التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

الموحدون الرافضون لتأليه المسيح في جو الحروب الأوروبية(القرن 16، و17)
:"وكان "الموحدون" أكثر الشكاكين اعتدالاً، وهم الذين، في إيطاليا وسويسرا وبولندة وهولندا وإنجلترا، أثاروا الشكوك حول ألوهية المسيح.
قصة الحضارة ج30 ص285، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> الشكاكون
 
الربوبيون (1) هم بذرة العلمانية الأولى، كان منهم فولتير ورفاقه!
:"وكان هناك بالفعل نفر قليل من الربوبيين الذين آمنوا بالله متماثلاً مطلقاً مع الطبيعة، وأنكروا ألوهية المسيح، ورغبوا في أن يجعلوا المسيحية مذهباً أخلاقياً لا عقيدة دينية، وكانوا حتى تلك اللحظة مشتتين حذرين، حتى اشتد عودهم وارتفعت مكانتهم فباتوا يزعجون البلاد، كما فعل إدوارد هربرت من شربوري. ولسوف نجدهم بعد 1648، وقد ارتفع صوتهم عن ذي قبل. وأشد جرأة منهم كان الأبيقوريون في ألمانيا، الذين سخروا من "يوم الحساب" الذي طال ترقبه، ومن الجحيم التي يحتمل ألا تكون رهيبة مزعجة، برغم كل شيء، ما دام أكثر الناس ابتهاجاً ومرحاً سوف يحشرون(1) فيها. وفي فرنسا أطلق على مثل هؤلاء الناس "ذوو العقول الصلبة" أو "الإباحيون" وهم الذين بدأت أساليبهم المائعة الطليقة تضفي معناها الحديث على لفظة كانت نعنى في الأصل "المفكرين الأحرار".
قصة الحضارة ج30 ص285، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> الشكاكون
 
الربوبيون (2) هم بذرة العلمانية الأولى
"وفي 1623...قدر مدرين مدسن عدد الملحدين في باريس بنحو 50 ألفاً(3)، ولكن هذه الكلمة كانت تستخدم في هاتيك الأيام بشكل فضفاض، وربما قصد بها مارين "الربويين"
قصة الحضارة ج30 ص285، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد
من جديد -> الشكاكون
الربوبيون (1) هم بذرة العلمانية الأولى، كان منهم فولتير ورفاقه!
:"وكان هناك بالفعل نفر قليل من الربوبيين الذين آمنوا بالله متماثلاً مطلقاً مع الطبيعة، وأنكروا ألوهية المسيح، ورغبوا في أن يجعلوا المسيحية مذهباً أخلاقياً لا عقيدة دينية، وكانوا حتى تلك اللحظة مشتتين حذرين، حتى اشتد عودهم وارتفعت مكانتهم فباتوا يزعجون البلاد، كما فعل إدوارد هربرت من شربوري. ولسوف نجدهم بعد 1648، وقد ارتفع صوتهم عن ذي قبل. وأشد جرأة منهم كان الأبيقوريون في ألمانيا، الذين سخروا من "يوم الحساب" الذي طال ترقبه، ومن الجحيم التي يحتمل ألا تكون رهيبة مزعجة، برغم كل شيء، ما دام أكثر الناس ابتهاجاً ومرحاً سوف يحشرون(1) فيها. وفي فرنسا أطلق على مثل هؤلاء الناس "ذوو العقول الصلبة" أو "الإباحيون" وهم الذين بدأت أساليبهم المائعة الطليقة تضفي معناها الحديث على لفظة كانت نعنى في الأصل "المفكرين الأحرار".
قصة الحضارة ج30 ص285، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> الشكاكون
 
برونو الفلكي -الرجل الذي قتلته الكنيسة حرقا،
قرأ العلوم العربية.. المؤلفات العربية!
:"ولد برونو في نولا على بعد 16 ميلاً إلى الشرق من نابلي. وعمد باسم فلبو، وغير اسمه إلى جيوردانو عندما كان في سن السابعة عشر، دخل دير الدومنيكان في نابلي. وفيه وجد مكتبة عظيمة غنية، لا بكتب اللاهوت فحسب، بل كذلك بالكتب اليونانية واللاتينية القديمة، عن أفلاطون وأرسطو، بل حتى عن مؤلفين عرب وعبرانيين كانت قد ترجمت إلى اللاتينية.
قصة الحضارة ج30 ص288، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
برونو (الفلكي ) هجا الرهبان وهجا عصره في رواية ألفها!
يقول ديورانت أنه عندما انتقل إلى :"جنيف...هناك قضى شهرين في هدوء لا يلتئم مع مزاجه، يكسب قوته بتصحيح المخطوطات والتجارب للطبع ومن بين هذه، كان نقده الخاص لمحاضرة ألقاها أحد رجال الدين الكلفنيين في جامعة جنيف. وأشار فيه برونو إلى عشرين خطأ في هذه المحاضرة. وألقى القبض على طابع النقد وحكم عليه بغرامة، أما برونو فاستدعي للمحاكمة أمام محكمة الكنيسة، فقدم اعتذاراً وصفحوا عنه. وتولاه اليأس والقنوط حين ألفى نفسه يهرب من شراك رقابة ليقع في براثن أخرى، فغادر جنيف وعاد إلى ليون ومنها إلى تولوز، حيث ظهر ظل عابر من التسامح في صراع الكاثوليك مع الهيجونوت، وفي تدفق اليهود المرتدين ارتداداً يسيراً من أسبانيا والبرتغال. وربما حدث أثناء إقامته (1581)، أن نشر فرانسوا سانكي في تولوز، رسالته الشكوكية "المعرفة الكريمة.... ليس ثمة شيء معروف"، وحاضر برونو لمدة ثمانية عشر شهراً في رسالة أرسطو "الروح". ولأسباب غير معروفة، وربما من أجل شهرة أوسع وأعظم، رحل برونو إلى باريس.
وكان برونو قد أحرز شهرة، لا بوصفه فيلسوفاً فحسب، بل كذلك بوصفه خبيراً في فن تقوية الذاكرة. وأرسل هنري الثالث في طلبه واستولى على الأسرار السحرية من ذاكرة طيبة. وسر الملك من دروس برونو وعينه مدرساً في الكوليج دي فرانس. واحتمل برونو في هدوء لمدة عامين، ولكنه في 1582 نشر رواية هزلية (كوميدية) تحت عنوان "حامل المشعل" يهجو فيها هجواً لاذعاً، الرهبان والأساتذة والمتحذلقين... ولندع المقدمة تتحدث:
سترون، في فوضى مشوشة، نتفاً عن النشالين، وألواناً من الزيف والخداع، ومغامرات الأوغاد، كما ترون الاشمئزاز الطريف. والحلوى. المرة، والقرارات الحمقاء، والإيمان الخاطئ والآمال المشلولة، والصدقات الشحيحة.... والنساء القويات الشكيمة (الرجوليات) والرجال المخنثين.... وحب الذهب (المال) في كل مكان. ومن ثم الحميات الربعية (الراجعة)، والسرطانات الروحية، والأفكار الهزلية، والحماقات المتسلطة.... والمعرفة المتقدمة، والعمل المثمر، والصناعة الهادفة. وفي إيجاز، سترون في الرواية، أمناً تافهاً، وقدراً ضئيلاً من الجمال، ولن تروا شيئاً طيباً أو حسناً.
ووقع على الرواية: "برونو النولي، المتخرج في أكاديمية تسمى الإزعاج"(16).
قصة الحضارة ج30 ص290،291،، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
برونو (الفلكي) في قصر منيف وفي هدوء كتب بعضاً من أهم مؤلفاته
:"وفي مارس 1583 قصد إنجلترا وكان هنري الثالث أكثر استعداداً للتوصية به خيراً لدى الآخرين منه للاحتفاظ بخدماته لديه(17)، فزوده بخطابات يقدمه فيها للسفير الفرنسي في لندن، ميشيل دي كاستلنو، سيردي لاموفيسير، وهنا بدأت أسعد اللحظات في حياة برونو. حيث أقام في قصر السفير عامين يأكل ويشرب، متحرراً من أية نفقة أو ضرورة اقتصاديةأسعد اللحظات في حياة برونو. حيث أقام في قصر ، وهنا أيضاً كتب بعضاً من أهم مؤلفاته...وفي هذا البيت التقى برونو بسير فيليب سدني، وأرلي لبستر، وجون فلوريو، وأدموند سبنسر، وجبراييل هاريف وغيرهم من ألمع العقول في إنجلترا في عصر إليزابث.
قصة الحضارة ج30 ص291،، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
ماحُجب عن المسلمين!!
(مهم ) برونو الفلكي امتدج اليزابث قاتلة ملكة اسكتلندا تحت المقصلة!!!
ومسعرة حروب المسيحية البروتستانتية ضد الكاثوليكية المسلحة بالضرورة، وصاحبة الحكم الدكتاتوري مأبيها ومضهدة المخالفين!!!
:"في مارس 1583 قصد إنجلترا ...فزوده بخطابات يقدمه فيها للسفير الفرنسي في لندن، ميشيل دي كاستلنو، سيردي لاموفيسير، وهنا بدأت أسعد اللحظات في حياة برونو. حيث أقام في قصر السفير...وفي هذا البيت التقى برونو بسير فيليب سدني، وأرلي لبستر، وجون فلوريو، وأدموند سبنسر، وجبراييل هاريف وغيرهم من ألمع العقول في إنجلترا في عصر إليزابث.إن أحاديث برونو مع هؤلاء الرجال زودته بالأسس التي بنى عليها "معرض آرائه"، وحظي بمقابلة الملكة نفسها، وأمتدحها في عبارات أخذتها عليه محكمة التفتيش فيما بعد.
قصة الحضارة ج30 ص291،292،، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
برونو (الفلكي الذي سيحرق علنا والذي قرأ ترجمات لمؤلفات عربية ) يتحرك في ظروف الحروب الأوروبية الداخلية وتتلقاه الكنائس المختلفة بالتهديد وكذلك اتباع أرسطو
:"وفي أواخر عام 1585 عاد إلى باريس، في أثر السفير الذي استدعي إليها. وحاضر في السوربون مثيراً عداوة أنصار أرسطو، كما هي العادة. وأغرته حروب العصبة ضد هنري الثالث بأن يختبر الجامعات الألمانية، فتسجل في جامعة ماربرج، ولكنه رفض إلقاء المحاضرات، وعرض برئيس الجامعة وقصد إلى وتنبرج، وقضى عامين يحاضر في جامعة لوتر، ولدى مغادرته لها عبر عن شكره في خطاب محلق ودع فيه الجامعة. ولكن لاهوت رجال الإصلاح لم يرقه، فالتمس رعاية رودلف الثاني في براغ. وظنه الإمبراطور رجلا غريب الأطوار، ولكنه منحه 300 ثيلر، وأذن له بالتدريس في جامعة هلمستد في برنزويك. وبقي سعيداً في عمله لعدة أشهر، اتهمه بعدها رئيس الكنيسة اللوثرية وأصدر قراراً بحرمانه من الكنيسة(25). ولسنا نعرف جوهر الحقيقة فيما جرى، ولكن برونو رحل إلى فرانكفورت وزيورخ ثم إلى فرانكفورت ثانية (1590-1591) حيث استقر به المقام لينشر مؤلفاته اللاتينية.
وفي تلك الأثناء-قبل إيداعه السجن بأمر محكمة التفتيش بعام واحد-كانت فلسفته قد اكتملت، ولو أنها لم تصل قط إلى مرتبة الوضوح والترابط. أننا عند النظر في أهم مؤلفات برونو لتصدمنا العنوانات التي وضعها في صيغة مقتضبة. ويغلب عليها أن تكون شاعرية مبهمة، تنذرنا بألا نتوقع فلسفة منهجية متماسكة، بل هي على الأرجح أفكار خيالية صالحة وانجذابات صوفية أو نشوات. وقل أن نجد في أي مؤلف آخر، اللهم إلا رابليه، هذا الخليط من النعوت والألقاب والمجازات البلاغية والرموز والخرافات والنزوات والفكاهات، والكلام المنمق والتوافه والتمجيد والسخرية وخفة الدم، مكدسة بعضها فوق بعض، في فوضى من المبادئ والأفكار الثاقبة والفرضيات.
قصة الحضارة ج30 ص295، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
خلط برونو (الفلكي) بين العلم والفلسفة المتحللة من الدين
يقول ديورانت
:"أن رؤية برونو للكون رؤية جمالية في أصلها، وهي تقدير عميق يتسم بالتعجب والدهشة من كون لا نهائي ساطع براق. ولكنها كذلك محاولة فلسفية لتكييف الفكر البشري مع كون يشكل فيه كوكبنا الذي نعيش عليه جزءاً غاية في الصغر من اتساع لا يمكن إدراك مداه. أن الأرض ليست مركز العالم، وكذلك الشمس ليست مركزاً له، وفيما وراء العالم الذي نراه (ولم يكن هناك تلسكوب حين كتب برونو) عوالم أخرى (كما أوضح التلسكوب بعد ذلك بقليل وفيما وراء هذه العوالم الأخرى توجد عوالم أخرى أيضاً كما أثبت التلسكوب بعد تحسينه)، وهكذا إلى ما نهاية، إننا لا نستطيع أن ندرك نهاية أو بداية. وبدلاً من النجوم "الثابتة" كما ظن كوبرنيكس أنها ثابتة، فإنها تغير مواقعها على الدوام، وحتى في السموات كل الأشياء تجري. والفضاء والزمن والحركة كلها أمور نسبية. وليس هناك مركز ولا محيط، ولا ارتفاع وانخفاض. وتختلف نفس الحركة عند رؤيتها من أماكن أو نجوم مختلفة. ولما كان الزمن هو مقياس الحركة، فإن الزمن نسبي كذلك، وربما كان هناك نجوم كثيرة تسكنها كائنات حية ذكية. فهل مات المسيح من أجلهم كذلك؟ على أنه في هذا الاتساع الذي لا نهاية له، هناك بقاء ثابت للمادة، وولاء دائم محيد عنه القانون.
ولما كان الكون لا نهائياً، لا يمكن أن يكون هناك "لا نهائيان"، فإذن يكون "الله" اللانهائي والكون اللانهائي شيئاً واحداً (وهنا قول سبينوزا "الله أو المادة أو الطبيعة")، ليس هناك "مدبر أول" كما قال أرسطو، بل هناك حركة أو طاقة متأصلة في كل جزء من هذا الكل. وليس الله عقلاً خارجياً.... والأجدر به أن يكون القاعدة الداخلية للحركة، وهي طبيعته وروحه(27). والطبيعة هي العقل الخارجي الإلهي، على أن هذا العقل ليس موجوداً في "سماء عليا" بل هو موجود في كل جزء من جزيئات الواقع... إن هذه الخلاصة البسيطة لفلسفة برونو تهمل ومضاته وجنونه البطولي، وهي تنطوي على اتصال وتماسك في تفكيره مغايرين له كل المغايرة، لأنها تحتوي على متناقضات وتوكيدات جازمة، وعلى فيض من التقلبات، لا تتفق إلا مع المذهلات الكونية.
قصة الحضارة ج30 ص294،295، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
برونو الفلكي منجم!
:"وثمة مجموعة أخرى من أفكاره يمكن أن تسلكه في عداد المتصوفة المجوس. أنه تحدث عن المزايا الخاصة بكثير من الكواكب، فذهب إلى أن الأشخاص الذين يولدون "تحت تأثير" الزهرة ينزعون إلى الحب والبلاغة والهدوء والسلام، أما الذين يولدون "تحت تأثير" المريخ فيميلون إلى النزاع والبغض. وآمن بالخصائص الخفية للأشياء والأرقام، وأن الأمراض قد تكون عفاريت، ويمكن علاجها في بعض الحالات بلمسة ملك أو لعاب ابن سابع(29).
قصة الحضارة ج30 ص296،297، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
برونو يراوغ الكنيسة الظالمة والباباوية القاتلة !، ومع ذلك ستحرقه محاكم التفتيش المسيحية علنا
:"وكان همه الأخير أنه كان يؤمل، في حال عودته إلى إيطاليا واستجواب محكمة التفتيش له، في أنه يستطيع أن يقتبس بعض قطع رشيدة من مؤلفاته يخدع بها الكنيسة فتحسبه ابنها البار. وربما راوده الأمل في أن إيطاليا لم تكن قد سمعت بكتابه الذي نشره في إنجلترا "طرد الحيوان المنتصر". والذي كان يمكن أن يفسر الحيوان الذي طرد فيه على أنه الكاثوليكية أو المسيحية أو المبادئ الدينية عامة(30).
قصة الحضارة ج30 ص297، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
مشهد حرق برونو الفلكي حياُ على خاذوق وسط جمع غفير!!
برونو أنكر الثالوت وكتب في الفلك فحرقته الكنيسة
ففي أواخر 1591 شق طريقه عبر الألب إلى إيطاليا ليقابل صديقه وتلميذه موسنيجو سليل أسرة من ألمع أسرات البندقية، وكان كاثوليكياً ورعاً، وقد دعا برونو إلى البندقية لكنه أبلغ عنه فحوكم ووضع على خاذوق وحرق!!
قال ديورانت
:"وأعد له موسنيجو مسكناً وتلقى عنه دروساً في تقوية الذاكرة. ولكن تقدم التلميذ كان بطيئاً وظن أن معلمه قد حجب عنه بعض تقاليد السحر الخفية كما أنه في نفس الوقت ارتعد فزعاً من الهرطقات التي تمثلت في الفيلسوف الثرثار القليل الحذر، وسأل موسنيجو كاهن الاعتراف إذا كان يجب عليه أن يبلغ محكمة التفتيش عن برونو، فنصحه الكاهن بالتريث حتى يتثبت من حقيقة برونو بشكل أدق. وامتثل موسنيجو لمشورة الكاهن، ولكن عندما
أعلن برونو عن عزمه على العودة إلى فرانكفورت، أبلغ موسنيجو المحكمة وفي 23 مايو 1592 وجد برونو فسه نزيلاً في سجن المحكمة في البندقية. وأوضح موسنيجو أنه "تصرف وفق ما أملاه عليه ضميره، وبأمر من كاهن الاعتراف(31). وأبلغ المتحققين أن برونو كان يعارض كل الأديان، ولو أن الكثلكة كانت أحبها إلى نفسه، ولكنه أنكر التثليث وتجسد المسيح وتحول القربان، وأنه اتهم المسيح والرسل بتضليل الناس وخداعهم بالمعجزات المزعومة، وأنه قال بأن كل الأخوة أو رجال الدين والرهبان حمير دنسوا الأرض بنفاقهم وريائهم وجشعهم وحياتهم المملوءة بالشرور، وأن الفلسفة يجب أن تحل محل الديانة، وأن الانغماس في "الملذات الدنيوية" ليس خطيئة وأنه، أي برونو، أشبع شهواته قدر ما سنحت له الفرص(32)، وأن برونو كان قد قال له "أنه استمتع بالنساء كثيراً، ولو أنه لم يبلغ بعد عدد نساء سليمان(33).
وحققت المحكمة مع السجين على مهل، من مايو إلى سبتمبر 1592 ودفع بأنه كان قد كتب ما كتب بوصفه فيلسوفاً، وأنه كان يستفيد من تمييز بمبوناتزي بن "الحقين" أنه يجوز للإنسان أن يناقش، بوصفه فيلسوفاً، نظريات قبلها بوصفه كاثوليكياً. وصرح بما يساوره من شكوك في موضوع التثليث. واعترف بأنه مذنب في أخطاء كثيرة، وأبدى ندمه عليها، وتضرع إلى المحكمة وهي تعرف سقامه وعيوبه، أن تعيده إلى
أحضان الكنيسة الأم وأن تزوده بما يلائمه من علاج، وأن تستعمل معه الرأفة(34). ولم تستجب المحكمة إلى شيء من هذا وأعادته إلى زنزانته لمدة شهرين آخرين وفي 30 يوليه حققوا معه مرة ثانية، واستمعوا إلى اعترافه وطلبه الرأفة وأعادوه مرة ثانية إلى السجن. وفي سبتمبر طلبت محكمة التفتيش في روما من البندقية إرسال السجين إليها. فاعترضت حكومة البندقية، ولكن المحكمة أوضحت أن برونو من مواطني نابلي، لا البندقية. ووافق السناتو على تسليمه. وفي 27 فبراير 1593 تم ترحيله إلى روما. وكان جزءاً من إجراءات محكمة التفتيش أن تترك السجين يقبع مكتئباً حزيناً في السجن لفترات طويلة قبل التحقيق وفي أثنائه وبعده. وكادت تنقضي سنة كاملة قبل أن يمثل برونو أمام محكمة روما في ديسمبر 1593، وحققوا معه، أو قل عذبوه بالتحقيق، ثانية، في إبريل ومايو وسبتمبر وديسمبر 1594. واجتمعت المحكمة مرتين في يناير 1595 لتدرس الأوراق. وتقول أوراق المحاكمة أنه في مارس 1595 وإبريل 1596 "مثل برونو أمام كبار الكرادلة، وأنهم زاروه في زنزانته. واستمعوا له وسألوه عما يمكن أن يكون في حاجة إليه(35)"، وفي ديسمبر 1596 استمعوا إلى شكواه "من الطعام". وفي مارس 1597 استدعي للمثول بين يدي المحققين الذين "استمعوا مرة أخرى إلى ما يحتاج إليه. ولم تعرف ماذا كان يحتاج إليه، ولكن النداءات المتكررة توحي بمصاعب يتعذر وصفها، ليس من بينها هذا التسويف الطويل، المفروض أن الهدف منه هو تحطيم الروح الجياشة إلى حد الإذلال المهذب للنفس. وانقضى عام آخر، وفي ديسمبر 1598 سمح له بورق وقلم، وفي 14 يناير 1599 استدعي مرة أخرى، وتليت عليه ثمان مسائل هرطيقية مأخوذة من كتبه. وطلبوا إليه أن يشجبها علناً، فدافع عن وجهة نظره ولكنه وافق على قبول حكم البابا في المسائل سالفة الذكر. وفي 4فبراير قرر كليمنت الثامن وهيئة محكمة التفتيش أن هذه المقتبسات هرطيقية صريحة. ولم يرد في أوراق المحاكمة ذكر لآراء برونو في نظريات كوبرنيكس، بل أن الهرطقة انصبت على التجسيد والتثليث. وسمح له بأربعين يوماً أخرى للاعتراف بأخطائه.
واستمعوا له مرة أخرى في 18 فبراير، ثم في إبريل وسبتمبر ونوفمبر. وفي 21 ديسمبر أعلن أنه لن يتراجع. وفي 20 يناير 1600 قدم إلى البابا مذكرة يدعي فيها أن المسائل الواردة في الاتهام اقتبست من مظانها بشكل خاطئ، ويعرض أن يتولى الدفاع عنها أمام رجال الدين، ويقول مرة أخرى أنه يرتضي حكم البابا. وبناء على ذلك، كما تقول سجلات المحاكمة "أصدر قداسة
البابا كليمنت الثامن أمراً باتخاذ الإجراءات النهائية في القضية.... وبالنطق بالحكم، وبإحالة الأخ المدعو جوردانوس إلى المحكمة المدنية". وفي 8 فبراير استدعى المحققون برونو، وكرروا على مسامعه الاتهامات الموجهة إليه، وأبلغوه أنهم أمهلوه ثمانية أعوام ليراجع موقفه ويبدي الندم، وأنه وافق على حكم البابا في أمر مروقه عن الدين، وأن البابا قرر أنه مارق، وأن المتهم لا يزال مصراً على هرطقته، "سائراً في غيه، عنيداً، مكابراً" ومن ثم صدر الحكم بإحالته إلى المحكمة المدنية.... إلى حاكم روما، الحاضر هنا الآن ليقرر العقوبة التي تستحقها "ولو أننا نرجو جادين أن يخفف من صرامة القوانين، بالنسبة لما تعانيه من آلام، وألا يكون جزاؤك الإعدام أو بتر الأعضاء". ووقع على الحكم ثمانية كرادلة، من بينهم بللارمين. ويقول كسبار سكيوبيوس-وهو عالم ألماني تحول حديثاً إلى الكثلكة ثم أقام في روما-أن برونو، عندما تُلي عليه الحكم، قال لقضاته: "ربما كنتم يا من نطقتم الحكم بإعدامي، أشد جزعاً وخشية مني أنا الذي تلقيته"(36).
ونقل برونو على الفور إلى سجن مجني. وفي 19 فبراير، وهو لا يزال مصراً على موقفه، جرد من ثيابه وربط لسانه، وشد إلى خازوق من الحديد فوق ركام ممن الحطب في "بيازاكامبودي فيوري" وأحرق حياً على مشهد من جمع غفير متعظ، وكان في الثانية والخمسين من العمر، وفي 1889، أقيم له في نفس المكان، تمثال؛ جمعت له التبرعات من مختلف أركان الدنيا.
قصة الحضارة ج30 ص297-300، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
البابا البابا كليمنت الثامن
قرر حرق الفلكي برونو على خاذوق
:"تقول سجلات المحاكمة "أصدر قداسة البابا كليمنت الثامن أمراً باتخاذ الإجراءات النهائية في القضية.... وبالنطق بالحكم،...وفي 8 فبراير استدعى المحققون برونو، وكرروا على مسامعه الاتهامات الموجهة إليه، وأبلغوه أنهم أمهلوه ثمانية أعوام ليراجع موقفه ويبدي الندم، وأنه وافق على حكم البابا في أمر مروقه عن الدين، وأن البابا قرر أنه مارق، وأن المتهم لا يزال مصراً على هرطقته، "سائراً في غيه، عنيداً، مكابراً" ومن ثم صدر الحكم بإحالته إلى المحكمة المدنية....ونقل برونو على الفور إلى سجن مجني. وفي 19 فبراير، وهو لا يزال مصراً على موقفه، جرد من ثيابه وربط لسانه، وشد إلى خازوق من الحديد فوق ركام ممن الحطب في "بيازاكامبودي فيوري" وأحرق حياً على مشهد من جمع غفير متعظ، وكان في الثانية والخمسين من العمر، وفي 1889، أقيم له في نفس المكان، تمثال؛ جمعت له التبرعات من مختلف أركان الدنيا.
قصة الحضارة ج30 ص300، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> جيوردانو برونو
 
برونو (عالم الفلك الغربي) والمؤثرات الإسلامية عليه وعلى الغرب(1)
بمناسبة برونو ومع أن بعض أفكاره الخاطئة عن الكون وعن الله عز وجل (وربما عن الرشدية المتطورة في الفكر المادي الغربي) إلا أننا نبحث عن مصادر التأثير على الرجل ماجعله يصل إلى ماوصل إليه من علوم فلكية أو إعتراضات على الكنيسة نقدية، ورفضه للثالوث، فمعلوم أنه قرأ بعض المؤلفات العربية كما قال ديورانت، وقدمنا النص، وربما في تلك الكتب بعض كتب ابن سينا او ابن النفيس أو علم الفلك الإسلامي، ومعلوم أننا نتكلم عن القرن ال16، وهذا يعني أن كتب العلوم الكونية والطبيعية ترجمت في الغرب، وقام بكثير من الترجمة يهود الأندلس، وبعض الأسماء التي ذكرها ديورانت من قبل، وسنعرض بعضها لاحقا، هذا غير ماوصل إلى بورنو عن طرق مختلفة تشربت تلك العلوم ووصل التأثير إليها من كتب مترجمة أو تواصل مباشر مع علماء مسلمين، كما في حالة بلاط فردريك الأول والثاني والثالث، أو الحروب الصليبية والإحتكاك المباشر في الشام، أو عن طريق التجارة، ووصل العلم إلى الجامعات الجديدة، وقد يكون في تلك الكتب بعضا من النقد ضد الثالوث أو وضع المسيح في موضع النبوة كما كان وإلهاً كما رفعته الكنيسة وضمته إلى لاهوت ثالوثي.
هنا يمكن أن نقول ان بورنو أيضاً هو في جزء من علومه التي حرقته الكنيسة بسببها، يمت بسبب إلأى الإسلام، وإلى علمه التي ورثتها أوروبا عن المسلمين أو تأثرت بها عن طريق الأندلس وغيرها من أسباب وصول العلم الإسلامي إلى الغرب.
ولايسعني في هذا المجال إلا أن أفتح بابا آخر لبيان تأثر علماء كبار في الغرب في إيطاليا نفسها
وهذا نص كنت قد كتبته في تعريفي بكتاب يخص موضوع حضارتنا
"
العلم الإسلامي يُشرق أعلى قمة الكاتدرائيات
و توسكانيللي يضع العمامة العربية على رأسه.
بدأ جولدشتاين الفصل الثاني بجملة ملفتة اذ قال تحت عنوان(الجذور القديمة):" من الطبيعي لحضارة مثل حضارتنا، الفريدة، في خضوعها لسطوة العلم والتكنولوجا، أن يتملكها الفضول لمعرفة كيف جرت مجريات العلم وسلطته على ثقافتنا. وفي الواقع فإن تاريخ العلم هو تخصص نشأ في العصر الحديث. من المرجح لأي مكتبة تحترم نفسها هذه الأيام أن تعرض رفا مكتظا بكتب تاريخ العلم ذات الغلاف الورقي...لكنها جميعا، يبدو أنها تعاني عيبا واحدا بعينه:أنها تخفق في ربط السيرورة التاريخية الشاملة"(المقدمات التاريخية ص 61)
عند المؤلف، على الرغم من أنه رأى التوجه الإسلامي وسيرورة تحويله لوجهة العلم برؤية علمية خلقت مناخ اسلامي واضح ، مناخ يلعب فيه الإدراك الحسي المباشر دورا محوريا ومعترفا به تماما...هذا القبول الراسخ للطبيعة ، هذا الابتهاج المرح بعطاياها، هو سمة حضارية اسلامية انبثقت من القرآن، وهو توجه ديني اسلامي قرآني رسولي رسالي ، وليس كما يقول المؤلف عنه في الحالة الغربية،انه لابد ان يكون توجه علماني كما في النص التالي ، الذي اقتبسنا منه لغته وأكدنا بها أنه توجه ديني اسلامي على الحقيقة.
ان الجهود العلمية عندنا تتغذى على التوجه القرآني وتنمو به ومعه!
ذلك ان المؤلف أغفل أن هذا الفضول إزاء الطبيعة، فضلا عن الرؤية المتكاملة في النظر العلمي إليها لم يجد جذوره في الإسلام في مناخ ثقافي علماني، وهذه الحقيقة التاريخية يحاول اليوم اخفاؤها (انظر الكلام عن المناخ العلماني،ص 62)،ذلك أن الإسلام لم يحتقر الأرض ولا الأسباب، بل دعا لدراستها والإهتمام بها وبمافوق الأرض مما سخره الله من السموات والأرض. وهذا يعني ان الإسلام لم يتسبب في كوارث أفول العلم الطبيعي بل دفعت ثقافته اليه دفعا وجرمت إغفال النظر في آيات الكون وسنن الحياة وأسباب السموات والأرض، بيد ان الجهود العلمية، عند المؤلف،:" تتغذى على مايمكن أن نسميه التوجه"العلماني" ، وهو فضول إزاء الطبيعة يجد جذوره في مناخ ثقافي علماني، مناخ يلعب فيه الإدراك الحسي المباشر دورا محوريا ومعترفا به تماما...هذا القبول الراسخ للطبيعة ، هذا الابتهاج المرح بعطاياها، هو بالتحديد ماتم التخلي عنه خلال العصور الوسطى المبكرة وماكانت أوروبا تعود إليه بعد طول انتظار(....) –تدريجيا وبصعوبة وبإحجام شديد عميق عادة-خلال عملية العلمنةSCularization الطويلة فيما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر"(المقدمات التاريخية ص 62) فمايعتبره جونتشتاين علمانيا هو جوهر مانعتبره نحن في اسلامنا "دينيا، اسلاميا"،(هذه إشكالية يحجبها العلمانيون وهم يتهمون الإسلام بأنه منغلق يعيق تقدم العلم والعالم!!) فديننا هو الذي وضع في الأرض هذا المنهج العلمي وهو مايثبت ان جوهر ديننا يختلف عن تلك الأديان الكبرى ، المسيحية واليهودية، مما كان منتشرا ايام النبي محمد وحتى يومنا هذا،وهذا الدين هو الذي فتن علماء الغرب، فتنهم بعلومه وانتاج اهله العلمي والتكنولوجي، فهذا واحد-يقدمه لنا جولدشتاين نفسه في كتاب المقدمات-من علماء عصره هذا الرجل العجوز، أشهر علماء عصره، المولود في فلورانسيا الإيطالية، وهو توسكانيللي(1397-1482) الذي كان يلقى احترام معاصريه كطبيب وفلكي وجغرافي –كما قال توماس جولد شتاين، كان يضع العمامة العربية فوق رأسه،جالسا في كاتدرائية مسيحية، بقوة فكر مدقق، متوقد،جلس عاكفا على علوم العرب، في قمة كاتدرائية فلورنسيا كان اشهر علماء عصره يقوم بملاحظاته عن مسار الشمس ، كان:" حول رأسه تلتف عمامة ضخمة –كان يجب أن يتكلفها- اعترافا بفضل الإسهام العربي في العلم"(المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص 23) ،لم يمنعه فتح المسلمين للقسطنطينية من رفع شارتهم العلمية مع انهم "ازاحوا المسيحية الشرقية عن عاصمتها التقليدية" كما يقول المؤلف( ص49) تسببت ملاحظاته عن مسار الشمس فيما بعد ـ وتحديدا بعد نصف قرن من منتصف القرن الخامس عشر، في التأثير على توجهات كوبرنيكس عن الكون المتمركز حول الشمس(أنظر المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص22)
 
برونو (عالم الفلك الغربي) والمؤثرات الإسلامية عليه وعلى الغرب(2)
بقية النص الفائت من تعليقي على المدى الذي يمكن أن نتخيله من المؤثرات الإسلامية على بورنو الفلكي الذي أحرقته الكنيسة ومحكمة تفتيش باباوية علنا
كاتدرائيات تخالف تعاليم الكنيسة وتدرس العلم الإسلامي
يكفينا الآن من كلام المؤلف في الفصل الرابع الذي وضع له عنوانا أثيرا وهو(هبة الإسلام) قوله:"الإسلام واحدا من أشد الظواهر إدهاشا في التاريخ الثقافي"(المقدمات التاريخية ص 112) نعم والأمر كما قال فلقد أشرقت الأرض على فلورنسيا وظهرت الأرض أمام توسكانيللي وأصدقائه بتفصيل علمي أخذ لحمته من علوم الأرض عند المسلمين!، من أعلى قمم الكاتدرائيات ومكتبات أقبية الأديرة التي امتلأت بعلوم الإسلام والمسلمين(انظر المقدمات التاريخية،ص32،42) ولاشك ان لمدلول وضع العمامة العربية على رأس هذا العالم العجوز ،الذي كان يدرس العلم العربي من أعلى قمة كاتدرائية غربية، مغزى يمكن فك اشاراته ورمزيته ودلالاته الخطيرة ، فالعلم العربي والإسلامي في مجال الطبيعة والإنسان فتح نطاق الإستبصارات أمام هذا العالم وغيره، في ايطاليا-فلورنسيا،(ويمكن اضافة: مدن أخرة: البندقية، وروما ، وجنوا ) وفي كافة دول ومدن الغرب، في البيوت والكنائس والكاتدرائيات، ثم في المعامل والمختبرات، ناقلة الخبرات البشرية وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها،إلى الغرب والشرق، حتى كأن الوحي صهر الخبرة البشرية المحترمة في عملية غربلة تاريخية من أعظم انتاج البشر في التاريخ العلمي قاطبة،وكانت لأسئلة هذا العالم الغربي وهو (توسكانيللي) كما قال جولتدشتاين :" أن تؤدي إلى مراجعة شاملة لمجمل نظام الكون ، بنظرية كوبرنيكوس عن الكون المتمركز حول الشمس"(الفصل الأول،ص22) ومع ان كوبرنيكوس اخذ كثير من نتائج علوم المسلمين(وقد فعل غيره الكثير من هذا، وليس هذا مقصد بحثنا) الا ان لنا أن نسأل: من اين استقى (توسكانيللي) نظرته للكون ،اليس من القوم الذين وضع رمزهم فوق مركز تفكيره؟ وقد توصل (توسكانيللي)-بحسب المؤلف-:" إلى مفهوم مقنع للأرض يكون فيه المحيط بأسره في متناول الناس وسفنهم، وتكون فيه أجزاء الأرض الصلبة للأرض كلها قابلة للسكنى، شرقا وغربا، في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي"(ومن خلال مناقشاته مع جيل كامل، خلال الجزء الأكبر من حياته-يقول جولدتشاين- في وقت ما فيما بين عام1410 أو 1415 وعام 1440، كان هذا العالم منخرطا في مناقشات مكثفة حول المشكلات الجغرافية مع جماعة من الفلورنسيين:" ولابد أن توسكانيللي وأصدقاءه، وهم مجتمعون تحت الأقبية المنعشة لمكتبة أحد الأديرة ، ينظرون إلى الليل التوسكاني في الخارج، قد شعروا أن الأرض آخذة في التمدد، وسرعان ماسيتسع أفقهم على نحو أشد روعة"(المقدمات التاريخية ص42) في شارتر يقول المؤلف ، وخلال القرن الثاني عشر جرى لأول مرة منح دراسة للعلم أولية حاسمة على تدريس الفنون العقلية...ودعا الأساتذة إلى إصلاحات جسورة للتعليم العالي ككل، ممحورين المنهج الدراسي حول العلوم الطبيعية...هنا كان على أنصار رؤية العالم الجديدة، العلمية، أن يواجهوا الاستنكارات الساخطة لزملائهم الأكثر محافظة في مدارس الكاتدرائيات الكبرى في أورليان، وسان فيكتور، باريس، ولاوون.في شارتر جمعت بشكل منهجي كتابات العلماء الأقدمين لتشكل أول مكتبة للعلم في العالم الغربي...كان سخط المحافظين الدينين، الذي جلبه شارتر على أنفسهم، راجعا إلى أسباب مفهومة.فطوال سبعمائة عام بأكملها ، جرى تقديم الطبيعة على أنها موضوع سلبي لخلق الرب"(المقدمات التاريخية ص 85)
ومرة أخرى فليسأل الأوروبيون أنفسهم، بل ليسأل العلمانيون العرب أنفسهم –وهم عبيد من عبيد الغرب-من الذي علم واضع العمامة العربية فوق رأسه وكل مجموعة شارتر ،الرؤية الفذة عن الطبيعة وحرك نفوسهم إليه؟، يقول جولتدشتاين:"أن التفكير في شارتر لم يكن يدور بأي حال من الأحوال حول البناءات المجردة.فما الهم هؤلاء الرجال كان رؤية عينية للطبيعة، نظرة طازجة وحيوية للكون الطبيعي...تاركين للمستقبل أن يملأ هذه الخطوط العريضة الكونية بالتفاصيل المناظرة الفلكية، والفيزيائية، والرياضية، والطبية، والبيولوجية، والكيميائية، والجيولوجية، والجغرافيا"(المقدمات التاريخية،ص92) وذلك بعد ان انغمسوا في ترجمة لب العلم الإسلامي(انظر ص112)
فالمسلمون قدموا هذه النظرة الطازجة للعالم،يذكر جولتشتاين نفسه بعد صفحة واحدة من هذا النص أن للترجمات العربية فضل في تنشيط العلم في(شارتر):" اتخذت شارتر مكان الصدارة في إعادة بناء المعرفة العلمية للعالم القديم، ومن ثم أرست أساسا راسخا للتطور القادم للعلم الغربي... مع مبادرة نشطة باتجاه ترجمة النصوص العلمية من العربية واستخدامها في الدراسة والتدريس-وهذا اسهام ضخم في ظهور العلم الحديث"(المقدمات التاريخية،ص 93) ومع ذلك، ومع رفض هؤلاء العلماء الذين نسجوا على منوال العلم العربي واستفادوا منه أيما إفادة،مع رفضهم لتلك النظرة الأوغسطينية الإحتقارية للعالم، ومع رفضهم النظرة المسيحية في الإعراض عن السنن والأسباب ، والأهتمام بالأرض كما دعا أوغسطين، الا انهم احتفظوا بماكانوا عليه مما يقال عنه ،في الغرب،اليوم(المقدس المسيحي!) لكنهم في نفس الوقت أخذوا الجانب الذي افتتحه القرآن وحض عليه ووجه النظرة اليه، يقول جولدشتاين:"أساتذة شارتر...في رؤيتهم الثاقبة ضمنوا كل العلم الطبيعي داخل المقدس.بينما رفضوا تجاهل أوغسطين لعالم الحواس"(ص108) ففي القرآن نشأت حقيقة الإقبال على الحياة، السنن، الكون، العلم، القلم، التدبر وعقل العالم والتفكير فيه تفكيرا علميا ، حتى أن كثير من آياته تعرض الطبيعة وسننها بصورة معجزة وباهرة وعلمية..
وتوالت المناقشات والإطلاعات على الخبرات العربية ودمج العلوم ، الرياضيات والتقنيات المنقولة..بدأت تنتشر وتفتح الأذهان والعقول ،في حلقة ذلك العالم المعمم بالعمامة العربية ، وغيرها من الحلقات التي استفادت من كافة العلوم العربية النظرية والتجريبية،يقول جولتشتاين ":ولم يكن هذا النوع من العمل الجماعي غير الرسمي غريبا على أوجه تقدم العلم خلال عصر النهضة. فقد جرى التوصل إلى قوانين المنظور والتشريح بدرجة كبيرة..وتطور اختراع الطباعة بالحروف المتحركة من خلال تجارب...واستغرق كل واجد من الاكتشافات بضعة عقود حتى ينضج"(المقدمات الأوليةص 39)
هنا نضع نص مقدم الكتاب"إيزاك أسيموف" لوضعه في سياق البدايات والمقدمات والمقومات التي جعلت علماء الغرب يظهرون إلى الوجود بهذا الشكل الذي تغرب عن علم الكنيسة وانتمى للعلم الإسلامي، ولو في العلم الطبيعي والكوني،يقول إيزاك:" إذا أردنا ،إذن دراسة مسألة بدايات العلم الحديث ، فلن يمكننا أن نبدأ بكوبرنيكوس وفيساليوس باعتبارهما سخصين بالغين لديهما أفكار مكتملة.فسوف يكون ذلك بمثابة تتبع شجرة حتى جذورها وصرف النظر عن التربة والماء المحيطين بتلك الجذور.لابد أن نتذكر طائفة الدارسين، والأفكار،والتقنيات التي جعلت عمل كوبرنيكوس وفيساليوس ممكنا"(المقدمات التاريخية، المقدمة،ص9)
لاشك أن الإسلام، في أُوج نشاطه العلمي والعقلي، والمعرفي والتجريبي، كانت يضغط علميا على نواحي اوروبا المختلفة، فكان هو التربة والجذور بل أصل الشجرة وماؤها المحيي من الموات.
كان الإسلام يضغط للتحرير ، لتحقيق الهدف الأكبر" تحرير الإنسان" والأخذ عن الوحي الرباني(القرآني) كل مايتعلق بالدنيا والآخرة معا، حتى ظهر الإفتتان بهذا النشاط بصورة مدهشة دعت الكهنوت المسيحي أن يتخذ ضد كل من تأثر بعلوم المسلمين العقلية والعلمية اشد صنوف العذاب والإرهاب، من سجن وتشريد، وجبس وتقييد، وحرق وتقتيل.، وعن ذلك التأثير يقول جولدشتاين نفسه:" كانت إسبانيا ، بالنسبة إلى إنتليجنسيا العصور الوسطى المتأخرة-للمعلمين والطلاب أو ال vagantes، الدارسين الجوالين –تمثل المغامرة. وكان الانبهار بثقافة العدو التي سادت شبه جزيرة إيبيريا قد انتشر سرا وببطء منذ القرن العاشر على الأقل. وبحلول القرن الثاني عشر كان هذا الإنبهار قد اكتسب أبعاد عقيدة"!!(المقدمات التاريخية ،ص 111،110)، لاشك أنها جملة من الخطورة بمكان، خصوصا لو تم تفسيرها من المؤلف نفسه، فتراه يضيف:" كانت إسبانيا تعني بهاء الشرق الإسلامي، الإنبهار بنوع جديد من التعلم، ومن بعض النواحي خبايا المعرفة المحظورة. كانت تعني ثقافة تتناقض بأكمل مايمكن مع العالم الوسيط الذي مازال قاحلا ومتقشفا، على الرغم الازدهار الحديث العهد لمدنه. وكان الإسلام قد خلف آثاره في الشوارع والحدائق والمساجد، في الديكور الخزفي للواجهات الملونة، في الجدران التي بتعث فيها الحياة الأقواس على هيئة حدوة الحصان، وفي النقوش الرقيقة على النافورات-التي مازالت تطرطش منها المياه رغم رحيل بُناتها المسلمين- في مكتبات وأقبية أماكن العلم الإسلامية السابقة. بالنسبة إلى الغرب الوسيط ، كانت إسبانيا مثل نافذة انفتحت فجأة على الحياة الغرائبية لعالم مختلف بالنسبة إلى ثقافة اعتادت أن تحيا داخل نطاق حدودها الخاصة الضيقة.كان اختراق حرب الاستعادة... يرقى إلى مرتبة اختراق العالم الخارجي الفسيح ذاته.كانت الحروب الصليبية (وبعض العمليات العسكرية ) قد أنتجت اتصالات متفرقة مع الإسلام في الشرق الأدنى ، وفي صقلية وجنوب إيطاليا، وفي شمال إفريقيا، وفتحت النجاحات العسكرية أبواب التجارة،لكن رد القوات المسلمة على أعقابها في إسبانيا كشف عن بلد أوروبي غربي بأكمله متجذر في هذه الحضارة الأجنبية والمثيرة. وكانت النتيجة حفزا فكريا منقطع النظير، فقد تأثرت بعمق – كل وجوه الحياة الأوروبية تقريبا، من الدين والفلسفة إلى المؤسسات الحكومية إلى العمارة إلى العادات الشخصية ، والشعر الرومانسي، وبالنسبة إلى العلم الوسيط كانت إسبانيا تعني الفرصة للتقدم بخطوة واحدة عملاقة من تجريدات الفكر الفلسفي إلى الخبرة الملموسة، وأتاحت ثروة المعطيات التي قدمها الإسلام للغرب أن تملأ الخطوط العريضة للكون الفلسفي بتفاصيل لانهاية لها للعلوم المتخصصة المتطورة فعلا، التي يجسد كل منها مخزونا ثريا من الخبرة في ملاحظة الطبيعة. وكان العلم الإسلامي يعني أكثر من ذلك ، فثراؤه في المعلومات العينية ، التي ألهمها حب الثقافة الإسلامية لتفاصيل الطبيعة ، بدا بمثابة الطبيعة القائمة على وحدة الوجود التي ألهمت منظري شارتر، جسد الإسلام نمط العلم الذي حلم به شارتر"(المقدمات التاريخية،ص 112-110) ومن ذلك فرنسا التي كانت غارقة في الظلام، ومع مرور الوقت والتغييرات المستمرة في الذهنية والبنية الإجتماعية والإقتصادية والثقافية بدأ التعليم العالي في الغرب يأخذ منحى مختلفا عن ذي قبل.
 
برونو (عالم الفلك الغربي)والمؤثرات الإسلامية عليه وعلى الغرب(3)
نموذج حاضرة شارتر الفرنسية تتأثر بعلوم الطبيعة الإسلامية
ففي حاضرة شارتر، من فرنسا -يقول المؤلف:" خلال القرن الثاني عشر جرى لأول مرة منح دراسة العلم أولوية حاسمة على تدريس الفنون العقلية... ودعا الاساتذة إلى إصلاحات جسورة للتعليم العالي ككل، ممحورين المنهج الدراسي حول العلوم الطبيعية والهندسة، والفلك...هنا كان على أنصار رؤية العالم الجديدة، العلمية، أن يواجهوا الاستنكارات الساخطة...فطوال سبعمائة عام بأكملها ، جرى تقديم الطبيعة على أنها موضوع سلبي لخلق الرب...بدا كأن حجابا كانت الطبيعة تتمدد تحته نائمة طوال سبعمائة عام قد تمزق فجأة. والمرعب أكثر، هو أن الجنس البشري قد أصبح على اتصال مباشر مع الطبيعة...وبديهي أن هذه الخلافات المبكرة تضمنت بذور الحرب التاريخية بين اللاهوت والعلم، التي سيبتلى بها نمو العلم الغربي منذ العصور الوسطى المتأخرة حتى الثورة العلمية، منذ محاكمة جاليليوGalileo وحتى أيامنا...لم يخطر ببال أساتذة شارتر أن يفصلوا الكون الطبيعي عن عالم الرب...لم يكن عالم هؤلاء التقليديين واسعا بما يكفي لكي يشمل كلا من العلم والإيمان، كلا من الطبيعة والإله الرحيم.كان اللاهوتيون المحافظون من باريس، وأورليان، ولاوون، بتحفيز من سان برنار، محافظ العصر الوسيط ذاك الموجود في كل مكان يلاحقون أساتذة شارتر، مستدعين إياهم للمثول أمام المحاكم ، وشاجبين علمهم باعتباره هرطقة، وملصقين بمعلمي العلم وصمة التمرد، ومن تلك اللحظة، بدأ النزاع " (المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص88-85) ولاتنسى الضيف الخفي المتستر في تلك الحاضرة الفرنسية:" انغمس الدارسون الأوروبيون في التراث الإسلامي بكل حماسهم"(المقدمات التاريخية ص110)وذلك بعد ان غاب العلم قرونا عن الغرب الأوروبي بأكثر مما ذكر المؤلف:" فطوال سبعمائة عام أنعم فكر العصور الوسطى في الأرجاء اللانهائية للماوراء، ناظرا من عل على الأرض باعتبارها مجالا قليل المغزى...العالم الطبيعي بدا مجرد إقليم ظلال بعيد"(المقدمات التاريخية،ص95)
من المعلوم أنه في تلك الفترة الزمنية كان العلم نشطا في بلاد الإسلام، وفي كافة مناحي الحياة، وكان العلماء يلقون قبولا لانظير له في تاريخ الأمم، وكان علماء اليهود والنصارى،في العلم الطبيعي، يلقون ترحيبا عند العامة والخاصة والملوك والوزراء والعلماء، ذلك أنهم على كل حال تأثروا بمنهجية الإسلام ومنهجه العلمي وبنوا على أساسه،وكان لهم كامل الحرية في الدراسة والمشارة العلمية والحضارية،يبنون داخل نطاق الحضارة العريقة الزاهية، والتي كان يتطلع إليها كثير من الغربيين بشيء من الأمل في مستقبل لهم زاهر وشبيه.
فلم يكن علماء الغرب يستجيبون فقط للظروف الاجتماعية لرفاهية الرأسمالية المبكرة الجديدة كما قال المؤلف(ص93) وإنما ايضا كانوا يستجيبون للتحولات العلمية والعقلية التي جلبها الإسلام لأوروبا، ومكث يضع ثمراته كلها العلمية العظيمة طوال ثمانية قرون، يطرق فيها أبواب الغرب، بالعلم والدواء، والقلم والكتاب، والعقل والعقل ، والمختبرات والمعامل، والتنظيم والتعليم. ولاشك ان رفض العلماء في الغرب-في شارتر وغيرها- لتجاهل القديس أوغسطين لعالم الحواس لم يكن إلا إقبالا على اهتمام محمد بهذا العالم تبعا للقرآن المنزل، ذلك أن أولئك العلماء الغربيون تتلمذوا على ماأُلقي على لسان محمد وفي قلبه، وهو الذي فتح الفتوحات على العالم،في العلم والرفاهية، للرجل والمرأة على السواء، فكان التحرير من كل الوجوه الممكنة!
الا يستحق رسول الإسلام الإسم الذي اطلقه اهله عليه(محمدا) والإسم الذي أطلقه قومه عليه وهو(الأمين)؟! والإسم الذي أعطاه الله له"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " وكان رحمة للعالمين
والمؤلف نفسه أشار أن وجود إسبانيا المسلمة بجوار فرنسا كان من حسن الطالع!:" والأسعد طالعا ، أن هذا المخزن اتضح أنه مجاور للمراكز الفكرية الفرنسية، عبر جبال البرانس ، بين مشاهد الطبيعة الواعرة والداكنة لإسبانيا"(ألمقدمات التاريخية،ص 109) وهو يتكلم هنا عن " مخزون من المعرفة بالعلم الطبيعي" الموجود في الحضارة الباذجة لعالم الإسلام. فحظ أوروبا المظلمة لم يكن حظا –على غير اتفاق أو خبط باب أوروبا خبط عشواء، ولكنها الرحمة المُقدرة التي أخذت منها أوروبا الماديات وعلومها، وتركت الحظ الأوفر وهو ماجاء مع حظ الماديات الذي قال عنها المؤلف وهو يتكلم عن مجاورة المراكز الفكرية للعلم الإسلامي، قال" احيانا يصنع الحظ التاريخ"(ص109)
وعلى الرغم من الحرب مع إسبانيا المسلمة ، واحتلال الفرسان المسيحيون الكثير من المراكز الإسلامية المتألقة للثقافة الإسلامية" الا أنه أثناء ذلك " كان السلام قد عاد بما يكفي ليتيح الدراسة الهادئة للتراث الثقافي العظيم للإسلام"(المقدمات التاريخية، ص 110)
ويمكن تقديم مئات الأدلة على أن المحرض على العلم والمنتج الرئيس لها في زمن حلقة شارتر ، وكل حلقات العلم في الغرب، كان هو العلم الذي انتجته حضارة الإسلام، والتحدي الذي قدمه، وفي حضور هذه المؤثرات،والمترجمات،والاب تكارات والإكتشافات العلمية الإسلامية الفوارة، يقول جولدشتاين بعد كلامه عن الصراع الذي بدأ بين اللاهوت المسيحي والعلم، أن التحول تجاه الطبيعة والإستفادة من الماضي أن توجه :"في مبادرة نشطة باتجاه ترجمة النصوص العلمية من العربية واستخدامها في الدراسة والتدريس،- وهذا اسهام ضخم في ظهور العلم الحديث"(المقدمات التاريخية للعلم الحديث،ص93) ومن الملفت للنظر كما بين المؤلف أن شارتر كانت كاتدرائية!:" فشارتر ذاتها كان من الواضح أنها مدرسة كاتدرائية ترعاها الكنيسة وكان المعلمون أعضاء في سلك الكهنة يرتدون العباءة والمسوح، وتطورت المبادرة الجديدة لدراسة العلم تحت حماية واحدة من أكثر الأسقفيات ومجالس الكاتدرائيات احتراما في فرنسا في العصر الوسيط"(ص 93،هامش) وعلى كل حال ،فإن العلم الإسلامي، المخترع في مدائن المسلمين وصل إلى أعرق الكاتدرائيات وأثر عليها وانتج تغييرا في ذهنية رجالاتها ، وأحدث صراعا مريرا في الداخل ، وتغيير ميزان القوى في العالم الوسيط، وتعديل النظرة العلمية في الكون، وتغيير الحالة الكئيبة التي استحوذت في الغرب على المشهد المظلم كله، وبقى على الغرب أن يطور نفسه اقتصاديا ، تطوير العلوم من خلال قاعدة اقتصادية متزايدة ومطردة كما فعل الإسلام تماما.
وكات لتأثير المدارس وبعضها على بعض في داخل اوروبا مجالا خصبا لتطور العلم في الغرب ، وكل تلك المدارس تأثرت بمصدر هذا العلم العربي والإسلامي، فمثلا يحكي المؤلف أن تأثير مدرسة شارتر على النهضة الإيطالية كان تأثيرا عظيما في اتجاه البحث العلمي الأصيل :" وتحت الأقبية القوطية لكاتدرائية شارتر بدأت العملية الطويلة للعودة إلى الطبيعة"(المقدمات التاريخية،ص 94) واقول بدوري أنه تحت هذه الأقبية نفسها تم دراسة وتدريس العلوم المنقولة عن الحضارة الإسلامية والإستفادة العظيمة منها، وهنا يظهر فضل العرب واهل حضارة الإسلام على الغرب كله.
اما تييري (الشارتري)، نسبة ألى حلقة(شارتر)(وهو بحسب جولدشتاين، واحد من المؤسسين الحقيقيين للعلم الغربي) فقد حفز البحث عن المخطوطات العلمية العتيقة والعربية في إسبانيا -يقول جولدشتاين-. والنتيجة أن بعض الأفكار الأرسطية والإسلامية اللافتة تظهر بشكل متفرق، لكنه لايقبل الخطأ في فكر شارتر"(ص97) وكان تييري قد قام بتفسير ليبرالي للتعاليم المسيحية، مع خليط من فكرة أفلاطون عن الكون كما قال جولدشتاين(نفس الصفحة)
لم تكن هذه الحلقة وأمثالها في القرن الثاني عشر الميلادي ومابعده من قرون، تُعلن الحادها ودهريتها بل كانوا يحاولون تقديم تأويلات عقلانية ،للكتب المقدسة(وأنى لهم ذلك؟!) حتى لايتصادموا مع المسيحية الغربية، حريصين على عدم خسارة كل شيء، يؤمنون بالله كرب للعالم، وإن كانوا يؤمنون مع ذلك بخرافات الكنيسة عن الخلاص والفدية ،فالرجل الثاني ، الأعظم، بحسب قول جولدشتاين، بين علماء شارتر الطبيعيين، يقول، أمام من اتهموه بالكفر،:" أنا لا أنتزع شيئا من الرب،؛ فهو خالق كل شيء، بإستثناء الشر. لكن الطبيعة التي أنعم بها على مخلوقاته تحقق مخططا كاملا من العمليات، وهذه بدورها تعود إلى مجده حيث أنه هو الذي خلق هذه الطبيعة ذاتها"(المقدمات التاريخية، ص 99) يُعلق المؤلف على قول ويليام الكونشي هذا، بقوله:” ياله من صوت فخور! ويالها من رؤية تقف فيها الطبيعة الآن مستقلة بذاتها تماما، تحقق " مخططا كاملا من العمليات"، لكنها تضاف إلى المجد الأعظم للرب!... ولاعجب إن خص المحافظون وليام الكونشي بأعنف هجماتهم وشجبوه باعتباره زنديقا"(الصفحة نفسها)، ويضيف المؤلف بأن رؤية الكونشي عن الكون كانت لاتزال يحجبها ضباب الزمن!(ص101)
فواجهت الكنيسة الإسلام في شخوص هؤلاء مع اختلاف المدى الذي تأثروا به من علومه.
 
برونو (عالم الفلك الغربي) والمؤثرات الإسلامية عليه وعلى الغرب(4)
أمور لافتة ملفتة
مايلفت نظري في كثير من كتابات المؤرخين الغربيين الذين يتحدثون عن انتقال العلم الإسلامي إلى الغرب محدثا تغييرا عميقا في "البنية" والذهنية" و " الواقع المادي" هو رنين الألفاظ الموحية بتسلل هذا العلم ، وببطء، ومعاناة، إلى هذا العالم، متسببا في عملية تحريره من معيقات عقلية ونفسية وعملية ودينية وكهنوتية، ولننظر في جرس الكلمات، على على الأقل من كتابنا هذا، ومنها":"ببطء، تغلغل النسق العربي في الإستخدامات التجارية والرياضية "(المقدمات التاريخية لتوماس جولدشتاين ، كتاب عالم المعرفة،ص 143) وبحسب المؤلف :" لم تستقبل اوروبا العلم العربي من أجل رصانته وحدها بأي حال،بل استقبلته بدرجة كبيرة كجزء من حركة ثقافية كانت اوروبا مستعدة لها، وكل طاقاتها موجهة تجاهها،ثمة وميض، وتألق وتوهج، وبهاء زاه ينبعث من البلدان الإسلامية عبر اوروبا خلال القرون الوسيطة الأخيرة، له علاقة أكبر يتحرير الحواس مما له بمجرد الدراسة المجتهدة للبصريات أو الحساب، لكن بالنسبة لقلة من العقول التي لاتزال منعزلة"وقال (ص32):"وإذا كان التوافق الذهني لايعدو أن يكون تدريجيا و"عودة" العقل "إلى الأرض بطيئة ونافرة في مجملها، فقد اكتسب عصر النهضة دلالته الكاملة من الإكتمال السعيد لإكتشاف الأرض""وقال:" فعل الخوارزمي اكثر من ادراك المبدأ فقد منح الفكر الغربي الأمثلة الأولى ..."(المرجع نفسه ص140) ومنها :" الأداة الحسابية الرائعة التي استطاع بواسطتها الغرب القيام بخطواته الرياضية العملاقة"(ص136) يقول:"الكوابيس لمجموعة من الناس ، والإثارة لآخرين ، اعتمادا على الكيفية التي يشعر بها المرء إزاء الأفكار الحديثة واثرها المقلق على الأساليب الفكرية الثابتة، وفي الحقيقة فحتى الأعداد العربية والرياضيات الجديدة التي ولدتها لم تسجل دخولها الظافر إلى الساحة الأوروبية...ولم تتغلغل الرياضيات العربية إلا على نحو متقطع وببطء مدهش، مستغرقة بضعة قرون حتى تستقر"( المقدمات التاريخية للعلم الحديث ص 142) ومعلوم ، كما قال مؤلف أن:" أي إنجاز هندسي –على سبيل المثال- لابد من ترجمته إلى لغة الرياضيات قبل أن يمكن التعامل معه بنجاح.الرياضيات هي المعجم الذي يدرك بواسطته العقل الإنساني النظام الكامن في الطبيعة ، ويتواصل معها، ويسيطر على قوانينها، وإذا لم تكن هي ماهية هذا النظام ذاته،فإنها على الأقل واحدة من أكثر وظائفه أو دوانبه دوهرية"(المقدمات العلمية للعلم الحديث ص71)
عند المؤلف، على الرغم من أنه رأي التوجه الإسلامي في تطوير العلوم، ان الجهود العلمية الأشد اتساق وخضوبة:" تتغذى على مايمكن أن نسميه التوجه"العلماني" ، وهو فضول إزاء الطبيعة يجد جذوره في مناخ ثقافي علماني، مناخ يلعب فيه الإدراك الحسي المباشر دورا محوريا ومعترفا به تماما...هذا القبول الراشخ للطبيعة ، هذا الابتهاج المرح بعطاياها، هو بالتحديد ماتم التخلي عنه خلال العصور الوسطى المبكرة وماكانت أوروبا تعود إليه بعد طول انتظار(....) –تدريجياوبصعوبة وبإحجام شديد عميق عادة-خلال عملية العلمنةSCularization الطويلة فيما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر"(المقدمات التاريخية ص 62)
لقد انتجت حضارة الإسلام في علوم المادة والطبيعة بدون أن تتخذ خطوة مدمرة للروح معلمنة للفطرة والعلم، بيد أن أوروبا بعد ان قطعت مع الكنيسة ولم تأخذ من الإسلام الا مااخذت وهو عظيم لاشك، راحت ترجع لوثنيتها القديمة ودهريتها الأسطورية وبنت عليها من جديد ، في العصر الحديث، نظرية علمانية معلمنة، يشتكي منها حتى مؤلف الكتاب كما عرضنا في مقدمة هذا البحث.
http://vb.tafsir.net/tafsir34924/#post195904
 
كما أُحرق برونو الإيطالي
كذلك أُحرق فانيني
في (9 فبراير 1619)
:"أحد المترددين على محاضراته وشى به على أنه يسخر من التجسيد ويعارض فكرة وجود "إله بشري"(38)...فقبض عليه في 2 أغسطس 1618، لا بأمر الكنيسة؛ بل بناء على أمر من مفوض الملك العام. واستناداً إلى محاضراته اتهم بالإلحاد والتجديف، وهاتان جريمتان تعاقب عليهما الدولة. وأكد فانيني إيمانه بالله، ولكن فرانسون زعم أن السجين صرح بإلحاده وكفره أكثر من مرة قائلاً بأن "الطبيعة هي الإله الوحيد" وأقر للقضاة شهادة الشاهد، ...وعلى الرغم من احتياجات فانيني الصارخة، وما أظهره من تقى وورع في سجنه، صدر الحكم عليه-وهو في الرابعة والثلاثين:- بأن يسلم إلى الجلاد، الذي يجره إلى سياج نقال، وهو في قميصه، وحبل المشنقة حول عنقه، حاملاً فوق كتفيه إعلاناً يقول "ملحد دنس اسم الله" وعلى الحال يقوده أمام المدخل الرئيسي لكنيسة القديس ستيفن، وهناك يجثو على ركبتيه ليطلب الغفران من الله ومن الملك والعدالة، عن تجديفه وإلحاده، ثم يسوقه إلى ميدان سالين، ويشده إلى خازوق مقام هناك، ويقطع لسانه، ويشنقه، ثم يحرق جسمه ثم يترك الرماد لتذروه الرياح(65).
قصة الحضارة ج30 ص301، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> فانيني وكمبالا
تعليق
ولد في جنوب إيطاليا
 
البابا أولا والبابا ثانيا والبابا أخيرا!!!
"كان محور السياسة في العصور الوسطى تثبيت سيطرة البابا على الملوك لجمعهم وتوحيدهم كلهم تحت رايته"
قصة الحضارة ج30 ص304، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> الفلسفة والسياسة
تعليق
وهذه أيضاً لم تظهر في الإسلام، وهذا هو الكهنوت المسيحي بعينه، فلم يكن هناك شيخ يسيطر على الخلفاء، ولاهو أصلا من إختراع الإسلام ، بل جاء الإسلام ليهدمه ويفضحه ويعريه ويلغيه.
لأنه يدعي الصلة بالله مباشرة فكل مايصدر عنه ليس إجتهاداً وإنما هو قرار من الإله.. غير غير حاجة لنص!!!
 
الصراع في البداية -أي بعد أن تفاعل الغرب مع الشرق الإسلامي بل الغرب الإسلامي- كان بين الملوك المسيحيين والباباوات كان حول الحقوق الإلهية، كل يدعيها.
ولم يكن ولا واحدة منها من تنشئة الإسلام ولادعوته(السلطة الإلهية للملوك أو الباباوات)، فليس أحد من البشر له حقوق إلهية، لا ملكية ولاباباوية
ولذلك مال الفلاسفة الغربيون للتسامح والتعدد والتفاعل الذي كانوا يرونه واقعاً في العالم الإسلامي في ظل المظلة الإسلامية الواسعة ثم وجدوا هذا الأمر نظرياً عند بعض فلاسفة اليونان، فقامت المعركة بين الملوك والبابوات، والفلاسفة والباباوية، أي الكنيسة ضد النقد الفلسفي وضد الحكام الذي يريدون نزع السلطة المطلقة من الباباوية وجعلها لهم.
 
النص طويل للتمعن في التاريخ
وكيف كانت بدايات المعركة (أو التفكير في أو ) حول سلطة الملوك او الشعب أو الباباوية
:"وكان بين المدافعين عن سلطة الشعب كثير من الجزويت الذين رأوا في هذه النظرية وسيلة لإضعاف سلطان الملوك أمام سلطان البابا. ويحاج الكاردينال بللارمين في هذا بقوله: "إذا كانت سلطة الملك مستمدة من الشعب، ومن ثم خاضعة له، فإنه من الواضح أن تكون تابعة لسلطة البابا المستمدة من الكنيسة التي أسسها المسيح، وهي بذلك لا تخضع لغير الله. وانتهى لويس مولينا- وهو جزويتي أسباني- إلى أنه ما دام الشعب هو مصدر السلطة الدنيوية، فإنه يجوز له حقاً وعدلاً- ولكن وفق إجراءات سليمة- أن يخلع الملك الظالم(48). وجاء فرانشسكو سواريه، وهو خير من أنجبه المجتمع المسيحي من رجال اللاهوت(49)"، فقرر هذه النظرة من جديد، مع بعض تعديلات دقيقة قاوم بها مزاعم جيمس الأول الاستبدادية، واعتنق الرأي القائل بحق البابوات في عزل الملوك. وأثار دفاع الجزويتي جوان دي ماريانا عن قتل الطغاة سخطاً عالمياً، حيث زعموا أنه شجع على قتل هنري الرابع.
أن ماريانا (الذي لاحظنا بالفعل أنه أعظم مؤرخي جيله) كان من كل الوجوه شخصاً مرموقاً، اشتهر بعلمه وفصاحته وجرأته الفكرية. وفي 1599 أهدى إلى فيليب الثالث ونشر، بإذن من الرقيب المحلي الجزويتي، رسالته "الملك وتعليمه" واستبق هوبر بنصف قرن، فوصف "حالة الطبيعة" قبل نشوة المجتمع، حيث عاش الإنسان آنذاك عيشة الحيوان في البرية، وتحرراً من أية قيود أو ضوابط، اللهم إلا عجزه الجثماني، لا يعترف بقانون ولا بملكية خاصة، يشبع غريزته في التماس الطعام والرفيقة. ولكن كانت ثمة منغصات في الحرية التي نادى بها روسو، من ذلك تكاثر الحيوانات الضارية الخطرة. وعمد الناس إلى حماية أنفسهم عن طريق تنظيم اجتماعي، وهو أعظم أداة اخترعت آنذاك، ووسيلة ضرورية لمقابلة أعضاء الدفاع والهجوم الفسيولوجية التي زودت بها الطبيعة الحيوان. وبمقتضى ميثاق صريح أو ضمني اتفق أعضاء الجماعة على تفويض سلطتهم الجماعية إلى رئيس أو ملك. ولكن السيادة بقيت في الشعب، وفي معظم الأحوال تقريباً، قامت جمعية وطنية (مثل الكورتيز في أسبانيا- الجمعية التشريعية، من مجلسين) بالرقابة على السلطة المفوضة للملك أو الرئيس، واحتفظت بالإشراف على الخزينة وسنت مجموعة من القوانين كانت سيدتها أعلى من سلطة الملك.
وفي رأي ماريانا أن الديمقراطية أمر مستحيل، بسبب تفاوت توزيع القدرات والذكاء بين الناس والدمار كل الدمار في تحديد السياسة عن طريق الاستفتاء(50). فالملكية المقيدة أو الدستورية أحسن أنواع الحكومات، فهي تلتئم مع طبيعة الإنسان، وتعون على بقاء الدولة. ويجب أن تكون وراثية، لأن الحكومة الانتخابية إن هي إلا مثار للفوضى في فترات دورية.
ويجب أن يكون الملك مقيداً بالقانون وبالضوابط الدينية والأخلاقية، وبحق الشعب في عزله إذا طغى. ويجب عليه ألا يغير القوانين أو يفرض ضرائب دون موافقة الشعب. "ويجب عليه ألا يقرر شيئاً بشأن الدين(51)" لأن الكنيسة فوق الدولة وينبغي لها أن تحكم نفسها، ومع ذلك فعليه أن يحمي ديانة البلد، لأنه إذا أهملت الديانة فلن تقوم للدولة قائمة(52). ويجب على الدولة أن تساند الدين في محفظته على المبادئ الأخلاقية، وتشجب مصارعة الثيران لأنها تشجع على الوحشية، والمسرح لأنه يهيج الغرائز
الجنسية(53)، وتنفق على العناية بالمرضى والفقراء عن طريق التوسع في إنشاء المستشفيات وتوزيع الصدقات وأعمال البر، وينبغي على الأغنياء أن يعطوا الفقراء ما ينفقونه الآن على مظاهر البذخ وعلى الكلاب. ويجب أن تكون الضرائب عالية على الكماليات، ومنخفضة على الضروريات. فإن السلع الموجود في البلاد يمكن أن تفي بحاجات الجميع إذا أحسن توزيعها توزيعاً عادلاً(54). فالأمير الصالح يمكنه أن يحول دون تركز الثروة، ولم تحل الملكية الخاصة محل الشيوعية البدائية إلا لأن "الجشع الفظيع وضع يده على كل النعم الإلهية واستأثر بكل شيء لنفسه(55)". أن هذا نظام ضروري الآن، ولسوف تعاد الشيوعي في السماء(56).
ويجوز أن يعزل الطاغية، بل يجوز حقاً وعدلاً قتله، حتى بيد فرد، في بعض الظروف:-
من هو الحاكم الذي يمكن أن يعتبر طاغية؟.... إننا يجدر بنا ألا نترك الفصل في هذا لأي فرد، أو حتى لأفراد كثيرين، إلا إذا اشترك صوت الشعب في هذا جهراً، وانضم المثقفون والمعروفون بالجدية والرزانة إليه للتداول في الأمر... ولكن إذا جر الأمير البلاد إلى الخراب، وأساء استخدام ممتلكات الدولة أو الأفراد، وخرق القوانين العامة، وانتهك حرمة الدين، وبدأ يثبت أقدامه في صلف ووقاحة وعقوق..... وإذا لم يتسن للمواطنين أن يجتمعوا لإجراء مشاورات ومداولات عامة، ولكنهم عاقدون العزم جدياً على وضع حد لهذا الطغيان- ومع افتراض أن هذا عمل بغيض لا يحتمل.... فإنه في مثل هذه الحالة، إاذ تقدم الفرد، مستجيباً لهذه الرغبة العامة، وعرض القيام بالقضاء على هذا الحاكم. فإني لا أعتبر هذا الفرد آثماً ولا شريراً.... وإنها لفكرة سليمة أن يقتنع الأمراء بأنهم إذا طغوا بغوا... فإنه يمكن قتلهم، لا حقاً وعدلاً فحسب، بل أن قتلهم يكون كذلك مدعاة للثناء والفخر(57).
وأعاد ماريانا إلى ذاكرة قرائه حوادث قتل الطغاة في التاريخ- هارموديوس وأرستوجيتون اللذين قتلا الطاغية همبارخوس (أثينا- القرن السادس ق. م)، وبرونوس الذي أخرج الطاغية تاركينوس من روما. وأشار إلى أن أثينا وروما، بل أن في الواقع كل أوربا المثقفةأوربا النثقفة خلدت ذكرهم. ولكنأةورباأوربا خلدت ذكرهم. ولكن ماريانا كشف عن تحيزه، برضائه إلى حد ما عن ذبح هنري الثالث بيد كليمنت منذ عهد قريب (1589):
إن هنري الثالث ملك فرنسا خر صريعاً بطعنة من أحد الرهبان بسكين مسمومة في أحشائه. إن هذا منظر كريه.... إن جاك كليمنت دري اللاهوت في كلية الدومينكان التابعة لطائفته. وأبلغه رجال اللاهوت الذين استشارهم، أن قتل الطاغية عمل مشروع. أن موت كليمنت شرف خالد لفرنسا، كما بدا لكثير من الناس، فقد اعتبر الكثيرون أنه مات وهو جدير بالخلود، على حين أن آخرين من ذوي الحكمة البالغة والثقافة العالية استنكروا عمل ووجهوا إليه اللوم(58).
وقد نذكر أن هنري الثالث كان يناهض العصبة الكاثوليكية، وأنه أمر أعوانه بقتل هنري دوق جيز، زعيم العصبة. وكان فيليب الثاني ملك أسبانيا يؤيد العصبة، وقد أمدها ببعض المال، كما وافق على قتل إليزابث الأولى ملكة إنجلترا، ووليم أورانج. ولم يكن لدى فيليب الثالث إي اعتراض على قتل أي عدو لأسبانيا.
وفي 1599 أمر كلوديو أكوافيفا رئيس "مجمع يسوع"، بتصحيح كتاب ماريانا "الملك". ولما قتل هنري الرابع بيد رافاياك (24 مايو 1610) أعلن أكوافيفا استنكاره بمبدأ ماريانا في قتل الطغاة (8 يولية) وحظر إدراجه في تعاليم الجزويت. وكان ماريانا في الوقت نفسه قد اعتقل، لا لتحبيذه قتل الطغاة، بل مت أجل احتجاجه على خفض فيليب الثالث لقيمة العملة، وتحذيره من مساوئ التضخم في رسالة قيمة "تزييف العملة" (1625). واحتمل ماريانا عناء السجن بطريقة فلسفية، وبقي على قيد الحياة بعد إطلاق سراحه. وتوفي في 1624. وهو في سن السابعة الثمانين.
قصة الحضارة ج30 ص305-309،، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> الفلسفة والسياسة
 
هوجو جروشيوس يصف حروب المسيحية داخل أوروبا نفسها(النص موجه ل فيلدرز (برلماني هولندي)
:"عندما صعدت ألمانيا حرب الثلاثين، ألف جروشيوس الذي كان يعاني الفقر والعوز كتابه "قانون الحرب والسلام" (1625). رأيت أنه يسود العالم المسيحي نزعة إلى شن الحروب التي قد تخجل منها حتى الشعوب المتبربرة، فيفزع الناس إلى السلاح لأتفه الأسباب، أو بلا سبب، حتى إذا ما حملوا السلاح، لم يعد هناك أي احترام لقانون سماوي أو قانون وضعي، وكأنما أبيح للناس ارتكاب أية جرائم دون قيد(71).
قصة الحضارة ج30 ص314،315،،، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة
تولد من جديد -> الفلسفة والسياسة
قال ديورانت
:" وقضى نحبه في روستوك في 29 أغسطس 1645، وهو في الثانية والستين من العمر.
وبعد انقضاء مائتين وسبعة وستين عاماً غفرت له هولندة "تحرريته"، وفي 1886 أقامت له تمثالاً في مسقط رأسه. وفي 1899 وضع مندوبو الولايات المتحدة إلى
المؤتمر الدولي للسلام في لاهاي، على قبره إكليلاً من الفضة، اعترافاً بأن كتابه أسهم لبعض الوقت في الحد من "لعبة الملوك"(ج30ص318)
"ولد هويج (أو هوجو) في دلفت، ودرس الرياضيات والفلسفة والقانون في ليدن"(ص314)
 
مكيافللي والتحلل من القيم، وكذلك العلمانية في مستوى من مستوياتها!
قال ديورانت
:"وكان مكيافللي قد ذهب إلى أن الدول لا يمكن الإبقاء أو الحفاظ عليها إلا إذا تحللت من الالتزام بالقانون الأخلاقي المفروض على مواطنيها. فينبغي على رجال الدولة- بالتفويض عادة- أن يكونوا مستعدين للكذب والسلب والقتل، قدر ما يرون أن هذا أو ذاك مرغوب فيه، من أحل مصلحة الدولة، لأن الدول، حتى تلك اللحظة تعيش في أدغال تتنازع فيها البقاء، مثلما كانت تعيش الأسرات قبل قيام الدول. وهي لا تعرف قانوناً إلا قانون "صيانة الذات"
قصة الحضارة ج30 ص315، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> الفلسفة والسياسة
 
ديكارت-في شبابه- واشتراكه في حرب الثلاثين عاما!
:"ولما نشبت حرب الثلاثين عاماً انضم إلى قوات مكسيمليان أمير بافاريا، وتذكر رواية غير مؤكدة أنه اشترك في معركة "الجبل الأبيض".
وفي غضون هذه الحملات. وبخاصة في شهور الشتاء الطويلة التي تعوق مواصلة القتل، كان ديكارت يتابع دراسته، وفي الرياضيات بصفة خاصة...ورأى رومة في فترة الغفران (1625)، ومر بفلورنسة ولكنه لم يزر جاليليو. ثم قفل عائداً إلى باريس وهناك في الريف تابع دراسته العلمية. وصحب الرياضي المهندس العسكري جيرار ديسارج في حصار لاروشيل (1628). وفي أخريات هذا العام قصد إلى هولندة، حيث قضى في المقاطعات المتحدة بقية أيام حياته تقريباً، اللهم إلا بعض فترات قصيرة قصد فيها إلى فرنسا لتدبير شؤونه المالية.
قصة الحضارة ج30 2321،322ن بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> رينية ديكارت
 
ديكارت اتخذ خليلة
"وامتنع عن الزواج ولكنه اتخذ خليلة (1634) أنجبت له طفلة.
قصة الحضارة ج30 ص323، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> رينية ديكارت
 
ديكارت وصدقه!!!
"ترى هل كانت تلك النتائج القويمة التي انتهى إليها ديكارت صادقة مخلصة، أو أنه أضفى عليها لوناً وقائياً؟. هل كان ديكارت تواقاً إلى متابعة دراسته العلمية في هدوء وسلام بعيداً عن الاضطهاد والتعذيب، إلى حد أنه كان ينفث الميتاقيزيقا مثل غشاوة مربكة تحول دون انقضاض الطيور الجارحة عليه؟ لسنا نملك الجزم بشيء في هذا الصدد... وفي إحدى مقالاته أكد ديكارت أن العقل لا يحول دون تصديق أشياء نزل بها الوحي الإلهي، على أنها أكثر يقينية من أرسخ معرفتنا وأجدرها بالثقة(97) "وتنم رسائله مع إليزابث أميرة البالاتين، في أسلوب فصيح عن التقى والتمسك بالصراط المستقيم. وزاره سالاميوس في ليدن 1637 فوصفه بأنه "كاثوليكي غيور جداً"(98)".
قصة الحضارة ج30 ص328،، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> رينية ديكارت
 
ديكارت بعد اثباته أن الروح البشري غير مادي، فكيف يعمل غير البشري الجسدي في البشري الجسدي؟
قال ديورانت
:"ولكن إذا كان جسم الإنسان آلة مادية فكيف يتسنى للعقل غير المادي أن يعمل فيه. أو يحكمه بقوة غير ميكانيكية مثل الإرادة الحرة؟ وهنا يفقد ديكارت ثقته، فيجيب يائساً بأن الله يرتب تفاعل الجسم والعقل بطرق خفية لا يصل إليها إدراكنا المحدود. وربما ارتأى أن العقل يعمل في الجسم عن طريق الغدة الصنوبرية الموضوعة بشكل مناسب في قاع المخ.
قصة الحضارة ج30 ص330،، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> رينية ديكارت
 
ظروف اوروبا وبذور العلمانية
فلسفة.. العقل وحده تبدأ فعلها!
:"وكان لأعمال ديكارت بعض الأثر على الأدب والفن في فرنسا...وتلاءم توكيده على الأفكار الواضحة الجلية مع الذهن الفرنسي، وأصبح رفعه من شأن العقل أول قاعدة من قواعد الأسلوب الممتاز عند الناقد الفرنسي بوالو:
"أحب العقل إذن، ولتستمد كتاباتك وقيمتها منه وحده(111)".
قصة الحضارة ج30 ص335، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> رينية ديكارت
 
آخر كلمات ديورانت في نهاية مجلد حرب الثلاثين عاما
بعد عرض حرب الثلاثين والثمانين وتحدي المسيحية والباباوية على كافة الأصعدة ، بدأ عصر صعود العلمانية واعتمادها على العقل الذي بدأ يستغرق في المادية أو وحل المادية!
"إن "المناظر الكبرى" بين العقل والإيمان كانت تتخذ شكلاً واعياً. ولكن تاريخها الحديث كان قد بدأ فقط.إننا إذا ألقينا نظرة على الأعوام التسعين 1558-1648، من إليزابث إلى ريشليو، ومن شكسبير إلى ديكارت، لأدركنا أن كل القضايا المستحوذة على الأذهان لا تزال محصورة في المسيحية، بين المذاهب الدينية المتنافسة المؤسسة كلها على إنجيل قبله الجميع على أنه "كلمة الله" وثمة مجرد أصوات شاردة كانت تقول بأن المسيحية نفسها يمكن أن توضع موضع الاختبار، وبأن الفلسفة لن تلبث أن تنبذ كل مذهب خارق للطبيعة.
وبعد هذه المراحل الأولى من الصراع بقيت الكاثوليكية مسيطرة في أسبانيا والبرتغال حيث ظلت محاكم التفتيش تنشر الرعب والكآبة. أما في إيطاليا فقد اتسمت الديانة العتيقة بروح أكثر إنسانية، وأضفت بالفن على الحياة شيئاً من الجمال، وزينت الأخلاقيات بالأمل، وارتضت فرنسا حلاً وسطاً، وعاشت المسيحية نشيطة مزدهرة بين الشعب، كاثوليك أو هيجونوت، على حين أن الطبقات العليا كانت تسرح وتمرح في الشك، مرجئة التقى والورع إلى دنوا الأجل المحتوم. وقامت في الأراضي الوطيئة تسوية جغرافية، فأبقت المقاطعات الجنوبية على الكثكلة، وانتصرت الكلفنية في الشمال. وأنقذ البروتستانتية في ألمانيا كاردينال فرنسي، وثبتت بافاريا والنمسا على ولائهما القديم، على حين أعيدت المجر وبوهيميا إلى حظيرة البابا، وأصبحت البروتستانتية قانون الأرض أو المبدأ الرسمي في إسكندناوة، ولكن ملكة السويد آثرت طقوس رومة، واقترحت إليزابث في إنجلترا اتحاداً كريماً بين الطقوس الكاثوليكية والحرية الوطنية، ولكن البروتستانتية الإنجليزية التي تفرقت شيعاً أبرزت حيويتها وغامرت بحياتها.
وفي غمرة تناحر الجيوش والمذاهب، كانت "دولية العلوم" تكافح للإقلال من الخرافة والخوف. كانت تخترع أو تعمل على تحسين الميكروسكوب والتلسكوب والترمومتر والبارومتر، وكانت تبتكر اللوغاريتمات والنظام العشري، وتصلح التقويم، وتبتدع الهندسة التحليلية، وكانت تحلم ، لفورها، بتحويل كل المواقع إلى معادلة جبرية. وكان تيكوبراهي قد قام بكل الأرصاد المتكررة الصابرة التي مكنت لكبرل من صياغة قوانين حركة الكواكب، التي أنارت الطريق أمام نيوتن ليبصر بقانون كوني عام واحد. وكان جاليليو يكشف عن عوالم جديدة أوسع، بمناظيره المقربة التي كان يعمل على تحسينها وتكبيرها باستمرار، وفي قاعات محكمة التفتيش كان النزاع بين العلم والدين يفرغ في قالب مسرحي. وفي مجال الفلسفة ارتضى جيوردانو برونو الإعدام حرقاً حتى الموت، في محاولته لإعادة فهم الألوهية والكون على أسس تلتئم مع أفكار كوبرنيكس، كما أن فرانسيس بيكون الذي يدعو ذوي العقول المفكرة إلى العلم، كان يخطط مهام
العلوم ومسئوليتها لعدة قرون مقبلة، أما ديكارت، بشكه العام الشامل، فقد ألقى على عصر العقل عبئاً جديداً. وتشكلت الأخلاق والعادات والسلوك تبعاً لتقلبات العقيدة. وتأثر الأدب نفسه بالصراع، وكان لآراء الفلاسفة صداها في شعر مارلو وشكسبير ودون. وسرعان ما تتضاءل أهمية الثورات والحروب بين الدول المتنافسة إذا قورنت بالصراع السائد المتزايد بين الإيمان والعقل الذي أهاج ذهن أوربا وحوله، بل ربما ذهن العالم بأسره.
قصة الحضارة ج30 ص336-338، بداية عصر العقل -> اجتهادات العقل -> الفلسفة تولد من جديد -> رينية ديكارت
 
تعريف ويل ديورانت للحضارة
:"الحضارة، وتعريفنا لها أنها ذلك النظام الاجتماعي الذي يدعم الإبداع الثقافي، فهو إذن ينظم أبواب الحكم، والاقتصاد (أي الزراعة والصناعة والتجارة والمالية)، والأخلاق، وآداب السلوك، والدين، والفن، والأدب، والموسيقى، والعلم، والفلسفة، وهدفه التاريخ المتكامل-أي تغطية جميع نواحي النشاط لشعب ما في منظور واحد ورواية موحدة.
قصة الحضارة ج31 ص3، عصر لويس الرابع عشر -> مقدمة -> إلى القارئ العزيز
 
لطيفة
لنحو أربعين ألف جزازة تحت اثني عشر ألف عنوان
قال ديورانت
:"ونحن مدينان ديناً كبيراً لابنتنا إيثل لما بذلت من جهد مخلص في نسخ مسودتنا الثانية، التي لم تكن واضحة تمام الوضوح، على الآلة الكاتبة نسخاً قارب الكمال، لما أدخلت عليها من تنقيحات صائبة؛ ولأخواتنا وأخينا- ساره، وفلورا، وماري، وهاري كاوفمان- لما قاموا به من تصنيف صابر لنحو أربعين ألف جزازة تحت اثني عشر ألف عنوان، وللسيدة آن روبرتس بمكتبة لوس أنجلوس العامة، والآنسة داجني وليمز بمكتبة هوليوود الإقليمية، لما قدمتا من معونة قيمة في توفير الكتب النادرة لنا من جميع أرجاء أمريكا، فما كان لهذه المجلدات أن تكتب لولا مكتباتنا السخية العظيمة، وللسيدة فيرا شنيدر، عضو هيئة التحرير بمؤسسة سيمون وشوستر، لما لقي هذا المجلد وسابقة على يدها من تحقيق علمي دقيق لم يظفر بمثله في أغلب الظن إلا القليل من المخطوطات.
قصة الحضارة ج31 ص4، عصر لويس الرابع عشر -> مقدمة -> إلى القارئ العزيز
 
الإمبراطورية الرومانية المقدسة في القرن ال17
:"أما الإمبراطورية الرومانية المقدسة، التي شملت ألمانيا، والنمسا، وبوهيميا، والمجر، فقد سكنها واحد وعشرون مليوناً تقريباً، ولكنها لم تكن إمبراطورية إلا بالاسم وقد أفقرتها قبيل هذه الحقبة حرب الثلاثين، وانقسمت إلى نيف وأربعمائة دويلة. شديدة الحرص على "سيادتها"،
قصة الحضارة ج31 ص7، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
 
تمردين في فرنسا ايام الملك لويس الرابع عشر قبل قيام الثورة الفرنسية
كان لويس الرابع عشر، ملك بعمر 13 عام يومذاك
إنها الحرب الداخلية أو تمرد البرلمان وطوائف من الشعب المعوز على الحكم المطلق، وكانت حالة الشعب ، ونضرب مثلا بالفلاحين إلى
:"أن يناموا على القش بعد أن بيعت أمتعتهم وفاءً للضرائب. وتمكيناً لنفر من الناس من أن ينعموا في باريس بحياة البذخ أكرهت جماهير لا حصر لها أن تعيش على الخبز القفار.. فاقدة كل شيء إلا نفوسها-وهذه لم تترك لها إلا لأن أحداً يجد سبيلاً لعرضها للبيع(6).
قصة الحضارة ج31 ص12، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
في فرنسا، حروب الرماة، أي وكان أحد أطرافها الطفل الملك لويس الرابع عشر، يمثل وأمه كما أبيه(الملكية المطلقة) وكان تحت وصاية أمه ماري، حتى عمر ال13، يمكن القول إنها الصراع المسلح الذي اشترك فيه البرلمان،الشعب المنقسم على نفسه ، فالمرء إما مع الحاكم المطلق مع عوزه وفقره وإما مع الباباوية وإما مع فكرة الشعب يحكم وهذه كانت تتكون بصعوبة نفسية واجتماعية داخل مجتمعات القرنن ال17، و18.
إنها بإختصار حرب
:"القوتين-"أرستقراطية السيف" العريقة، و"أرستقراطية الرداء" الأحدث عهداً-التمست الملكة درعاً لها في عناد مازاران المقترن بالمرونة والدهاء. وقد بذل أعداؤه محاولتين عنيفتين لخلعه والسيطرة عليها، والمحاولتان تؤلفان حرب الفروند...بدأ برلمان باريس حرب الفروند الأولى (1648-49) محاولاً أن يكرر في فرنسا تلك الحركة التي كانت لتوها قد رفعت البرلمان الإنجليزي فوق الملك مصدراً للقانون وحكماً فيه".
قصة الحضارة ج31 ص11، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
في الحرب الأولى أو التمرد على الملكية المطلقة
:"برلمان باريس تحول إلى هيئة نيابية بصورة غير مباشرة، مؤقتاً، يوم اجترأ أعضاؤه على الكلام نيابة عن الأمة، فنرى أومير تالون، في أوائل 1648، يندد بالضرائب التي أفقرت الشعب على عهد ريشليو ومازاران إذ يقول:
"لقد ألحق الخراب بفرنسا طوال عشرة أعوام. فاضطر الفلاحون أن يناموا على القش بعد أن بيعت أمتعتهم وفاءً للضرائب. وتمكيناً لنفر من الناس من أن ينعموا في باريس بحياة البذخ أكرهت جماهير لا حصر لها أن تعيش على الخبز القفار.. فاقدة كل شيء إلا نفوسها-وهذه لم تترك لها إلا لأن أحداً يجد سبيلاً لعرضها للبيع(6).
وفي 12 يوليو، انعقد البرلمان في قصر العدالة مع غيره من محاكم باريس ووجهوا إلى الملك وأمه مطالب عدة لابد أنها بدت لهما ثورية. فقد طالبوا بخفض ربع الضرائب الشخصية كلها، وبألا تفرض ضرائب جديدة دون موافقة البرلمان بالتصويت الحر، وبطرد النظار الملكيين Intondants الذين حكموا الأقاليم دون اكتراث للحكام والقضاة المحليين، وبألا يحبس شخص أكثر من أربع وعشرين ساعة دون أن يمثل أمام القضاة المختصين. ولو أن هذه المطالب أجيبت لأصبحت حكومة فرنسا ملكية دستورية، ولسارت فرنسا جنباً إلى جنب مع إنجلترا في تطورها السياسي.بيد أن الملكة الأم ربطتها بالماضي جذور أقوى من النصر بالمستقبل، إذ لم يكن لها عهد قط بأي شكل من أشكال الحكم سوى الملكية المطلقة، وقد أحست أن التخلي عن السلطة الملكية على هذا النحو المقترح الآن مفض لا محالة إلى صدوع لا رأت لها في صرح الحكومة الوطيد، وإلى تقويض تلك الركيزة السيكلوجية التي يستمدها من التقاليد والعرف، والنزول بها إن عاجلاً أو آجلاً إلى فوضى الجماهير المتسيدة. ثم يالها من سبة أن تسلم ولدها سلطة دون تلك التي تمتع بها أبوه (أو ريشليو)! ذلك تقاعس عن واجبها سوف يوقفها موقف الإدانة أمام محكمة التاريخ. ووافقها مازاران لما رأى من قضاء مبرم عليه في هذه المطالب الوقحة من هؤلاء القانونيين المتنطعين. ومن ثم أمر في 26 أغسطس بالقبض على بيير بروسيل وغيره
من زعماء البرلمان. بيد أن بروسيل العجوز كان قد أكتسب محبة الناس بهذا الشعار الذي أذاعه: "لا ضرائب" فاحتشد جمهور من الغوغاء أمام الباليه-رويال وتعالى صياحهم بطلب الإفراج عنه. وقد أطلق عليهم اسم الرماة Frondeurs لما كان يحمل الكثيرون منهم من مقاليع أو مراجيم، كما أطلق اسم "الفروند" على هذا التمرد"
في نهاية هذا التمرد كان التالي:"وعادت آن، ولوبس، ومازاران إلى قصبة الملك (28 أغسطس 1649)، والتأم شمل البلاط من جديد، وأنظم إليه النبلاء المتمردون كأن شيئاً لم يقع، اللهم إلا سحابة قد انقشعت. وأغتفر كل شيء، ولم ينس شيء. ووضعت حرب الفروند الأولى أوزارها"
قصة الحضارة ج31 ص11-15،، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
قال ديورانت
ثم بدأ التمرد الثاني وهذا جلب جيوش داخلية!
قال ديورانت:"يقول فولتير: "واصطدمت كل الأطراف بعضها ببعض، وأبرموا المعاهدات، ثم خان كل منهم الآخر واحداً إثر واحد...وما من رجل لم يغير ولاءه غير مرة"(8) وقال ريتز ذاكراً تلك الفترة "كنا على استعداد لقطع رقاب بعضنا البعض عشر مرات كل صباح"(9)"
قصة الحضارة ج31 ص15، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
قال ديورانت
:"وبلغت حرب الفروند الثانية ذروتها على أبواب باريس. فقد زحف كونديه عليها من الجنوب، وهزم جيشاً ملكياً، وأوشك أن يأسر الملك، والملكة، والكردينال، ولو فعل لـ"مات الشاه" حقيقة لا مجازاً، وبينما كان جيشه يدنو من باريس، حملت الجماهير-وهم "الفرونديون" هنا أيضاً، رفات القديسة جنفييف راعية المدينة وطافت الشوارع في موكب ضارعه إلى الله أن ينصر كونديه ويسقط مازاران أما الجراند مدموازيل فقد هرعت من أورليان إلى قصر لكسمبورج حيث كان أبوها لا يزال على تذبذبه، وطلبت إليه أن يؤيد كونديه، ولكنه أبى. واقترب الآن تورين وجيش الملك، والتقيا بقوات كونديه خارج الأسوار قرب بوابة سانت انطوان (ميدان الباستيل الآن). وكاد تورين يكسب المعركة، لولا أن المدموازيل اندفعت إلى الباستيل وحرضت
قصة الحضارة ج31 ص17، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
ولم ينجح التمرد الثاني
:"وفي 21 أكتوبر عادت الأسرة المالكة إلى باريس دون أن يمسها سوء. وافتتن الباريسيون بمنظر الملك الصغير، البالغ من العمر آنئذ أربعة عشر ربيعاً، وسحرهم حسنه وشجاعته، ورددت الشوارع هتاف الجماهير "يحيى الملك" وما لبث هياج الشعب ـن هدأ بين عشية وضحاها، وأعيد النظام لا بفضل القوة، بل بهالة الملكية، وهيبة الشرعية، وإيمان الشعب-الإيمان نصف اللاشعوري-بحق الملوك الإلهي. ...أما مازاران فقد هبط على قدميه دون أن يضار، وعاد سيداً على المملكة، وخادماً لملك ما زال راغباً في التعلم. وقد روع فرنسا أن يبرم الوزير معاهدة مع إنجلترا البروتستانتية وكرومويل قاتل ملكها (1657)، الذي أعان على محاربة كونديه والأسبان بإرساله ستة آلاف جندي،
قصة الحضارة ج31 ص18،19، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
 
حروب الوراثة الأسبانية
:"وزوج فيليب الرابع ابنته ماريا تريزا للويس الرابع عش، بشروط ورطت فيما بعد غرب أوربا كله في حرب الوراثة الأسبانية. ذلك أنه تعهد بأن يبعث إليها، خلال ثمانية عشر شهراً، بصداق قدره 500.000 كراون، ولكنه انتزع منها ومن لويس تنازلاً عن حقوقها في ولاية العرش الأسباني. وأصر ملك أسبانيا على أن يكون العفو عن كونديه شرطاً من شروط الصلح، فلم يكتف لويس بالصفح عن الأمير العنيف، بل رد إليه كل ألقابه وأملاكه، ورحب به في بلاطه.
كان صلح البرانس الدليل على إنجاز برنامج ريشليو-وخلاصه كسر شوكة الهابسبورج، وحلول فرنسا محل أسبانيا أمة متسلطة في أوربا.
قصة الحضارة ج31 ص20، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> مازاران وألفروند
 
لويس الرابع عشر
:"لم يكن أشهر ملوك فرنسا فرنسياً إلا بربع دمه. فقد كان نصف أسباني من ناحية أمه آن النمساوية، وربع إيطالي من ناحية جدته ماري مديتشي... وفي أخريات عمره أكثر شبهاً بجده لأمه، فيليب الثالث ملك أسبانيا، منه بجده لأبيه، هنري الرابع ملك فرنسا.
سمي عند ولادته (5 سبتمبر 1638 (ديودونيه Dioudonn أي "عطية الله"، ولعل الفرنسيين لم يستطيعوا أن يصدقوا أن لويس الثالث عشر قد حقق أبويته فعلاً دون عون من الله.
قصة الحضارةج31 ص21، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
موليير ولويس الرابع عشر
:"وما من شك في أن لويس لم يظهر ميلاً يذكر للكتب، وإن كانت رعايته للمؤلفين وصداقته لموليير وبوالووراسين تشير إلى تقدير صادق للأدب. وقد أعرب فيما بعد عن أسفه لأنه لم يصل إلى دراسة التاريخ إلا متأخراً جداً، وكتب يقول "إن الإلمام بالأحداث العظيمة التي وقعت في العالم على مدى القرون الكثيرة، والتي هضمتها العقول القوية النشيطة، هذا الإلمام يفيد في دعم الحجة في جميع المداولات الهامة"(17)
قصة الحضارة ج31 ص21،22، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
"ومنذ ذلك التاريخ (9 مارس 1661) حتى أول سبتمبر 1715 تولى حكم فرنسا بنفسه. وبكى الشعب فرحاً إذ أصبح له ملك فعال لأول مرة في نصف قرن" ص22





 
ديورانت يذكر عيوب لويس الرابع عشر (ملك فرنسا) في فترة حكمه الثانية
"أما علمنا بعيوبه فيأتينا من فترة حكمه الثانية على الأخص (1683-1715)، حين ضيق التعصب أفقه، وأفسده النجاح والتملق. هنا نجده مغروراً غرور الممثلين متكبراً كبرياء الآثار الضخمة، وإن كان بعض كبريائه ربما أضفاه عليه الرسامون ممن صوروه، وبعضه راجعاً إلى فكرته عن منصبه. فإذا كان قد مثل دور "الملك العظيم" فلعل عذره أنه خال هذا ضرورة لا يستغني عنها أسلوب الحكم ودعم النظام، إذ لابد من وجود مركز للسلطة
قصة الحضارة ج31 ص24، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
لويس الرابع عشر ونفسية الملك المسيحي المطلق، وكلام ديورانت في حربه على هولندا وغيرها
قال
"كان أكثر عطفاً على الأفراد منه على الأمم، في وسعه أن يشن الحرب على الهولنديين الذين لم يؤذوه، وأن يأمر بتدمير البالاتينات، ولكنه يحزن لموت رويتر أمير البحر الهولندي، الذي أوقع الهزائم بالبحرية الفرنسية؛ وقد كلفته الشفقة على الملكة المخلوعة، زوج جيمس الثاني، وعلى ولده، حرباً كانت أسوأ حروبه.
ويلوح أنه آمن حقيقة بأنه مبعوث العناية لحكم فرنسا، ولحكمها بسلطان مطلق. وكان في استطاعته بالطبع أن يستشهد بآيات من الكتاب المقدس سنداً لهدفه هذا، وأسعد بوسويه أن يريه أن العهدين القديم والجديد يدعمان حق الملوك الإلهي. وقد أخبر ولده في مذكراته التي أعدها لإرشاده أن "الله يجعل من الملوك الحفاظ الوحيدين للصالح العام، وأنهم خلفاء الله على هذه الأرض". ولابد لهم، لكي يمارسوا وظائفهم المقدسة على الوجه الصحيح، من سلطة لا حدود لها، ومن ثم وجب أن يكون لهم "الحرية الكاملة المطلقة في التصرف في جميع الممتلكات سواء ممتلكات رجال الدين أو العلمانيين"(32). أنه لم يقل (أنا الدولة) ((tat, c'est moi ولكنه آمن بهذا القول ببساطة مطلقة. أما الشعب فيلوح أنه لم تسؤه هذه
الدعاوى، التي حببها هنري الرابع إليه انتفاضا على الفوضى الاجتماعية، لا بل إن
أفراده تطلعوا إلى هذا الملك الفتى في ولاء ديني، واستشعروا عزة الجماعة في أبهته وجبروته...وقد أفصح عن مذهبه في الحكم المطلق حين أراد برلمان باريس عام 1665 أن يناقش بعض مراسيمه. ركب من فالنسين في ثياب الصيد، ودخل قاعة البرلمان في حذائه العالي وسوطه بيده، ثم قال: "إن الكوارث التي جرتها مجالسكم معروفة مشهورة. لذلك آمركم بأن تفضوا هذا المجلس الذي اجتمع ليناقش مراسيمي. سيدي الرئيس الأول، إني أمنعك من السماح بهذه الاجتماعات، وأمنع أي فرد منكم بالمطالبة بها.(33)" ثم نقات وظيفة البرلمان بوصفه محكمة عليا إلى "مجلس خاص" ملكي، خاضع للملك على الدوام.
قصة الحضارة ج31 ص25،26، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
900 يُقتلون في مبارزات فرنسا القرن ال17!!!
:" وقد حظر لويس (يقصد لويس الرابع عشر) الحروب الخاصة التي كانت تنشب بين الأحزاب الإقطاعية، وأنهى-إلى أجل-عادة المبارزة التي انتعشت خلال حرب الفروند، وتفاقم خطرها لأن شهود المبارزين، لا المبارزين الأصليين فحسب، كانوا يقتتلون، ويقتلون، ويحرمون مارس إله الحرب من فرائسه. وقد أحصى جرامون عدد من أودت المبارزات بهم في تسع سنوات (1643-52) فكانوا تسعمائة(34).
قصة الحضارة ج31 ص27، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
ظلم "قانون لويس"الرابع عشر، (1667-1673) في فرنسا
:"القانون أباح الكثير من أعمال الهمجية والطغيان. ونشرت شبكة من المخبرين في أرجاء فرنسا يتجسسون على الكلام كما يتجسسون على الأفعال وأبيح اعتقال الأشخاص اعتقالاً تعسفياً بمقتضى الأوامر السرية Lettres de Cachet التي يصدرها الملك أو وزراؤه، وسجنهم سنين دون محاكمة، ودون أن يحاطوا علماً بجريرتهم. وحظر القانون الاتهامات بالسحر، وأبطل حكم الإعدام عقاباً للتجديف، ولكنه احتفظ باستخدام التعذيب أداة لانتزاع الاعترافات من المتهمين. وأجاز القانون عقاب عدد كبير من الذنوب بالحكم على مرتكبيها بتشغيلهم في سفن أسرى الحرب-وكانت سفناً كبيرة وطيئة يسيرها بالمجاديف المذنبون موثقون بالسلاسل إلى المقاعد. وخصص ستة رجال لكل مجداف طوله خمسة عشر قدماً. وكانت صفارة المشرف تلزمهم الاحتفاظ بالسرعة التي يحددها، وأجسادهم عارية إلا من وزرة، وشعورهم ولحاهم وحواجبهم محلوقة، وأحكامهم طويلة الأمد، ومن الجائز مدها تعسفاً إذا لم يذعنوا للأوامر إذعاناً تاماً، فيفرض عليهم رقهم أعواماً بعد أن يقضوا مدة عقوبتهم. ولم يخف عنهم عذابهم إلا ما سمح لهم به إذا بلغوا الميناء من بيع التوافه أو استجداء الصدقات وهم يسيرون أزواجاً في أغلالهم.
أما لويس نفسه فوضع فوق القانون، حراً في أن يأمر بأي عقوبة لأي ذنب. ففي 1674 قضى بأن تجدع أنوف جميع البغايا وتصلم آذانهن إذا ضبطن مع الجنود في نطاق خمسة أميال من فرساي. وكثيراً ما كان رحيماً ولكنه كثيراً ما كان صارماً قال لولده: "إن مقداراً محدوداً من الصرامة كان أعظم ما استطعته من ترفق بشعبي؛ ولول أنني اتبعت سياسة عكس هذه السياسة لجرت شروراً متعاقبة لا نهاية لها. ذلك أنه ما إن يضعف الملك في إنفاذ ما أمر به، حتى ينهار السلطان وينهار معه السلام العام...فيقع كل العبء على كواهل الطبقات الدنيا، التي يظلمها عندئذ ألوف من صغار الطغاة بدلاً من الملك الشرعية(39).
وكان دائم العكوف على ما سماه "حرفة الملك" Le M(tier de Roi. يطلب إلى وزرائه أن يوافوه بالتقارير الكثيرة المفصلة، ولا يدانيه رجل في مملكته إطلاعاً على أحوالها. ولم يسؤه أن يشير عليه وزراؤه بما يناقض آراءه، وقد نزل أحياناً على رأي مستشاريه. ثم أنه احتفظ بأوثق العلاقات الودية مع مساعديه، شريطة ألا يغيب عنهم أنه الملك-قال مرة لفوبان: "ثابر على أن تكتب إلي بكل ما يعن لك ولا تفتر لك همة ولو لم أفعل دائماً ما تشير به"(40). وكانت عينه على كل شيء-الجيش والبحرية، والمحاكم، وبيته، والمالية، والكنيسة، والدراما، والأدب، والفنون، ومع أنه في النصف الأول من حكمه كان يسنده وزراء أكفاء مخلصون، فإن السياسات والقرارات الخطيرة، والجمع بين شتى نواحي الحكم المعقد في وحدة متسقة-كل هذا كان من صنعه هو. لقد كان ملكاً كل ساعة من ساعات يومه.
ولقد كلفه هذا من أمره عنتاً. كان هناك من يقوم على خدمته في كل خطوة يخطوها، ولكنه دفع ثمن هذا برقابة الغير له في كل حركة وسكنة، فكانت مبارحته الفراش وذهابه إليه (إذا كان منفرداً) بعض وظائف الدولة.
قصة الحضارة ج31 ص28،29، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
فترة حكم ملك فرنسا لويس الرابع عشر
:"ولقد ثابر على هذا التفاني في تصريف شؤون الحكم طوال أربعة وخمسين عاماً، لا يكف عنه حتى وهو يلازم فراش المرض
قصة الحضارة ج31 ص30،31، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
سفير هولندا المستعمرة بلده يمدح قاتل شعبه
يمدح ملك فرنسا لويس الرابع عشر
:"كتب السفير الهولندي يقول: (لا يصدق المرء أي سرعة، وأي وضوح، أي قدرة على التمييز، وأي ذكاء يصرف به هذا الملك الشاب أعماله ويفرغ منها، وذلك في تلطف كثير مع جميع من يتعامل معهم، وفي طول أناة وهو يستمع إلى ما يريد مخاطبة أن يقول، الأمر الذي حبب فيه كل القلوب)(43) ولقد ثابر على هذا التفاني في تصريف شؤون الحكم طوال أربعة وخمسين عاماً، لا يكف عنه حتى وهو يلازم فراش المرض. وكان يحضر المجالس والمؤتمرات وقد أعد نفسه لها إعداداً وافياً. "فما كان ليحسم في أمر عفو الساعة، ولا دون مشورة"(45)
قصة الحضارة ج31 ص30، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الملك
 
السرقة حلال للملك فقط!!!
ونيقولا فوكيه ناظر مالية لويس الرابع عشر سارق، أعدم من أمثاله فيما بعد 23 شخص في الثورة الفرنسية!!!!
نيقولا فوكيه 1615 - 80
:"وكان نيقولا فوكيه، الذي شغل منصب "ناظر المالية" منذ 1653، يدير شؤون الضرائب والمصروفات بأصابع حريصة ويد قديرة. فقد قلل من عوائق التجارة الداخلية، ونشط نمو التجارة الفرنسية فيما وراء البحار، واقتسم في إحساس بالواجب غنائم منصبه مع ملتزمي الضرائب ومع مازاران. وكان هؤلاء الملتزمون العموميون من كبار الرأسماليين الذين أقرضوا الدولة مبالغ كبيرة لقاء تخويلهم حق جباية الضرائب نظير أدائهم مبلغاً محدداً... وقد أعدم من أمثالهم أربعة وعشرون ملتزماً خلال الثورة الفرنسية. وجمع فوكيه بالتواطؤ مع الملتزمين العموميين أضخم ثروة اقتناها فرد في جيله. وفي سنة 1675 كلف المعماري لوي لفو، والمصور شارل لبرون، ورسام المناظر الطبيعية أندريه لنوتر، بأن يصمموا، ويبنوا، ويزخرفوا له قصر فو- لو- فيكونت الريفي الفخم المترامي الأطراف، وأن يخططوا حدائقه، ويزينوها بالتماثيل. وقد استخدم المشروع مرة ثمانية عشر ألف رجل(40)، وكلف ثمانية عشر مليون من الجنيهات الفرنسية، وغطى مساحة ثلاث قوى. هنالك جمع فوكيه الصور والتماثيل والتحف، ومكتبة قوامها 27.000 مجلد حوت فيما حوت عدة نسخ من الكتاب المقدس والتلمود والقرآن دون تفريق. وروى أن هذه القاعات الأنيقة "كانت تتسلل إليها نساء من أنبل الأسر ليؤنسه بثمن غال"(49). وبمثل هذا الذوق، ولكن بثمن أقل، جلب فوكيه الشعراء أمثال كورنبي، وموليير، ولافوتين، ليجمل بهم صالونه.
ونظر لويس بعين الحسد إلى هذه الأبهة وخامرته الظنون في مصدرها. فطلب إلى كولبير أن يفحص أساليب ناظر المالية وحساباته، وأنهى كولبير إلى الملك أن الأساليب والحسابات فاسدة إلى حد لا يصدق. وفي 17 أغسطس 1661 دعا فوكيه الملك الشاب إلى مهرجان أقامته في فو. وقدم الطعام لضيوفه الستة الآلاف طبق من الفضة أو الذهب. ومثل موليير في حدائق القصر ملهاته (Les F(cheux) (الثقلاء) وقد كلفت السهرة فوكيه 120.000 جنيه وكلفته إلى ذلك حريته. ذلك أن لويس أحس أن الرجل "يسرق فوق ما يسمح له به مركزه" ولم يعجبه شعار (Quo non Ascendam?) (إلا لا يجوز لي أن أرقى؟)-الذي شفعه بصورة سنجاب يصعد شجرة، وخيل إلى لويس أن إحدى اللوحات التي رسمها لبرون تشمل صورة للآنسة دلافاليير، وكانت إذ ذاك محظية للملك. وكاد يأمر باعتقال فوكيه للتو والساعة، لولا أن أقنعته أمه بأن في ذلك إفساد لسهرة رائعة.
وتربص الملك بالوزير حتى تكاثرت الأدلة على اختلاساته. وفي 5 سبتمبر أمر قائد مشاته حملة البنادق بالقبض عليه (وهذا القائد
"Mousquetaire" هو شارل دباتز، السيد دارتنيان، بطل قصة ديماس الأب). وأصبحت المحاكمة التي اتصلت ثلاث سنين أشهر القضايا في تاريخ العهد. وكافحت مدام دسفينيه، ولافونتين، وغيرهما من أصدقاء فوكيه، وتوسلوا إلى الملك ليبرئ ساحته، غير أن الأوراق التي عثر عليها في قصره الريفي أدانته. فحكمت عليه المحكمة بالنفي ومصادرة أملاكه، وعدل الملك الحكم إلى السجن مدى الحياة. وظل الوزير الذي كان من قبل رجلاً مرحاً، ستة عشر عاماً، يذوي في سجنه بقلعة بنيرول بييدمونت، ولا يسري عنه إلا صحبة زوجه الوفية. لقد كان حكماً قاسياً، ولكنه قلم أظافر الفساد السياسي، وأنذر الناس بأن الاستيلاء على الأموال العامة للمتعة الخاصة امتياز لا يختص به غير الملك.
قصة الحضارةج31 ص31،34، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> نيقولا فوكيه
 
في عهد لويس الرابع عشر (هبة الله كما سموه!!!!) إما أن تموت بالحرب أو الطاعون أو الجوع(عدد فرنسا يومذاك 20 مليون)
:"نسبة المواليد في فرنسا انخفضت رغم ذلك خلال حكم لويس، لأن الحرب زادت الضرائب وعمقت الفقر. ولكن حتى في هذه الحال، لم تقتل الحرب ما يكفي لحفظ التوازن بين المواليد والطعام، وكان على الطاعون أن يتعاون مع الحرب. وكان نقص المحصول سنتين متعاقبتين كفيلاً بإحداث المجاعة، لأن وسائل النقل لم ترق بحيث تستطيع بكفاية سد العجز في إقليم من الفائض في آخر. ولم تخل سنة من مجاعة في مكان ما فرنسا(59) وكانت السنوات (1648-51، 1660-62، 1693-94، و1706-10) فترات انتشر فيها الرعب من الموت جوعاً، حين بلغت نسبة الموتى من السكان في بعض الأقاليم ثلاثين في المائة. وفي 1662 استورد الملك القمح وباعه للفقراء بثمن بخس أو وهبه لهم وأعفاهم من ثلاثة ملايين فرنك من الضرائب المستحقة(60).
وخفف التشريع بعض مآسي الريف، إذ حظر الاستيلاء على بهائم الفلاح أو عرباته أو أدواته وفاء للدين ولو كان دينا للتاج، وأنشئت المزارع للاستيلاد تتعهد أفراس الفلاح مجاناً، ومنع الصيادون من اختراق الحقول المبذورة بالحب، وقدمت الإعفاءات الضريبية لمن يصلحون الأراضي المهجورة ويزرعونها. ولكن هذه الملطفات ما كانت لتنفذ إلى صميم المشكلة-مشكلة اختلال التوازن بين خصوبة الإنسان وخصوبة التربة، والافتقار إلى الاختراعات الآلية. على أن فلاحي أوربا على بكرة أبيهم كانوا يلقون مثل هذا العنت، ولعل الفلاحين الفرنسيين كانوا أيسر حالاً من نظرائهم في إنجلترا أو ألمانيا(61).
لقد ضحى كولبير بالزراعة قرباناً للصناعة ولكي يطعم سكان المدن المتكاثرين، وجيوش الملك المتعاظمة، حظر رفع سعر الغلال بما يتناسب وغيرها من الخدمات. وكان من الأوليات عنده أن على الحكومة التي تبتغي القوة أن تملك موارد كافية وجيشاً من الجند الأشداء المجهزين تجهيزاً حسناً
قصة الحضارةج31 ص37،37، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> كولبير يعيد بناء فرنسا
 
لكن القائد للاصلاح المادي في فرنسا ايام لويس الربع عشر -كولبير-كان مع ذلك يقوم بإصلاحات مادية داخلية هائلة ورائعة، والنصوص كثيرة فيمكن مرؤاجعة ذلك في قصة الحضارةج31 ص38-50)، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج
عظمتها -> الشمس تشرق -> كولبير يعيد بناء فرنسا
ومما قال ديورانت:"ولم يفعل نابليون أكثر من مواصلة جهود كولبير ومراجعتها سواء في الحكم أو القانون. وعرفت فرنسا طوال عشر سنوات من الثراء ما لم تعرفه من
قبل. ثم انحسر هذا الثراء لعيوب النظام وأخطاء الملكوقد احتج كولبير على إسراف الملك والبلاط. وعلى آفة الحرب التي كانت تنحر جسد فرنسا في شيخوخته، ولكن التعاريف العالية التي فرضها، شأنها في هذا شأن لويس بالسطوة والمجد-هي التي أفضت إلى بعض هذه الحروب. "(ص44،45)
 
شئ عن النساء المهذبات -فقط-في ظل حكم لويس الرابع عشر وتطور الأحوال في فرنسا
قال ديورانت:"أما النساء المهذبات فكانت ثيابهن فضفاضة منسدلة تتفق وفضائلهن. وكانت صدراتهن ذات أربطة ولكن من أمام كما ناشدهن بانورج في كتاب رابليه، فكانت النهود البارزة تثب للعيون البصاصة. وأما التنورة المطوقة الأكمام المنفوخة فولت مع ريشليو. وحفلت الأرواب بالتطريز والألوان المشرقة، وكست الأحذية العالية المبهجة الأقدام المتعبة، وربط الشعر بالأشرطة، ورصع، وعطر، وجعد، في تأنق...وظهرت أولى مجلات الأزياء في 1672.
قصة الحضارة ج31 ص46 عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الآداب والأخلاق
 
اللواط ...وكنا قد تكلمنا عن أن ديكارت اتخذ خليلة وأنجب منها أطقالاً، وفي النص التالي يبين ديورانت أن هذه العادة تنشأت من مجال انفتح رويدا رويدا، حتى إحتل الموقع المناسب له في ذلك الجو العلماني الموغل في العلمانية، أما اللواط فلم يكن قد وجد له المجال الواصع والقانون المؤيد، وهانحن في هولندا اليوم ، وغيرها من دول الغرب،نرى اللواط قانوني، ومعارضته" عنصرية بغيضة!!"، حتى إنه استدعي شيخ مسلم من روتردام للمحكمة لأنه سماه بالمرض!!
لكن لنعود إلى نص ديورانت عن القرن ال17 الفرنسي!(ايام لويس الرابع عشر)(قرن الحرب على هولندا!!)
:"وأحرقت لافوازان حية (1680).
ويدخل في أخلاق الأفراد انحرافاتهم العادية. وقد نص القانون على عقاب للواط بالإعدام، وما كانت أمة تتخذ أهبتها للحرب، وتدفع الإعانات على الأطفال، لتسمح بانحراف الغرائز الجنسية عن جادة الأنسال، ولكن مطاردة أمثال هؤلاء المنحرفين كانت عسيرة في وقت كان فيه شقيق الملك لوطياً يشار إليه بالبنان، ويأنف القوم من ازدرائه ولكنهم يرونه فوق القانون. أما الحب بين الجنسين فقد تقبلوه على أنه تخفف رومانسي من أعباء الزواج، لا مبرر يدعو للزواج"
قصة الحضارة ج31 ص48، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الآداب والأخلاق
 
إذا ضاعت الأمانة... عصر لويس الرابع عشر في فرنسا
وحرق إمرأة والقتل بالسم وإجهاض النساء،ومعونة الشيطان، وفقر الفقراء، والسحر، ونساء يشتغلون في تلك الأعمال
وماذا عن الأمانة في عهد الحكومة المطلقة تحت حكم الملك المطلق (هبة الله بزعمهم) لويس الرابع عشر
:"أما الأمانة فقلما كان يتوقعها القوم من إنسان. فقد انتشرت الرشوة في المناصب على الرغم من لوائح كولبير ونظام الجاسوسية الملكي، وشجع عليها بيع الوظائف الحكومية مصدراً من مصادر إيراد الدولة. وانبعثت الجريمة من جشع الأغنياء، وفقر الفقراء، والتفجرات الغضبة في جميع الطبقات. وآية ذلك أن من السيدات العريقات النسب من أفدن من خدمات كاترين مونفوازان أو المركيزة برانفلييه، وكلتاهما حذقت تحضير السموم الطويل المفعول، وشاع القتل بالسم شيوعاً اقتضى إنشاء محاكم خاصة لتفصل في قضاياه(74). أما كاترين مونفوازان فقد مارست الطب، والتوليد، والسحر، وساعدت كاهناً مرتداً ترتيل "القداس الأسود" التماساً لمعونة الشيطان، وكانت تدبر إجهاض النساء وتبع السموم وأشربة الغرام. ومن زبائنها أوليمب مانتشيني، ابنة أخت مازاران، والكونتيسة جرامون، ومدام دمونتيسبان خليلة الملك. وفي 1679 فحصت لجنة نشاط "لافوازان" ووجدت الأدلة على اشتراك العدد العديد من كبار أفراد الحاشية، الأمر الذي حدا بلويس إلى حظر إذاعة التحقيق(75). وأحرقت لافوازان حية (1680).
قصة الحضارة ج31 ص47،48، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الآداب والأخلاق
 
الجلافة الشقراء والجنس!!!، عصر لويس الرابع عشر في فرنسا
"يبصقون على أرض الحجرة، ويبولون على سلم اللوفر"
"أما آداب السلوك فكان طابعها الجلال والفخامة، وأن بقيت جلافات كثيرة تحت أبهة القبعة المرفوعة للتحية والثوب الجرار. فكان الرجال يبصقون على أرض الحجرة، ويبولون على سلم اللوفر(73). وقد ينقلب المزاح وحشياً أو بذيئاً. ولكن الحديث كان رشيقاً مهذباً، ولو دار حول الفسيولوجيا والجنس"
قصة الحضارة ج31 ص46، عصر لويس الرابع عشر -> فرنسا في أوج عظمتها -> الشمس تشرق -> الآداب والأخلاق
 
عودة
أعلى