التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

مدابح الملكة الانجليزية (القرن ال16) إليزابث للايرلنديين وقتل الاطفال والنساء والرجال ثم موت 30 الف انسان في مجاعة وحصار
:"...
مذبحة في جزيرة راتلين بعيداً عن شاطئ انتريم. وكان الثوار هناك-وهم آل مكدونل السابق ذكرهم، وقد أبعدوا زوجاتهم وأطفالهم وشيوخهم ومرضاه، حرصاً على سلامتهم، مع حرس يحميهم. وأرسل اسكس قوة للاستياء على الجزيرة. وعرضت الحامية الاستسلام إذا سمح لها بالإبحار إلى إسكتلندة. ورفض هذا العرض، واستسلمت الحامية. فأعمل السيف فيهم وفي النساء والأطفال والشيوخ والمرضى. وكان عددهم نحو ستمائة شخص (1575)(92).
أما الثورة العظمى التي قامت في أثناء حكم الملكة في إيرلندة فهي ثورة عشيرة جيرالدين في مونستر Munster فان جيمس فتزموريس فتزجرالد وقد في الأسر وهرب مرات كثيرة، استطاع بعدها أن يعبر إلى القارة، حيث شكل فرقة من الأسبان والإيطاليين والبرتغاليين والفلمنكيين والإنجليز والكاثوليك المهاجرين، ونزل بهم على ساحل كري Kerry (1579)، وكل الذي حدث أنه لقي حتفه في قتال طارئ نشب بينه وبين عشيرة أخرى. وقاد الثورة من بعده ابن عمه جيرالد فتزجيرالد-الارل الخامس عشر لدسموند Desmond، ولكن عشيرة بتلر المجاورة بزعامة ارل
أورمند البروتستانتي انحازت إلى إنجلترا. ونظم الكاثوليك في إقليم البال جيشاً وهزموا قوات نائب الملكة الجديد، آرثر لورد جراي (1580). ولكنه بعد أن وصلته الإمدادات حاصر قوات دسموند الرئيسية براً وبحراً من نتؤ جبل خليج سمروك Smerwick. ولما وجد الثوار الباقون على قيد الحياة وعددهم نحو 600، أنهم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم ضد مدفعية جراي، استسلموا والتمسوا العطف والرحمة، ولكن كان مصيرهم القتل، رجالاً ونساء، اللهم إلا بعض الضباط الذين يمكن أن يعدوا بدفع فدية كبيرة(93). وخربت مونستر الحرب بين الإنجليز والايرلنديين. وبين العشائر بعضها البعض، إلى درجة قال عنها كاتب حوليات أيرلندي: "لم يسمع خوار بقرة أو صوت رجل يحرث الأرض طوال هذه السنة من دنجل إلى صخرة كاشل". وكتب أحد الإنجليز (1582): "أودت المجاعة بحياة 30 ألفاً في مونستر في أقل من نصف عام، غير الذين شنقوا وقتلوا(94)، وكتب مؤرخ إنجليزي كبير "إن قتل أيرلندي من أهالي هذه المنطقة لم يكن ينظر إليه إلا على أنه قتل كلب مسعور(95)
قصة الحضارةج28 ص40-42، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأيرلندة
 
ارادت ملكة انجلترا(اليزابث) الزواج منه فيليب ملك اسبانيا كما اراد عدوها البابا أن يغزو فيليب إنجلترا "فلربما رجاه البابا والإمبراطور وملكة إسكتلندة المنكودة الطالع أن يغزو إنجلترا، ولكنه كان شديد الارتياب في فرنسا، وكان يلاقي أشد المتاعب في الأراضي الوطيئة، إلى حد لا يجرؤ معه على أن يوجه ضربة لا يمكن التبؤ بنتائجها في لعبة السياسة."ا!
أما عن علاقتها بفيليب ، فإنه كما ييقول ديورانت
:"احتمل في صمت كئيب معاملتها للكاثوليك في إنجلترا، واحتجاجاتها على معاملة الإنجليز البروتستانت في أسبانيا، وحافظ، قرابة ثلاثين عاماً على السلام، بينما شن القراصنة الإنجليز، بأمر من الحكومة، الحرب على مستعمرات أسبانيا وتجارتها.
قصة الحضارةج28 ص43، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأيرلندة
 
قرصنة ملكة(1)
ملكة إنجلترا اليزبث ابنة هنري الثامن تقرصن(على سفن اسبانية) وتأخد نصيبها الهائل-حصلت على 60% - من القرصنة
قرصنة بروتستانتية على سفن الكاثوليك!!!
قال ديورانت
:"ولم يكن ثمة "وصايا عشر" على البحار، وإنما قاما التجارة بإذن من القراصنة، واستخدمت مراكب القراصنة الصغيرة مداخل الشاطئ الإنجليزي مخابئ لها، ومنها انطلقت لتستولي على كل ما يمكن أن تستولي عليه-وإذا كان الضحايا من الأسبان كان للإنجليز أن ينعموا بالحماسة الدينية التي يجدونها في سلب ونهب رجل ينتمي إلى البابا. ودرب رجال جسورون من أمثال جون هوكنز وفرانسيس دريك عدداً كبيراً من القراصنة وكأن البحار ملك لهم. وتبرأت إليزابث منهم وأنكرتهم، ولكنها لم تعكر صفوهم أو تزعجهم، لأنها رأت في القراصنة نواة أسطول لها، وفي هؤلاء المغامرين أمراء البحر لها في المستقبل. وصار ثغر الهيجونوت "لاروشيل" مكاناً أثيراً للقاء بين قوارب الإنجليز والهولنديين والهيجونوت، "تنقض من على تجارة الكاثوليك أياً كان العلم الذي ترفعه(96)"، وعلى تجارة البروتستانت أيضاً، عند الحاجة.
ومن هذه القرصنة عبر هؤلاء المغامرون إلى تجارة الرقيق الرائجة التي كانت قد بدأها البرتغاليون قبل ذلك بقرن من الزمان. وكان المواطنون في المستعمرات الأسبانية في أمريكا يموتون تحت تأثير الكدح المضني الذي لا يتناسب مع بيئتهم أو مع المناخ الذي يعيشون فيه. واقتضى الأمر المطالبة بسلاسة من العمال أشد وأقوى. واقترح المدافع عن المواطنين. لاس كاساس، نفسه، على شارل الأول ملك أسبانيا أن زنوج أفريقية أقوى من هنود البحر الكاريبي، ويجب نقلهم إلى أمريكا لينهضوا بالعمل الشاق من أجل الأسبانيين هناك(97). ووافق شارل، ولكن فيليب استنكر هذه التجارة، وأمر الحكام الأسبان في أمريكا أن يمنعوا استيراد العبيد إلا بترخيص من الإدارة المحلية في أسبانيا(98)- وهذا أمر عسير وباهظ التكاليف. وقاد هوكنز وهم يعلم أن بعض الحكام الأسبان يراوغون في هذه القيود- ثلاث سفن إلى أفريقية (1562) وقبض على 300 من الزنوج، وأخذهم إلى جزر الهند الغربية، وباعهم إلى المستوطنين الأسبان، مقابل السكر والتوابل والعقاقير. ولما عاد إلى إنجلترا أغرى لورد بمبروك وآخرين غيره، بأن يسهموا بأموالهم في مغامرة ثانية، وحرض إليزابث على أن تضع سفينة من أحسن سفنها تحت تصرفه، وفي 1594 انطلق جنوباً بأربع سفن، وأمسك بأربعمائة من زوج أفريقية، وأبحر إلى جزر الهند الغربية، وباع العبيد إلى الأسبان، تحت تهديد بضربهم بمدافعه إذا هم رفضوا الشراء. وعاد إلى إنجلترا حيث رحبوا به بوصفه بطلاً، واقتسم الغنائم بينه وبين أنصاره وبين الملكة التي حصلت على 60% نظير استثماراتها(99). وفي 1567 أعارته سفينتها "يسوع". وأبحر بها مع أربع سفن أخرى إلى أفريقية، ووضع يده على كل ما أمكنه من العبيد، وباعهم في أمريكا الأسبانية بمائة وستين جنيهاً للواحد، وفي طريق عودته، ومعه غنيمة تقدر قيمتها بنحو مائة ألف جنيه، اعترضه أسطول أسباني بعيداً عن شاطئ المكسيك، عند سان جوان دي ألوا، ودمر أسطوله فيما عدا مركبين صغيرين عاد فيهما هوكنز إلى لإنجلترا صفر اليدين (1569)، بعد أن لاقى آلاف الأهوال والأخطار
قصة الحضارة ج28 ص44-45،بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأسبانيا
 
العجيب ان فيليب واليزبث رغم القرصنة من جهتها والمساعدة للثورة عليها في ايرلندا كانا معرضين عن الحرب بينهما(كانت تريد الزواج منه، أي ترقصنه هو كمان ههه)
:"ومن الجهة الفنية، كانت إنجلترا طوال هذا الوقت في سلام مع أسبانيا. وكم قدم فيليب إلى الملكة من احتجاجات، فقدمت هي الاعتذارات، وتشبثت بغنائمها، وأشارت إلى أن الملك نفسه كان هو أيضاً يخرق "القانون" الدولي بإرساله المساعدات إلى الثوار في إيرلندة. ولما هدد السفير الأسباني بالحرب، هددت هي بالزواج من ألنسون وبالتحالظق الأتراك بغاراتهم المتكررة الإمبراطور والنمسا الكاثوليكية، ولو لم تكن أسبانيا متورطة مع البرتغال وفرنسا والبابا ورعاياها الثائرين في الأراضي الوطيئة؟
قصة الحضارة ج28 ص46،بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأسبانيا
 
قرصنة ملكة(2) اليزابث وقسيس يفتي بحل سرقة الباباوية!!
:"وحانت لحظة مباركة ابتسم فيها الحظ السعيد للملكة، فهيأ لها الفرصة لمساعدة الثوار مقابل كسب مغر يدخل إلى خزائنها. ذلك أن القراصنة الإنجليز ساقوا في ديسمبر 1588 إلى مواني القنال الإنجليزي عدة سفن أسبانية كانت تحمل 150.000 جنيه دفع رواتب جنود دوق ألفا في الأراضي الوطيئة، ورأت إليزابث-وكانت قد ترامت إليها لتوها أنباء الكارثة التي وقعت لهوكنز في سان جوان دي ألوا-رأت أن العناية الإلهية هيأت لها هذه الفرصة لتعويض إنجلترا عما فقدته بسبب تلك الهزيمة. وسألت الأسقف جول Jewel: هل لها حق في الأموال الأسبانية؟ فحكم بأن الرب، وهو بروتستانتي قطعاً، يسره أن يرى البابويين يسلبون. وفوق ذلك، علمت الملكة أن فيليب كان قد اقترض هذا المبلغ من مصارف جنوه، ورفض الاعتراف بملكيته حتى يصل سالماً إلى أنتورب. ونقل المال إلى خزائن الملكة، وجأر فيليب بالشكوى وقبض دوق ألفا على كل ما وصلت إليه يداه من رعايا إنجليز وبضائع إنجليزية في الأراضي الوطيئة، واعتقلت إليزابث كل الأسبان في إنجلترا. ولكن مقتضيات التجارة أعادت بالتدريج العلاقات الطبيعية بين الطرفين. وأبى دوق ألفا أن يستحث إليزابث على التحالف مع الثوار، والتزم فيليب الهدوء والصبر، واحتفظت إليزابث بالمال.
واستمر السلم المزعزع يجرر أذياله، إلى أن ورطت الحملات الإنجليزية المتكررة على السفن الأسبانية وصرخات أصدقاء ماري ستيوارت المسجونين، نقول ورطت هذه وتلك فيليب في مؤامرة لقتل الملكة(101)
قصة الحضارة ج28 ص47،بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأسبانيا
 
وبدأت الحرب (قبل نهاية القرن ال16) -بين انجلترا واسبانيا -اليزابث وفيليب!!!- البروتستانتية والكاثوليكية ، بعد القرصنة الإنجليزية على السفن الإسبانية وبعد إعدام إنجلترا لملكة إسكتلندة
قال ديورانت
:"واستمر السلم المزعزع يجرر أذياله، إلى أن ورطت الحملات الإنجليزية المتكررة على السفن الأسبانية وصرخات أصدقاء ماري ستيوارت المسجونين، نقول ورطت هذه وتلك فيليب في مؤامرة لقتل الملكة(101)، وكانت إليزابث مقتنعة باشتراكه فيها، فطردت السفير الأسباني (1584) وساعدت الثوار علانية. ودخلت الجيوش الإنجليزية فلشنج، بريل، أوستند، سليس Sluys، وأرسل لستر ليتولى قيادتها. ولكن الأسبان هزموهم في زوتفين Zutphen (1586).ولكن الآن، على الأقل بلغ السيل الزبى، وحانت ساعة الفصل. فقد استعد فيليب وإليزابث بكل ما أوتيا من قوة للحرب التي قد تحدد لأيهما تكون السيادة على البحار، كما تحدد ديانة إنجلترا، وربما ديانة أوربا، وربما ديانة الدنيا الجديدة...وفي 8 فبراير 1587، أعدمت الحكومة الإنجليزية ملكة إسكتلندة
، وهنا أبلغ فيليب البابا سكستس الخامس أنه على استعداد لغزو إنجلترا وخلع إليزابث. وطلب إليه الإسهام بمليوني كراون ذهباً. وعرض سكستس ستمائة ألف لا تدفع لأسبانيا إلا إذا وقع الغزو فعلاً. وأصدر فيليب لأمره إلى خير قواده، أمير البحر مركيز سانتا كروز، بإعداد أكبر أسطول عرف في التاريخ حتى ذاك الوقت، وتجمعت السفن أو بنيت في لشبونه وأعدت المخازن والمستودعات في قادس. وألح دريك على إليزابث لتزويده بأسطول يدمر الأرمادا قبل أن يتخذ وضعاً تتعذر من مقاومته، فوافقت، وفي الثاني من أبريل 1587 انطلق مسرعاً من بليموث ومعه ثلاثون سفينة، قبل أن تغير الملكة رأيها. وهذا ما حدث فعلاً، ولكن بعد فوات الأوان، فلم تدركه. وفي 16 أبريل أسرع بأسطوله إلى ميناء قادس، وأجرى مناورة بعيداً عن مرمى مدفعية الشاطئ، وأغرق بارجة أسبانية، وهاجم سفن النقل والتموين، واستولى على حمولتها، وأشعل النار في كل سفن العدو، وارتحل دون أن يمسه أذى. وألقى مراسيه بالقرب من لشبونه وتحدى سانتا كروز أن يخرج لملاقاته. فأبى المركيز أن يفعل، لأن سفنه لم تكن قد زودت بالسلاح بعد، فسار دريك شمالاً إلى لاكورونا واستولى على مؤن وذخائر كثيرة كدست هناك، ثم إلى جزر الآزور حيث استولى على سفينة أسبانية ضخمة (غليون)، وعاد بها إلى إنجلترا بين سفنه. وعجب الأسبان أنفسهم لجرأته ومهارته البحرية وقالوا "لو لم يكن لوثرياً، بروتستانتياً، لما كان له نظير في العالم(102)".
وأعاد فيليب بناء أسطوله، في صبر، ومات المركيز سانتا كروز في يناير 1588، فعين مكانه دوق مدينا-سيدونيا، وهو نبيل يتميز بكرم المحتد أكثر منه بالكفاية والقدرة. ولما اكتمل الأرمادا آخر الأمر، كانت عدة سفنه 150 سفينة حمولة كل منها المتوسط 445 طناً، وكان نصفها من سفن البضائع، ونصفها الآخر من البوراج الحربية، مزودة بثمانية آلاف وخمسين بحاراً، وأبحر عليها تسعة عشر ألف جندي. وفكر فيليب وقواده في إتباع الطريقة القديمة في الحروب البحرية-وهي القفز فوق ظهر سفن العدو. ومصارعة الرجل للرجل، على حين كانت خطة الإنجليز أن يغرقوا سفن العدو بمن احتشد عليها من البحارة، وإطلاق النيران عليها دفعة واحدة من الجوانب، وأصدر فيليب تعليماته إلى الأسطول بالا يجد في طلب السفن الإنجليزية ويهاجمها، بل لا بد من الاستيلاء على رأس جسر ساحلي في إنجلترا، والعبور إلى الفلاندرز، لينقل إلى المراكب الثلاثون ألف جندي الذين كانوا قد أعدهم هناك دوق بارما، والسر إلى لندن بعد الحصول على هذا المدد. وفي نفس الوقت هرب إلى إنجلترا (أبريل 1588) رسالة دبجها كاردينال ألن يأمر فيها الكاثوليك بالانضمام إلى الأسبان لخلع مليكتهم "المغتصبة الهرطقية البغي(103)". ورافق الأرمادا للمعاونة في إعادة الكاثوليكية إلى إنجلترا مئات من الرهبان تحت رياسة النائب الأسقفي العام لمحاكم التفتيش(104). وهزت روح دينية مخلصة مشاعر البحارة الأسبان وسادتهم، وآمنوا إيماناً عميقاً مخلصاً بأنهم كانوا يؤدون مهمة مقدسة، فأبعدوا البغايا، وانقطع التجديف والدنس، وامتنع القمار، وفي صباح اليوم التاسع والعشرين من مايو 1588، حين أقلع الأسطول من لشبونه، تناول القربان المقدس كل من كان على ظهر السفن، وأقامت كل أسبانيا الصلوات.
وواتت الريح إليزابث، على حين واجه الأرمادا عاصفة مدمرة، فالتجأ إلى ميناء لاكورونا، حيث ضمد جراحه، وأقلع ثانية (12 يوليه). وانتظرته إنجلترا في مزيج محموم من الآراء المنقسمة والاستعدادات المتعجلة والعزيمة البائسة، والآن حانت الساعة لتنفق إليزابث الأموال التي كانت قد كنزتها في ثلاثين عاماً من التقتير والتهور والشرور، وهب شعبها في شجاعة وتصميم، كاثوليك وبروتستانت على السواء، لنجدتها، وتدرب الحرس الوطني المتطوع في المدن، وأمد تجار لندن الفرق بالمال اللازم، وطلب إليهم أن يجهزوا خمس عشرة سفينة، فأمدوها بثلاثين. وكان قد مضى على هوكنز عشر سنوات وهو يبني السفن لبحرية الملكة. وأصبح دريك الآن نائباً لأمير البحر، وأتى قراصنة البحر بسفنهم في انتظار اللقاء الحاسم. وفي أوائل يوليه 1588 احتشد في بليموث للقاء العدو القادم، اثنتان وثمانون سفينة كاملة العدة، تحت أمرة شارل، لورد هوارد افنجهام، أمير البحر العام في إنجلترا.
وفي 19 يوليه شوهدت طلائع الأرمادا عند مدخل القنال الإنجليزي. وأقلع الأسطول المدافع من بليموث، وفي اليوم الحادي والعشرين بدأ العمل. وانتظر الأسبان حتى يقترب الإنجليز منهم إلى حد يكفي ليناوش الواحد منهم الآخر، ولكن على العكس من ذلك، فإن السفن الإنجليزية الخفيفة المبنية خصيصاً للمياه الضحلة والمسالك الضيقة، انطلقت مسرعة حول البوراج الأسبانية الثقيلة، تمطرها بوابل من النيران من كل جانب، وكانت سطوح المراكب الأسبانية عالية، وكانت مدافعها تطلق قذائفها على بعد مرتفع فوق السفن الإنجليزية محدثة بها أقل الأضرار، وجرت السفن الإنجليزية تحت النيران، وتركت قدرتها على المناورة وسرعتها، الأسبان عاجزين حيارى مضطربين. وعندما جن الليل هرب الأسبان في اتجاه الريح، تاركين إحدى سفنهم ليأخذها دريك، وأخرى نسفها أحد رجال المدفعية الألمان المتمردين، ووقع حطامها في أيدي الإنجليز. ولحسن الحظ كانت كلتاهما تحمل مؤناً وذخائر سرعان ما نقلت في أسطول الملكة. وجاء مزيد من المؤن والذخائر. ولكن الإنجليز لم يكن لديهم منها حتى الآن إلا ما يكفي لقتال يوم واحد فقط. وفي الخامس والعشرين، وبالقرب من جزيرة وايت، قاد هوارد هجوماً، وسارت سفينة قيادته إلى قلب الأرمادا، وتبادلت النار مع كل بارجة مرت بها، وحطم تفوق النار الإنجليزية الروح المعنوية لدى الأسبان. وكتب مدينا سيدونيا في تلك الليلة إلى دوق بارما: "أن العدو يطاردني. إنهم يرمونني بالنيران من الصباح إلى المساء، ولكن السفن لن تلقي مراسيها... وليس ثمة من علاج، فهم سريعو الحركة ونحن بطيئون(105)". وتوسل إلى بارما أن يرسل إليه ذخيرة ومدداً، ولكن ثغور دوق بارما كانت تحاصرها وتعترض سبيلها السفن الهولندية.
وفي اليوم السابع والعشرين ألقى الأرمادا مراسيه في مداخل كاليه. وفي الثامن والعشرين أشعل دريك النار في ثمان سفن صغيرة غير ضرورية يمكن الاستغناء عنها،ووضعها في مهب الريح لتسير وسط الأسطول الأسباني. وتوجس مدينا سيدونيا شراً، فأمر سفنه بالخروج إلى عرض البحر. وفي التاسع والعشرين هاجمها دريك في جرافلين، بعيداً عن الشاطئ الفرنسي، في حرب حقيقية. وقاتل الأسبان في بسالة، ولكن كان يعوزهم المدفعية والبراعة في فن الملاحة. وظهر أسطول هوارد وصب الأسطول الإنجليزي بكامل عدده من النيران على الأرمادا ما أعجز بعض سفنه عن العمل وأغرق بعضها الآخر. واخترقت طلقات الإنجليز أبدان سفن الأرمادا على الرغم من أن سمكها يبلغ ثلاثة أقدام، وقتل آلاف من الأسبان. وشوهدت الدماء تسيل من ظهور السفن إلى البحر. وما أن غربت شمس ذاك النهار حتى كان قد فقد من الأسبان ربعة آلاف رجل وجرح أربعة آلاف آخرون، وأمكن بصعوبة الاحتفاظ بالسفن الأسبانية الباقية عائمة على سطح الماء. ولما رأى مدينا سيدونيا أن بحارته لا يستطيعون احتمال شيء بعد ما حدث، أصدر أوامره بالانسحاب. وفي اليوم الثلاثين من يوليه حملت الريح حطام الأرمادا إلى بحر الشمال. وتبعه الإنجليز شمالاً إلى مصب نهر فورت، وكانت تعوزه الأغذية والذخيرة فعادوا إلى مراسيهم، وكانوا قد فقدوا ستين رجلاً، ولم يفقدوا سفينة واحدة.
أما بالنسبة لبقايا الأرمادا، فلم يكن ملاذ أقرب من أسبانيا نفسها. فقد كانت إسكتلندة معادية، وثغور إيرلندة في أيدي القوات الإنجليزية. واستماتت السفن المصابة والرجال الذين يتضورون جوعاً في شق طريقهم حول الجزر البريطانية، وكانت المياه هائجة والريح عاصفة، فتحطمت الصواري وتمزقت الأشرعة، وما كان يمر يوم حتى يغرق مركب أو يغادره ملاحوه، وألقيت جثث ألوف في البحر، وتحطمت سبع عشرة سفينة على شواطئ إيرلندة الوعرة. وفي سليجو Sligo وحدها ظهر على شاطئها الرملي جثث 1100 من الغرقى الأسبان. ونزل بعض البحارة إلى البر في إيرلندة يتلمسون بعض الطعام والشراب، فلم يصيبوا شيئاً، وبلغ مئات منهم من الهزل حداً لم يستطيعوا معه القتال، فكان مصيرهم الذبح بأيدي أشباه المتوحشين من سكان السواحل من كل جنس. ومن المائة والثلاثين سفينة التي كانت قد غادرت أسبانيا أول الأمر، عاد 54 فقط، ومن السبعة والعشرين ألفاً من الرجال عاد عشرة آلاف معظمهم جريح أو مريض. ولما كان فيليب يحاط علماً بأنباء الكارثة الطويلة الأمد يوماً بيوم، فقد حبس نفسه في صومعة في الاسكوريال، ولم يكن أحد على التحدث إليه. أما البابا سكستس الخامس فقد دفع بأنه ما دام لم يحدث غزو على إنجلترا قط، فإنه لن يرسل إلى أسبانيا المفلسة بدوكات واحد.
وكانت إليزابث حريصة على المال قدر البابا عليه. وكانت يقظة إلى أية اختلاسات في البحرية، وطالبت بحساب عن كل شلن أنفقته البحرية والجيش قبل المعركة وفي أثنائها وبعدها. وعوض كل من هوارد وهوكنز من جيبه الخاص عن أي تناقض أو تضارب لم يستطيعا له تفسيراً(106). وكانت إليزابث تتوقع حرباً طويلة الأمد، ومن ثم تصرف للملاحين والجنود مؤناً قليلة ورواتب ضئيلة، وانتشر الآن مرض فتاك، أشبه بالتيفود، بين الرجال العائدين، قضى في بعض المراكب على نصف من فيها من الملاحين أو أقعدهم عن العمل، حتى تعجب هوكنز قائلاً: ماذا كان عساه أن يكون مصير إنجلترا لو أن الوباء سبق العدو؟
واستمرت الحرب البحرية حتى موت فيليب 1598. وسار دريك بأسطول وخمسة عشر ألفاً من الرجال لمساعدة البرتغاليين في ثورتهم ضد الأسبان (1589) ولكن البرتغاليين أحسوا ببغض أكثر للبروتستانت من للأسبان. وأفرط الإنجليز في احتساء النبيذ الذي استولوا عليه إلى حد الثمل، وباءت الحملة بالفشل والعار. وقاد لورد توماس هوارد أسطولاً إلى جزر الآزور ليعترض طريق الأسطول الأسباني الذي يحمل الفضة والذهب إلى أسبانيا، ولكن أسطول فيليب الجديد أرغم السفن الإنجليز على الفرار، فيما عدا السفينة "ريفنج Revenge" التي أمسكوا بها تتسكع خلف سائر السفن، فقاتلت قتالاً بطولياً حتى تغلب عليها الأسبان (1591). وقام دريك وهوكنز بحملة أخرى على جزر الهند الغربية (1595) ولكنهما تنازعا وماتا في الطريق. وفي 1596 أرسلت إليزابث أسطولاً آخر لتدمير السفن في الثغور الأسبانية مثل قادس، فوجد هناك 19 بارجة حربية و36 سفينة تجارية، ولكنها جميعاً هربت إلى عرض البحر، على حين أعمل اسكس السلب والنهب في المدينة. وأخفقت هذه الحملة كذلك ولكنها أظهرت من جديد سيادة إنجلترا على الأطلنطي.
وكان لهزيمة الأرمادا أثرها على كل شيء تقريباً في مدينة أوربا الحديثة. فكانت بداية تغيير حاسم في تكتيك البحرية، وأخلي القفز إلى سفن العدو ومصارعة الرجل الرجل مكانيهما للتراشق بالمدافع من جوانب السفينة وظهرها. وساعد إضعاف أسبانيا الهولنديين على نيل استقلالها، وارتقى بهنري الرابع إلى عرش فرنسا، وفتح أمريكا الشمالية أمام المستعمرات الإنجليزية. وبقيت البروتستانتية وقويت. وتضاءل شأن الكثلكة. وكف جيمس السادس ملك إسكتلندة عن مصادقة البابوات ومجاملتهم. ولو أن الأرمادا بنى بطريقة احكم، وسارت قيادته على وجه أكمل، فلربما كانت الكاثوليكية قد استعادت إنجلترا، وسادت أسرة جيز في فرنسا. وخضعت هولندة، ولم يظهر قط شكسبير وبيكون وهما رمزان لإنجلترا الظافرة وثمرتان من نتاجها،
قصة الحضارة ج28 ص47-54،بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأسبانيا
 
خزايا البروتستانتية في معاقبتها للكاثوليك في عهد ملكة انجلترا اليزابث ابنة هنري الثامن(في نفس الوقت كانت الكاثوليكية تفعل مع البروتستانت مثل ها في فرنسا وغيرها من بلاد اورروبا القرن ال16)
قال ديورانت
:"واصدر البرلمان (1581) قانوناً ينص على أن الارتداد إلى الكاثوليكية سوف يعاقب بتهمة الخيانة العظمى، وأن أي قسيس يقيم قداساً يعاقب بغرامة قدرها مائتا مارك مع السجن لمدة عام، وأن من يمتنع عن حضور الصلوات الأنجليكانية يعاقب بدفع عشرين جنيهاً في الشهر(71)، وهذا يكفي لإفلاس الناس اللهم إلا أثرياء الكاثوليك. وكان العجز عن دفع الغرامة يستتبع الاعتقال ومصادرة الأملاك. وسرعان ما امتلأت السجون بالكاثوليك إلى حد أن القلاع القديمة استعملت بمثابة سجون(72). وساد التوتر كل الجوانب...وثأر البرلمان بمزيد من تشريعات القمع. فكل القساوسة الذين رسموا منذ يونية 1559 وظلوا على امتناعهم عن أداء "قسم السيادة"، طلب إليهم أن يغادروا البلاد في بحر أربعين يوماً، وإلا أعدموا بتهمة التآمر الموسوم بالخيانة العظمى، وشنق كل من آووهم أو أخفوهم(70). وبمقتضى هذا القانون وغيره من القوانين أعدم في عهد إليزابث 123 قسيساً و60 من العلمانيين، وربما قضى مائتان آخرون نحبهم في السجن(75).
قصة الحضارةج28ص32‘33‘ بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> إليزابث والكاثوليك
 
فرانسيس بيكون الذي أخذ منهجية العقل الإسلامي في تطوير العلم
ولد في عهد اليزابيث ملكة إنجلترا(القرن ال16)
وفي المقطع التالي جزء من حياته قريبا من الملكة اليزابيث
قال ديورانت:"أما فرنسيس بيكون الذي قدر له أن يكون أكبر أثراً على الفكر الأوربي من أي شخص عداه من رجال عصر إليزابث. فقد ولد في 1561 في قلب البلاط الملكي، في يورك هاوس، المقر الرسمي للورد حامل خاتم الملكة، وهو أبوه، سير نيقولا، وأطلقت إليزابث على الابن "حامل خاتم الملكة الصغير" وقد صرفه ضعف بنيته عن الألعاب الرياضية إلى الدراسة. وساعد ذكاؤه المتقد على التقاط العلم والمعرفة في نهم. وسرعان ما باتت سعة إطلاعه إحدى عجائب تلك "الأزمنةالمترفة". وبعد سنوات ثلاث قضاها في كمبردج أرسل إلى فرنسا مع السفير الإنجليزي ليتيح له الفرصة ليتعلم فنون السياسة والحكم. وفي أثناء وجوده هناك مات أبوه فجأة (1579) قبل لأن يشتري الضيعة التي كان قد قصد شراءها لابنه فرانسيس، وكان من أصغر أولاده. وفجأة ضعفت موارد فرانسيس فعاد إلى إنجلترا ليدرس القانون في Gray's Inn. ولما كان ابناً لأخت وليم سيسل، فقد توسل إليه أن يعينه في منصب سياسي، وبعد أربع سنوات من الانتظار أرسل إليه كتاباً غريباً يذكره فيه بموضوعه جاء فيه "أن الاعتراض على سني سوف يزول مع طول سترتي(112)". وبطريقة ما انتخب في تلك السنة (1584) عضواً في البرلمان، ولو أنه كان في سن الثالثة والعشرين. واشتهر بتأييده لمزيد من التسامح مع البيوريتانز (وكانت أمه منهم) وتجاهلت الملكة حججه، ولكنه أعاد إثباتها في شجاعة، في منشور وزع سراً، مس فيه تناقضات كنيسة إنجلترا (1589) واقترح فيه ألا يضار إنسان بسبب عقيدته الدينية إذا تعهد بالدفاع عن إنجلترا ضد أية سلطة أجنبية-بما في ذلك البابوية-تهدد سيادة إنجلترا أو حريتها الكاملتين. ورأت الملكة وسيسل أن الفيلسوف الشاب قد تقدم قليلاً. والحق أنه كان سابقاً لزمانه.
واطمأن اسكس إلى حدة ذهن بيكون وطلب مشورته. وأشار الحكيم الصغير على النبيل الصغير أن يتظاهر بالتواضع، أن لم يستطعه، ويخفض من إنفاقه، ويلتمس وظيفة مدنية أكثر منها حربية، حيث أن التخلص من آثار النكسات السياسية والتعويض عنها، ميسوران أكثر منهما في الهزائم العسكرية. كما أشار عليه بان يعتبر أن حب الناس خطر عليه لدى الملكة(113). وكان بيكون يراوده الأمل في أن ينضج اسكس فيصبح من رجال الدولة ويهيئ لناصحه المخلص أو معلمه الخاص فرصة للارتقاء والظهور.
وفي 1592 ناشد سيسل مرة ثانية في سطور مشهورة قال فيها:-
لقد أصبحت الآن أكبر سناً إلى حد ما. وان إحدى وثلاثين سنة ليست بالشيء اليسير في عمر الإنسان.... وإن صغر ضيعتي يقلقني بعض الشيء. واعترف أن عندي من الغايات التأملية الفكرية الواسعة قدر ما عندي من الغايات الدنيوية المتواضعة أو المعتدلة، أي أن ما عندي من التطلع إلى العلم والمعرفة يفوق كثيراً تطلعي إلى أي جاه مادي. لأني اعتبرت العلم والمعرفة هما دنياي أو مجالي الخاص. وإذا كان هذا فضولاً، أو عظمة جوفاء، أو طبيعة فيّ، فهو راسخ في ذهني، ولا يمكن محوه(114).
وعندما ألح اسكس على وليم سيسل وروبرت سيسل والملكة لتعيين بيكون في وظيفة المدعي العام الشاغرة، ذهبت توسلاته أدراج الرياح، واختير بدلاً منه إدوارد كوك Coke وهو أكبر منه سناً وأكثر صلاحية من الناحية الفنية. وتحمل اسكس اللوم في رقة وكياسة؛ وأقطع بيكون ضيعة في توكنهام تدر 1800 جنيه(115). وقبل أن يستطيع بيكون الإفادة من هذه المنحة عانى من سجن قصير الأمد بسيط من أجل الديون(116). وفي 1597 عين في "المجلس العلمي" الذي يضم المحامين الذين كانوا يقدمون المشورة إلى مجلس شورى الملكة(117).
وعلى الرغم من نصيحة بيكون انضم اسكس إلى جماعة الحرب، ودبر أن يكون على رأس الجيش. وهيأت له بسالته المندفعة في قادس بالغة لدى المجلس، ولكن إخفاقه في الآزور، وكبريائه لم تتضاءل قط، وتبذيره، ولسانه السليط، كل أولئك نفر منه المجلس وأهاج ثائرة الملكة
قصة الحضارةج28 ص57-59، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> رالي واسكس
 
ملكة انجلترا -اليزابيث-تقطع رأس رجل من رجالها، ومن أصدقاء بيكون
أما هذا الرجل الذي أهدى فرانسيس بيكون الضيعة(وتحمل اسكس اللوم في رقة وكياسة؛ وأقطع بيكون ضيعة في توكنهام تدر 1800 جنيه) فلأسباب يمكن الرجوع إليها عرضها ديورانت قطعت الملكة رأسه هو ومن معه!
مع أنه كان رجلها في قمع الإيرلنديينن!(هل خاف بيكون من الأوضاع، في ظني نعم!)
قال ديورانت عن قطع رأس اسكس(هذا هو اسمه)
:"وسرعان ما قدم للمحاكمة بتهمة الخيانة، وأمر المجلس بيكون بمساعدة كوك في إعداد قرار المحكمة. وربما كان رفضه يؤدي إلى تدمير حياته السياسية، وقبوله غلى انهيار سمعته التي واتته بعد وفاة أبيه، فلما تلعثم كوك في عرض التهمة نهض بيكون وعرض المسألة في وضوح مقنع يدين المتهم، واعترف اسكس بجرمه، وذكر أسماء شركائه(120). وقبض على خمسة من هؤلاء وقطعت رؤوسهم، وحكم على سوثمبتون بالسجن مدى الحياة، وأفرج عنه جيمس الأول فيما بعد، وتروي أسطورة أن اسكس بعث إلى الملكة بخاتم كانت قد أعطته إياه يوماً مع الوعد بأن تهب لنجدته إذا أعاده إليها في الساعة العسرة. ولكن الخاتم لم يصل إليها، ولو كان قد أرسل(121). ففي الخامس والعشرين من فبراير 1601، وهو في الخامسة والثلاثين، ذهب اسكس في بسالة إلى المصير الذي كان طابع شخصيته. وبكى رالي عندما هوت الضربة على عنقه، وعرض برج لندن، لمدة عام، الرأس المفصول عن جسده، والذي أصابه الانحلال والعفن...إن منظر رأس اسكس، أو إدراك إليزابث أن الرأس كان يحدق النظر إليها ليل نهار، لا بد أن يكون قد شارك في الكآبة التي خيمت على الملكة في سنواتها الأخيرة. فكانت تقضي الساعات الطوال جالسة وحيدة في صمت، حزينة تطيل التفكير"
قصة الحضارةج28 ص61،62، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> رالي واسكس
 
حكم ديورانت على اليزابث مكلة انجلترا وابنة هنري الثامن
:"وحققت نجاحاً، بوسائل مشروعة أو ملتوية، لقد حررت إسكتلندة من ربقة فرنسا وربطتها بإنجلترا، ومكنت هنري نافار من إيجاد التوازن بين قداسه في باريس وبين مقتضيات مرسوم نانت. ولقد وجدت إنجلترا مفلسة محتقرة، وخلفتها غنية قوية، وترعرعت ونمت منابع المعرفة والآداب في ظل الثروة التي كان يرفل فيها شعبها، وتابعت الحكم الاستبدادي المطلق على عهد أبيها، ولكنها لطفت من حدته بالإنسانية والفتنة. لقد حرمت الزوج والولد، وتبنت إنجلترا وجعلت من نفسها أماً لها، وأحبتها حباً خالصاً، وأفنت نفسها في خدمتها، فكانت أعظم حاكم عرفته إنجلترا.
قصة الحضارةج28 ص64،65، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> الملكة العظيمة -> السحر يذوي ويذبل
 
أخلاق الإنجليز المسيحيين في عصر اليزابيث(القرن ال16)
:"وثمة انحلال خلقي أسوأ دمغت به الحياة العامة، فقد تفشى في الوظائف الرسمية ابتزاز الأموال، قلت أو كثرت، وتغاضت عنه إليزابث، كعذر لها عن عدم زيادة الرواتب(25). وكان أمين صندوق الحرب يحصل على 16.000 جنيه سنوياً علاوة على راتبه. وبالاحتيال القديم قدم الأزل، كانوا يحتفظون بأسماء الجنود الموتى في قوائم الجيش ويضعون مخصصاتهم في جيوبهم ويبيعون الملابس المخصصة لهم(26). وكان الجندي يساوي وهو ميت أكثر منه وهو حي، وقبض ذوو المناصب الكبيرة مبالغ ضخمة من فيليب الثاني ليوجهوا سياسة إنجلترا نحو أهداف أسبانيا(27). ومارس أمراء البحر القراصنة وباعوا الرقيق. وباع رجال الدين رواتب الكنيسة(28)، وكان يمكن إغراء الصيادلة بتسميم الأدوية والأطباء بوصفها للناس. وغش التجار في البضائع، ووصل الأمر إلى فضيحة عالمية، ففي 1585 حدث من الغش في الأقمشة الصوفية وغيرها في إنجلترا أكثر مما حدث منه في أوربا بأسرها(30)، وكانت الأخلاق العسكرية بدائية ساذجة. وكم من مرة حدث الاستسلام بلا قيد ولا شرط، فكان جزاؤه إعمال الذبح في الجنود وفي غير المحاربين على حد سواء. وكان السحرة والعرافون يحرقون. كما كان الجزويت يؤخذون من فوق المشنقة ليقطعوا إرباً(30). لقد جرت ينابيع الرحمة الإنسانية مستأنية في عهد الملكة الفاضل إليزابث.
قصة الحضارة ج28 ص79، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> إنجلترة المرحة -> الفضيلة والرذيلة
 
زي مصر وسوريا!!
قال ديورانت(عن عهد ملمة إنجلترا اليزابيث،القرن ال16)
:"وكانت المحاكم، بالإجماع، فاسدة. وعرف أحد أعضاء البرلمان قاضي صالح بأنه: "حيوان يمكنه أن يستغني بست دجاجات عن اثنا عشر قانوناً(32)". وطلب فرنسيس بيكون مغريات أكبر. وفي رواية شكسبير قال الملك لير الذي روعه الحزن : "اكسوا الخطيئة بالذهب، يتكسر سيف العدالة القاطع دون أن يؤذي أحداً(33)"، ولما كان القضاة يعزلون وفق مشيئة الملكة فانهم حسبوا لهذا حسابه في أحكامهم، وقبض ذوو الحظوة لديها الرشوة ليغروها بالتدخل في قرارات الحاكم(34)، وظل نظام المحلفين معمولاً به، إلا في تهمة الخيانة العظمى، ولكن غالباً ما كان القضاة أو موظفو التاج يخوفون المحلفين ويكرهونهم على قضاء مآربهم بالتهديد(35)، وكان هناك توسع في تعريف تهمة الخيانة العظمى لتشمل كل عمل يهدد حياة صاحب العرش أو جلاله. وكان نظر مثل هذه القضايا أمام محكمة قاعة النجم (The Star Chamber)-وهو مجلس شورى الملكة منعقداً على هيئة محكمة ليمارس سلطاته القضائية، وهناك كان المتهم محروماً من تحقيق المحلفين لقضيته أو المعارضة في أمر حبسه، أو من محام للدفاع عنه، بل كان عرضة للاستجواب المرهق أو التعذيب، وكان يحكم عليه عادة بالسجن أو الإعدام.
قصة الحضارة ج28 ص80، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> إنجلترة المرحة -> الفضيلة والرذيلة
 
الصحة والمرض والأعمار في حياة انجلترا القرن ال16!
:"بدأت الحياة الإنجليزية بمحاولة التغلب على مشكلة وفيات الأطفال، وكانت نسبتها عالية، وكان سير توماس براون من أعلام الطب، ومع ذلك مات ستة من أولاده العشرة في سن الطفولة(39). ثم كانت الأوبئة، مثل "مرض العرق" 1550، والطاعون الذي حل بالبلاد 1563، 1592-1594، 1603، ولا بد أن متوسط الأعمار كان منخفضاً، قدرته بعض الإحصاءات بثمان سنوات ونصف سنة(40). وكبر الناس وإدراكهم الهرم بأسرع مما هو حادث الآن. أما الذين عمروا فهم الشجعان ذوو القدرة على الاحتمال الذين صلبت أعوادهم وقويت أعصابهم بمقارعة الموت، من اجل الخدع الحربية والأسلاب.
وكانت الرعاية الصحية آخذة في التحسن. وبدأ الصابون يكون ضرورياً بعد أن كان ترفاً. وحوالي 1596 ابتدع سيرجون هانجتون مرحاضاً فيه ماء جار. وكانت الحمامات الخاصة قليلة. واستخدمت معظم الأسرات حوضاً خشبياً موضوعاً أما نار مكشوفة. وكان في كثير من المدن حمامات عامة
قصة الحضارة ج28 ص81،82، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> إنجلترة المرحة -> في البيت
 
. وقال أحد الفرنسيين "إن الإنجليز يملئون بطونهم(49)". وظلت الأصابع تقوم مقام الشوكة التي بدأ استعمالها في عهد جيمس الأول. وكانت الأطباق الفضية تزين البيوت الموسرة. وكان اختزانها بالفعل وقاء ضد التضخم. أما الطبقات الوسطى الدنيا فإنها استخدمت أواني من القصدير (البيوتر)، واستخدم الفقراء أطباقاً من الخشب وملاعق من مادة قرنية (من القرون). وكان اللحم والسمك والخبز هي الأطعمة الرئيسية، وكان كل من يداوم عليها تقريباً يعاني من داء النقرس. وكانت منتجات الألبان شائعة مألوفة في الريف لأن وسائل التبريد كانت لا تزال غير متوفرة في المدن. وكان الفقراء فقط يستخدمون الخضراوات بكثرة لأنهم كانوا يزرعونها في أراضي حدائقهم. وكان البطاطس الذي جاء به والتر رالي أثناء رحلاته في أمريكا، من إنتاج الحدائق، لأنه لم يكن قد أصبح من محاصيل الحقول.
قصة الحضارة ج28 ص85،86، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> إنجلترة المرحة -> في البيت
 
وأدخل التبغ إلى إنجلترا على يد جون هوكنز (1564) ودلايك، وسير رالف لين، وجعل رالي من التدخين عادة مألوفة في البلاط، وأخذ منه نفثة أو نفثتين قبل ذهابه إلى المشنقة، وكان التبغ في أيام إليزابث غالي الثمن إلى درجة حالت دون انتشار التدخين، وفي بعض التجمعات التي تسودها الألفة والبهجة، كانوا يعمدون إلى تمرير غليون واحد على كل الضيوف حتى يستمتع كل منهم بنصيبه من التدخين وفي 1604 شن الملك جيمس "هجوماً عنيفاً على التبغ"، ناعياً إدخاله إلى إنجلترا محذراً من "سم معين" فيه، يقول:-
أليس من أشد الحمق والقذارة أنه على المائدة، وهي محل الاحترام والنظافة والتواضع، لا يخجل الناس من أن يتقاذفوا الغلايين وينفثوا الدخان، الواحد منهم في وجه الآخر، فينبعث الدخان والقذر والرائحة الكريهة على الأطباق، ويلوث الهواء؟.
لقد انتشر استعمالها في كل زمان وفي كل مكان بين الناس على اختلافهم... لأنهم، على الأقل، اضطروا إلى تناوله، على كره منهم، خجلاً من أن يرموا بالشذوذ... وفوق ذلك، فإن الزوج لا يخجل من أن يكره زوجته الرقيقة الصحيحة الجسم النظيفة البشرة على هذا الخطر العظيم-التدخين-فتفسد بذلك أنفاسها الزكية، أو توطن النفس على أن تظل دوماً في عذاب ثمل... إنها عادة ضارة بالعينين، كريهة للأنف، مؤذية للمخ، خطرة على الرئتين. إن هذا الدخان الأسود الكريه أقرب الشبه بنار جهنم التي لا قرار لها(50)".
وبرغم هذا، وبرغم الضرائب الباهظة، كان في لندن سبعة آلاف حانوت لبيع التبغ.
قصة الحضارة ج28 ص85-86، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> إنجلترة المرحة -> في البيت
 
وكان كوبرنيكوس قد قلب العالم، وأطلق الأرض مندفعة هائمة في الفضاء، وجاء جيوردانو برونو إلى أكسفورد 1583 وتحدث عن الفلك الحديث وعن العوالم اللانهائية، وعن الشمس التي تفنى بفعل حرارتها، وعن الكواكب السيارة التي تتلاشى في ضباب ذري. وأحس شعراء مثل جون، أن الأرض تنساب من تحت أقدامهم.
وفي 1595 شرع فلوريو في نشر ترجمته لمونتاني. ولم يكن ثمة شيء يقيني بعد ذلك. وامتلأ الناس بالشك، وكما أن مارلو هو مكيافللي، فان شكسبير هو مونتاني. وعلى حين شك الرجال العقلاء، كان الشبان الصغار يخططون. وإذا بدا أن السماء ضاعت في سحابة فلسفية، فيمكن الشباب أن يعقدوا العزم على امتصاص الحياة الجافة، ويختبروا كل الحقيقة مهما تكن مميتة، وكل الجمال مهما يكن سريع الزوال، وكل القوة مهما تكن سامة، وهكذا رأى مارلو في فاوست وتامبورلين.
إن انتزاع الأفكار القديمة، وتحرير العقل ليعبران تعبيراً جباراً عن الآمال والأحلام الجديدة، وهما اللذان خلدا عهد إليزابث في إنجلترا. وماذا كان يهمنا من أمر منافستها السياسية، ونزعتها الدينية وانتصاراتها الحربية، إذا انحصر أدب عصرها في تلك الأشياء العابرة، ولم يعبر عن تطلعات النفوس المفكرة في كل عصر. وحيرتها ونياتها. إن كل تأثيرات هذا العصر المثير انتهت إلى نشوة إنجلترا على أيام إليزابث. فان رحلات الغزو والكشف التي وسعت الكرة الرضية والسوق والعقل، وثراء الطبقة المتوسطة الذي وسع مجال المشروعات وأهدافها، والكشف عن الآداب والفنون الوثنية، وجيشان الإصلاح الديني، ونبذ النفوذ البابوي في إنجلترا. والحوار اللاهوتي، تلك التي ساقت الناس عن غير عمد، من العقيدة إلى العقل، والتعليم. والإقبال المتزايد على الكتب والمسرحيات، والسلم الطويل المفيد، ومن ثم التحدي المثير والنصر الباهر على أسبانيا، والتصعيد العظيم في الثقة في قوة الإنسان وفكره، تلك هي كانت الحوافز التي استحقت صعود إنجلترا في مراقي العظمة والمجد، وتلك هي الأصول التي نبت منها شكسبير، وبعد انقضاء نحو قرنين من الزمان منذ عهد تشوسر، اندفعت إنجلترا في لجة من النثر والشعر والدراما والفلسفة، وتحدثت جهراً في شجاعة إلى العالم بأسره.
قصة الحضارة ج28 ص95-96، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> إنجلترة المرحة -> الرجل في عهد إليزابث
تعليق
من الذي جعل كوبرنيكوس يقلب النظرة المسيحية للعالم وللأرض؟
ومن الذي عمل في الأصل،على انهيار المسيحية في الغرب
 
" كانت الكتب يتزايد عددها بشكل رهيب، حتى قال برنابي رتش في 1600 "إن من الأمراض الفظيعة في هذا العصر هو هذا السيل الضخم من الكتب التي تثقل كاهل العالم غير القادر على هضم هذا القدر الكبير من المادة التافهة التي تخرج إليه كل يوم...وكانت المكتبات الخاصة كثيرة لدى الأغنياء. ولكن المكتبات العامة كانت نادرة. وفي طريق العودة إلى الوطن من قادس 1596، توقف اسكس في فارو بالبرتغال، واستولى على مكتبة الأسقف جيروم أوزوريوس، وأهداها إلى سير توماس بوداي الذي ضمها إلى مكتبة بودلي التي وهبها لجامعة أكسفورد 1589.قصة الحضارة ج28 ص89 بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> على سفوح بارناسوس -> الكتب
 
الترجمات
:"إن أكبر وأنفع مهمة يضطلع بها العلماء الإنجليز كانت إخصاب العقل الإنجليزي بالفكر الأجنبي. وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر اكتسحت البلاد موجة من الترجمة، من اليونان وروما وإيطاليا وفرنسا. وكان على هوميروس أن ينتظر حتى 1611 لجورج، تشبمان وربما أسهم عدم وجود الترجمات الإنجليزية للروايات اليونانية في صبغ دراما عصر إليزابث بالرومانتيكية أكثر منه بالشكل التقليدي القديم، ولكن كانت هناك ترجمات لكتاب تيوكريتس "القصائد الرعوية"، وملحمة موزائيس Hero and Leander وكتاب ابكتيتس Enchiridion، ولكتابي الأخلاق والسياسة لأرسطو، وكتابي زينوفون Cyropaedia, Oeconomicus، وخطب دبموستين وايزوقراط، ومؤلفات هيرودوت وبولبيوس وتيودور الصقلي وجوزيفس وأبيان في التاريخ، وقصص هليودوروس ولونجوس، كما كان هناك ترجمة عن الفرنسية
ولم ينقل كتاب مكيافللي "الأمير" حتى 1640، ولكن مادته كانت معروفة لرجال عصر إليزابث. ويذكر جبراييل هارفي أن جامعة كمبردج نبذت دونز سكوتس وتومان الأكويني
وغيرهما من رعيل العلماء" واستبدلت بهم مكيافيللي وجان بودان(9)...وكان أثر هذه الترجمات على الأدب في عصر إليزابث عظيماً جداً
قصة الحضارةج28 ص99-100 بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> على سفوح بارناسوس -> حرب الأدباء
 
قال ديورانت
:"وإليك ما يقوله جبراييل هارفي عن كمبردج:..وفي كل يوم تظهر آراء جديدة مشكلة حديثاً، في الهرطقة واللاهوت والفلسفة والإنسانية والسلوك.. ولم يكن الشيطان مكروهاً قدر كراهية الناس للبابا(60).
قصة الحضارة ج28 ص95، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> إنجلترة المرحة -> الرجل في عهد إليزابث
 
الفن والادب العلماني في القرن ال16
المسرح في زمن ملكة انجلترا اليزابيث ابنة هنري الثامن(القرن ال16)
:"وفيما بين عامي 1592 و1642 شاهدت إنجلترا 435 ملهاة تمثل. وتطورت الهزليات والفصول الإضافية إلى ملهاة. وتخلت الأسرار الدينية والتعاليم الأخلاقية عن مكانها للمسرحيات المأساوية الدنيوية، كما فقدت الأساطير المقدسة سلطانها على القصيدة...وكان على المسرحية الإنجليزي أن تخوض معركة أخرى قبل أن تخطو إلى مارلو وشكسبير، فقد نبذت الحركة البيوريتانية الناشئة مسرح إليزابث على انه وكر للوثنية والتجديف والدنس، واستنكرت وجود النساء والبغايا بين الجمهور، واقترب المواخير من المسارح...ورد الكتاب المسرحيون على هذا بنشرات أصدروها، وبالسخرية من البيوريتانيين في مسرحياتهم. من ذلك ما أورد مالفوليو في رواية "الليلة الثانية عشرة"، حيث يسأل سير توبي بلش لمهرج في تلك الرواية: "هل تظن أنه لن يكو ن هناك كعك وجعة لأنك رجل متمسك بأهداب الفضيلة؟" فيجيب المهرج "نعم، وبحق سانت آن، وسيكون الزنجبيل كذلك ساخناً في الفم(41)." واستمر هؤلاء الكتاب، حتى شكسبير نفسه، يملحون رواياتهم بشيء من أعمال العنف والغضب وسفاح ذوي القربى والزنى والدعارة. وهناك في رواية شكسبير "بركليز" مشهد عرض حجرة في ماخور يشكو مديره العام من أن: "العاملات عنده بتن من العمل المتواصل، في أسوأ حال(42)".
وذهبت سلطات مدينة لندن.وكان بعضهم من البيويتاريين- إلى أن البيوريتانيين ألزموا معارضيهم الحجة. وفي 1574 حرم "المجلس العام" تمثيل الروايات إلا بعد فحصها وإجازتها، ومن هنا جاء بيت شكسبير "لقد كممت السلطات أفواه الفن(43). ولكن، لحسن الحظ، كانت إليزابث ومجلس شورى الملكة مغرمين بالمسرحيات
قصة الحضارة ج28 ص115-118، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> على سفوح بارناسوس -> المسرح
 
كرستوفر مارلو 1564 - 1593 ، وتطور الروايات والمسرحيات بعقول ملحدة تنفر من المسيحية الفظة والدموية وتتحلل من القيم والأخلاق
كرستوفر مارلو 1564 - 1593 (نموذجا) في عهد اليزابيث ملكة انجلترا القرن ال16
قال ديورانت :"كرستوفر مارلو 1564 - 1593
:"هو ابن صانع أحذية في منتربري، ومن ثم فانه ما كان ليحظى بالتعليم الجامعي لولا أن رئيس الأساقفة باركر قدم له منحة دراسية. وطوال سني دراسته بالكلية استخدمه سير فرانسيس ولسنهام جاسوساً للتحري عن أية مؤامرات ضد الملكة. ولقد زعزعت دراسته لآداب الإغريق والرومان من عقيدته الدينية، كما أضفى إطلاعه على أراء مكيافللي على تشككه اتجاها إلى المذهب الكلبي (السخرية). وانتقل إلى لندن بعد الحصول على درجة الأستاذية (1587)، وأقام في غرفة مع توماس كد، وانضم إلى حلقة المفكرين الأحرار التي تزعمها رالي وهاريوت. ورفع ريتشارد بارنز-أحد عمال الحكومة-إلى الملكة في 3 يونية 1589 تقريراً جاء فيه أن مارلو كان قد أعلن أن أول أصل في الدين لم يكن إلا إبقاء الناس في رعب وفزع..وان المسيح كان ابن زنى... وأنه إذا كان ثمة ديانة حقه فهي الكاثوليكية، لأن عبادة الله تقوم على المزيد من الطقوس، وأن جميع البروتستانت حمير مراءون منافقون... وأن العهد الجديد (الإنجيل) كله مكتوب بشكل قذر بذيء. ويضيف بارنز "ثم أن مارلو هذا... في كل اجتماع يحضره تقريباً... يحرض الناس على الإلحاد، ويريدهم ألا يخشوا "البع بع" والغيلان، مزدرياً كل الازدراء الرب ورسله(50)." كما أن بارنز (الذي أعدم شنقاً في 1594 لفعلة شائنة) أضاف- ليحكم التدبير- أن مارلو دافع عن اللواط(51)، ووصف روبرت جرين في دعوته أصدقائه إلى الصلاح، وهو على فراش الموت، نقول "وصف مارلو بأنه ميال إلى التجديف والإلحاد(52) وقرر توماس كد- وقد قبض عليه في 12 مايو 1593- تحت تأثير التعذيب، أن مارلو كان مارقاً مدمناً للخمر، قاسي القلب"، معتاداً على "السخرية من الكتب المقدسة" و"الإستهزاء بالصلوات(53)".
وقبل أن تصل هذه التقارير إلى الحكومة بوقت طويل، كان مارلو قد كتب وأخرج للمسرح روايات تشير إلى كفره وشكوكه في الكتب الدينية. ومن الواضح أنه ألف Tamburlaine The Great في الكلية وانه أخرجها في عام تخرجه، وإن تمجيدها للمعرفة والعلم والجمال والقوة ليكشف عن مزاج الشاعر المصطبغ بمبادئ فاوست (فيلسوف يبيع نفسه للشيطان مقابل حصوله على العلم والمعرفة).
إن نفوسنا التي تستطيع بما أوتيت من مواهب
أن تدرك عجيب صنع العالم،
وتقيس مدار كل كوكب سيار،
ولا تزال تصعد وراء المعرفة اللانهائية،
وتنتقل دائماً مثل الأجرام التي لا يقر لها قرار
تريدنا أن نفني أنفسنا، وألا نهدأ،
حتى نصل إلى أنضج الثمار في كل شيء(54).
وكانت الروايتان اللتان كتبهما تيمور تنمان عن فجاجتهما، وكان تصوير الشخصيات مبسطاً أكثر مما ينبغي التبسيط- ...وأسدل الستار الآن فجأة على "تاريخه الفاجع" الخاص،ففي 30 مايو 1593، اجتمع ثلاثة من جواسيس الحكومة- انجرام فريزي، نيقولا سكيرز، روبرت بولي-بشاعرنا مارلو- وربما كان هو الآخر لا يزال جاسوساً- اجتمع الأربعة للعشاء في منزل أو حانة في دتفورد، على بعد أميال من لندن. وطبقاً لما جاء في تقرير وليم دانوبي- المحقق في أسباب الوفيات المشتبه فيها- "تراشق فريزر ومارلو بألفاظ نابية قبيحة في تبيان السبب الذي من أجله لم يتفقا... على دفع نفقات العشاء. فما كان من مارلو إلا أن استل خنجراً من حزام فريزر وطعنه به فأصابه ببعض جروح سطحية. فأمسك فريزر بيد مارلو وسدد الخنجر إليه فوراً، وأصابه بجرح قاتل عمقه بوصتان في عينه اليمنى، ... مات المدعو كرستوفر مورلي متأثراً به في الحال"، حيث وصل النصل إلى المخ. وقبض على فريزر فترافع بأنه كان في حالة دفاع عن النفس، وأفرج عنه بعد شهر. أما مارلو فقد وورى التراب في أول يونيه في قبر غير معروف الآن(62). وقد بلغ من العمر تسعة وعشرين ربيعاً. ...واعترف شكسبير اعترافاً جميلاً بفضل مارلو...لقد أنجز مارلو الشيء الكثير في العمر القصير. ولقد جعل من الشعر المرسل كلاماً مرناً قوياً. وأنقذ المسرح على أيام إليزابث من دعاة القديم ومن البيوريتانيين وأضفى أشكالهم المحددة الواضحة على مسرحيات الأفكار ومسرحيات التاريخ الإنجليزي. وترك بصماته على شكسبير في روايتي تاجر البندقية وريتشارد الثاني، وفي شعر الغزل، وفي الأسلوب البليغ الفخم. وبظهور مارلو، وكد Kid؛ ولودج، وجرين، وبيل Peele، كانت الطرق قد فتحت، وكان شكل المسرحية وبنيانها وأسلوبها ومادتها قد هيئت كلها. فلم يكن شكسبير معجزة، بل كان منفذاً ومنجزاً لما بدأ به هؤلاء جميعهم.
قصة الحضارة ج28 ص122-129، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> على سفوح بارناسوس -> كرستوفر مارلو





 
اليزابث تقتل ماري!!
كيف لي أن أحكي لكم قصة ملكتين إحداهن قتلت الأخرى تحت مقصلة الإعدام!
اليزابث ملكة انجلترا (البروتستانية) حكمت بالإعدام تبعا للمحكمة الإنجليزية على ملكة اسكتلندا(ماري) الكاثوليكية التي هربت اليها-من اسكتلاندا الى انجلترا!- بعد أن حدثت أحداث في بلدها ،ظنا منها أنها ستلقى حماية ملكية إلا أنها اعتقلت وسجنت وبقيت في السجن عمرا طويلا حتى تم اعدامها من البروتستانتية ابنة هنري الثامن!
لم يكن الصراع بينهما صراع بين إمرأتين، وقد كان، وإنما وراء الصراع دول وشعوب ووراء الدول والشعوب قساوسة ورهبان وباباوات وكهنة هم من تسببوا في قتل الشعوب حتى وصل الأمر إلى أن تقتل ملكة ملكة تحت المقصلة
إنها قصة صراع البروتسنتية مع الكاثوليكية عباد المسيح!
سأحاول أن أعرض القصة بإختصار وأنى لي ذلك.
اذا جاء الوقت وتوفر اليوم او غدا
ان شاء الله فعمل مختصر للقصة ومن نفس كلام ديورانت امر من الصعوبة بمكان
لكن الجرأة على المحاولة مغامرة جميلة
ومن وراءها اثبات ضلال الكنائس المسيحية وسعيها البغيض لقتل الناس على زيادات كهنوتية مع اتفاقها جميعا على ماهو أبغض عند الله من تلك الزيادات المتجددة بتجدد عمليات الترقيع المتعددة ، وماهو أبغض عند الله من الزعم بقتل الرب على صليب، ورضاه عن ذلك فدية ومغفرة للبشر كما قال احد الجهلة أن الله قتل الله من أجل إرضاء الله.
 
ماري ملكة إسكتلندة
1542 - 1587
وسط المسرحية المتشابكة، مسرحية الإصلاح الديني في إسكتلندة مع السياسة في عصر إليزابث، جرت مأساة ماري ستيوارت، بكل ما فيها من سحر الجمال والحب المشبوب والصراع الديني والسياسي، والقتل والثورة والموت البطولي، وكاد أسلافها، أن يؤكدوا لها خاتمة عنيفة. وكانت ابنة ستيوارت الخامس ملك إسكتلندة وماري أميرة جيز واللورين وفرنسا. وحفيدة مرجريت تيودور ابنة هنري السابع ملك إنجلترا، ومن ثم كانت بنت أخت ومن باب التساهل- بنت عمة، "ماري اللعينة" وإليزابث، وكانت بإجماع الآراء الوريثة الشرعية للتاج الإنجليزي، إذا توفيت إليزابث دون عقب، وفي رأي هؤلاء الذين اعتبروا إليزابث ابنة زنى، ومن ثم غير مؤهلة للملك- مثل الكاثوليك (وهنري الثامن في وقت ما)، أنه كان
لا بد أن ترتقي عرش إنجلترا 1558، ماري ستيوارت لا إليزابث.
قصة الحضارة ج28 ص165، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> الملكة الجنِّية
 
ماري ملكة إسكتلندة(2)
1542 - 1587
:"فقد جعلها موت أبيها في بحر أسبوع من مولدها، ملكة إسكتلندة، واقترح هنري الثامن، أملاً منه في ضم إسكتلندة كمقاطعة ملحقة بإنجلترا-اقترح أن تخطب الطفلة إلى ابنه إدوارد وترسل إلى إنجلترا، وتتربى فيها، مع افتراض أن تكون بروتستانتية، لتكون ملكة مع ابنه إدوارد. ولكن بدلاً من هذا، قبلت أمها الكاثوليكية عرض هنري الثاني ملك فرنسا (1548) أن تزوجها لأكبر أبنائه (الدوفين). وحماية لماري من اختطافها إلى إنجلترا. أسرعوا بها وهي في سن السادسة إلى فرنسا، حيث بقيت هناك ثلاثة عشر عاماً، وتلقت العلم مع أولاد الأسرة المالكة، وتأصلت فيها الروح الفرنسية تماماً، حيث كانت نصف فرنسا بحكم الدم. ولما نضجت واكتمل شبابها، تجلت كل مفاتن الأنوثة في جمال القسمات والقوام، وحدة الذهن، والكياسة المرحة في السلوك والحديث، وغنت غناء عذباً، وعزفت على العود عزفاً جيداً، وتحدثت باللاتينية، وكتبت شعراً تكلف الشعراء إطاره، وخفقت قلوب الحاشية "لرؤية وجهها النقي الناصع البياض كالثلج" ...ولما بلغت السادسة عشرة تزوجت ولي عهد فرنسا (الدوفين) في 24 أبريل 1558. وما أن بلغت السابع عشرة، حتى أصبحت، بارتقائه العرش، ملكة على فرنسا. ويبدو أن كل آمال حلم خيالي قد أصبحت حقيقة.
ولكن في 5 ديسمبر 1560 مات فرانسوا الثاني (زوجها) بعد حكم دام سنتين. وفكرت ماري التي باتت أرملة وهي في سن الثامنة عشرة، في أن تأوي إلى ضيعة في تورين، لأنها أحبت فرنسا. ولكن إسكتلندة في تلك الأثناء تحولت إلى البروتستانتية، وكانت على شفا ضياعها من فرنسا بوصفها حليفة. ورأت الحكومة الفرنسية أن من واجب ماري أن تذهب إلى أدنبرة، وتقود وطنها الأصلي إلى التحالف مع فرنسا، وإلى العقيدة الكاثوليكية من جديد. وارتضت ماري كارهة أن تترك مباهج المدنية الفرنسية ورفاهيتها، لتعيش في إسكتلندة التي تصورتها أرض الهمجية والبرودة. وكتبت إلى زعماء الأشراف مؤكدة إخلاصها لإسكتلندة، ولكنها لم تذكر لهم أنها في عقد زواجها، حولت ملك إسكتلندة إلى ملوك فرنسا إذا توفيت دون عقب. وافتتن بها النبلاء، البروتستانت منهم والكاثوليك على حد سواء، ودعاها برلمان إسكتلندة لتتبوأ عرشها. وطلبت إلى إليزابث امتياز المرور بأمان عبر إنجلترا، فرفض طلبها، فأبحرت ماري من كاليه في 14 أغسطس 1561، مودعة فرنسا بالدموع، محدقة في الشاطئ الذي يتراجع من خلفها، حتى لم يبق أمامها شيء إلا البحر.
وبعد خمسة أيام ألقت السفينة مراسيها في "ليث" ثغر أدنبرة واكتشفت ماري اسكتلندة.
قصة الحضارة ج28 ص166،167 بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> الملكة الجنِّية
 
الشعب الاسكتلندي القرن ال16
:" شعب أعمته الخرافات، وإرسال السحرة إلى الإعدام حرقاً، يفتش في عقيدة دينية متشددة عن حياة أقل قساوة ومشقة. ورغبة في موازنة قوة البارونات التي مزقت أوصال البلاد، كان الملوك ساندوا وشجعوا رجال الدين الكاثوليك وأغدقوا عليهم الثروات، مما جرهم إلى الفساد وقبول الرشوة وعدم المبالاة ومعاشرة الخليلات(4). وتحرق النبلاء لهفاً على ثروة الكنيسة، فانتقصوا من قدر رجال الدين، بملء الوظائف الكنسية بأبنائهم الخبراء بشئون الدنيا، ونادوا بالإصلاح الديني، وجعلوا البرلمان الاسكتلندي الذي تحكموا فيه سيداً للكنيسة والدولة على حد سواء.
قصة الحضارة ج28 ص167، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> الملكة الجنِّية
 
ماري ملكة إسكتلندة(3)
1542 - 1587
وأشار سيسل على إليزابث بمساندة النبلاء البروتستانت ضد مليكتهم الكاثوليكية، ومن ثم تصبح إسكتلندة ممزقة، ولا تعود تشكل خطراً على إنجلترا أو دعامة لفرنسا. وفوق ذلك يمكن لزعماء البروتستانت، إذا حالفهم التوفيق، أن يخلعوا ماري، ويتوجوا نبيلاً بروتستانتياً، ويحولوا إسكتلندة كلها إلى البروتستانتية. وراود سيسل بصفة خاصة حلم توحيد إسكتلندة على هذه الصورة مع إنجلترا بإغراء إليزابث بالزواج من مثل هذا الملك(5). فلما أرسلت فرنسا إلى إسكتلندة قوة لإخماد البروتستانت سارعت إليزابث بإرسال جيش لحمايتها وطرد الفرنسيين. ولما حاقت الهزيمة بفرنسا في ميدان القتال، وقع ممثلوها في إسكتلندة في أدنبره (6يولية 1560) معاهدة مشئومة لا تنص على خروج الفرنسيين من إسكتلندة فحسب، بل على عدم مطالبة ماري بأي حق في عرش إنجلترا، كذلك، ورفضت ماري، بناء على مشورة زوجها فرانسوا الثاني، التصديق على المعاهدة. وعلمت إليزابث بذلك.
وكان الوضع الديني مضطرباً، بنفس القدر. ذلك أن "برلمان الإصلاح الديني" الإسكتلندي الذي التأم 1550، ألغى الكاثوليكية رسمياً، وقرر أن تكون البروتستانتية الكلفنية دين الدولة، ولكن ماري لم تصدق على هذه القرارات البرلمانية حتى تصبح القوانين نافذة المفعول في البلاد؟ وظل القساوسة الكاثوليك يشغلون معظم الوظائف الكنسية ذوات الدخول في إسكتلندة. وكان نصف النبلاء" بابويين...وفي العام الذي سبق مجيء ماري أخرج نوكس ومعاونيه كتاباً في قواعد السلوك والانضباط "Discipline" يحدد مذهبهم وأغراضهم، فالديانة لا تعني إلا البروتستانتية، و"الربانييون والأتقياء" لا يقصد بهم إلا الكلفنيون وحدهم، أما "الوثنية" فإنها تشمل "القداس، والتضرع إلى القديسين وعبادة الصور... والاحتفاظ بها"، أما "المتمسكون بهذه الأشياء البغيضة والداعون إليها، فلا ينبغي أن يفلتوا من عقاب القضاة والحكام المدنيين.
قصة الحضارة ج28 ص168-169، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> اسكتلندة
 
ماري ملكة إسكتلندة(4)
1542 - 1587
:"اتخذت ماري الترتيبات لتصل إلى إسكتلندة، قبل الموعد المضروب بأسبوعين، حيث خشيت بعض المقاومة في دخولها إلى البلاد، ولكن ما أن انتشر في العاصمة خبر وصولها إلى ليث حتى اكتظت الشوارع بالأهالي، الذين عرتهم الدهشة ليروا ملكتهم غادة جميلة مرحة مفعمة بالحيوية، لم تبلغ بعد التسعة عشر ربيعاً. وحياها معظمهم وهتفوا لها وهي على ظهر جوادها الصغير إلى قصر هوليرود، Holyrood وهناك رحب بها اللوردات، بروتستانت وكاثوليك، فخورين بأن يكون لإسكتلندة ملكة فاتنة إلى هذا الحد، يمكن يوماً ما، بشخصها أو بشخص ابن لها، أن تخضع إنجلترا لحكم ملك إسكتلندي...وفوضت الملكة موري ولثنجتون في تدبير شئون المملكة، فقاما بالمهمة خير قيام. وبدا، لبعض الوقت، أنه حتى المشكلة الدينية قد وجدت حلاً بفضل تنازلات الملكة. ولما حثها مندوبو البابا على إعادة الكاثوليكية ديناً رسمياً للبلاد، أجابت بأن هذا مستحيل في الوقت الراهن، وإلا تدخلت إليزابث بالقوة. ورغبة في تهدئة خواطر البروتستانت الإسكتلنديين، أصدرت ماري في 26 أغسطس 1561 بياناً يحرم فيه على الكاثوليك محاولة إحداث أية تغييرات في الديانة القائمة، ولكنها طلبت أن يرخص لها هي نفسها في ممارسة الشعائر سراً، وأن يقام القداس في الكنيسة الملكية الخاصة(10). يوم الأحد 24 أغسطس أقيم القداس هناك. وتجمع نفر قليل من البروتستانت خارجها وطالبوا "بإعدام القسيس الذي يعبد الأصنام(11)"، ولكن موري حال دون دخولهم الكنيسة، على حين اقتاد معاونوه القسيس إلى مكان آمن.. وفي يوم الأحد التالي استنكر نوكس سماح اللوردات بالقداس، وأعلن إلى جماعة المصلين في كنيسته أن قداساً واحداً كان أكثر إساءة إليه من عشرة آلاف عدو مسلحين(12).
وأرسلت الملكة في طلبه؛ تستعطفه وتناشده التسامح. وفي قصرها، في 4 سبتمبر، التقت العقيدتان لقاء تاريخياً، لم تصل إلينا تفاصيل ما جرى فيه إلا من تقرير نوكس نفسه(13). وانتهرته ماري إثارته الفتنة ضد سلطة أمها الشرعية، ولكتابته "هجومه العنيف" ضد "جماعات النسوة الخاطئات"، الذي أساء إلى كل السيدات اللائى تولين الملك. فأجاب "بأنه إذا كان استنكار الوثنية معناه إثارة الرعايا ضد حكامهم، فهلا يمكن التماس العذر فيه والصفح عنه، فإن الله قد ارتضى... أن أكون واحداً (من بين الكثيرين) ممن أوصدوا أبواب هذه المملكة ضد باطل العقائد البابوية وضد خداع هذا الروماني عدو المسيح، البابا، وغروره وظلمه. أما الهجوم العنيف. فإنه يا سيدتي قد كتب بصفة أخص ضد المرأة الفاسقة في إنجلترا ماري تيودور. ويستطرد تقرير نوكس: ...فقالت: ولكنكم لستم الكنيسة التي سوف أرعاها وآخذ بيدها، سوف أدافع عن كنيسة رومة، لأني أعتقد أنها كنيسة الله الحقة. فقال نوكس: لن تكل مشيئتك سبباً يا سيدتي، ولن يجعل مجرد تفكيرك أنت من هذه الفاجرة الداعرة الرومانية القرينة الحقة الطاهرة التي تحمل بلا دنس، ليسوع المسيح... ولا تعجبي يا سيدتي لأني أطلق على روما، المومس الفاجرة، لأن هذه الكنيسة ملوثة تلوثاً تاماً بكل ألوان الفجور الروحي...وذهب نوكس إلى كنيسته. وناشد لثنجتون نوكس أن يعامل الملكة برفق أكثر، لأنها أميرة يافعة لم تخضع لأي تحريض أو إغراء(14).
ولم يشعر أتباعه بأنه كان قاسياً عليها. ولما ظهرت في المحافل العامة قال بعضهم بأنها وثنية، وصاح فيها الأطفال بأن الاستماع إلى القداس خطيئة. وأصدر حكام أدنبرة قراراً بنفي الأشخاص الأقذار (كذا) "الرهبان، أعضاء الأخوات الدينية، القساوسة الراهبات، الزناة(15)". فعزلت ماري هؤلاء الحكام وأمرت بإجراء انتخابات جديدة. وفي سترلنج طرد القساوسة الذين أرادوا أن يقيموا لها القداس والدم ينزف من رءوسهم، "على حين انفجرت هي باكية، حيرة وعجزاً(16)". واجتمعت الجمعية العامة للكنيسة الوطنية الاسكتلندية وطالبت بمنعها من حضور أي قداس في أي مكان، ولكن لوردات مجلس الشورى أبوا أن يستجيبوا لهذا. وفي ديسمبر 1561 قام خلاف حاد بين المجلس والكنيسة حول توزيع إيرادات الكنيسة. فخص للقساوسة البروتستانت السدس، وللملكة سدس آخر، واختص رجال الدين الكاثوليك (ولا يزالون يشكلون الغالبية) بثلثي الإيراد. فأوجز نوكس هذه القسمة في قوله: أعطى للشيطان ثلثان، وقسم الثلث الأخير بين الشيطان والرب(17). وقبض الكهنة البروتستانت في المتوسط مائة مارك (3.333 شلنات؟) سنوياً(18)... وفي 55 ديسمبر 1562 استدعت ماري نوكس، واتهمته، في حضرة موري ولثنجتون وغيرهما، ببذر بذور الكراهية لها في نفوس أتباعه... وتركته ينصرف في سلام، ولكن استمر الصراع بين العقائد. وفي عيد الفصح 1563 قبض الموظفون المحليون على عدة قساوسة كاثوليك، كانونا قد خالفوا القانون بإقامة القداس، وهددوهم بالموت لوثنيتهم(21). وسجن بعضهم، وهرب آخرون واختفوا في الغابات فأرسلت ماري في طلب نوكس مرة أخرى، وتوسطت للإفراج عن القساوسة المسجونين، فأجابها بأنها إذا طبقت القانون، فأنه يكفل لها انصياع البروتستانت وطاعتهم، وإلا فأنه يعتقد أن هؤلاء البابويين كانوا جديرين بتلقينهم درساً. "فقالت: إني أعد بتحقيق رغبتك". ودامت صداقتها لبعض الوقت. وبأمر منها حوكم أسقف سانت أندروز وسبعة وأربعون قسيساً آخرون لإقامتهم القداس. وحكم عليهم بالسجن. وابتهج الكهنة البروتستانت بهذا...وترامى إلى سمع نوكس بعد ذلك بقليل أن لثنجتون كان يحاول عقد زواج بين ماري ودون كارلوس ابن فيليب الثاني ملك أسبانيا. وإحساساً منه بأن مثل هذا الزواج سيكون ضربة قاضية على البروتستانتية في اسكتلندة، أعلن نوكس عن رأيه بصراحة في موعظة ألقاها على النبلاء الذين شهدوا البرلمان: والآن أيها اللوردات، وللقضاء على كل شيء، أسمع عن زواج الملكة... واسمحوا لي أن أقول أيها اللوردات إنه حينما يعترف نبلاء إسكلندة للسيد المسيح برضاهم عن أن يكون أحد الكفار (وكل أتباع البابا كفار) على رأس مملكتكم...وبلغت جرأة نوكس ذروتها في أكتوبر (1563) ذلك أنه أحاط مرة أخرى بالكنيسة الملكية الخاصة جمع من الناس احتجاجاً على القداس الذي كان على وشك أن يقام، ودخل أندروز آرمسترونج وباتريك كرانزتون إلى الكنيسة وأرهبا القسيس حتى أنصرف، فأمرت الملكة التي لم تكن في الكنيسة آنذاك، بمحاكمة هذين الرجلين الكلفنيين بتهمة اقتحام حرمها الخاص. وفي أكتوبر أرسل نوكس كتاباً يأمر فيه "الاخوة من كل الطبقات، الذين آثروا طريق الحق" بأن يشهدوا المحاكمة. وحكم مجلس الملكة بأن هذه الدعوة خيانة عظمى، ودعا نوكس للمثول للمحاكمة أمامها. وحضر نوكس (21 ديسمبر 1563) ولكن حشداً هائلاً من مؤيديه تجمع في الفناء، وعلى الدرجات "حتى وصل إلى باب القاعة التي جلست فيها الملكة ومجلسها" ودافع هو عن نفسه دفاعاً مجيداً إلى حد أن المحكمة برأته، وقالت الملكة "تستطيع يا مستر نوكس أن تعود إلى دارك الليلة." فأجاب هو "أدعو الله أن يطهر قلبك من رجس البابوية(15)".
قصة الحضارة ج28 ص170-177، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> ماري ونوكس
 
ماري ملكة إسكتلندة (5)
1542 - 1587
الملكة تقع في شراك الغرام
1565-1568من ذا الذي تستطيع الملكة أن تختاره زوجاً لها، دون أن تقع في ورطة دبلوماسية؟ أميراً أسبانيا؟. ولكن لا بد أن تحتج فرنسا وإنجلترا ويغضب البروتستانت في إسكتلندة. "فرنسا"؟ ولكن إنجلترا لا بد أن تقاوم، حتى بحد السيف، تجدد التحالف الفرنسي الاسكتلندي، "أميراً نمسوياً، الأرشيدوق شارل"؟ ولكن نوكس أنذر وحذر من فوق المنبر، من الاتحاد مع "كافر" كاثوليكي، كما أن إليزابث أخطرتها بأن الزواج من آل هبسبرج-الأعداء القدامى لآل تيودور-يعتبر عملاً عدائياً.
وفي لحظة من الانفعال قطعت ماري العقدة الدبلوماسية. ففي اكتوبر 1564 رأى ماتيو ستيوارت أنه قد آن الأوان للعودة إلى إسكتلندة-وكان ماتيو، إرل لنوكس يعتقد أنه المرشح التالي لعرش إسكتلندة بعد ماري، وكان قد فقد كل أراضيه بمساندته هنري الثامن ضد إسكتلندة، وهرب إلى إنجلترا تفادياً لانتقام الاسكتلنديين آنذاك. ولحق به إلى إسكتلندة بعد قليل ابنه، هنري ستيوارت لورد دارنلي البالغ من العمر تسعة عشر عاماً، والذي هو، عن طريق والدته، من نسل هنري السابع ملك إنجلترا، مثل الملكة ماري. وفتنت ماري بالشاب الأمرد وأعجبت بمهارته في لعب التنس والعزف على العود، وتجاوزت عن غروره، بوصفه أمراً يلتئم مع طلعته الجميلة، واندفعت في الغرام قبل أن تستطيع أن تتبين فيه الغباء والحمق. وفي 29 يوليه 1565، وعلى الرغم من احتجاج إليزابث ونصف أعضاء مجلسها الخاص، اتخذت ماري من هذا الفتى زوجاً، وأسمته ملكاً. واستقال موري من المجلس وانضم إلى أعداء الملكة العنيدة الجامحة.
ونعمت، لشهور قلائل، بالسعادة المشوبة بالمتاعب. لقد استبد بها توقها الشديد إلى الحب طيلة السنوات الأربع التي قضتها أرملة. وقد أثلج صدرها أن تجد من يرغب فيها. لقد منحت زوجها حبها بلا قيد ولا شرط، وأغدقت عليه كل شيء بلا حدود، قال توماس راندولف سفير إليزابث: "لقد أولته كل ألوان الجلال والرفعة وألقاب الشرف، ولا ينشرح صدرها لأي رجل لا يرضى عنه الملك الفتي، وتنازلت عن إرادتها من أجله هو(26).. "ولكن الحظ السعيد أفسد عقل الفتى، فأصبح دكتاتوراً مستبداً وقحاً وطالب بأن يشارك الملكة سلطانها. وفي نفس الوقت أقام الحفلات الصاخبة وأسرف في الشراب، وأبعد المجلس، وأصابته نوبات من الحقد، وارتاب في أن ماري ترتكب الزنى مع دافيد رتيشو.
ومن يكون رتبشو هذا؟ أنه موسيقار إيطالي كان قد قدم إلى اسكتلندة 1560، وهو في سن الثامنة والعشرين، في معية السفير (من سافوي). ولما كانت ماري مولعة بالموسيقى، فقد ألحقته بخدمتها كمنظم للمهرجانات الموسيقية، ولقد سعدت بفطنته وسرعة بديهيته، وتنوع ثقافته التي اكتسبها من القارة (أوربا). ولما كان يعرف الفرنسية واللاتينية معرفة جيدة، ويكتب بلغة إيطالية جميلة، فقد اتخذته كذلك سكرتيراً لها، وسرعان ما عهدت إليه بإعداد مراسلاتها الأجنبية وكتابتها. وأصبح مستشاراً لها، وبات قوة لا يستهان بها، وأسهم في توجيه السياسة. وجلس إلى مائدة الملكة يشاركها غذائها، وخلا بها أحياناً إلى ساعة متأخرة من الليل. ومذ رأى النبلاء الإسكتلندين أن رتيشو قد نحاهم عن مكانتهم وحل محلهم، وارتابوا في أنه يناصر الكاثوليك، فإنهم تآمروا على تدميره. وكان الإيطالي الداهية في بداية الأمر قد سحر لب دارنلي نفسه، فكانا يسرحان ويمرحان معاً وينامان معاً، ولكن على حين أن المهام المنوطة برتشيو وامتيازاته وتكريمه والحفاوة به زادت، فإن حماقة دارنلي هبطت به إلى مستوى العجز السياسي، فانقلب حب الملك للخادم الذي أصبح وزيراً إلى مقت وبغض. ولما حملت الملكة ماري ذهبت الظنون بالملك إلى أنها حملت بولد رتشيو. واعتقد روندولف في صحة هذا بل إنه في الجيل التالي أبدى كواتر ملاحظة ساخرة فقال إن جيمس الول ملك إنجلترا لا بد أن يكون "سليمان الحديث" طالما أن أباه هو دافيد العازف على القيثارة(27). وإذ لعب الويسكي يوماً برأس دارلني، وألهب جرأته، انضم إلى إرل مورتورن، والبارون روثفن وغيرهما من النبلاء في تدبير قتل رتشيو، ووقعوا "عهداً" تعاهدوا فيه على تدعيم البروتستانتية في إسكتلندة، وعلى منح دارنلي "تاج الزواج"-أي كل حقوقه وسلطاته بوصفه ملكاً على إسكتلندة-وأن يكون له الحق في العرش عند وفاة ماري. ووعد دارنلي بحماية الموقعين على "العهد" من نتائج "أية جريمة" قد ترتكب؛ وبإعادة موري وسائر اللوردات المنفيين(28).
وفي 6 مارس 1560 كشف راندولف للورد سيسل النقاب عن المؤامرة(29). وفي 9 مارس نفذت. واقتحم دارنلي حجرة الملكة حيث كانت تتناول العشاء مع رتشيو وليدي آرجيل، وأمسك الملكة واحتجزها، واندفع مورتون وروثفن وآخرون إلى الحجرة، واقتادوا رتشيو خارجها، رغم احتجاجات واعتراضات لا غناء فيها من ماري، وعلى السلم كالوا له الطعنات حتى الموت-ستاً وخمسين طعنة، إحكاماً للتدبير وضماناً للقضاء عليه. ودق أحدهم ناقوس الخطر في المدينة، فسار حشد كبير من المواطنين المسلحين إلى القصر، واقترحوا تمزيق ماري "إرباً(30)" ولكن دارلني أقنعهم بالتفرق، وبقيت ماري طوال الليل وطيلة اليوم التالي سجينة السفاحين في قصر هوليرود. وفي نفس الوقت لعبت على فزع دارلني وحبه لها، فساعدها وصحبها، عندما هربت في الليلة التالية ولجأت إلى دنبار Dunbar وهناك أقسمت أن تنتقم، فأصدرت نداء إلى مؤيديها المخلصين، ليهبوا لنجدتها والدفاع عنها. وأعادت موري إلى المجلس، وربما فعلت هذا رغبة في إشاعة الفرقة بين أعدائها.
وكان أكثر من عرضوا مساعدتها وحمايتها فعالية وأثراً جيمس هيبرون Hepburn، إرل بوثول Bothwell الرابع. وكان شخصية غريبة سيئة الطالع، ولم يكن وسيماً، ولكن قوي الجسم والعاطفة والإرادة. مغامراً في لبر والبحر، يحذق الضرب بالسيف والمغول (سيف مستقيم مستدق الرأس ذو حدين). يرهب الرجال بجرأته الهادئة، ويفتن النساء بحديثه وتهوره واشتهاره بالقدرة على إغوائهن، ولكنه كان كذلك على درجة عالية من التعليم، ومحباً للكتب، ومؤلفاً، في وقت لم يكن فيه كثير من النبلاء الإسكتلنديين يعرفون كتابة أسمائهم...وكانت الآن تخشى قتلة رتشيو وترتاب في اشتراك زوجها في جريمتهم...وعلى الرغم من أن نوكس كان قد أقر قتل رتشيو، فإن ماري هدأت من روع القساوسة البروتستانت لبعض الوقت بوضع شروط أفضل لأرزاقهم والإبقاء عليهم. أما عامة الإسكتلنديين الذين لم يكونوا في يوم من الأيام يكنون ذرة من الحب للوردات، فإنهم تعاطفوا معها، وتمتعت الملكة لعدة أشهر بعد ذلك، بشعبية عامة. وكتب السفير الفرنسي يقول: "لم أر الملكة قط تحظى بمثل هذا الحب والتقدير والتكريم، أو بمثل هذه الألفة بين رعاياها(31). "على أنها-عندما اقترب موعد الوضع، انتابتها الهواجس واستبدت بها فكرة أنها لا بد أن تقتل أو تخلع، وهي راقدة لا حول لها ولا قوة ولا عون(32). ولما وضعت، في سلام وأمان، طفلاً ذكراً 19 يونيه 1566 ابتهجت إسكتلندة بأسرها، وكأنها تنبأت بأن هذا الصبي سيكون ملكاً على إسكتلندة وإنجلترا معاً. وكانت ماري في أوجها.
ولكنها كانت تعسة بدارنلي الذي استاء من تجديد ثقتها بموري، ومن إعجابها المتزايد ببوثول. وتناثرت الإشاعات بأنه قد يخطف الطفل الملكي ويحكم باسمه(33). واتهم دارنلي النبلاء بقتل رتشيو، وطالب ببراءته هو. فما كان منهم، انتقاماً منه، إلا أن بعثوا إلى الملكة بدليل اشتراكه في الجريمة(34). واقترح آرجيل ولثنجتون وبوثول على الملكة أن تطلقه، فاعترضت بأن هذا قد يعرض العرش للخطر، فأجاب لثنجتون على هذا بأنه من الميسور إيجاد طريقة لتخليصها من دارنلي دون الإضرار بابنها فلم توافق وعرضت أنها تفضل الخروج من إسكتلندة، وتترك الحكم لدارنلي، وأنهت الحديث بقولها: محذرة، أريد منكم ألا تفعلوا شيئاً يلوث شرفي أو ضميري، ولذلك أتوسل إليكم أن تتركوا المور كما هي، وأن نحتمل حتى يقضي الله فيها برحمته(35)". وكم من مرة تحدثت آنذاك عن الانتحار(36)...ونعتها نوكس صراحة بأنها بغي عاهرة(37).
قصة الحضارة ج28 ص177-181، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> الملكة تقع في شراك الغرام
 
ماري ملكة إسكتلندة (6)
رسائل مزورة ستؤدي الى اعدامها ثم هروبها الى انجلترا!
:"وهنا تدخل الرسائل المعروفة باسم "رسائل الصندوق الفضي" إلى مسرح الحوادث لتكمل المشهد. وتتوقف بقية القصة إلى حد ما على صحة تلك الرسائل، وهذه قضية لا تزال بعد مضي أربعمائة سنة مثار خلاف ومناقشة. وزعموا أن تلك الرسائل وجدت في صندوق صغير من الفضة كانت ماري قد أهدته إلى بوثول، ثم استولى عليه، في 20 يونية 1567، من أحد خدم بوثول، بعض وكلاء النبلاء الذين كانوا يسعون آنذاك إلى خلع الملكة. وفتح الصندوق في اليوم التالي بمعرفة مورتون ولثنجتون وغيرهم من أعضاء المجلس الخاص. وسرعان ما عرضت بعد ذلك على البرلمان إسكتلندة، ثم أخيراً على اللجنة الإنجليزية التي تولت محاكمة ماري في 1568، وكانت عبارة عن ثمانية خطابات وبعض شذرات متناثرة من قصائد شعرية، وكلها فرنسية، غير موجهة لأحد، ولا تحمل تاريخاً، ولكنهم زعموا أنها من ماري إلى بوثول. وأقسم اللوردات أعضاء المجلس أمام البرلمان أن الرسائل صحيحة، ولم يحدث فيها أي تلاعب، ولكن ماري ادعت أنها مزيفة. والظاهر أن ابنها اعتبرها "حقيقة، لأنه أتلفها(38)، ولم يبق إلا صور منها". ولما أطلع ملوك القارة على هذه الصور تصرفوا وكأنما وثقوا من صحتها(39). وارتابت إليزابث أول المر في صحتها، ثم عادت فسلمت بها في شيء من التردد، واول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة الرسائل، هو الارتياب في أن امرأة تتوسط في قتل زوجها ثم تفصح في طيش وإسهاب بالغين عن مقاصدها في رسائل تعهد بها إلى رسل يمكن أن يعترض أحد سبيلها أو يرشوهم، ثم أنه يبدو من المستحيل أن يحتفظ بوثول بمثل هذه الرسائل التي تدينه وتورطه في جريمة. ثم من غير المحتمل بنفس القدر أن يوجد في إسكتلندة أحد حتى الداهية لثنجتون نفسه (المشتبه فيه بصفة خاصة) كان في مقدوره أن يزيف أي جزء هام من هذه الرسائل في سحابة اليوم الذي مضى بين الاستيلاء على الصندوق وعرض الرسائل على المجلس أو البرلمان. والرسالة الثانية التي تحمل أكبر إدانة، مطولة بشكل غريب، وتقع في عشر صفحات مطبوعة. ولو كانت مزيفة، لكانت أكبر عملية تزييف غير عادية، لأن محتواها العاطفي يبدو متطابقاً مع طبيعة ماري، قدر تطابق الكتابة مع خط ماري. وإنها لمثل ماري شريكة ضالعة في قتل دارنلي، مترددة تملؤها الحسرة والأسى، وتشعر بالعار والخجل من أجل ذاك .
وسمح الملك العليل المتخوف الواثق بأن ينقل عبر إسكتلندة في محفة ليقيم في بيت قسيس "كيرك أو فيلد" القديم في ضواحي أدنبرة، وفسرت ماري عدم نقله فوراً إلى قصر هوليرود بأنه خشيت انتقال العدوى إلى طفلهما. وهناك رقد لمدة أسبوعين، حيث كانت ماري تزوره يومياً. وثابرت على تمريضه والعناية به حتى استرد صحبته، وكتب إلى والده (7 فبراير 1567) "... إن صحتي الجيدة هي.... النتيجة السريعة لحسن الرعاية.... الملكة التي أؤكد لكم أنها كانت طيبة طيلة هذه المدة" ولا تزال، تسهر على العناية بي، على أنها الزوجة الطبيعية المحبة. ومع ذلك لا زلت آمل أن يمن الله علينا بما يدخل الفرح على قلوبنا التي أضنتها المتاعب طويلاً(41)". ولماذا كانت تقوم على تمريضه والعناية به طيلة أسابيع مملة إذا كانت تعلم أنه كان سيقتل حتماً؟ "إن هذا الجزء من السر الكامن وراء ماري استيوارت. وفي مساء 9 فبراير تركته لتشهد حفل زفاف إحدى وصيفاتها في هوليرود. وفي تلك الليلة حدث انفجار في بيت كيرك أوفيلد، وفي الصباح وجد دارنلي ميتاً في الحديقة... وفي 23 أبريل زارت ابنها في سترلنج، وقد قدر لها ألا تراه بعد اليوم أبداً. وفي طريق عودتها إلى دبلن مع لثنجتون كمن لهما بوثول وجنوده وهاجموهما وحملوهما بالقوة إلى دنبار (4 أبريل). واحتج لثنجتون وهدده بوثول بالقتل، ولكن ماري أنقذته وأطلق سراحه، وانضم بعد ذلك إلى أعداء الملكة. وفي دنبار استأنفت المفاوضات لطلاق بوثول. وفي 3 مايو عادت ماري وبوثل إلى أدنبرة، وأعلنت أنها طليقة من كيد الطلاق. وفي 15 مايو، حين رفض قسيسها الكاثوليكي تزويجهما (هي وبوثول)، تزوجا وفق الطقوس البروتستانتية، أما أسقف أوركني الذي كان فيما مضى كاثوليكياً. وانقلبت ضدها، بوصفها نفساً هالكة، أوربا الكاثوليكية التي كانت يوماً تناصرها. ونأى عنها رجال الدين الكاثوليك، ونادى القساوسة البروتستانت بخلعها، ووقف الأهالي منها موقفاً عدائياً. أما الأقلية التي تعاطفت معها فقد عزت غرامها الطائش إلى جرعة حب أعطاها إياها بوثول.
وفي 10 يونية أحاطت عصابة مسلحة بقصر بورثوك Borthwick حيث كانت تقيم ماري وبوثول، فهرب الاثنان، وكانت ماري في ثياب رجل. وفي دنبار جمع بوثول ألف رجل، سعت ماري وبوثول بهم أن يشقوا طريقهم عائدين عنوة إلى أدنبرة، فاعترضهما في كاريري هل (15 يونية) قوة مماثلة ترفع راية نقش عليها صورة دارنلي الميت وصورة الطفل جيمس السادس. وعرض بوثول تسوية الموضوع بالنزال الفردي؛ ولكن ماري رفضت أن تسمح له بذلك. وارتضت أن تستسلم إذا سمح لبوثول الهرب. وادعت فيما بعد أن زعماء الثوار كانوا قد وعدوها بالولاء لها إذا لحقت بهم دون قتال(41). ولاذ بوثول بالفرار إلى الشاطئ واتخذ طريقه إلى الدنمرك. وهناك بعد عشر سنوات قضاها في السجن بأمر ملك الدنمك قضى بوثول نحبه وهو في سن الثانية والأربعين (1578).
ورافقت ماري معتقليها إلى أدنبرة وسط صيحات الجنود والأهالي. "أحرقوا العاهرة اقتلوها أغرقوها(42)" واحتجزت تحت الحراسة في دار رئيس البلدية وهناك، تحت نافذتها التي ظهرت منها شعثاء الشعر نصف عارية، استمرت الجموع تهددها بأقذع العبارات. وفي 17 يونية، رغم احتجاجاتها واعتراضاتها الشديدة نقلت إلى سجن سحيق وأكثر أمناً، في جزيرة في بحيرة لوك ليفن، على بعد نحو ثلاثين ميلاً إلى الشمال من العاصمة. وهناك طبقاً لما رواه سكرتيرها كلود وضعت توأمين قبل الأوان(44). وأرسلت متلمساً إلى الحكومة الفرنسية ولكنها رفضت التدخل، وأصدرت إليزابث تعليمات إلى مبعوثها بالوعد بحماية ماري، وتهديد النبلاء بأشد العقاب إذا مسوا الملكة بأي أذى، ودعا نوكس إلى إعدام ماري، وأنذر بأن الله سوف يرسل إلى إسكتلندة بطاعون فظيع إذا أبقت على حياة ماري(45). وفي يونية أعاد اللوردات "رسائل الصندوق الفضي"، وتوسلت ماري إلى البرلمان أن يستمع إليها، (إلى ماري)، ولكنه رفض على أساس أن الرسائل أوضحت قضيتها بما فيه الكفاية. وفي 24 يولية وقعت وثيقة تخليها عن العرش، وعين موري وصياً على ابنها.
وبقيت لنحو أحد عشر شهراً أسيرة في قصر لوك ليفن، وخففت قيود السجن تدريجياً فتناولت الطعام مع أسرة وليم دوجلاس صاحب القصر، ووقع أخوه الأصغر جورج في غرامها، وساعدها على الهرب (25 مارس 1568) واعتقلت، ولكنها في 2 مايو عاودت المحاولة وأفلحت. ووصلت تحت حماية دوجلاس الصغير، إلى داخل البلاد حيث التقت بجماعة من الكاثوليك، وركبت في ظلام الليل إلى لسان فورث، وعبرته، وآوت إلى بيت آل هملتون، وهناك في بحر خمسة أيام، تجمع ستة آلاف رجل، وأقسموا أن يعيدوها إلى العرش، ولكن موري دعا البروتستانت في إسكتلندة إلى حمل السلاح. والتقى الجمعان في لانجسيد بالقرب من جلاسجو (13 مايو)، ودحر جيش ماري السيئ التنظيم. وهربت مرة أخرى، وجدت السير على ظهر جوادها في تهور، ثلاث ليال سوياً، إلى دندرينان أبى على خليج سولوراي. وآنذاك أعادت إلى مانحها، الماسة التي كانت إليزابث يوماً قد أهدتها إلى "أختها العزيزة"، مع رسالة تقول "إني أعيد تلك الجوهرة إلى ملكتها، وكانت رمزاً لصداقة ومعونة موعودتين(46)". وفي 16 مايو 1568 عبرت خليج سولواي في قارب مكشوف لصيد السمك، ودخلت إنجلترا، ووضعت مصيرها بين يدي غريمتها.
قصة الحضارة ج28 ص181-186، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> الملكة تقع في شراك الغرام
 
ماري ملكة إسكتلندة (7)
:"ومن مدينة كارليل Carlisle (في شمال غرب إنجلترا) أرسلت ماري رسالة ثانية إلى إليزابث. تطلب مقابلتها لتشرح لها موقفها وسلوكها. وكانت إليزابث من حيث المبدأ تناهض مساعدة الثوار ضد أي حكم شرعي. ومن ثم مالت إلى دعوة ماري لمقابلتها. ولكن مجلس شورى الملكة أوقعها في حيرة وارتباك بما ساق لها من تحذيرات: فلو أن ماري سمح لها بالذهاب إلى فرنسا، لأغريت الحكومة الفرنسية بإرسال جيش إلى إسكتلندة لإعادة ماري إلى العرش. ولإعادة إسكتلندة حليفة كاثوليكية لفرنسا. وشوكة في ظهر إنجلترا، وعند ذاك تساند فرنسا دعوى ماري في عرش إنجلترا بقوة السلاح، كما يساندها الكاثوليك الإنجليز. ولو بقيت ماري حرة طليقة في إنجلترا فمن الممكن أن تكون مصدر بؤرة ميسورة لثورة الكاثوليك، وإنجلترا لا تزال في أعماق قلبها كاثوليكية في الكثير الغالب. وإذا أرغمت إنجلترا النبلاء الاسكتلنديين على إعادة مليكتهم إلى عرشها، فإن حياة هؤلاء النبلاء تتعرض للخطر، كما تفقد إنجلترا حلفاءها البروتستانت في إسكتلندة... ولما كان من إحدى مهام الدبلوماسية أن تخلع على الواقعية ثوب الأخلاقية، فقد أبلغت ماري أنه ينبغي عليها قبل الاستجابة إلى مطلبها في اللقاء مع الملكة إليزابث، أن تبرئ نفسها من عدة اتهامات أمام لجنة تحقيق. فأجابت ماري بأنها ملكة، ولا يمكن أن تحاكم أمام مندوبين عاديين، وبخاصة من بلد آخر. وطلبت أن تكون لها حرية العودة إلى إسكتلندة أو الذهاب إلى فرنسا، كما طلبت أن تلتقي بمورتون ولثنجتون في حضرة إليزابث. ووعدت بإثبات إدانتهما في قتل دارنلي...واجتمعت لجنة التحقيق في يورك في أكتوبر 1568. ومثل ماري فيها سبعة أشخاص أهمهم جون لزلي أسقف روس الكاثوليكي، ولورد هريز Herries من إقليم المستنقعات الغربية في إسكتلندة، وهو كاثوليكي أيضاً، وعينت إليزابث ثلاثة من البروتستانت، هم دوق نورفولك، وارل سسكس، وسير رالف سادلر. ومثل أمام اللجنة موري ومورتن ولثنجتون الذين عرضوا "رسائل الصندوق الفضي" على الأعضاء الإنجليز سراً. وقالوا إنه إذا أقرت ماري أن يكون موري وصياً على العرش، وقبلت أن تعيش في إنجلترا على راتب تقاعد كبير تدفعه لها إسكتلندة، فلن تذاع الرسائل. ولكن نورفولك- الذي كان يحلم بالزواج من ماري، ومن ثم يصبح ملكاً على إنجلترا بعد وفاة إليزابث، رفض هذا العرض. أما سسكس فقد كتب إلى إليزابث بأنه يبدو من المرجح أن تكسب ماري قضيتها(50).
وأمرت إليزابث بأن تنتقل المحاكمة إلى وستمنستر. وهناك وضع موري الرسائل أمام المجلس، وانقسم الرأي حول حجية الوثائق، ولكن إليزابث قضت بأنها لن تستقبل ماري قبل أن تثبت عدم صحتها. وطلبت ماري أن تطلع على الرسائل الأصلية أو وصورتها ولكن اللجنة رفضت هذا الطلب، ولتم تطلع ماري قط على أصل الرسائل أو صورها(51). وفي 11 يناير 1569 انفضت اللجنة دون أن تصدر قراراً. واستقبلت إليزابث موري ثم أعيد إلى إسكتلندة ومعه الرسائل. ونقلت ماري- وهي غاضبة متحدية إلى سجن أشد قيوداً في تتبري Tutbury على نهر ترنت، واحتجت الحكومات الأجنبية، ولكن إليزابث أجابت بأنهم لو اطلعوا على الأدلة التي قدمت إلى اللجنة لاعتبروا معاملتها لماري لينة هينة،لا قاسية(52). وأشار السفير الأسباني على فيليب بغزو إنجلترا ووعده بمعاونة شمال إنجلترا الكاثوليكي له، ولكن فيليب تشكك في مثل هذه المعاونة، كما أنذره دوق ألفا بأن إليزابث قد تأمر بقتل ماري عند أول بادرة للغزو أو الثروة.
وقامت الثورة. ففي 14 نوفمبر 1569 قاد ارل نورثمبرلند وارل وستمورلند جيشاً قوامه 5.700 من الثوار إلى درهام، وأطاحوا بمكتب الطائفة الأنجليكانية وأحرقوا كتاب الصلوات العامة، واستردوا المذبح الكاثوليكي، واستمعوا إلى القداس، ودبروا هجوماً على تتبري لإطلاق سراح ماري، ولكن إليزابث فوتت عليهم الفرصة بنقل ماري إلى كونفتري في 23 نوفمبر 1569. وعجل ارل سسكس على رأس جيش معظمه من الكاثوليك، بإخماد الثورة. وأمرت إليزابث "بشنق المقبوض عليهم من المتمردين وأتباعهم المتواطئين معهم، وإلا تنقل جثثهم بل تظل في أماكنها حتى تتساقط إرباً(53)". وبهذا أمكن التخلص من نحو ستمائة رجل وصودرت أملاكهم للتاج، وفر نورثمبرلند ووستمورلند إلى إسكتلندة. وفي فبراير 1570 قاد ليونارد داكريس ثورة أخرى من الكاثوليك، ولكنه هزم أيضاً، وهرب عبر الحدود.
وفي يناير 1570 كتب نوكس إلى سيسل يشير عليه بإصدار أمره بقتل ماري فوراً، "فإنك إذا لم تستأصل الجذور عادت الأغصان التي تبدو ذابلة متكسرة إلى النمو والازدهار(54)، وكان قد فرغ آنذاك من كتابه" تاريخ الإصلاح الديني في مملكة إسكتلندة"- وهو كتاب لا يدعي عدم التحيز: قصصي غير دقيق، ولنه مفعم بالحيوية زاخر بالمعلومات عن سير الأفراد، ذو أسلوب طريف فردي لاذع لأنه صادر عن واعظ لا يخشى في الحق لومة لائم، يصارح كلاً بما فيه دون مواربة. وهو رجل موجع قاس ولكنه عظيم، حقق حلمه في القوة والسيطرة أكثر مما فعل كلفن...وألقى آخر موعظة له في 9 نوفمبر 1572، ورافقه كل شعب الكنيسة إلى مسكنه، ووافاه الأجل في 24 نوفمبر، وهو في السابعة والستين من العمر...ولقد اقتسم نوكس وماري روح إسكتلندة، وكان هو يمثل الإصلاح الديني، وهي تمثل عصر النهضة، واندحرت ماري لأنها- شأنها شأن إليزابث- لم تعرف كيف تزاوج بينهما...وضبطت رسائل ريدولفي ونورفولك لدى من قبض عليهم من خدم ماري والدوق. وأودع السجن نورفولك وروس وعدد من النبلاء الكاثوليك. وحوكم نورفولك بتهمة الخيانة، وصدر الحكم عليه. وترددت إليزابث في التصديق على حكم الإعدام على مثل هذا النبيل البارز العظيم. ولكن سيسل والبرلمان الإنجليزي وأقطاب الكنيسة الأنجليكانية، طالبوا بإعدام نورفولك وماري كليهما. واتخذت إليزابث حلاً وسطاً فأرسلت نورفولك إلى السجن (2 يونية 1572). ولما ترامت إلى إنجلترا أنباء مذبحة سانت برثلميو (22 أغسطس) تعالت الصيحات من جديد، للمطالبة بإعدام ماري(58). ولكن إليزابث أصرت على الرفض...ولن نستطيع أن ندرك مدى يأس ماري ومدى شعورها بفداحة الذنب ألا إذا تذكرنا أنها قضت في الأسر قرابة تسعة عشر عاماً. وكان مكان احتجازها يتغير، باستمرار، مخافة أن العطف الذي يشعر به نحوها أهالي البلاد المجاورة أو سجانوها، يأتي بمؤامرات أخرى أو يغري بها، وكانت شروط احتجازها تتسم بالروح الإنسانية، حيث سمح لها بتسلم معاشها- الفرنسي- 1200 جنيه سنوياً- وأعطتها الحكومة الإنجليزية مبلغاً محترماً للطعام والعلاج الطبي والخدم ووسائل الترفيه وسمح لها بحضور القداس وغيره من الصلوات الكاثوليكية، وحاولت أن تشغل الساعات الطوال بالتطريز والقراءة، وفلاحة البستان واللعب مع كلابها المدللة. ولما تلاشت آمالها في الحرية، فقدت حرصها على العناية بنفسها، ولم تتريض إلا قليلاً، وأصبحت مترهلة بدينة، وأصيبت بالروماتيزم، وتورمت رجلاها في بعض الأحيان إلى حد لا تستطيع معه المشي. وفي 1577، وهي بنت الخمسة والثلاثين عاماً فقط، ابيض شعرها فغطته بشعر مستعار.
قصة الحضارة ج28 ص186-190، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> التكفير
 
ماري ملكة إسكتلندة (8) ووضعت رأسها في المقصلة
1542 - 1587
:"ففي 1586 أغرى جون بللارد وهو قسيس كاثوليكي روماني، أنتوني بابنجتون، وهو شاب ثري كاثوليكي، أغراه بتدبير مؤامرة لقتل إليزابث وغزو إنجلترا بجيوش من فرنسا وأسبانيا والأراضي المنخفضة، وتنصيب ماري على العرش. وكتب بابنجتون إلى ماري بهذا، وأبلغها أن ستة من النبلاء الكاثوليك اتفقوا على التخلص من مغتصبة العرش، وسألها إقرارا للخطة. وفي خطاب مؤرخ في 17 يولية 1586 قبلت ماري مقترحات بابنجتون، ولم توافق موافقة صريحة على قتل إليزابث، ولكنها وعدت بالمكافأة عند نجاح المشروع(62). وكان الرسول الذي عهد إليه سكرتيرها بحمل هذا الرد عميلاً سرياً لولسنهام. فأخذ صورة من كل رسالة وأرسلها إلى ولسنهام، وأرسل أصل الرسالة إلى بابنجتون. وفي 14 أغسطس قبض على بابنجتون وبللارد، وبعد ذلك بقليل أودع السجن نحو ثلاثمائة من أبرز الكاثوليك، واعترف الزعيمان، وأغرى سكرتير ماري بالاعتراف بصحة خطابها(63). وأعدم ثلاثة عشر من المتآمرين...وفي أكتوبر نقلت إلى قلعة فوذرنجاي Fotheringay. وهناك جرت محاكمتها أمام لجنة مؤلفة من ثلاثة وأربعين من النبلاء. ولم يسمح لها بندب من يدافع عنها، ولكنها دافعت عن نفسها في عزم وإصرار. وأقرت باشتراكها في مؤامرة بابنجتون، ولكنها أنكرت إقرارها للقتل، واحتجت بأنها، كإنسان سجن ظلماً وعدواناً لمدة تسعة عشر عاماً، لها كل الحق في تخليص نفسها بأية وسيلة كانت. وأدانتها اللجنة بالإجماع. وطلب البرلمان إلى إليزابث أن تصدر أمرها بإعدامها. ولكن هنري الثالث ملك فرنسا قدم طلباً مهذباً للرأفة. ولكن إليزابث قالت إن مثل هذا الطلب جاء بسند ضعيف من حكومة ذبحت آلافاً من البروتستانت دون محاكمة ...). ولم يبق بين ماري وبين الموت إلا تردد إليزابث.
وانقضت قرابة أشهر ثلاثة تجرر الأيام فيها أذيالها متثاقلة، قبل أن تحزم إليزابث المنهوكة المنزعجة أمرها، ثم لم تفعل شيئاً. كانت قادرة على السماحة والرحمة: ولكنها سئمت حياة الفزع من أن يعاجلها بالقتل في أية لحظة أنصار امرأة تدعي حقاً في عرشها، كما وضعت في اعتبارها خطر غزو إنجلترا من جانب فرنسا وأسبانيا وإسكتلندة احتجاجاً على إعدام ملكة، كما فكرت في إمكان موتها هي، ميتة طبيعية أو بيد أثيمة، وفي وقت يتيسر فيه لماري وللكاثوليكية أن ترثا إنجلترا. وحثها سيسل على توقيع التصديق على حكم الإعدام، ووعد بأن يتحمل هو كل مسئولية نتائجه، وفكرت في أن تتفادى هي حسم الموضوع بالإلماع إلى سير أمياس بولت Amias Paulet، المعين لحراسة ماري، بأنه يمكن أن يضع حداً لهذا الارتباك، بأن يأمر بإعدام ماري، بناء على مجرد فهم شفوي بأن الملكة أو مجلسها يرغبان في ذلك، ولكن بولت أبى أن يتصرف دون أمر كتابي من إليزابث، وأخيراً وقعت التصديق على الحكم...وقيل إنها في صباح اليوم الذي أعدمت فيه، نظمت باللاتينية قصيدة قصيرة...وطلبت أن يسمح لها بالاعتراف أمام كاهنها الخاص الكاثوليكي، فلم تجب إلى طلبها، وأحضر لها سجانوها بدلاً منه قسيساً أنجليكانياً، فرفضته...وسمح لنحو ثلاثمائة من الإنجليز بأن يشهدوا تنفيذ الإعدام، في القاعة الكبرى في حصن فوذرنجاي (8 فبراير 1587) ...ووضعت رأسها في المقصلة، وسقط الشعر المستعار عن رأسها المفصول عن جسدها، وكشف عن شعرها الأشيب. وكانت في سن الرابعة والأربعين.
قصة الحضارة ج28 ص192-184،بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> التكفير
 
موقف ديورانت من قتل ملكة انجلترا لملكة اسكتلندا
:"ولسنا نعتقد أنها، وهي التي سهرت طويلاً على العناية بزوجها حتى استرد صحته وعافيته، كانت قد رضيت عن قتله، ويمكن أن نصفح عن المرأة الشابة التي تخلت عن كل شيء مقابل حب مهماً كان طائشاً، وينبغي أن نرثى للمرأة البائسة التي تخلى عنها أصدقاؤها، والتي قدمت إلى إنجلترا تلتمس ملجأ وملاذاً، فلاقت بدلاً منه تسعة عشر عاماً في غيابة السجن، ويمكننا أن ندرك محاولاتها الجبارة لاسترداد حريتها. كما يمكن كذلك أن نغفر للملكة العظيمة (إليزابث) التي أصر مستشاروها على أن احتجاز ماري بين جدران السجن، أمر حيوي بالنسبة لأمن لإنجلترا وسلامتها، والتي رأت أن حياتها وسياستها مهددتان دوماً بالمؤامرات من أجل إطلاق سراح منافستها، ماري، وإعادتها إلى العرش، والتي أطالت مدة هذا الأسر البغيض القاسي، والتي لم تقنع نفسها بإنهائه بالتصديق على إعدام ماري. وكانتا امرأتين نبيلتين، الواحدة منهما نبيلة سريعة الانفعال، والأخرى نبيلة وحكيمة عاقلة مع شيء من التردد. وترقد كلتاهما الآن في انسجام، الواحدة قرب الأخرى، في كنيسة وستمنستر وقد سويت الخلافات بينهما، في ظل الموت والسلام.
قصة الحضارة ج28 ص194،195،بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> ماري ملكة اسكتلندة -> التكفير
 
قد يقول قائل ولماذا تلهينا برواية اليزابث وماري وأقول إنه بدلا من أن تقرأ الروايات التي تُدعى إليها وتقبل على التأييد والإعجاب، فوراء قصتنا هذه فوائد تاريخية مهمة، تنفعك في فهم تاريخ الصراع العقائدي داخل أوروبا، بين البروتستانتية والكاثوليكية، بعيدا عن الإسلام، أو أثناء الصراع معه، فهنا يمكنك أن ترى عمل القساوسة في إضلال الشعوب وهم هم نفس الباباوات والرهبان والقساوسة التي أشعلوا الحرب على الإسلام في الحروب الصليبية والكتابات الإستشراقية، وحتى النفاق فيما سيأتي مثلاً في القرن الثامن عشر من فولتير وغيره، عندما نافق قومه والسياسيين بعمل مسرحية ضد النبي محمد بينما كانت معركته الحقيقية مع الكنيسة الظالمة، التي لم يجرؤ كثيرا على مواجهتها فكتب بأسماء مستعارة، مجموعة من المقالات والكتب، فهذا هو الجو الغربي، ومثله دانتي،فقد عاني من قومه وعذبوه وحاكموه وهرب منهم ، وآذوه ومع ذلك يكتب في ملهاته عن النبي مايشين دانتي نفسه،ولايشين النبي، ذلك أ الخير الذي قدمه أتباع محمد من العقل والعلم والنور والحضارة استمتع به دانتي نفسه، كما سيأتي عندما نتكلم عن دانتي وكيف عاقبه الله من قومه أيما عقاب بعد كتابته النفاقية أو الكاذبة عن النبي.
فموضوعاتنا التي نختارها لك هنا من قصة الحضارة مقصودة، وليس في شئ منها-من عرضها- لهو أو عبث وإنما لنا قصد في إذاعتها، وهي داخلة في مشروعنا للإستغراب أو إعادة دراسة الغرب لا كما يحاول العلمانيون دراسته وحذف كل مايفضح تلاعباتهم في نقل الفكر الغربي، وكمثال موضوع المطبعة التي جلبها نابليون لمصر، وكأننا أمة لم تقدم شيئا للعالم، وفي جورب المطبعة يخفي الساحر العلماني كافة مبتكرات العلوم الإسلامية في كافة المجالات، لأن ظهورها أمام النظارة المسحورين سوف يبدد اسطورة المطبعة ويفضح غرض إحتفاليتها المستمرة.
والسلام
 
تكلمنا عن الطاغية هنري الثامن ملك انجلترا ثم عن ابنه ثم عن اليزابث ابنته الدموية ثم عن غريمتها -كلهم في القرن ال16-ملكة اسكتلندا التي اعدمتها اليزابث تحت المقصلة لكن المدهش ان طفل ملكة اسكتلندا الذي ولد في ظل مطارادات لوالدته صار بعد فصل رأسها عن جسدها في معتقلها في إنجلترا ، صار ملكا للدولتين ، إنجلترا نفسها واسكتلندا
في المنشورات التالية نعرض مافعله هذا الطاغية ومافعلته المسيحية التي تبناها ضد المسيحية التي لم يتبناها وتماما كما فعل هنري الثامن وابنه واليزابث ابنة هنري واخت الكسيس، وكما فعلت ماري أمه اي ام ملك انجلترا بحسب القانون الإنجليزي!
وهكذا كما يمكن ملاحظته ترى ان تعيين الملوك حتى القرن ال16 على الأقل كان بالوراثة وتقنين الوراثة!
 
جيمس السادس والأول (1) ابن ماري إسكتلندة انجلترا المفوص رأسها بحكم اليزابث ملكة إنجلترا ابنة هنري الثامن
1567 - 1625
:"توج جيمس السادس ملكاً على إسكتلندة (29 يولية 1567) حين كان عمره ثلاثة عشر شهراً، حين كانت أمه سجينة في لوكليفن. وكان عمره ثمانية أشهر حين قتل دارنلي الذي يفترض أنه والده، كما كان يبلغ من العمر عشرة أشهر حين رأى أمه للمرة الأخيرة، ولم تعد له إلا اسماً وخيالاً تغشيه وتلطخه مأساة بعيدة مزرية. وتربى على أيدي لوردات نهازين باحثين عن مصلحتهم ومعلمين معادين لأمه. وتلقى قدراً كبيراً من العلوم الإنسانية، وقدراً أكبر مما ينبغي في اللاهوت، وقدراً ضئيلاً جداً في الأخلاقيات، حتى أصبح أعظم العلماء المسرفين في الشراب في أوربا.
وتولى الحكم باسمه أربعة أوصياء على العرش على التوالي- موري، لنوكس، مار، ثم مورتون، وكلهم عدا واحداً، ماتوا ميتة غير طبيعية"
قصة الحضارة ج28 ص196، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
تعليق
لاحظ سن تعيينه ملكا ولاحظ انه أعظم العلماء المسرفين في الشراب في أوربا.
ويمكن -لاحقا-ملاحظة ان مدعوم كاثوليكيا!
ولسفك الدماء!
 
جيمس السادس والأول(2) ابن ماري ملكة إسكتلندة المفوص رأسها بحكم اليزابث ملكة إنجلترا ابنة هنري الثامن
:"وكان عليه أن يشتق طريقه بالحيلة والدهاء وسط الأفكار العنيفة المتصارعة في أيامه. فإن أسرة جيز في فرنسا، والملك فيليب في أسبانيا، والبابا في روما، تعاهدوا معه على استعادة إسكتلندة إلى حظيرة الكنيسة الكاثوليكية. ولكن الكنيسة الاسكتلندية الوطنية كانت تحسب عليه أنفاسه خشية أن ينحرف عن مذهب كلفن...وأثرت فيه البروتستانتية الظافرة في إنجلترا. وتنبأ بما قدر له مع الكنيسة الوطنية الاسكتلندية.
ولم تكن هذه الكنيسة رفيقاً مشجعاً مريحاً، وما حلت سنة 1583 حتى كان قساوستها يشكلون الأغلبية العظمى من رجال الدين الاسكتلنديين، وكانت مواردهم ضعيفة وحظهم من علوم الدنيا ضئيلاً، ومن ثم انصرفوا إلى العبادة
قصة الحضارة ج28 ص197-198، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
 
الكنيسة الإكستلندية للقرن ال16)(فعلوا مافعله أسلافهم، يقول ديورانت) زمن جيمس السادس والأول(2) ملك اسكتلندا وانجلترا معا وهو ابن ماري ملكة إسكتلندة
تزعم تلك الكنسية أنها موحى لها هي من الله
فلننظر ماذا فعلت؟
لكن نذكر أولا قول ديورانت عنها
:"الكنيسة الوطنية الاسكتلندية.
ولم تكن هذه الكنيسة رفيقاً مشجعاً مريحاً، وما حلت سنة 1583 حتى كان قساوستها يشكلون الأغلبية العظمى من رجال الدين الاسكتلنديين، وكانت مواردهم ضعيفة وحظهم من علوم الدنيا ضئيلاً، ومن ثم انصرفوا إلى العبادة ...ولما كانوا يزعمون أنهم يتلقون الوحي من عند الله، ومن ثم فإنهم معصومون من الخطأ في ناحية العقيدة أو في الناحية الأخلاقية، فإنهم فرضوا على السلوك العام والخاص رقابة أقسى بكثير منها على عهد حراس أو حماة المذهب القديم المتراخين. وفي كثير من المدن فرضوا غرامات على الاسكتلنديين الذين لم يحضروا الصلوات البروتستانتية...وفعلوا ما فعله أسلافهم من اعتبار الهرطقة جريمة عقوبتها الإعدام. وتعقبوا السحرة في حماسة بالغة وأقروا إعدامهم حرقاً(4)... وعندما ترامت إليهم أنباء مذبحة سانت برثلميو، دعت الكنيسة الاسكتلندية البروتستانتية إلى تدبير مذبحة مماثلة للكاثوليك في إسكتلندة، ولكن الحكومة أغفلت هذا النداء(5).
وباستثناء ادعاء نزول الوحي على القساوسة وعصمتهم من الخطأ، كانت الكنيسة الوطنية الاسكتلندية (البروتستانتية) أكثر النظم ديمقراطية في عصرها(...)...ولما كان جيمس يفكر ويجادل-وربما يعتقد ويؤمن-في أنه يحكم بمقتضى الحق الإلهي، فإنه شكا من أن "جماعة من القساوسة الملتهبين حماسة وغيرة ...في الكنيسة البروتستانتية، ملكوا قيادة الشعب على هذا النحو، وأنهم عندما استساغوا طعم الحكم وتلذذوا بحلاوته، بدءوا يفكرون في شكل ديموقراطي... لقد شوهوا سمعتي وافتروا عليَّ في مواعظهم، لا لأية رذيلة في شخصي، بل لأني ملك اعتبروه أكبر رذيلة(6)". وبذلك استؤنف نزاع العصور بين الكنيسة والدولة.
واتخذ النزاع آنذاك شكل هجوم أو حملة من القساوسة على الأساقفة. وكان هؤلاء-وهذا تراث كاثوليكي للكنيسة الاسكتلندية البروتستانتية-يختارون شكلاً بواسطة القساوسة ولكن كانوا فعلاً يعينون، وغالباً ما يفرضون على الأكليروس بواسطة الوصي أو الملك. وكانوا يسلمون قدراً كبيراً من إيرادات الكنيسة في الحكومة. ولم يجد القساوسة في الكتب المقدسة سنداً أو أساساً للنظام الأسقفي، ومن ثم عقدوا العزم على التخلص منه في إسكتلندة
قصة الحضارة ج28 ص198-199، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
 
الحاكم المطلق بعد فصل رأس أمه ماري ملكة إنجتراأواخر القرن ال16
جيمس السادس والأول(3) ابن ماري ملكة إسكتلندة المفوص رأسها بحكم اليزابث ملكة إنجلترا ابنة هنري الثامن
قال ديورانت
:"لما كان جيمس يفكر ويجادل-وربما يعتقد ويؤمن-في أنه يحكم بمقتضى الحق الإلهي، فإنه شكا من أن "جماعة من القساوسة الملتهبين حماسة وغيرة ...في الكنيسة البروتستانتية، ملكوا قيادة الشعب على هذا النحو، وأنهم عندما استساغوا طعم الحكم وتلذذوا بحلاوته، بدءوا يفكرون في شكل ديموقراطي... لقد شوهوا سمعتي وافتروا عليَّ في مواعظهم، لا لأية رذيلة في شخصي، بل لأني ملك اعتبروه أكبر رذيلة(6)". وبذلك استؤنف نزاع العصور بين الكنيسة والدولة. ...على أن جيمس، على أية حال، أراد أن يكون حاكماً مطلقاً مثل هنري الثامن وإليزابث، وآمن بأن نظام الأساقفة ضروري للإدارة الكنسية، كما أنهم وسطاء مريحون بين الكنيسة والدولة.
قصة الحضارة ج28 ص198-199، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
 
جيمس السادس والأول(4) ابن ماري ملكة إسكتلندة المفوص رأسها بحكم اليزابث ملكة إنجلترا ابنة هنري الثامن
:"وأقر برلمان 1529، بموافقته التامة، مرسوماً يحتفظ للكنيسة الاسكتلندية الوطنية (البروتستانتية)
بحريتها، ويعيد إليها سلطاتها في الشئون القضائية والضبط، ويلغي نظام الأساقفة. وعاد المنفيون.
قصة الحضارة ج28 ص200،201، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
 
مشاغبة البروتستانتية (كانوا منفيون ورجعوا) على الملك جيمس الأول الحاكم المطلق كما تصور (ملك إنجلترا واسكتلندا) ابن ماري(ملكة إنجلترا) المفصول رأسها عن جسدها في إنجلترا تحت حكم اليزابث ابنة هنري الثامن (القرن ال16) وعلى رأس الكاثوليكية
يومذاك كان دافيد بلاك
قال ديورانت
:"وأمر جيمس بمحاكمته-يقصد دافيد بلاك- غيابياً. فذهبت إليه لجنة من القساوسة، ولكن الملك لم يعالج الأمر بنجاح، بل على العكس، طالب بأن تخضع لتصديقه كل قرارات الجمعية الكنسية والبرلمان. ودعا القساوسة إلى صوم عام،وأعلنوا منذرين متشائمين، أنه مهما حدث من شيء "فإنهم أبرياء من دم جلالته(10)".
وتجمع حشد من المشاغبين حول المبنى الذي كان يقيم فيه جيمس (17 ديسمبر 1596) فهرب إلى قصر هوليرود. وفي صباح اليوم التالي غادر أدنبرة مع كل حاشيته. وأعلن إلى سكانها، عن طريق مناد ينطق باسمه، أنها لم تعد تصلح لتكون عاصمة، وأنه لن يعود إليها إلا لتنفيذ الحكم على الثوار والعصاة، وأمر كل الأكليروس وغير المتوطنين بمغادرة المدينة. ولما لم يجد المشاغبون أحداً ليقتلوه، تفرقوا. وحزن التجار على فقدانهم ما كان يعود عليهم من ربح في التعامل مع الحاشية. وتساءل المواطنون في دهشة: هل كان النزاع يستحق الاستشهاد الاقتصادي، وعاد جيمس إلى المدينة في ظفر مشوب بالغضب (1 يناير 1597)...وسمح للقساوسة البروتستانت بعد ذلك بالعودة إلى العاصمة (1597). ولكن أعيد نظام الأساقفة. وغطت هدنة كئيبة منكودة على الحرب القديمة بين الكنيسة والدولة.
قصة الحضارة ج28 ص201، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
 
أمل في الغرب وسط الدماء والباباوية والحاكم المطلق جيمس السادس والأول ابن ماري ملكة إسكتلندة المفصول رأسها بحكم اليزابث ملكة إنجلترا ابنة هنري الثامن هو جورج بوكانان
قال ديورانت :" وكانت سيرة حياة جورج بوكانان مدهشة، فقد ولد في سترلنجشير في 1506، ودرس في باريس، وخدم العلم في فرنسا وإسكتلندة، ونهل الحماسة الفلسفية والسياسية من محاضرات جون ميجر، وعاد من أجل الحب والعلم إلى باريس: ورجع أدراجه إلى إسكتلندة هرطيقاً هجاءً لاذعاً، وأودعه السجن الكاردينال بيتون، فهرب إلى بوردو، وقام هناك بتدريس اللاتينية، وكتب قصائد ومسرحيات بلغة لاتينية جيدة إلى حد كبير، وشاهد تلميذه مونتاني يمثل في إحدى هذه الزاويات، ورأس إحدى الكليات في كوامبرا، وسجنته محكمة التفتيش الأسبانية لسخريته من الأخوة (في فرقة دينية)، وعاد إلى إسكتلندة وفرنسا، ثم إسكتلندة حيث تولى تعليم ماري ملكة إسكتلندة (1562)، وعين رئيساً للجمعية العامة (1567) وأعلن صحة "رسائل الصندوق الفضي" واتهم بتزييف قسم منها(11). وأدان-ماري بلا هوادة ولا رحمة في كتابه "كشف النقاب عن حكم ماري" (1571) وتولى التدريس لابنها على الرغم من اعتراضها على ذلك، وتخلى عن هذه المهمة (1582). وجد وجاهد في كتابه "تاريخ إسكتلندة" (1579) لتخليص تاريخ بلاده من "القيود الإنجليزية والغرور الإسكتلندي". وأكد من جديد في رسالته "الحكم الشرعي في إسكتلندة"-على الرغم من تلميذه الذي سيصبح عما قريب ملكاً مستبداً-أكد نظرية العصور الوسطى القائلة بأن المصدر الوحيد للسلطة السياسية، بعد الله، هو الشعب، وأن كل مجتمع يرتكز على عقد اجتماع ضمني يقوم على التزامات وقيود متبادلة بين المحكومين والحكام، وأن لإرادة الأغلبية، بحق أن تحكم الكل، وأن الملك يجب أن يخضع للقوانين التي يقرها ممثلو الشعب، وأنه يمكن بحق أيضاً مقاومة الطاغية أو عزله أو قتله(12). فأنت ترى أن أسطورة العقد الاجتماعي ظهرت هنا قبل هوبز بقرن من الزمان، وقبل مجيء روسو بقرنين. وشجب البرلمان الاسكتلندي كتاب بوكانان، وأحرقته جامعة أكسفورد،
قصة الحضارة ج28 ص202، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
تعليق
:هل احتجنا في تاريخنا الاصلي والاصيل ، في الزمن الجميل، ألف سنة مما تعدون،بل تزيد ، زمن طويل المدة والحضارة ، لهذه التطورات ، اي الانتقال من فكر كفكر باباوات المسيحية وقساوستها في فلسفة فكرة الحاكم المطلق والنائب المطلق عن الله وتبريرها وتمريرها كمقدس!،إلى عقد إجتماعي أو بذرة تحتاج قرون وينزف من أجلها دماء شعوب من أجل تحقيقها أو تنميتها ؟ مع العلم أن ماحدث في الغرب كان بتأثير الإسلام غالبا، ولاننف العوامل الأخرى داخل أوروبا، فلسفية وإقتصادية وإجتماعية وقتالية، ومسيحية تطورت بتاثير الإسلام نفسه وعالمه الواقعي، الم يفتح الإسلام مجال الشوري ويغلق مجال التقديس للبشر والحاك المطلق، ألم يقل أبو بكر أنه لابد من تقويمه إن أخطأ وكذلك قال عمر رضي الله عنهما
 
قساوسة يفلسفون الحكم المطلق للملوك أمثال جيمس السادس والأول-ومن قبله- وهو ابن ماري ملكة اسكتلندا المفصول رأسها بقرار من اليزابث ملكة إنجلترا ابنة الحاكم المطلق الدموي هنري الثامن!
قال ديورانت:"وذهب صمويل جونسون إلى القول بأن بوكانان هو العبقري الوحيد الذي أنجبته إسكتلندة(13). وأسبغ هيوم، في تواضع، هذا الامتياز على نابيير (عالم رياضيات اسكتلندي 1550-1617، مخترع اللوغاريتمات)، أما المؤرخ الاسكتلندي كاريل فقد خص به نوكس، حيث كان من أشد المعجبين به. أما جيمس السادس فقد كان له آراؤه الخاصة في هذه المسألة.
وكان الملك مزهواً فخوراً بكتبه قدر زهوه وفخره بحقوقه وامتيازاته. وفي 1616 نشر مجلداً ضخماً "أعمال الأمير، الأعظم والأقوى جيمس"، وهو مهدي إلى يسوع المسيح. وكتب قصائد، ونصائح إلى الشعراء، وترجمة "للمزامير"، ودراسة لسفر الرؤيا، ورسالة عن "الشياطين" وكتابين من (قطع الثمن) دفاعاً من الملكية المطلقة، أحدهما وهو "إلهية الملكية" (1598) كان كتاب نصائح لابنه هنري في فن الحكم وواجباته، أكد حكم الكنيسة على أنه "ليس بالجزء اليسير من مهمة الملك". أما الثاني وهو "القانون الحقيقي للملكيات الحرة" فقد شرح فيه الحكم المطلق ودافع عنه في فصاحة هائلة: إن الملوك مختارون من عند الله، ما دامت الأحداث الهامة تفرضها العناية الإلهية، وأن تعيينهم ومسحهم بالزيت يشكلان سراً مقدساً لا يجوز النطق به، مثلهما في ذلك مثل أي سر مقدس آخر. ومن ثم كان لهم كل الحق في
أن يكون حكمهم مطلقاً، وأن معارضتهم تعتبر حماقة، وجريمة، وإثماً من شأنه أن
يفضي إلى الضرر أكثر من أي طغيان. إن هذا الذي كان بالنسبة لإليزابث أسطورة
نافعة، أصبح بالنسبة لجيمس مبدأ عاطفياً، ولد لأم ملكة. وورث عنه ابنه شارل
النظرية، ودفع الثمن أو تلقى القصاص.
قصة الحضارة ج28 ص203، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس الأول ملك انجلترا
 
لحظة وضعه على العرش المطلق، كبروتستانتي (لا ككاثوليكي.. إنتبه!) والمدهش أن ذلك حدث بعد وضع أمه تحت المقصلة الإنجليزيةب قرار من الملس الإنجليي تحت ظل حاكمية اليزابث ابنة هنري الثامن
انه جيمس السادس والأول
بن ماري ملكة اسكتلندا المفصول رأسها بقرار من اليزابث ملكة إنجلترا ابنة الحاكم المطلق الدموي هنري الثامن!
:"وبعد أن شرب جيمس نخب البروتستانتية وتعهد بالتزامها، اعترف مجلس شورى الملكة إليزابث به وريثاً للتاج الإنجليزي، عن طريق أمه ماري. وبعد مضي أربعة أيام على وفاة إليزابث، بدأ جيمس (5 أبريل 1603) رحلة بهيجة مرحة من أدنبرة إلى لندن، وتوقف، متمهلاً، في الطريق، ليحتفي به النبلاء الإنجليز، وفي 6 مايو وصل إلى لندن التي أخذت زخرفتها وزينت للترحيب به-انحنت الجماهير له، وقبل اللوردات يديه. وبعد ألف سنة من صراع عقيم لا غناء فيه اتحدت الأمتان (ولم يتحد البرلمان قبل 1707) وهكذا كان عقيم إليزابث نافعاً مثمراً.
قصة الحضارة ج28 ص204، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
 
ملك مسيحي لايستحم في القرن ال16 ميلادي!!
الحاكم المطلق جيمس الأول (لبلدين، إنجلترا واسكتلندا) غارق في شهوات الملك والمملكة بعد أن قتلوا أمه-ماري- بالإعدام تحت المقصلة.. في إنجلترا بقرار من اليزابث ابنة هنري الثامن
قال ديورانت
:"أي صنف من الرجال كان قد أصبح جيمس في سبع وثلاثين سنة؟ كان متوسط القامة، ذا رجلين ضعيفتين، وكرش صغير، يرتدي سترة ضيقة وبنطلوناً محشوين أو مبطنين حتى يمنعا وصول نصال السفاحين إلى جسمه، وكان شعره ذا لون أسمر بني، وخلداه متوردين، وأنفه مكور، تشع من عينيه الزرقاوين نظرات الارتياب والحزن...ولم يكن جيمس يحب الماء كثيراً إلى حد أنه كره استخدامه لأغراض الغسل. وكان يدمن على الشراب، وأباح في بعض حفلات حاشيته أن تسرف النساء والرجال في الشراب حتى تلعب الخمر برءوس الجميع وينتهي الأمر إلى ثمل عاطفي. ودرجت الحاشية على الإسراف في الملابس وفي الحفلات، إسرافاً لم يسبق له مثيل في بلاط إليزابث. وكانت إليزابث تميل إلى التمثيليات التنكرية، ولكن أما وقد كتب بن جونسون الرواية، وصمم إنيجو جونز الملابس والمناظر، وقام بالأدوار فيها اللوردات العظام والسيدات الفاتنات، وكأنما ارتدى الجميع، من شدة البذخ، أموال المملكة، فإن الفن الخرافي الغريب غير الواقعي بلغ الآن ذروته. وبلغ الاستهتار والخلاعة. والفساد في البلاط مبلغاً لم يسبق له مثيل. حتى جاء على لسان سيدة في إحدى روايات جونسون قولها. "أعتقد أنني إذا لم أجد من يحبني غير زوجي المسكين، فلسوف أشنق نفسي(15)". وقبل أفراد الحاشية "هدايا" قيمة مقابل استغلال نفوذهم في الحصول على المراسيم والتراخيص والاحتكارات والمناصب لمن يطلبها. من ذلك أن البارون مونتاجو دفع عشرين ألفاً من الجنيهات مقابل تنصيبه وزيراً للخزانة(16). وروى بسند ضعيف، أن رجلاً حساساً رقيقاً مرض وفاضت روحه عندما سمع كم دفع أصدقاؤه مقابل تعيينه قاضياً محلياً(17).
ولم يول جيمس مثل هذه المسائل كلها اهتماماً كبيراً. ولم يجهد نفسه كثيراً في شئون الحكومة. وترك إدارة البلاد لمجلس الشورى الذي يتألف من ستة من
قصة الحضارة ج28 ص205، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس السادس ملك اسكتلندة
 
أوامر جيمس الأول ملك إنجلترا وسكتلندا إعتبرها وإعتبرها إلهية لا إجتهادية!!!(القرن ال16)
وهو ابن ماري ملكة اسكتلندا المفصول رأسها بأمر اليزابث ملكة إنجلترا!
قال ديورانت :" إنه لم يكتف بممارسة كل السلطات التي كان هنري الثامن وإليزابث قد سيطرتا بها على مشرعيهما المتذمرين أو الذين روعهم التهديد، إنه صاغ دعاواه على أنها أوامر إلهية. فأعلن إلى برلمان 1609:
إن مقام الملكية هو أسمى شيء في الأرض. لأن الملوك لا يقومون مقام الله على الأرض ويجلسون على عرش الله. فحسب، بل إن الله نفسه يسميهم آلهة أو أرباباً.... إن الملوك يسمون بحق آلهة، لأنهم يمارسون شيئاً شبيهاً بالسلطة الإلهية على الأرض. إنكم لو تدبرتم في صفات الله لوجدتموها مجتمعة ومتفقة في شخص الملك. إن الله قادر على الخلق أو التدمير والإفناء، على البناء والهدم، وفق مشيته، يبعث الحياة أو يرسل الموت، يحاسب كل الناس ولا يحاسبه أحد... وللملوك نفس القدرة أو القوة. إنهم يصنعون رعاياهم أو يحطمونهم، ولهم القدرة، ولهم الكلمة العليا على كل رعاياهم، وفي كل الأمور، ومع ذلك لا يحاسبهم أحد إلا الله وحده. ولهم السلطة في أن يجعلوا... من رعاياهم قطع شطرنج يحركونها كيف شاءوا- فالبيدق يطيح بأسقف أو بفارس- فيرفعون أياً من رعاياهم إلى عنان السماء أو يخسفون به الأرض، وكأنما يتصرفون في أموالهم(20).
وكانت هذه الخطوة إلى الوراء، لأن النظرية السياسية في العصور الوسطى، كانت ق
د جعلت الملك دوماً. نائباً عن الشعب صاحب السيادة. والبابوات فقط هم الذين أعلنوا أنهم نواب الله على الأرض.
قصة الحضارة ج28 ص207، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس الأول ملك انجلترا
 
انتقال دعوى الإلهية من الباباوية إلى السلطة السياسية الحاضرة في المشهد الدموي زمن هنري الثامن واليزابث واسكندر وماري واليوم جيمس الأول(القرن ال16)
لافرق بين البروتستانت والكاثوليكية في ذلك
وكلام لديورانت يفسر الأمر
:"كان جيمس يتابع مع البرلمان مناقشته التي كان لا بد أن تتمخض في عهد ابنه عن الحرب الأهلية وقتل الملك. إنه لم يكتف بممارسة كل السلطات التي كان هنري الثامن وإليزابث قد سيطرتا بها على مشرعيهما المتذمرين أو الذين روعهم التهديد، إنه صاغ دعاواه على أنها أوامر إلهية. فأعلن إلى برلمان 1609:
إن مقام الملكية هو أسمى شيء في الأرض. لأن الملوك لا يقومون مقام الله على الأرض ويجلسون على عرش الله. فحسب، بل إن الله نفسه يسميهم آلهة أو أرباباً.... إن الملوك يسمون بحق آلهة، لأنهم يمارسون شيئاً شبيهاً بالسلطة الإلهية على الأرض. إنكم لو تدبرتم في صفات الله لوجدتموها مجتمعة ومتفقة في شخص الملك. إن الله قادر على الخلق أو التدمير والإفناء، على البناء والهدم، وفق مشيته، يبعث الحياة أو يرسل الموت، يحاسب كل الناس ولا يحاسبه أحد... وللملوك نفس القدرة أو القوة. إنهم يصنعون رعاياهم أو يحطمونهم، ولهم القدرة، ولهم الكلمة العليا على كل رعاياهم، وفي كل الأمور، ومع ذلك لا يحاسبهم أحد إلا الله وحده. ولهم السلطة في أن يجعلوا... من رعاياهم قطع شطرنج يحركونها كيف شاءوا- فالبيدق يطيح بأسقف أو بفارس- فيرفعون أياً من رعاياهم إلى عنان السماء أو يخسفون به الأرض، وكأنما يتصرفون في أموالهم(20).
وكانت هذه الخطوة إلى الوراء، لأن النظرية السياسية في العصور الوسطى، كانت قد جعلت الملك دوماً. نائباً عن الشعب صاحب السيادة. والبابوات فقط هم الذين أعلنوا أنهم نواب الله على الأرض. ولكن نضفي على هذه الدعوى أفضل واجهة فلسفية، يجدر بنا أن نفترض أن البابوات- بوصفهم الرؤوس العليا للسيادة والسلطان في العصور الوسطى، كانوا قد آمنوا بأن الدوافع الفردية في الإنسان قوية إلى حد أن الإبقاء على النظام الاجتماعي لا يتأتى إلا بأن يغرس في نفوس الناس، إجلال تقيلدي للسلطة الدينية، وللبابوات بوصفهم صوت الله وممثليه. ولكن إضعاف الإصلاح الديني للسلطة البابوية أو هدمها. كان قد ترك السلطات السياسية مسئولة في المقام الأول، أو في النهاية، عن النظام الاجتماعي. وحكم هؤلاء أيضاً بأن السلطة البشرية الخالصة عرضة للتحدي، إلى درجة أنها لا تقوى على كبح جماح النزعات غير الاجتماعية في الإنسان، بطريقة فعالة أو من الناحية الاقتصادية. ومن ثم نمت نظرية حق الملوك الإلهي، جنباً إلى جنب، مع تطور القومية والانتقاص من سلطة البابوات. وبعد أن تولى الأمراء اللوثريين في ألمانيا، السلطات الروحية التي كانت للكنيسة القديمة في بلادهم، أحسوا بأنهم محقون في أن يحيطوا أنفسهم بالهالة الإلهية التي اعتقد معظم الحكام والملوك قبل 1789 أنها أساسية لا يستغني عنها للسلطة الأدبية والسلام الاجتماعي. وأخطأ جيمس في التعبير عن هذا الافتراض بوضوح أكثر مما ينبغي، وفي أشد صيغة تطرفاً.
وكان من الجائز أن يتقبل البرلمان، قبولاً نظرياً (مع ابتسامات خاصة) هذه الاستبدادية الملكية، إذا كان أعضاؤه، كما كان الحال مع إليزابث وهي في أوج عظمتها، من كبار ملاك الأراضي- الذين كانوا مدينين لملوك التيودور بأعمال جليلة بطولية. ولكن مجلس العموم الآن كان يضم بين أعضائه البالغ عددهم 467 عضواً، كثيراً من ممثلي الطبقات التجارية الناشئة الذين لا يستسيغون سيطرة ملكية بلا حدود على أموالهم- إلى جانب كثير من البيوريتانيين الذين ينكرون على الملك
دعواه في أن يحكم ديانتهم. وحدد المجلس حقوقه في إغفال جريء لألوهية جيمس، أو حقوقه الإلهية. وأعلن أنه له القول الفصل في صحة انتخاب أعضائه. وطالب بحرية الكلام، وحصانة أعضائه ضد القبض عليهم في أثناء انعقاده، وأثبت أنه بغير هذا لا يكون للبرلمان أي معنى أو قيمة. واقترح أن يتولى التشريع في المسائل الدينية، وأنكر سلطة الملك في الفصل في مثل هذه المسائل دون موافقة البرلمان. على أن الأساقفة الأنجليكانيين على أية حال طالبوا بحث المجمع الكنسي الأنجليكاني في الفصل في الأمور الكنسية، على أن تخضع قراراته لموافقة الملك. وأبلغ رئيس مجلس العموم جيمس أنه ليس للملك أن يسن قانوناً، ولكن يستطيع فقط أن يعتمد أو يرفض أي قانون يجيزه البرلمان. وأعلن المجلس في يونية 1604: "أن امتيازاتنا وحرياتنا هي حقوقنا وتراثنا القانوني... وليست بحال من الأحوال أقل شأناً من أراضينا ومتاعنا... ولا يمكن انتزاعها منا، دون أن يكون في ذلك إساءة صارخة إلى المملكة بأسرها(21)".
وهكذا نسجت خيوط النزاع التاريخي بين "حقوق" الملك و "امتيازات" البرلمان، هذا النزاع الذي قدر له أن يخلق ديموقراطية إنجلترا، بعد مائة من السنين توالت فيها الانتصارات والهزائم.
قصة الحضارة ج28 ص207-209، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس الأول ملك انجلترا
 
حرق من أنكر ألوهية المسيح
بأمر من جيمس الأول ملك إنجلترا أواخر القرن ال16 وبداية القرن ال17
وانظر-ايضا في ذلك الزمن-كيف تجري عملية ابتداع ترجمات للكتاب المقدس وفي ظل أي ظروف وعوالم، وكيفف تجري عملية تنصيب ملك نائبا عن الله، وكيف كانت تعيش أفكار القرون الوسطى المسيحية في دمويتها وإختلافاتها في أصل العقيدة عن أكل جسد الرب وشرب دمه، وليس في مسائل فقهية!
قال ديورانت عن الملك جيمس الأول ابن ماري ملكة اسكتلندا(القرن ال16) اتي أعدمت في إنجلترا أواخر القرن تحت المقصلة
:"وفوق الصراع الاقتصادي والسياسي استعرت نار الحرب الدينية، ضاربة فيه بجذور عميقة. وكانت معظم النشرات التي سممت جو، عبارة عن حملات عنيفة شنها البيوريتانيون على الأساقفة والطقوس الأنجيليكانية، أو الأنجيليكانيون على صرامة البيوريتانيين وعندهم، أو شنها هؤلاء وهؤلاء على مؤامرات الكاثوليك لإعادة إنجلترا إلى حظيرة البابوية. ولم يقدر جيمس فظاعة هذه البغضاء، وكان يحلم "بوفاق شبه ودي" بين البيوريتانيين والأنجليكانيين، ولهذا الغرض دعا زعماء الفريقين إلى مؤتمر في "هامبتون كورت" (14 يناير 1604). ورأس هو الاجتماع، وكأنه "قسطنطين آخر"، وأدهش الطرفين كليهما بعلمه اللاهوتي وبراعته في الجدل والمناقشة، ولكنه أصر على "مذهب واحد، ونظام واحد، وديانة واحدة شكلاً وموضوعاً(22)"، وأعلن أن النظام الأسقفي أمر لا معدي عنه. وذهب أسقف لندن إلى أن الملك ملهم من عند الله، "وأنه لم ير له مثيل منذ عهد المسيح(23)". ولكن البيوريتانيين شكوا من أن الملك تصرف وكأنه طرف في الدعوى، أكثر منه حكماً أو قاضياً فيها، ولم يتمخض المؤتمر عن شيء اللهم إلا القرار التاريخي الذي لم يكن يتوقعه أحد، إلا وهو إعداد ترجمة جديدة للكتاب المقدس. وأصدر المجمع الكنسي الأنجليكاني في 1604 بعض القوانين التي تطلب من كل رجال الدين إتباع القواعد الكنسية الأنجليكانية. وفصل الذين رفضوا الامتثال، وسجن آخرون، واستقال كثيرون، وهاجر فريق آخر إلى هولندا وأمريكا.
وجلب جيمس على نفسه الخزي والعار بإحراق اثنين من طائفة الموحدين (الذين يرفضون التثليث ويقولون بالتوحيد) بتهمة الشك في ألوهية المسيح، برغم البراهين التي قدمها الملك إليهم (1612). ولكنه أحسن صنعاً في أنه لم يجز بعد ذلك الإعدام بسبب الخلاف الديني، فكان هذان الاثنان آخر من لقي حتفه بتهمة الكفر في إنجلترا. وباطراد التحسن في الحكومة الدنيوية، أخذت تسود. في بطء، الفكرة القائلة بأن التسامح الديني ينسجم مع الأخلاق العامة والوحدة الوطنية، وتغزو ما كان راسخاً في الأذهان، بطريقة تكاد تكون شاملة، من أن النظام الاجتماعي يتطلب ديانة وكنيسة لا
ينازعهما أحد. وحاول ليونارد بوشر في كتابه "السلام الديني" (1614) أن يدلل على أن الاضطهاد الديني يوسع هوة الخلاف ويؤدي حتماً إلى النفاق، ويضر بالتجارة، وذكر جيمس بأن "اليهود والمسيحيين والأتراك المسلمين متسامحون في القسطنطينية، ومع ذلك فهم جميعاً مسالمون ويعيشون في سلام(24)" على أن بوشر هذا يرى أن الأفراد الذين تشوب عقيدتهم شائبة الخيانة-ولعله يقصد الكاثوليك الذين يرفعون البابا فوق منزلة الملك-ينبغي أن يحرم عليهم عقد الاجتماعات، أو الإقامة في أبعد من عشرة أميال من مدينة لندن.
قصة الحضارة ،بداية عصر العقل ج28 ص209-210، ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> مؤامرة البارود
 
قوانين التشرد والتسكع في القرن ال16
"واتسم الصراع بين الطبقات بمرارة، قل أن عرف لها مثيل منذ عهد سبارتاكوس (زعيم ثورة العبيد 71 ق.م.) وخير شاهد على ذلك ثورة الأهالي في أسبانيا، وحرب الفلاحين في ألمانيا، وثورة كت Ket في إنجلترا. وكثرت الإضرابات، ولكنها كانت تخمد بائتلاف أرباب العمل مع الحكومة. وفي 1558 قررت نقابة عمال النسيج التي كان يسيطر عليها السادة أن أي عامل يرفض العمل بمقتضى الشروط التي يضعها رب العمل يسجن لأول مخالفة، ثم يضرب بالسياط ويوصم بالعار في الثانية. وكانت قوانين التشرد في عهد هنري الثامن وإدوارد السادس من القسوة والوحشية إلى حد أن قلة قليلة من العمال تجاسروا على أن يوجدوا متعطلين بلا عمل. ونص قانون 1547 على أن أي عامل قادر من الناحية الجسمانية يترك عمله ليتسكع في البلاد كالمتشردين، يجب أن يدمغ صدره بحرف "V" (الحرف الأول من Vagabond متشرد)، ويدفع به بوصفه عبداً رقيقاً إلى أحد المواطنين في الجهات المجاورة، لمدة عامين، ليعيش على "الخبز والماء وقليل من الشراب وحثالة اللحم"، فإذا لم يرتدع وتكرر منه التشرد، دمغ على خده أو جبهته بحرف "S" (Slave عبد) وحكم عليه بالاسترقاق طيلة حياته(9). وبفضل الشعب الإنجليزي، وكان فخراً وشرفاً له، أنه لم يمكن تطبيق هذه الإجراءات وسرعان ما أبطلت، ولكنها تكشف عن طباع حكومات القرن السادس عشر
قصة الحضارة ج26 ص189، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> الاقتصاد
 
يافيلدرز
مايخفيه العلمانيون دوما
"متسامحون في القسطنطينية"!!
زمن الدموية المسيحية والاضطهاد المتبادل بين البروتستانت والكاثوليك كان الاسلام ينشر التسامح داخليا
:"وجلب جيمس على نفسه الخزي والعار بإحراق اثنين من طائفة الموحدين (الذين يرفضون التثليث ويقولون بالتوحيد) بتهمة الشك في ألوهية المسيح، برغم البراهين التي قدمها الملك إليهم (1612). ...وحاول ليونارد بوشر في كتابه "السلام الديني" (1614) أن يدلل على أن الاضطهاد الديني يوسع هوة الخلاف ويؤدي حتماً إلى النفاق، ويضر بالتجارة، وذكر جيمس بأن "اليهود والمسيحيين والأتراك المسلمين متسامحون في القسطنطينية، ومع ذلك فهم جميعاً مسالمون ويعيشون في سلام(24)" "
قصة الحضارة ،بداية عصر العقل ج28 ص210، ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> جيمس الأول ملك انجلترا
 
جيمس الأول ملك إنجلترا البروتستانتي يضطهد الكاثوليك(القرن ال17)
إرسال أي فرد للدراسة في جامعة أو معهد لاهوتي في الخارج كان يعاقب عليه بغرامة قدرها مائة جنيه
فرض على كل الكاثوليك الذين يمتنعون عن إقامة الصلوات الأنجليكانية غرامة قدرها عشرون جنيها في الشهر
:"
:"كان جيمس في أغلب الأحوال دوجماتياً متسامحاً (الجزمية، الدوجماتية: توكيد الرأي أو القطع به، بفطرته ودون مبرر كاف، أو دون أن يكون مبنياً على مقدمات سليمة موثوقة). لقد أغضب البيوريتانيين بتشجيعه الألعاب الرياضية في أيام الآحاد، شريطة حضور الصلوات الأنجليكانية أولاً. وكان ميالاً إلى إرخاء قبضة القانون على الكاثوليك. وبرغم معارضته روبرت سيسل والمجلس، أوقف قوانين العصيان، وأباح للقساوسة دخول الريف وإقامة القداس في الدور الخاصة. وعلى طريقته الفلسفية غير المحكمة، راوده حلم التوفيق بين الكاثوليكية والبروتستانتية في العالم المسيحي(25). ولكن عندما تكاثر عدد الكاثوليك بفضل هذه البارقة من النور والأمل، وندد البيوريتانيون بتساهله، أجاز تجديد قوانين إليزابث المعادية للكاثوليك، والتوسع فيها وتطبيقاتها (1604). من ذلك أن إرسال أي فرد للدراسة في جامعة أو معهد لاهوتي في الخارج كان يعاقب عليه بغرامة قدرها مائة جنيه. ونفيت وأبعدت كل الإرساليات الكاثوليكية، وحرم أي تعليم كاثوليكي. وفرض على كل الكاثوليك الذين يمتنعون عن إقامة الصلوات الأنجليكانية غرامة قدرها عشرون جنيها في الشهر، وسيتتبع أي تخلف عن دفع مثل هذه الغرامات مصادرة الممتلكات الأصلية أو الشخصية، والاستيلاء على الماشية في أرض المقصر في الدفع، وعلى أثاثه وملابسه، لمصلحة التاج(26).
ورأى أشباه المخبولين من الكاثوليك أنه لم يعد أمامهم الآن من علاج لهذه الحالة إلا القتل.
قصة الحضارة ج28 ص211، بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلترا -> جيمس السادس والأول -> مؤامرة البارود
 
عودة
أعلى