حباً وكرامة أخي المكرم عدنان الغامدي.
لم أتوسع في نقد الشبهات المثارة حول الرسم العثماني لأن المواقع والمنتديات التنصيرية التي شملها البحث (وعددها 58 موقعاً ومنتدى) لم تتناوله بالتخصيص، والفترة الزمنية التي تمت فيها كتابة الأطروحة ودخل فيها الباحث في نقاش مع المنصرين حولها لم تتطلب ذلك (منذ عام 2001 ولغاية 2006).
ووردت ثلاث إشارات يسيرة حول الرسم العثماني، وهي:
1) تحت عنوان: (الأخطاء النحوية والصرفية المزعومة حول القرآن الكريم) شبهة رقم (16) وهي الزعم بأن كاتب الوحي راسب في الإملاء!
ومنه: في سورة العلق: قوله تعالى: " كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَ
اً بِالنَّاصِيَةِ (15) ". كتبَ نون التوكيد تنويناً.
الجواب:
من قواعد العربية أن نون التوكيد المخففة، تُبدَل ألفاً لينة عند الوقف؛ تفريقاً لها عن نون التوكيد المثقلة.(
[1]) فكتبت في الرسم العثماني للمصحف، بحسب لفظها.
ومعلوم في اللغة أنه لا يُبدأُ بساكنٍ ولا يوقف على متحرك.
وهذا أصل مطرد الرعاية في اللغة العربية، لذلك رأينا الإشارة إلى بعض أحكام الوقف إذ هي تغيير للفظ بعض الأحرف ومن هنا مر بعض أحكامها في الإبدال، ومن الإبدال الداخل تحت هذا: تقلب نون التوكيد الخفيفة ألفاً حين الوقف فـ(يا خالد اذهبنْ) تقرؤها (يا خالد اذهبا)؛ ولذلك يكتبها كثير من أفاضل العلماء تنويناً؛ ولذلك رسمت في المصحف: " لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ ".
وفي ذلك تفصيل:
انظر
مبحث حول توكيد الفعل بالنون/
2) تحت عنوان: مقارنات مغلوطة، عقد المنصرون مقارنات تبيِّن – بزعمهم – تفوق الكتاب المقدس بعهديه القديم والحديث على القرآن الكريم من حيث المحتوى والأسلوب، ومن المقارنات التي عقدتها صفحة (أكذوبة الإعجاز العلمي) مقارنة بين نصوص الإنجيل واضحة القراءة ـ شكلاً ـ والخط العثماني المتخذ شكلاً للنص القرآني.. فتأمل المقارنة التي عقدتها تلك الصفحة: "
اذا
امعنا النظر وقارنا بين كيفية كتابة القر
ان وبين طريقة كتابتنا نجد
انه لا يسوغ لنا اتباع رسمه لحصول الالتباس وصعوبة القراءة.
لنضرب مثالا لذلك بهذه الجمل الآتية وهى: (
ايها الطلاب النجباء من حفظ العلوم وا
لادب، وسبق
اقرانه في الطلب، تعطى له جائزة من الديوان العالى، ويوظف حسب درجة معلوماته، وقوة ملكته، فاجتهدوا رعاكم الله تعالى في طلب العلم وصابروا عليه، تنالوا سعادة الدارين، فالعلماء نور البلاد، والجهلاء شرار العباد، وأقرنوا العلم بالعمل تكونوا من الفائزين) فاذا كتبنا هذه الجمل بحسب رسم المصحف تكون صورتها هكذا: (أيه الطلب النجبؤا من حفظ العلوم والادب، وسبق أقرنه في الطلب، تعطى له جئزة من الديون العلى، ويوظف حسب درجت معلومته، وقوت ملكته، فاجتهدوا رعكم الله تعلى في طلب العلم وصبروا عليه تنلوا سعادت الدرين، فالعلمؤا نورالبلد والجهلاء شرار العبد وأقرنوا العلم بالعمل تكونوا من الفئزين).
فالفرق في كتابة الجمل المذكورة في القر
ان وبقواعد كتابتنا عظيم جدا كما هو ظاهر، فرسم القر
ان لا يستسيغه الإنسان في غيره. تقودنا هذه الأخطاء الإملائية إلى سؤال وهو: هل حفظ الله القر
ان من أخطاء كتبة القر
ان أثناء كتابتهم القر
ان ؟ بمعنى: هل حفظ الله القر
ان من أخطاء الكتبة الإملائية ؟(
[2]) ".
الجواب:
إن المرء ليعجب من تلك الجرأة في الهجوم على الرسم العثماني، الذي ارتضاه المسلمون منذ أكثر من أربعة عشر قرناً!
وانظر كيف حكم أن الناس لا يستسيغون الرسم العثماني للمصحف، وغاب عنه ـ لجهله ـ أن الرسم العثماني للمصحف من مظاهر إعجازه.. وهو جامع لوجوه القراءات القرآنية. كما أنه يسير التعليم جداً للصغير والكبير، للعرب والعجم.. ودليل ذلك الواقع والمشاهَدة.
فأبرز الخصائص المميزة للقرآن الكريم عن سائر الكتب: كثرة أسمائه وصفاته، وتواتر كل آياته، ونزوله منجَّماً وبالأحرف السبعة، وحفظه من التحريف، والتعبد بتلاوته، وكثرة وجوه إعجازه، وشفاعته لأهله، واشتماله على حروف فواتح السور، وهيمنته على الكتب السابقة، وتيسير حفظه، وعدم ملل قارئه وسامعه، ورَسمِهِ المُتَفرِّد.(
[3])
والرسم الفريد للمصحف، مما اتفقت الأمة على الإجماع عليه منذ شتى العصور، فيُخشَى إن كتب المصحف بالرسم الإملائي الحديث أن يختلف حوله الناس، ويظهر من يقول: رسمي للمصحف خير من رسمك.. الخ.(
[4])
3) حين تحدثت مواقع الإنترنت التنصيرية في نقد الإعجاز الغيبي في بداية سورة الروم، فجعلوا من أسباب الرسم العثماني الخالي من النقاط والتشكيل (الخالي من التحسينات المضافة لاحقاً) خروجاً من المآزق ولتدخل فيه احتمالات وحيل على الناس، ومنه ما جاء في موقع (تعليقات على القرآن) عند تعليقهم على سورة الروم: " غُلبت الرومُ في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيَغْلِبون في بضع سنين (آيات 1- 4). قال المسلمون إن هذه الآية نبوّة تنبأ بها محمد وتحققت بالفعل. ولكن من يتأملها يجد أنها قراءة مستقبلية، كما يفعل العسكريون اليوم، فإن محمداً كان يعلم قوة الرومان، وكان ينظر للأمر كرجل عسكري،(
[5]) فرأى أن من الممكن أن يفوز الرومان بعد فترة. هذا بالإضافة إلى أن بعض المسلمين قرأها غَلبت ويُغلبون والبعض غُلبت ويَغلبون(
[6]). ومن يقارن بين هذه النبوّة ونبوّة حزقيال النبي عن مدينة صور، يجد أن احتمال أن يفوز الروم على الفرس هو 50 % لأن الروم أقوياء، وكان من الممكن أن يفوزوا في حربهم ضد الفرس، كما حدث قبلا... فكلام القرآن متوقَّع الحدوث، بينما كلام حزقيال غير متوقَّع الحدوث".
الجواب:
لقد سرقوا هذه الدعوى عن المستشرق جولدتسيهر
فحين تحدث المستشرق جولدتسيهر عن القراءات القرآنية ذكر مثلاً على قراءات يُستبعَد أن تتوافق فيما بينها؛ لأن المفهوم من القراءة الثانية سيكون مغايراً للمعنى المراد من القراءة الأولى، فقال: " يقدم مطلع سورة الروم ذكراً لإحدى العلاقات التاريخية المعاصرة التي يُندر ورودها في القرآن " غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ " فعلى التفسير المشهور تتضمن الآية انعكاس الأثر الذي تركه في نفس محمد [
e] انتصار الفرس على الروم سنة (616م=6 ق.هـ)، وقد وصل خبره إلى مكة. وقد رحب المشركون بهزيمة النصارى؛ إذ كانوا يميلون إلى الفرس، أما محمد [
e] فقد ساء تأثره من هزيمة النصارى إذ كانوا ـ على كل حال ـ أقرب إلى عاطفته، ولكنه في الوقت نفسه عبر عن ثقته بأن الدائرة ستدور قريباً على الفرس، وسيستدير حظ الحرب وجْهَة أخرى. وفي هذا يرى المسلمون دليلاً على نبوة محمد [
e] لأنه تنبأ بانتصار هرقل على الفرس سنة (625م=3 هـ) وأخبر به على وجه التأكيد، ولكن الجملة التالية لن تذكر لنا حقاً مثل هذا التحديد لحدث تاريخي خاص سيتحقق وقوعه يوماً ما، وإنما يريد محمد [
e] أن يعبر بوجه عام عن أمله في تقلب الحظ، فالروم الآن مغلوبون، ولن يمضي وقت طويل حتى يصيروا غالبين، هذه هي سنة التاريخ المتقلبة الأطوار.
بيد أن الجميع لم يتفقوا على قراءة النص كما سبق، بل قرئ أيضاً " غَلَبَتِ الرُّوْمُ " بالبناء للفاعل [المعلوم]، وهذا راجع إلى نصر أحرزه الروم تواً على قبائل عربية تقع على الحدود السورية، " وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ (من إضافة المصدر إلى الفاعل) سَيُغْلِبُونَ (بالبناء للمفعول [المجهول]) فِي بِضْعِ سِنِينَ "، والمسلمون الذين أجازوا هذه القراءة يرون فيها إخباراً بالنصر الذي أحرزته الجماعة الإسلامية الفتية على البيزنطيين بعد هذا الوحي بتسع سنين.
ونرى في القراءة المشهورة والقراءة المخالفة لها تأويلين متغايرين تغايراً بعيداً، فالمنتصرون في القراءة المشهورة هم المنهزمون في القراءة المخالفة، والفعل المبني للفاعل في الأولى، مبني للمفعول في الثانية، وإذاً فهما قراءتان وتأويلان لجملة واحدة من كلام الله متعارضان إلى أبعد مدى ".(
[7])
وتبعه المستشرق (رودويل) فقال: يقول في الصفحة (473) من ترجمته للقرآن الكريم: " تتكلم هذه الآيات عن هزيمة الفرس على يد هرقل عام (625م = 3هـ)، ويلجأ المسلمون إلى هذه الآيات لإثبات تلقي نبيهم الوحي، ولكن من الجدير ذكره الإشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مشكولة وقتذاك، وكان يمكن للقارئ أن يجعل الفعل في الآية مبنياً للمعلوم أو للمجهول، فيكون التنبؤ صحيحاً، أو أن الفقرة ألفت بطريقة تكون صحيحة في أية حال من الأحوال "
وكرر الدعوى ذاتها المنصر يوسف الحداد(
[8]) فقال: تحت عنوان: الفصل الثاني، المعجزة الغيبية، ثامناً: قصة الروم: " قصة الروم هذه لا تمت إلى السورة التي تستفتحها بصلة . فلا يُعرف زمانها . ثم إن لها قراءتين على المعلوم (غَلَبت) وعلى المجهول (غُلِبت). و بحسب اختلاف القراءة قد تعني الروم والفرس، أو الروم والعرب. و آية مجهولة المعنى لا تكون نبأً غيبياً ".(
([9]
القراءة المتواترة هي: " غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) ". ولا يوجد في الآيات الكريمة أي قراءات متواترة تخالفها في الحركات الإعرابية.
أما قراءتي: " غَلَبَتِ " و" سَيُغلَبُوْنَ "، فكلٌّ منها من القراءات الشاذة، قال الطبري: " والصواب من القراءة في ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) بضم الغين؛ لإجماع الحجة من القراء عليه ".(
[10])
وأكد ذلك القرطبي واعتبر أن القراءة بفتح غين (غلبت) ضعيف، قال: " وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به ".(
[11])
يرفض المسلمون الاعتراف بصحة هذه القراءة لأن شرط القرآن التواتر، ومعلوم بأن " مذهب الأصوليين، وفقهاء المذاهب الأربعة والمحدثين القراء أن التواتر شرط في صحة القراءة ولا تثبت بالسند الصحيح غير المتواتر ولو وافقت رسم المصاحف العثمانية والعربية.. فالشاذ ما ليس بمتواتر، وكل ما زاد الآن على القراءات العشرة فهو غير متواتر ".(
[12])
إن القراءة الشاذة لا تصح مجرد القراءة ـ بقصد التعبد ـ بها فكيف نبني عليها تفسيراً ونستنبط منها خبراً غيبياً ؟ قال النووي: " لا تجوز القراءة في الصلاة ـ ولا غيرها ـ بالقراءة الشاذة؛ لأنها ليست قرآنًا، فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وكل واحدة من السبع متواترة. هذا هو الصواب الذي لا يُعدَل عنه، ومن قال غيره فغالِطٌ أو جاهل، وأما الشاذة فليست متواترة، فلو خالف وقرأ بالشاذة أنكر عليه قراءتها في الصلاة أو غيرها، وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ ".(
[13])
ولا علاقة لعدم تشكيل الكلمات بالحركات زمن كتابة المصحف باحتمال إحدى القراءتين ـ كما زعم المستشرق رودويل ـ؛ لأن المعوَّل عليه في نقل القرآن روايته سماعاً، لا كتابةً ورقْماً على الصُّحُف. مصداقاً للحديث القدسي: " وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ ".(
[14])
فكان الصحابة الكرام يحرصون على تلقي القرآن مشافهة مِن في رسول الله r، عن عبد الله بن مسعود t قال: " وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ r بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً.. "،(
[15]) لهذا كان القراء يقرؤون القرآن الكريم على مشايخهم حفظاً عشرات المرات، قبل أن يُقَرُّوا على حفظهم.(
[16])
فقراءة القرآن سُنَّة، يأخذها الأول عن الآخر.(
[17]) والاعتماد على حفظ القلوب والصدور لحفظ القرآن الكريم، لا على خط المصاحف والكتب، أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة.(
[18])
ولن تدع الأمة الخصيصة التي شرفها الله Y بها، فكان " الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف.. بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا، لا عن ظهر قلب".(
[19])
مراعين شعار علماء الإسلام: " لا تأخذوا الحديثَ عن الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآنَ على الْمُصْحَفِيِّين ".(
[20])
ويمكن الرد عقلاً على تلك الشبهة بما يلي:
لقد راهن أبو بكر الصديق t المشركين على أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، وفاز أبو بكر t بالرهان.(
[21]) فهل صدرت قراءتي: ( " غَلَبَتِ " و" سَيُغلَبُوْنَ " ) عن رسول الله r قبل ذلك الانتصار أم بعده ؟
- إن كانت قبل انتصار الروم على الفرس: لا يُعقَل أن يُسلِّم المشركون بكلتا القراءتين اللتين تحملان الاحتمالَين ـ انتصار الروم أو الفرس ـ ، وهم الأحرص على الفوز بالرهان، وقبل ذلك: الأحرص على إثبات دعوى عدم صدق نبوة النبي r، من مثيري الشبهات المعاصرين !
- إن كانت بعد ذلك الانتصار: يكون صدور تلك القراءة من العبث، فمَن العاقل الذي سيؤلف عبارة تفيد أن الفرس ستنتصر على الروم، وكل الناس علِمُوا أن الروم انتصرت في بضع سنين، وقُضيَ الأمر؟!
[1]) ورد في كتاب: قواعد الكتابة والترقيم، لسلامة الروسان، ص28 تحت عنوان: من أنواع الألف اللينة: " الألف اللينة المبدلة من نون التوكيد الخفيفة مثل قوله تعالى: )لَنَسْفَعَ
اً بِالنَّاصِيَةِ(.
[2]) سبحان الله، تجاوزت الأخطاء الإملائية لمثير الشبهة عشرة لذا فقد كتبتها كما هي ووضعت تحتها خطاً، مثل: (
ا)
[3]) انظر: معجم علوم القرآن، إبراهيم الجرمي، ص144-147.
[4]) للتفصيل حول مزايا الرسم العثماني انظر: رسم المصحف / دراسة لغوية تاريخية، د. غانم قدوري الحمد، مؤسسة المطبوعات العربية، بيروت، ط1، 1981م. وإيقاظ الأعلام بوجوب اتباع رسم المصحف الإمام، محمد حبيب الله الشنقيطي، مكتبة المعرفة، حمص، ط2، 1972م. ورسم المصحف معجز كلفظه ولا يمكن تغييره، محمد سامر النص، دار التوفيق، دمشق، 2002م. ورسم المصحف وضبطه، بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة د. شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1999م.
[5]) سورة الروم مكية، وسيدنا محمد r لم يخض حين نزولها أي حرب، بل كان القتال محرَّماً على المسلمين، فلم يكن عسكرياً.
[6]) أول من زعم تلك الفرية لنقض الإعجاز الغيبي في سورة الروم، هو المستشرق اليهودي جولدتسيهر، الذي قال إن القراءات نشأت لعدم نقط المصاحف في عهد عثمان. ولما نقطت في عهد التابعين لم يعلموا ما المقصود فاخترعوا القراءات. والحق أن القراءات المتواترة أنزلها جبريل على سيدنا محمد r، ولما كُتِب المصحف العثماني روعي فيه رسم الحروف لتتناسب مع وجوه القراءات؛ وهذا من أهم اسباب اختلاف رسم المصحف العثماني عن الرسم الإملائي المعتاد..
تناسى (جولدتسيهر) وجود قراءات تخالف الرسم بزيادة كلمة، وأن ما فعله عثمان لم يكن من تلقاء نفسه، بل وافقه عليه عشرات الآلاف من الصحابة، وبهذا فالرسم العثماني ليس سبب وجود القراءات، بل على العكس كان ذاك الرسم وسيلة لحفظ اختلافات القراءات المتواترة، فهو لا ينشئ القراءة بل يُظهرها.، وللتوسع في مناقشة شبهة جولدتسيهر انظر كتاب: رسم المصحف وأوهام المستشرقين، د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار الشروق، جدة، ط2، 1983م.
[7]) مذاهب التفسير، جولدتسيهر، (ص29-31).
[8]) يوسف إلياس درة الحداد (1913-1979م=1331-1399هـ)، ولد في مدينة يبرود السورية درس واستقر بكنائس الموارنة بلبنان، كرس حياته للهجوم على القرآن والإسلام، وألف في ذلك كتباً منها: الإنجيل والقرآن، والقرآن والكتاب، ونظم القرآن والكتاب.. وغيرها. ومِن عجيب تعجيل الله Y بفضح من يثيرون الشبهات حول كتابه الكريم، قامت الكنيسة التي خدم بها بتجميد أنشطته في سنواته الأخيرة وحرمته؛ لأنه أكثر في مؤلفاته من الاستشهاد بالقرآن الكريم مما كان سبباً في إعجاب كثير من طلبة الكنيسة بالقرآن الكريم، والإقبال على قراءته بموضوعية! انظر: القرآن ليس دعوة نصرانية، د. سامي عصاصة، ص (6).
[9]) معجزة القرآن، يوسف الحداد، ص(180).
[10]) جامع البيان، الطبري (21 /16).
[11]) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (14 / 5).
[12]) غيث النفع في القراءات السبع، النوري، (ص14).
[13]) المجموع، النووي (3/ 392).
[14]) رواه مسلم في الجنة.. باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة.. (2865) مطولاً عن عياض المجاشعي t. قال النووي في شرحه للحديث 17 /198: " (لايَغْسِلُهُ المَاءُ): محفوظ في الصدور، لايتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الأزمان ".
[15]) رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي r (5000).
[16]) انظر كتاب: السبعة في القراءات، أبو بكر بن مجاهد، ص(88).
[17]) انظر: المرجع السابق، ص(51). وذكر أبو بكر بن مجاهد بأسانيده النقول الآتية:
ـ عن حذيفة t: " اتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم. فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن تركتموهم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا ".
ـ عن علي بن أبي طالب t: " إن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلِّمتم ".
ـ عن زيد بن ثابت t قال: " قراءة القرآن سُنة ".
ـ عن عروة بن الزبير t قال: " إنما قراءة القرآن سُنة من السنن، فاقرؤوه كما عُلِّمتموه ".
وفي رواية أخرى عن عروة بن الزبير t قال: " إنما قراءة القرآن سُنة من السنن، فاقرؤوه كما أُقْرئتموه ".
ـ عن محمد بن المنكدر قال: " قراءة القرآن سُنة، يأخذها الآخر عن الأول ".
قال: وسمعت أيضاً بعض أشياخنا يقول عن عمر بن الخطاب t، وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك.
ـ عن عامر الشعبي قال: " القراءة سُنة، فاقرؤوا كما قرأ أولوكم ".
ـ عن صفوان بن عمرو وغيره قالوا: سمعنا أشياخنا يقولون: " إن قراءة القرآن سُنة، يأخذها الآخر عن الأول ".
[18]) انظر: مقدمة كتاب: النشر في القراءات العشر، ابن الجوزي (1 /6).
[19]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية (13/ 400).
[20]) انظر: الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم (2 /31) عن سليمان بن موسى وسعيد بن عبد العزيز.
[21]) كان ذلك قبل تحريم الرهان. عن نيار بن مكرم الأَسلمي t قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: " الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ". فَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ " وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِبُّ ظُهُورَ فَارِسَ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا إِيمَانٍ بِبَعْثٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ t يَصِيحُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ: " الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ " قَالَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَبِي بَكْرٍ: فَذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، زَعَمَ صَاحِبُكَ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ، أَفَلَا نُرَاهِنُكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ: بَلَى ـ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ ـ.. ". رواه الترمذي في تفسير القرآن عن رسول الله r باب ومن سورة الروم. وقال: حديث حسن صحيح غريب. وانظر: جامع البيان للطبري (21 /19)، وأحكام القرآن للجصاص (2/ 11)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/3)، والمنتظم لابن الجوزي (2 /387)، والبداية والنهاية لابن كثير (3 /103).