قال تعالى:
(وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ).
قال ابن جرير الطبري رحمه الله:
وقوله { عَلـى قَلْبِكَ } يقول: نزل به الروح الأمين فتلاه علـيك يا مـحمد، حتـى وعيته بقلبك. وقوله: { لِتَكُونَ مِنَ الـمُنْذِرِينَ } يقول: لتكون من رسل الله الذين كانوا ينذرون من أُرسلوا إلـيه من قومهم، فتنذر بهذا التنزيـل قومك الـمكذّبـين بآيات الله. وقوله: { بِلِسانٍ عَرَبِـيّ مُبِـينٍ } يقول: لتنذر قومك بلسان عربـيّ مبـين، يبـين لـمن سمعه أنه عربـيّ، وبلسان العرب نزل، والبـاء من قول { بِلِسانٍ } من صلة قوله: { نَزَلَ } ، وإنـما ذكر تعالـى ذكره أنه نزل هذا القرآن بلسان عربـيّ مبـين فـي هذا الـموضع، إعلاما منه مشركي قريش أنه أنزله كذلك، لئلا يقولوا إنه نزل بغير لساننا، فنـحن إنـما نعرض عنه ولا نسمعه، لأنا لا نفهمه، وإنـما هذا تقريع لهم.
وقال الزمخشري رحمه الله:
{ وَإِنَّهُ } وإن هذا التنزيل، يعني: ما نزل من هذه القصص والآيات. والمراد بالتنزيل: المنزل. والباء في { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ } ونزل به الروح، على القراءتين للتعدية. ومعنى { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ } جعل الله الروح نازلاً به { عَلَىٰ قَلْبِكَ } أي: حفظكه وفهمك إياه، وأثبته في قلبك إثبات مالا ينسى، كقوله تعالى:
{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } وقوله تعالى { بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ } إما أنّ يتعلق بالمنذرين، فيكون المعنى: لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة: هود، وصالح، وشعيب، وإسمعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وإما أن يتعلق بنزل، فيكون المعنى: نزله باللسان العربي لتنذر به؛ لأنه لو نزله باللسان الأعجمي، لتجافوا عنه أصلاً، ولقالوا: ما نصنع بمالا نفهمه فيتعذر الإنذار به وفي هذا الوجه: أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك، لأنك تفهمه ويفهمه قومك. ولو كان أعجمياً لكان نازلاً على سمعك دون قلبك، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفاً بعدّة لغات، فإذا كلم بلغته التي لقنها أولاً ونشأ عليها وتطبع بها، لم يكن قلبه إلا إلى معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت، وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهراً بمعرفتها كان نظره أولاً في ألفاظها ثم في معانيها، فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين { وَإِنَّهُ } وإن القرآن ـ يعني ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية. وقيل: إن معانيه فيها.