أبو سعد الغامدي
New member
- إنضم
- 26/02/2009
- المشاركات
- 1,878
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
تعقيب على بحث الدكتور جمال
تعقيب على بحث الدكتور جمال
الأخ الفاضل الدكتور : جمال أبو حسان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد قرأت بحثك القيم وكان لي عليه بعض الملاحظات أرجو أن يتسع لها صدرك فإن رأيت صوابا فالحمد لله وإن رأيت خلاف ذلك فلا أحد معصوم من الخطأ إلا من عصم الله ، وحسبي أنها مشاركة في مدارسة كتاب الله ، فأقول وما توفيقي إلا بالله :
أما المراد بالكتاب في قوله تعالى : "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ".
فالقول بأنه الكتاب الذي أوتي موسى عليه السلام فهو قول وجيه وهو ظاهر الآيات وسياق الآيات يكفي دليلاً على ذلك ، وقد قال الله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ) سورة غافر (53)
وأما القول بأن المراد بالكتاب ما هو في اللوح المحفوظ فهو قول محتمل ، ولا أرى أنه يتعارض مع القول الأول.
وكلا القولين لا يمنع من أن يكون الافساد من بني اسرائيل المشار إليه في السورة يقع بعد ظهور الإسلام.
وأما قولك أن المراد بالكتاب في قوله "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ". هو القرآن ، فأقول : أين أخبر الله بني اسرائيل في القرآن وأعلمهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين؟
إن القرآن إذا أخبر عن شيء قد كتبه أوقضاه في القرآن نجد ذلك واضحاً لا لبس فيه كقوله تعالى :
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) سورة النساء(140) وهذه السورة مدينة ، وما ذكره الله تعالى هو في سورة الأنعام في قوله تعالى :
(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
إذن هذا القول الذي ذهبت إليه بعيد ، ثم أنت لست في حاجة إلى تكلفه لأن الأخذ بالقولين السابقين لا يمنع من الوصول إلى النتيجة التي كتبت بحثك من أجلها.
وأما قولك : "وأما ثانياً فإن لفظة ( الكتاب ) مجردة من القيود كما هي هنا لم ترد في كتاب الله تعالى إلا وصفا للقرآن الكريم. وهي عادته، فلماذا تتحول هذه العادة في هذا المكان بالذات"
فإذا كنت فهمت قصدك بقولك " مجردة من القيود" فهذا غير صحيح فقد ورد الكتاب في أكثر من آية ويراد به غير القرآن ومن ذلك قول الله تعالى :
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) سورة البقرة (44) وهذا قطعاً لم يكن القرآن.
وقوله تعالى :
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) سورة البقرة (78) وهذا أيضاً ليس هو القرآن .
ومثله أيضاً قوله تعالى :
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) سورة البقرة من الآية (85) والأمثلة على ذلك كثيرة.
وأما قولك :
"وأي معنى يوجبه ذكر ( الكتاب ) بالإظهار دون الإضمار إذا كان المراد به التوراة، وقد سبق ذكره في آية ماضية فلماذا لم يقل ( وقضينا إلى بني إسرائيل فيه ) على اعتبار أنه مذكور سابقاً؟
فأقول : الاضمار لا يصلح لوجود الفاصل وهو قول الله تعالى (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ثم إن النظم يصبح ركيكاً وهو ظاهر كما ترى.
وأيضا الاتيان بالإظهار دون الإضمار مشعر بخطورة الأمر وأنه مقصود لذاته وفيه تأكيد إلى أن هذا الأمر قد بلغهم وهم على يقين منه حيث قد جاء في كتابهم هم لا في كتاب غيرهم وهو أبلغ في إقامة الحجة وقطع العذر.
وأما قولك :
"وأما المعنيون بهذا الإعلام فهم بنو إسرائيل، وقد ذهبت جمهرة من المفسرين إلى أن المراد بهم بنو إسرائيل في زمان موسى عليه السلام ومن يأتي بعدهم، بناء على أن المراد بالكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ أو التوراة، وسيأتي بعد قليل ما في هذا التفسير من المؤاخذات، والذي يظهر لي أن هذا التفسير ليس صحيحاً، ولا ينبغي له أن يكون، لأن هذه الآيات لا تتحدث عن تاريخ بني إسرائيل القديم،إذ لا يتعلق به غرض للسامعين في ذلك الوقت، وماذا عسى أن يستفيد المسلمون في زمان النبوة من هذه المعلومة إذا كانت محض تاريخ لا علاقة لهم به، وسيأتي بيان هذا، وقد جوز الشوكاني هذا القول على ضعف."
فأقول: إن جزمك قائلاً " أن هذا التفسير ليس صحيحاً، ولا ينبغي له أن يكون" وتعليلك لهذا الجزم فيه نظر ، فكيف لا يتعلق به غرض للسامعين في ذلك الوقت وهي بشارة واضحة الدلالة على ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وظهور الإسلام على غيره من الملل والنحل ، وهذا مثله مثل البشائر الواردة في أول سورة القصص في قوله تعالى :
(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6))
فهذه الآيات من أعظم البشائر بظهور نبينا صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من المستضعفين في الأرض.
إذا هذه الآيات من سورة الإسراءكانت تحمل في طياتها بشائر عظيمة للمؤمنين وهو ما وقع فعلاً من ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم على بني اسرائيل في المدينة وخيبر وأبعد من ذلك فتح بيت المقدس.
وأما قولك :
"أما هذه اللام فهي لام القسم وتقدير الكلام والله لتفسدن، وهذا القسم مؤكد لمتعلق القضاء وإذا كانت اللام للقسم كما ذهب إلى هذا جميع المفسرين الذين مررنا ببعض أقوالهم سابقا، وكان المحكي عنه تاريخا ماضيا من تاريخ بني إسرائيل وقد تحقق، فإن وعد الله لا يتخلف، فعلام القسم على شيء قد حدث وانتهى، وعلمه الناس، فلأي معنى يخبر الله تعالى عنه في هذا الكتاب الذي هو آخر الكتب، على أنه سيكون، وقد كان بالفعل؟"
فأقول :
إن الخلاف في المسألة هو :هل كان أم أنه سيكون ؟
وإذا كان الله قد أقسم عليه في الأزل وأخبر به بني اسرائيل في كتابهم فلا إشكال ؛ إن كان قد وقع فالعبرة ما ذكرت في جوابي في الفقرة السابقة ، وإن لم يقع بعد أو قع بعضه والبعض الآخر لم يقع فلا إشكال أيضاً.
وأوكد مرة ثانية على أن محل الخلاف هو ما ذكرته في عبارتك" فلأي معنى يخبر الله تعالى عنه في هذا الكتاب الذي هو آخر الكتب، على أنه سيكون". فلا يصلح هذا الإيراد. إلا أن نتفق أن المراد بالكتاب في قوله تعالى " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا " هو القرآن . وهذا بلاشك ليس محل اتفاق بل لا أعلم من قال بأن المراد بالكتاب هو القرآن سواك.
أما ماذكرتَه عن تجويز سعيد حواء للقول الذي جزمت به أنت في الافسادتين ، فهو عين الصواب لأن تجويز الأمر مبنى على القرائن الموجودة في النص ، بينما الجزم مغامرة لأنه يحتاج إلى دليل لا يقبل النقاش.
أما بقيت ما ذكرتَ من المسائل فهي جميلة ومتسقة وليس هناك ما يعكر عليها وهي الأقرب إلى الصواب وقد سبقك في الإشارة إليها الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى.
وما ذكرتَه عن سيد طنطاوي في المقصود بالكتاب فقد سبق وأن قلتُ إن حمل الكتاب على الكتاب الذي أورثه بنو اسرائيل لا يتعارض مع القول بأنه ما كتب في اللوح المحفوظ والقول بكلايهما لا يمنع في نظري والله أعلم أن الافساد المذكور متعلق ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها.
هذه بعض ملاحظاتي على بحثك الشيق والجميل والرصين في نفس الوقت ، أرجو الله أن يفعني بها أولاً وأن يفع بها من يقرأها وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد .
أخوكم : محب القرآن الكريم
تعقيب على بحث الدكتور جمال
الأخ الفاضل الدكتور : جمال أبو حسان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد قرأت بحثك القيم وكان لي عليه بعض الملاحظات أرجو أن يتسع لها صدرك فإن رأيت صوابا فالحمد لله وإن رأيت خلاف ذلك فلا أحد معصوم من الخطأ إلا من عصم الله ، وحسبي أنها مشاركة في مدارسة كتاب الله ، فأقول وما توفيقي إلا بالله :
أما المراد بالكتاب في قوله تعالى : "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ".
فالقول بأنه الكتاب الذي أوتي موسى عليه السلام فهو قول وجيه وهو ظاهر الآيات وسياق الآيات يكفي دليلاً على ذلك ، وقد قال الله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ) سورة غافر (53)
وأما القول بأن المراد بالكتاب ما هو في اللوح المحفوظ فهو قول محتمل ، ولا أرى أنه يتعارض مع القول الأول.
وكلا القولين لا يمنع من أن يكون الافساد من بني اسرائيل المشار إليه في السورة يقع بعد ظهور الإسلام.
وأما قولك أن المراد بالكتاب في قوله "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ". هو القرآن ، فأقول : أين أخبر الله بني اسرائيل في القرآن وأعلمهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين؟
إن القرآن إذا أخبر عن شيء قد كتبه أوقضاه في القرآن نجد ذلك واضحاً لا لبس فيه كقوله تعالى :
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) سورة النساء(140) وهذه السورة مدينة ، وما ذكره الله تعالى هو في سورة الأنعام في قوله تعالى :
(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
إذن هذا القول الذي ذهبت إليه بعيد ، ثم أنت لست في حاجة إلى تكلفه لأن الأخذ بالقولين السابقين لا يمنع من الوصول إلى النتيجة التي كتبت بحثك من أجلها.
وأما قولك : "وأما ثانياً فإن لفظة ( الكتاب ) مجردة من القيود كما هي هنا لم ترد في كتاب الله تعالى إلا وصفا للقرآن الكريم. وهي عادته، فلماذا تتحول هذه العادة في هذا المكان بالذات"
فإذا كنت فهمت قصدك بقولك " مجردة من القيود" فهذا غير صحيح فقد ورد الكتاب في أكثر من آية ويراد به غير القرآن ومن ذلك قول الله تعالى :
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) سورة البقرة (44) وهذا قطعاً لم يكن القرآن.
وقوله تعالى :
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) سورة البقرة (78) وهذا أيضاً ليس هو القرآن .
ومثله أيضاً قوله تعالى :
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) سورة البقرة من الآية (85) والأمثلة على ذلك كثيرة.
وأما قولك :
"وأي معنى يوجبه ذكر ( الكتاب ) بالإظهار دون الإضمار إذا كان المراد به التوراة، وقد سبق ذكره في آية ماضية فلماذا لم يقل ( وقضينا إلى بني إسرائيل فيه ) على اعتبار أنه مذكور سابقاً؟
فأقول : الاضمار لا يصلح لوجود الفاصل وهو قول الله تعالى (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ثم إن النظم يصبح ركيكاً وهو ظاهر كما ترى.
وأيضا الاتيان بالإظهار دون الإضمار مشعر بخطورة الأمر وأنه مقصود لذاته وفيه تأكيد إلى أن هذا الأمر قد بلغهم وهم على يقين منه حيث قد جاء في كتابهم هم لا في كتاب غيرهم وهو أبلغ في إقامة الحجة وقطع العذر.
وأما قولك :
"وأما المعنيون بهذا الإعلام فهم بنو إسرائيل، وقد ذهبت جمهرة من المفسرين إلى أن المراد بهم بنو إسرائيل في زمان موسى عليه السلام ومن يأتي بعدهم، بناء على أن المراد بالكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ أو التوراة، وسيأتي بعد قليل ما في هذا التفسير من المؤاخذات، والذي يظهر لي أن هذا التفسير ليس صحيحاً، ولا ينبغي له أن يكون، لأن هذه الآيات لا تتحدث عن تاريخ بني إسرائيل القديم،إذ لا يتعلق به غرض للسامعين في ذلك الوقت، وماذا عسى أن يستفيد المسلمون في زمان النبوة من هذه المعلومة إذا كانت محض تاريخ لا علاقة لهم به، وسيأتي بيان هذا، وقد جوز الشوكاني هذا القول على ضعف."
فأقول: إن جزمك قائلاً " أن هذا التفسير ليس صحيحاً، ولا ينبغي له أن يكون" وتعليلك لهذا الجزم فيه نظر ، فكيف لا يتعلق به غرض للسامعين في ذلك الوقت وهي بشارة واضحة الدلالة على ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وظهور الإسلام على غيره من الملل والنحل ، وهذا مثله مثل البشائر الواردة في أول سورة القصص في قوله تعالى :
(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6))
فهذه الآيات من أعظم البشائر بظهور نبينا صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من المستضعفين في الأرض.
إذا هذه الآيات من سورة الإسراءكانت تحمل في طياتها بشائر عظيمة للمؤمنين وهو ما وقع فعلاً من ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم على بني اسرائيل في المدينة وخيبر وأبعد من ذلك فتح بيت المقدس.
وأما قولك :
"أما هذه اللام فهي لام القسم وتقدير الكلام والله لتفسدن، وهذا القسم مؤكد لمتعلق القضاء وإذا كانت اللام للقسم كما ذهب إلى هذا جميع المفسرين الذين مررنا ببعض أقوالهم سابقا، وكان المحكي عنه تاريخا ماضيا من تاريخ بني إسرائيل وقد تحقق، فإن وعد الله لا يتخلف، فعلام القسم على شيء قد حدث وانتهى، وعلمه الناس، فلأي معنى يخبر الله تعالى عنه في هذا الكتاب الذي هو آخر الكتب، على أنه سيكون، وقد كان بالفعل؟"
فأقول :
إن الخلاف في المسألة هو :هل كان أم أنه سيكون ؟
وإذا كان الله قد أقسم عليه في الأزل وأخبر به بني اسرائيل في كتابهم فلا إشكال ؛ إن كان قد وقع فالعبرة ما ذكرت في جوابي في الفقرة السابقة ، وإن لم يقع بعد أو قع بعضه والبعض الآخر لم يقع فلا إشكال أيضاً.
وأوكد مرة ثانية على أن محل الخلاف هو ما ذكرته في عبارتك" فلأي معنى يخبر الله تعالى عنه في هذا الكتاب الذي هو آخر الكتب، على أنه سيكون". فلا يصلح هذا الإيراد. إلا أن نتفق أن المراد بالكتاب في قوله تعالى " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا " هو القرآن . وهذا بلاشك ليس محل اتفاق بل لا أعلم من قال بأن المراد بالكتاب هو القرآن سواك.
أما ماذكرتَه عن تجويز سعيد حواء للقول الذي جزمت به أنت في الافسادتين ، فهو عين الصواب لأن تجويز الأمر مبنى على القرائن الموجودة في النص ، بينما الجزم مغامرة لأنه يحتاج إلى دليل لا يقبل النقاش.
أما بقيت ما ذكرتَ من المسائل فهي جميلة ومتسقة وليس هناك ما يعكر عليها وهي الأقرب إلى الصواب وقد سبقك في الإشارة إليها الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى.
وما ذكرتَه عن سيد طنطاوي في المقصود بالكتاب فقد سبق وأن قلتُ إن حمل الكتاب على الكتاب الذي أورثه بنو اسرائيل لا يتعارض مع القول بأنه ما كتب في اللوح المحفوظ والقول بكلايهما لا يمنع في نظري والله أعلم أن الافساد المذكور متعلق ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها.
هذه بعض ملاحظاتي على بحثك الشيق والجميل والرصين في نفس الوقت ، أرجو الله أن يفعني بها أولاً وأن يفع بها من يقرأها وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد .
أخوكم : محب القرآن الكريم