التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

سليمان القانوني(3) في التاريخ و التصور الغربي
:"واثبت سليمان نفاذ بصيرته وسداد رأيه باختيار وزرائه الذين أسهموا إسهاماً كبيراً في نجاحه. وكان إبراهيم باشا (إبراهيم الحاكم) يونانياً أسره قراصنة المسلمين وأحضروه إلى سليمان باعتباره عبداً يبشر بحسن المستقبل. ووجد سليمان أنه متعدد القدرات إلى حد أنه وكل إليه الأكثر فالأكثر من الصلاحيات والمهام، وأجرى عليه راتباً سنوياً قدره 60 ألف دوكات (1.500.000 دولار؟) وزوجه من أخت له، وآكله بانتظام، واستمتع بحديثه ومعزوفاته الموسيقية وبمعرفته باللغات، والآداب، وحسن اطلاعه على أمور الدنيا. وعلى الطريقة الشرقية الأنيقة أعلن السلطان سليمان أن "كل ما يقوله إبراهيم ينبغي أن يعتبر كأنه صادر من ذات فيه الذي ينثر اللآلئ(33). تلك كانت واحدة من أعظم صداقات التاريخ، حتى في أساطير اليونان القديمة. قصة الحضارة ج26 ص113،114،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
مقارنة بين سليمان القانوني ومثيله من حكام الغرب في القرن ال16..
ففي الغرب كانت
المغامرات الجنسية الطائشة التي كان يقوم بها فرانسوا الأول أو شارل الخامس أو هنري الثامن أو الإسكندر السادس وقد عرضنا بعض النصوص وتركنا الكثير من كلام ديورانت
قال
:"إن تباين الطرق والأساليب عند العثمانيين والمسيحيين أوضح بشكل صارخ التنوع الجغرافي والزمني في القوانين الأخلاقية... ولبى سليمان في إخلاص وتفان كل حاجيات حريمه دون شيء من وخزات الضمير التي ربما شوشت أو عززت المغامرات الجنسية الطائشة التي كان يقوم بها فرانسوا الأول أو شارل الخامس أو هنري الثامن أو الإسكندر السادس.
قصة الحضارة ج26 ص116، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
النص كاملا
"إن تباين الطرق والأساليب عند العثمانيين والمسيحيين أوضح بشكل صارخ التنوع الجغرافي والزمني في القوانين الأخلاقية. فقد ساد تعدد الزوجات بهدوء حيثما كانت المسيحية البيزنطية حديثاً جداً قد اقتضت رسمياً أحادية الزواج، واختبأت المرأة في أروقة الحريم أو وراء برقعها أو خمارها، حيثما كانت يوماً قد اعتلت عرش القياصرة. ولبى سليمان في إخلاص وتفان كل حاجيات حريمه دون شيء من وخزات الضمير التي ربما شوشت أو عززت المغامرات الجنسية الطائشة التي كان يقوم بها فرانسوا الأول أو شارل الخامس أو هنري الثامن أو الإسكندر السادس. إن المدنية التركية. مثل المدنية اليونانية، احتفظت بالمرأة بعيداً عن الأنظار والأضواء، وأجازت قدراً كبيراً من حرية الانحراف الجنسي. إن اللواط عند العثمانيين ازدهر حيثما كانت "الصداقة عند اليونان" قد كسبت يوماً المعارك وألهمت الفلاسفة.
 
سليمان القانوني(4) في التاريخ و التصور الغربي
:"وظل سليمان أعزب حتى سن الأربعين...وضم حريم سليمان نحو 300 جارية كلهن مشتريات في السوق أو أسيرات في الحرب وكلهن تقريباً من أصل مسيحي. وإذا توقع النسوة زيارة السلطان ارتدين أجمل ثيابهن ووقفن صفوفاً لتحيته، وكان هو يسلم على أكبر عدد منهن، قدر ما يسمح به وقته، ويضع منديله على كتف من نالت إعجابه منهن بصفة خاصة. حتى إذا قضى وطره وانسحب في ذاك المساء، طلب إلى من تلقت المنديل أن تعيده إليه
قصة الحضارة ج26 ص117،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
تعليق
طبعا هذه هي الرواية الغربية عنه، ثم لو كان شبقا جنسيا على هذه الصورة لتقدم ذلك حياة جنسية فائرة منذ نعومة أطفاره كما حدث مع ملوك الغرب، وقد عرض ديورانت نفسه في قصة الحضارة من هذه الحيوات الشئ الكثير
 
وربما كان أكثر تهذيباً من أية بقعة أخرى
ثرثرة ديورانت
قال ديورانت"ولم يكن اختلاط الجنسين سائداً في الحياة الاجتماعية لدى العثمانيين. ومن ثم كانت تعوزها ما تشيعه فيها فتنة النساء والثرثرة الضاحكة من بهجة. ومع ذلك كان السلوك مهذباً قدر ما كان في المسيحية. وربما كان أكثر تهذيباً من أية بقعة أخرى باستثناء الصين والهند وإيطاليا وفرنسا. وكان عدد الأرقاء المحليين كبيراً، ولكنهم كانوا يعاملون معاملة إنسانية، وكانت ثمة قوانين كثيرة لحمايتهم. وكان إعتاقهم أمراً ميسوراً(36).
قصة الحضارة ج26 ص117-118، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
النظافة في تركيا في القرن السادس عشر
:"وعلى الرغم من أن العناية بالصحة العامة كانت قليلة، فإن النظافة الشخصية كانت شائعة. وانتقل إلى تركيا نظام الحمامات العامة الذي يبدو أن الفرس أخذوه عن سوريا الهلينستية. وكانت هذه الحمامات في القسطنطينية وغيرها من المدن الكبرى في الإمبراطورية العثمانية تبنى من الرخام وتزين بزخارف أخاذة. وكان بعض القديسين المسيحيين يفخرون بأنهم تجنبوا استعمال الماء، على حين فرض على المسلمين الوضوء والتطهر قبل الدخول إلى المسجد أو أداء الصلاة. والحق أن النظافة في الإسلام كانت لاحقة للتدين والتقوى.
قصة الحضارة ج26 ص118، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
فرانسيس بيكون عقله وقلبه وعينه!
الحدائق والأزهار في شوارع وبيوت العثمانيين القرن ال16
في الزمن العثماني في القرن ال16
فرانسيس بيكون الذي اخذ علوم الاسلام معترفا بها يتكلم عن الرحمة بالحيوان في بلاد آل عثمان(إذن الرجل كان متابع جيد ومن الإسلام تعلم!!!)
:"وارتدى عامة الشعب الطربوش، ولف المتأنقون حول عمامة، وكان كلا الجنسين يهوى الأزهار. واشتهرت الحدائق التركية بتعدد الألوان فيها، ومن هناك، فيما يبدو، انتقل إلى أوربا الغربية الليلك والتيولب، والسنط، والغار وغيرها. وكان ثمة ناحيةجمالية عند الأتراك، كان من العسير أن تكشف عنها حروبهم. وإنا لندهش مما يرويه السياح الأوربيون من أن الأتراك لم يكونوا، فيما عدا زمن الحرب، "قساة بالطبيعة"، ولكن طيعين، وديعين.... مهذبين، أليفين"، و "شفوقين بصفة عامة"(41). وشكا فرانسيس بيكون من أنهم بدوا أشد رفقاً بالحيوان منهم بالإنسان(42). وما كانت القسوة لتنفجر إلا إذا تهددت سلامة العقيدة، وهنا لم يكن التركي يكظم غيظه أو يحد من انفعاله، بل كانت تثور ثائرته.
قصة الحضارة ج26 ص119، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
حتى فتوحات الأتراك يافيلدرز
الفرق بين حروب المسيحيين والمسلمين في القرن ال16
يقول ديورانت
:"كثيراً من المدن التي استولى عليها الأتراك نهضت أكثر مما نهضت المدن التركية التي استولى عليها المسيحيون. من ذلك أن إبراهيم عندما استولى على تبريز وبغداد 1534، حرم على جنوده سلب المدينتين أو إيذاء سكانهما. كذلك، عندما انتزع سليمان تبريز ثانية 1548، حماها من السلب والنهب أو الذبح، ولكن عندما استولى شارل الخامس على تونس 1535 لم يستطع دفع رواتب جنوده إلا بإباحة السلب والنهب.
قصة الحضارة ج26 ص119، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
سليمان القانوني(5) في التاريخ و التصور الغربي
قال ديورانت
:"إن الغرب هو الذي أطلق على سليمان لقب "العظيم"، ولكن شعبه هو الذي سماه "القانوني" أي جامع القوانين، بسبب مساهمته في تدوين القانون العثماني. ولم يكن مهيباً أو عظيماً في مظهره، ولكن في حجم تجهيزات جيوشه، وفي مدى اتساع حملاته، وفي زينة عاصمته، وفي تشييد المساجد والقصور، والقناطر المائية المشهورة، عظيماً في روعة كل ما يحيط به وفي حاشيته، ثم عظيماً بطبيعة الحال في قوة حكمه، وفي كل ما وصل إليه أو حققه. ووصلت إمبراطوريته من بغداد إلى مدى تسعين ميلاً من فيينا، و120 ميلاً من البندقية ملكة الأدرياتيك السابقة. وباستثناء فارس وإيطاليا،
كانت كل المدن التي زخرت بألوان المعرفة اليهودية والمسيحية أو المعرفة القديمة، داخلة في نطاق ملكه: قرطاجة، ممفيس، صور، نينوى، بابل، تدمر، الإسكندرية، بيت المقدس، أزمير، دمشق، أفسوس، نيقية، أثينا، وطيبة اليونانية. ولم يضم الهلال قط يوماً، مثل هذه البقاع والبحار الكثيرة في منحناه الأجوف.
وهل كان تفوق حكمه يتناسب مع أتساعه؟ يحتمل أن يكون الجواب سلبياً، ولكن ينبغي أن نقرر هذا عن أية مملكة مترامية الأطراف، فيما عدا فارس في عهد الأخمينيين، وروما في عصر الأنطونينيين. إن الرقعة المحكومة كانت شاسعة إلى حد يتعذر معه إدارتها من مركز واحد قبل ظهور وسائل المواصلات والنقل والطرق الحديثة. لقد دب الانحلال والفساد في الحكومة، ومع ذلك قال لوثر: "يقال إنه لم يكن ثمة حكومة زمنية أفضل من حكومة الأتراك"(49)
قصة الحضارة ج26 ص124-125، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
لوثر(القرن ال16) كان على معرفة ما ، بدرجة ما بالعالم الإسلامي، فمابالك بالنقد الإسلامي للعقائد المسيحية!
هل تأثر بالإسلام وهو يواجه الباباوية؟
أزعم أنه تأثر!
قال ديورانت
:"قال لوثر: "يقال إنه لم يكن ثمة حكومة زمنية أفضل من حكومة الأتراك"(49). وفي مجال التسامح الديني كان سليمان أجرأ وأكرم من أنداده المسيحيين الذين ذهبوا إلى أن الانسجام الديني أمر ضروري للقوة الوطنية. ولكن سليمان رخص للمسيحيين واليهود في ممارسة ديانتهم في حرية تامة
قصة الحضارةج26 ص125، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
سليمان القانوني(5) في التاريخ و التصور الغربي
هروب المسيحيين اليه من محاكم التفتيش الاوروبية على مختلف عقائدها!
وحرية المعتقد
قال ديورانت
:"قال لوثر: "يقال إنه لم يكن ثمة حكومة زمنية أفضل من حكومة الأتراك"(49). وفي مجال التسامح الديني كان سليمان أجرأ وأكرم من أنداده المسيحيين الذين ذهبوا إلى أن الانسجام الديني أمر ضروري للقوة الوطنية. ولكن سليمان رخص للمسيحيين واليهود في ممارسة ديانتهم في حرية تامة، وقال الكاردينال بول "إن الأتراك لا يلزمون الآخرين باعتناق عقيدتهم، ولهذا الذي لا يهاجم ديانتهم، أن يفصح عن أية عقيدة يعتنقها، وهو آمن"(50). وفي نوفمبر 1561 حين كانت إسكتلنده وإنجلترا وألمانيا اللوثرية تعتبر الكثلكة جريمة، كما كانت إيطاليا وأسبانيا تعتبران البروتستانتية جريمة، أمر سليمان بالإفراج عن سجين مسيحي، "غير راغب في تحويل أي فرد عن دينه
بالقوة"(51). لقد جعل من إمبراطوريتة مأوى آمناً لليهود الفارين من محاكم التفتيش في إسبانيا والبرتغال.
قصة الحضارة ج26 ص125، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
سليمان القانوني(6) في التاريخ و التصور الغربي
قال ديورانت:"
والجميع متفوقون على أنه- برغم حروبه التي بررها بأنها هجوم من أجل الدفاع- كان رجلاً مهذباً، رحيماً كريماً إنسانياً، عادلاً(52).ولم يعجب به شعبه فحسب، بل أحبه كذلك. وكان إذا ذهب إلى المسجد يوم الجمعة، لزم الناس الصمت التام عند مروره، وانحنى هو تحية لهم جميعاً- أيا كانوا يهوداً أو مسيحيين أو مسلمين- وكان يقضي في المسجد ساعتين
قصة الحضارة ج26 ص125،126، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
لقد كان سليمان سيد البحر المتوسط، وبدا لبعض الوقت أن روما ظلت مسيحية لأنه هو وبربروسه سمحا بذلك
قصة الحضارة ج26 ص129، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
سليمان القانوني(7) في التاريخ و التصور الغربي
:"هل ينبغي لنا أن نصدر على سليمان حكماً ونضعه في المرتبة التي يستحقها؟ إننا إذا قارناه بنظرائه في الغرب لوجدناه في بعض الأحيان أكثر تمدناً وحضارة، وفي أحيان أخرى أكثر همجية ووحشية. ومن بين الحكام الأربعة الكبار في هذا النصف الأول من القرن السادس عشر، يستوقف نظرنا فرانسوا على أنه أكثرهم تمدناً وحضارة، على الرغم من غروره المتهور واضطهاداته المترددة، على أنه مع ذلك نظر إلى سليمان على اعتباره حاميه وحليفه الذي بدونه كان يمكن أن يحطم، إن سليمان حالفه في صراعه الذي استمر طوال حياته مع الغرب. فالحق أن الإمبراطور مكسيمليان الثاني استأنف دفع الجزية للباب العالي 1568؛ وأن شارل الخامس كان قد أوقف تقدم السلطان عند فيينا، ولكن أي جيش مسيحي جرؤ على الاقتراب من القسطنطينية؟ لقد كان سليمان سيد البحر المتوسط، وبدا لبعض الوقت أن روما ظلت مسيحية لأنه هو وبربروسه سمحا بذلك.
قصة الحضارة ج26 ص128-129، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
هنري الثامن في إنجلترا(القرن ال16)
:"فهل حظي استبداد هنري الثامن في إنجلترا أو شارل في إسبانيا بمثل هذا الحب والثقة من الشعب؟ وكان شارل لا يكاد يكون قادراً على إصدار حكم الإعدام على ابنه لمجرد الارتياب في خيانته، ولكن شارل في شيخوخته كان يرسل الصيحات مطالباً بدم الهراطقة، واستطاع هنري أن يبعث بالزوجات وبالكاثوليك وبالبروتستانت إلى المشنقة أو المحرقة، دون أن يتخلف وجبة واحدة عن طعامه. أما التسامح الديني عند سليمان، ولو كان محموداً ، فإنه بالمقارنة، يصم مثل هذا إعدام بوصمة الهمجية والوحشية.
قصة الحضارة ج26 ص129، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
سليمان القانوني(8) في التاريخ و التصور الغربي
وكان سليمان حاكماً مطلقاً مستبداً، بحكم العرف الذي لا نزاع فيه وبرضا شعبه، فهل حظي استبداد هنري الثامن في إنجلترا أو شارل في إسبانيا بمثل هذا الحب والثقة من الشعب؟ وكان شارل لا يكاد يكون قادراً على إصدار حكم الإعدام على ابنه لمجرد الارتياب في خيانته، ولكن شارل في شيخوخته كان يرسل الصيحات مطالباً بدم الهراطقة، واستطاع هنري أن يبعث بالزوجات وبالكاثوليك وبالبروتستانت إلى المشنقة أو المحرقة، دون أن يتخلف وجبة واحدة عن طعامه. أما التسامح الديني عند سليمان، ولو كان محموداً ، فإنه بالمقارنة، يصم مثل هذا إعدام بوصمة الهمجية والوحشية.
لقد شن سليمان حروباً كثيرة، وذبح نصف ذريته، وأمر بذبح وزير مبدع دون إنذار أو محاكمة، إنه ارتكب الأخطاء التي تلازم السلطة المطلقة غير المحدودة، ولكنه كان أعظم وأقدر حكام عصره دون منازع.
قصة الحضارة ج26 ص129، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
حياة اليهود وحرية المعتقد آمنة في العالم الإسلامي
:"وعاشت الأقليات اليهودية آمنة في القسطنطينية وسالونيك وآسيا الصغرى وسوريا وفلسطين والجزيرة العربية ومصر وشمال أفريقية وأسبانيا تحت حكم العرب. وتسامح البربر معهم كارهين. على أن سيمون ديوران ترأس مستوطنة مزدهرة في الجزائر، وعاشت الجالية اليهودية في الإسكندرية- كما وصفها الحبر أوباديا برتينورو في 1488- حياة طيبة، وشربوا الخمر بكثرة، وتربعوا على البسط كما فعل المسلمون، وخلعوا نعالهم عند دخول المعبد أو بيت أحد الأصدقاء(2). وكتب اليهود الألمان الذين لجئوا إلى تركيا إلى أقربائهم وصفاً خماسياً للحياة الطيبة التي ينعمون بها هناك(3). ورخص الباشا (الوالي) العثماني في فلسطين لليهود هناك في أن يبنوا معبداً على جبل صهيون. وحج بعض اليهود الغربيين إلى فلسطين، واعتقدوا أن من حسن حظهم أن تفيض أرواحهم في الأرض المقدسة، والأفضل منها في أورشليم بالذات.
قصة الحضارة ج26 ص131، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> التائهون
 
اليهود
البغض بمعنى تطبيق قوانين بالظلم
:"وبين آونة وأخرى كان بعض رجال الدين المسيحي الذين يبغضون اليهود، مثل القديس يوحنا أوف كاببسترانو، قد يهيج حفيظة سامعيه، ليطالبوا بالتطبيق الكامل للقوانين الكنسية المتشددة الخاصة بالتجريد ضد اليهود.
قصة الحضارة ج26 ص132، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> التائهون
 
اليهود في أوروبا (القرن ال16)
:"وظلت العداوة العنصرية باقية، فمثل اليهود في رسوم كاريكاتورية في المسرح الروماني، وفي الروايات الهزلية في الملاهي...وبذل البابا كليمنت السادس جهداً شاقاً في هذا السبيل، فجعل مدينة أفنيون البابوية ملجأ رحيماً لليهود الفارين من الحكومة الوحشية في فرنسا(8).
قصة الحضارة ج26 ص133،134، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود ->
التائهون
النص كاملا
وعامل البابوات، إجمالاً، اليهود معاملة كريمة بالقدر الذي ينتظر من رجال مجدوا المسيح على أنه المخلص، وأنكروا عقيدة اليهود على انه لم يأت بعد، وعندما أنشئت محاكم التفتيش أعفى البابوات من سلطتها القضائية اليهود الذين لم يتحولوا عن دينهم. وكانت المحكمة تستطيع أن تستدعي أمثال هؤلاء اليهود، بسبب مهاجمتهم للمسيحية، أو محاولتهم رد المسيحي إلى اليهودية فحسب."إن اليهود الذين لم يكفوا قط عن إعلان إيمانهم باليهودية تركوا، إجمالاً، دون إزعاج"(7)من الكنيسة، ولكنهم لقوا الإزعاج من الدولة أو من الأهالي. وأصدر عدة بابوات مراسيم بقصد التخفيف عن حدة العداوة الشعبية. وبذل البابا كليمنت السادس جهداً شاقاً في هذا السبيل، فجعل مدينة أفنيون البابوية ملجأ رحيماً لليهود الفارين من الحكومة الوحشية في فرنسا(8).
 
أوروبا تطرد اليهود المرة تلو المرة
:"وكان اليهود القاطنون في شمال جبال الألب أقل حظاً من اليهود إيطاليا. فقد طردوا من إنجلترا في سنة 1290، ومن فرنسا في سنة 1306، ومن فلاندرز في سنة 1370. ودعوا إلى فرنسا ثانية في 1315 شريطة أن يعطوا الملك ثلثي أي مال يكونون قد جمعوه من فوائد القروض التي عقدوها قبل طردهم(16). وما أن انتهت مكاسب الملك من هذه العمليات حتى نفى اليهود ثانية في سنة 1321. وعادوا في الوقت الناسب ليلقوا التأنيب على "الموت الأسود" ويحملوا مسئوليته، ونفوا مرة أخرى (1349)، وأعيدوا من جديد (1360) ليقدموا قروضاً مالية ويسهموا بمهارتهم، عوناً منهم على افتداء ملك فرنسا الذي أسر في إنجلترا. وكان في براغ جالية يهودية قوية، ذهبوا إلى هناك ليستمعوا إلى عظات رائد "هس " وهو ميلز Miliez، لأنه أظهر اطلاعاً واسعاً وتقديراً كبيراً للتوراة. ودرس هس العبرية، وقرأ التعليقات العبرية، واقتبس عن راشى وموسى بن ميمون. وأطلق التابوريون الذين مضوا بإصلاحات هس أشواطاً حتى باتت قريبة من الشيوعية- على أنفسهم "الشعب المختار" وأطلقوا أسماء "إدوم، ومؤاب، وعمالق"، على الولايات الجرمانية التي شنوا عليها الحرب. ولم تكن جيوش هس، على أية حال، تستنكف عن قتل اليهود، عندما استولوا على براغ (1421)، ولم يتركوا لهم الخيار: الارتداد أو الجزية، مثل المسلمين، بل إن أيسر خيار كان : الارتداد إلى المسيحية أو الموت(17).
قصة الحضارة ج26 ص138-139،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود ->
التائهون
 
اليهود والموت على أيدي الصليبيين
:"ومن كل الدول المسيحية تأتي بولندة في المحل الثاني بعد إيطاليا في حسن وفادتها لليهود، وفي 1098، 1146، 1196 هاجر يهود كثيرون من ألمانيا إلى بولندة، فراراً من الموت على أيدي الصليبيين
قصة الحضارة ج26 ص139،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود ->
التائهون
 
مذابح لليهود في بولنده
:"وثبت كازيمير الثالث الأكبر (1333-1370) حقوق اليهود البولنديين ووسعها، وضمن الدوق الأعظم فيتوفست Vitovst هذه الحقوق ليهود لتوانيا. ولكن في 1407، أبلغ أحد الكهنة شعب الكنيسة في كراكاو أن اليهود قد قتلوا طفلاً مسيحياً، وأخذوا يمتعون أنظارهم بدمه. وحرض هذا الاتهام على وقوع المذابح. وجدد كازيمير الرابع حريات اليهود وزاد فيها (1447)، وقال: "نريد أن يشعر اليهود الذين نرغب في أن نحميهم من أجل مصلحتنا، ومصلحة خزانة الدولة- أن يشعروا بالراحة في ظل حكمنا الخير"(18). واتهم رجال الدين الملك، وأنذره أولسنيكى رئيس الأساقفة بسوء المصير في الجحيم، وألقى يوحنا كابسترانو، الذي جاء إلى بولندة ممثلاً للبابا، خطباً ملتهبة مثيرة في سوق بلدة كراكاو (1453)، ولما هزم الملك في الحرب ارتفعت الصيحات بأن عقاب الله قد نزل به لمساندته الكفار. ومذ كان في حاجة إلى تأييد رجال الدين للدخول في حرب أخرى، فإنه ألغى صك حريات اليهود. ووقعت المذابح المنظمة في 1463، 1494، وربما كان لمنع هذه الهجمات أن طلب إلى يهود كراكاو بعد ذلك أن يقطنوا ضاحية "كازيمييريه".
وفي تلك الضاحية وفي غيرها من المراكز في بولندة ولتوانيا، زاد اليهود عدداً وازدهاراً بعد أن ذللوا كل العقبات، وفي عهد سجسمند الأول أعيدت لهم حرياتهم فيما عدا حرية الإقامة. وظلوا على علاقة طيبة مع سجسمند. وفي 1556 اتهم ثلاثة من اليهود في بلدة سوخاشيف، بطعن "القربان المكرس" حتى أدمى، وأعلنوا براءتهم، ولكنهم أعدموا حرقاً بأمر من أسقف خلم Khelm. واستنكر سجسمند الثاني هذه العملية على أنها "أكذوبة دينية" قصد بها أن يثبت لليهود والبروتستانت أن الخبز المقدس كان قد تحول فعلاً إلى جسد المسيح ودمه، وقال الملك "لقد صعقت لهذه الجريمة البشعة، وإني لا يعوزني حسن الإدراك إلى حد يجعلني أومن بأنه يمكن أن يكون هناك دم في القربان(19)، ولكن بموت هذا الملك المتشكك، انتهت فترة المشاعر الطيبة بين الحكومة واليهود في بولندة.
قصة الحضارة ج26 ص140-141، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود ->
التائهون
 
لوثر يكره اليهود وطالب ان تحرق بيوتهم في المانيا
:"ولم يكن لوثر متحمساً إلى مثل هذا الحد. وقال شاكياً:"كيف أبغض قوماً يقحمون على الناس لغات كثيرة كما يفعل زونجلي، فقد تحدث على المنبر باليونانية والعبرية في همبرج"(22). وهاجم لوثر في نزق شيخوخته وخرفه، اليهود وكأنه لم يتعلم منهم شيئاً. وليس ثمة إنسان بطل في رأى دائنه. وفي نشرة عن "اليهود وأكاذيبهم" (1542) أفرغ لوثر وابلاً من الحجج ضد اليهود، على أنهم كانوا قد أبوا أن يرتضوا المسيح إلهاً، وأن ما عانوا طوال حياتهم أثبت غضب الله عليهم، وأنهم دخلاء على أراضي المسيحيين، وأنهم كانوا وقحين في ثرائهم القائم على الربا، وأن التلمود أجاز الخداع والسرقة والسلب وقتل المسيحيين، وانهم سمموا العيون والآبار، وذبحوا أطفال المسيحيين ليستخدموا دماءهم في الطقوس الإسرائيلية. وقد رأينا في دراستنا له في شيخوخته كيف أنه نصح الألمان بإحراق بيوت اليهود، وإغلاق معابدهم ومدارسهم، ومصادرة ثرواتهم، وتجنيد رجالهم ونسائهم في أعمال السخرة، وأن يخير جميع اعتناق المسيحية أو قطع ألسنتهم. وفي عظة ألقاها قبل موته بوقت قصير، أضاف أن الأطباء اليهود كانوا يتعمدون تسميم المسيحيين(23). وساعدت هذه التصريحات على أن تجعل البروتستانتية- وهي المدينة كثيراً لليهودية- أشد عداوة للسامية من الكاثوليكية الرسمية، ولو أنها ليست في هذا المجال أكثر من جماهير الكاثوليك الذين أثروا على الناخبين في سكسونيا وبراندنبرج ليطردوا اليهود من هذه البقاع(24). لقد أشاعوا هذه النغمة في ألمانيا على مدى عدة قرون، وأعدوا شعبها لإبادة الجنس حرقاً.
قصة الحضارة ج26 ص142،143،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> التائهون
 
لم تؤدي كراهية المسلمين لليهود في تاريخ حضارة الاسلام ان حرق المسلمون اليهود او فعلوا فيهم مجازر بلا ذنب
اما في الغرب فكانت محارق ومجازر
قال ديورانت:"لماذا كان المسيحيون واليهود يمقتون بعضهم بعضاً؟ لا ريب أنه كان هناك سبب يسود بينهم باستمرار، ذلك هو الصراع الحاد بين العقائد الدينية، حيث كان اليهود يشكلون تحدياً ثابتاً معمراً للمعتقدات المسيحية الأساسية.
وأدى العداء الديني إلى فصل عنصري جاء في أول الأمر طوعاً، ثم بات قسراً فيما بعد، حيث انبثق في إنشاء أول حي يهودي في سنة 1516. وأبرز هذا الفصل العنصري الاختلافات في اللباس وطرق الحياة والملامح والصلاة والكلام. وشجع هذا التباين على عدم الثقة والخوف المتبادلين بين الطرفين. وولد هذا الخوف كراهية. وحول اليهود ما ألفوا من منع زواجهم من المسيحيين مفخرة لهم. وتمخض اعتزازهم بجنسهم عن تباهيهم بأنهم سلالة ملوك قد حكموا إسرائيل ألف سنة قبل ظهور المسيح. واحتقروا المسيحيين بوصفهم مشركين يؤمنون بالخرافات، وأنهم يتصفون بشيء من بطئ الفهم، ولكنهم يتشدقون بعبارات ملؤها الرياء المهذب على حين يأتون بأعمال وحشية لا يستشعرون فيها الرحمة، ويعبدون "أمير سلام" على حين يشن الأخوة الحرب تلو الحرب ضد أخوتهم. كما احتقر المسيحيون اليهود على أنهم كفرة غرباء لا يؤلفون. ويروي توماس مور قصة سيدة تقية صعقت عندما علمت أن السيدة العذراء كانت أصلاً يهودية، فاعترفت بأنها لن تستطيع بعد ذلك أن تكن "لأم الإله" ما كانت تكنه لها من حب من قبل(25).
وأصبحت قصة القربان المقدس مأساة لليهود. فقد طلب إلى المسيحيون أن يؤمنوا بأن الكاهن كان يحول رقائق الخبز غير المخمر إلى جسد المسيح ودمه، وقد ارتاب في هذا بعض المسيحيين، مثل "طائفة المتمتمين "، وربما أمكن أن يقوى من هذا الاعتقاد ما روى من قصص عن بعض رقائق الخبز المكرس التي تقطر دماً عند أية وخزة من سكين أو دبوس. ولكن من ذا الذي يقدم على هذه الفعلة الشنيعة غير اليهود؟ وفي القرون الخيرة من العصور الوسطى كانت مثل هذه الأساطير التي تروي عن القربان الذي يقطر دماً كثيرة جداً. وفي حالات عديدة: في نيوبرج (بالقرب من باسو) 1338، وفي بروكسل 1369، أدت هذه المزاعم إلى ذبح اليهود وإحراق بيوتهم. وأقيم في كاتدرائية سانت جود ول في بروكسل مصلى خاص لتخليد ذكرى القربان الذي أدمى 1369، واحتفل بهذه المعجزة سنوياً في عيد يطلق عليه Flemish Kermess،(26). واعترف أحد الكهنة في نيوبرج بأنه كان قد غمس قرباناً غير مكرس في الدم وخبأه في إحدى الكنائس ثم اتهم اليهود بطعنه(27). وينبغي أن نضيف إلى هذا أن رجال الكنيسة المستنيرين مثل نيقولا أوف كوزا دمغ أساطير هجمات اليهود على القربان بأنها ضروب من القسوة مخزية.
واستترت المنافسات الاقتصادية وراء العداء الديني. فعلى حين امتثل المسيحيون لأمر البابا بتحريم الفوائد الربوية، حصل اليهود على ما كاد يكون احتكاراً لإقراض النقود في العالم المسيحي. ولما تجاهل بعض أصحاب المصارف المسيحيين هذا التحريم، هبت شركات مثل Strozzi, Pitti, Bordi في فلورنسه، وولزرز Fuggers, Hochstetters, Welsers في أوجزبرج، هبت تتحدى هذا الاحتكار، ومن ثم تركزت هنا إثارة جديدة للخواطر، وتقاضى الطرفان, المسيحيون واليهود، كلاهما نسبة عالية من فوائد القروض، مما يعكس المغامرة بإقراض النقود في اقتصاد غير مستقر، زاد من زعزعته ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة. وغامر المقرضون اليهود أكثر مما فعل منافسوهم. وباتت ديون اليهود على المسيحيين غير محققة وغير مأمونة تكتنفها مخاطرة كبيرة، فقد تعلن السلطات الكنسية تأجيل الدفع، كما حدث في الحروب الصليبية، وربما فرض الملوك، وقد فرضوا بالفعل، على اليهود ضرائب يصادرون بها أموالهم، أو ابتزوا القروض منهم قسراً وإلا طردوهم وأحلوا مدينيهم من ديونهم أو تقاضوا نصيباً من المسموح بجمعه من الأموال. وفي شمال الألب ظلت كل الطبقات تقريباً، فيما عدا رجال الأعمال، تعتبر الفائدة رباً، ودمغوا بالإجرام أصحاب المصارف اليهود، وخاصة من يقترضون منهم. ومذ كان اليهود بصفة عامة أكثر رجال المال خبرة وتجربة، فقد استخدمهم الملوك في كثير من الأقطار لإدارة الشئون المالية في الدولة. وكانت رؤية اليهود الأثرياء يتقلدون مناصب مريحة ويجمعون الضرائب من الناس تثير استياء الشعب وسخطه. ومع هذا كله، رحبت بعض المجتمعات المسيحية بأصحاب المصارف من اليهود: وقدمت لهم فرانكفورت امتيازات خاصة شريطة تقاضيهم نسبة32% فقط، على حين تقاضوا من آخرين 43%(28)، وقد نرى في هذا ما يثير نفورنا الشديد، ولكنا نسمع عن مقرضي نقود مسيحيين بلغ ما تقاضوه 266%، وتقاضى آل هولز هورز في نورمبرج 220% في 1304، وتقاضى المقرضون المسيحيون في برنديزي 240%(29). كما نسمع عن مدن طالبت بعودة أصحاب المصارف اليهود باعتبارهم أكثر تساهلاً ورفقاً من نظرائهم المسيحيين. واشترطت رافنا، في معاهدة مع البندقية، وجوب إرسال ماليين يهود إليها لفتح حسابات مصرفية للنهوض بالزراعة والصناعة(30).
وأضافت الروح القومية نغمة جديدة إلى أنشودة البغض والكراهية. وذهبت كل أمة إلى أنها بحاجة إلى وحدة عرقية ودينية. وطالبت بامتصاص اليهود فيها أو تحولهم عن دينهم.
قصة الحضارة ج26 ص113-146، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> على السفود
 
عداء أوروبا الحقيقي لليهود..صورته كما كانت
:"وأضافت الروح القومية نغمة جديدة إلى أنشودة البغض والكراهية. وذهبت كل أمة إلى أنها بحاجة إلى وحدة عرقية ودينية. وطالبت بامتصاص اليهود فيها أو تحولهم عن دينهم. وكانت عدة مجالس كنسية، كما كان بعض البابوات يكرهون اليهود بشكل يتسم بالعدوان. وحرم مجلس فيينا (1311) أي تعامل بين المسيحيين واليهود. واستن مجلس زمورا (1313) قاعدة بأن يبقوا في حالة خضوع وعبودية صارمة. وجدد مجلس بال (1431-1433) القوانين الكنسية التي تحرم على المسيحيين معاشرة اليهود، أو خدمتهم، أو استخدامهم كأطباء، وأصدرت التعليمات إلى السلطات المدنية بعزل اليهود في أحياء مستقلة، وإلزامهم بوضع شارة مميزة، والتحق من حضورهم عظات تهدف إلى تحويلهم عن دينهم(31). ولم يطق البابا يوجينيوس الرابع، الذي كان في نزاع مرير مع مجلس بال، أن يتفوق عليه هذا المجلس في إزعاج اليهود، فأكد التجريد من الحقوق الذي وضعه هذا المجلس، وأضاف أنه يجب ألا يكون اليهود مؤهلين لأية وظيفة عامة، وألا يرثوا أية ممتلكات مسيحية، وألا يشيدوا مزيداً من المعابد، وأن يقبعوا في دورهم خلف الأبواب والنوافذ المغلقة في أسبوع الآلام، (احتياط حكيم ضد عنف المسيحيين)، أضف إلى ذلك أنه لا يعتد قانوناً بشهادة اليهود ضد المسيحي. وشكا يوجينيوس من أن بعض اليهود افتروا على يسوع ومريم في أحاديثهم. ويحتمل أن هذا كان صحيحاً(32). فإن الكراهية تولد الكراهية. وأصدر يوجينيوس بعد ذلك موسوماً آخر يقضي بأنه وجد يهودي يقرأ التلمود، فلابد من مصادرة أملاكه. وفوض البابا نيقولا الخامس القديس يوحنا كابسترانوا (1447) ليراقب أن كل مادة في هذا التشريع المذل توضع يده على ممتلكات أي يهودي تولى علاج فرد مسيحي(33).
وعلى الرغم من كل هذه المراسيم كان سلوك جمهور المسيحيين مع اليهود يتسم بتلك الروح الطيبة التي تسيطر على كل الناس تقريباً، رجالاً ونساء. بل وعلى الحيوانات، إذا لم يعترض سبيلهم أو يمس مصالحهم شيء. ولكن من الجائز أن يوجد في معظم الجماعات أقلية لا تتورع عن ممارسة أعمال القسوة إذا أمكن القيام بها مع الإفلات من العقوبة بصفة جماعية. ومن هذا القبيل جماعة "الباستير"، وقد نشئوا كرعاة مرتبطين بالأرض المقدسة، وجذبوا أنظار الدهماء من الناس لدى مرورهم بفرنسا (1320)، فقد عقدوا العزم على قتل كل من يصادفهم من اليهود الذين رفضوا التعميد. وفي تولوز اعتصم نحو 500 من اليهود بأحد الأبراج، فحاصرهم حشد هائج من الغوغاء، وخيروهم بين التعميد أو الموت، وحاول محافظ المدينة عبثاً إنقاذهم. ولما أدرك اللاجئون أن المقاومة ضرب من المحال، أمروا نفراً من الأقوياء فيهم بأن يذبحوهم. وقيل إنهم جميعاً بهذه الطريقة لقوا حتفهم فيما عدا واحداً، عرض الإبقاء على حياته، مع الإذعان للتعميد، ولكن الحشد الثائر مزقه إرباً. وبمثل هذه الطريقة استأصل نحو 120 جالية يهودية في جنوب فرنسا وشمال أسبانيا ولم يخلفوا وراءهم إلا بقية معدمة(34). وفي 1321 أحرق في شينون 120 يهودياً بتهمة تسميم الآبار(35)، وفي 1336 أعلن أحد المتعصيين الألمان أنه تلقى الوحي من عند الله يأمره بقتل اليهود ثأراً لموت المسيح، فجمع حوله نحو خمسة آلاف من الفلاحين، أطلقوا على أنفسهم اسم Armleder نسبة لشريط من الجلد ربطوه حول أذرعهم، وجلسوا خلال الألزاس وأراضي الراين، وقتلوا كل يهودي عثروا عليه. واجتاحت حمى القتل بافاريا وبوهيميا ومورافيا والنمسا (1337) وحاول البابا بندكت الثاني عشر وقفها دون جدوى، ولكن في راتسبون وفيينا فقط أمكن حماية اليهود بطريقة فعالة، أما في الأماكن الأخرى فقد عذب الآلاف من اليهود وقتلوا(36).
وكان الموت السود كارثة خاصة حلت باليهود في العالم المسيحي. لقد أودى الطاعون نفسه بحياة المغول والمسلمين في آسيا،وهناك لم يفكر أحد في إلقاء اللوم على اليهود، ولكن في أوربا الغربية حيث جن جنون الأهالي لهول الوباء وما أحدثه من دمار، اتهم اليهود بتسميم الآبار في محاولة لاستئصال المسيحيين. ونسج الخيال المسعور كثيراً من التفاصيل. فقيل بأن يهود طليطلة أرسلوا رسلهم بصناديق ملآى بالسم الذي صنعوه من السحالي والعظاءات (نوع من الزواحف) وقلوب المسيحيين، إلى جميع الجاليات اليهودية في أوربا، مع توجيهات بإلقاء هذه السموم المركزة في الآبار والعيون.ودمغ الإمبراطور شارل الرابع هذا الاتهام بالسخف الذي لا يعقل، وكذلك فعل البابا كليمنت السادس(37)، وأيد كثيرون من عمد المدن والمجالس البلدية هذا الرأي، ولكن ذلك كله لم يأت بنتيجة تذكر، وساد بين المسيحيين اعتقاد باطل بأن الطاعون لم يكن يمس اليهود بسوء. وربما كانت الحمى في بعض المدن أقل فتكاً باليهود منها بالمسيحيين. تبعاً لاختلاف القوانين الصحية والرعاية الطبية(38), ولكن في بعض الأماكن مثل فيينا، راتسبون، أفنيون، روما، عانى اليهود من الطاعون ما عانى المسيحيون(39)، ومع ذلك عذب اليهود حتى اعترفوا بتوزيع السم(40). وأغلق المسيحيون آبارهم وعيونهم، وشربوا ماء المطر أو الثلج المذاب، وانتشرت المذابح الرهيبة في فرنسا وأسبانيا وألمانيا. وفي إحدى المدن في جنوب فرنسا ألقيت الجالية اليهودية بأسرها في النار. وأحرق كل اليهود في سافوي، وحول بحيرة ليمان وفي برن وفريبورج وبروكسل. ومرة أخرى استنكر كليمنت السادس هذا الإرهاب وهذه التهمة, وأعلن براءة اليهود، وأشار إلى أن الطاعون كان شديداً حيث لا يوجد يهود، قدر شدته في أي مكان آخر، وحث رجال الدين على أن يكبحوا جماح الناس في أبرشياتهم، وحرم من الكنيسة كل من قتل اليهود أو اتهمهم ظلماً وافتراء، ولكن في ستراسبورج، على أية حال، شارك الأسقف في توجيه الاتهام، وحرض المجلس البلدي، على كره من المجلس، على أن ينفى كل اليهود. ورأى الجمهور أن هذا الإجراء معتدل، فطرد المجلس وعين مجلساً غيره، أمر بالقبض على كل اليهود في المدينة، وهرب بعض هؤلاء إلى الريف ولكنهم لقوا حتفهم بأيدي الفلاحين. وبقى ألفان من اليهود في المدينة فأودعوا السجون، وفرض عليهم التعميد، فأذعن نصفهم، ورفض الباقون فأحرقوا (14فبراير 1439). وبلغ مجموع من أبيدوا نحو 510 جاليات يهودية في أوربا المسيحية نتيجة هذه المذابح(41). وهلك عدد أكبر من ذلك، ففي سرقسطة على سبيل المثال، عاش واحد من بين كل خمسة من اليهود بعد الموت الأسود وما صحبه من اضطهادات(42). وقدر لي Lea أن 3000 من اليهود قتلوا في أرفورت، 12000 في بافاريا(43). وفي فيينا بناء على نصيحة الحبر جونة Jonah تجمع كل اليهود في المعبد وقتلوا أنفسهم بأيديهم، وحدث مثل هذا الانتحار الجماعي في ورمز، أوبنهايم، كرمز Krems، فرانكفورت(44). وحمل الذعر آلافاً من اليهود على الفرار من أوربا الغربية إلى بولندة أو تركيا. وقد يكون من العسير أن نعثر، قبل زماننا أو في سجلات للوحشية، على أية أعمال أشد وحشية من قتل اليهود بالجملة في الموت الأسود.
وزحف اليهود الذين عمروا بعد الموت الأسود، وئيداً إلى المدن التي كانت قد سلبتهم، وأعادوا بناء معابدهم، ولكن اشتد شعور الكراهية نحوهم، حيث نسب الخطأ إليهم. وفي 1385 أودع السجون كل اليهود في مدن "العصبة السوابية" وعددها36 مدينة، ثم أطلقوا سراحهم على شريطة إلغاء كل الديون التي لليهود، ونال هذا الإجراء كل الرضا في نورمبرج بصفة خاصة لأنها كانت قد اقترضت منهم ما يعادل نحو 700.000 دولار(45). وفي 1389 ذبح عدد من اليهود بتهمة أنهم كانوا قد انتهكوا قدسية قربان مكرس. وبنفس التهمة أحرق 14 يهودياً في بوتزن (1399)(46). ولأسباب مختلفة طرد اليهود من كولون (1424)، ومن سيبير Speyer (1435)، ومن ستراسبورج وأوجزبرج (1439)، ومن ورزبرج (1498)، ومن أولم (1499). وأقر مكسيمليان الأول طردهم من نورمبرج على أساس أنهم "قد كثر عددهم وأنهم بفضل معاملاتهم الربوية وضعوا أيديهم على ممتلكات كثير من أفاضل المواطنين، وجروهم إلى مهاوي البؤس والعار"(47). وفي 1446 أودع كل اليهود في نطاق براندنبرج السجون وصودرت بضائعهم باتهامات دمغها ستيفن أسقف المدينة بأنها تخفي وراءها الجشع والطمع، "لقد تصرف تصرفا جائراً أولئك الأمراء الذين دفعهم جشعهم المفرط إلى القبض تصرفاً جائراً أولئك في غياهب السجون دون مبرر عادل. وهم يرفضون أن يعوضوهم عما ابتزوا منهم"(48). وفي 1451 فرض نيقولا كاردينال كوزا, وهو من أكثر الرجال استنارة في القرن الخامس عشر، على اليهود المقيمين في حدود ولايته وضع الشارة. وبعد ذلك بعامين بدأ يوحنا كابسترانو بوصفه ممثلاً للبابا نيقولا الخامس، مهمته في ألمانيا وبوهيميا ومورافيا وسيلزيا وبولندة. واتهم في عظاته الملتهبة اليهود بقتل الأطفال وتدنيس القربان، وهي اتهامات كان قد دمغها البابوات بأنها خرافات قتالة. وأخرج أدواق بافاريا كل العبرانيين من دوقيتهم بعد أن ألهبهم "سوط اليهود". هذا. أما جودفري أسقف ورزبرج الذي كان قد منح اليهود امتيازاتهم كاملة في فرانكونيا، فإنه عاد الآن فنفاهم، وفي المدينة تلو المدينة قبض عليهم وألغيت كل الديون التي كانت لهم. وفي برسلار سجن عدد من اليهود بناء على طلب كابسترانو, وأشرف هو بنفسه على التعذيب الذي انتزع من بعضهم أي اعتراف أمر كابسترانو بالإدلاء به، وعلى أساس هذا الاعتراف أعدم أربعون منهم حرقاً (2 يونية 1453). ونفى اليهود الباقون، ولكن أطفالهم انتزعوا منهم وعمدوا بالقوة(49). وضم كابسترانو إلى القديسين 1690.
وإن محنة اليهود في راتسبون لتوضح حقيقة هذا العصر. فقد زعم هانز فوجل، وهو يهودي تنصر أن أحد الأحبار واسمه إسرائيل برونا، في الخامسة والسبعين من العمر كان قد ابتاع منه طفلاً مسيحياً وقتله، ليستخدم دمه في أحد الطقوس اليهودية. وآمن الناس بصحة الاتهام، وتعالت صيحاتهم مطالبين بعقوبة الموت للحبر العجوز. وألقى الإمبراطور فريدريك الثالث بالإفراج عنه. ولم يجرؤ المجلس على الامتثال للأمر، ولكنه قبض على فوجل، وأبلغه أنه لا مناص عن موته، وطلب إليه أن يعترف بخطاياه. فأقر أن برونا بريء، وأفرج عن الحبر. ولكن ترامت الأنباء إلى راتسبون عن اعتراف بعض اليهود تحت وطأة التعذيب بقتل طفل مسيحي في ترنت. وهنا نشا من جديد الاعتقاد بصحة اتهام فوجل، فأمر المجلس باعتقال كل يهود راتسبون ومصادرة بضائعهم، وتدخل فرديك، وفرض على المدينة غرامة قدرها ثمانية آلاف جيلدر، ووافق المجلس على إطلاق سراح اليهود إذا دفعوا هذه الغرامة، وفوقها مبلغ 10 آلاف جيلدر بصفة كفالة (250.000 دولار؟). فأجاب اليهود بأن هذا المبلغ (18.000 جيلدر) يزيد على كل ما تبقى لهم من ممتلكات، ومن ثم يتعذر عليهم دفعه. وقضوا في السجن عامين آخرين. ثم أطلق سراحهم بعد أن أقسموا اليمين بألا يغادروا راتسبون وألا يحاولوا الانتقام. على أن رجال الدين أهاجوا الشعور لطردهم وهددوا بالحرمان من الكنيسة كل تاجر يبيع اليهود شيئاً. ولم يبق في سنة 1500 سوى 24 أسرة يهودية، وطرد هؤلاء في 1519(50).
ووصف طرد اليهود من أسبانيا، فيما أسلفنا من قبل، بأنه عملية مهمة بالنسبة لتاريخ تلك البلاد. وتجدد في البرتغال اضطهادهم عندما سمح البابا كليمنت السابع، بتحريض من شارل الخامس، للأساقفة البرتغاليين بإنشاء محكمة التفتيش (1531) بقصد فرض الشعائر المسيحية على "المسيحيين الجدد"، ومعظمهم من اليهود الذين كانوا قد عمدوا رغم إرادتهم. وطبق قانون توركيمادا الصارم، وبثت العيون والأرصاد لملاحظة ارتداد أي من المتنصرين إلى شيء من الطقوس الدينية اليهودية، وسجن الألوف من اليهود، وحرمت عليهم الهجرة، لأن مهامهم الاقتصادية كانت لا تزال ضرورية للاقتصاد البرتغالي. وحرم على المسيحيين شراء شيء من أملاك اليهود منعاً لهم من الهرب، وأرسل مئات من هؤلاء إلى المحرقة لمحاولتهم مغادرة البلاد، وصعق كليمنت لهذه الإجراءات، وربما أثرت فيه هدايا اليهود، فأبطل سلطة محكمة التفتيش البرتغالية، وأمر بإطلاق سراح كل من أمرت بسجنهم، وإعادة بضائعهم المصادرة. ونص مرسومه الصادر في 17 أكتوبر 1532 على بعض مبادئ إنسانية للتعامل مع المرتدين عن المسيحية لما كانوا قد سيقوا إلى التعميد قسراً، فلا يجوز أن يعتبروا أعضاء
في الكنيسة. وإن في معاقبتهم على الهرطقة والانتكاسإلى شعائرهم الأولى، خرقاً لمبادئ الإنصاف والمساواة،والأمر يختلف فيما يتعلق بأبناء وبنات الموارنة الأولين فإنهميتبعون الكنيسة كأعضاء مختارين غير مكرهين. وبما انهمنشأوا في أحضان أقرباء لهم من اليهود، وشاهدوا هذاالنموذج ماثلاً دوماً تحت بصرهم، فإنه من القسوة أننعاقبهم بمقتضى قانون الكنيسة، بتهمة التردي في أساليباليهود ومعتقداتهم. إنهم يجب أن يظلوا في أحضانالكنيسة بالمعاملة الحسنة(51).ويتبين أن كليمنت كان مخلصاً من رسالة بها عند ما شعر بدنو أجله، إلى القاصد الرسولي في البرتغال في 26 يوليو 1534، يأمره بالإسراع بإطلاق سراح المسجونين المرتدين(52).
وتابع البابا الثالث بذل الجهد لمعاونة اليهود البرتغاليين، وأطلق سراح 1800 من المسجونين، ولكن عندما عاد شارل من حملته التي كانت في ظاهرها ناجحة ضد تونس، طالب، مكافأة له، بإعادة محكمة التفتيش في البرتغال، ووافق بول على كره منه (1536)، ولكن بشروط بدا للملك جون الثالث أنها تنسخ موافقته - منها ضرورة مواجهة المتهم بمن اتهمه. وإثبات حق المحكوم عليه في استئناف الحكم أمام البابا. وساعد مرتد متعصب المحققين بأن علق على جدران كاتدرائية لشبونة إعلاناً جريئاً جاء فيه: "أن المسيح المخلص لم يظهر بعد، وأن يسوع ليس هو المخلص، وأن المسيحية محض افتراء"(53). ولما كان من الواضح أن مثل هذه العبارات قصد بها إيذاء اليهود، فإن لنا أن نرتاب بحق في أحد العملاء المحرضين. وعين بول لجنة من الكاردينالات لفحص إجراءات محكمة التفتيش البرتغالية. وقد جاء في تقريرها:
إذا اتهم مسيحي زائف - وغالباً ما يكون ذلك عن طريق شهود مفترين - ساقه المحققون إلى منعزل موحش لا يرى فيه أرضاً ولا سماء، وأقل ما يقال إنه لا يخاطب فيهصديقاً يواسيه أو يسعفه. ويتهمونه بمقتضى شهادة غامضةولا ينبئونه بالزمان أو المكان الذي اقترف فيه الجريمة التييحاكم من أجلها. ويسمح له فيما بعد باختيار محام عنهغالباً ما يقوده إلى طريق المحرقة، بدلاً من الوقوف إلىجانبه والدفاع عن قضيته.دع مخلوقاً منكود الحظ يقربأنه مسيحي مؤمن حقاً، وينكر إنكاراً قاطعاً الخطايا التيسيقت لاتهامه، فإنهم يسلمونه إلى النار، ويصادرونبضاعته. أو دعه يدفع بأنه مذنب في كذا وكذا منالأعمال، ولو أنها ارتكبت عن غير قصد، فإنهم يعاملونهبالطريقة نفسها، مدعين بأنه ينكر عناداً نياته ومقاصدهالسيئة. أو دعه يعترف اعترافاً كاملاً صريحاً بصحة مااتهم به، فإنهم يسومونه أشد ضروب الحرمان، ويحكمونعليه بالبقاء في زنزانة كئيبة مظلمة لا يرى فيها النور، ويسمونهذا "معاملة المتهم بالرحمة والرأفة والبر المسيحي" وحتىالذين يفلحون في إثبات براءتهم يحكم عليهم بدفع غرامة، حتىلا يقال إنه قبض عليهم بلا سبب. أما المتهمون المودعون في السجونفإنهم يعذبون بكل آلات التعذيب حتى يقروا بما وجه إليهممن اتهامات. وكثيرون يقضون نحبهم في السجن. أماالذين يطلق سراحهم. فإنهم هم وذوي قراهم يدمغونالعار الأبدي(54).لقد أرهقت التطورات السياسية البابا بول، وأقض مضجعه خطر فقدان أسبانيا والبرتغال، كما كان البابا قد فقد ألمانيا، والبابا كليمنت إنجلترا، ولكن بول على الرغم من ذلك بذل قصارى جهده للتخفيف من حدة محاكم التفتيش، ولكن الإرهاب كان يستشرى يوماً بعد يوم، حتى وجد يهود البرتغال، بكل وسيلة يائسة، مهرباً من مضيفيهم، وانضموا إلى إخوانهم في أسبانيا سعياً وراء ركن يقبعون فيه بالعالم المسيحي أو أرض الإسلام، ويمكن أن يحتفظوا فيه بشريعتهم مع الإبقاء على حياتهم.
قصة الحضارة ج26 ص146-155، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> على السفود
 
أوروبا واليهود
قال ديورانت تحت عنوان:" الشتات الثاني
إلى أين يذهب اليهود؟ إن جزيرتي سردينيا وصقلية اللتين كانوا قد قطنوا فيهما لمدة ألف سنة من قبل، قد شملهما، بالإضافة إلى أسبانيا، المرسوم الذي أصدره فريناند بطردهم. وما جاءت 1493 حتى كان آخر يهودي قد غادر بالرمو. وفي نابولي استقبل فرانت الأول والإخوان الدومينيكان والجالية اليهودية المحلية، آلاف اللاجئين بالترحاب. ولكن شارل الخامس أصدر في سنة 1540 مرسوماً بطرد اليهود من نابولي.
وكان في جنوة لزمن طويل قانون يحدد دخول أعداد إضافية من اليهود. ولما وصل المرتدون من أسبانيا 1492، لم يسمح لهم بالبقاء لأكثر من بضعة أيام قليلة. ولقد وصفهم مؤرخ جنوي بأنهم أشباح بالغة الهزال والشحوب والنحول، عيونهم غائرة، ولا يفرقهم عن الموتى سوى قدرتهم على الحركة"(55). ومات الكثير منهم جوعاً، وحملت الأمهات أطفالاً موتى، وباع بعض الآباء أبناءهم ليدفعوا أجر الانتقال من جنوى. واستقبل نفر قليل من المنفيين في فيرارا، ولكن طلب إليهم أن يضعوا شارات صفراء(56) وربما كان هذا بمثابة احتياط ضد انتشار المرض.
وكانت البندقية لعهد طويل مأوى لليهود. وكم من محاولات كانت قد بذلت لإخراجهم منها (1395-1487) ولكن السناتو تولى حمايتهم لأنهم كانوا يسهمون إسهاماً هاماً في الاقتصاد والمال، ويتولون الجزء الأكبر من تجارة الصادرات في البندقية، وكانوا نشيطين في استيراد الصوف والحرير من أسبانيا، والتوابل واللؤلؤ من الهند(57). ولفترة طويلة كانوا يقطنون، بمحض اختياراهم الحي الذي سمي باسمهم (حي اليهود). وفي 1516 وبعد تشاور مع زعماء اليهود، قضى السناتو بأن يقطن كل اليهود، فيما عدا نفر قليل مرخص لهم بصفة خاصة، في قطاع من المدينة عرف باسم Ghetto أي حي خاص، والظاهر أن هذا اللفظ مأخوذ عن كلمة getto، أو مسبك كان هناك(58). وأمر السناتو كل اليهود المرتدين بمغادرة البندقية، وقد شجع المسيحيون المنافسون هذا الإجراء. على أن بعض التجار المسيحيين عارضوه لأنه يهدد بفقدان أسواق معينة، وخاصة في العالم الإسلامي، ولكن شارل الخامس استخدم كل نفوذه في الموضوع، ونفذ مرسوم الطرد(59). على أنه لم يمض وقت طويل حتى زحف التجار اليهود إلى البندقية ثانية، وحل المنفيون من البرتغال محل اليهود المتنصرين الذين طردوا، وأصبحت اللغة البرتغالية لبعض الوقت هي لغة اليهود البنادقة.
واستقبل البابا الإسكندر استقبالاً كريماً في رومه كثيراً من المنفيين من شبه جزيرة إيبيريا، وازدهرت أحوالهم في عهد جوليوس الثاني، وليو العاشر، وكليمنت السابع، وبول الثالث. وأباح كليمنت للمرتدين ممارسة الطقوس اليهودية في حرية تامة، مؤمناً بأنهم غير ملزمين بأي تعميد إجباري(60). وفي أنكونا، ثغر الولايات البابوية على الأدرياتيك، حيث كان اليهود عنصراً نشيطاً في التجارة الدولية، أنشأ كليمنت مأوى لليهود الذين أعلنوا عن ديانتهم وضمن لهم عدم التحرش بهم. أما بالنسبة للبابا بول الثالث فيقول الكاردينال سادوليتو: "لم يغدق أي من البابوات على المسيحيين من التكريم والحفاوة والامتيازات والمنح مثل ما أغدق بول الثالث على اليهود. إنهم لم يحظوا بالمساعدة فقط بل إنهم تزودوا كذلك عملياً بالمنافع والامتيازات(61)". وشكا أحد الأساقفة من أن اليهود المرتدين عند دخولهم إلى إيطاليا أسرعوا بالعودة إلى ممارسة الطقوس اليهودية وختان أطفالهم المعمدين، تحت بصر البابا والأهالي، في الغالب. وتحت ضغط هذه الانتقادات أعاد بول محاكم التفتيش في رومه (1542)، ولكنه، وقف إلى جانب المرتدين طوال حياته(62).
وتحول خلفاؤه - وقد ضيقت عليهم الخناق انتكاسة عن أساليب الرفق واللين التي سادت عصر النهضة - تحولوا إلى سياسة إزعاج اليهود وإقلاق بالهم. وطبقت المراسيم البابوية القديمة. وفرض بول الرابع (1555-1559) على كل معبد أن يسهم بعشرة دوكات (250دولار؟) في إقامة دار للمتنصرين ليتلقى فيها اليهود تعاليم المسيحية. وحرم عل اليهود استخدام خدم أو مرضعات مسيحيات أو علاج مرضى مسيحيين، أو أن يبيعوا المسيحيين شيئاً غير الملابس القديمة، أو أن يقيموا مع المسيحيين أية معاملات أو علاقات ممنوعة. وما كان لهم أن يستعملوا إلا التقويم المسيحي. وهدمت كل معابد اليهود في رومه إلا واحداً، وحرم على اليهودي أن يمتلك عقاراً، وإذا كان لأحد منهم أي عقار فعليه أن يبيعه في بحر ستة شهور، وبهذه الطريقة استطاع المسيحيون أن يشتروا بما يعادل 500.000 كراون (12.500.000 دولار) من أملاك اليهود بخمس قيمته الفعلية(63). وانحصر كل اليهود الذين بقوا آنذاك في رومه (1555) في حي منعزل عاش فيه عشرة آلاف شخص في كيلومتر مربع فقط، وشغلت عدة أسرات حجرة واحدة. وتعرض الحي، بسبب انخفاض مستواه، للفيضان الدوري لنهر التيبر، حتى جعل من هذه البقعة مستنقعاً ملوثاً بالطاعون(64). وأحيط الحي بأسوار كئيبة تغلق أبوابها في منتصف الليل وتفتح عند الفجر، فيما عدا أيام الأحد والعطلات المسيحية فإنها تظل مغلقة طوال اليوم. وألزم اليهود بأن يلبسوا خارج هذا المعزل زياً مميزاً - للرجال قبعة صفراء، للنسوة خمار أو شارة صفراء - وأقيمت أحياء منعزلة مثل هذا في فلورنسا وسيينا؛ وبمرسوم من البابا في أنكونا وبولونيا، وكانت تسمى هناك Enferno(65) (الجحيم). واصدر بول الرابع أمراً سرياً بوضع كل المرتدين في انكونا في سجون محكمة التفتيش وبمصادرة بضائعهم. وأحرق هناك أربعة وعشرون رجلاً وامرأة واحدة أحياء بتهمة أنهم هراطقة مرتدون (1556)(66) وأرسل سبعة وعشرون يهودياً للتجديف على السفن الشراعية إلى الأبد(67). وكان هذا بالنسبة ليهود إيطاليا انتقالاً من عصر ذهبي إلى شفق شاحب.
وتسللت حفنة من اللاجئين اليهود إلى فرنسا وإنجلترا على الرغم من القوانين التي تنص على إبعادهم. وكانت ألمانيا كلها تقريباً مغلقة في وجوههم. وقصد كثيرون إلى أنتورب، ولكن سمح لنفر قليل منهم فقط بالإقامة لمدة تزيد على شهر. وأسس ديوجومنديس - وهو برتغالي مرتد - في أنتورب فرعاً للبنك الذي كانت أسرته قد أسسته في لشبونة. وفي 1532 لاقى من النجاح ما حدا مجلس أنتورب على القبض عليه مع خمسة عشر آخرين بتهمة ممارسة اليهودية. وتدخل هنري الثامن الذي استخدم منديس وكيلاً مالياً، وأطلق سراح ثلاثة عشر، بعد دفع غرامة فادحة، وهذا هو "الغرض الأسمى" من كل حالات القبض. وانتقل اليهود الآخرون إلى أمستردام حيث كان من الممكن أن تنتعش أحوالهم بعد تحرر هولندة من نير أسبانيا سنة 1589.
قصة الحضارةج26 ص155-158، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الشتات الثاني






 
أما هؤلاء اللاجئون الذين التمسوا مأوى في الأراضي الإسلامية التي لا تخضع مباشرة لسيطرة سلطان تركيا، فقد صاروا إلى حالة أحسن بقليل منها في العالم المسيحي. وأطلق المغاربة النار على اليهود الذين حاولوا أن يحطوا رحالهم في أوران والجزائر وبوجيا، ولقي عدد وفير منهم حتفهم.
قصة الحضارةج26 ص158، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الشتات الثاني
 
في منتصف القرن 16 تقريبا بعد هروب اليهود من الاضطهاد في اوروبا ونص كتب بقلم مسيحي(مراجع المقتبي 68،69، يمكن تتبعها من الكتاب بي دي اف)
:"أما الذين قصدوا إلى فاس فقد وجدوا الأبواب موصدة دونهم، فاحتلوا بعض الحقول وعاشوا على الأعشاب وجذور الشجر، وقتل الأمهات أطفالهن خيراً من أن يرينهم يموتون جوعاً. وباع الآباء أبناءهم في مقابل قطعة من الخبز. وأنى الطاعون على مئات من الأطفال والشبان. وهاجم القراصنة وسرقوا الأطفال ليبيعوهم بيع الرقيق(68). ومزق القتلة أجسام اليهود عساهم يعثرون على مجوهرات اعتقدوا أن اليهود قد ابتلعوها(69). وبعد كل هذه المصائب والكوارث، أنشأ الذين عمروا بعدها، في شجاعة لا تصدق، في ظل ألوان من الضعف والعجز لا نهاية لها، جاليات يهودية جديدة في المغرب العربي. وفي الجزائر، خاطر سيمون ديوران الثاني بحياته المرة بعد المرة، لحماية المنفيين، وتنظيمهم بشكل يوفر شيئاً من الأمن. وفي فاس أصبح يعقوب
بيراب أشهر علماء التلمود في زمانه.
قصة الحضارةج26 ص159، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الشتات الثاني
 
استقبال القاهرة لليهود الهاربين من الاضطهاد الأوروبي كما إستقبلتهم إسبانيا
:"ولقي المنفيون من أسبانيا، استقبالاً إنسانياً في القاهرة تحت حكم سلاطين المماليك والعثمانيين، وسرعان ما سموا إلى زعامة الجالية اليهودية. وألغى سليم الأول وظيفة Nagid "الأمير" وفيها كان يتولى أحد الأحبار تعيين سائر الأحبار، ويشرف على شئون كل اليهود في مصر، وبعد ذلك أصبح لكل جالية يهودية أن تختار حبراً لها وان تتولى شئونها الداخلية بنفسها، وأنهى حبر القاهرة الجديد وهو داود بن أبي زمرة وهو مهاجر أسباني - استخدام التقويم البابلي القائم على تقسيم الزمن إلى فترات - الذي كان يهود أسيا وأفريقية يستعملونه - وحثهم على اقتباس تقويم آخر (كما فعل يهود أوربا في القرن الحادي عشر) وهو تقويم قائم على حساب السنين منذ بدء الخليقة الذي حدد مؤقتاً بعام 3761 قبل الميلاد.
قصة الحضارةج26 ص159، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الشتات الثاني159،
 
السلطان بايزيد يستقبل اليهود الهاربين من الاضطهاد الاوروبي(القرن ال16)
:"ورحب السلطان بايزيد الثاني في تركيا باليهود المنفيين، لأنهم أحضروا معهم، على وجه الدقة، تلك المهارات اللازمة للحرف والصناعات اليدوية والتجارة والطب. مما لم تكن تركيا قد توسعت فيه وطورته إلا في أقل الحدود. وقال بايزيد عن فرديناند الكاثوليكي: "إنكم تقولون إن فرديناد ملك حكيم عاقل ذلك الذي أفقر بلاده وأغنى بلادنا"(70). وخضع اليهود، شأنهم شأن غير المسلمين في أرض الإسلام، لضريبة الرأس، ولكن هذه الضريبة أعفتهم من الخدمة العسكرية. وبقي معظم يهود تركيا فقراء، ولكن كثيراً منهم أثرى وسما إلى مراكز النفوذ. وسرعان ما أصبح كل أطباء القسطنطينية تقريباً من اليهود. وكان طبيب سليمان من ذوي الحظوة لديه، إلى درجة أنه أعفاه وأعفى أسرته من كل الضرائب وبرز اليهود في الناصب الدبلوماسية في عهد سليمان، حتى أن السفراء المسيحيين كان لزاماً عليهم أن يتوددوا إليهم تقرباً إلى السلطان. وكان لأنباء اضطهاد اليهود في أنكونا على يد بول الرابع وقع شديد في نفس سليمان، واحتج عليها لدى البابا (9 مارس 1556) وطلب الإفراج عن رعايا تركيا من اليهود في أنكونا، وفعلاً أطلق سراحهم(71). وآوى جراسيا منديزيا، وهو أحد أفراد أسرة منديس الذين اشتغلوا بالأعمال المصرفية، إلى اسطنبول ليجد فيها أخيراً الأمن والطمأنينة، بعد أن أتى كثيراً من أعمال البر
قصة الحضارةج26 ص160،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الشتات الثاني
 
حرمان اليهود في اوروبا القرون ال13-16
قال ديورانت
:"وعلى أية حال، فإن أكبر جريمة ارتكبت في تلك القرون هي الحط عمداً من قدر شعب بأسره، وقتل النفس بلا شفقة أو رحمة.
وكان الجزء الذي لا يتجزأ من هذه الجريمة وأساسها، استبعاد اليهود من كل الأعمال والأشغال تقريباً، فيما عدا التجارة والشئون المالية. ولأسباب سبق إيجازها(74)، ولأن الكنيسة كانت تطالب بعشر غلة الأرض المنزرعة، تراجع اليهود أكثر فأكثر عن زراعة الأرض، وأخيراً حرم عليهم امتلاك الأراضي(75). ولما كان محرماً عليهم الانضمام إلى النقابات (التي كانت رسمياً منظمات مسيحية دينية) فإنهم لم يتمكنوا من الدخول إلى عالم الصناعة، وطوقت الاحتكارات المسيحية عملياتهم التجارية. وعلى الجملة وجدوا أنفسهم، في معاملاتهم مع المسيحيين، محدودين بنطاق ضيق من الصناعة والتجارة وتسليف النقود. وفي بعض البقاع كان محرماً عليهم أن يبيعوا للمسيحيين شيئاً سوى البضائع القديمة المستعملة، وفقدوا، بعد القرن الثالث عشر، تفوقهم السابق في عالم المال، ذلك التفوق الذي كان يثير حقد الآخرين وحسدهم، ولكن رأسمالهم السائل، ومعرفتهم بلغات العالم، واتصالاتهم الدولية عن طريق أقربائهم المنتشرين في كل مكان، كل أولئك مكنهم من تحقيق مركز عال في التجارة الأجنبية للدول المسيحية. وكان دور اليهود في
هذا المجال هائلاً إلى حد أن الدول التي طردتهم، خسرت الكثير من حجم تجارتها
الدولية. أما تلك التي رحبت بهم فكسبت هذا المجال. وهذا سبب واحد، وليس
السبب الرئيسي، في أن أسبانيا والبرتغال اضمحلتا، على حين انتعشت هولندة،
وفي أن أنتورب أسلمت زعامتها التجارية إلى أمستردام.
قصة الحضارةج26 ص162-163،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> فن البقاء
 
:"وقوضت مصائب القرنين الرابع عشر والخامس عشر أركان التنظيم الاجتماعي لدى اليهود، ومات من الأحبار، كما مات من القساوسة، عدد كبير جداً، في الموت الأسود، ووضعت عمليات الاضطهاد والطرد وحياة اللاجئين، خاتمة للقانون اليهودي.
قصة الحضارةج26 ص164، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> فن البقاء
 
اليهود والنقل والترجمة
:"وكان بين اليهود عدد كبير من العلماء، ولكنهم انهمكوا في التلمود. وكان منهم النحويون مثل بروفيات دوران وأبراهام دي بالم. والمترجمون مثل أسحق بن بولكار، الذي نقل مؤلفات الغزالي إلى العبرية، ويعقوب مارتن الذي ترجم ابن سيناء وابن رشد وابن ميمون وليفي بن جرسون إلى اللاتينية.
قصة الحضارة ج26 ص168، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الفكر اليهودي
 
وقد ولد دون أسحق أبرابانل في لشبونة 1437، واستخدمه ألفرنسو الخامس ملك البرتغال وزيراً للمالية. ولكنه جمع بين مشاغله الرسمية والدراسات الدينية والتاريخية...وفي نابلي استخدمته الحكومة. ولكن الغزاة الفرنسيين (1495) نهبوا داره، ودمروا مكتبته الحافلة بنفائس الكتب المنتقاة، وأجبروه على الفرار إلى كورفو. وهناك كتب، ما كان لا بد لأي يهودي أن يكتب في هذه السنوات: "إن زوجتي وأولادي وكتبي بعيدة عني، ولقد تركت وحيداً غريباً في بلد غريب"(79). واتخذ طريقه إلى البندقية، وهناك عين في منصب دبلوماسي (1503)...وضع المبدأ الذي يقول بأن الأحداث والأفكار التي وردت ي الكتب المقدسة يجب تفسيرها على ضوء الحياة الاجتماعية والسياسية في عصرها
قصة الحضارة ج26 ص168-169، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الفكر اليهودي
 
وكان أبراهام زاكوتو شخصية عظيمة فذة في مجال العلم عند اليهود في القرن الخامس عشر. وجمع عندما كان يقوم بالتدريس في سلمنقة (1473- 1478) كتابه "التقويم الدائم" وقد استعملت جداوله الفلكية، كدليل للملاحة في رحلات فاسكودا جاما وكابرال وألبوكيرك ثم في رحلات كولمبس بعد 1496. وكان زاكوتو من بين اللاجئين من أسبانيا (1492)، ووجد ملجأ مؤقتاً في البرتغال، وقد استشاره البلاط في الإعداد لرحلة فاسكودا جاما إلى الهند، وكانت السفن مزودة بالإسطرلاب الذي أدخل عليه هو تحسينات. ولكن في سنة 1497 لم يمهله الاضطهاد وقذف به خارج البرتغال كذلك. وأخذ يضرب في الأرض فقيراً معدماً لعدة سنوات حتى انتهى به المطاف في تونس، وهناك تعزى في أخريات حياته بكتابة تاريخ قومه.
قصة الحضارة ج26 ص171،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الفكر اليهودي
 
وظل الأطباء اليهود أفضل من يجد الناس في البحث عنهم ويلتمسون عندهم البرء في كل أوربا. وعلى الرغم من إزعاجهم بالإدانات والاتهامات الدينية والقيود الرسمية والمخاطرة بحياتهم في معالجة ذوي الشأن من المسيحيين، كانوا ذوي حظوة لدى البابوات والملوك. ولم تكن إضافاتهم آنذاك إلى علم الطب بارزة، باستثناء إضافات دي أورتا إلى طب المناطق الحارة، ولكن أماتوس لوسيتانوس ضرب مثلاً لتقاليد مهنته وتقاليد قومه. وأخرجته محكمة التفتيش من البرتغال التي كان قد أخذ منها اسمه اللاتيني، فعاش متنقلاً من أنتورب إلى فيرارا إلى روما، ثم استقر به المقام في أنكونا (1594) حيث كان كثيراً ما يستدعي لعلاج نفس البابا جوليوس الثالث الذي ناضل من أجل تحطيم التلمود. وكان، حتى آخر حياته، يستطيع أن يقسم أنه لم يكن يهتم قط بالمكافأة ولم يقبل قط أية هدية قيمة، وأنه كان يخدم الفقراء بلا أجر، وأنه لم يكن يفرق في ممارسة مهنته بين مسيحي أو يهودي أو تركي، وأن أية صعاب، مثل بعد المكان أو عدم ملاءمة الوقت، لم تكن لتثنيه عن تلبية أي نداء. وكشفت سجلات عمله (1563) عن سبعمائة حالة كان قد عالجها، وكان الأطباء في كل أوربا يدرسون هذه المذكرات ويقتنونها، ودعا ملك بولندة أماتوس ليكون طبيباً خاصاً له، ولكنه آثر أن يبقى في أنكونا. ولكنه أرغم في 1556 على استئناف تجواله، عندما طالب بول الرابع كل يهود إيطاليا بالتحول إلى المسيحية أو الإلقاء في السجون. وكان للقرار الذي أصدره الحبر ابن أدريت بتأجيل تدريس العلوم والفلسفة لليهود إلى سن الخامسة والعشرين، أثر أقل على الفلسفة منه على العلم، وفي فرنسا أقل منه في أسبانيا.
قصة الحضارة ج26 ص172،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الفكر اليهودي
 
وكان أثر ابن ميمون لا يزال قوياً على اليهود الذين احتالوا على البقاء في جنوب فرنسا وتجاسر يوسف كاسي على كتابة رسائل في المنطق وعلم الأخلاق لتوجيه ابنه، ودافع عن التقليد الفلسفي المتحرر الذي كان ابن ميمون قد عرضه لأول مرة في مؤلفه "دلالة الحائرين" وقد أنجب هذا الضرب من التقليد المتحرر مفكراً يهودياً عظيماً هو ليفي بن جرسون Ben Gerson الذي يعرف عند المسيحيين باسم جرسونيدس، الذي عاش، كما عاش معظم الفلاسفة اليهود، على "الطبابة" أي مهنة الطب، وحقق المثل الأعلى الذي قصده أبقراط فيالطبيب الفيلسوف. ولد ابن جرسون في باجنول 1288، في أسرة من العلماء، وعاش معظم سنى حياته في أراجون وبربينان وأفنيون، وانصرف إلى عمله آمناً مطمئناً في ظل حماية البابوات، ولا يكاد يوجد علم من العلوم لم يعالجه أو مسألة فلسفية لم يعرض لها. وكان على علم واسع بالتلمود، وأسهم في رياضيات الموسيقى، ونظم الشعر.
قصة الحضارةج26 ص173، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الشتات الثاني
 
علوم بن جرسون اليهودي نبعت عن الرياضيين والفلكيين العرب
:"وكان ابن جرسون من علماء عصره اللامعين في الرياضيات والفلك، وفي 1321 استبق الطريقة التي اتبعها فيما بعد موروليكو (1575) وباسكال (1654) في إيجاد عدد التباديل البسيطة لعديد من الأشياء بالاستنتاج الرياضي، ومهدت رسالته في حساب "المثلثات" الطريق أمام رجيومونتانوس، ولقيت تقديراً واسعاً إلى حد البابا كليمنت السادس أصدر تكليفاً بترجمتها إلى اللاتينية، مثل Chordis,de Sinibus و Arcubus (1342). وقد اخترع، أو في الواقع أدخل تحسيناً على العصا التصالبية لقياس ارتفاع النجوم، وبقى هذا طوال قرنين من الزمان نعمة كبرى للملاحة. وقد أجرى ملاحظاته الفلكية الخاصة به، وأظهر مقدرة كبيرة في نقده لطريقة بطليموس. وبحث، ولكنه رفض، الفرضية القائلة بأن الشمس هي مركز الكون بطريقة توحي بأن قلة قليلة من الناس كانت تشايعه في عصره. وهذب آلة التصوير القاتمة واستخدمها مع العصا التصالبية ليحدد، بشكل أدق، الاختلافات في القطر الظاهر للشمس والقمر. وكما أن علوم بن جرسون نبعت عن الرياضيين والفلكيين العرب....
قصة الحضارة ج26 ص173-174،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> اليهود -> الفكر اليهودي
 
ونمت صناعة صيد السمك بازدياد السكان، ولكن الإصلاح الديني سدد ضربة قاضية إلى تجار السردين بإباحة اللحوم يوم الجمعة
قصة الحضارة ج26 ص181،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> الاقتصاد
تعليق
وهو مثال على ظروف اوروبا ومافعله دينها بها في حين كان المحرمات في الإسلام قليلة فلو كانت المحرمات تصل إلى حد فعل النصارى بدينهم لما قامت لنا حضارة ، فدائرة المباحات واسعة جدا وهي الأصل وهي أوسع من دائرة المحرمات ولابن القيم كلام لطيف في هذا لا أذكر موضعه الآن ، وما أتذكره من كلامه وإن كان يحتاج توضيب وضبط وسأكتبه بحرفي حتى لا ينسب الإنحراف لابن القيم نفسه وهو أن الله حرم الخمر من المشروبات لكنه أحلها وحرم الخنزير وأحل المأكولات وحرم الحرير-على الجال- وأحل الملبوسات، وحرم الزنا ولكن حلل النكاح وهو أمر واسع في الإسلام ، وهكذا
 
:"واتسم الصراع بين الطبقات بمرارة، قل أن عرف لها مثيل منذ عهد سبارتاكوس (زعيم ثورة العبيد 71 ق.م.) وخير شاهد على ذلك ثورة الأهالي في أسبانيا، وحرب الفلاحين في ألمانيا، وثورة كت Ket في إنجلترا. وكثرت الإضرابات، ولكنها كانت تخمد بائتلاف أرباب العمل مع الحكومة. وفي 1558 قررت نقابة عمال النسيج التي كان يسيطر عليها السادة أن أي عامل يرفض العمل بمقتضى الشروط التي يضعها رب العمل يسجن لأول مخالفة، ثم يضرب بالسياط ويوصم بالعار في الثانية. وكانت قوانين التشرد في عهد هنري الثامن وإدوارد السادس من القسوة والوحشية إلى حد أن قلة قليلة من العمال تجاسروا على أن يوجدوا متعطلين بلا عمل. ونص قانون 1547 على أن أي عامل قادر من الناحية الجسمانية يترك عمله ليتسكع في البلاد كالمتشردين، يجب أن يدمغ صدره بحرف "V" (الحرف الأول من Vagabond متشرد)، ويدفع به بوصفه عبداً رقيقاً إلى أحد المواطنين في الجهات المجاورة، لمدة عامين، ليعيش على "الخبز والماء وقليل من الشراب وحثالة اللحم"، فإذا لم يرتدع وتكرر منه التشرد، دمغ على خده أو جبهته بحرف "S" (Slave عبد) وحكم عليه بالاسترقاق طيلة حياته(9). وبفضل الشعب الإنجليزي، وكان فخراً وشرفاً له، أنه لم يمكن تطبيق هذه الإجراءات وسرعان ما أبطلت، ولكنها تكشف عن طباع حكومات القرن السادس عشر.وأصدر جورج دوق سكسونيا قراراً بالا ترفع أجور عمال المناجم في منطقته، وألا يسمح لعامل بترك عمله للبحث عن عمل في مكان آخر، وألا يستخدم رب العمل عاملاً كان قد أثار الاستياء في منجم آخر، وأجاز القانون صراحة أو ضمنا تشغيل الأطفال. وقام الأطفال في فلاندرز بصناعة المخرمات برمتها، وحرم القانون اشتغال البنات فوق سن الثانية عشرة في هذه المهنة(10). أما قوانين الاحتكارات والمضاربات والربا فكان مصيرها أو المراوغة في التنفيذ.قصة الحضارة ج26 ص189،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> الاقتصاد
 
نتكلم عن ظروف أوروبا التي لم يعرفها الإسلام مع التنبيه إلى أن ماحدث من تطور في الغرب يومذاك كان مما رأوه من عظمة الإسلام كما ومن أمور أخرى داخل أوروبا وبفعل أهلها.
مثال
:"وتصادف ظهور الإصلاح الديني مع قيام الاقتصاد الجديد. وكانت الكنيسة الكاثوليكية تناهض "الأعمال والمشروعات والتجارة" في حساسية بالغة. فلم يتفق كل هذا مع مزاج الكنيسة. وكانت قد أدانت فوائد القروض، وأجازت من الناحية الدينية قيام النقابات، وقدست الفقر وانتقدت الثراء، وأعفت العمال من العمل أيام الآحاد والعطلات التي كانت كثيرة، إلى حد أنه في 1550 بلغ عدد الأيام التي لا عمل فيها 115 يوماً في السنة في الأقطار الكاثوليكية(11). وربما كان لهذا أثره في الإبطاء بالتصنيع والإثراء في هذه البلاد. ودافع رجال اللاهوت، بموافقة الكنيسة، عن فكرة تحديد "أسعار عادلة" لضرورات الحياة بمقتضى القانون، وكان توماس الأكويني قد وصم السعي إلى المال، بعد الوفاء بحاجيات الإنسان، بأنه "جشع آثم"، وحكم بأن أية مقتنيات أو مدخرات فائضة عن الحاجة، "تخصص بمقتضى القانون الطبيعي لإغاثة الفقراء وإسعافهم"(12). وشارك لوثر في هذه الآراء، ولكن التطور العام للبروتستانتية تعاون، دون وعي، مع الانقلاب الرأسمالي. وألغيت عطلات القديسين، وكان من نتيجة ذلك زيادة العمل ورأس المال معاً. ولقي المذهب الديني الجديد تأييداً ودعماً من رجال الأعمال، وجزاء مجاملة مثلها، فنظر البروتستانت إلى الثروة بعين الإجلال والإكبار، وأثنوا على التدبير والاقتصاد، وشجعوا العمل على أنه فضيلة
قصة الحضارة ج26 ص190، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> الاقتصاد
 
بعد الحروب الداخلية الوحشية الداخلية في اوروبا القرن ال16
عصر الاصلاح الديني وحشية العقاب-حرق وفشخ وقطع الاجساد-وانتشار العاهرات وقطاع الطرق واشباه ذلك
:"لقد كان عصراً قاسياً رهيباً، انسجمت قوانينه مع اقتصاد لا يرحم، وإملاق مخزٍ وفن كئيب، ولاهوت تخلى ربه عن المسيح وتبرأ منه.
وكانت الجريمة أمراً طبيعياً، بين سكان كتب على معظمهم الفقر والفاقة في الدنيا، واللعنة في الآخرة. وكان القتل منتشراً بكثرة في كل الطبقات. وتدلى الخنجر من حزام أي رجل ذي وزن، أما الضعفاء فقد اعتمدوا على القانون في إصلاح أخطائهم. وكانت جرائم الهوى والانفعال كثيرة جداً قدر كثرتها في روايات شكسبير. فلم يكن في زمرة الرجال أي "عطيل" أخفق في ذبح زوجته التي اشتبه في سلوكها. واعتبر المسافرون قطع الطرق أمراً مفروغاً منه أو قضية مسلماً بها، فساروا في جماعات. وكان عدد اللصوص في المدن التي لم تزل غير مضاءة ليلاً، وفيراً قدر وفرة العاهرات. وكان لزاماً أن يكون بيت الرجل حصناً منيعاً. وفي أوج عظمة فرنسوا الأول، أعملت السلب والنهب في باريس في وضح النهار عصابة من اللصوص أطلق عليها اسم "الأولاد الأشرار"... فإذا صنفنا، باعتبارها جرائم، الغش في السلع، والمغالطة التي تتسم بها حيل رجال الأعمال، وتفشى الرشوة في المحاكم، والاستيلاء على أملاك الكنيسة، وتوسيع الحدود بالغزو والفتح، نقول إذا صنفنا هذه كلها في عداد الجرائم، لوجدنا أن واحداً من بين كل اثنين في أوربا لص، وقد نضفي على بعضهم الحصانة الأكليريكية، وقد نسلم بوجود حرفي أمين هنا أو هناك. فإذا أضفنا إلى ذلك شيئاً من إحراق المباني عمداً، وبعضاً من حوادث اغتصاب الفتيات، وقليلاً من الخيانة، لبدأنا ندرك المشاكل التي تواجهها قوات النظام وحماة القانون.
وقد نظمت قوات النظام والقانون هذه، لتوقيع العقاب، أكثر منها لمنع الجرائم...وكان هناك عشرات من الجرائم الرئيسية: القتل، الخيانة، الهرطقة، تدنيس المقدسات والمعابد، السحر، السلب، التزوير، التزييف، التهريب، الإحراق عمداً، الحنث بالقسم، الزنى، اغتصاب الفتيات (إذا لم يسو بالزواج)، اللوط، "الانغماس في الشهوات البهيمية"، غش الموازين والمقاييس، إفساد الطعام، تخريب الممتلكات ليلاً، الهروب من السجن، الإخفاق في محاولة الانتحار، وقد تكون العقوبة ضرب العنق بدون ألم أو تعذيب نسبياً، وهذا امتياز اختص به عادة السيدات وأفاضل الرجال، أما من هم أقل مكانة فكانوا يشنقون. أما الهراطقة وقتلة الأزواج فكانوا يحرقون. أما السفاحون البارزون فكانوا يشدون أطراف الواحد منهم (يديه ورجليه) إلى أربعة خيول يجري كل منها في اتجاه مضاد حتى يتمزق جسم المجرم. واصدر هنري الثامن في 1531 قانوناً يعاقب من يدس السم، بالغلي حياً(14)، كما نفعل نحن الأكثر وداعة ورقة بالمحار أو السمك. ونص قانون محلي في سالزبرج بان يحرق المزور أو يغلى حتى الموت. وأن يقطع لسان الحانث في اليمين من رقبته. أما الخادم الذي يضاجع زوجة سيده أو ابنته أو شقيقته فيضرب عنقه أو يشنق(15). وأحرقت جولين رابو في آنجرز (1531) لأنها كانت قد قتلت طفلها أثر ولادة مؤلمة(16). وهناك أيضاً، إذا صدقنا ما رواه بودن، عدة أفراد أحرقوا أحياء لتناولهم اللحم يوم الجمعة، ورفضهم الندم على ما فعلوا، أما الذين أظهروا الندم فكانت عقوبتهم مجرد الشنق(17). وكانت العادة أن تترك جثة المشنوق معلقة حتى تنهش الغربان لحمها، ليكون عظة وعبرة للأحياء، وفي الجرائم الصغرى كان يجلد الرجل أو المرأة أو تقطع إحدى يديه أو قدميه أو أذنيه، أو انفه، أو تفقأ إحدى عينيه أو كلتاهما، أو يكوى بالحديد المحمى. وهناك جنح أخف كان عقابها السجن الذي تختلف فيه ظروف المعاملة بين المجاملة والخشونة، أو تعذيب المذنب بآلة خشبية ذات ثقوب تقيد فيها رجلاه ويداه، أو إدخال أيدي المذنب ورأسه في آلة خشبية تسمى "المشهرة"، أو الجلد، أو التعذيب على كرسي التغطيس. وكان السجن وفاء للدين معروفاً شائعاً في جميع أنحاء أوربا. وبصفة عامة كان قانون العقوبات في القرن السادس عشر أشد قساوة منه في العصور الوسطى، ولقد عكس الفوضى الأخلاقية في ذاك العصر.
ولم يكن الناس يستاءون من هذه العقوبات الصارمة، بل لقد أحسوا ببعض السرور والابتهاج في مشاهدة تنفيذها وساعدوا في بعض الأحيان في التنفيذ. ولما اعترف مونتكوكولى تحت وطأة التعذيب، بأنه كان قد سمم، أو حاول أن يسمم، فرانسيس، الابن العزيز المحبوب لفرانسوا الأول، مزقت أوصاله حياً، بربط أطرافه إلى أربعة خيول جرت في أربعة اتجاهات، (ليون 1536) وقيل إن الجمهور مزق بقايا جسمه إلى قطع صغيرة، وفتت أنفه، واقتلع عينيه، وحطم فكيه، ومرغ رأسه في الوحل، وجعله يموت ألف مرة قبل أن يفارق الحياة(18).
قصة الحضارة ج26 ص191-194،، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> الاقتصاد
 
أخلاق أوروبا (1)في القرن ال16 فمابالك ماقبله ومابعده
:"إن الجنود الذين عادوا من الحملات التي كان الخمر والنساء فيها عزاءهم وتسليتهم الأساسية، وجدوا من المؤلم لهم ومن العسير عليهم أن يروضوا أنفسهم على العفة والامتناع عن شرب الخمر. وانغمس الطلبة في الفسق والفجور، واحتجوا بأن الزنى خطيئة عرضية تغتفر"(25)، ويمكن أن يتجاوز عنها المشرعون المستنيرون. ولقد أعلن روبرت جرين أنه في كمبردج كان قد "أفنى زهرة شبابه بين أوغاد فاجرين لا يقلون عنه دعارة"(26). وكثيراً ما ظهر الراقصات على المسرح، او في أي مكان آخر، "عاريات تماماً"(27). ومن الواضح أن هذه بدعة من أقدم البدع في الدنيا- ولقد نظر الفنانون بازدراء إلى قواعد السلوك الجنسي ونظمه(28)، واتفق اللوردات والسيدات مع الفنانين في ذلك. وكتب برانتوم: "إن الطبقات العليا استخفت بقواعد السلوك عند العذارى وما يحوم حولهن من شكوك، وكم من آنسات أعرفهن في دنيا العظماء، لم يأخذن معهن بكارتهن إلى فراش الزوجية"(29). ولقد لحظنا نوع القصة التي بدا أن مرجريت نافار الجميلة سمعتها دون أن تحمر وجنتاها خجلاً. وكم زخرت المكتبات بكتب الأدب الخليع المكشوف، التي تدفع فيها أثمان عالية في نهم شديد(20). وكان لأرتينو (هجاء لاذع في إيطاليا في القرن الخامس عشر) في باريس شعبية قدر شعبيته في رومه"، ولم يحس رابليه، الكاهن بأنه من الجائز أن ينقص المبيع من ملحمته "جارجنتوان Gargantuan" بحشوها بكلام جعل أرتينو يسارع لإخفائه. ووجد
الفنانون سوقاً رائجة للصور الجنسية، بل حتى للانحرافات المصورة(31)، وكان الباعة المتجولون في الشوارع، وحماة البريد واللاعبون الجوالون يبيعون روائع الصور للتي من هذا القبيل، حتى في المعارض والأسواق الخيرية الكبرى(32). لقد وجدت كل ألوان الابتذال والانحراف لها مكاناً فسيحاً في تلك الحقبة(33). مثلما وجدته في الصفحات التي دونها برانتوم والتي تتسم بالأرستقراطية(34).
وزاد الدخل من البغاء وارتفع شأنه. وحدث في هذا العصر أن أطلق على من يمارسه "سيدات البلاط"- (في مقابل رجال البلاط). وقدم بعض القواد البغايا إلى جيوشهم، حرصاً منهم على حماية سيدات البلاد التي يحتلونها(35). ولكن نسبة الأمراض السرية ارتفعت إلى حد الوباء تقريباً. وكم أصدرت الحكومة تلو الحكومة من تشريعات ضد "بنات الهوى"التعيسات. وعلى حين أكد لوثر أن الرغبة الجنسية أمر طبيعي، نراه قد كافح للإقلال من البغاء، وبتحريض منه حرمته كثير من مدن ألمانيا اللوثرية(36). وفي 1560 جدد ميشيل دى لوبيتال مستشار فرنسا قوانين لويس التاسع ضد هذه الرذيلة، والظاهر أن أوامره نفذت.
وفي الوقت نفسه نجد أن الشهوة الحمقاء للجسد من أجل الجسد، أورثت ظمأ النفس إلى النفس، وإلى كل ما كان يزدان به التودد والحب الرومانتيكي من رقة وكياسة، وتدفقت الدماء التي تغلي في العروق في النظرات المختلسة والرسائل الغرامية والقصائد الغنائية والمقطوعات الشعرية والأناشيد والقطع الغزلية والهدايا المشجعة واللقاءات السرية. ورحبت بعض الشخصيات المهذبة أو السيدات اللعوبات من إيطاليا وكاستليوني، بالتسلي بحب أفلاطوني تكون فيه السيدة والرفيق المتودد إليها صديقين حميمين، ولكن محافظين على الطهارة والعفة، ولكن مثل هذا اللون من كبح جماح النفس لم يكن من شيمة هذا العصر، فقد كان الرجال شهوانيين بطريقة مكشوفة، وأحب النساء هذه الحلة فيهم، وكثر شعر الغرام، ولكنه كان مقدمة لأفتناص النساء.
وبالنسبة للزواج، بقي الآباء واقعيين إلى حد عدم السماح للمحب باختيار رفيقة الحياة، فقد كان الزواج في شريعتهم زفافاً إلى الضيعة أو الثروة أو المكانة الاجتماعية (زواج المصلحة)، ونصح إرزم الذي كان شديد الإحساس بمفاتن المرأة، لا بالزواج، نصح الصغار بالزواج ممن يختاره الكبار، على أن يتركوا الحب ينمو بالمزاملة والمرافقة أفضل من أن يذبل ويذوي بإشباع الشهوة(37)، واتفق رابليه معه في هذا الرأي(38). وعلى الرغم من هؤلاء الثقاة، ثار عدد متزايد من الشباب، مثل جان د ألبرت، على الزيجات المبنية على الثروات والعقارات الثابتة. ونعي روجر أسكام معلم الملكة اليصابات: "أن عهدنا بعيد جداً عن النظام والامتثال القديمين، حتى أن الشبان، بل والبنات أنفسهن- اصبح الجميع يجرءون على الزواج رغم أنف الأب والأم والنظام السليم وكل شيء(39). وفزع لوثر حين علم بأن ابن ميلانكتون خطب لنفسه عروساً دون استشارة أبيه، وأن أحد صغار القضاة في وتنبرج أعلن صحة هذه الخطبة، ورأى المصلح الديني (لوثر) أن هذا سيسيء حتماً إلى سمعة وتنبرج. وفي 22 يناير 1544 كتب في الجامعة: إن لدينا عدداً وفيراً من الشبان من مختلف البلاد، وان سباق
البنات ليشتد، وأنهن ليجرين وراء الرفاق في حجراتهم وقاعاتهموحيثما استطعن إليهم سبيلاً، ليعرضن عليهم حبهن الطليق. ولقدسمعت أن كثيراً من الآباء أمروا أبنائهم... بالعودة إلى بيوتهم...قائلين إننا نعلق الزوجات حول رقاب أبنائهم... وفي يوم الأحدالتالي ألقيت عظة قوية أدعو الرجال إلى اتباع السبيل القويم والقاعدةاللتين وجدتا منذ بدء الخليقة... أعني أن يزوج الآباء أبنائهمبعضهم من بعض بروية وحسن نية، دون أن يرتبط الأبناء بارتباطتمهيدي.. فإن مثل هذه الارتباطات من ابتداع البابا الممقوت،أوحى بها إليه الشيطان ليحطم ويمزق سلطة الآباء التي منحها اللهإياهم وأوصى بها لهم بصفة جدية(40).وكان يمكن تنظيم عقود الزواج للأولاد والبنات ابتداء من سن الثالثة، ولكن كان من الميسور فسخها إذا لم تتحقق. وكانت السن الشرعية للزواج الرابعة عشرة للولد والثانية عشرة للبنت. وكان من المستطاع التجاوز عن العلاقات الجنسية بعد الخطبة وقبل الزفاف، وحتى قبل الخطبة، في السويد وفي ويلز، كما كان في بعض المستعمرات الأمريكية فيما بعد، وكان يسمح للحبيبين بالاشتراك في فراش واحد دون أن يخلعا ملابسهما، ولكنهما كانا يذكران بالاحتفاظ بملاءة بينهما حتى لا يلتصق جسماهما(41). ولم يعد الزواج في البلاد البروتستانتية سراً مقدساً، وما حل عام 1580 حتى بات الزواج المدني يزاحم الزواج على يدي الكاهن. وارتأى لوثر وهنري الثامن وإرزم والبابا كليمنت السابع أن الزواج من امرأتين يمكن أن يرخص فيه تحت شروط معينة، وخاصة إذا كان بديلاً للطلاق. واتجه رجال الدين من البروتستانت شيئاً فشيئاً إلى إباحة الطلاق، وكان ذلك في أول الأمر بسبب الزنى فحسب، وكانت هذه الجريمة أكثر شيوعاً في فرنسا، على الرغم من عادة قتل الزوجة الزانية هناك. وكان الحب غير المشروع جزءاً من الحياة العادية للسيدات الفرنسيات ذوات المركز الاجتماعي المرموق(42). وكان البيت الذي يضم زوجاً وزوجتين أمراً مألوفاً كثيراً في فرنسا، مثال ذلك البيت الذي كان يضم هنري الثالث وكاترين دى مدينتشي وديان دى بواتييه، وكانت الزوجة الشرعية (المعقود عليها) ترتضي هذا الوضع في كياسة مرة ساخرة، كما يحدث أحياناً في فرنسا اليوم.
وباستثناء الطبقة الأرستقراطية، كانت المرأة قبل الزواج معبودة
وألهه، وبعده خادمه. وكانت الزوجة تقوم بواجبات الأمومة خير قيام أدون صعوبة أو تردد، وتبتهج وتفاخر بكثرة الأولاد، وتحتال على أن تسوس رب البيت. وكان النساء قويات معتادات على العمل الشاق من طلوع الشمس إلى مغربها، ويقمن بحياكة معظم الملابس اللازمة لأسراتهن. وكن في بعض الأحيان يعملن مع المقاولين الرأسماليين. وكان النول جزءاً أساسياً من البيت. وفي إنجلترا كان معظم النساء غير المتزوجات غزالات، أما سيدات البلاط الفرنسي فكن شيئاً آخر، ولقد شجعهن فرانسوا الأول على تجميل أجسامهن وملابسهن. واستطعن في بعض الأحيان تحويل السياسة الوطنية بفعل "القذائف الموجهة" التي تطلقها مفاتنهن. وورد من إيطاليا على فرنسا، حركة نسائية، ولكنها لم تلبث أن خمدت، لأن النساء أدركن أن قوتهن وشهرتهن شيء مستقل عن السياسة والقانون. وكان كثير من نساء الطبقة العليا على درجة عالية من الثقافة. وفي باريس، وفي غيرها، بدأ الصالون الفرنسي آنذاك يتشكل، حيث جعلت السيدات المثقفات ذوات اليسار من بيوتهن ملتقى رجال الدولة والشعراء والفنانين والعلماء والأساقفة والفلاسفة، وثمة مجموعة أخرى من السيدات الفرنسيات بقين متمسكات بأهداب الفضيلة، في هدوء، وسط العاصفة الهوجاء- عاصفة الجنس- مثل آن أوف فرانس، وآن أوف برتياني، وكلود، ورينيه. وبصفة عامة، فإن الإصلاح الديني الذي نبت في تربة تيوتونية (ألمانيا وشمال أوربا) عمل على تدعيم فكرة المجتمع الأبوي وسلطان الأب على المرأة والأسرة. كما وضع الإصلاح حداً لتمجيد المرأة في عصر النهضة، بوصفها نموذجاً للجمال وعاملة على تمدين الرجل، كما أدان الكنيسة بالتساهل في الانحرافات الجنسية، ومهد الطريق بعد موت لوثر لجفاء المتطهرين (الحركة البيوريتانية).
قصة الحضارة ج26 ص196-201، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> الأخلاق
 
أخلاق أوروبا (2)في القرن ال16 فمابالك ماقبله ومابعده
:"وتدهورت الأخلاق الاجتماعية بنشوء الروح التجارية وشدة الاهتمام بالربح، والإحجام المؤقت عن أعمال البر والإحسان والصدقات. ووجد
الخداع والتضليل والخيانة- وهي أمور طبيعية في الإنسان- أساليب وفرصاً جديدة، منذ حلت اقتصاديات المال محل النظام الإقطاعي، ومنذ تملك الأغنياء الجدد السندات المالية أكثر مما تملكوا الأرض، وكانوا قليلاً ما يرون الأفراد الذين أفادوا من كدهم وعرقهم، فأن هؤلاء الأغنياء لم يكن لديهم من تقاليد المسئولية والكرم ما كان قد ذهب وولى مع الثروة القائمة على امتلاك الأرض(43). وكانت التجارة والصناعة في العصور الوسطى قد ارتضتا الضوابط الأخلاقية المتمثلة في توجيهات النقابات والمجالس المحلية والكنيسة، ولكن الرأسمالية الجديدة رفضت كل هذه القيود، وجرت الناس إلى منافسة عنيفة طوحت بالقوانين القديمة عرض الحائط(44). وحلت الحيل التجارية محل الموسومة بالتقي والورع. وضجت نشرات الإعلان في ذاك الزمان بالتحذيرات من غش الأطعمة وسائر المنتجات بالجملة. وشكا مجلس الديت في انسبروك 1518، من أن المستوردين "يضيفون الآجر المسحوق إلى الزنجبيل، ويخلطون الفلفل بمواد غير صحية"(45).ولحظ لوثر أن التجار "عرفوا كيف يحتالون على زيادة وزن التوابل- مثل الفلفل والزنجبيل والزعفران- بوضعها في أقبية رطبة، وأنه ليس ثمة سلعة واحدة لا يستطيعون أن يجنوا من ورائها أرباحاً طائلة بالغش في الكيل أو العد أو الوزن أو استحداث ألوان مصطنعة... وليس ثمة نهاية لحيلهم"(46). ووصم سناتو البندقية حمولة سفينة من الأصواف الإنجليزية بأنها مغشوشة من حيث الوزن والصنع والحجم(47).
وكان الناس في الأقطار اللاتينية لا يزالون يقبلون على أعمال البر والإحسان والصدقات بصدور منشرحة، كما كان الحال في العصور الوسطى، وأنفقت الأسرات النبيلة جزءاً كبيراً من دخولها في الهبات والصدقات(48). وورثت ليون عن القرن الخامس عشر منظمة ضخمة للصدقات المحلية أمدها المواطنون بالأموال بسخاء عن طيب خاطر(49). في ألمانيا وإنجلترا فلم تكن الأيدي مبسوطة إلى هذا الحد. وبذل لوثر كل ما في وسعه ليعيد نظام الصدقات الذي كان قد اختل بمصادرة الأمراء لأملاك الأديرة، ولكنه اعترف بأن جهوده لم تكلل بالنجاح. ورثى "لأن الناس في عهد البابوية كانوا محسنين وتصدقوا عن طيب خاطر(50)، ولكنهم في ظل شريعة الإنجيل لم يعودوا يعطون شيئاً، وبات كل فرد يسلب الآخر... ولن يتصدق أحد بفلس واحد"(51). ونقل إلينا لاتيمر (من رجال الإصلاح الديني البروتستانتي في إنجلترا في القرن السادس عشر) رواية مشابهة: " لم يقس قلب لندن قط كما هو حالها الآن، فإذا مات أحد الأغنياء في الأزمنة الغابرة، كان ذووه يرصدون مبالغ كبيرة من المال لإغاثة الفقراء... أما الآن فقد تجمدت المروءة وانقضى عهدها(52). وأبلغ الكاردينال بول لندن، أن مدينتين في إيطاليا تصدقتا بأكثر مما تصدقت به إنجلترا بأسرها(53). وانتهى فرود إلى أنه "لما انتشر الصدق، تقلص البر والعدل في إنجلترا"(54). ويحتمل أنها ليست البروتستانتية، ولكنها الروح التجارية والكفر هما اللذان انقضا الصدقات والإحسان.
واشتد الفقر حتى أصبح يشكل أزمة اجتماعية، فإن المستأجرون المطرودين والعمال المهرة العاطلين والجنود المسرحين هاموا على وجوههم في الطرقات أو الأكواخ المصنوعة من القش يسألون الناس أو يسلبونهم ليعيشوا. وقدر عدد المعوزين في أوجزبرج بسدس السكان وفي همبرج بخمسهم، وفي لندن بربعهم(55). وصاح المصلح الديني توماس لفر يوما "يا رب يا رحيم، ما هذا العدد الضخم من الفقراء والضعفاء والعرج والعمى والمقعدين والمرضى... والذين يرقدون أو يزحفون في الشوارع الموحلة"(56) وكان لوثر الذي امتلأ قلبه بالرحمة قدر ما اتسم لسانه بالقسوة، من أول من أدركوا أن الدولة يجب أن تتولى عن الكنيسة رعاية المعوزين وإنقاذهم. وفي حديثه "إلى أشراف المسيحية في الأمة الألمانية" (1520) اقترح
أن تتكفل كل مدينة بالمعوزين فيها. وفي أثناء تغيبه في ورتبرج، نظم أتباعه المتطرفون في وتنبرج- صندوقاً جماعياً لرعاية الأيتام، ودفع مهور البنات الفقيرات، وترتيب منح دراسية للطلبة المحتاجين، وإقراض الأموال للأسرات التي أخنى عليها الدهر، وفي سنة 1525 اصدر لوثر توجيهاً بإنشاء صندوق عام. حث فيه المواطنين ورجال الدين في كل قسم على أن يفرضوا على أنفسهم ضريبة يسهمون بها في تكوين رصيد يقدمون منه قروضاً بدون فائدة للمحتاجين أو غير القادرين على العمل(57). وفي 1522 عينت أوجزبرج ستة "حماة الفقراء" ليشرفوا على توزيع المساعدات عليهم، وتبعتها نورمبرج في الحال، ثم ستراسبورج ويرسلاو (1523)، وراتسبون ومجدبرج (1524).
وفي تلك السنة كتب أسباني من دعاة الحركة الإنسانية، جوان لويس فيفز لمجلس مدينة بروجز نشرة عنوانها:"إعانة الفقراء". وقد لحظ انتشار الفقر وسط نمو الثروة، وأنذر بأن الإفراط في عدم المساواة في الملكية قد يولد ثورة مدمرة. وكتب يقول: "كما أنه من الخزي والعار على رب الأسرة في بيته الهانئ أن يسمح لفرد فيه أن يعاني مهانة العري أو الرأسمال البالية، فإنه كذلك ليس من اللائق بولاة الأمور في المدينة أن يحتملوا حالة مواطنين يتضورون جوعاً وبؤساً"(58).ووافق فيفز على أن يجبر على العمل كل قادر عليه، وألا يسمح لأحد بالتسول، ولكن ما دام كثيرون غير قادرين على العمل فعلاً، فيجب أن يدبر لهم مأوى في الملاجئ أو المستشفيات أو المدارس التي تنفق عليها البلد "على أن يقدم لهم الطعام والرعاية الطبية والتعليم الابتدائي مجاناً، ويجب أن تتخذ تدابير خاصة للمتخلفين عقلياً. وجمع ايبر Ypres بين أفكار فيفز والسوابق الألمانية في هذا المجال، ونظم في 1525 صندوقاً جماعياً وحد أموال
الصدقات في رصيد واحد ووكل توزيعها إلى رياسة واحدة. وطلب شارل الخامس (1531) نسخة من خطة ايبر. وأرسل هنري الثامن توجيهاً مماثلاً إلى أبرشبات إنجلترا (1536). واحتفظت الكنيسة في البلاد الكاثوليكية بإرادة أموال الصدقات.
وبقي الخلق السياسي مطبوعاً بالمكيافيلية. واعتبر نظام الجاسوسية أمراً مسلماً به. وكان من المتوقع أن يبلغ جواسيس هنري الثامن في روما عن أخطر محادثات الفاتيكان وأكثرها سرية(59).وكانت الرشوة عملية تقليدية، وتدفقت في سخاء أكثر بعد تدفق الذهب من أمريكا. وتسابقت الحكومات على نقض المعاهدات. ونافست الأساطيل المسيحية والتركية بعضها بعضاً في أعمال القرصنة. وبعد تدهور نظام الفروسية انحطت أخلاقيات الحرب إلى ما يشبه الهمجية ونهبت أو أحرقت المدن التي كانت قد أخفقت في مقاومة الحصار، وذبح الجنود المستسلمون أو استبعدوا حتى تدفع عنهم الفدية. أما القوانين والمجاملات الدولية التي كانت سائدة في حالة خضوع الملوك أحياناً لتحكيم البابوات، فقد اختفت في فوضى التوسع القومي والعداء الديني. واعترف المسيحيون ببعض الضوابط الخلقية تجاه غير المسيحيين، وبادلهم الأتراك نفس المعاملة. واسر البرتغاليون زنوج أفريقية واستعبدوهم. ونهب الغزاة الأسبان المواطنين الأمريكيين واستعبدوهم وقتلوهم، دون أن يخفوا عزمهم الأكيد على تحويل الدنيا الجديدة إلى المسيحية، وكانت حياة الهنود الحمر في أمريكا في ظل الحكم الأسباني مريرة تعيسة إلى حد انتحار الآلاف منهم(60)، بل حتى في العالم المسيحي نفسه في ذاك العصر كثرت حوادث الانتحار إلى درجة مروعة(61). واغتفر بعض دعاة الحركة الإسبانية إهلاك النفس. ولكن الكنيسة حكمت بأنه يؤدي إلى الجحيم مباشرة، ومن ثم يكون المنتحر كالمستجير من الرمضاء بالنار.
إن كل ما في الإصلاح الديني، ولو أنه في نهاية الأمر أصلح من الأخلاق في أوربا- دمر الفضائل العلمانية. ولقد نعي بيركهيمر وهانز ساكس- وكلاهما متعاطف مع لوثر- أن فوضى السلوك العشوائي غير المنظم قد سادت بعد انهيار السلطة الدينية(62). وكان لوثر كعادته، صريحاً جداً في هذه النقطة:
كلما تقدمنا إلى الأمام، ازداد العالم سوءاً.... فمن الواضح جداً كيف أن الناس أصبحوا نهمين قساة بذيئين وقحين شريرين أكثر بكثير مما كانوا عليه في ظل البابوية(63).. فنحن الألمان اليوم موضع سخرية كل الأقوام والشعوب ووصمة عار لهم، ونحن نعتبر قطيعاً مخزياً كئيباً من الخنازير.... نحن نكذب ونسرق، ونفرط في الطعام والشراب، وننغمس في كل رذيلة(64)... وإن الشكوى عامة من أن شبان اليوم منحلون فوضويون تماماً، وأنهم لا يستبيحون لأنفسهم أن يزدادوا علماً ومعرفة. ويروح نساء وتنبرج وبناتها ويجئن في كل مكان عاريات، وليس هناك من يعاقبهن أو يصحح أخطاءهن، ساخرات من "كلمة الرب" هازئات بها(65).
ووصف واعظ لوثري، أندريا مسكولوس، عصره (1560) بأنه فاسق غير أخلاقي، إذا قورن بالألمان في القرن الخامس عشر(66). واتفق معه في ذلك كثير من زعماء البروتستانت(67). وتأوه كلفن قائلاً "إن المستقبل يفزعني، ولست أجرؤ على التفكير فيه. أن الهمجية سوف تجرفنا إلا إذا هبط الرب من السماء(68). وأنا لنسمع من هذا القبيل عن اسكتلندة وإنجلترا(69). ولخص فرود، وهو النصير المتحمس لهنري الثامن، الموضوع باعتدال وإنصاف، فقال:
إن الحركة التي بدأها هنري الثامن، بالحكم عليها بنتائجها الحالية(1550) أسلمت البلاد آخر الأمر إلى مجرد مغامرين. إن الناساستبدلوا بخرافة من أكبر مساوئها أنها فرضت ظلاً من الاحتراموالطاعة، خرافة أخرى، مزجت الطاعة بإيمان متسم بطابعالمضاربة. وتحت هذا التأثير المميت، بدأت تختفي، لا أسمى فضائلالتضحية بالنفس فحسب، بل أبسط واجبات الاستقامة والأمانةوالفضيلة والأخلاق. وأصيبت الحياة الخاصة بدنس بدا لخلاعةرجال الدين الكاثوليك أنه البراءة والطهر... ومن بين الفئةالصالحة التي لم يمسها الدنس، لا يزال من الممكن العثور علىأفاضلهم في جانب الإصلاح(70).وقد لا يكون من اليسير أن تنسب هذا الانحطاط الخلقي في ألمانيا وإنجلترا، إلى فك لوثر لقيود الجنس، وازدرائه "للأعمال الصالحة"، أو إلى المثل السيئ الذي ضربه هنري الثامن بانغماسه في المغامرات الجنسية وقسوته البالغة، فقد ساد فسوق مشابه- ومن بعض النواحي أكثر انطلاقاً- في إيطاليا البابوية في ظل البابوات في عصر النهضة، وفي فرنسا الكاثوليكية تحت حكم فرانسوا الأول. وربما كان السبب الرئيسي في انحلال الخلق في أوربا الغربية هو نمو الثروة. وثمة سبب أصيل يدعم هذا، هو تزعزع الإيمان، لا في المبادئ الكاثوليكية فحسب، بل في أساسيات وأصول العقيدة المسيحية كذلك. فقد رثى أندريا مسكولوس "أنه ليس هناك من يعبأ بالجنة أو الجحيم، ولا يفكر أحد في الله أو في الشيطان"(71). وينبغي في مثل هذه التصريحات الصادرة عن الزعماء الدينيين، أن تتجاوز عن مبالغات المصلحين اليائسين من ضآلة التحسينات التي أدخلتها إصلاحاتهم الدينية على الحياة الأخلاقية. وإذا كان لنا أن نصدق الوعاظ، فإن الناس لم يكونوا أفضل بكثير فيما مضى، وقد لا يكونون أفضل بكثير في القرون التالية. ففي مقدورنا أن نتبين في عصرنا هذا كل خطايا القرن السادس عشر وآثامه،وأن نتبين خطايانا وآثامنا في كل ما اقترفه الناس في ذاك القرن، طبقاً لما تيسر لديهم من وسائل وأساليب.
وأنا لنجد في نفس الوقت أن الكاثوليكية والبروتستانتية كلتيهما، كانتا قد أقامتا ودعمتا أساسين لانبعاث الروح المعنوية والأخلاقية: تهذيب سلوك رجال الإكليروس بالزواج أو بالزهد والتعفف، والتوكيد على أن البيت هو الملاذ الأخير للإيمان والحشمة واللياقة. وقد يأتي اليوم حين يرجع الرجال والنساء بأبصارهم إلى الوراء، في حسد خفي، إلى القرن السادس عشر، حيث كان أسلافهم أشراراً وأحراراً إلى الحد الذي كانوا عليه يومذاك.
قصة الحضارة ج26 ص201-208،،الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> الاقتصاد
 
سلوك الناس في أوروبا القرن ال16
"وكان الناس شمال جبال الألب، فيما عدا القشرة الرقيقة الخارجية في سكان فرنسا وإنجلترا، أفظاظاً غلاظاً، إذا قورنوا بالإيطاليين في هذا، كثير من الفرنسيين الذين سحرت ألبابهم فتوحاتهم في إيطاليا في ميادين الحرب وآداب السلوك، ولكن المتبربرين الهمجيين كانوا يتوقون إلى التمدن وارتقاء سلم الحضارة. وحذا رجال البلاط وسيداته والشعراء والمفسدون في الأرض من الفرنسيين حذو الإيطاليين ونهجوا نهجهم. وترجم كتاب كاستليونى " رجل البلاط" (1528) إلى الفرنسية في 1537، وإلى الإنجليزية في 1561، واختلفت الدوائر الأدبية على تعريف الرجل المهذب. ولقيت كتيبات آداب السلوك رواجاً كبيراً. ولقد ألف إرزم واحداً منها. وأصبح الحديث فناً في فرنسا، كما كان فيما بعد في حانة مرميد في لندن (كان يجتمع فيها بن جونسون وشكسبير وغيرهما من الكتب. في عصر اليزابيث). وعبرت مباريات الأجوبة البارعة السريعة جبال الألب من إيطاليا حول الوقت الذي انتقل فيه كذلك فن المبارزة بالسيف. وكان الحديث أكثر صقلاً وتهذيباً في فرنسا عنه في ألمانيا. وكان الألمان يسحقون الرجل بالفكاهة، أما الفرنسيون فكانوا يخزونه في ذكاء وفطنة. وكانت حرية الكلام وسيطاً أساسياً في ذاك العصر.
قصة الحضارةج26 ص208،209، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> آداب السلوك
 
كثير من رجال هولندا اليوم يلبسون الاقراط أوالحلقان
لكن ديورانت في النص التالي يتكلم عن أصل السلوك مع سلوكيات أخرى(القرن ال16)
:"وفي عهد فرانسوا الأول الذي كان يقدر الشيء حق قدره، فتحت النساء الفرنسيات الجزء الأعلى من ثيابهن وكشفن عن صدورهن المنتفخة، وشققن أرديتهن إلى آخر فقرة من ظهورهن. وإذا لم ينتفخ الصدر الطبيعي إلى حد كاف، وضعن عليه مشداً يجعله عالياً منتفخاً(72)، وضيقت الملبس وأحكمت فيما تحت الثديين، وضغطت على الخصر(73)، مع أكمام منتفخة، وانتشرت من التنورة أسلاك من الخلف وعلى الحافة. واضطرتهن الأحذية العالية الكعوب إلى المشية المتبخترة الرشيقة. وكان يباح للمرأة ذات المكانة العالية - وليس لغيرها- أن يكون لثوبها ذيل، وكلما ارتفع قدرها زاد طول الذيل. وقد يطول الذيل، إذا سمحت مرتبة الشرف، إلى سبع ياردات، وكان يمشيٍ وراء السيدة وصيفة أو خادم ليمسك به ويرفعه عن الأرض. وفي طراز آخر الأزياء قد تغطي السيدة رقبتها بطوق أحكم شده بأسلاك. وعذب الرجال أنفسهم بشيء غريب مماثل في المناسبات الرسمية، وفي 1535 لحظ سرفيتس "أنه لنساء أسبانيا عادة قد يظن في فرنسا أنها همجية، تلك هي أنهن كن يثقبن آذانهن ويعلقن فيها أقراطاً ذهبية غالباً ما تكون مرصعة بالأحجار الكريمة"(74). وما جاءت سنة 1550 حتى كانت نساء تلبس الأقراط، بل حتى الرجال كذلك(75).
قصة الحضارةج26 ص215 الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> آداب السلوك
 
نظافة نساء اوروبا العاريات بوصف ديورانت!!
اعترفت لي سيدات كثيرات في هولندا انهن او اكثرهن أو أكثر النساء لايستحممن يوميا وإنما يكتفين بمسح بعض من أجسادهن بخرقة مبللة ويتعطرت ثمم يذهبن إلى العمل، وبعضهن شكون لي عفن رائحة بعضهن
لكن دعونا نقرأ من نص ديورانت للقرن ال16، وإلى أي حد؟
قال:"وإلى أي حد كانت الأجسام نظيفة تحت هذه اللفائف والزخارف؟ لقد تحدث كتاب من القرن السادس عشر عنوانه "مقدمة للسيدات الشابات" عن "نساء لم يعنين قط بنظافة أجسامهن، اللهم إلا الأجزاء التي يمكن أن تقع عليها العين... أما ما تحت قمصانهن الكتانية فقد بقي قذراً(76). وثمة مثل ساخر يقول بأن العاهرات هن الوحيدات اللائى غسلن أكثر من وجوههن وأيديهن(77). وربما ازدادت النظافة بازدياد الفسق والفجور. فقد كشفت النساء من أجسامهن عن أجزاء أكثر من ذي قبل، وجعلنها نهباً لأنظار الكثير من الناس. ومن ثم اتسع نطاق النظافة. وأصبحت آنذاك كثرة الاستحمام، مع تفضيل الماء المعطر، وخاصة في فرنسا، جزءاً من العادات الطيبة. وقل عدد الحمامات العامة يتضاعف عدد الحمامات الخاصة، ولم تكن هذه عادة مزودة بالمياه الجارية، بل اعتمد فيها على السلطانية (الكوز) والحوض.
قصة الحضارة ج26 ص211-212، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> آداب السلوك
 
:"وعلى الرغم من الفقر والظلم، استمر الناس يتمتعون بكثير من نعم الحياة، وحتى الفقراء أنفسهم كان لهم حدائق، وأصبحت زهرة التيوليب هواية وطنية في هولندة، وكان قد أحضرها لأول مرة حوالي 1550 بوسبك سفير الإمبراطور في القسطنطينية. وكانت البيوت الريفية نمطاً ساراً في إنجلترا وفرنسا.
قصة الحضارة ج26 ص213،، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> آداب السلوك
 
الطباعة والمطبعة في القرن ال16 قبل اسطوانة مطبعة نابليون الي جلبها لمصر!
:"واجتمعت الطباعة والنشر عادة في بيت واحد. وكان الرجل أو الأسرة المشتغلان بهما عنصراً حيوياً في مدينتهما وجيلهما. أما الشهرة عن طريق الطباعة وحدها فقط فكانت نادرة، وقد أفلح كلود جرامون الباريسي في إحرازها بنبذة حرف الطباعة "القوطي" الذي اتخذه الطباعون الألمان نقلاً عن حروف المخطوطات، وبتصميمه حروف طباعة "رومانيا" (حوالي 1540) مبنياً على خط الكتابة الكارولنجي الصغير المنتشر في القرن التاسع كما طوره الإنسانيون الإيطاليون والمطبعة الألدية. واختار الطباعون الفرنسيون والإنجليز هذا الحرف الروماني، أما الألمان فقد تمسكوا بالحرف القوطي حتى القرن التاسع عشر. وما زالت أنماط من حروف الطبع تحمل اسم جرامون.
وتزعمت ألمانيا العالم في ميدان النشر. فقامت بيوت نشر نشيطة في بازل وستراسبورج وأوجزبورج ونورمبرج وفتنبرج وكولونيا وليبزج وفرانكفورت ومجدبورج. وكان الناشرون وتجار الكتب يلتقون مرتين كل عام في سوق فرانكفورت، فيشترون الكتب ويبيعونها ويتبادلون الأفكار. وأصدر طباع فرانكفورتي أول جريدة (1548)-وكانت ورقة توزع في السوق وتروي آخر الأحداث. وأصبحت أنتورب مركزاً للنشر حين عمد كرستوفر بلانتن إلى دكان التجليد الذي يملكه فحوله إلى مطبعة (1555)، وبعد عامين أرسل 1200 مجلد إلى سوق فرانكفورت. أما في فرنسا فكانت ليون مركزاً لصناعة الكتاب، وأتاحت لها مائتان من مؤسسات الطباعة أن تتحدى باريس بوصفها العاصمة الفكرية للبلاد.
قصة الحضارة ج27 ص1،2، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> في صناعة الكتب
 
إحراق إتيين دولية الطباع والأديب الإنساني
":أما في فرنسا فكانت ليون مركزاً لصناعة الكتاب، وأتاحت لها مائتان من مؤسسات الطباعة أن تتحدى باريس بوصفها العاصمة الفكرية للبلاد.
وكان إتيين دولية الطباع والأديب الإنساني شعلة ليون المتأججة بالثورة. ولد في أورليان، وتلقى علومه في باريس، ثم أولع بشيشرون. "إنني لا أستحسن سوى المسيح وتللي". ولما سمع بأن كفر يحظى بحرية غير عادية في بادوا سارع إليها، وهناك تبادل الشعر الساخر البذيء مع الشكاكين من المتأثرين بفلسفة ابن رشد.وفي تولوز أصبح الروح المحركة لجماعة حرة التفكير تهزأ البابويين واللوثريين على حد سواء، فلما نفي قصد ليون فيها واكتسب سمعة بكتابات الأشعار والمقالات، ولكنه قتل طباعاً أثناء احتدام الجدل بينهما، ففر إلى باريس حيث حصلت له مارجريت النافارية على عفو الملك. وهناك صادق مارو ورابليه، ثم تشاجر معهما. ولما عاد إلى ليون أنشأ مطبعة وتخصص في نشر الكتب المهرطقة، واستدعته محكمة التفتيش، وحاكمته وسجنته، فهرب من السجن، ولكنه قبض عليه أثناء زيارته ابنه خفية، وفي 3 أغسطس 1546 أحرق حياً.
قصة الحضارة ج27 ص2،3، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> في صناعة الكتب
 
ياترى ماذا كانت تعلم الجامعات يومذاك غير الوثنية ، ألم تكن علوم المسلمين التي استعان بها الغرب نفسه -ببطء شديد-لتطوير حياته؟
:"كان من الطبيعي أن تعمد الثورة الفرنسية حيناً إلى تمزيق نظام غربي أوربا التعليمي لأنه جلّه كان خدمة تابعة للكنيسة...وقد أنحى لوثر باللوم على مدارس ذلك العهد الثانوية التي تركز على تعليم اللغات القديمة، وقال إنها تعلم الطالب "من اللاتينية الرديئة ما يكفي لإعداده قسيساً وتمكينه من تلاوة القداس... ومع ذلك يظل طوال حياته جهولاً مسكيناً لا يلح لشيء"(2). أما الجامعات فبدت له مغامرات للقتلة، وهياكل للإله ملخ، ومجامع للفساد "لم يظهر على الأرض"... ولن يظهر... ما هو شر منها." وخلص من هذا إلى أنها "لا تصلح إلا لهدمها وتسويتها بالتراب"(3). واتفق ملانكتون مع لوثر في الرأي، لأن الجامعات تحول طلابها إلى الوثنية(4)...ولكن "الأمراء والأشراف" على حد قول لوثر "شغلوا بشئون عالية وهامة- شئون كهف الخمور والمطبخ والمخدع- فلم يعد لديهم متسع من الوقت" لمد يد المعونة إلى التعليم. وكتب يقول في 1524 "إن المدارس في الولايات الألمانية ترك الآن في كل مكان لتصبح خراباً يباباً"(5).
قصة الحضارة ج27 ص5، الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الأدب في عصر رابليه -> المدارس
 
عودة
أعلى