يشاهدون الإضطهاد لأهل المستعمرات!!!
وفي النص الحديث عن محاكمة لرجل 1669 كان لها دوراً في تاريخ القانون الإنجليزي أي واقعة وليس فلسفة علمانية، لكن الأمر دفاع مستمر ، مع عوامل أخرى مثل العلم والإطلاع على حواضر الإسلام القريبة في أوروبا نفسها، وكذلك الخبرة من خلال الحروب الصليبية، بل إنه حتى الملك نفسه (شارل الثاني) كان يعاني من بعض القوانين الكنيسية التي فرضت على الناس!
قال ديورانت
:"وظل الكويكرز يعانون الاعتقال ومصادرة الممتلكات لرفضهم تأدية القسم أو لتخلفهم عن الصلوات الأنجليكانية، أو عقد الاجتماعات الغير مشروعة. وفي 1662 كان في السجون الإنجليزية أكثر من 4200 منهم: "وحشر بعضهم في السجن حشراً لا يدع مجالاً للجلوس وحرموا من فرش القش ليرقدوا عليها، وكثيراً ما منع عنهم الطعام(48). ولكن جلدهم ومثابرتهم وتشبثهم أكسبهم آخر الأمر، وخفت حدة الاضطهاد عملياً، إن لم يكن قانونياً، وفي 1672 أطلق شارل سراح 1200 رجل منهم(49)، وفي 1682 منح أخوه جيمس دوق يورك براءة مقاطعة جرسي الشرقية في أمريكا، إلى روبرت باركلي وهو كويكري اسكتلندي، و"الصاخب" الكويكري الغني ليم بن، وبعض زملائهم الآخرين. وكان بن وهو ابن أمير البحر وليم بن الذي استولى على جاميكا لإنجلترا. قد مر وهو صبي في الثانية عشرة بأطوار مختلفة من الانفعال الديني ...). وفي 1661 طرد من أكسفورد وحكم عليه بدفع غرامة لأنه رفض حضور الصلوات الأنجليكانية...وفي 1666 ارتضى لنفسه الخدمة في الجيش الإنجليزي الذي يعمل في ايرلندا، ولكن بعد عام واحد شهد اجتماعاً للكويكرز في كورك، والتهب حماسه من جديد، فطرد جندياً ضايقه بكثرة الأسئلة فاقتيد إلى السجن، ومنه كتب إلى حاكم مونستر يلتمس إباحة حرية العبادة. وبعد عودته إلى إنجلترا أحرق مراكبه من خلفه، وأصبح واعظاً كويكرياً، وقبض عليه مرة بعد المرة، ولعبت محاكمته 1669 دوراً في تاريخ القانون الإنجليزي. ذلك أن هيئة المحلفين برأته، فحكم القاضي على المحلفين بالسجن والغرامة بتهمة إهانة المحكمة وازدرائها. فاستأنف المحلفون أمام المحكمة الدعاوى المشتركة، التي أعلنت عدم شرعية القبض عليهم، وكان في هذا تثبيت لحق هيئة المحلفين وسلطتهم في إنجلترا. ولكن بن أودع السجن، على أية حال، لأنه رفض أن يخلع قبعته في المحكمة. وأخلي سبيله في الوقت المناسب ليحضر وفاة أبيه (1670)، وقد ترك له دخلاً يقدر بألف وخمسمائة جنيه في العام. وديناً على التاج قدره 16 ألفاً من الجنيهات أقرضه أبوه لشارل الثاني وأعيد إلى السجن لقيامه بإلقاء العظات، وفيه كُتب أبلغ دفاع عن التسامح تحت عنوان "القضية الكبرى لحرية الضمير"، (1671)، وفي إحدى الفترات التي تمتع فيها بالحرية تزوج من امرأة ثرية، واشترى حصة من النصف الغربي لما يعرف الآن بولاية نيوجرسي. وصاغ لهذه المستعمرة دستوراً يؤكد فيه على التسامح الديني وسلطة المحلفين في التحقيق والحكومة الشعبية، ولكن الزمام أفلت من يده، ولم تطبق مواد هذا الدستور. وفي 1667 عبر بن وجورج فوكس وروبرت باركلي وجورج كيث القنال الإنجليزي ليبشروا بمذهب الكويكرز في القارة، وأسس جماعة من "كرهم" ممن حولهم بن إلى مذهبه، مدينة "جرمان تون"، في بنسلفانيا، وكانوا أول من أعلن أنه من الخطأ أن يكون للمسيحين رقيق. ورجع بن إلى إنجلترا، وأخذ زمام المبادرة في منع الكويكرز من الانضمام إلى حركة اضطهاد الكاثوليك" من أجل ما يسمى "بالمؤامرة البابوية". وكان "خطابه إلى البروتستانت من جميع المذاهب" (1679) نداءاً قوياً للتسامح الديني في أكمل صورة. وفي 1681 قبل التاج اقتراح بن التنازل عن حقه في المطالبة بالدين، لفاء منحه ما يعرف الآن باسم بنسلفانيا.أن بن اقترح اسم "سلفانيا" للجزء المترامي الأطراف الكثيف الأحراش، فألحق شارل الثاني مقطع "بن" بهذه اللفظة، تخليداً لذكرى أمير البحر. وعلى الرغم من الخضوع التام للملك، فإن حكومة المستعمرة الجديدة كانت ديموقراطية، وكانت العلاقة مع الهنود ودية قائمة على العدل والإنصاف، كما أطلق الكويكرز، وهم يشكلون غالبية المستوطنين، الحرية الدينية. وعمل بن في هذه المستعمرة بجد لمدة عامين، ولكنه في 1684 سمع بنبأ اضطهاد جديد عنيف تتعرض له طائفته. فأسرع بالعودة إلى لندن. وهناك بعد عام واحد أصبح صديقه، دوق يورك ملكاً على إنجلترا، وهو جيمس الثاني، كما صار بن من ذوي النفوذ والمكانة في الحكومة. ولنا معه لقاء آخر"
قصة الحضارة ج32 ص119،122،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> مرجل الدين
 
السجون (2) الإنجليزية (بعد منتصف القرن ال17، تحت حكم شارل الثاني!) تمتلى بالفرق المسيحية المخالفة للبروتستانتية الإنجليكانية الحاكمة (الآن الإضطهاد بروتستنتي بروتستانتي، كما في نفس الوقت قمع البروتستانية المتسلطة للكاثوليكية المقموعة)
قال ديورانت
:"وقدر أحد المنشقين أنه كان هناك ستون ألف حالة اعتقال بسبب الخلاف الديني بين عامي 1660، 1688، وأن خمسة آلاف ممن اعتقلوا قضوا نحبهم في السجن(51). وكان تعصب البرلمان أسوأ من فجور البلاط والمسرح. وذكر مؤرخ كتب التاريخ مثل ما صنعه تقريباً "في هذه الفترة الدقيقة الحرجة" كاد الملك أن يكون الصوت الوحيد الرحيم الذي ينادي بآراء عصرية حديثة ودأب طوال حكمه على النضال من أجل التسامح(52) وفي 1669 عندما صدر الحكم على ثلاثة أشخاص بدفع غرامة كبيرة للتاج، بناء على قانون قديم صدر في عهد الملكة اليزابيث، لتخلفهم عن حضور الصلوات الأنجليكانية، أعفاهم شارل من دفعها، وأعلن أنه لن يسمح بتطبيق هذا القانون بعد اليوم "لأنه من رأيه وقناعته الخاصة أنه لا يجوز أن يضار أحد بسبب تفكيره وما يمليه عليه ضميره(53)".
قصة الحضارة ج32 ص122،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> مرجل الدين
 
خوف الإنجليز أيام شارل الثاني ابن الحاكم المقطوع الرأس(شارل الأول) من أن تعود الكاثوليكية والباباوية وملك كاثوليكي يحكمهم ، لذلك زادوا في إضطهاد الإنجليز الكاثوليك، وقد مضى من كلام ديورانت كم إمتلئت السجون الإنجليزية من غير البروتستانت الإنجليكانيين الذين كما قال ديورانت
خافوا أن يخفف شارل الثاني من ويلاتهم بقوانين تسامح ديني!!، ولاتنسى أنهم قد دعموما من قبل الحاكم الذي قامت الثورة الإنجليزية ضده وأعدمته بضربة سيف طارت منها رأسه!
قال
:"كانوا يرتابون في رغبته في التخفيف من ويلات الكاثوليك في إنجلترا التي كانت لا تزال تخشى سيطرة البابا، ومحاكم التفتيش الأسبانية وحكومة القساوسة، إلى حد أن البرسبتيريانز والبيوريتانيين آثروا تحريم عبادتهم على السماح بالعبادة الكاثوليكية في إنجلترا. وكان الإنجليز الكاثوليك يشكلون آنذاك نحو 5% من السكان(54). وكانوا من الناحية السياسية ضعافاً عاجزين. ولكن الملكة كانت كاثوليكية، كما أن شقيق الملك لم يبذل إلا أيسر الجهد في إخفاء تحوله إلى الكثلكة (1668) وكان في إنجلترا حينذاك 266 من اليوسعيين. كان أحدهم ابناً غير شرعي للملك، وبدءوا يظهرون علناً في جرأة وثقة. على الرغم من القوانين البالغة التشدد. وكانت المدارس الكاثوليكية تقام في الدور الخاصة. وأرهقت إنجلترا، وأقام البروتستانت في كل عام تظاهروا فيه ضد البابوية، وحملوا إلى "سميفيلد" تماثيل للبابا والكرادلة، أحرقوها هناك. إنهم لن ينسوا "جي فوكس". ولكن الكاثوليك صبروا وصابروا ولم يفقدوا الأمل، فمن الجائز الآن أن يرقى كاثوليكي عرش إنجلترا في أية لحظة.
قصة الحضارة ج32 ص122،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> مرجل الدين
 
قدر عدد سكان إنجلترا وويلز غي 1660 بنحو خمسة ملايين نسمة (55) ربما ازداد إلى خمسة ملايين ونصف المليون في 1700(56)، أي أنه لا يكاد يبلغ ربع عدد سكان فرنسا وألمانيا، وأقل من ربع سكان إيطاليا أو أسبانيا(57).قصة الحضارة ج32 ص123، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الاقتصاد الإنجليزي
 
وفي 1696 قدر جريجوري كنج أن ربع سكان إنجلترا كان يعيش على الصدقات، وأن الأموال التي تجمع لإعانة الفقراء كانت تعادل ربع تجارة الصادرات(67). وقهر الأغنياء الفقراء وغلبوهم على أمرهم إلى حد بات معه الأُجراء والفلاحون أضعف من أن يثوروا ويتمردوا، ولمدة نصف قرن خمد صراع الطبقات في إنجلترا(68).
قصة الحضارة ج32 ص125، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الاقتصاد الإنجليزي
 
و"تضاعف حجم تجارة إنجلترا بين عامي 1660 و1688، بسبب الانتصار على الهولنديين، إلى جانب أسباب أخرى(72)، وكتب شارل الثاني إلى أخته يقول: "إن أقرب شيء إلى قلب هذه الأمة هو التجارة وكل ما يتعلق بها(73)". وبات ثراء التجارة ينافس الآن اقتناء الأراضي الواسعة الطيبة.
ومدت المشروعات المغامرة الإنجليزية أذرعها في كل اتجاه، فاتسعت للمشروعات الجديدة في نيويورك ونيوجرسي ومنسلفانيا وكارولينا وكندا، ومُنحت شركة الهند الشرقية كل الحقوق فيما تستطيع أن تضع يدها عليه في الهند، وكان لهذه الشركة أسطولها وجيشها وحصونها وعملتها وقوانينها، وكانت تعلن الحرب وتفاوض لعقد الصلح، وتم الاستيلاء على بومباي بالمصاهرة في 1661، وعلى منهاتن (في نيويورك) بحق الفتح في 1664. وفي العام نفسه استولى الإنجليز على الممتلكات الهولندية على الساحل الغربي لأفريقية. ومن أجل تزويد هذه المستعمرات بالأيدي العاملة نشأت عادة "الإكراه" وهي إغراء الشبان الإنجليز بالعمل في هذه "المزارع" بتقديم الخمر لهم أو ضربهم حتى يفقدوا وعيهم، وعندئذ يحملونهم إلى ظهر سفينة
على وشك الإقلاع، ثم يوضحون لهم أنهم كانوا قد وقعوا عقداً للعمل(74). إن القانون قد حرم هذا الإجراء، ولكنه لم ينفذ. وكان موقف البرلمان واضحاً، فإنه على حين انتهت ثورتا 1642-1649 و1688- 1689 إلى تغلب البرلمان على الملك، حدثت في نفس الوقت ثورة اقتصادية متزامنة انتهت بسيطرة التجارة والصناعة والمال على البرلمان.
وكان في إنجلترا في تلك الأيام مئات من "الصائغين أصحاب المصارف" (مقرضو النقود) الذين يدفعوا 6% أرباحاً على الودائع، ويتقاضون 8% على القروض(75). وكان شارل الثاني يلتمس أي منفذ لتجنب سلطة البرلمان على الخزانة، فلجأ إلى الإستدانه كثيراً من أصحاب المصارف هؤلاء، حتى بلغت ديونه منهم في 2 يناير 1672، 1328526 جنيهاً(76)، وفي هذا التاريخ كان مجلس الملك على وشك أن يشن الحرب على المقاطعات المتحدة فأحدث في مجتمع المال هزة عنيفة "بإغلاق خزانة الدولة" أي منع تسديد فوائد ديون الدولة لمدة عام. فساد الذعر، ورفض أصحاب المصارف الوفاء بالتزاماتهم تجاه أصحاب الودائع، أو تنفيذ اتفاقاتهم مع التجار، وعمل المجلس بوعود قاطعة باستئناف الدفع في نهاية العام. واستأنف الدفع في 1674، وسدد رأس المال عن طريق تعهدات والتزامات حكومة جديدة. والواقع أنه في 2 يناير 1672 تحددت بداية الدين الوطني في إنجلترا، وتلك حيلة جديدة في تمويل الدولة.
ومذ باتت لندن موطن أصحاب المصارف وأمراء التجارة ومركز الثورة المجموعة عن طريق نظام الأسعار، من منتجي الطعام والسلع، فإنها كانت الآن أكثر مدن أوربا اكتظاظاً بالسكان، فنافست قصور الرجال الأعمال الأرستقراطية في البذخ والترف، إن لم يكن في الذوق. وكانت فيها مجموعة من المخازن بشعاراتها الفاتنة ولافتاتها المزخرفة ونوافذها ذات الأعمدة الحجرية، تعرض منتجات العالم أمام أنظار الأقلية، ورصفت الشوارع الرئيسية وحدها بالحصى عادةً
قصة الحضارة ج32 ص126-128،، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الاقتصاد الإنجليزي
 
قذارة إنجلترا القرن السابع عشر(2) عصر شارل الثاني وعودة الملكية
مقدمات الطاعون
ورصفت الشوارع الرئيسية وحدها بالحصى عادةً وحوالي 1684 أضيئت بنور ضعيف حتى منتصف الليل في الليالي غير المقمرة بقناديل يعلق الواحد منها كل عشرة أبواب. ولم يكن للشوارع أرصفة للمشاة، وكانت نهاراً تعج بالحركة الصاخبة من الباعة المتجولين الذين يعرضون بضاعتهم في سلاسل أو عربات يد، أو عجلات يد، وبالمنادين الذين يعرضزن القيام بخدمات منزلية مثل "قتل الفئران والجرذان(27)". وكان هناك المتسولون واللصوص في كل شارع، كما وجد أيضاً المغنون الذين يرفعون عقيرتهم بالأغنيات من أجل الحصول على بنس. وكان حي الأعمال يسمى "السيتي". وكان يحكمه العمدة وهيئة البلدية ومجلس أرباب البيوت في الأحياء أعضاءه. والى القرب من هذا الحي، كان يقع "الحي السياسي" وستمنستر، وفيه الكنيسة والقصر اللذان يحملان هذا الاسم (وكان القصر مقر البرلمان)، وفيه القصران الملكيان هويتهول وسان جيمس، وخارج هذين القسمين من المدينة كانت أحياء الأكواخ التي تعج بالفقراء الكثيري التناسل. ولم تكن الشوارع فيها مرصوفة فكانت العربات ترش، مزهوة، ماء المطر أو الوحل على المشاة، وهي تصطدم بالجدران في الأزقة الضيقة. وكانت المنازل ضيقة جداً بعضها من بعض، والأدوار العليا متلاصقة متقابلة، مما لا يدع مجالاً لضوء الشمس المتقطع أن ينفذ إليها. ولم يكن نظام المجاري الحالي معروفاً في لندن آنذاك، بل كانت مراحيض خارجية وبالوعات، وكانت العربات تحمل الفضلات وتقذف بها خارج حدود المدينة، أو في نهر التيمز بطريق خفيفة غير مشروعة.
وكان تلوث الهواء آنذاك بالفعل مشكلة وبناء على طلب الملك أعد جون افلين ونشر 1661 خطة لتبديد الدخان الذي علق بسماء لندن، قال:
"إن الإسراف في استخدام الفحم يعرض لندن لأسوأ الإزعاج والخزي
والعار، وليس هذا ناشئاً من نيران المطابخ التي لا يكاد يرى لها أثر، بل من بعض مداخن معينة في مصانع البيرة ومحال الصباغة وإحراق الجير، ومصانع الملح وغلي الصابون وبعض مصانع أخرى، تكفي فوهة إحدى المداخن فيها، وحدها وبشكل واضح، لتلويث الهواء وإزعاج لندن أكثر مما تفعل مداخل المدينة مجتمعة ... إن لندن تكون أقرب شبهاً ببركان اتنه أو بضواحي جهنم، منها بمجتمع تعيش فيه مخلوقات عالقة، حين تفتح هذه المداخن أفواهها وتنفث القتام والسخام ... أن السائح المنهوك سرعان ما يشم، من مسافة عدة أميال، رائحة المدينة التي يقصد إليها، قبل أن يراها ... أن هذا الدخان الأسود الكريه ... يقرح الرئتين، وهذا داء لا شفاء منه، إلى حد أنه يقضي على أعداد كبيرة من الناس، نتيجة السل المنهك الخطير، كما ينبئ بذلك نشرات الوفيات الأسبوعية(78)".
وأعد ايفلين مشروع قانون للبرلمان الذي كان أقرب منالاً لرجال الصناعة الأثرياء منه للجمهور الذي يعوزه التنظيم، ومن ثم لم يحرك هذا البرلمان ساكناً. وبعد ثلاثة عشر عاماً سوياً رفع سير توماس براون صوت الطب عالياً، يحذر من:-
"الروائح الكريهة التي تنفثها البالوعات العامة، والأماكن المنتنة وفضلات المواد المغلية التي تستخدمها المصانع القذرة غير الصحية كما أن الضباب والسديم يعوقان دخان الفحم من أن يهبط ويتبدد، ومن ثم يمتزج بالسديم ويتنفسه الناس، ولكل هذا آثار سيئة، حيث يلوث الدم ويعرض السكان إلى النزلات الشعبية والسعال(79)".
إن الهواء الفاسد، وضعف الرعاية الصحية وسوء التغذية كان يهدد بانتشار الأوبئة في كل عام وما أن تجئ فترة تتجمع فيها ظروف غير مواتية، حتى تنزل كارثة الطاعون. وفي 31 أكتوبر 1663 دون بيبز في مذكراته: "أن الطاعون منتشر في أمستردام، ونحن في فزع منه هنا". وكانت السفن القادمة من هولندا تخضع للحجر الصحي، وفي ديسمبر 1664 مات شخص واحد بالطاعون في لندن، واثنان في أبريل 1665،
وفي مايو 43 شخصاً، وهكذا تفاقم الحال حتى حل الصيف الحار مع مطر قليل يساعد على تنظيف الشوارع، فكان ضغثاً على إبالة، وأيقنت لندن التي ملأها الفزع والجزع، أنها تواجه شيئاً شبيهاً بالموت الأسود 1348 الذي لا تزال ذكراه عالقة بالأذهان.
قصة الحضارة ج32 ص128-130،، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الاقتصاد الإنجليزي
 
قذارة إنجلترا القرن السابع عشر(3)عصر شارل الثاني وعودة الملكية
الطاعون يولد من جديد ويدمر البشر تدميرا
:"وأيقنت لندن التي ملأها الفزع والجزع، أنها تواجه شيئاً شبيهاً بالموت الأسود 1348 الذي لا تزال ذكراه عالقة بالأذهان. وكان ديفو آنذاك صبياً في السادسة، ولكنه استطاع أن يعي قدراً كبيراً مما تردد في هاتيك الأيام عن الطاعون، فكتب قطعة خيالية بعنوان "صحيفة عام الطاعون" تكاد نتكون في منزلة التاريخ(80):
"منذ الأسبوع الأول من يونيو انتشرت العدوى بصورة الرهيبة، وارتفعت أرقام الوفيات، وعمد الناس إلى إخفاء قلقهم قدر الطاقة، حتى يحولون دون ابتعاد جيرانهم عنهم، أو دون إغلاق الحكومة لبيوتهم. وفي يونيو تزاحم الأغنياء على مغادرة المدينة، وفي هويتشا بل ما كان يمكن أن ترى إلا العربات، وعربات اليد تحمل البضائع والنسوة والأطفال وغيرهم، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الرجال على ظهور الخيل .. وهو منظر رهيب وكئيب(81)".
وزادت النذر والتنبؤات عن المصير المشئوم من الرعب، وأغلقت المسارح وحلبات الرقص والمدارس ودور المحاكم. وانتقل الملك وحاشيته في يونيو إلى أكسفورد "حتى يحوطهم الله برعايته إن شاء" دون أن يمسهم سوء، ولو أن صيحات التأنيب تعالت ضدهم لأنهم هم الذين جلبوا هذا البلاء، عقاباً من عند الله، على فسادهم وفجورهم، وبقي رئيس أساقفة كنتربري في مقره في لامبث، ينفق في كل أسبوع عدة مئات من الجنيهات عوناً للمرضى والأموات. وبقي موظفوا المدينة فيها يقومون بأعمال بطولية. وأرسل الملك ألف جنيه ورجال الأعمال في "السيتي" ستمائة جنيه أسبوعياً، وهرب كثير من الأطباء ورجال الدين، وبقي آخرون وقضى كثيرون نحبهم متأثرين بالعدوى. وجرب الناس الأدوية والعلاجات على أختلاف أنواعها، فلما أخفقت لجأوا إلى التمائم والتعاويذ التي قد تصنع المعجزات. وفي 31 أغسطس 1665 قال بيبز "في هذا الأسبوع مات 7496 شخصاً منهم 1602 بالطاعون". وكان حفارو القبور يحملون من يموتون في الشوارع على عربات اليد، ويدفنونهم في مقابر عامة. وبلغت جملة من ماتوا بالطاعون من أهالي لندن 1665، نحو سبعين ألفاً، وهذا سبع السكان. وخف الوباء في ديسمبر، وعاد الناس لمزاولة أعمالهم شيئاً فشيئاً. وفي فبراير 1666 عادت الحاشية إلى العاصمة.
وما كاد السكان الباقون على قيد الحياة يروضون أنفسهم على احتمال ما كلفهم الطاعون من خسائر حتى داهمت المدينة كارثة أخرى. وكانت كارثة حقاً، ذلك أنه في يونيو 1666 أبحر الهولنديون في جرأة إلى التيمز ودمروا المراكب الإنجليزية فيه بمدافع سمع صوتها في لندن. ولكن في الساعة الثالثة من صباح الأحد 3 سبتمبر، في حانوت خباز في بودنج لين، شب حريق، أتى في ثلاثة أيام على معظم الجزء من لندن الواقع شمال النهر، ومرة أخرى تآمرت الظروف وتجمعت المصائب: صيف جاف، وبيوت كلها تقريباً مبنية من الخشب، متلاصقة، كثير منها خال من السكان الذين يقضون عطلة نهاية الأسبوع في الريف، مخازن ملآى بالزيت والقار والقنب والكتان والخمور وغيرها من المواد القابلة للاحتراق في الحال، ثم هبت رياح عاصفة حملت النار من بيت إلى بيت، ومن شارع إلى شارع، أضف إلى ذلك سوء التنظيم وعدم الاستعداد لمواجهة مثل هذا الحريق في مثل هذا الوقت من الليل. ومن حسن حظ ايفلين أنه كان في سوثوارك، فأسرع إلى شاطئ النهر.
"حيث شهدنا المدينة بأسرها وقد أندلع فيها اللهب الرهيب بالقرب من الماء، في كل الدور من جسر لندن، وفي شارع التيمز، صعداً نحو تشيسيد ... وامتدت النيران في كل مكان، وعرت الدهشة الناس، إلى حد أننا لم ندر منذ البداية، ماذا تولاهم من قنوط وجزع حتى أنهم بشق النفس تحركوا لإخمادها، فلم نكن نسمع أ نرى إلا الصرخات والعويل والنواح وهم يجرون هنا وهناك، ذاهلين مخبولين، كذلك أحرقت النار الكنائس والقطاعات العامة، وسوق الأوراق المالية والمستشفيات والآثار والزخارف والبيوت والأثاث كما أنها أتلفت كل شيء ..."
وهنا رأينا النهر مغطى بالبضائع الطافية فوق الماء والزوارق والقوارب محملة بالضائع التي وجد بعض الناس فسحة من الوقت وأوتوا شيئاً من الشجاعة لإنقاذها. كما كان هناك على الجانب الآخر العربات وغيرها، تنقل إلى الحقول، التي انتشرت لعدة أميال كل من كل نوع ... كما نصبت الخيام ليأوى إليها الناس وما استطاعوا أن يستخلصوه من بضاعة ومتاع. يا لهول المنظر الأليم المفجع الذي لم تصادف الدنيا مثله منذ بدء الخليقة. وغطت ألسنة النيران وجه السماء، فبدت وكأنها أتون ملتهب ... إني أرجو الله ألا يقع عيناي ثانية على مثل هذا المنظر، منظر أكثر من عشرة آلاف بيت تحترق كلها في لحظة واحدة وكان صوت اللهب المندلع وفرقعته ورعده، وصراخ النساء والأطفال، وهرولة الناس، وسقوط الأبراج والمنازل والكنائس، أشبه شيء بعاصفة هوجاء، وكان الهواء ساخناً إلى حد أن الناس اضطروا إلى الوقوف جامدين، تاركين النار يشتد أوارها، وتمتد ألسنتها لمسافة تقرب من ميلين طولاً وميل عرضاً(82)".
وأبلى الملم وأخوه المكروه جيمس، كلاهما، بلاء حسناً في هذه الأزمة، وجدوا في العمل بأيدهم مع مكافحي النيران، وأشرفوا على أعمال الإغاثة ومولها وهيئوا المأوى والطعام لمن يأتوا بلا مأوى، وأصروا، برغم المعارضة الشديدة، على هدم البيوت ليحولوا دون امتداد الحريق، مما كان له الأثر في إنقاذ جزء من المدينة في شمال التيمز(83) وكاد الحي التجاري أن يمحى عن آخره، أما حي السياسة "وستمنستر"، فقد أنقذ، ودمر ثلثا مدينة لندن، بما في ذلك 13200 منزل، 89 كنيسة بما فيها كنيسة سانت بول العتيقة، ولقي ستة أشخاص فقط مصرعهم، ولكن مائتي ألف شخص فقدوا مساكنهم(84). ودمرت معظم المكتبات واحترق من الكتب ما قيمته 150 ألف جنيه. وقدر مجوع الخسائر والأضرار بنحو 10730000 جنيه(85)، وهو ما ربما يعادل اليوم 500 مليون دولار.
وبعد الكارثة نظم المجلس البلدي في لندن إدارة للمطافئ، وركبت خراطيم الماء في أنابيب الماء الرئيسية. وكان على كل شركة أن تعين بعض أعضائها ليكونوا على أهبة الاستعداد لتشغيلها لدى سماع أي إنذار، وكان على كل العمال أن يذوهم إذا استدعاهم عمدة المدينة. وأعيد بناء لندن في شيء من التمهل، على طراز أمتن وأقوى، وإن لم يكن أجمل من ذي قبل. وبأمر من الملك حول الطوب والحجر محل الخشب، واختفت الطوابق العليا الناتئة، وأصبحت الشوارع أوسع وأكثر استقامة، ورصفت بالحجر السلس الأملس، وخصصت الطوارات للمشاة. وتحسنت الرعاية الصحية. وقضت النيران على كثير من الأقذار والفئران والجراثيم فتخلصت لندن من الطاعون، وجدد المهندس المعماري "رن" بناء كنيسة سانت بول.
قصة الحضارة ج32 ص130-133، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الاقتصاد الإنجليزي
 
العلم يتسلل ببطء ويطور نفسه(عصر شارل الثاني) في انجلترا
كرستوفر رن Wren
:"والتحق بمدرسة وستمنستر، ثم كلية وادهام في "أكسفورد" وفي 1653 حصل وهو في الحادية والعشرين على منحة لمتابعة الدراسة في كلية "جميع النفوس". ثم أصبح في سن الخامسة والعشرين أستاذاً للفلك في كلية جريشام في لندن، وفي سن التاسعة والعشرين شغل "كرسي" "سافيل" للفلك في أكسفورد. وبدا أنه وهب نفسه للعلم، فقد سحرت لبه الرياضيات والميكانيكا والبصريات والأرصاد الجوية والفلك. فقوم السيكلويد (وجد أن الخط المستقيم مكافئ لانحناء السيكلويد). وشرح قوانين التصادم، ونسب إليه نيوتن كثيراً من التجارب التي أدت إلى وضع قوانين الحركة الثلاثة(86). وعمل بجد على تحسين التلسكوب وصقل العدسات وبحث في دوائر زحل. وابتكر طريقة إلى تحويل الماء المالح إلى ماء عذب، وأدى من أجل بويل أول عملية حقن سائل في مجرى الدم في الحيوان. وأثبت أن الحيوان يمكن أن يعيش بسهولة بعد إزالة طحاله. واشترك مع توماس ولس Willis في تشريح المخ. وأعد الرسوم اللازمة "لتشريح ولس المشهور" وكان من أوائل أعضاء "الجمعية الملكية" وهو الذي كتب مقدمة ميثاقها. وما كان لأحد أن يعلم أنه سيخلد في التاريخ على أنه أعظم مهندس معماري لإنجليزي.
إن الظروف قد تغير مجرى الحياة. وربما كانت مهارة رن في الرسم هي التي حدت بشارل الثاني إلى تعينه مساعد لسير جون دنهام (1661) رئيس المساحة في الأشغال العامة. وسرعان ما وجد في العمارة ذلك التزاوج بين العلم والفن، أي إضفاء الجمال على الحقيقة، وهذا هو ما كان يشغل كل تفكيره. وكتب يقول: "هناك لونان من الجمال: الجمال الطبيعي والجمال المألوف أو العادي المتعارف عليه. والجمال الطبيعي تأتي لنا به الهندسة، أما الثاني، الجمال المألوف، فإنه يأتي من ترويض حواسنا على الأشياء التي تبعث السرور والبهجة عادة
قصة الحضارة ج32 ص133، عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الفن والموسيقى
 
بعد الثورة الانجليزية بفترة -اي زمن شارل الثاني
الاستهتار الجنسي الممتد حتى زمن عودة الملكية في إنجلترا،عصر شارل الثاني، وانتقال عدواه إلى الشعب
"المجال" القيمي الجنسي المتعدي يتكون بعد أن إحتل " موقعاً" في البلاط،
المجال يتسع وسيحصل فيما بعد على " قانونيته"
انتقال الإستهتار الجنسي من الطبقات الحاكمة ومن وراءهم الفلاسفة والكتاب، إلى الشعب!!
قال ديورانت
:"فلنبدأ لفورنا هنا بالتفريق بين عامة الشعب وأبناء الطبقات العليا، فالاستهتار الجنسي الذي ساد فترة عودة الملكية، سرى عن طريق الحاشية إلى الطبقة الوسطى العليا وسكان المدن وما حولها الذين ترددوا على المسارح وربما كانت أخلاق العامة المغمورين أفضل منها في عصر اليزابيث، لأن النظام الاقتصادي أبقاهم على اعتدالهم وبعدهم عن السرف، فلم يكونوا يملكون الوسائل التي يتردون بها إلى مهاوي الرذيلة والشر، وطلوا يحسون بوازع من عقيدتهم البيوريتانية. في الحاشية الملكية، فإن التحلل من القيود البيوريتانية ورد الفعل النتاج عن ذلك، أديا إلى اتصال جنسي غير مشروع ومرح صاخب غير بريء. أما الشباب الأرستقراطي الذي خلع من أرض الوطن وأطلق لنفسه العنان في فرنسا، فقد ترك أخلاقه وراءه في المنفى، وأتى معه لدى عودته بضروب من الفوضى الموسومة بالرشاقة والظرف، وانتقاماً منهم للسنوات التي عانوا فيها عنت الظلم والحرمان والسلب والنهب، شنوا بكل ما أتوا من قوة وذكاء، الحرب على زي البيوريتانيين وحديثهم ولاهوتهم ومبادئ الأخلاق عندهم، إلى حد لم يجرؤ معه أحد من أبناء طبقتهم أن ينبس ببنت شفه من أجل الحشمة والوقار. وباتت الفضيلة والتقوى والأمانة الزوجية كلها ألواناً من البراءة أو السذاجة الريفية وأصبح الزاني الذي يوافق كل التوفيق غي هذه الرذيلة، هو بطل عصره وفريد زمانه، (كما هو الحال في رواية وتشر لي: الزوجة الريفية) والواقع أن الديانة فقدت مكانتها واعتبارها بين الناس، ولم يبق لها شيء من هذا إلا عند الحرفيين والفلاحين، وصار الواعظ موضع احتقار والازدراء على أنهم منافقون كئيبون أغبياء مزعجون مملون ثقال الظل. وأصبحت الديانة الوحيدة الصالحة للسيد الماجد هي الأنجليكانية المهذبة التي يحضر فيها المولى (رب العمل أو مالك الأرض) صلاة الأحد لتدعيم مركز القسيس الذي زرع الخوف من نار الجحيم في نفوس القرويين، ويسبح بالحمد والشكر، وفي إيجاز مناسب، من جانب المنصة التي يجلس إليها المولى أو سيد القرية. وأصبح أقرب إلى طابع العصر أن يكون المرء مادياً على مذهب هوبز، لا مسيحياً مثل ملتون، الأحمق العجوز الأعمى الذي نظر إلى سفر التكوين على أنه تاريخ، وفقدت نار الجحيم التي بولغ فيها في العشرين سنة الماضية، رهبتها وهيبتها لدى طبقات المالكين. أما الجنة في رأيهم، فهي مائلة دوماً في مجتمع متحرر من الثورة الاجتماعية والكبت الخلقي في ظل حاشية وملك ضرب المثل وتقدما الركب في الفسق والفجور والميسر واللهو والعبث.
وكان ثمة عدة رجال أفاضل ونساء فضليات بين أفراد البلاط الملكي، وكان كلاردند مثلاً رجلاً ذا المبادئ وسلوك قديم حتى سارت ابنته في طريق الغاوية فاهتاج وفقد صوابه، وأوصى بقتلها وتحلى أرل سوثمبتون الرابع ودوق أورمند الرابع بالحشمة والوقار، وكان من بين رجال الدين الأنجليكانيين نفر من المخلصين الأتقياء، حتى من الأساقفة أو ذوي المراتب الكنيسة العالية. وصدقت عزيمة الملكة وليدي فانشو والآنسة هملتون، والسيدة جودولفين فيما بعد، في التمسك بأهداب الفضيلة. ويقيناً كان هناك أفراد غير هؤلاء وهؤلاء، ضاعت ذكراهم في ثنايا التاريخ لأن الفضيلة لا تعلن عن نفسها.
وكلما علت المكانة انحطت الأخلاق. فهناك جيمس، دوق يورك، شقيق الملك، الذي يبدوا أنه بز الملك في حصته من الخليلات العشيقات(101). وبينما هو في المنفى تسلل إلى مخدع آن هايد ابنة قاضي القضاة، فلما حملت منه توسلت أن يتزوجها ولكنه كان يماطل، وأخيراً وقبل أن تضع وليدها بسبعة أيام (22 أكتوبر 1660) أتخذ منها زوجة شرعية سراً. وعندما سمع أبوها (كلارندون) بنبأ هذا الزواج، كما تروي سيرة حياته(102) احتج لدى الملك بأنه لم يعلم شيئاً عن هذا الاتفاق، وأنه "كان يؤثر أن تكون ابنة خليله الدوق لا زوجته، وأنهما إذا حقاً كان قد تزوجا "فينبغي على الملك أن يزج بالمرأة في السجن فوراً"، وأن يصدر في الحال قرار من البرلمان بقطع رأسها، وأنه لن يوافق على هذا القرار فحسب، بل سيكون عن طيب خاطر أول من يقترحه". وهز الملك كتفيه استهجاناً للموضوع على أنه هراء لا غناء فيه، وكان يسمع جعجعة ولا يرى طحناً، وربما أدرك قاض القضاة أن الملك لن يلزمه بكلمته. وتحدث في صراحة وتجهم، على الطريقة الرومانية، ليعوض عما أثار من ريبة من أنه رتب أمر الزواج من قبل، ليجعل من أبنته ملكة على أن أبنته آن ماتت بالسرطان في 1671، في سن الرابعة والثلاثين.
واتخذ جيمس، بينما كانت زوجته (آن) تعاني من مشاكل الأمومة، من أرابللا عشيقة له، وهي التي أرتضى أخوها هذا الوضع حتى يحظى بالترف في مناصب الجيش. ورغبة في معاونة آن وأرابللا والتخفيف عنهما اتخذ الدوق بضع خليلات لمضاجعته واستاء إيفلين بصفة خاصة من سلوكه الشائن مع ليدي دنهام (1666)(103). ولم يغير تحول جيمس إلى الكثلكة من خلقه شيئاً. فكان كلما كتب بيرنت "دائم التنقل من غرام إلى غرام دون أن يحسن الاختيار، حتى قال الملك يوماً أنه يعتقد أن القساوسة هم الذين يقدمون له العشيقات عقوبة يكفر بها عن ذنوبه(104)" ودامت علاقته بأرابللا نغمة عذبة من الأرغن، وسط هذا التنقل بين مطارح الهوى، وبقيت بعد موت آن، وبعد زواج جيمس (1673) من ماري مودينا.
وينبغي علينا أن نضيف إلى ما ذكرنا، أن دوق يورك نفسه كان يتحلى بمناقب تدعو إلى الإعجاب، فإنه- وهو أمير البحر (1660-1673)، بذل أقصى الجهد في التغلب على سوء النظام والفساد في البحرية، نتيجة لضآلة الأجور والمؤن التي تصرف لرجال البحر وتدريبهم الهزيل، وأبدى مهارة وشجاعة في اشتباكاته مع الهولنديين. ونهض بمهام الإدارة في مقدرة وإخلاص. ولم تشب أية شائبة قط إخلاصه العميق لأخيه الملك، بل أنتظر صابراً طيلة ربع قرن من الزمان قبل أن يخلفه على العرش. وكان صريحاً مخلصاً يسهل الوصول إليه، ولكنه كان شديد التكلف بمكانته وسلطانه إلى حد لم يكن معه شعبياً، وكان صديقاً يقيم على الود، وعدواً عنيداً لا يغتفر الإساءة. وكان ذا جلد على العمل الشاق و لكنه لم يكن متوقد الذكاء. وكان يأنبى النصح والمشورة أيما إباء.
وكان يحتل المركز الثاني في البلاط، جورج فليبر دوق بكنجهام الثاني. وكان ابن محظية جيمس الأول التي لقيت حتفها، ومن ثم قاتل إلى جانب شارل الأول في الحرب الأهلية، ومع شارل الثاني في وورسستر، وعينه الملك الذي أسترد العرش عضوا في مجلسه الخاص وكان بارعاً ذكياً أنيساً كريماً، ولذلك سيطر في البلاط بسحره وفتنته لبعض الوقت، وكتب "ملهاة" رائعة. "التجربة"، وتلهى بالكيمياء القديمة والعزف على القيثارة إلى حد ما. ولكن وجهه وثراءه جلب عليه الدمار. أنه تنقل من امرأة إلى أخرى، وانغمس في عبث مخز شائن. وبدد ضيعته الهائلة. وكان يتوق إلى الظفر بكونتيس شروزبري، فتحدى زوجها لمبارزته، وتنكرت هي في زي خادم، وأمسكت بجواد بكنجهام أثناء المبارزة، وصرع بكنجهام الكونت، وعانقت الأرملة السعيدة الدوق المنتصر الذي كان لا يزال مضجراً بدم زوجها، وعادا ظافرين إلى قصر الفريسة(105). وعزل بكنجهام عن منصبه(1674)، وانصرف إلى اللهو والعبث، ومات فقيراً معدماً يجلله الخزي والعار.
وكان ينافس بكنجهام في المكانة والذكاء والقصف والعربدة والانحلال... كان يطارد السيدات، دون أي اعتبار إلى مكانتهم. وكن هن يتعقبنه كذلك. وتسلى جون بكتابة قطع من الهجاء البذيء الداعر. وقضى على حياته بالخمر والفجور. وكان يفخر بأنه كان ثملاً مخموراً لمدة خمسة سنوات بلا انقطاع -ومات فقيراً نادماً في السن الثالثة والثلاثين.
وكان في الحاشية رجال كثيرون من أمثال ولموت، حتى أن بيبز نفسه، وهو غيرها وللزنى تسائل: "ماذا تكون نهاية كل هذا الشراب وهذا السباب وهذه العلاقات الغرامية الفاجرة(107)" وعبر بوب عن هذه الحالة في "بحث في النقد"، ولكنه لم ينصف الملك كل الإنصاف، فهو يقول:
"إذا كانت المهمة الهينة اللينة للملك عي العشق والغرام، فقلما نراه في مجلس الحكم، ولا نراه أبداً في ساحة الوغى، فإن الدولة يحكمها النساء الحانثات بالعهد اللائى ينتقلن من حب إلى حب، أما رجال الدولة والسياسة فيكتبون المسرحيات الهزلية والساخرة ولا ستفاد بذوي المواهب، واللوردات الشبان اليافعون خلو من الذكاء والفطنة، .... ولم تعد المروحة المتواضعة المتحشمة ترفع، وعلت الابتسامة وجوه العذارى لما كانت وجناتهن تحمر له حياء وخجلاً من قبل(108).
وكان من الأمور المسلم بها أن الزوجات -مثل الأزواج- تعوزهن الأمانة والإخلاص، فإن الرجال لم يطلبوا الأمانة والإخلاص إلا في عشيقاتهم(109). إن مذكرات كونت فيليبرت دي جرامونت التي دونها بالفرنسية أخو زوجته، أنطوني هملتون، كانت، أحياناً، عبارة عن قائمة بالمغرورين المختالين، أو سلسلة من الديوثين الذين لا يغارون على زوجاتهم وهم يعملون أنهن يأتين الفاحشة، كما رآهم الكونت في منفاه السعيد في بلاط شارل الثاني.
قصة الحضارة ج32 ص 142-147عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الأخلاق
 
بعد الثورة الانجليزية
الاستهتار الجنسي الممتد (2) حتى زمن عودة الملكية في إنجلترا،عصر شارل الثاني، وانتقال عدواه إلى الشعب
أضاف ديورانت
:"وحذت الطبقات العليا حذو الحاشية في القمار والدعارة. وتحدث ايفلين عن شباب إنجلترا الفاسق الفاجر الذي فاقت إلى حد كبير دعارته سائر الأمم المتحضرة مهما كانت(112). وانتشر اللواط، وبخاصة في الجيش. وكتب روشستر رواية عنوانها "سودومي" (نسبة إلى سودوم قرية قوم لوط) مثلت أمام الحاشية، والظاهر أنه كان في إنجلترا عدداً من المواخير لهذا الاختلاط الجنسي الشاذ(113). وكان عدد الزيجات القائمة على الحب يتزايد، وهناك أمثلة رائعة، منها زواج دوروتي أو زيورن من وليم تمبل، الذي ثبت أنه زواج سعيد، ولو أن دوروتي كتبت تقول: "ليس الزواج القائم على الحب تصرفاً معيباً ملوماً، إذ كنا لم نر من بين ألف من الزوجين الحبيبين الذين يقدمون عليه، زواجاً واحد يمكن أن يتخذ مثلاً على أن يكون إتمامه دون ندم عليه في المستقبل(114)". وكتب سويفت إلى سيدة شابة في موضوع زواجها فتحدث عن الشخص الذي اختاره أبوها ليكون زوجا لها. وأضاف "أن زواجك كان قائماً على الحكمة والحصافة والتدبير والشعور والطيب المتبادل، خالياً من عوائق الانفعال السخيف في حب الرومانتيك(115)". ويذكر كلارندون: "إن رغبتي الأولى في الزواج لم تتعلق إلا بضيعة ملائمة مريحة(116)"...وكان الطلاق نادراً، ولكن يمكن إجازته بقرار من البرلمان. ورأى الأسقف بيرنت -مثل لوثر وملتون- أنه يمكن السماح يتعدد الزوجات في حالات معينة، وعرض هذه الفكرة على شارل الثاني، بسبب عقم الملكة، ولكن الملك رفضها، تحاشياً للتمادي في إذلال زوجته(119). وهددت الجريمة الأرواح والممتلكات بشكل مستمر. وكان اللصوص والنشالون يجتمعون في عصابات ويسطون في جنح الليل، وكانت المبارزة
قصة الحضارة ج32 ص 147،148،عصر لويس الرابع عشر -> إنجلترا -> عودة الملكية -> الأخلاق
 
عودة
أعلى