التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

الصراع المسيحي المسيحي على الجامعات التي كانت تتطور بعلوم المسلمين(الطب وغيره!)!!
:""وانتقلت جامعات شمالي ألمانيا الواحدة تلو الأخرى إلى أيد بروتستنتية: فتنبرج (1522)، وماربورج (1527)، وتوبنجن (1535)، وليبزج (1539) وكونجزبرج (1558). وطرد الأساتذة أو الطلاب المعارضون "للعقيدة الإنجيلية الصادقة الصحيحة" كما قال أولريش دوق فورتمبرج. ومنع الكالفنيون من دخول الكليات اللوثرية، والبروتستنت من دخول الجامعات التي لم تزل في أيدي الكاثوليك. ويمكن القول بصفة عامة إنه بعد صلح أوجزيورج (1555) حرم على الطلبة الألمان أن يختلفوا إلى المدارس التابعة لمذهب آخر غير الذي يدين به أمير المقاطعة(10).
قصة الحضارة ج27 ص6، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> المدارس
 
"وبذل فرانسوا الأول ما وسعه لحماية الثقافة الفرنسية من مثبطات المحافظين المنبعثة من السوربون. وكان قد شرب من خمر إيطاليا والتقى ببعض رجال الكنيسة ممن تعمقوا أدب اليونان والرومان. وبحض من جيوم بوديه، والكردينال جان دبليه، ومارجريت المثابرة في غير كلل-قدم المال لإنشاء مدرسة مستقلة عن الجامعة (1529)، متفرغة بوجه خاص للدراسات الإنسانية. وبدئ بتعيين أربعة من "الأساتذة الملكيين" اثنان منهم لليونانية واثنان للعبرية، وسرعان ما أضيفت كراس للاتينية والرياضات والطب والفلسفة.
قصة الحضارة ج27 ص9، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> المدارس
 
وأما المعامل فمجهولة علمياً إلا للمشتغلين بالكيمياء القديمة. وكان الطلاب يسكنون حجرات رخيصة سيئة التدفئة ويقعون فريسة للمرض بسبب قذارة الطعام ونقصه. وكان كثير منهم يشتغلون لتغطية نفقات الكلية. وتبدأ الفصول في السادسة صباحاً وتنتهي في الخامسة بعد الظهر. وكان النظام صارماً، يجوز بمقتضاه جلد الطلبة حتى من قارب منهم التخرج. وكان الطلاب يلتمسون الدفء في مشاجرات الشوارع وفي كئوس النبيذ وأحضان البغايا إذا تيسر لهم المال. وهكذا كانوا بطريقة أو بأخرى يحصلون قسطاً محدوداً من التعليم.
قصة الحضارة ج27 ص10، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> المدارس
 
ماريا الدموية مثقفة
:"وفي إنجلترا كانت بعض النساء المثقفات-كبنات مور، وجين جراي، و "ماري الدموية"، وإليزابيث-مضرب المثل في سعة المعرفة والإطلاع.
قصة الحضارة ج27 ص11، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> المدارس
 
رابليه 1
وبعد أن جرب عدة جامعات دخل مدرسة الطب في مونبليه (1530). ولا بد أنه كان قد حصل تعليماً سابقاً في الطب، لأنه نال درجة البكالوريوس في الطب عام 1531. على أنه لأسباب لا نعلمها لم يواصل دراسته لنيل الدكتوراه، بل عاد إلى تجواله حتى استقربه النوى في ليون في 1532، وجمع بين ممارسة الطب ودراساته الأدبية، شأنه في ذلك شأن سرفيتوس، ثم اشتغل مساعد تحرير للطباع سباستبان جريفيوس ونشر عدة نصوص يونانية وترجم حكم أبقراط إلى اللاتينية. وانزلق برضاه إلى تيار الدراسات الإنسانية الذي كان يومها في عنفوان تدفقه في ليون. ...وفي نوفمبر من ذلك العام (1532) نجد رابليه طبيباً في الأوتيل- ديو، وهو مستشفى مدينة ليون، يتقاضى راتباً قدره أربعون جنيهاً (1000 دولار؟) في العام. ولكن يجب ألا نحسبه عالماً أو طبيباً مثالياً. صحيح أن ثقافته كانت منوعة وهائلة. فيبدو أنه كان كشكسبير له معرفة مهنية في ميادين شتى- كالقانون والطب والأدب واللاهوت والطهو والتاريخ والنبات والفلك والميثولوجيا. وهو يشير إلى مئات الأساطير القديمة، ويقتبس من عشرات المؤلفين القدامى، ونراه أحياناً يعرض علمه الواسع عرض الهواة. ولكنه شغل بالحياة شغلاً لم يتح له وقتاً لبلوغ الدقة الشديدة في دراسته
قصة الحضارة ج27 ص21-23، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> رابليه
 
رابليه2
وكان لا يزال شديد التعلق بالدرس، حتى أهمل واجباته في المستشفى فطرد. ولعله كان ملاقياً عنتياً في كسب قوته لولا أن جان دبلليه أسقف باريس والمشارك في تأسيس كلية فرنسا أخذ رابليه معه طبيباً في بعثة إلى إيطاليا (يناير 1534). ولما عاد رابليه إلى ليون في إبريل نشر في أكتوبر "قصة جارجانتاو الكبير، أبي بنتاجرويل، وحياته المرعبة جداً". وقد حوى هذا المجلد الثاني، الذي أصبح بعد ذلك الجزء الأول من الكتاب كله، هجاءً لرجال الدين حمل السوربون على التنديد به مرة أخرى. وسرعان ما راجت القصتان المنشورتان معاً رواجاً بز كل كتاب في فرنسا باستثناء الكتاب المقدس و "محاكاة المسيح"(27). وقد قيل أن الملك فرانسوا ضحك وصفق استحساناً في هذه المناسبة أيضاً.
ولكن لصق الإعلانات البروتستنتية المهينة في ليلة 17- 18 أكتوبر 1534 على مباني باريس وعلى باب قصر الملك نفسه بدل الملك من حامي الأدباء الإنسانيين إلى مضطهد المهرطقين. وكان رابليه قد
أخفى مرة ثانية أنه مؤلف الكتاب، ولكن الشكوك الكثيرة حامت حوله، وحق له أن يخشى أن تطالب السوربون برأس الكتاب البذيء بعد أن حملت الملك في ركابها. وهنا بادر جان دبلليه مرة أخرى إلى إنقاذه، واختطف الكنسي الطيب الذي أصبح الآن كردينالاً ذلك الأديب الطبيب، والكاتب البذيء، من مخبئه في ليون وأخذه إلى روما (1525). وكان من حظ رابليه أن يجد على كرسي البابوية رجلاً مستنيراً. فاغتفر له بولس الثالث إهماله واجباته الديرية والكهنوتية وأذن له بممارسة الطب. وعكف رابليه- على سبيل التعويض والتفكير- على تنقية الطبعات التالية من كتابه، "المؤيد يومئذ تأييداً مضاعفاً"، من الفقرات التي تسيء إساءة شديدة إلى الذوق التقليدي. ولما احتال عليه إتيين دوليه فنشر دون إذنه طبعة غير منقاة، شطب اسمه من قائمة أصدقائه. ثم عاد إلى الدرس في مونبلييه برعاية الكردينال، ونال الدكتوراه في الطب، وحاضر الجماهير الكبيرة هناك، ثم عاد إلى ليون ليستأنف حياته طبيباً وأديباً. وفي يونيو 1537 ذكر دوليه أنه في درس تشريح شرح أمام جماعة من الطلاب جثة مجرم نفذ فيه حكم الإعدام.
بعد هذا لا نعرف عن حياته المتقبلة غير نتف من هنا وهناك.
قصة الحضارة ج27 ص24-25،، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> رابليه
 
رابليه3
بعد هذا لا نعرف عن حياته المتقبلة غير نتف من هنا وهناك. كان في حاشية الملك خلال الاجتماع التاريخي بين فرانسوا الأول وشارل الخامس في إيجمورت (يوليو 1538). وبعد عامين نجده في تورين طبيباً لجيوم دبلييه، شقيق الكردينال، بعد أن أصبح سفيراً لفرنسا في سافوا.وحوالي هذه الفترة وجد الجواسيس في رسائل رابليه فقرات أحدثت ضجة في باريس فسارع إلى العاصمة وواجه الموقف بشجاعة. ثم برأه الملك (1541)، وعلى الرغم من تنديد السوربون من جديد بجارجانتوا وبنتاجرويل عين فرانسوا المؤلف المطارد في وظيفة حكومية صغيرة هي وظيفة مأمور العرائض، ومنحه إذنا رسمياً بنشر الجزء الثاني من بنتاجرويل الذي أهداه رابليه شاكراً إلى مارجريت النافارية. وقد أثار هذا الجزء من الاضطراب في أوساط اللاهوتيين ما رأى معه رابليه أن من الحكمة أن يلتجئ إلى متز، وكانت يومها جزءاً من الإمبراطورية. وهناك قضى عاماً يشتغل طبيباً بمستشفى المدينة (1546- 47). وفي 1548 رأى أن لا خطر عليه في الرجوع إلى ليون، وفي 1549 عاد إلى باريس. وأخيراً حصل له جماعته من رجال الكنيسة على وظيفة قسيس لأبرشية مودون الواقعة إلى الجنوب الغربي من العاصمة مباشرة، وهكذا عاد هذا الكهل المزعج، المطارد، إلى ثيابه الكهنوتية. ويبدو أنه وكل إلى مرءوسيه أداء واجبات وظيفته الدينية واكتفى بالانتفاع بإيرادها(28). وكان على قدر علمنا لا يزال قسيس مودون حين نشر ما هو الآن الجزء الرابع من كتابه (1552)، وفي هذا الموقف شيء من الشذوذ. وقد أهداه إلى أوديه كردينال شاتيون، بإذن منه على الأرجح، وواضح أنه كان في فرنسا إذ ذاك بين رجال الكنيسة نفر أوتوا ثقافة كرادلة النهضة الإيطالية وتسامحهم. على أن السوربون نددت بالكتاب، وحظر "البرلمان" بيعه. وكان فرانسوا الأول ومارجريت قد ماتا، ولم يجد رابليه حظوة لدى هنري الثاني المكتئب المزاج. فغاب عن باريس حيناً ثم عاد إليها سريعاً. وهناك مات بعد مرض طويل. وتروي قصة قديمة أنه حين سئل عن فراش الموت إلى أين يتوقع أن يمضي أجاب "أما ماض لأبحث عن "ربما" كبيرة"(29) إنها أسطورة، ويا للأسف.
قصة الحضارة ج27 ص25-26، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> رابليه
 
رابلييه ومصدر كتابه الروائي جارجانتوا
:"ومن هذه القصص قصة كانت آنئذ ذائعة في كثير من أنحاء الريف، روت أخبار مارد لطيف يدعى جارجانتوا، وتحدثت عن شهيته الوحشية، وعن غرامياته ومظاهر قوته العظيمة، وكانت تنتشر هنا وهناك تلال وصخور ذكرت الروايات المحلية أنها تساقطت من سلة جارجانتوا أثناء مروره. وكانت هذه الأساطير لا تزال تروى في عام 1860 في الكفور الفرنسية التي لم تسمع قط برابليه. وقد دون كاتب مجهول- ربما كان رابليه نفسه- على سبيل التفكه بعض هذه الخرافات وطبعها في ليون في كتاب سماه "الأخبار العظيمة الثمينة للمارد الكبير الهائل جارجانتوا" (1532). وراج الكتاب بسرعة حملت رابليه على التفكير في كتاب ملحق له عن ابن جارجانتوا. وهكذا ظهر في سوق ليون المنعقدة في أكتوبر 1532، غفلاً عن اسم المؤلف، كتاب عنوانه "الأعمال المرعبة المخيفة وأفعال البسالة التي قام بها بنتاجرويل الأشهر". وكان هذا الاسم قد استعمل من قبل في بعض الدرامات الشعبية، ولكن رابليه أضفى على صاحبه مستوى وعمقاً جديدين. ونددت السوربون والرهبان بالكتاب لبذاءته، وراج رواجاً حسناً. واستمتع به فرانسوا الأول، ووجد بعض رجال الدين لذة في قراءته. على أن رابليه لم يعترف بأنه مؤلف إلا بعد مرور أربعة عشر عاماً، فقد خشي أن يعرض للخطر سمعته كأديب، إن لم يعرض حياته.
قصة الحضارة ج27 ص23-24، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> رابليه
 
هجاء رابليه وروايته المشهورة
:"جارجانتوا
تنبئ مقدمة الجزء الأول من هذا الكتاب (أو الجزء الثاني في الأصل) للتو بمذاق الكتاب كله ورائحته:
"يا أشرف السكارى وأذيعهم صيتاً، وأنتم يا أغلى الفتيان المرحين، المفترى عليهم، (لأنه إليكم أنتم دون سواكم أهدي كتاباتي)... لو أنكم تأملتم شكل سقراط وقدرتموه حسب مظهره الخارجي لما ساوى في نظركم قشرة بصلة... إنكم يا تلاميذي الطيبين وغيركم من الحمقى المرحين، المؤثرين الراحة والدعة، إذ تقرءون العناوين السارة لبعض الكتب التي نخترعها... تتسرعون في الحكم بأنه ليس فيه سوى النكات والدعابات الساخرة والحديث الفاجر والأكاذيب المروحة عن النفس... ولكن... حين تطلعون على هذا المقال ستجدون... تعليماً ذا تفكير أعمق وأكثر تجرداً... سواء فيما يتصل بديننا أو شئون الحكم العام والحياة الاقتصادية... وقد يتكلم أحمق مغرور مشوش العقل بشر عن كتبي، فلا تعبأوا به، وامرحوا الآن يا أبنائي، واشرحوا صدوركم، واقرأوا بابتهاج... هيا إلى آخر كلمة".
وهذا الكلام منقول عن ترجمة أوركهارت الشهيرة، التي تتجاوز الأصل أحياناً، ولكنها هنا تلتزمه بدقة، حتى لتذكر الكلمات العنيفة التي لم يعد مسموحاً بها في حديث المثقفين. وفي هاتين الفقرتين تطالعنا روح رابليه وهدفه: الهجاء الجاد مغلفاً في تهريج يخفف من عنفه، وملطخاً أحياناً بسناج خالص. ونحن نمضي في هذه المغامرة على ما فيها من خطر، شاكرين لأن الكلمة المطبوعة لا تنبعث منها رائحة خبيثة، آملين أن نعثر وسط هذا الكوم من القمامة على بعض الأحجار الكريمة.
ويبدأ جارجانتوا بسلسلة نسب فريدة تحاكي أنساب التوراة شكلاً. أما أبو المارد فهو جرانجوزييه ملك يوتوبيا، وأما أمه فهي جارجاميل، حملته أحد عشر شهراً، ولما بدأت آلام مخاضها اجتمع أصدقاء الأسرة ليسمروا وهم يحتسون النبيذ، زاعمين أن الطبيعة تكره الفراغ. ويقول الأب الفخور لزوجته بلهجة من لا يعرف الألم "أمضى بشجاعة النعجة؛ وأخرجي لنا هذا الغلام بسرعة، وسنعكف بعدها على العمل فوراً... لنصنع غيره". وتتمنى الزوجة لحظة أن يلقى حظ أبيلار؛ ويقترح هو أن ينجز ما تتمناه للتو، ولكنها تعود فتعدل. أما جارجانتوا الجنين فإذ وجد المنفذ العادي للوليد مسدوداً بقابض أخذ في غير أوانه، فقد "دخل وريد جارجاميل الأجوف" وتسلق حجابها الحاجز وعنقها، ثم "انبثق من الأذن اليسرى". وما أن ولد حتى راح يصيح، ويصيح بصوت علا حتى أسمع إقليمين: "الشراب! الشراب! الشراب!" وخصص لطعامه 17.913 صفيحة من اللبن، ولكنه منذ البدء أبدى إيثاره للنبيذ.
ولما آن أوان تعليم المارد الصغير وتهيئته لارتقاء العرش، عين له مرب خاص هو الأستاذ جوبلان الذي أحله فتى غبياً، لأنه حشا ذاكرته بالحقائق الميتة وأربك عقله بحجج الكلاميين. واضطر جارجانتوا إلى سلوك سبيل يائس، فنقل الغلام ووضعه في رعاية الأديب الإنساني بونوكراتيس. وانطلق الأستاذ وتلميذه إلى باريس لتحصيل أحدث تعليم فيها. وكان جارجانتوا يركب فرساً ضخمة قطع ذيلها الهفاف الغابات الفسيحة أثناء مرورها، وهكذا أصبح جزء من فرنسا سهلاً. ولما بلغا باريس التقى جارجانتوا برجاً من أبراج نوتردام واستهوته أجراس الكاتدرائية فسرقها ليعلقها حول عنق فرسه. وبدأ بونوكراتيس من جديد تعليم المارد الذي أفسد تعليمه، وذلك بإعطائه مسهلاً هائلاً ليطهر أمعاءه ومخه جميعاً، ولا غرو فكلاهما وثيق الصلة بالآخر. فلما تنقى جارجانتوا على هذا النحو أولع بالتعليم وبدأ بحماسة يدرب جسده وعقله وخلقه في وقت معاً. فدرس الكتاب المقدس والآداب القديمة والفنون؛ وتعلم أن يعزف على العود والبيان وأن يستمتع بالموسيقى. وكان يجري ويقفز ويصارع ويتسلق ويسبح، ومارس الركوب والدفع بمنكبيه والمهارات التي يحتاج إليها المقاتل في الحرب، والصيد ليربي شجاعته، ولكي ينمي رئتيه كان يصيح حتى سمعته باريس كلها. وزار صناع المعادن وقاطعي الأحجار والصياغ والكيميائيين والنساجين وصانعي الساعات والطباعين والصباغين ودرس حرفهم "بإعطائهم شيئاً يشربونه" وكان في كل يوم يشارك في عمل بدني نافع، ويذهب أحياناً لحضور محاضرة أو مشاهدة تجربة أو الاستماع إلى "مواعظ الوعاظ الإنجيليين" (وتلك غمزة بروتستنتية).
وفجأة استدعى جارجانتوا وهو يتلقى هذا التعليم كله إلى مملكة أبيه لأن ملكاً آخر يدعى بكروشول أعلن الحرب على جرنجوزييه. لماذا؟ إن رابليه يسرق هنا قصة من كتاب بلوتارخ "حياة بيروس" ويروي أن قواد بكروشول راحوا يفاخرون بما يستطيعون فتحه من بلاد تحت قيادته: فرنسا وأسبانيا والبرتغال والجزائر وإيطاليا وصقلية وكريت وقبرص ورودس واليونان وأورشليم... ويغتبط بكروشول وتنتفخ أوداجه. غير أن فيلسوفاً عجوزاً يسأله: " وما نهاية كل هذه المتاعب والأسفار؟" ويجيب بكروشول: "حين نعود سنجلس ونستريح ونبتهج". ويقترح عليه الفيلسوف هذا الرأي "ولكن هبك لم تعد إلى وطنك قط لطول الرحلة وخطرها، أفلا يحسن بنا أن نستريح من الآن؟" وصاح بكروشول "كفى. امضوا بنا قدماً. إنني لا أخشى شيئاً... وليتبعني من يحبني" (1- 33). وتكاد فرس جارجانتوا تنهي الحرب مع بكروشول بالفوز عليه لأنها أغرقت آلافاً من رجال العدو بدفقة بسيطة واحدة من بولها.
ولكن بطل الحرب الحقيقي هو الأخ يوحنا، وهو راهب أحب القتال أكثر من الصلاة، وسمح لتطلعه الفلسفي أن يغامر في مسالك أكثر خطراً. فهو يتساءل مثلاً "ما السبب في أن فخذي السيدة النبيلة تبدوان دائماً غضتين ربطتين؟"- ومع أنه لا يجد في كتب أرسطو أو بلوتارخ ما ينيره في هذه المشكلة الجذابة، فإنه هو نفسه يجيب إجابات غنية في العلم بفنون الأفخاذ. وقد أحبه كل رجال الملك، وهم يقدمون له من الطعام والنبيذ ما يشتهي، ويدعونه لخلع رداء الرهبنة حتى يستطيع ابتلاع المزيد من الطعام، ولكنه يخشى أن لا تتوفر له الشهية الطيبة لو خلعه. ويذم المؤلف جميع النقائص التي يرمي بها المصلحون البروتستنت جماعة الرهبان، عن طريق هذا العضو المرح من أعضاء هذه القبيلة: كالكسل والشره والإسراف في الشرب والتمتمة بالصلوات والعداء للدرس والأفكار كلها، اللهم إلا رقعة متضائلة منها. يقول الأخ يوحنا: "في ديرنا لا نعكف على الدرس أبداً مخافة أن نصاب بالتهاب الغدة النكفية". (1- 39).
واقترح جارجانتوا أن يكافئ الراهب على حسن بلائه في الحرب بتعيينه رئيساً على دير قائم. ولكن يوحنا رجا بدل هذا أن يوفر له المال لتشييد دير جديد له قوانين "تناقض قوانين الأديار كلها" فيجيب أولاً ألا تقام حوله أي أسوار تحصره، وأن يكون نزلاؤه أحراراً في تركه حين يشاءون. ثانياً: يجب ألا تمنع النساء من دخول الدير، ولكن لا يدخله منهن سوى "الجميلات الحسنات الصورة الدمثات الخلق" ممن تتراوح أعمارهن بين العاشرة والخامسة عشرة. ثالثاً: لا يقبل من الذكور سوى ما كان بين الثانية عشرة والثامنة عشرة، على أن يكونوا وسيمي الوجوه كريمي المولد والطباع، ولا يسمح للسكيرين أو المتعصبين بالدخول، ولا للمتسولين أو المحامين أو القضاة أو الكتبة أو المرابين أو الجشعين النهابين أو المنافقين المتزلفين بدخول الدير. رابعاً: لا يسمح بنذور للعفة أو الفقر أو الطاعة؛ فللأعضاء أن يتزوجوا وأن يستمتعوا بالمال وأن يكونوا أحراراً في جميع شئونهم. ويطلق على الدير اسم تليمي أي "ماشئت"، أما قانونه الوحيد فهو "افعل ما تريد" لأن "الناس الأحرار الطيبي العنصر الحسني التربية الكريمي المعشر أتوا بالطبع غريزة وحافزاً يدفعانهم للفعال الفاضلة ويبعدانهم عن الرذيلة، وهذه الغريزة اسمها الشرف" (1- 57). وقد قدم جاجارنتوا المال اللازم لإقامة هذه الفوضى الأرستقراطية، وارتفع بناء الدير حسب المواصفات التي وضعها رابليه في تفصيل أغرى المعماريين برسم رسوم له. وقد زوده بمكتبة ومسرح وحمام سباحة وملعب للتنس وآخر لكرة القدم وكنيسة صغيرة وحديقة وأرض للصيد وبساتين فاكهة واسطبلات و9332 حجرة. لقد كان فندقاً أمريكياً مقاماً في بلد للنزهة. على أن رابليه نسي أن يزود الدير بمطبخ أو أن يدلنا على من يقوم بالأعمال الوضيعة في هذا الفردوس. بعد أن خلف جارجانتوا أباه على العرش جاء دوره في الإنجاب والتربية. فحين بلغ من العمر أربعمائة وثمانين وأربعة وأربعين عاماً أنجب بنتاجرويل من زوجته باديبيك التي ماتت وهي تلد الغلام فبكى عليها جارجانتوا "كما تبكي البقرة" و "ضحك كما يضحك العجل" حين رأى ولده القوي البدن. وشب بنتاجرويل حتى استفحل حجمه. وفي إحدى وجباته ابتلع رجلاً عن غير قصد، ولم يكن بد من إخراجه بعملية تعدين في قناة المارد الصغيرة الهضمية، ولما ذهب بنتاجرويل إلى باريس ليتلقى تعليمه العالي أرسل له جارجانتوا رسالة تشم فيها عبير النهضة الأوربية:-
ولدي الأعز:
.... مع أن المرحوم أبي الطيب الذكر جرانجوزييه بذل ما وسعه من جهد لييسر لي الإفادة من جميع نواحي العلم والمعرفة السياسية، ومع أن جهدي وعكوفي على الدرس قابلاً رغبته هذه بل جاوزاها، فإن
الزمن كما تعلم جيداً لم يكن يومها مواتياً كما هو الآن للتعلم... لقد كان زمناً مظلماً تحجب سماؤه غيوم الجهالة وينبعث فيه شيء من نحس القوط ونكبتهم، القوط الذين دمروا كل الأدب الطيب حيثما استقرت أقدامهم، ذلك الأدب الذي رد بفضل الله في عصري إلى سابق إشراقه وكرامته بحيث لا يكاد يسمح لي الآن بدخول الصف الأول في مدرسة ثانوية للصبيان....
أما اليوم فقد زودت عقول الناس بشتى العلوم، وأحييت العلوم القديمة التي ظلت منقرضة أجيالاً كثيرة، وأعيدت لغات الثقافة إلى نقائها القديم- وأعني اليونانية (التي يخجل الإنسان بدونها من أن يعد نفسه أديباً أو عالماً)، والعبرية، والعربية، والكلدية، واللاتينية. كذلك شاع استعمالها الطباعة، أنيقة دقيقة بحيث لا يمكن تصور ما هو أرقى منها...
وفي نيتي... أن تتعلم اللغات تعليماً كاملاً... أما التاريخ فلا يفتك حفظ أي جزء منه... وأما الفنون الحرة كالهندسة والحساب والموسيقى فقد أتحت لك تذوقها حين كنت بعد صبياً... فامض فيها قدماً... وأما الفلك فادرس كل أصوله، ولكنك دعك من التنجيم... لأنه ليس سوى غش وغرور خالصين... وأما القانون المدني فإني أريدك أن تحفظ نصوصه عن ظهر قلب ثم تبحثها مسترشداً بالفلسفة... وأما أعمال الطبيعة فإني أود أن تدرسها بدقة... ولا يفتك أن تطلع بعناية على كتب الأطباء اليونان والعرب واللاتين، ولا تحتقر التلموديين، والقبلانيين، واستكثر من التشريح لتلم إلماماً تاماً بذلك العالم الصغير، أعني الإنسان. كذلك أعكف في بعض ساعات النهار على درس الكتاب المقدس: أولاً العهد الجديد باليونانية، ثم العهد القديم بالعبرية... ولكن بما أن الحكمة كما قال سليمان الحكيم لا تدخل عقلاً شريراً، والعلم بدون ضمير ليس إلا مجلبة لخراب النفس، فإن من واجبك أن تخدم الله وتحبه وتخشاه... كن خدوماً لكل جيرانك وأحبهم كما تحب نفسك، واحترم معلمك وتجنب حديث من لا ترغب في التشبه بهم، ولا تضيع المواهب التي منحك الله إياها. فإذا رأيت أنك حصلت كل ما يجب تحصيله من العلم في تلك الناحية، فعد إليَّ لكي أراك وأمنحك بركتي قبل أن أموت...
أبوك
جارجنتوا(30)
وعكف بنتاجرويل على الدرس في حماسة، وتعلم لغات كثيرة، وكان من الممكن أن يكرس وقته كله للقراءة والدرس لولا أنه التقى ببانورج. وهنا أيضاً يبرز التابع أكثر من السيد، بأوضح حتى من بروز الراهب يوحنا، كما يحجب سانشو بانزا أحياناً شخصية سيده دون كخوته. فرابليه لا يجد في جارجانتاو ولا في بنتاجرويل المجال الطليق لدعاباته البذيئة وألفاظه الصاخبة، إنما هو في حاجة إلى هذا المخلوق- الذي فيه أثر من الوغد، ومن المحامي، ومن الشاعر فيون، ومن الفيلسوف- ليستخدمه أداة للهجو. وهو يصف بانورج (ومعنى الاسم: مستعد لعمل أي شيء) بأنه نحيل كالقط الجائع، يسير في حذر شديد "كأنه يمشي على قشر بيض" وأنه إنسان شهم وإن شابه بعض الفجور، وأنه "عرضة لضرب من المرض... يسمى الإعسار"، وأنه نشال، "ومتشرد فاسق، ومحتال، وسكير... ورجل داعر جداً، ولكنه فيما عدا ذلك خير الناس في هذه الدنيا وأكثرهم فضيلة" (2- 14، 16). وعلى فم بانورج يسوق رابليه أشد نكاته فحشاً... كان بانورج يمقت على الأخص ما درجت عليه نساء باريس من تزرير
أقمصتهن في أعلى ظهورهن، فقاضى النساء في المحكمة، ولعله كان خاسراً دعواه، ولكنه هدد بأن يبدأ عادة مماثلة في سراويل الرجال، وهنا أمرت المحكمة بأن يترك النساء فتحة متواضعة ولكنها سالكة من الأمام (2- 17). وحدث أن غضب بانورج من امرأة احتقرته، فرش ثوبها وهي راكعة للصلاة في الكنيسة بسائل حيوان مدلل شديد الشهوة، فلما قامت تبعها جميع كلاب باريس الذكور- وعددها 600.014 في ولاء إجماعي لا يعرف الكلل (2- 21، 22). ويولع بنتاجرويل بهذا الوغد تخفقاً من الفلسفة، برغم أنه أمير بلغ غاية التهذيب، فيدعوه لمصاحبته في كل رحلاته.
وبينما تمض القصة في جذل إلى الجزء الثالث يناقش بانورج موضوع زواجه بين وبين نفسه وبينه وبين غيره. فيعدد ما للمشروع وما عليه خلال مائة صفحة فيها المشرق، والكثير فيها ممل، ولكننا في هذه الصفحات نلتقي بالرجل الذي تزوج امرأة خرساء، والفقيه الشهير بريدلجوس الذي ينتهي إلى أكثر أحكامه سلامة برمي الزهر، وتستوحي مقدمة الجزء الرابع لوكيان فتصف "مجمعاً للآلهة" في السماء، وجوبيتر يشكو من الفوضى اللا أرضية، التي تسود الأرض، والثلاثين حرباً المستعرة في وقت واحد، والكراهية المتبادلة بين الشعوب، وانقسامات اللاهوتيين، وأقيسة الفلاسفة "فماذا نحن فاعلون بهذه الحرب حرب راموس وجالان- هذين اللذين يحرشان باريس كلها بعضها ببعض؟"- ويشير عليه الإله بريابوس بأن يحول هذين البطرسين Pierres إلى صخرتين (Pierres)، وهنا نرى رابليه يسطو على تورية من الكتاب المقدس.
ثم يعود إلى الأرض فيسجل في الجزئين الرابع والخامس رحلات طويلة أشبه برحلات جلفر، خرج فيها بنتاجرويل وبانورج والأخ يوحنا وأسطول يوتوبي ملكي ليبحثوا عن "معبد القارورة المقدسة"، وليسألوا هل يحسن بيانورج أن يتزوج. وبعد عشرات المغامرات، وبعد التنديد بأصوام "الصوم الكبير"، وبكارهي البابا من البروتستنت، وبعباد البابا من المتعصبين، وبالرهبان، وبتجار الآثار المزيفة، وبالمحامين (القطط ذات الفراء)، وبالفلاسفة الكلاميين، وبالمؤرخين، تنتهي الرحلة إلى المعبد. وعلى بوابته كتابة يونانية تقول: "إن في النبيذ لحقاً". وفي نبع قريب قارورة غمرت في النبيذ إلى نصفها ينبعث منها صوت يقرقر قائلاً "ترنك"، وتقول الكاهنة باكبوك: إن النبيذ خير الفلسفات، وإن "ما يميز الإنسان ليس الضحك بلا شرب.... النبيذ الرطب اللذيذ". ويسعد بانورج أن تؤيد الكاهنة ما كان يعرفه طوال الوقت، فيصمم على أن يأكل ويشرب ويتزوج ويتحمل العواقب كما يخلق الرجال، وهو ينشد أغنية عرسية بذيئة، ثم تصرف باكبوك الجماعة بعد أن تمنحها هذه البركة "ليحفظكم ذلك المحيط الفكري الذي يوجد مركزه في كل مكان، ولا يوجد له نهاية في أي مكان، والذي تدعوه الله، في رعايته القوية القادرة". (5- 47). وهكذا تختتم القصة العظيمة بمزيج مثالي من البذاءة والفلسفة.
قصة الحضارة ج27 ص26-35، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> رابليه
 
هجاء رابليه2
يقول رابليه وهو يجري الكلام على لسان أحد حمقاه "نحن مهرجي الريف فينا شيء من الجلافة، نميل إلى تحطيم الألفاظ وتفكيك أوصالها". (5- 18). إنه يحب الألفاظ، وعنده منها معين لا ينضب، وهو يخترع مئات من الكلمات الجديدة ويشتقها كشكسبير من كل حرفة ومهنة، ومن كل ميدان في الفلسفة أو اللاهوت أو القانون. وهو يضع قوائم بالنعوت أو الأسماء أو الأفعال، وكأنما يلذه تأملها (3- 38)، ثم يستكثر من المترادفات في النشوة من الإطناب، ولقد هذا الحشو من قبل حيلة قديمة في المسرح الفرنسي(32). وهو جزء من فكاهة رابليه التي لا حد لها ولا ضابط، وفيض تتضاءل أمامه حتى فكاهة أرستوفان أو موليير. أما بذاءته فوجه من وجوه هذا الفيض الذي لا يمكن التحكم فيه. ولعل بعضها رد فعل للنسك الديري، وبعضها لا مبالاة تشريحية لا تستغرب من طبيب، وبعضها تحد جرئ للحذقلة، وكثير منها يساير أسلوب العصر، وما من شك في أن رابليه قد غلا في فحشه غلوا شديداً، حتى أننا بعد أن نقرأ عشر صفحات أو نحوها من التفاصيل الملوثة بالتبول والتناسل والإفراز والغازات نمل القراءة وننصرف عنها. ولم يكن بد من مجيء جيل جديد من التأثر الكلاسيكي ليروض هذا الفروان البركاني ويخضعه للنظام.
على أننا نغتفر هذه العيوب لأن أسلوب رابليه ينطلق معنا في يسر كما انطلق معه؛ إنه أسلوب خال من التكلف والصنعة الأدبية، أسلوب طبيعي سهل متدفق، وهو بالضبط الأداة لسرد قصة طويلة. والسر في حيوية رابليه هو الخيال مضافاً إليه النشاط مضافاً إليهما الوضوح، وهو يرى مئات الأشياء التي لا يراها معظمنا، ويلحظ دقائق لا حصر لها في اللباس والسلوك والحديث، ثم يجمع بينها بطريقة خيالية غريبة، ويطلق هذه الأخلاط يطارد بعضها البعض فوق صفحاته الضاحكة.
ثم تراه يستعير يمنة ويسرة جرياً على عادة جيله، معتذراً عن هذا بما اعتذر به شكسبير من أنه يجود كل شيء يسرقه. فهو يتناول مئات من نتف الأمثال الواردة في كتاب إرزمس "أداجيا"(33)، ويحكى
الكثير مما سبقه في "مدح الحماقة" أو "الأحاديث"، وهو يتمثل خمسين موضوعاً من بلوتارخ، وذلك قبل سنوات من ترجمة آميو التي فتحت سجل العظماء هذا لأي لص من لصوص الأدب. وهو ينتحل من كتاب لوكيان "الحديث السماوي" وقصة فولنجو عن الخروف الذي أغرق ذاته، ويجد في كوميديات عصره قصة الرجل الذي ندم على أنه شفي زوجته من الخرس، ويستعمل عشرات الأفكار التي توحي بها الخرافات والقصص الصغيرة التي انحدرت من فرنسا الوسيطة. وحين يصف رحلات بنتاجرويل نراه يعتمد على الحكايات التي نشرها رواد الدنيا الجديدة والشرق الأقصى. ومع ذلك، فعلى الرغم من هذه الاستعارات كلها، ليس هناك مؤلف أكثر منه أصالة، ولسنا نجد في غير شكسبير وسرفانتيس مخلوقات واسعة الخيال، مفعمة بالقوة والحياة، كالراهب يوحنا، أو كبانورج. على أن رابليه نفسه هو أهم خلق خلقه الكتاب، إنه مزيج من بنتاجرويل، والراهب يوحنا، وبانورج، وإرزمس، وفيزاليوس، ويوناثان سويت؛ مزيج ثرثار، فوار، محطم للأصنام، عاشق للحياة.
وتعشقه للحياة هو الذي جعله يسلخ جلود أولئك الذين جعلوها أقل فتنة وإغراء. ولعله قسا بعض الشيء على الرهبان الذين لم يستطيعوا مشاركته ميوله أدبياً وإنسانياً، ولا بد أن محامياً أو محامين قد أنشبا براثنهما فيه، لأنه يمزق فراء المحامين في غل شديد. يقول محذراً قراءه "أنصتوا إلي، إن عشتم ست دورات أولمبية فقط مضافاً إليهما عمر كلبين، فسترون قطط القانون هؤلاء سادة على أوربا بأسرها". ولكنه يسوط أيضاً القضاة، والمدرسين، واللاهوتيين، والمؤرخين، والرحالة، وباعة صكوك الغفران، والنساء. ولا تكاد تعثر في الكتاب كله على كلمة طيبة عن النساء، وتلك هي أشد نقط رابليه عمىً، ولعلها الثمن الذي دفعه راهباً وقسيساً وأعزب لافتقاره طول حياته إلى الحنان.
وقد اختلف المتشيعون له في أمره، أهو كاثوليكي أم بروتستنتي أم حر التفكير أن ملحد. فهو في رأي كالفن ملحد. أما عاشقه أناطول فرانس فينتهي إلى هذا الحكم "في اعتقادي أنه لم يصدق في أي شيء"(34). وكان أحياناً يكتب كأشد ما يكون الكلبيون سخرية من الناس واحتقاراً لهم، كما ترى في لغة الغنام في حديثه عن أمثل الطرق لإخصاب الحقول (4- 7). كان يتهكم بالصوم، وبصكوك الغفران، وبرجال محاكم التفتيش، وبالمراسيم البابوية، ويلذه شرح الشروط التشريحية المطلوبة في المرشح للبابوية (4- 48). ويبدو أنه لم يؤمن بالجحيم (2- 30). وتراه يردد حجج البروتستنت الذي قالوا إن البابوية تنزح أموال الشعب (4- 53)، وأن كرادلة روما يحيون حياة البطنة والنفاق (4- 58- 60). وكان يتعاطف مع المهرطقين من الفرنسيين، وقد قال إن بنتاجرويل لم يطل مكثه في تولوز لأن القوم هناك "يحرقون حكامهم أحياء كما تشوي الرنجة الحمراء".- مشيراً بذلك إلى إعدام أستاذ قانون مهرطق (2- 5) ولكن يبدو أن ميوله البروتستنتية اقتصرت على الإنسانيين من البروتستنت دون غيرهم. ولقد تبع إرزمس في إعجاب، ولكنه لم يمل إلى لوثر إلا في اعتدال، وقد صدف في اشمئزاز عن جزمية كالفن وغلوه. كان يتسلح في كل شيء إلا عدم التسامح، وكان كجميع الإنسانيين إذا أكرهوا على الاختيار يؤثر الكاثوليكية بأساطيرها وعدم تسامحها وفنونها، على البروتستنتية بقدريتها وعدم تسامحها ونقائها. وكثيراً ما أكد إيمانه بالعقائد الأساسية في المسيحية، ولكن لعل هذا كان من قبيل الحصانة في رجل كان على استعداد في سبيل الدفاع عن آرائه لأن يلقى عقاب الحرق دون سواه. وقد أحب تعريفاً لله حباً جعله (أو جعل من أكمل كتابه)، يعيده غير مرة (3- 13، 5- 147). ويبدو أنه آمن بخلود النفس (2- 8، 4- 27)، ولكنه آثر بوجه عام حديث الموضوعات الداعرة على حديث الأخرويات. ولقد اتهمه فاريل بالارتداد لأنه قبل وظيفة كاهن مودون(35). ولكن هذا القبول كما فهمه واهب الوظيفة ومتلقيها على حد سواء لم يكن سوى سبيل إلى الرزق.
أما إيمانه الحقيقي فكان بالطبيعة، ولعله في هذه الناحية كان لا يقل عن جيرانه المحافظين إيماناً وسذاجة. لقد آمن بأن قوى الطبيعة تعمل للخير في النهاية، ولم يقدر حيادها نحو الناس والحشرات على السواء حق قدره. وكان كروسو، وعلى النقيض من لوثر وكالفن، ويؤمن بطبيعة الإنسان الخيرة، أو يثق كغيره من الإنسانيين بأن التعليم الجيد والبيئة الطيبة كفيلان بجعل الإنسان خيراً. وقد نصح الناس كما نصحهم مونتيني بأن يتعبوا الطبيعة، ولعله كان ينظر بعد اهتمام خبيث بما قد يحدث عندها للمجتمع والحضارة. وقد يبدو في وصفه لدير تيليمي مبشراً بالفوضى الفلسفية، ولكن الأمر لم يكن كذلك؛ فهو لا يسمح بدخول الدير إلا لمن يؤهله حسن تربيته وتعليمه وإحساسه بالشرف لامتحانات الحرية.
لقد كانت "البنتاجرويليه" فلسفته النهائية. وعلينا ألا نخلط بين هذه الكلمة وبين كلمة بنتاجرويليون، التي تعني عشباً مفيداً ليس في حقيقته غير القنب، وفائدته النهائية أنه يصلح لصنع أربطة رقبة مناسبة للمجرمين. أما البنتاجرويلية فهي العيش على طريقة بنتاجرويل في عشرة لطيفة متسامحة مع الناس والطبيعة، وفي استمتاع شاكر بكل طيبات الحياة، وفي تقبل بشوش لما يصيبنا من تقلبات ومن نهاية لا مفر منها. وقد عرف رابليه هذه البنتاجرويلية مرة بأنها "ضرب من فرح الروح كامن في احتقار أحداث الحياة" (4- المقدمة). وهي تجمع بين فلسفات الرواقي زينون، والكلبي ديوجين، والفيلسوف أبيقور: وخلاصتها تحمل كل الأحداث الطبيعية برباطة جأش، والنظر دون تضرر إلى جميع الحوافز والعمليات الطبيعية، والاستمتاع بكل لذة سليمة دون كبت ديني متزمت أو تبكيت لاهوتي للضمير. لقد كان بنتاجرويل "يتقبل كل شيء برضى، ويفسر كل فعل بأحسن نية، لا يناكد نفسه ولا يزعجها... لأن كل ما تحويه الأرض من متاع... لا يساوي أن تضطرب من أجله عواطفنا أو تختل، وأن نفكر أو نحير بسببه حواسنا أو أرواحنا" (3- 2). ويجب ألا نبالغ فيما تحويه هذه الفلسفة من عنصر أبيقوري، فخمريات رابليه لفظية أكثر منها كحولية، وهي لا تنسجم تماماً مع ما وصفه به أحد معاصريه من أنه رجل "طلق المحيا لطيف الوجه هادئة"(36). أما الخمر الذي احتفى به فهو خمر الحياة. إن هذا الأمير المزعوم لمدمني الخمر يضع على فم جارجانتوا عبارة تصوغ في بضع كلمات تحدي العصر الذي نعيش فيه "إن العلم بغير ضمير ليس إلا مجلبة لخراب النفس". (2- 8).
ولقد اعتزت فرنسا برابليه أكثر من اعتزازها بأي من عمالقة القلم فيها باستثناء مونتيني ومولير وفولتير. ووصفه إتيين باسكييه الذي عاش في قرنه بأنه أعظم كتاب العصر. وحين تصلبت عادات المجتمع الفرنسي في القرن السابع عشر تحت المخرمات والباروكات، وطغت الأشكال الكلاسيكية، فقد رابليه بعض مكانته في ذاكرة الأمة، ولكن حتى في تلك الفترة اعترف موليير وراسين ولافونتين بتأثرهم به، وأحبه فونتينيل، ولابرويير، ومدام دسفنيه، وانتحل باسكال تعريفه لله. أما فولتير فقد بدأ باحتقار جلافته، وانتهى بالولاء له. وحين تغيرت اللغة الفرنسية استعصى فهم رابليه على القراء الفرنسيين في القرن التاسع عشر، ولعله اليوم أكثر شعبية في البلاد الناطقة بالإنجليزية منه في فرنسا. ذلك أن السر تومس أوركهارت نشر في 1653 و1693 ترجمة للجزأين الأول والثالث صاغها في إنجليزية قوية لا تقل حيوية وتدفقاً عن الأصل الفرنسي. ثم أكمل بيتر دمويته الترجمة في 1708، وبفضل جهود هذين الرجلين أصبح جارجانتوا وبنتاجرويل من عيون الأدب الإنجليزي. ولقد سرق منه سويفت كأنما يستند إلى حق انتمائه إلى الأكليروس، ولا بد أن ستيرن وجد في الكتاب خميرة لسخريته اللاذعة. إنه أحد الكتب التي لا تنتمي إلى أدب بلد بعينه بل إلى الأدب العالمي..
قصة الحضارة ج27 ص35-41، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> رابليه
 
وماذا عن التأثير العلمي الإسلامي؟
"مر التأثير الإيطالي -يقصد الأدب-بفرنسا وبلغ إنجلترا، لا فيضاً دافقاً بل نهراً ينطلق إلى البحر بمخارج كثيرة"
قصة الحضارة ج27 ص47، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> وايات وصرى
تعليق
جذبني كلام ديورانت عن التأثير
واردت أن أحبس هذه الكلمات لوقتها!
 
حرب ال100 عام وحرب ال30 عام
:"في القرن الذي تلا مقالات لوثر تاه العقل الألماني في جدل المائة عام الذي مهد لحرب الثلاثين عاماً"
قصة الحضارة ك27 ص49، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> هانز زاكس
 
تفريخ البروتستانت في القرن ال16 بشهادة احدهم!
"إذا مات أمير فأدخل خليفته مذهباً آخر، أصبح هذا المذهب للتو كلمة الله"(44).
:"أما سبستيان فرانك فكان أنبل من صاحبه وأصفى معدناً. وكان كاهناً في أوجزبورج حين أقبلت حركة الإصلاح البروتستنتي، فرحب بها ثورة جريئة تمس إليها الحاجة، وأصبح بعد ذلك قساً لوثرياً (1525). وبعد ثلاث سنوات تزوج من أوتيلي ببهام، وكان أخوتها من القائلين بتجديد العماد، فعطف على هذه الطائفة المضطهدة، وندد بالتعصب اللوثري، فطرد من استراسبورج، واحترف صناعة الصابون في أولم ليكسب قوته. وسخر من تحكم النبلاء الألمان في سلامة العقيدة، فقال: "إذا مات أمير فأدخل خليفته مذهباً آخر، أصبح هذا المذهب للتو كلمة الله"(44). "تتسلط على جميع الناس اليوم غيرة مجنونة تزعم أننا يجب أن نؤمن... أن الله إلهنا وحدنا، وأنه لا جنة ولا إيمان ولا روح ولا مسيح إلا في مذهبنا". أما إيمانه فكان الألوهية الكونية التي لا توصد باباً. "إن قلبي ليس غريباً عن أي إنسان. فلي أخوة بين الترك والبابويين واليهود وجميع الشعوب(45)". وكان يتوق إلى "مسيحية... حرة لا مذهبية... لا يقيدها أي شيء خارجي" حتى ولا الكتاب المقدس(46). وأقصته أولم هي الأخرى إذ صدمتها هذه المشاعر التي لا تليق بجيله، فعمل طباعاً في بال، وهناك مات شريفاً برغم فقره (1542).
قصة الحضارة ج27 ص49-50، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> هانز زاكس
 
هانز زاكس صانع احذية ام كاتب هاجم الكاثوليك والبروتستانت وهو منهم!؟
:"على أن ألمانيا لم تعدم بين الحين والحين رجلاً يطفو فوق هذا الحقد والعنف ليرى الحياة كاملاً متكاملاً. ولو أن هانز زاكس استمع إلى قضاة نورمبرج لظل صانع أحذية كما كان؛ ذلك أنه حين نشر تاريخاً منظوماً لبرج بابل دون أن يحصل على الإذن المدني بطبعه، صادروا الكتاب وأكدوا لصاحبه أن الشعر ليس ميدانه ما في ذلك ريب، وأمروه أن يلتزم قوالب أحذيته(47). ولكن هانز كان يتمتع ببعض الحقوق التي نالها بفضل مروره بالمراحل العادية التي أهلته لأن يصبح رئيس فرقة المغنين. ولعل المفارقة التي تبدو لنا في كونه حذاء وشاعراً تنتفي إذا لاحظنا أن نقابة الغزالين والحذائين التي انتمى إليها كانت تمارس بانتظام الغناء الكورالي...وأصبح زاكس الآن شاعراً ملحمياً لحركة الإصلاح البروتستنتي، وراح يندد بأخطاء الكاثوليك في إصرار ساخر. فكتب التمثيليات عن الأوغاد من الرهبان، وأرجع قبيلتهم إلى الشيطان، ونشر مسرحيات كاريكاتورية ساخرة وهزليات تعرض على سبيل المثال كاهناً يغوي فتاة أو يتلو القداس وهو مخمور. وفي 1558 نشر "تاريخاً منظوماً للبابة جوانا"-وهي قصة خرافية تقبلها معظم الوعاظ البروتستنت على أنها تاريخ.وفي 1558 نشر "تاريخاً منظوماً للبابة جوانا"-وهي قصة خرافية تقبلها معظم الوعاظ البروتستنت على أنها تاريخ. ولكن هانز ندد باللوثريين أيضاً، ورماهم بالتناقض الفاضح بين حياتهم وعقيدتهم. "إنكم معشر اللوثريين جلبتم على الإنجيل أشد الاحتقار بسبب نهمكم للحم، وضجيجكم الصاخب، وذمكم للكهنة، وشجاركم وسخريتكم وسبابكم وغير ذلك من مظاهر سلوككم الشائن(50)." وشارك الكثيرين في الحزن على ما شاب الجيل من جري وراء الكسب وفساد في الخلق.
ونحن إذا استثنينا فكرة فاجنر المثالية، وجدنا على الجملة أن هانز زاكس ربما كان الممثل للرجل الألماني الطيب برغم ما يشوبه من فجاجة وجلافة، والذي لا بد كان أغلبية في الجنوب على الأقل. ونحن نراه سعيداً في بيته، مترنماً بشعره طوال أربعين عاماً. ولما ماتت زوجته الأولى (1560) تزوج وهو في الثامنة والستين من حسناء في ربيعها السابع والعشرين، وظل ينعم بالحياة برغم هذه المحنة. ولا بد لنا من إنصاف عصر ومدينة مكنا حذاء من أن يصبح في ظلهما أديباً إنسانياً، وشاعراً، وموسيقياً، وأن يقتني مكتبة كبيرة ويستعملها، وأن يتعلم الأدب اليوناني والفلسفة اليونانية، وأن ينظم 6000 قصيدة، وأن يعيش متمتعاً بقسط لا بأس به من الصحة والسعادة حتى وافته المنية وقد بلغ الثانية والثمانين.
قصة الحضارة ج27 ص51-53،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> هانز زاكس
 
فضل علوم المسلمين على القرن ال16 لاوروبا
تحت عنوان العلم في عصر كوبرنيق
(1517-65)
قال ديورانت
:"من الحقائق الجديرة بالملاحظة أن هذا العهد الذي استغرقه اللاهوت والثقافة المدرسية قد أنجب رجلين لهما أرفع مقام في تاريخ العلم-كوبرنيق وفيزاليوس، ومن العجيب أن الكتب التي احتوت عصارة حياتهما قد ظهرت في سنة واحدة، هي "سنة العجائب" 1543. لقد وكان بعض الظروف مواتيا للعلم. فاكتشاف أمريكا وارتياد آسيا، ومطالب الصناعة واتساع التجارة-كل هذا أثمر معرفة كثيراً ما ناقضت المعتقدات المتوارثة وشجعت التفكير الأصيل. وكان للترجمات من اليونانية والعربية، ولطبع كتاب أبوللونيوس "الأشكال المخروطية" (1537) والنص اليوناني لأرخميدس (1544)، الفضل في حفز العلوم الرياضية والفيزيائية.
قصة الحضارةج26 ص 114،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
 
أما النهضة فقد ولعت بالأدب والأسلوب، واهتمت بالفلسفة اهتماماً مؤدباً، ولم تكد تكترث للعلم
قصة الحضارةج26 ص 114،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
 
ولم تستطع البروتستنتية أن تؤيد العلم، لأنها أسست صرحها على كتاب مقدس معصوم. ورفض لوثر فلك كوبرنيق لأن التوراة ذكرت أن يشوع أمر الشمس-لا الأرض-أن تقف. أما ملانكتون فكان ميالاً للعلم، فدرس الرياضيات، والفيزياء، والفلك، والطب، وحاضر في تاريخ الرياضيات في العصور القديمة، ولكن روحه السمحة غلبتها طبيعة أستاذه القوية وطغيان لوثرية ضيقة الأفق بعد موت لوثر. أما كالفن فلم يكن به كبير تقدم للعلم، وأما نوكس فلا تقدير على الإطلاق.قصة الحضارةج26 ص 115،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
 
حقيقة أن بابوات النهضة لم يقفوا موقف العداء من العلم. فقد استمع ليو العاشر وكلمنت السابع إلى أفكار كوبرنيق بذهنين مفتوحين، وتقبل بولس الثالث في غير خوف إهداء كوبرنيق كتابه له، "كتاب الدورات" الذي زلزل العالم. ولكن رد الفعل الذي جاء في عهد بولس الرابع، وتطور محكمة التفتيش في إيطاليا، وقرارات مجمع ترنت القطعية، كل هذا جعل الدراسات العلمية شاقة خطرة بصورة متزايدة بعد عام 1555.
ولم تستطع البروتستنتية أن تؤيد العلم
قصة الحضارةج26 ص 114،115،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
 
مناخ اوروبا الخرافي (1)وقتما كان المسلمون يدرسون علك الأشياء والأجساد والأفعال مع إيمانهم بالله خلق كل شئ
"وظل مناخ مثبط من الإيمان بالمستور يحدق بعلماء الغد ويشوش أذهانهم بل يهدد سلامة عقولهم أحياناً كما حدث لكاردن وبارسيلسوس. فالسحر والكيمياء القديمة من مصر، والفيثاغورية والأفلاطونية الجديدة الصوفيتان من اليونان، والقبلانية من اليهودية، كلها حيرت مئات العقول المتلمسة طريقها. وغزت القصص الأسطورية وقصص المعجزات كتابة التاريخ الرسمي، وروى الرحالة حكايات عن تنانين تنفث اللهب وفقراء يتسلقون الحبال. وكاد يفسر كل حدث شاذ في الحياة العامة أو الخاصة بأنه ليس إلا تدبيراً من الله أو الشيطان لإنذار الإنسان أو تهذيبه، لفتنته أو تدميره. وآمن الكثيرون بأن المذنبات والنيازك إن هي إلا كرات من النار يقذف بها إله غاضب(1)،
قصة الحضارةج27 ص115، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
تعليق
عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يخوف الله بهما عباده ، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد من الناس . فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا ، وادعوا حتى ينكشف ما بكم } .
شرح ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام-كتاب الصلاة » باب صلاة الكسوف
ي الحديث رد على اعتقاد أهل الجاهلية في أن الشمس والقمر تكسفان لموت العظماء . وفي قوله عليه السلام { يخوف الله بهما عباده } إشارة إلى أنه ينبغي الخوف عند وقوع التغيرات العلوية . وقد ذكر أصحاب الحساب لكسوف الشمس والقمر أسبابا عادية . وربما يعتقد معتقد أن ذلك ينافي قوله عليه السلام " يخوف الله بهما عباده " وهذا الاعتقاد فاسد . لأن لله تعالى أفعالا على حسب الأسباب العادية ، وأفعالا خارجة عن تلك الأسباب . فإن قدرته تعالى حاكمة على كل سبب ومسبب ، فيقطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض فإذا كان ذلك كذلك فأصحاب المراقبة لله تعالى ولأفعاله ، الذين عقدوا أبصار قلوبهم بوحدانيته ، وعموم قدرته على خرق العادة ، واقتطاع المسببات عن أسبابها إذا وقع شيء غريب . حدث عندهم الخوف لقوة اعتقادهم في فعل الله تعالى ما شاء . وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله تعالى [ ص: 352 ] خرقها
 
الدجل في أوروبا القرن 16
مناخ اوروبا الخرافي (2)وقتما كان المسلمون يدرسون علك الأشياء والأجساد والأفعال مع إيمانهم بالله خلق كل شئ
:"ودخلت الكتب الرخيصة كل بيت قارئ، مؤكدة إمكان تحويل المعادن الخسيسة ذهباً. وكما ذكرت رواية معاصرة، كان "كل الخياطين والحذائين والخدم والخادمات الذين يسمعون ويقرأون عن هذه الأشياء يعطون كل ما يوفرون من نقود... للجائلين والمحتالين" من المشتغلين بهذه الخدع(2). وقد ذكر مشعوذ يدعى وليم وتشرلي في محاكمته بإنجلترا عام 1549 أن في الجزيرة خمسمائة مشعوذ مثله(3). وكان الطلاب المتجولون في ألمانيا يبيعون الأحجبة الواقية من الساحرات والشياطين. وأقبل الجند على التعاويذ والطلاسم التي تكفل تحويل رصاص البنادق عن هدفه(4).
قصة الحضارةج27 ص116، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
 
التنجيم وتفسير الأمراض في القرن ال16
مناخ اوروبا الخرافي (3)وقتما كان المسلمون يدرسون علك الأشياء والأجساد والأفعال مع إيمانهم بالله خلق كل شئ
:"وكان الكثيرون يؤمنون بأن الأمراض تنجم عن العين الشريرة أو غيرها من أعمال السحر، وأن في الإمكان شفائها بالجرعات السحرية-وهذا أيضاً لا يبعد كثيراً عن عاداتنا في هذه الأيام، وكان أكثر العلاج يعطى حسب موقع الكواكب، ومن هنا دراسة طلبة الطب للتنجيموقد اقترب التنجيم من العلم لأنه افترض حكم القانون في الكون ولأنه اعتمد إلى حد كبير على التجربة. صحيح أن الاعتقاد بأن حركات النجوم ومواقعها هي التي تقرر الأحداث البشرية لم يكن شاملاً كما كان من قبل، ومع ذلك فقد كان في باريس 30.000 منجم في القرن السادس عشر، (8) كلهم على استعداد لكشف الطالع لقاء قطعة من النقود. وراجت التقاويم الحاوية لتنبؤات المنجمين رواجاً كبيراً. وقد قلدها رابليه ساخراً في "التنبؤات البنتاجرويلية" للسيد ألكوفريباس. ووافقه في هذه النقطة اللوثر والسوربون، فنددا بالتنجيم في جميع صوره. واستنكرت الكنيسة رسمياً تنبؤات المنجمين لأنها تتضمن معنى الحتمية وخضوع الكنيسة للنجوم؛ومع ذلك فإن البابا بولس الثالث، وهو من أعظم مفكري ذلك العصر، كان على حد قول سفير في القصر البابوي، "يأبى أن يدعو لأي اجتماع هام لمجمع الكرادلة، وأن يخرج في أي رحلة، دون تخير للأيام الملائمة ورصد لحركات الأبراج". (9) وكان فرانسوا الأول، وكاترين دمديتشي، وشارل التاسع، ويوليوس الثاني، وليو العاشر، وأدريان السادس- كانوا كلهم يستشيرون المنجمين(10). وقد غير ملانكتون تاريخ مولد لوثر ليهيئ له طالعاً أسعد، (11) وتوسل إليه ألا يسافر والقمر هلال بعد(12).
وما زال أحد منجمي هذه الفترة مشهوراً، فالمنجم نوستراداموس كان بالفرنسية ميشيل دنوتردام. وقد زعم أنه طبيب وفلكي، وارتضته كاترين دمديتشي منجماً شبه رسمي، وبنت له مرصداً في ليزال، وفي عام 1564 تنبأ لشارل التاسع بأنه سيعمر إلى التسعين(13)، ولكنه مات بعد عشر سنوات في الرابعة والعشرين. وقد ترك هذا المنجم عند موته (1566) كتاب تنبؤات صاغها بحكمة بحيث تحتمل معنيين. وبحيث يمكن أن تصدق بعض سطور الكتاب على أي حدث تقريباً في التاريخ اللاحق.
قصة الحضارةج27 ص116،117، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
 
مناخ اوروبا الخرافي (3)
حرق الساحرات(الموضوع) وليست كل محروقة ساحرة!
لوثر يأمر بالحرق
قال ديورانت
:"كان مسيحيو القرن السادس عشر يؤمنون بإمكان نيل قوى خارقة من الشياطين، وكان الخوف من الشياطين يغرس فيهم منذ نعومة أظفارهم، لذلك شعروا بأنهم ملتزمون بحرق الساحرات. وأيد لوثر وكالفن البابا إنوسنت الثامن في الحث على محاكمتهن. يقول لوثر "إني لأرفض العطف على هؤلاء الساحرات، وبودي لو أحرقتهن على بكرة أبيهن"(14). وقد أحرق أربعة منهن في فتنبرج في 19 يونيو 1540، وأربعة وثلاثون في جنيف عام 1545(15). وكان لدى دعاة الإصلاح البروتستنتي بطبيعة الحال مبرر من الكتاب المقدس لهذا الحرق، وأضاف استناد البروتستنتية إلى الكتاب إلحاحاً جديداً على إتباع ما ورد في الآية الثالثة عشرة من الإصحاح الثاني والعشرين من سفر الخروج، وشجعت عادة إخراج الشياطين الكاثوليكية الإيمان بالسحر، لأنها افترضت أن قوة الشياطين تسكن في البشر. وزعم لوثر أن خصمه الليبزجي يوهان إيك قد وقع ميثاقاً مع الشيطان، ورد يوهان كوخلايوس بأن لوثر نتاج جانبي لعبث الشيطان مع مارجريت لوثر(16).
وكان الناس يلجئون أحياناً إلى اتهام أعدائهم بالسحر للتخلص منهم. وكان للمتهمة الخيار في أن يوقع بها تعذيب طويل الأمد لاستخلاص اعتراف منها، أو أن تموت نتيجة للاعتراف. وقد نظم تعذيب المتهمين بالسحر في أوربة القرن السادس عشر "بوحشية هادئة لم تعهد... في الأمم الوثنية"(17). ويبدو أن كثيراً من الضحايا آمن بذنبهن-بأن لهن مع الشياطين معاملات وصلات، جنسية أحيانا(18). وكان بعض المتهمات ينتحرن، وقد دون قاضٍ فرنسي خمس عشرة حالة انتحار في سنة واحدة(19). وكثيراً ما بز القضاة العلمانيون رجال الكنيسة في التحمس لهذا الاضطهاد. وقد نصت قوانين هنري الثامن (1541) على عقوبة الإعدام لأي من عدة أفعال نسبت إلى الساحرات(20)، ولكن محكمة التفتيش الأسبانية دمغت قصص السحر والاعترافات بالسحر بأنها أوهام العقول الضعيفة، ونهبت مندوبيها (1538) إلى تجاهل طلب الجماهير لحرق الساحرات(21).
كانت الأصوات التي ارتفعت لحماية الساحرات أقل من تلك التي ارتفعت للدفاع عن المهرطقين، وكان المهرطقون أنفسهم يؤمنون بالساحرات. ولكن حدث في عام 1563 أن أصدر طبيب في كليفز يدعى يوهان فير بحثاً سماه "في الخدع الشيطانية" جرؤ في استيحاء وتردد على التخفيف من هذا الجنون. ولم يتشكك الطبيب في وجود الشياطين، ولكنه ألمع إلى أن الساحرات هن الضحايا الأبرياء لمس الشياطين، وأن الشياطين يخدعهن ليصدقن السخافات التي يعترفن بها. وفي رأيه أن النساء والأشخاص المصابين بعلة في البدن أو العقل يتعرضون أكثر من غيرهم لمس الشياطين، وخلص من هذا إلى أن السحر ليس جريمة بل هو مرض، ثم ناشد ملوك وأمراء أوربا أن يقفوا إعدام هؤلاء النسوة العاجزات. وبعد بضع سنوات عدل فير وضعه ليتلاءم مع جيله، فكتب وصفاً مفصلاً للجحيم وزبانيتها، ونظامها، وعملها.
قصة الحضارةج27 ص118-119، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
 
جوته (الشاعر الألماني الكبير)الذي مدح محمد رسول الله استفاد من الإسلام ولاشك
قال ديورانت عن العلم والدين(المفترض أن يقصره على المسيحية!) :" وفي فترة ظن الناس أن الأسطورة كاريكاتور كاثوليكي يسخر من لوثر، ولكن نظرة أعمق للأسطورة رأت أنها تعبير عن استنكار الدين للعلم "الدنيوي" الذي يناقض تقبل الكتاب المقدس في تواضع، لأن فيه الكفاية من العلم والحقيقة. أما جوته فقد استنكر هذا الاستنكار، وسمح لتعطش الإنسان للعلم بأن يطهر ذاته باستخدامه للصالح العام.
قصة الحضارةج27 ص120، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر
كوبرنيق -> الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
http://vb.tafsir.net/tafsir34743/#.Venocfntmko
 
بع المنشور السابق عن جوته الألماني
كتبت في حواري مع الدكتور موراني عن جوته التالي(يمكن تتبع الحوار من الرابط لمن أراد)
:"وفي دوائر غربية ايضا تؤكد تأثره منذ شبابه بالقرآن وبسيرة النبي وبأمور اسلامية كثيرة شرحتها مؤلفة غربية ليس لها شأن بالمثقفين العرب!
اسمها د. كاترينا ممسين، وهي من جامعة ستانفورد الولايات المتحدة الأمريكية وقد انفقت عشرات السنوات في تتبع تأثير المفاهيم الإسلام والقرآن وسيرة النبي محمد عليه.قالت هي هذا في ص 9 من كتابها الصادر عن عالم المعرفة الكويتية بعنوان (غوته والعالم العربي) ترجم كتابها الدكتور عدنان عباس علي، ، كتب الدكتور عدنان مقدمته من فرانكفورت
لها ايضا كتاب(جوته والاسلام) رؤية قديمة لعالم معاصر،ترجمة شيرين حامد فهمي مكتبة الشروق الدولية ، وبعد مقدمة طويلة للكاتبة الغربية كان العنوان التالي لها (جوته ودراسته للقرآن) ص35،ثم فصلها بعنوان(الرسول) ص43، وهناك كتاب (يوهان فولفغانغ غوته النور والفراشة رؤية غوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي)، هذا هو كامل العنوان، وهو من منشورات الجمل طبعة 2006، وهو كتاب بالحجم الكبير 530 صفحة ، قدم الترجمة مع تعليقات كثيرة وشروح د. عبد الغفار مكاوي، والدكتور عبد الغفار تكلم في ص89 عن المدى الذي تأثر به جوته بالإسلام منذ شبابه والرجل أتى بأدلة كثيرة
وهناك كتاب كامل بالعربية للاستاذ محمد علي البار بعنوان( هل كان جوته شاعر الالمان مسلما)
وهناك ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي( جيته الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) ، وللدكتور عبد الغفار تعليقات عليها في كتابه.
فليس صحيحا ان العرب فقط من اهتموا بهذا الأمر ، ولايعني وجود تأثيرات معينة على كاتب من ناحية فكرية او علمية أنه وقع تحت التأثير الكامل لتلك التأثيرات، فهناك من كتب عن تأثر جوته بسبينوزا مثلا مثل المؤلفة الغربية نفسها في كتابها عن جوته والاسلام انظر مثلا ص 55
ثم إنا والله لنعجب من المستشرقين ففي الوقت الذي ينسبون تأثير كل ما(أو من) هب ودب على الأرض على النبي ورسالته وعلى آيات القرآن ،مع انها أقوال ودعاوى سخيفة-مثل قول عالم المانيا في الاستشراق(نولدكه) عن (تأثر) الرسول بلفظ وقول لا اله الا الله من اليهود!!!-تجدهم ينفون تأثير بين واضح على شاعر مشهور من خلال اطلاعه هو و(عصره) على مأثورات الإسلام وأمجاده وعلومه وحقائقه الروحية والمادية، فأنت ثم حين تكلمهم بالأدلة الدامغة على تأثر شاعر غربي بالإسلام ينتفضون فزعا من ذلك، مع أن كل أوروبا تأثرت بالإسلام وعلومه مناهجه وعلماءه في جميع انواع العلوم كما ذكر ذلك كثير من علماء اوروبا مثل ول ديورانت وغيره كثير وكان التأثر بقيم وحضارة الإسلام، في المادة والروح والعقلي العلمي والتجريبيب ماجعل أوروبا تصير غير ماكانت عليه من ظلماتها وقذارة شوارعها.
-
تحت عنوان(أغنية محمد) كتب جوته يقول
هاهو يجري في الوادي متلالئا بهيا
والأنهار الجارية في الوهاد
والجداول الهابطة من الجبال
تهتف به صائحة :يااخانا
ثم يقول
والآن يعلو ويكبر
حمل معه الأمراء
وفي وسط انتصاراته
أعطى للبلدان أسماء
ودانت المدن تحت قدميه
طبعا يادكتور موراني هذا كله تحت عنوان شعر عنوانه اغنية محمد وليس اغنية نابليون مع ان جوته كان لبعض الوقت قريبا من نابليون اليس كذلك؟
وتعلق الكاتبة(كاترينا مميس) واظنها المانية بقولها:" لقد صوره جوته في صورة الإنسان الذي يخاف على بني جلدته من البشر فيعاملهم كإخوة له؛ ومن ثم يشد على أيديهم ، آخذا بهم إلى الحياة العليا ،إلى الحياة الأرقى. لقد حملت الأغنية المحمدية قناعاته حول الانقياد للطبيعة والتصالح مع العالم؛ وهي قناعات تتعارض مع نظرية التقشف المسيحي"(ص 49)
وهذه القصيدة بحسب كاترينا ممنيس كتبها جوته في عام 1773م بعدما قبع على دراسة كافية للأدبيات المحمدية
ثم هو الذي كتب مسرحيته الدراما المحمدية بعد ان منع اخته كورنيليا من المشاركة في إعادة عرض مسرحية فولتير المسماة ب"تطرف النبي محمد (راجع الكتاب المرفق لكاترين وهو بعنوان جوته والإسلام ص43،44،48
-
فنحن ياسيد موراني على ماعليه السيدة الألمانية صاحبة كتاب التأثير القرآني على جوته وهو مرفق يمكنكم قراءته وفيه تعرض من كلام جوته في"ديوان الشرق والغرب) قولهالتالي وفيه يذكر محمد رسول الله بالاسم كما يذكر فيه ايضا انه (ساد الدنيا بأسرها)!
(وأي أحد يمكن يفهم أنه يتكلم عن رسول الله محمد)
قال جوته :
وهكذا، فإن الحق
هو مانادى به محمد،
فبفكرة الله الواحد الأحد
ساد الدنيا بأسرها
----
هذا هو كلام جوته ومعرفته بسيادة محمد رسول الله للدنيا بأسرها، اربط هذا الكلام بافتتاحيته لديوانه عن(الهجرة) وبأغنية محمد،(قدمت بعض نصوصها) وفيها انجازات محمد في افتتاح المدن وتسميتها،(نصه: يقول
والآن يعلو ويكبر
حمل معه الأمراء
وفي وسط انتصاراته
أعطى للبلدان أسماء
ودانت المدن تحت قدميه)
تعلم أننا لانقول شيئا غريبا، إنما شاركنا فيه عمالقة ألمان(كاترينا، هونكه، هوفمان، إلخ)
وكلهم قالوا بقولنا في جوته بل قلنا بقولهم!
فأي غرابة في هذا سيد موراني؟
والنص اعلاه كتبته كاترينا في ص 81
-
هل تريد المزيد؟
كتب جوته بالحرف(بعثة محمد) على منوال(أغنية محمد) وخرجت للنور بعد موته في باريس عام1907م،
اسمع ياسيدي!
(بعثة محمد)
حينما كان يتأمل في الملكوت
جاءه الملاك على عجل
جاء مباشرة بصوت عال ومعه النور
اضطرب الذي كان يعمل تاجرا
فهو لم يقرأ من قبل.وقراءة
كلمة تعني الكثير بالنسبة له
لكن الملاك أشار إليه
وأمره بقراءة ماهو مكتوب
ولم يُبال وأمره ثانية :إقرأ
فقرأ،لدرجة أن الملاك انحنى
واستطاع القراءة
واستمع الأمر
وبدأ طريقه
---
والنص أوردته كاترينا في كتابها(المرفق في رابطنا هذا) ص85،86،87
-
اه دكتور موراني تقول لك كاترينا مومسن :" وبعد 88 عاما من موته، وقعت يد " رايتر ماريا رايكليه"(1875-1926م) على "بعثة محمد" التي خرجت إلى النور في باريس عام1907م"(ص 85)
واذا عندك ترجمة مختلفة للقصيدة فمرحبا بذلك واذا كان عندك نص" بعثة محمد" ليس فيه اسم محمد ولا مجيء الملاك له ولا ان معه النور فهلم إلينا به نستفيد منكم، فنحن نحب العلم والتعلم، بارك الله فيك.
لااراك علقت على كلام الدكتور ابراهيم ولا ورود اسم محمد كما آتيتك به وقد كنت تبحث عنه فلم تجده!
هلا قلت شيء في هذا الأمر بدل ان تبعدنا ولو قليلا لما اشرت اليه بلغة جوته
انت رجل خبير بالألمانية فإن رأيت مخالفة لما ذكرت(المؤلفة الألمانية) كاترينا مومسن فاهلا بذلك فالحكمة ضالة المؤمن
-
فإن وصف جوته محمدا هكذا ، فما هي نتيجة الاستقراء ؟ لا شيء . هو مجرد وصف شخصية في حضارة أخرى في القرن ١٨ م . ما لا يدل على إسلام جوته إذ كان يمدح شخصيات دينية وتأريخية أخرى في كتاباته .
يادكتور موراني، أنت رجل أكاديمي، ودعني أكلمكم بطريقة مصرية قليلا: حرام عليك أن تترك كل تاريخ جوته، من علاقاته(صداقة حميمة) بعلماء كبار ارتبط معهم بعشق للشرق، وحب لمحمد رسول الله، ونهل-معهم!- من القرآن الذي نزل عليه، وبسيرة النبي(الذي كتب هو مسرحية فيها!!!) وتأثر بمعان قرآنية وجماليات لغوية وبيانية وروحية ووجدانية فيه، ومنهم من كتب في التاريخ وفي مامنحه القرآن للعالم، وللإنسان العربي وعموم الانسان. ومنهم من دافع عن النبي محمد بكتب مشهورة ذاعت شهرتها في العالم كله وهو توماس كاريل صاحب كتاب (محمد المثل الاعلى) وهو نفسه كتابه(الأبطال) ...تترك ذلك كله وتقول ان جوته يصف وصفا ليس فيه مدحا ولا تأثرا ولاميلا ولا عشقا!!!!
تحجب أو تنسى علاقة جوته بالجو القرآني الروحاني والقيمي بل والعقدي، وقد ورد في كتاب جوته والإسلام للكاتبة الألمانية التي علمتنا حضرتك كيف نكتب اسمها أن جوته تعلم عقيدة القدر من القرآن وأوردت الادلة على ذلك.
تنسى علاقة جوته بالعالم الاسلامي بل ووصول رجالات من فرسان الإسلام إليه في داره،في المانيا، وقد راح يصلى معهم صلاة المسلمين وعبر عن وجودهم بتعبير جليل جميل رائق... تعبير دخل التاريخ كما دخل مشهد صلاتهم معه(صلاة الإسلام) او صلاته معهم في مقر المسيحية
وبالجملة فإنك تترك التاريخ وعلاقة جوته فيه بالقرآن وترجماته الغربية الإستشراقية وإنكاره لما فيها من خبث وتحريف، وهو مايعني أنه فهم القرآن وفهم رسالته-التي عبر عنها بشعر رائق- وتأثر بها كما قالت كارينا-ايما تأثر(راجع كتابها الذي وضعته لك)، وكتابها الآخر الذي وضعه لك الدكتور إبراهيم عوض..تترك ذلك كله ثم تقول لنا الرجل يصف وصفا لاتستشف منه شيء!!
عندما يروق لك أن تروح للتاريخ لتأتنا منه بدخول زيغريد هونكه الحزب النازي لغرض ذكرته انت في موضعه من هذا الملتقى الكريم ، تذهب للتاريخ معلنا انك حصلت على كنز يدين السيدة الألمانية منصفة حضارة الاسلام وتترك الفقه(المالكي مؤقتا) ،مع أن وقوعها في أسر الفكرة النازية كان مؤقتا وطارئا على شخصيتها بدليل كتاباتها اللاحقة عن الإسلام، وعندما نطرح او نضع أمامك التاريخ مكتوبا مكشوفا باديا كالقمر في مئات الصفحات وبقلم ألماني خبير، عرض عليك من تقاسيم المؤثرات المتلالئة التي ذكر جوته نفسه أنها أثرت عليه ورغبته في هذا الدين العظيم، بل واندمجت روحه بروحه، حتى إنه كثيرا مانطق بالقرآن وحب الإسلام في مواضع من الصعب على غير مسلم أن يستدعيها إلى روحه في تلك الاحداث والمواضع التي تتلاشي فيها العقول احيانا ولاتذكر حتى اقرب الناس اليها ، مثل مرض عزيز او صديق له أو مثل موت أخته،إلخ..فتجده يرسل رسائل وفيها بدلا من نصوص انجليلية كلمات اسلامية بل تصريح بإسم الإسلام...عندما نعرض عليك ذلك تعرض وتنكر!!
ويكفي أن عظيم المانيا في الشعر الرومانتيكي قال عن القرآن إنه كتاب الكتب، لتعرف أن في كلامه شيء من تعظيم القرآن وترفيعه فوق الكتب والعقائد ، وفي نفسه كثير من روح القرآن، وفي الفاظه حتى في الاوقات الصعبة كثير من مدح الإسلام متأثرا بعقائده التي تصنع التوازن في النفس مثل الرضا بمصيبة الموت او المرض المقدر وعدم التشكي منه.
النصوص كثيرة وكل ماقلته لك موجود في الكتاب الذي احضرته اليك والكتاب الذي احضره الدكتور ابراهيم عوض اليك، الأمر يحتاج للقراءة ثم النقاش..القبول او الرفض.
الأمر ليس قصيدة شعر قد تحتمل عند من لايعرف مقصود جوته بها أن يقول إنه ليس لمحمد رسول الله وجود فيها، مع ان الأمر هو أن محمد حاضر في روح جوته غالبا، منذ شبابه حتى مقاربته الثمانين عاما أو اكثر!!، والقرآن حاضر بألفاظه ومعانيه في كثير من كتابات جوته ورسائله، وماكتبه من مسرحية او رسائل أو شعر.
كذلك الأمر يتعدى أو يتجاوز شخص جوته، ليصير بعد فحص التاريخ إلى وجود مؤثرات عظيمة على جيل جوته، على اصدقاءه ومنهم من كتب فعلا كتب في مدح محمد رسول الله مثل توماس كاريل(كمثال!)
هذا ليس استقراء بل تاريخ موثق
وشكرا لك.
-
جوته لم يكن محاورا في محافل لها أغراض!!، وإنما جوته تأثر منذ يفاعته وقرأ عن القرآن والرسول منذ شبابه، وكان أقرب الناس إليه هم من كبار الكتاب في عصره.. ومن حسن الأقدار أنهم كانوا قريبون نوعا ما من مفاهيم اسلامية كانت غريبة على اوروبا حينذاك، ومنهم تعلم جوته وفي رعايتهم ترعرع، واستوى عوده على سماحة الإسلام، وقراءة سيرة النبي مفتونا بها وبه، وبالتوحيد والمشيئة الإلهية، وجماليات اللفظ القرآني الذي حلق في مدارات الكون والإنسان والروح والفطرة البشرية
ثم كتب جوته بنفسه شعرا يرشح معان اسلامية وفي كثير منها خليط بين آية قرآنية أو معنى قرآني وبين مافهمه هو من القرآن!
ثم كتب مسرحية عن النبي ويبدو أنه واجه بها أحقاد فولتير في مسرحيته عن ماافتراه عن تطرف مزعوم للنبي ، مع أن فولتير نفسه استفاد ايضا من محمد رسول الله كثيرا وقد كتب ول ديورات في قصة الحضارة أمورا قريبة مما أقول!، ثم طريقة حياة وكلام جوته تجدها مغموسة في ألفاظ القرآن ومعان أسلامية ليست موجودة في المسيحية وكأنه كان يتعمد الإشارة لكل من حوله أنه يعيش بالإسلام!
ولايقول أحد أن القرآن كتاب الكتب وأنه على مافهم من الإسلام :مسلم!(نحتاج هنا أن عرض نصوصه) الا إذا تفجرت ينابيع قرآنية أصيلة في مجاري نفسه وشرايين روحه وشرائح دمه وخيوط كيانه الممتزجة من روح شفافة وجسد نشيط.
لانتكلم عن إسلام الرجل وإن كان تحليل نفسية جوته منذ شبابه يقود الإنسان إلى أن يضع فكرة عن إسلامه.اما عن صوفية جوته فالرجل لم يطلع إلا متأخرا عن الأشعار والأفكار الصوفية..إن أعظم تأثير على جوته كان من القرآن مباشرة، وبحث نفسي فضولي حركته حركة فكرية محدودة في زمانه ومكانه.
ومن حاجة روحية إلى روح أصيل في الكون وشغف بروحانية علمية مقنعة.
-
هل للدكتور موراني ان يعرفنا ماهي العلاقة بين"نشيد" و" محمد" في عنوان شعر جوته(نشيد محمد)، وهل لذلك علاقة بالمتن!؟
ماذا يقصد جوته بمحمد، هل هو محمد بوبانبرت!، او هل يقصد به محمد الألماني(لاتتعجب فقد جعلت بعض الأساطير البيزنطية من محمد(رسول الله) رجلا من روما هرب للشرق وادعى النبوة، وعلى ذلك فالمرء سوف لن يندهش إذا جعلوا لشعر جوته محمد غير المحمود الأحمد!.
انت تقول سيادة الدكتور انه ليس في قصيدة (أغنية محمد) لجوته إسم محمد إلا في العنوان، فهل لك أيها المحترم الكريم أن تخبرنا عن من هو محمد عند جوته، ولما وضع اسمه كأنشودة في انشودة!
ولماذا فسر بعض المحللين الألمان القصيدة بأنها تعني محمد رسول الله.
وهل يمكن، لنا، لو رجعنا إلى حياة جوته، أن نعرف من هو محمد هذا، وهل له دور عميق أو سطحي، في حياة جوته.
وهل صرح جوته في أماكن أخرى من مشروعه الأدبي والقيمي بإسم محمد غير عنوان تلك القصيدة الغامضة؟
هل حمد جوته محمد ودينه ، وهل جعل كتابه الذي أنزل إليه كتاب الكتب؟
وهل كتب في سيرة شخص عربي اسمه محمد، وهل هو رسول الإسلام؟
الإجابة التي لاتريد أن تصل إليها سيد موراني هي بالإيجاب، أي نعم إن محمدا في أغنية محمد هو نفسه محمد الذي جاء برسالة عظيمة،صرح جوته أنه تأثر بها،وبآياتها القرآنية فكتب في مدح قيمها وتوحيدها وروحها!
وهل ماورد عن جوته مكتوبا لايعبر الا كما تقول في نصكم التالي:"أن هذا الشاعر كان ذا حماسة بالحضارات والثقافات الأخرى كما كان غيره في الفنون التشكلية الشرقية والأخذ بها . هذا ما نسميه في تأريخ الأدب الألماني : تأثير الشرق (ليس الشرق الإسلامي فحسب!) على الغرب أو كما نقول : هذا روح العصر (Zeitgeist )"
أم أن هناك مزيد من الحقائق لاتريد أن تراها بينما رآها محللون ألمان وغير ألمان من خلال نصوص صريحة لجوته يمكنك تفحصها من كتاب جوته والإسلام(لاحظ العنوان) لكاترينا الألمانية!؟
اذا وصلت لاجابة موضوعية في هذا الشأن فلاشك أنك ستصل للاجابة على سؤال مداخلتك رقم(26)
بقي مشاركتي تحت الرقم ٢٦ بغير إجابة . لا بأس .
فمحمد الانشودة هو محمد في مسرحية جوته هو محمد في شعر جوته المنحوت بحرف جوته وبلفظ واضح هو (بعثة محمد) هو محمد الذي تكلم عنه جوته في نصوص وضعتها الألمانية كاترينا في كتابيها الذين ارفقناهما لك، في هذا الرابط
إنه محمد رسول الله .
ويبدو انك سيد موراني تريد أن تلقي لنا بمراجعك حينما تظن أن ذلك في صالح فكرتك بينما لاتلتفت لما نهديه إليك مترجما من لغتك الأصل والمؤلف-فيما أظن ألماني(كاترينا Katharina Mommsen)
-
قال الدكتور إبراهيم عوض في كتابه (من قضايا في الأدب المقارن):"
قد كان المزاج الأوربى الذى ساد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مشبَّعا بأسباب التنافر والتباعد لا بمظاهرالتآزر والتقارب. حقا لقد كانت هناك نقط التقاء توحِّد بين الأدباء الأوربيين فى ذلك الوقت، إذ كانوا جميعا يَرَوْنَ فى شعراء اليونان واللاتين القدماء مَثَلهم الأعلى الذى يتعين عليهم أن يحتذوه، إلا أن روح القومية التى سادت فى ذلك الوقت كانت تعصف بكل رغبة فى التسليم بتبادل التأثير بين الآداب الأوربية بعضها وبعض.
لكن ظهرت فى ألمانيا فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر حركة نادت بــ"الأدب المقارن" حيث تتجمع الآداب المختلفة كلها فى أدب عالمى واحد يبدو وكأنه نهر يرفده كل أدب من الآداب القومية بأسمى ما لديه من نتاج إبداعى وقيم إنسانية وفنية. وكان زعيم هذا الاتجاه الشاعر الألمانى جوته (1749- 1832م)، الذى عد نفسه نموذجا تتجمع فيه صفة العالمية، فلقد كان مطلعا على الآداب الأوربية متمثلا قيمها واتجاهاتها، ومدّ بصره إلى خارج الحدود الأوربية الضيقة المضطربة فوجد فى الآداب الشرقية الإسلامية عاملا رحبا لا نهائيا من الطهر والطمأنينة بدا له وكأنه قبس من نور النبوة، كما وجد منبعا صافيا من الإبداع والإلهام المتجدد عبّر عنه بوضوح فى ديوان سماه: "الديوان الشرقى للمؤلف الغربى" كتب فى مقدمته: "هذه باقة من القصائد يرسلها الغرب إلى الشرق، ويتبين من هذا الديوان أن الغرب قد ضاق بروحانيته الضعيفة الباردة فتطلع إلى الاقتباس من صدر الشرق".
ولقد استطاع جوته بثقافته العميقة الواسعة ومكانته البارزة وقدرته الفذة على الإبداع أن يجعل فكرة التواصل بين الآداب الأوربية خاصة، والآداب كلها بعامة، تستقر فى الأذهان وتصبح من الأمور المسلَّمة التى لا تقبل الجدل على الرغم من طغيان العصبية القومية فى أوربا... وهكذا بدت دعوة "الأدب العالمى" وكأنها كانت بمثابة تمهيد طَبَعِىّ لنشوء فكرة "الأدب المقارن"..." (د. محمد السعيد جمال الدين/ الأدب المقارن- دراسات تطبيقية فى الأدبين العربى والفارسى/ ط 2/ دار الاتحاد للطباعة/ 1417هـ- 1996م/ 7- 11)".
وقال ايضا في نفس الكتاب:"
إن الدكتور عبد الحميد يرفض أن يكون الأدب المقارن عندنا نحن العرب فى خدمة أفكار الأوربيين بحيث يقتصر الكلام فيه على تأثير الآداب الأوربية فى أدب العرب دون الاهتمام بالسير فى الاتجاه المقابل، اتجاه تأثير الأدب العربى فى الآداب الغربية. ونحن معه فى هذا، إلا أن ما يوحيه كلامه من أن المقارنين العرب كلههم على بكرة أبيهم تقريبا قد فعلوا ويفعلون هذا غير صحيح.
بل إن الدكتور غنيمى هلال ذاته قد تكلم فى عدة مواضع من كتابه عن ذلك التأثير، وإن لم يتوسع فيه توسعه فى الحديث عن التأثير المضاد. ولدينا مثلا عبد الرحمن صدقى، الذى أبدع كتابا عن تأثر الشاعر والفيلسوف الألمانى جوته بأشياء كثيرة من الأدب العربى والقرآن والسنة النبوية. ومثله فى ذلك عبد المطلب صالح صاحب كتاب "موضوعات عربية فى ضوء الأدب المقارن"، وفيه ألقى أضواء ساطعة على ما ما يدين به الشاعر والقصاص الفرنسى الكبير فكتور هيجو فى إبداعاته للإسلام، وكذلك د. مكارم الغمرى، إذ لها كتاب هام بعنوان "مؤثرات عربية وإسلامية فى الأدب الروسى"، كشفت فيه بالتفصيل تأثر كبار الأدباء الروس بالأدب العربى والإسلام. وهناك د. أحمد محمد البدوى وكتابه: "أوتار شرقية فى القيثار الغربى"، الذى كشف الستار فيه عن تأثر الشاعر والقصاص الأمريكى الشهير إدجار ألن بو بعناصر إسلامية واضحة. ولدينا أيضا د. عبد الله الطيب (السودانى)، الذى تحدث عن تأثر ت. س. إليوت بمعلقة لبيد بن ربيعة. وعندنا كذلك د. بديع محمد جمعة، الذى له بحث عن تأثر الأدب الفارسى بالأدب العربى فى فن المقامة.
ويقول ايضا حفظه الله في نفس الكتاب:"
ويؤكد الدارسون المقارنون عن حقٍّ أن التأثر بإبداعات الآخرين لا يعد عيبا، فالحياة قائمة على التعاون والأخذ والعطاء، وليس هناك مبدع يأتى بإبداعاته من الفضاء الخارجى، بل الكل يعتمد على الكل إن صح التعبير، مضيفا إليه بعض التفصيلات أو محورا فيما أخذ أو مستدركا عليه أو معيدا تنظيمه وفى مثل هذه الأمور يمكن أن تكمن العبقرية الإبداعية.
وفي وسع الدراسات المقارنة أن تتناول مثلا موضوع الغيرة أو الانتقام أو التضحية في سبيل الواجب أو بعض العادات أو السلوكيات أو المعتقدات أو القيم، فتلقي ضوءا قويا كاشفا على عبقرية الكتاب الذين تناولوا هذا الموضوع. لنأخذ مثلا مسرحية "فاوست" لجوته، حيث نرى فاوست في أول المسرحية شقياكل الشقاء بعقله ويهم بالانتحار، ثم يتولد فيه الأمل ويأخذ في نشدان السعادة عندما يبدأ في التفكير في المستقبل، ويظل على هذا طوال الجزء الأول من المسرحية. ثم ينتهي هذا الجزء بنجاة مرجريت منه ومن روح الشر المسيطرة عليه، مفضلة البقاء في السجن والبعد عن حبيبها. وفي الجزء الثاني يظل فاوست منغمسا في تجارب الحياة المادية إلى أن يتعرف على هيلين رمز الجمال الخالص، فيهتدي عن طريقها إلى الخير والعفة والفضيلة. وهذه القصة نفسها تمثلا لمحور العام لمسرحية "شهر زاد" لتوفيق الحكيم، إذ هى أيضا تعالج قضية الصراع بين العقل والقلب، مما يوضح تأثر توفيق الحكيم بجوته كما لاحظ الدارسون المقارنون الذين عكفوا على دراسة هذين العملين. ونفس الأمر نجده عند اللورد بيرون في مسرحيته: "مَنْفِرِدْ"، التى نشرت عام 1887م، والتى تأثر فيها الشاعر الإنجليزي من بعض الوجوه بمسرحية نظيره الألمانى، إذ يظهر فيها الساحر منفرد فريسة لليأس والندم بسبب حب آثم قضى على محبوبته، فيحاول استدعاء أرواح الأرض والسماء لنجدته، إلا أنها تعجز عن أن تهبه نعمة النسيان، فيحاول الانتحار، ولكن يتم إنقاذه لنراه رغم ذلك يأبى الخضوع للأرواح الشريرة. ثم يظهر شبح المحبوبة، التى ترفض أن تغفر له ما صنعه معها، وتتنبأ بموته في الغد. وفي لحظة الموت تظهر أرواح الشر، فيرفض أن يخضع لها كما رفضت مرجريت في مسرحية "فاوست" أن تخرج من سجنها جزعا من روح الشر. ويلعن منفرد الشياطين لأنه لا يصح المعاقبة على الجرائم بجرائم مثلها، فعذاب الضمير أبشع من عذاب الجحيم.
 
تبع المنشور السابق(2) عن جوته الألماني
شكرا للدكتور موراني على تبيين رأيه بصورة أكثر وضوحا.
ودعوني أقول على حسابي الخاص أننا سمعنا في الغرب عن "موت الإنسان"وقد أعلن ذلك فوكو وعن "موت القارئ"وقد أعلن ذلك مابعد الحداثيون..وماقاله نيتشه مخترع السوبر مان من قبل عن موت ماتخيله أنه الإله، وهناك في الحقيقة من يدفع الى القول ب (موت الثقافة)!
فكثيرون في الغرب، يقتلون الثقافة عندما تسطع في الكتب العتيقة وعلى ألسنة العظماء ..عندما تنطق بالحق، عندما يظهر المثير وتتجلى الاستجابة..عندما ينطبع الأثر، وتُرسم البصمة، وتزرع الشفرة، وتخلُف الرمز والحقيقة والمجاز ، وتهدر من خلال شقوقها الرقراقة الظلال والعيون الجميلة ، ويبصر الانسان هدير شلال الأثر المتحدر من الأشياء الواطئة الذي اختلطت بالدماء والأرواح وتعلقت بالظلال والأشياء ، وتجوهرت (في التاريخ والعقل ) ،و لمعت في العلوم والآداب، وسرت مياهها وضيائها في الارواح والبلاد، وتجوهرت ماهيتها مع التاريخ والورق حتى طلعت شمس العرب على الغرب، والشرق، الشمال والجنوب، ونور الله على صناع الحضارة الأصلية ..التي أمدت الانسان والأشياء بقوت الأرواح والأجساد،والعقول، ذلك أن تلك الاعجوبة التاريخية، التي ادهشت المؤرخين والسائرين في مواكب الأسفار الدائمة أطلت على التاريخ وسطرته، وتلألأت من فاران وصنعته وأشرقت في الجزائر والتلال البعيدة وجبال البرانس وبدلته، وتضمخت محابرها ورياحها ، وعبقها وعبيرها بتراب الأندلس وبغداد، وصقلية وقرطبة، وغرناطة والقاهرة والشام، أما نفاة التاريخ فيحاولون إطفاء الأنوار ونزع ماقبل السطور ومافيها ومابعدها.. يزرعون ثقافة اللاحقيقة عندما يلصقون بالتاريخ والثقافة مالم يكن منها على الاطلاق، وفي هذه الأخيرة المزاعم التي رمي بها النبي محمد من أنه تأثر بكل شيء كان موجودا وما لم يكن موجود!، إلا شيئا واحدا -ينفونه-هو الوحي الذي وُجد في الحقيقة وأوجد الحقيقة ، أثر على كل شيء ولم يتأثر بأي شيء لأنه يحيط بالأشياء ولاتحيط به الأشياء ، قيم على الأفكار والأديان والحكام ولم يُعلى عليه، ولاعليه قيم.. هيمن على العالم والواقع ولم يهيمن عليه.
فلله الحمد والمنة
 
العلوم الرياضية
:"كان للخطوات التي خطتها العلوم الرياضية، والتي تبدو لنا اليوم تافهة، الفضل في شحذ أدوات الحساب في العصر الذي نحن بصدده. فأدخل كتاب مايكل ستايفل Arithmetica integra (1544) علامات الزائد والناقص، وكان كتاب روبرت ريكورد Whetstone of Wit (1577) أول الكتب المطبوعة التي استعملت علامة "يساوي". أما كتب الحساب التي ألفها آدم ريزي، والتي كانت في زمانها ذائعة الصيت، فقد أقنعت ألمانيا بالانتقال من الحساب بالفيشات إلى الحساب التحريري. ونشر يوهان فرنر (1522) أول بحث حديث عن المخاريط، وواصل جيورج ريتيكوس عمل ريجيو مونتانوس في حساب المثلثات، فضلاً عن أنه ساعد كوبرنيق على نشر نظريته.
قصة الحضارة ج27 ص125، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الثورة الكوبرنيقية
 
أما الفلك فقد أتيح له من الحسابات خير مما أتيح من الآلات. وعلى أساس هذه الحسابات تنبأ بعض المنجمين بطوفان ثان يقع في "فبراير 1524" حين يلتقي المشتري وزحل في برج الحوت، مما حمل مدينة تولوز على بناء فلك للاحتماء به، والأسر الشديدة الحيطة على خزن الطعام في قمم الجبال(28). وكان أكثر الآلات الفلكية من مخلفات العصر الوسيط: كرات سماوية وأرضية، وعصا يعقوب، وإسطرلاب، وكرة ذات حَلَق، وربعيات واسطوانات، وساعات كبيرة، وبوصلات، وعدة أدوات أخرى ليس من بينها التلسكوب ولا الفوتوغرافيا. بهذا الجهاز استطاع كوبرنيق أن يزلزل الدنيا.
قصة الحضارة ج27 ص125، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الثورة الكوبرنيقية
 
كوبرنيكوس
:"وميكولاي كوبرنيك هذا كما تدعوه بولندة، أو نيكلاس كوبرنيج كما تدعوه ألمانيا، أو نيكولاوس كوبرنيكوس كما يدعوه العلماء، ولد في 1473 بمدينة تورن على نهر فستولا في بروسيا الغربية، وكان الفرسان التيوتون قد نزلوا عنها لبولندة قبل ذلك بسبع سنوات. وأمه من أسرة بروسية غنية، أما أبوه فقدم من كراكاو وأقام في تورن واشتغل بتجارة النحاس. ولما مات الأب (1483) كفل أبناءه شقيق الأم، لوكاس فاتزيلرودي، أسقف إيرملاند وأميرها. وأرسل نيكولاس إلى جامعة كراكاو حين بلغ الثامنة عشرة ليعد نفسه للقسوسية. على أنه أقنع خاله بأن يسمح له بالدراسة في إيطاليا لأنه لم يحب الفلسفة الكلامية التي حظرت الدراسات الإنسانية. فعين بنفوذ خاله كاهناً في كاتدرائية فراونبورج ببروسيا الشرقية البولندية، ثم منحه أجازة ثلاث سنوات.
وفي جامعة بولونيا (1497-1500) درس كوبرنيق الرياضيات، والفيزياء، والفلك. وكان من بين معلميه أستاذ اسمه دومنيكو دي نوفارا، تتلمذ من قبل على ريجيو مونتانوس، وانتقد ما في نظرية الفلكي بطليموس من تعقيد سخيف، وعرف تلاميذه بقدامى الفلكيين اليونان الذين تشككوا في ثبات الأرض ووضعها المركزي. فقد كان من رأي فيلولاوس البيثاجوري، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أن الأرض وسائر الكواكب تدور حول هستيا، وهي نار مركزية لا نراها لأن كل أجزاء الأرض المعروفة تحول بعيداً عنها. وقد روى شيشرون أن هيكيتاس السيراكيوزي، وهو من فلكي القرن الخامس ق. م. أيضاً، كان يعتقد أن الشمس والقمر والنجوم ثابتة، وأن حركتها الظاهرية مرجعها دوران الأرض حول محورها. وذكر أرخميدس وبلوتارخ أن أريستارخوس الساموسي (310-230 ق. م.) رأى أن الأرض تدور حول الشمس، وأنه اتهم بالضلال، وأنه عدل عن رأيه، ويقول بلوتارخ أن سلوقس البابلي أحيا الفكرة في القرن الثاني قبل الميلاد. وكان من الجائز أن ينتصر هذا القول بوضع الشمس المركزي في العصور القديمة، لولا أن كلوديوس بطليموس الإسكندري أكد من جديد، في القرن الثاني بعد الميلاد، نظرية وضع الأرض المركزي، وأكدها بقوة وعلم كبيرين بحيث قل من جرؤ بعده على تحديها. وكان بطليموس نفسه قد قرر أن على العلم وهو يحاول شرح الظواهر الطبيعية أن يتبنى أبسط ما يمكن من فروض متفقة مع الشاهدات المسلم بها. ومع ذلك فإن بطليموس، كهيبارخوس من قبله، حين أراد تفسير حركة الكواكب الظاهرية، اضطرته نظرية وضع الأرض المركزي إلى افتراض مجموعات معقدة تعقيداً محيراً من الدوائر الصغيرة (epicycles) والدوائر مختلفة المركز (eccentrics) . فهل من سبيل إلى فرض أبسط؟ نيكولي أوريسمى (1330-82) ونيكولاس الكوزاوي (1410-64) فجددا فكرة دوران الأرض، وكتب ليوناردو دافنشي (1452-1519) قبيل ذلك يقول: "إن الشمس لا تتحرك... وليست الأرض في مركز دائرة الشمس، ولا هي في مركز الكون"(30).
وأحس كوبرنيق أن نظرية مركزية الشمس تستطيع أن "تنقذ المظاهر"-بشرحها الظواهر الطبيعية المشاهدة-بإحكام أشد من الرأي البطلمي. ففي سنة 1500 ذهب إلى روما وقد بلغ السابعة والعشرين، ربما لحضور اليوبيل، وألقى هناك محاضرات تقول رواية إنه شرح فيها نظرية دوران الأرض على سبيل التجربة. وكانت أجازته قد انتهت، فعاد للقيام بواجباته الدينية كاهناً في فراونبورج. ولكن رياضيات مركزية الأرض كانت تشوش صلواته. فطلب الإذن باستئناف دراساته في إيطاليا، مقترحاً الآن أن يدرس الطب والقانون الكنسي- وهو ما بدا لرؤسائه أدخل في مهنته من الفلك. وقبل ختام القرن الخامس عشر كان قد عاد إلى إيطاليا. ونال درجة القانون في فرارا (1503)، ولم ينل درجة في الطب فيما يبدو، ثم ارتضى الرجوع ثانية إلى فراونبورج. وما لبث خاله أن عينه سكرتيراً وطبيباً (1506)، ربما ليتيح له متسعاً من الوقت للاستزادة من الدرس. وعاش كوبرنيق ست سنوات في قلعة الأسقفية بهايلسبرج وهناك وضع الرياضيات الأساسية لنظريته، ثم دونها في مخطوط.
فلما مات الأسقف الكريم عاد كوبرنيق إلى مكانه في فراونبورج. وواصل ممارسة الطب، وكان يعالج الفقراء مجاناً(31). وقد مثل كهنة
الكاتدرائية في مهام دبلوماسية وأعد لسجسموند الأول ملك بولندة خطة لإصلاح العملة البولندية. وفي مقال من مقالاته الكثيرة عن المالية ذكر هذه العبارة التي عرفت فيما بعد بقانون جريشام: العملة الرديئة... تطرد العملة القديمة الأحسن منها(32). وهو يعني أنه إذا أصدرت حكومة ما عملة منحطة اختزنت العملة الجيدة أو أصدرت وامتنع تداولها، ودفعت الضرائب بالعملة الرديئة، و "نقذ الملك من عملته". بيد أن كوبرنيق واصل أبحاثه الفلكية وسط هذه المشاغل المتنوعة. ولم يكن وضعه الجغرافي مواتياً لأبحاثه هذه، ففراونبورج قريبة من البلطي. يلفها الضباب أو السحاب نصف الوقت. وكان يحسد كلوديوس بطليموس، الذي كانت "سماؤه أبهج، حيث لا ينفث النيل الضباب الذي ينفثه نهر نافستولا. لقد حرمتنا الطبيعة تلك الراحة وذلك الهواء الهادئ"(33). لا عجب إذن أن يعبد كوبرنيق الشمس أو يكاد. ولم تكن أرصاده الفلكية كثيرة ولا دقيقة. ولكنها لم تكن ذات أهمية حيوية لهدفه. وكان في أغلب أحيانه ينتفع بالبيانات الفلكية التي خلفها له بطليموس، واعتزم أن يثبت في كل ما وصل إليه من مشاهدات يتفق خير اتفاق مع نظرية مركزية الشمس.
وحوالي عام 1514 لخص ما انتهى إليه من استنتاجات في "تعقيب موجز". ولم يطبع الكتاب في حياته، ولكنه وزع بعض نسخ مخطوطة على سبيل جس النبض. وقد قرر فيه استنتاجاته ببساطة واقعية، وكأنها لم تكن أعظم ثورة في التاريخ المسيحي. قال:
1- ليس هناك مركز واحد لميع الكرات السماوية.
2- إن مركز الأرض ليس مركز الكون، بل هو نقطة مركز الجاذبية والكرة القمرية.
3- كل الكرات (الكواكب) تدور حول الشمس بوصفها نقطتها الوسطى، وإذن فالشمس مركز الكون. عن الشمس بحيث أن المسافة من الأرض إلى الشمس لا تدرك لضآلتها بالقياس إلى ارتفاع قبة السماء.
5- إن الحركة التي تظهر في قبة السماء لا تنشأ عن أي حركة في قبة السماء بل عن تحرك الأرض. والأرض هي وعناصرها المحيطة بها تدور دورة كاملة حول قطبيها الثابتين في حركة يومية، في حين تظل القبة الزرقاء والسماوات العليا ثابتة لا تتغير.
6- إن ما يبدو لنا حركات للشمس لا ينشأ عن تحركها بل عن تحرك كوكبنا الأرضي، الذي يجعلنا ندور حول الشمس كأي كوكب آخر.
7- أن ما يبدو من تراجع الكواكب وحركتها المباشرة لا ينشأ عن حركتها بل عن حركة الأرض. إذن فحركة الأرض وحدها تكفي لتفسير الكثير من المفارقات البادية في السماوات(34).
ولم يلق الفلكيون القلائل الذين قرأوا كتاب التعقيب كبير بال إليه. وأيدي البابا ليو العاشر اهتماماً لا تحيز فيه بالنظرية حين أحيط بها علماً وطلب إلى أحد الكرادلة أن يكتب إلى كوبرنيق طالباً إيضاح فكرته. وحظي الفرض برضى كبير في البلاط البابوي المستنير دام بعض الوقت(35). أما لوثر فقد رفض النظرية حوالي عام 1530 قائلاً: "إن الناس يستمعون إلى منجم محدث حاول التدليل على أن الأرض تدور، لا السموات ولا القبة الزرقاء، ولا الشمس ولا القمر... فهذا الأحمق يريد أن يقلب نظام الفلك كله رأساً على عقب. ولكن الكتاب المقدس ينبئنا بأن يشوع أمر الشمس لا الأرض أن تقف"(36). وأما كالفن فقد أجاب كوبرنيق بآية من المزمور الثالث والتسعين "أيضاً تثبتت المسكونة، لا تتزعزع" ثم تساءل: "فمن يجرؤ على ترجيح شهادة كوبرنيق على شهادة الروح القدس؟(37)". هذه الاستجابة لكتاب "التعقيب" فتت في عضد كوبرنيق حتى أنه أبعد أن أكمل كتابه الكبير حوالي عام 1530 قرر أن يحبسه عن النشر. وواصل القيام بواجباته في هدوء، وحاول الاشتغال قليلاً بالسياسة، وفي ستيناته اتهم بأن له خليلة(38).
قصة الحضارة ج27 ص126-131، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الثورة الكوبرنيقية
 
فكرتين لكوبرنيق يرفضهما العلم اليوم
:"وقد نقل كوبرنيق من الأرض إلى الشمس فكرتين يرفضهما العلم اليوم، أولاهما: أن الشمس هي المركز التقريبي للكون، والأخرى أنها ساكنة. وحسب أن الأرض ليست لها دورة حول محورها وأخرى حول فلكها فحسب، بل حركة ثالثة ظنها ضرورية لتفسير ميل محور الأرض ومبادرة الإعتدالين.
وعلى ذلك يجب ألا نبتسم-ونحن ندرك الموقف بعد هذه القرون-سخرية من أولئك الذين تأخروا طويلاً في اعتناق نظرية كوبرنيق. ذلك أنه لم يطلب إليهم مجرد تصور الأرض وهي تدور وتندفع في الفضاء بسرعة رهيبة على عكس ما تشهد به حواسهم شهادة مباشرة، بل أكثر من ذلك أن يسلموا بعمليات حسابية تتوه فيها العقول ولا تقل في تحييرها للإفهام عن حسابات بطليموس إلا بقدر طفيف. ولم تبد النظرية الجديدة متفوقة على القديمة بصورة واضحة إلا بعد أن صاغ كبلر وجاليليو ونيوتن جهازها ليحقق بساطة ودقة أعظم، وحتى بعد هذا يجب أن نقول عن الشمس تلك الكلمات التي ربما قالها جاليليو عن الأرض "ومع ذلك فهي تدور". هذا وقد رفض تيكو براهي فرض مركزية الشمس بحجة أن كوبرنيق لم يرد على اعتراضات بطليموسرداً مقنعاً. وأعجب من هذا الرفض تلك السرعة النسبية التي قبل بها النظرية الجديدة فلكيون كريتيكوس، وأوزياندر، وجون فيلد، وتومس ديجيز، وإرزمس رينهولد-الذي بنى "جداوله البروتنية" (1551) للحركات السماوية على نظرية كوبرنيق إلى حد كبير.
قصة الحضارة ج27 ص137، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الثورة الكوبرنيقية
 
الثورة الكوبرنيقية كما يسمونها وماذا فعلت في المسيحية
:"كانت الثورة الكوبرنيقية أشد عمقاً من حركة الإصلاح البروتستنتي، فقد جعلت الفروق بين العقائد الكاثوليكية والبروتستنتية تبدو تافهة، وتخطت حركة الإصلاح البروتستنتي إلى حركة التنوبر، من أرزمس ولوثر إلى فولتير، وحتى إلى ما بعد فولتير، إلى لا أدريه القرن التاسع عشر المتشائمة، هذا القرن الذي سيضيف الكارثة الداروينية إلى الكارثة الكوبرنيقية. ولم يكن هناك سوى واق واحد من أمثال هؤلاء الرجال، وهو أن قلة قليلة فقط في أي جيل هي التي ستدرك ما ينطوي عليه فكرهم من معان. فسوف "تشرق" الشمس و "تغرب" حين كوبرنيق قد طوى في زوايا النسيان.
قصة الحضارة ج27 ص139، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الثورة الكوبرنيقية
تعليق
لم يلجأ المسلمون إلى إنكار دينهم وهم يندفعون في ثقة في دراسة الكون وذلك أن دينهم هو من نبههم إلى الدراسة ودعاهم إلى الملاحظة وحثهم على فهم الكون وأنه كون مخلوق له أسباب وعلل وحكم في الخلق والتنظيم والتناسق
بخلاف المسيحية فإنه بمجرد اكتشاف كوبرنيكوس-الذي لم يوجد لولا ماتقدمه من علوم انبنت على منهج المسلمين التجريبي-فإنهم فقدوا صوابهم وولجوا في الظلم العلمانية الكثيفة من فكر ولاادرية وتنوير متحرر من الدين سموه تنويرا وهي ظلمات بعضها فوق بعض ومافيه من خير هو نذر يسير إذا قارناه بالتيه الذي أُدخل الإنسان فيه ففقد في النهاية معرفته بغاية الوجود الإنساني وحقيقة الدين كما نرى أخر التطورات الفكرية في عالم العلمانية اليوم.
وكانت بداية ذلك ماقلناه وماعبر عنه ديورانت بقوله:"كتب جيمس وولف إلى تيكو براهي في 1575 يقول: "ما من هجوم على المسيحية أشد خطراً من القول بضخامة السماوات وعمقها اللانهائيين"-مع أن كوبرنيق لم يقل بلا نهائية الكون. فلا بد أن الناس حين توقفوا للتأمل في المعاني التي تتضمنها النظرية الجديدة راحوا يتساءلون عن صواب القول بأن خالق هذا الكون الهائل المنظم قد أرسل ابنه ليموت على هذا الكوكب المتوسط الحجم. وبدا أن كل شعر المسيحية الجميل، "يتصاعد دخاناً" (كما قال جوته فيما بعد) تحت لمسة هذا الكاهن البولندي. وأجبر الفلك القائل بمركزية الشمس الناس على أن يتصوروا الخالق من جديد في صورة أقل ضيقاً في الأفق وأقل تجسداً، وواجه اللاهوت أقوى تحد في تاريخ الدين. ومن ثم كانت الثورة الكوبرنيقية أشد عمقاً من حركة الإصلاح البروتستنتي، فقد جعلت الفروق بين العقائد الكاثوليكية والبروتستنتية تبدو تافهة، وتخطت حركة الإصلاح البروتستنتي إلى حركة التنوبر، من أرزمس ولوثر إلى فولتير، وحتى إلى ما بعد فولتير، إلى لا أدريه القرن التاسع عشر المتشائمة، هذا القرن الذي سيضيف الكارثة الداروينية إلى الكارثة الكوبرنيقية."(نفي المرجع ، نفس الصفحة)"
 
اكتشاف الأرض هز المسيحية التي أهملتها في حين أن الإسلام دعا للنظر في آفاق الأرض وحث على النظر في آياتها وسننها وعللها وأسبابها وكيف بدأ الخلق، بل وجه نظر المسلم إلى الآفاق العليا من السموات وأخبره أنها مسخرة له، فحقق المسلم ماطلب منه في الديانة في الحضارة التي أقامها فلم تتعارض الديانة مع الحضارة بل خرجت الثانية من الأولى وأكدتها وصدقتها وتمت كلمة الله صدقا وعدلا أما المسيحية فإنهزمت بمجرد رؤية المجال الأرضي يتسع حولها
قال ديورانت
:"ماجلان وكشف الأرض
تقدم ارتياد الأرض بخطى أسرع من رسم خريطة السماء، وكان لهذا التقدم تقريباً نفس التأثيرات المزعجة على الدين والفلسفة. أما الجيولوجيا فكانت أقل من غيرها تقدماً، لأن نظرية الخلق كما وردت في الكتاب المقدس أصبحت في مأمن من الشك بفضل الإيمان بمصدرها الإلهي. قال المصلح الإيطالي-الإنجليزي بيتر مارتر فرميلي "لو شاع بين الناس رأي خاطئ عن الخليقة كما وردت في سفر التكوين لبطلت كل وعود المسيح وفقد ديننا حياته كلها"(49).
قصة الحضارة ج27 ص139،140، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> ماجلان وكشف الأرض
 
أول تعليل في الغرب لعلم المعادن!
:"وأهم كتب الجيولوجيا التي صدرت في النصف الأول من القرن السادس عشر كتاب ألفه جروج أجريكولا (هذا فضلاً عن آراء ليوناردو المبعثرة هنا وهناك). تأمل هذه الفقرة من كتابه De ortu et causis subterranoerum (بال 1546) عن منشأ الجبال: "تتكون التلال والجبال بفعل قوتين، إحداهما قوة المياه، والأخرى قوة الرياح، ويجب أن نضيف إليهما النار التي في باطن الأرض... ذلك أن السيول تجرف أولاً التربة اللينة، ثم تحمل التربة الأكثر صلابة، ثم تدحرج الصخور، وهكذا تحفر السهول أو السفوح في بضع سنوات و... ونتيجة لهذا الحفر في عصور كثيرة يتكون مرتفع ضخم... هو الأنهار... والأنهار تحدث نفس النتيجة باندفاعها وجرفها، ولذا كثيراً ما ترى جارية بين جبال شامخة كونتها هذه الأنهار، أو بقرب الساحل الذي يحفها... وتكون الرياح تلالاً وجبالاً بطريقتين... إما بتحريك الرمال وإثارتها بعنف، وإما بكفاحها للخروج بقوة.... بعد أن تكون قد دفعت إلى شقوق الأرض الخفية"(50).
أما كتاب أجريكولا De natura fossilium، (1546) فأول بحث منسق عن علم المعادن، ويحتوي مقاله De metallica على أول بحث نسقي عن علم الطبقات، وفيه كما رأينا أول تعليل للرواسب المعدنية.
قصة الحضارة ج27 ص140، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> ماجلان وكشف الأرض
 
ماذا فعلت العلوم الإسلامية ، في الحقيقة، في أوروبا، هذا هو ماوراء النص!!
قال ديورانت يحكي التطورات ولايحكي أسبابها العميقة الغائرة المنبثقة من 800 سنة حضارة في الإسلام(المدة الطويلة!!)
:"وكما أن كوبرنيق أماط اللثام عن ضآلة الأرض الفلكية، كذلك كشف ارتياد الأراضي الجديدة وما تلاه من تجارة عن أقطار شاسعة تقوم وراء المسيحية دون اكتراث لوجودها. وتزعزعت مكانة أرسطو وغيره من اليونان حين ظهرت قلة ما عرفوا عن هذا الكوكب. واضمحل إعجاب النهضة الأعمى باليونان، واستعد الإنسان، التياه بكشوفه الجديدة تيه أهل النهضة، لنسيان حجمه الفلكي المتناقص أمام اتساع معارفه وتجارته. وظهر العلم والفلسفة العصريان، واضطلعا بمهمة خطيرة، مهمة تصور العالم من جديد.
قصة الحضارة ج27 ص146،147، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> ماجلان وكشف الأرض
 
سرق معظم نصه
يقول ديورانت عن انفصال علم النبات عن علم الصيدلة
:"وبدأ الحركة أوتو برونفيلز، الطبيب المدني في برن، بكتاب "صور حية للنبات" (1530-36)، وقد سرق معظم نصه من ثيوفراستوس، وديوسقوريدس، وغيرهما من السلف، ولكنه أضاف أيضاً وصفاً للنباتات الألمانية الموطن، وكانت رسومه المحفورة على الخشب وعددها 135 نماذج من الأمانة. وأنشأ يوريكيوس كوردوس، طبيب مدينة بريمن، أول حديقة نباتية (1530) شمال جبال الألب، وحاول كتابة خلاصة مستقلة لعلم النبات الوليد في كتابه Botanilogicon (1534) ثم عاد إلى مجال الطب في كتابه Liber de urinis. وقام ابنه فاليريوس كوردوس بجولات مستهترة في سبيل درس النبات، وقد قلى حتفه أثناءها وهو في التاسعة والعشرين (1544)، ولكنه ترك من بعده للنشر كتابه "تاريخ النبات"، وفيه وصف حي دقيق لخمسمائة نوع من النبات.
قصة الحضارة ج27 ص147، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> بعث علم الأحياء
 
علم الاحياء
والنبات والحيوان
:"وقد بدأ ليونارد فوكس، أستاذ الطب بتوبنجن، بدراسة النبات سبيلاً إلى الأقرباذين، ثم انتهى بدراسته لذاته ولما فيه من متعة. وكان كتابه Historia stripium، (1542) مثالاً للتفاني في العلم، وقد حوى 343 فصلاً حللت 343 جنساً وشرحتها في 515 رسماً محفوراً على الخشب يشغل كل منها صفحة كبيرة كاملة. وأعد للطبع كتاباً أشمل حتى من سابقه، وبه 1.500 لوحة، ولكن أحداً من أصحاب المطابع لم يقبل أن يتكفل بنفقات نشره. أما أثره الحي الباقي فهو جنس "الفوشيا".
وربما كانت أهم فكرة مفردة أسهم بها في علم الأحياء في هذه الفترة هي شرح بيير بيلون في كتابه Histoire.... Des oyseaux، (1555) لذلك التقابل المدهش بين عظام الإنسان والطير. ولكن أعظم أبطال "العلم الطبيعي" في هذا العصر هو كونراد جسنر، الذي شمل إنتاجه وعلمه ميداناً بلغ من الاتساع مبلغاً حمل كوفييه على أن يطلق عليه اسم بليني ألمانيا، بل كان يحق له أن يسميه أرسطو ألمانيا أيضاً. وقد ولد في أسرة فقيرة بزيورخ (1516)، وأبدى من الاستعداد والدأب على الدرس ما جعل المدينة تتعاون مع رعاته الخاصين على تمويل تعليمه العالي في ستراسبورج وبورج وباريس وبال. وقد وضع أو جمع 1.500 رسم توضيحي لكتابه "تاريخ النبات"، ولكن تبين أن تكاليف طبع الكتاب ستكون باهظة، فظل مخطوطاً ولم يطبع إلا عام 1751، وقد تأخر نشر تصنيفه البارع لأجناس النبات حسب بنياتها التناسلية بحيث لم يستطع ليناوس الاستعانة به. وقد نشر في حياته أربعة مجلدات (1551-58)، وخلف مجلداً خامساً، من كتاب ضخم في "تاريخ الحيوان" أورد فيه كل نوع من أنواع الحيوان تحت اسمه اللاتيني، ووصف شكله، وأصله، وموطنه، وعاداته، وأمراضه، وصفاته العقلية والعاطفية، وفوائده الطبيعية والمنزلية، ومكانه في الأدب، وكان التصنيف أبجدياً لا علمياً، ولكن تكديسه الموسوعي للمعلومات أعان علم الأحياء على أن يتخذ له شكلاً محدداً. على أن هذه الجهود لم تُنضب معين جسنر، فبدأ موسوعته "المكتبة العالمية" في واحد وعشرين مجلداً عكف فيها على وضع فهارس بجميع الكتابات اليونانية واللاتينية والعبرية المعروفة، وأكمل منها عشرين مجلداً، واستحق بذلك لقب "أبي الببليوغرافيا". وفي قسم جانبي يسمى "متريداتيس" (1555) حاول تصنيف 130 لغة من لغات العالم. ويبدو أن كتابه Descriptio Montis Pilati، (1541) كان أول دراسة منشورة للجبال بوصفها إحدى صور الجمال، وعرفت سويسرة الآن أنها بلد جليل رائع. وكل هذه المؤلفات أنجزت بين عامي 1541 و1565. وفي هذه السنة مات كونراد جسنر، روح الدراسة المتجسد.
قصة الحضارة ج27 ص147-148، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> بعث علم الأحياء
 
علم النفس التجريبي الحديث
في هذا سبق فيف فرانسس بيكون بقرن من الزمان في توكيده للاستقراء
:"وفي غضون ذلك كان لكتاب جوان فيف Deanima et vita (1538) معظم الفضل في خلق علم النفس التجريبي الحديث. وكأن فيف أراد أن يتحاشى التشكك، الذي كان هيوم مزمعاً أن يبسطه بعد قرنين، حول وجود "عقل" بالإضافة إلى العمليات العقلية، فنصح الطالب ألا يسأل ما هو العقل أو ما هي النفس، لأننا (كما أحس) لن نعرف هذا أبداً، إنما يجب أن نسأل ماذا "يفعل" العقل؛ وعلى السيكولوجيا ألا تكون غيبيات نظرية، وأن تصبح علماً مبنياً على مشاهدات محددة ومتجمعة، في هذا سبق فيف فرانسس بيكون بقرن من الزمان في توكيده للاستقراء. ودرس بالتفصيل ترابط الأفكار، وعمل الذاكرة وتحسينها، وعملية المعرفة، ودور الشعور والعاطفة، ونحن نشهد في كتابه هذا علم النفس منبعثاً في ألم، انبعاث كثير من العلوم قبله، ومن بطن أم واحدة للجميع، هي الفلسفة.
قصة الحضارة ج27 ص149، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> بعث علم الأحياء
 
الأب والإبن والجد ومصدرية العلم(ابن سينا أحد المصادر المعلنة!)
الإسلام حاضر أو إن شئت الدقة فالمنهجية الإسلامية هي الحاضرة!(استعملها المسلم والكافر، المجوسي والنصراني في ظل الحضارة الإسلامية )
قال ديورانت
:"في عام 1543 نشر أندرياس فيساليوس كتاباً قال عنه السر وليم أوسلر إنه أعظم ما كتب في الطب قاطبة(53). كان أبوه أندرياس فيسل صيدلياً غنياً في بروكسل، وجده طبيباً لماري البرجندية ثم لزوجها مكسمليان الأول، أما جده الأكبر-وكان طبيباً-فقد كتب تعليقاً على كتاب ابن سينا "القانون". هنا نجد حالة من الوراثة الاجتماعية تفوق حالة أسرة باخ. وما لبث فيساليوس أن أغرم بالتشريح بعد أن درب عليه منذ نعومة أظفاره. "فلم ينج من مبضعه حيوان. فهو يشرح الكلاب والقطط والجرذان والفيران والخلدان تشريحاً غاية في الدقة(54)" غير أنه لم يهمل الدراسات الأخرى. ففي الثانية والعشرين من عمره حاضر في اللاتينية، وكان يقرأ اليونانية في يسر. ثم درس التشريح في باريس (1533-36) على جاك دويوا الذي أطلق على كثير من العضلات والأوعية الدموية أسماءها التي ما زالت تحملها إلى اليوم. وظل فيساليوس طويلاً، كأساتذته، يؤمن بجالينوس إنجيلاً له، ولم يفقد احترامه له قط، ولكنه كان يحترم سلطان المشاهدة والمناقشة أكثر كثيراً. وقام هو وبعض زملائه الطلبة برحلات كثيرة إلى مستودعات جثث الموتى حيث جمعت العظام المستخرجة من جبانة الأطفال، وهناك ألفوا منظر أجزاء الهيكل البشرى ألفة أتاحت لهم كما روي "أن نجرؤ أحياناً، حتى ونحن معصوبو الأعين، على مراهنة رفاقنا، وخلال نصف ساعة لم تكن تقدم لنا عظمة... إلا وعرفناها باللمس(55)". وحدث غير مرة في محاضرات دوبوا أن كان المشرح الشاب الجريء يزيح "الحلاقين الصحيين" الذين كان الأستاذ الطبيب يكل إليهم عادة مهمة التشريح الفعلي، ويقوم هو بعرض الأعضاء موضوع المحاضرة عرض خبير(56).واعتكف فيساليوس في لوفان حين غزا مليكه شارل الخامس فرنسا عام 1536. وقد عطل نشاطه هناك نقص الجثث، فخطف جثة من الهواء هو وصديق له يدعى جيما فريزيوس (الذي اشتهر فيما بعد رياضياً). وتكشف روايته للحادث عن ولعه بالتشريح. يقول:
بينما كنا نتمشى ونبحث عن عظام في المكان الذي يوضع فيه عادة من أعدموا، على الطريق الريفية، وقعت على جثة متيبسة... وكانت العظام مجردة من اللحم كلية ولا يمسكها غير الأربطة. وتسلقت الخازوق بمساعدة جيما وجذبت عظم الفخذ، وأتبعته العظم الكتفي والذراعين واليدين... وبعد أن حملت الساقين والذراعين إلى البيت خفية وفي رحلات متتالية... تركت نفسي حبيساً خارج المدينة في المساء حتى آتى بالصدر، وكان مربوطاً ربطاً وثيقاً بسلسة، وكنت أتحرق شوقاً إلى إتمام مهمتي... وفي الغد نقلت العظام جزءاً فجزءاً خلال بوابة أخرى من بوابات المدينة".(57)
وأدرك عمدة المدينة الأمر، ومن بعدها كان يعطي فصول التشريح ما أمكن الإفراج عنه من الجثث. يقول فيساليوس "وكان هو نفسه يحضر بانتظام كلما قمت بالتشريح(58)".
وما كان في استطاعة رجل كهذا "يتحرق شوقاً" أن يحتفظ بطبعه هادئاً. فلما لبث أن اشتبك في نزاع حاد مع مدرس حول طرائق شق الوريد، ورحل عن لوفان (1537) وركب هابطاً الرين عابراً جبال الألب إلى إيطاليا. وكان قد بلغ من الكفاية مبلغاً أتاح له الحصول قبل نهاية تلك السنة على درجة الطب في بادوا "بأقصى خفض" في الرسوم، لأنه كلما علا تقدير الطالب انخفضت رسوم تخرجه. وفي اليوم التالي نفسه (6 ديسمبر 1537) عينه مجلس شيوخ البندقية أستاذاً للجراحة والتشريح بجامعة بادوا. وكان يومها في الثالثة والعشرين. وقام في الأعوام الستة التالية بالتدريس في بادوا وبولونيا وبيزا، وشرح مئات الجثث بيديه، وأصدر بعض الكتب الصغيرة. وقد رسم تلميذه لتيشان يدعى جان ستيفان فان كالكار، تحت إشرافه، ست لوحات نشرت عام 1538 بعنوان Tabulae anatomicae sex وبعد عام أيد فيساليوس في رسالته عن "شق الأوردة" بيير بريسو الباريسي في طرق الفصد. وفي معرض مناقشته للموضوع كشف عن بعض نتائج تشريحه للجهاز الوريدي، وقد أعانت ملاحظاته هذه على كشف الدورة الدموية. وفي 1541-42 اشترك مع علماء آخرين في نشر طبعة جديدة من النص اليوناني لجالينوس. وقد أدهشته أخطاء ندت عن جالينوس وكانت خليقة بأن يدحضها أبسط تشريح لجسم الإنسان كقوله مثلاً: إن الفك السفلي قسمان، وإن القص سبع عظام متميزة، والكبد عدة فصوص. وما كان ممكناً تعليل هذه الأخطاء واغتفارها إلا على فرض أن جالينوس لم يشرح قط آدميين بل حيوانات. وشعر فيساليوس أنه قد حان الوقت لمراجعة علم تشريح الإنسان بتشريح الآدميين. وهكذا أعد أعظم كتبه.
وحين طبع يوهان أوبورينوس عام 1543 بمدينة بازل كتابه هذا المسمى "بنية جسم الإنسان" في 663 صفحة من القطع الكبير، لا بد أن الشيء الذي أدهش القارئ لتوه كان صفحة الغلاف-وكانت حفراً جديراً بالفنان دورو، يمثل فيساليوس يشرح تشريح ذراع مفتوحة، ومن حوله خمسون طالباً يرقبونه. ثم الرسوم التوضيحية: 277 رسماً مطبوعاً من كليشيهات خشبية ذات دقة تشريحية لم يسبق لها نظير وبراعة فنية عظيمة، معظمها من صنع فان كالكار، وخلف الأشكال مناظر لا تتصل علمياً بالموضوع ولكنها جذابة من الناحية الفنية-فترى مثلاً هيكلاً عظيماً عند مقعد للقراءة. وكانت هذه الرسوم المطبوعة من الجمال بحيث خالها بعضهم مصممة في مرسم تيشان ربما بإشرافه؛ ولا بد أن نضيف إلى هذا أن فيساليوس رسم عدة رسوم منها بيده. وقد رافق الكليشيهات الخشبية ساهراً على سلامتها في الرحلة على ظهر بغل من البندقية إلى بال عبر جبال الألب. وحين تم طبع الكتاب حفظت الكليشيهات بعناية، وفي تاريخ لاحق اشتريت، ثم تبودلت، ثم فقدت، وفي عام 1891 عثر عليها مخبأة في مكتبة جامعة ميونيخ، وقد دمرتها القنابل في الحرب العالمية الثانية.
قصة الحضارة ج27 ص151-153، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> فيساليوس
 
الأب والإبن والجد (2) اضطهاد الكنيسة للإبن (فيساليوس) لأن علمه من الإسلام!!
في بيتنا رجل!(في بين شارل الخامس الدموي رجل تعلم جده وابوه وهو على علم الطب في الإسلام)
قال ديورانت في المنشور السابق(أما جده الأكبر-وكان طبيباً-فقد كتب تعليقاً على كتاب ابن سينا "القانون". هنا نجد حالة من الوراثة الاجتماعية تفوق حالة أسرة باخ) اما الإبن فكان على علم ب كتاب الرازي "كتاب المنصوري"-وهو موسوعة في الطب
قال ديورانت
:"على أن فيساليوس عانى من عيوب فضائله. ذلك أن الكبرياء التي سندته طوال دراسته الموفقة جعلته سريع الغضب، بطيئاً في الاعتراف بمنجزات سابقيه وتقدير حساسية منافسيه. وبلغ ولعه بذلك "الإنجيل الصادق... ألا وهو جسم الإنسان وطبيعة الإنسان"(9) مبلغاً جعله يؤذي شعور عدد كبير من أقطاب اللاهوتيين. وكان يشير في تهكم إلى رجال الكنيسة الذين يشتد إقبالهم على غرفة محاضراته حين يكون موضوع الدرس والعرض هو الأعضاء التناسلية(60). وقد أثار عداء الكثيرين، ومع أن جسنر وفالوبيو رحبا بكتابه، فإن أكثر الأساتذة القدامى، ومنهم أستاذه السابق دوبوا، نددوا بالمؤلف بوصفه محدثاً وقحاً، وجدوا في تسقط العيوب في كتابه. وقال دوبوا إن جالينوس لم يخطئ، ولكن جسم الإنسان عراه تغير منذ عهد جالينوس، وعلى ذلك فعظام الفخذين الواضحة الاستقامة، والتي ليست مقوسة كما وصفها جالينوس، إنما هي في رأيه نتيجة لارتداء أورُبيّي عصر النهضة سراويل ضيقة(61).
وفي عاصفة من خيبة الأمل في موقف هؤلاء الرجال أحرق فيساليوس مجلداً ضخماً من كتاب "التعليقات" Annotationes وتفسيراً للأجزاء العشرة التي يتألف منها كتاب الرازي "كتاب المنصوري"-وهو موسوعة في الطب(62). وفي عام 1544 رحل عن
إيطاليا ليصبح طبيباً ثانياً بين أطباء شارل الخامس الذي سبق أن أهداه في حصافة كتابه "فابريكا" Fabrica. ومات أبوه في نفس العالم تاركاً له ثروة طيبة. فتزوج وبنى بيتاً جميلاً في بروكسل. وصدرت طبعة ثانية لكتابه "فابريكا" عام 1555، مزيدة ومنقحة. وقد بين الكتاب أن التنفس الصناعي يمكن أن يبقي على حياة الحيوان رغم شق صدره، وأن القلب الذي توقف نبضه يمكن أحياناً رد الحياة إليه باستعمال منفاخ. بعد هذا لم يضف فيساليوس جديداً إلى التشريح. فقد استغرق في العناية بمرضاه من أسرة الإمبراطور ومن دونهم، وفي ممارسةالجراحة ودراستها. وأصبح فيساليوس طبيباً ثانياً لفيليب الثاني بعد أن اعتزل شارل الملك. وفي يوليو 1559 أوفده الملك ليساعد أمبرواز باريه في محاولة لإنقاذ حياة هنري الثاني الجريح، ولجأ فيساليوس إلى اختبارات إكلينيكية أظهرت استحالة شفائه. وفي تاريخ لاحق من هذه السنة رافق هو وأسرته فيليب إلى أسبانيا.
قصة الحضارة ج27 ص154،155، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> فيساليوس
 
الأب والإبن والجد (3) اضطروا الطبيب(لفيساليوس)للهروب حتى مات مبحرا ، أولئك الهمج، ماهو السر ؟
:"وبقيت لفيساليوس بضع مغامرات. من ذلك أن الأطباء الوطنيين في البلاط الأسباني كانوا يصرون على إهمال تشخيصه باعتبار هذا موقفاً يحتمه الشرف. فلما شكا ابن فيليب الوحيد، الدون كارلوس، من ارتجاج في المخ إثر سقطة (1562)، أشار فيساليوس بإجراء تربنة له. ولكن النصيحة رفضت، وأشرف الفتى على الهلاك. ووضعت على الجرح التمائم وآثار القديسين، وجلد الأتقياء أنفسهم توسلاً إلى السماء أن تشفيه بمعجزة، ولكن هذا كله لم يجد فتيلاً. وأخيراً أصر فيساليوس على فتح الجمجمة، ففتحت، وسحبت منها كمية كبيرة من الصديد. وما لبث الأمير أن تماثل للشفاء، وبعد إجراء العملية بثمانية أيام سار فيليب في موكب مهيب لتقديم الشكر لله(64). وبعد عامين رحل فيساليوس عن أسبانيا لأسباب ما زالت محل خلاف. وقد روي أمبرواز باريه قصة مشرح أثار عليه غضب أسبانيا بأسرها لأنه فتح بطن امرأة كان الظن أنها ماتت من "اختناق الرحم"، قال باريه أن ضربة أخرى من مبضع الجراح ردت المرأة فجأة إلى الحياة، "الأمر الذي بعث في قلوب جميع أصدقائها من الإعجاب والرعب... ما جعلهم ينظرون إلى الطبيب- الذي كان من قبل واسع الشهرة طيب السمعة- نظرتهم إلى رجل مجرم بغيض"(65)، ولا عجب فالأقرباء لا يقدرون دائماً مثل هذا الشفاء غير المتوقع. وواصل الجراح الهيجونوتي روايته فقال "لذلك لم ير سبيلاً أمامه إلا مغادرة البلاد إن ابتغى لنفسه السلامة". وروى هيجونوتي آخر يدعى لوبير لانجيه قصة كهذه (حوالي 1579)، وذكر أن الطبيب هو فيساليوس، وزعم أن فيساليوس وقع تحت طائلة محكمة التفتيش لأنه شرح شخصاً حياً، وقد نجا من المحاكمة حين أخذ على نفسه عهداً بالحج إلى فلسطين تكفيراً عن خطيئته. والحادثة لم ترد في أي مصدر معاصر، والمؤرخون الكاثوليك يرفضونها لأنها في رأيهم قصة خرافية(66). ولعل السبب لا يعدو أن فيساليوس مل البقاء في أسبانيا. وعاد إلى إيطاليا، وأبحر من البندقية (أبريل 1564)، ويبدو أنه بلغ أورشليم. وفي رحلة العودة تحطمت سفينته، ومات من التعرض للجو، نائياً عن أصدقائه، على جزيرة زنطة تجاه ساحل اليوناني الغربي (15 أكتوبر 1564)، وكان يومها في عامة الخمسين. وفي هذا العام ذاته مات ميكل أنجيلو، وولد شكسبير. لقد كان البهاء الذي سطعت شمسه قرناً في سماء إيطاليا ينتقل إلى الشمال.
قصة الحضارة ج27 ص155،156، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> فيساليوس
 
طب العرب المسلمين، من أين(أي وحي؟!) جاء التحريض؟
:"ظل علم الطب وفنه يسيران في ركاب أئمة الطب من اليونان والعرب، على الرغم مما أحرزه التشريح من تقدم. ولم يكن لشهادة الحواس كبير وزن أمام كلمة جالينوس أو ابن سينا، لا بل إن فيساليوس نفسه قال حين ناقض تشريحه رأي جالينوس "لم أكد أصدق عيني".
قصة الحضارة ج27 ص157، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> فيساليوس
 
الطب في أوروبا وقذارة الجماهير وأكوام القمامة، وهجرات القمل، هل ينفع الدواء؟
دجاجلة الطب والحلاقون يساهمون في الرجوع للوراء!
قال ديورانت:"على أن فقر جماهير الناس وقذارتهم كانا سبباً في تخلف الدواء عن المرض دائماً. وكانت أكوام القمامة أو روث البهائم تسمم الهواء، وتنتشر هنا وهناك في الشوارع أحياناً. وكان لباريس شبكة مجار أراد هنري الثاني إفراغها في نهر السين لولا أن ثناه رجال البلدية عن هذه الفعلة بتبصيره بأن النهر هو مورد مياه الشرب الوحيد لنصف السكان(67). وأنشئت في إنجلترا لجان للمجاري في عام 1532، ولكن لم يكن فيها حتى عام 1844 سوى مدينتين اثنتين تنقل فيهما القمامة من الأحياء الفقيرة على حساب الدولة.
أما الأوبئة فكانت أقل فتكاً منها في العصور الوسطى، ولكنها كفت- هي ووفيات النفساوات والأطفال- لتثبيت السكان عند حد لا يكادون يتجاوزونه. وقد اكتسحت الطواعين ألمانيا وفرنسا المرة تلو المرة بين عامي 1500 و1568. وانتشرت حمى التيفوس في إنجلترا في أعوام 1422، و1577 و1586 نتيجة لهجرات القمل. واجتاح إنجلترا "المرض المعرق"- ولعله ضرب من الأنفلونزة-في أعوام 1528 و1529 و1551 و1578؛ وألمانيا في 1543-45، وفرنسا في 1550-51. وقيل إن هذا المرض فتك بألف شخص في بضعة أيام في كل من هامبورج وآخن(68). وكان الناس يعزون الأنفلونزة إلى "تأثيرات" influences سماوية، ومنها اشتقت اسمها. وعاد الطاعون الدبلي إلى الظهور في ألمانيا في عام 1562، ففتك بتسعة آلاف من بين سكان نورمبرج البالغ عددهم أربعين ألفاً(69)- وإن جاز لنا أن نفترض المبالغة في جميع الإحصاءات الخاصة بالطاعون. أما جوانب الصورة الأكثر إشراقاً فهي تضاؤل الإصابة بالجذام وبعض الاضطرابات العقلية كرقصة سانت فيتوس.
وكان سير التطبيب أبطأ من سير المعرفة الطبية. فما زال دجاجلة الطب يملأون الأرض؛ وكان من اليسير الاشتغال بالطب دون الحصول على درجة جامعية برغم القوانين المقيدة. وكان أكثر الأطفال يخرجون إلى النور على أيدي القابلات. أما التخصص فلم يكد يبدأ. فطب الأسنان مثلاً لا يفصل عن الطب أو الجراحة، وكان الحلاقون الصحيون يخلعون الأسنان ويستبدلون بها أسناناً من العاج. وترك جميع الأطباء تقريباً-وفيساليوس أحد القلائل الذين شذوا-مهمة الجراحة للحلاقين الصحيين، الذين يجب على أي حال ألا ننظر إليهم على أنهم حلاقون، لأن كثيراً منهم كانوا رجالاً ذوي دربة ومهارة.
فأمبرواز باريه بدأ حياته صبياً لحلاق، ثم ارتقى حتى أصبح جراحاً للملوك
قصة الحضارةج27 ص157-159، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> نهضة الجراحة
 
فعلا:صبياً لحلاق، ثم ارتقى حتى أصبح جراحاً للملوك
كما عين كبيراً للجراحين بكلية سان كلوم
أبدع في العلم والطب والمخترعات
:"فأمبرواز باريه بدأ حياته صبياً لحلاق، ثم ارتقى حتى أصبح جراحاً للملوك.وقد ولد في بورج-إرسان في مين (1517)، ثم شق طريقه إلى باريس، وفتح كشك حلاقته في ميدان سان ميشيل. وخلال حرب 1546 اشتغل جراحاً لفرقة من فرق الجيش. وكان في علاجه بالجنود يسلم بالنظرية السائدة التي زعمت أن جروح الرصاص سامة، ودرج (كما درج فيساليوس) على كيها بزيت البلسان المغلي، فكان الكي يحيل الألم عذاباً. وذات ليلة فرغ الزيت، فضمد باريه الجروح بمرهم من مح البيض، وزيت الورد، والتربنتينا. وفي الغد كتب يقول:
" أرقني بالأمس طول التفكير في المصابين الذين لم أستطع كي جروحهم. وتوقعت أن أجدهم جميعاً أمواتاً في الصباح. وبهذه الفكرة قمت مبكراً لأتفقدهم، فما راعني إلا أن أجد من عالجتهم بالمرهم لا يشكون غير ألم بسيط جداً في جروحهم دون أي التهاب... وقد قضوا ليلتهم في نوم مريح. أما الباقون الذين عولجت جروحهم بزيت البلسان المغلي فقد ارتفعت حرارتهم والتهبت جروحهم... وآلمتهم ألماً حاداً. وعلى ذلك صممت على ألا أعود ثانية إلى كي هؤلاء التعساء بمثل هذه الطريقة القاسية"(70).
ولم يحظ باريه بتعليم يذكر، ولم ينشر كتيبه عن "طريقة علاج الجروح"- وهو اليوم كتاب مشهور في علام الطب- إلا في عام 1545. وفي حرب 1552 أثبت أن ربط الشريان أجدى من الكي في وقف النزف الذي تسبب عمليات البتر. وقد وفق بفضل عملياته الجراحية في حمل العدو على الإفراج عنه بعد أسره. ولما عاد إلى باريس عين كبيراً للجراحين بكلية سان كلوم، الأمر الذي أثار فزع السوربون التي تنظر إلى أستاذ جاهل باللاتينية كأنه هولة بيولوجية. وعلى الرغم من هذا أصبح جراحاً للملك هنري الثاني، ثم لفرانسوا الثاني، ثم لشارل التاسع، ومع أنه كان يجهر ببروتستنتيته، فقد أبقي أمر ملكي على حياته في مذبحة سان بارتلميو. ولم يضف مؤلفه "كتابان في الجراحة" (1573) لنظرية الجراحة إلا قليلاً، ولكنه أضاف الكثير للتطبيق. فقد اخترع أدوات جديدة، وأدخل الأطراف الصناعية، وأشاع استعمال الحزام في الفتق، وحسن من تعديل وضع الجنين في الولادة، وأجرى أول إعادة لمفصل الكوع، ووصف التسمم بأول أوكسيد الكربون، وقرر أن الذباب حامل للمرض. ومن الأقوال المشهورة في حوليات الطب اعتراضه على ما تلقى من تهانئ لنجاحه في علاج حالة مستعصية، "أنا عالجته، والله شفاه". وقد مات عام 1590 بالغاً الثالثة والسبعين بعد أن رفع كثيراً من مكانة الجراحين وكفايتهم، ومنح فرنسا زعامة في الجراحة احتفظت بها قروناً من بعده.
قصة الحضارةج27 ص159-160، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> نهضة الجراحة
 
استعمار الأسبان لبلاد منها امريكا الهنود الحمر
:"وكان الأسبان الذين فتحوا المكسيك وكاليفورنيا وأمريكا الوسطى وبيرو في هذه الفترة مغامرين وطلاب ثراء أولاً، سئموا الفقر والحياة الرتيبة في وطنهم، واقتحموا المخاطر في تلك الأقطار النائية الغريبة. وفي غمرة الشدائد التي عانوها في مغامراتهم المستهترة نسوا قيود الحضارة، واعتنقوا بصراحة أخلاقيات المدافع المتفوقة، واقترنوا عملاً من أعمال السطو والغدر والقتل لا يغتفر، إلا أن يرى طرف ذو مصلحة أن نتيجته النهائية كانت كسباً للحضارة. ومع ذلك فما من شك في أن المغلوبين كانوا في ذلك الوقت أعظم تحضراً من الغالبين الفعليين. وحسبك أن تتأمل حضارة ألمانيا التي وجدها هرنانديز القرطبي في يوكاتان (1517)، وإمبراطورية المونتزوميين الأزتيكية التي غزاها هرناندو كورتيز (1521)، وحضارة الإنكا الاشتراكية التي دمرت إبان فتح فرانشسكو بيزارو لبيرو (1526-32). ولا ندري أي صور نبيلة أو خسيسة كانت هذه الحضارات متطورة إليها لو أتيح لها سلاح تدافع به عن نفسها.
قصة الحضارةح27 ص141، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> ماجلان وكشف الأرض
 
الطاعون الطواعين
:"أما الأوبئة فكانت أقل فتكاً منها في العصور الوسطى، ولكنها كفت- هي ووفيات النفساوات والأطفال- لتثبيت السكان عند حد لا يكادون يتجاوزونه. وقد اكتسحت الطواعين ألمانيا وفرنسا المرة تلو المرة بين عامي 1500 و1568. وانتشرت حمى التيفوس في إنجلترا في أعوام 1422، و1577 و1586 نتيجة لهجرات القمل. واجتاح إنجلترا "المرض المعرق"- ولعله ضرب من الأنفلونزة-في أعوام 1528 و1529 و1551 و1578؛ وألمانيا في 1543-45، وفرنسا في 1550-51. وقيل إن هذا المرض فتك بألف شخص في بضعة أيام في كل من هامبورج وآخن(68). وكان الناس يعزون الأنفلونزة إلى "تأثيرات" influences سماوية، ومنها اشتقت اسمها. وعاد الطاعون الدبلي إلى الظهور في ألمانيا في عام 1562، ففتك بتسعة آلاف من بين سكان نورمبرج البالغ عددهم أربعين ألفاً(69)- وإن جاز لنا أن نفترض المبالغة في جميع الإحصاءات الخاصة بالطاعون. أما جوانب الصورة الأكثر إشراقاً فهي تضاؤل الإصابة بالجذام وبعض الاضطرابات العقلية كرقصة سانت فيتوس.
قصة الحضارةج27 ص158، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> نهضة الجراحة
 
حق قسيس في لاهاي القرن ال16
:". فقد أحرق قسيس هولندي في لاهاي (1512) لإنكاره الخليقة والخلود ولاهوت المسيح(94)، ولكنه لم يكن واضح الكفر
قصة الحضارةج27 ص171، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الشكاكون
 
جامعة السوربون تحرق كتابا لمعترض على الكتاب المقدس!
:"من ذلك أن بونافنتور دسبرييه سخر في كتابه Cymbalum mundi، (1537) بالمعجزات، وبتناقضات الكتاب المقدس، وباضطهاد أصحاب البدع الدينية. وقد ندد كالفن والسوربون بكتابه هذا، فأحرقه جلاد الدولة. واضطرت مارجريت إلى إقصائه عن بلاطها في نيراك، ولكنها بعثت إليه بالملل لتحفظ عليه حياته في ليون. وفي عام 1544 قتل نفسه، وترك مخطوطاته لمارجريت "دعامة كل صلاح وحاميته"(98).
قصة الحضارةج27 ص172، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> الشكاكون
 
ضد كل قزم
:"أي عار وأي خزي في أن يطيع عدد لا يحصى من الرجال طاغية عن رضى واختيار، بل بروح العبيد! طاغية لا يدع لهم حقوقاً في عقار أو أبوين أو زوجة أو ولد، ولا حتى في حياتهم ذاتها-فأي نوع من الرجال هذه الطاغية؟ ما هو بهرقول ولا بشمشون؛ بل كثيراً ما يكون قزماً، وكثيراً ما يكون أشد الجبناء تخنثاً في الشعب كله- فليست قوة بدنه هي التي تضفي عليه النفوذ والسلطة، وكثيراً ما يكون عبداً لأحط المومسات. ليت شعري ما أشقى رعاياه وأحقرهم؛ إن كان اثنان، أو ثلاثة. أو أربعة، لا يثورون على واحد، فذلك معناه الواضح أن الشجاعة تعوزهم. أما إذا كان المئات والألوف لا يخلعون عنهم نير فرد، فما الذي يبقى من الإرادة الفردية والكرامة الإنسانية؟... إن حصول الفرد على حريته لا يقتضي بالضرورة استعمال القوة ضد الطاغية. إنه يسقط حالما تمل البلاد وجوده. ولا حاجة بالشعب الذي أذله واستعبده أن يحرمه أي حق له. فالتحرر لا يتطلب شيئاً أكثر من الإرادة الصادقة لخلع النير... فاعزموا عزماً صادقاً ألا تكونوا عبيداً بعد اليوم- وإذا أنتم أحرار! أمسكوا عن الطاغية المعونة يسقط ويتحطم
كأنه تمثال عملاق سحبت قاعدته من تحت قدميه
مقال عن العبودية الاختيارية
لابوييتي
قصة الحضارة ج27 ص174
علق ديورانت فقال
. لقد أوشك هذا الصوت أن يكون صوت الثورة الفرنسية.
 
:"لقد بدأ العلم الحديث بكوبرنيق وفيساليوس. وتضاعفت المساحة المعروفة من الدنيا، وتغير منظر العالم كما لم يتغير قط من قبل في التاريخ المدون. وأخذت المعرفة تنمو سريعاً من حيث المجال والانتشار، وراح استعمال اللغات الوطنية في العلم والفلسفة- على نحو ما فعل باريه وباراسيلسوس في الطب، وراموس في الفلسفة- يتسع فيشمل تعليم الطبقات الوسطى وأفكارها التي اقتصرت من قبل على المتخصصين من العلماء والقساوسة. وتحطمت "كعكة التقاليد"، وانكسر قالب العقيدة، وتهاوت قبضة الاستناد إلى السلف. وحل الإيمان من مراسيه فتدفق بحرية جديدة متخذة أشكالاً لا حصر لها. كان كل شيء يجري متدفقاً إلا الكنيسة. ووقفت حيناً وسط هذه الثورة حائرة مشدوهة، لا تكاد أول الأمر تدرك خطورة الأحداث. ثم تصدت في عزيمة وتصميم لذلك السؤال الخطير الذي واجهها: أمن واجبها أن تكيف تعاليمها وفق مناخ الأفكار وسيولتها الجديدين، أم تقف جامدة وسط كل التقلبات، وتنتظر حتى يرد بندول الفكر والعاطفة الناس، في تواضع وتعطش، إلى تعزياتها وسلطانها؟ وكان جوابها عن هذا السؤال هو الفيصل في تاريخها الحديث.
قصة الحضارةج7 ص181-182، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> راموس والفلاسفة
 
الكاثوليكية في ايطاليا تحرق 13 مشكك في عقائد الكنيسة!!
ايطاليا تتغير رويدا رويدا وزيادات كهنوتية تتساقط
:"ما كان المرء ليتوقع أن يجد في إيطاليا الوثنية مناخاً...-نقول إن المرء ما كان ليتوقع أن يجد في بلد كهذا رجالاً ونساءً آلوا على أنفسهم أن يغيروا هذا الإيمان الجميل المقدس-...وكانت الطبقات المتعلمة تطالب في إيطاليا أكثر منها في أي بلد آخر بتحرير العقل من الولاء للأساطير التي سحرت الجماهير وسيطرت عليها حتى ولو كان هذا الولاء ظاهرياً، هذا مع أن هذه الطبقات المتعلمة كانت تتمتعفعلاً بقسط من حرية التعليم والتفكير...وكتب الكردينال كارافا إلى البابا كلمنت السابع (1532) يقول إن الدين هبطت أسهمه في البندقية، وإن القليلين جداً من البنادقة يراعون الأصوام أو يجلسون على كرسي الاعتراف. وإن كتب الهرطقة رائجة هناك...أن أكاديمية العلماء والفلاسفة فيها سمحت بقسط كبير من حرية النقاش. واشتبه في هرطقة بعض رجالها ومنهم جابرييلي فاللوبيو تلميذ فيساليوس وخليفته...وأعدم لوثري عنيد في فرارا (1550). وفي عام 1567، حين عنفت الرجعية الكاثوليكية، أحرق ثلاثة عشر رجلاً وامرأة واحدة بتهمة الهرطقة في مودينا.وفي لوكَّا أنشأ بييترو مارتيري فرميلي، رئيس دير الكهنة الأغسطينيين، أكاديمية رفيعة المستوى، وجلب لها أفذاذ المعلمين، وشجع حرية المناقشة، وقال لجمهوره الكبير من المصلين إن لهم أن ينظروا إلى سر القربان لا على أنه تحول معجز بل تذكر ورع لآلام المسيح، وكان في هذا لوثرياً أكثر من لوثر. فلما استدعي للمثول بين يدي مجلس رهبنته في جنوة لاستجوابه هرب من إيطاليا، وندد بأخطاء الكاثوليكية، ومفاسدها... وغادر إنجلترا حين استعادت الكاثوليكية سلطانها فيها، ومات أستاذاً للعبرية بزيوريخ عام 1562. وقد حذا ثمانية عشر كاهناً من ديره في لوتشا حذوه، "فهجروا رهبنتهم ورحلوا عن إيطاليا".
قصة الحضارة ج27 ص185-188، الإصلاح الديني -> معارضة الإصلاح البروتستانتي -> الكنيسة والإصلاح -> المصلحون البروتستنت الإيطاليون
 
سميتها(أعظم عقيدة عنف)
في تصور الإنسان الضال (المسيحي) ، وسماها ديورانت (أعظم الدرامات التي تصورها عقل الإنسان-وهي افتداء الإنسان الساقط بموت إلهه. )
:"أما أن تتحول إيطاليا إلى البروتستنتية فكان بالطبع ضرباً من المحال. فقد كان عامة الشعب هناك برغم عدائهم للأكليروس متعلقين بالدين وإن لم يؤموا الكنائس. كانوا يحبون الاحتفالات والمراسيم التي قدسها مرور الزمن، ويحبون القديسين المعينين أو المعزين، ويحبون العقيدة التي ندر تشككهم فيها، والتي رفعت حياتهم من فقر بيوتهم إلى سمو أعظم الدرامات التي تصورها عقل الإنسان-وهي افتداء الإنسان الساقط بموت إلهه.
قصة الحضارة ج27 ص191، الإصلاح الديني -> معارضة الإصلاح البروتستانتي -> الكنيسة والإصلاح -> المصلحون البروتستنت الإيطاليون
 
عودة
أعلى