هل قوله تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة ...) في الدنيا أم في الآخرة ؟ أرجو التعليق

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل:88)
أقوال المفسرين في تفسير هذه الآية :


الشنقيطي : ( {وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }. قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في الآية قرينة تدلّ على بطلان ذلك القول، وذكرنا في ترجمته أيضًا أن من أنواع البيان التي تضمّنها الاستدلال على المعنى، بكونه هو الغالب في القرءان؛ لأن غلبته فيه، تدلّ على عدم خروجه من معنى الآية، ومثلنا لجميع ذلك أمثلة متعدّدة في هذا الكتاب المبارك، والأمران المذكوران من أنواع البيان قد اشتملت عليهما معًا آية «النمل» هذه.
وإيضاح ذلك أن بعض الناس قد زعم أن قوله تعالىٰ: {وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ}، يدلّ على أن الجبال الآن في دار الدنيا يحسبها رائيها جامدة، أي: واقفة ساكنة غير متحركة، وهي تمرّ مر السحاب، ونحوه قول النابغة يصف جيشًا: بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج

والنوعان المذكوران من أنواع البيان، يبينان عدم صحة هذا القول.
أمّا الأول منهما: وهو وجود القرينة الدالَّة على عدم صحته، فهو أن قوله تعالىٰ: {وَتَرَى ٱلْجِبَالَ} معطوف على قوله: {فَفَزِعَ}، وذلك المعطوف عليه مرتّب بالفاء على قوله تعالىٰ: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ}، أي: ويوم ينفخ في الصور، فيفزع من في السمٰوات وترى الجبال، فدلّت هذه القرينة القرءانية الواضحة على أن مرّ الجبال مرّ السحاب كائن يوم ينفخ في الصور، لا الآن.
وأمّا الثاني: وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرءان فواضح؛ لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلّها في يوم القيامة؛ كقوله تعالىٰ: {يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاء مَوْراً * وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً}، وقوله تعالىٰ: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلاْرْضَ بَارِزَةً}، وقوله تعالىٰ: {وَسُيّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً}، وقوله تعالىٰ: {وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيّرَتْ}. )
وقد نقل الشيخ حسين الحربي بعض كلام الشنقيطي السابق مقراً له في كتابه : قواعد الترجيح عن المفسرين 1/182-183 .

وهناك من المفسرين من ذهب إلى أن المراد بالآية حركة الجبال في الدنيا ؛ حيث يحسبها من رءاها جامدة : أي واقفة ساكنة لا تتحرك ، والحقيقة أنها تمر مر السحاب .

وقد قرأت في أحد المراجع ما نصه :
( قولهُ تعالى: (وَ تَرى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)(2).

إنّ بعض المفسّرين يخصّ الآية بيوم القيامة، لأنّها وردت في سياق آياتها، فقد ورد قبلَها: (وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).

ويلاحظ عليه: أنّ الآية المتقدمة على هذه الآية، تبحث عن الحياة الدنيوية، يقول سبحانه: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِقَوْم يُؤْمِنُونَ). فَتَوَسُّطُ الآيةِ الراجعةِ إلى يوم القيامة، لا يمنع صلة الآية بالحياة الدنيوية، إذا كان هناك صلة وتناسب بين الآيات، هذا مع أَنّ القرائن الموجودة في نفس الآية تؤيّد خلافه،
أَمّا أَوّلاً: فإنّه سبحانه يقول: (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً)، مع أنّ يوم القيامة، يوم ظهور الحقائق وكشف البواطن، وليس هناك ظَنٌّ وحسبان، بل كلُّ ما هناك إذعان ويقين، يقول سبحانه: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

وثانياً: فإنّ الآية تبحث عن الجبال الموجودة، مع أنّ يوم القيامة يوم تبدلّ النظام وتغيّره، يقول سبحانه: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَ السَّموَاتُ).

ويقول سبحانه: (وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً).

ويقول سبحانه: (وَ إِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ).

ويقول سبحانه: (وَ تَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ).

فالكل يدل على زوال النظام بما فيه الجبال، فكيف تكون الآية ناظرة إلى يوم القيامة؟

وثالثاً: إنّ قوله سبحانه في ذيل الآية (صُنْعَ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء)، دليل على أنّه لا صلة للآية بالقيامة، إذ الصنع يناسب حياتنا الدنيوية، وأمّا يوم القيامة، فهو يوم إبادة نظام الحياة فالجبال تتلاشى وتتمزق، فلا يناسبه التركيز على إتقان الصنع.

ورابعاً: فإنّ قوله في ذيل الآية: (إنّه خبيرٌ بِما تَفْعَلونَ)، صريح في أنّ الآية راجعةٌ إلى الحياة الدنيوية، ولو كانت ناظرة إلى يوم القيامة، لكان المناسب أن يقول: «خبير بما فعلتم».

فهذه القرائن تؤيّد كون الآية راجعة إلى حياتنا الدنيوية.)


وقد نقل القاسمي في تفسيره حججاً قوية لهذا القول ، فأرجو من الإخوة الكرام قراءتها والتعليق بما يرونه حول هذه المسألة .
ولعل الشيخ حسين الحربي يتحفنا برأيه .
 
صنع الله الذي أتقن كل شيء.

ترجح القول الثاني.
 
هذا تلطف من الله بالعقول المعاصرة لنزول القرآن مراعاة لوسع إدراكهم ، ونحن نعلم أن الناس (قبل 4 قرون ) لم تتسع عقولهم لإدراك دوران الأأرض فحكموا على جاليلو بالإعدام واتهموه بالكفر.
وأريد أن أضيف ملاحظة أخرى لعل فيها فائدة ألا وهي :
جاء في الآية فعل (تمر) مضارع فعل (مر) ، وفعل مر إذا استعمل في الماضي فإنه يدل حدوثة (مرة) واحدة ، أما إذا استعمل في المضارع فهو يعني تكرره ، نقول : فلان يمر من هنا . ونستعمل
مادة (مر) فنقول (مرات) ونقول ( مرارا وتكرارا ) ومن كلمة (استمرار) و (مستمر).وكل هذه اشتقاقات من فعل (مر).
واستعمال كلمة (تمر) تناسب (الدائر) حول مركز لأنه يكرر مروره حول النقاط التي مر بها مثل عقرب الساعة في دورانه يمر حول الأرقام باستمرار.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
شيخنا أبا مجاهد العبيدي حفظه الله، يعلم الله أني منذ وقعت عيني على الكلام الذي نقلته ويقول بأن الآية تختص بالدنيا دون الآخرة، وجدت في نفسي منه شيئاً، وكنت كلما قرأت عجبت من ضعفه وركاكة استدلاله، وتكلفه وتعسفه. حتى ما كدت أني أقرأ لمفسر! وما إن انتهيت من القراءة حتى دهشت من العنوان الذي منه الاقتباس، فرجعت إليه فكان الذي فسر لي كل ما وجدت، إنه تفسير رافضي. ولا عجب!
ولست هنا أرجح قولاً على قول، وإنما أنبه على هذا التفسير أنه لرجل رافضي اسمه: ( حسن محمد مكي العاملي ).
وجزاكم الله خيراً على طرحكم هذا الموضوع.
 
أنا أعلم أنه رافضي ، وليس ذلك بمانع من قبول بعض ما قاله إن صواباً .
ولا أخفيك أني أطلع على بعض تفاسير الرافضة ، وبعضها فيه تحرير ونفاسة ، وهذا كما نقرأ في تفاسير المبتدعة فنأخذ ما كان حقاً ، ونطرح ما خالف الحق .

ولعلك أخي فيصل تقرأ ما أورده القاسمي في تفسيره محاسن التأويل ، ولو كان وقتي يسمح لنقلته هنا ، ولعل أحد الإخوة سريعي الطباعة ينقله لنا لنتمكن من الحكم عليه ومناقشته .

وأشكرك أخي فيصل على مرورك وتعقيبك ، وكذلك الإخوة قبلك ، ولعل بقية الأعضاء يدلون بدلوهم حتى نصل إلى الحق المبتغى .
 
الأخوان فيصل وأبو مجاهد

هذا الرافضي إنما نقل أصل هذا البحث حرفيا من كلام الشيخ الشعراوي دون أن يصرح باسمه فقال "ومن المفسرين" ولعله لعدم نقله نصا مكتوبا إنما سماعا، كما هو معروف عن خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى.

وقد سمعته بأذني من الشيخ الشعراوي قبل أكثر من 20 عاما، ثم قرأته في بعض الكتب التي تجمع فوائده المتعلقة بالإعجازات القرآنية.

وبإمكانك سماع خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله من هذا الرابط الذي جمع معظمها

http://stream.islamonline.net/sharawi/

فأدخل السورة ثم رقم الأية، ثم انقر على الآية، ستظهر لك عناوين جانبية تحت، يجب أن تنقر على ما يظهر منها وستستمع للشعرواي رحمه الله، وقد صرح بمعظم ما هو منقول أعلاه.

وجرب هذين الرابطين مباشرة بنسخ السطر ثم نقله إلى خانة العنوان في صفحة الـ إكسبلورر

pnm://stream.islam-online.net/quran/shar/shar4/688_5.rm


pnm://stream.islam-online.net/quran/shar/shar4/688_6.rm
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
ـ في الحقيقة ـ فإن قوله تعالى: ( صنع الله الذي أتقن كل شيء)، مرحج قوي في جعل الآية مساقة لما هو كائن في الدنيا، فإن التذكير بنعم الله تعالى، وبديع صنعه في هذا الكون، مما يبعث على الإيمان به، وهو المناسب لذكر الصنع وما يدل عليه من إتقان وعلم تام، ولهذا ختمت الآية بقوله تعالى إنه خبير بما تفعلون،
فالمقام والسياق في الدلالة على هذا المعنى، أي معنى العلم التام، والقدر البالغة، التي من آثارها هذا الصنع المتقن المحكم، ولو جعلت الآية مساقة في ذكر زوال الدنيا المؤذن بقيام الساعة فإنه ـ فيما أحسب ـ لا ينسجم مع ذكر الصنع والإتقان والخبرة، ووجه ذلك:
أولا: أن إزالة الشيء القائم لا يسمى صنعا، بل هو في الحقيقة نقض للصنع وإزالة له.
الثاني: إن وصف الصنع بالمتقن، ووصف الصانع بالخبرة، لا يكون إلا في مقام البناء والإيجاد، الذي هو من آثار هذين الوصفين، ولذا فلا يصح مثلا أن تصف من يقوض البناء القام بأنه متقن وأنه خبير بل تصفه ـ مثلا ـ بالقوة.

بقي أن أقول: إن الإشكال حقيقة هو في سياق الآيات وسباقها، فهو جار في الحديث عن اليوم الأخر، وهذا ما جعل أهل العلم من المفسرين يجرونها على ما يكون في يوم القيامة. والله أعلم
 
بل السياق فيه تنوع من قبل ومن بعد، ولا يمكن الجزم بأن تفاصيل الآيات جميعا تدور في فلك اليوم الآخر.

وتأمل السابق واللاحق في الرابط

http://www.holyquran.net/quran/chapters/27.html

قال تعالى:


أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(هذه في الدنيا)

وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
(هذه في الآخرة)

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
(هذه في الدنيا)

مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ
(هذه في الآخرة وأولها عمل في الدنيا)

وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
(هذه في الآخرة)

إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
(هذه في الدنيا)

وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ
(هذه في الدنيا)

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
(هذه في الدنيا، وفيها إشارة للآيات التي سيريها الله لعباده، ولم تكن معروفة من قبل وهذه تشمل الدنيا والآخرة، وحمل آية دوران الأرض عليها في غاية الإبداع)

والله أعلم.
 
الآراء السابقة تسير في اتجاه القول بأن ذلك في الدنيا ، وهذا ما كنت أميل إليه ..

ويبقى الإشكال في توجيه قول أكثر المفسرين ، وخاصة المتقدمين .....

فهل من منتصر لهم أو موجه لقولهم ؟
 
يقال عن تفاسير القدامى ما يقال في تفاسيرهم لآيات الإعجاز العلمي

مثل قوله تعالى:

فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء

وقوله:
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ

وأوافق على :

كاتب الرسالة الأصلية : أبو علي
هذا تلطف من الله بالعقول المعاصرة لنزول القرآن مراعاة لوسع إدراكهم ، ونحن نعلم أن الناس (قبل 4 قرون ) لم تتسع عقولهم لإدراك دوران الأأرض
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :

القاعدة تقول :"حمل معاني كلام الله على الغالب من أسلوب القرآن ومعهود استعماله أولى من الخروج به عن ذلك "

وعلى هذه القاعدة فالآية الكريمة المقصود بها والله تعالى أعلم يوم القيامة وذلك لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها يوم القيامة ، فتحمل هذه الآية على ما جاء في القرآن من آيات

ولعل كتاب الشيخ حسين الحربي قواعد الترجيح ج 1 ص 183 فيه تفصيل ذلك

والله تعالى أعلم
 
بالنسبة لمسألة التلطف بعقول المستمعين في ذلك الزمان أستغرب ورودها من الأخ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قومه بأمر من السماء فيه حديث عن الغيب والملائكة والبعث والقيامة والصراط والميزان والجنة والنار وأمور هي أعظم وأبعد عن أذهان الناس في ذاك الزمان من قضية دوران الشمس أو الأرض ومع ذلك هم مؤمنون مصدقون صادقون فما بالهم لايستوعبون هذه القضية أعتقد أن هذه المسألة تحتاج إلى تأمل وإعادة نظر.
وما ذكره بعض الأحبة من قضية تنوع الخطاب فهذا الأمر مبني على قناعة مسبقة بالقول ليس هو دليل صريح واضح جازم في المقصود بالآية
ومسألة صنع الله وأنه في الآخرة فالمسألة مسألة استدلال و إشارة على اتقان الصنع وأن الله يفعل ما يشاء وليس مسألة اثبات الصنع في ذلك الوقت
عموما أنا لم أتجرأ بذكر هذا الكلام إلا لأسمع توجيهكم وملاحظاتكم
 
هذا الرابط فيه تسجيل صوتي لفضيلة الشيخ المفسر محمد ابن عثيمين رحمه الله يتحدث فيه عن هذه الآية بكلام جميل . وإن يسر الله فسأفرغ كلامه عن هذه الآية إن رأيتم أنه مناسب ويحتاج لذلك
الشريط رقم 30
 
الأخ أبو عاتكة
لا تصح المقارنة بين الغيب وبين الشهادة، فالجنة والنار وغير ذلك مما ذكرت هي أمور غيبية موعود بها وهي متعلقة بالإيمان بالغيب، وأساس الإيمان هو العلم ، فالتصديق بالغيب يبنى على إدراك بالشهادة. فآيات الله وسائل هدى يدركها الناس بالمشاهدة بالبصر أو يدركونها بالبصائر فيتولد عنها يقين ينتج عنه إيمان.
وكيف يصدقك إنسان إذا أتيته بدليل يتناقض مع إدراكه !!
أليس الاقتناع هو ركيزة الإيمان ؟ أليس بالعلم والإدراك يقتنع الإنسان؟
فالناس في زمن الرسالة وإلى عهد قريب كان إدراكهم المشهود هو أن الشمس هي التي تدور حول الأرض فتشرق وتغرب، فلو قلت لهم إن الأرض هي التي تدور هل هذا يوافق إدراكهم؟ ليس في وسعهم أن يدركوا دوران الأرض إلا بسلطان العلم ولم يكن الإنسان حينئذ قد بلغ من العلم ما بلغه إنسان اليوم.
مثلا : اإذا كنت أستاذا ولك ابن ففكرت أن تشتري له كل الكتب التي يحتاجها للتعليم من أول سنة ابتدائي إلى الثانوية العامة، ابنك هذا عمره 7 سنوات ، هل في وسعه أن تبدأ بتعليمه نظرية إنشتاين في النسبية ، ونظرية أرخميدس وقانون فيتاغورس؟ كلا ، ليس في وسع إدراكه أن يحسن فهم ذلك وهو في هذا السن.
كذلك فإن القرآن بلاغ للناس كافة إلى أن تقوم الساعة ، وما زال الناس يعلمهم الله ما لم يعلموا، وكلما أدركوا حقيقة علمية يجدون تأويل ذلك في الكتاب.
 
تتمة :

هذا نص ما أورده القاسمي في محاسن التأويل عند تفسيره للآية :

( تنبيه :
ما ذكرناه في تفسير هذه الآية هو ما ذهب إليه كثير . قالوا : المراد بهذه الآية تسيير الجبال الذي يحصل يوم القيامة ، حينما يبيد الله تعالى العوالم ، كما قال  وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً  (النبأ:20) وكما قال  وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ  (المرسلات:10) وقال  وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ  (القارعة:5) .
وقال بعض علماء الفلك:لا يمكن أن يكون المراد بهذه الآية ما قالوه، لعدة وجوه :
الأول : أن قوله تعالى :  وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً  (النمل: من الآية88) لا يناسب مقام التهويل والتخويف إذا أريد بها ما يحصل يوم القيامة . وكذلك قوله  صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ  (النمل: من الآية88) لا يناسب مقام الإهلاك والإبادة . على أن محل هذه الآية على المستقبل ، مع أنها صريحة في إرادة الحال ، شيء لا موجب له . وهو خلاف الظاهر منها .
الثاني : أن سير الجبال يوم القيامة ، يحصل عند خراب العالم وإهلاك جميع الخلائق وهذا شيء لا يراه أحد من البشر كما قال  وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ  (الزمر: من الآية68) أي من الملائكة . فما معنى قوله إذن :  وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً  (النمل: من الآية88) ؟
الثالث : أن تسيير الجبال الذي يحصل يوم القيامة ، إذا رآه أحد شعر به ، لأنه مادام وضعها يتغير بالنسبة للإنسان ، فيحسّ بحركتها . وهذا ينافي قوله تعالى : (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) أي ثابتة : أما في الدنيا فلا نشعر بحركتها ، لأننا نتحرك معها ولا يتغير وضعنا بالنسبة لها . وهذا بخلاف ما يحصل يوم القيامة . فإن الجبال تنفصل عن الأرض وتنسف نسفاً . وهذا شيء يراه كل واقف عندها .
الرابع : ورود هذه الآية في سياق الكلام على يوم القيامة ، لورود آية  أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً  (النمل: من الآية86) المذكورة قبلها في نفس السياق ، والمراد بهما ذكر شيء من دلائل قدرة الله تعالى ، المشاهدة آثارها في هذا العالم الآن من حركة الأرض وحدوث الليل والنهار ، ليكون ذلك دليلاً على قدرته على البعث والنشور يوم القيامة فإن القادر على ضبط حركات هذه الأجرام العظيمة ، لا يصعب عليه أن يعيد الإنسان ، وأن يضبط حركاته وأعماله ويحصيها عليه . ولذلك ختم هذه الآية بقوله  إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ  فذكر هذه الأشياء في هذا السياق ، هو كذكر الدليل مع المدلول ، أو الحجة مع الدعوى . وهي سنة القرآن الكريم . فإنك تجد الدلائل منبثة بين دعاويه دائماً . حتى لا يحتاج الإنسان لدليل آخر خارج عنها . وذلك شيء مشاهد في القرآن من أوله إلى آخره . ا هـ كلامه .
وقال العلامة المرجانيّ في مقدمة كتابه ( وفيّة الأسلاف ، وتحيّة الأخلاف ) في بحث علم الهيئة ، ما مثاله :
ويدل على حركة الأرض قوله تعالى  وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ  الآية . فإنه خطاب لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذان الأمر له بالأصالة مع شتراك غيره في هذه الرؤية . وحسبان جمود الجبال وثباتها على مكانها مع كونها متحركة في الواقع بحركة الأرض ، ودوام مرورها مرّ السحاب في سرعة السير والحركة . قال : وقوله (صُنْعَ اللَّهِ ) من المصادر المؤكدة لنفسها . وهو مضمون الجملة السابقة . يعني أن هذا المرور هو صنع الله . كقوله تعالى ( وَعَدَ اللَّهُ ) ( صبغة الله ) ثم ( الصنع ) هو عمل الإنسان ، بعد تدرّب فيه وتروّ وتحري إجادة . ولا يسمى كل عمل صناعة ، ولا كل عامل صانعاً ، حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه . وقوله  الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء  كالبرهان على اتقانه ، والدليل على إحكام خلقته ، وتسوية مروره على ما ينبغي . لأن إتقان كل شيء ، يتناول إتقانه ، فهو تثنية للمراد وتكرير له ، كقوله تعالى  وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  ( آل عمران: 97 ) قال : وقد اشتملت هذه الآية على وجوه من التأكيد ، وأنحاء من المبالغة . فمن ذلك تعبيره (بالصنع) الذي هو الفعل الجميل المتقن المشتمل على الحكمة . وإضافته إليه تعالى ، تعظيماً لـه وتحقيقاً لإتقانه وحسن أعماله . ثم توصيفه سبحانه بإتقان كل شيء ، ومن جملته هذا المرور . ثم إيراده بالجملة الإسمية الدالة على دوام هذه الحالة واستمرارها مدى الدهور . ثم التقييد بالحال ، لتدل على أنها لا تنفك عنها دائماً . فإن قوله تعالى  وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ  حامل من المفعول به ، وهو الجبال . ومعمول لفعله الذي هو رؤيتها على تلك الحال .
فهذه الآية صريحة في دلالتها على حركة الأرض ومرور الجبال معها في هذا النشأة . وليس يمكن حملها على أن ذلك يقع في النشأة الآخرة ، أو عند قيام الساعة وفساد الأرض وخروجه عن متعاهد النظام . وأن حسبانها جامدة لعدم تبين حركة كبار الإجرام إذا كانت في سمت واحد . فإن ذلك لا يلائم المقصود من التهويل على ذلك التقدير . على أن ذلك نقض وإهدام ، وليس من صنع وإحكام . قال : والعجب من حذاق العلماء المفسرين ، عدم تعرضهم لهذا المعنى ، مع ظهوره واشتمال الكتب الحكمية على قول بعض القدماء . مع أنه أولى وأحق من تنـزيل محتملات كتاب الله على القصص الواهية الإسرائيلية ، ما شحنوا بها كتبهم . وليس هذا بخارج عن قدرة الله تعالى ، ولا بعيد عن حكمته ، ولا القول به بمصادم للشريعة والعقيدة الحقة ، بعد أن تعتقد أن كل شيء حادث بقدرة الله تعالى وإرادته وخلقه بالاختيار ، كائناً من كان ، وهو العليّ الكبير ، وعلى ما يشاء قدير .
واعلم أن هذه الآية وما قبلها من قوله تعالى  أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ  الآية اعتراض في تضاعيف ما سـاقه من الآيات الدالة على أحـوال الحشر وأهوال
القيامة ، كاعتراض توصية الإنسان بوالديه في تضاعيف قصة لقمان . ومثل ذلك ليس بعزيز في القرآن .
وفائدته هنا ، التنبيه على سرعة تقضي الآجال ومضىّ الآماد . والتهويل من هجوم ساعة الموت وقرب ورود وقت المعاد . فغن انقضاء الأزمان ، وتقضي الأوان ، إنما هو بالحركة اليومية المارّة على هذه السرعة المنطبقة على أحوال الإنسان . وهذا المرور . وإن لم يكن مبصراً محسوساً ، نكن ما ينبعث منه تبدل الأحوال ، بما يطرأ من تعاقب الليل والنهار وغيره ، بمنـزلة المحسوس المبصر  فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ  (الحشر: 2) فيكون هذا معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ، مخصوصة به ، إذ لم يخبر به غيره من الأنبياء .
فليس بممكن حمل الآية على تسيير الجبال الواقع عند قيام الساعة ووفاء النشأة الآخرة . إذ ليس هو من ( الصنع ) في شيء . بل هو إفساد أحوال الكائنات ، وإخلال نظام العالم ، وإهلاك بني آدم . ا هـ . كلام المرجانيّ .) انتهى ما ذكره القاسمي .
 
هاهنا قولان والنظر في الترجيح بينها

والقول الاول يرجحه :
1- كون هذا المعنى هو الغالب في القرءان .

2- دلالة السياق فان من تامل السياق وجده يتحدث عن يوم القيامة قال تعالى :

((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ

حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ

أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ

مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ

وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))

والقول بان(( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )) في الدنيا

و((وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ))في الاخرة
و((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ))في الدنيا
و((مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ )) في الاخرة
هذا القول لا يناسب البلاغة والفصاحة .


3- قرينة العطف بالواو كما ذكر الشيخ الشنقيطي .

4- انه القول الماثور عن السلف .

وهي ادلة كما ترى قوية .

واما القول الاخر فيعتمد دلالة كلمة صنع و اتقن كل شيء .

وعلى العموم فان دلالة السياق اقوى من دلالة لفظة او لفظتين الاترى انك تسمع لكلام الرجل كله فتفهمه فاذا حكيت لشخص جزءا من كلامه قد لا يفهمه وقد يفهمه على غير وجهه .

هذا مع ان هذا القول يعتمد دلالة التذييل بمعنى لم ذيلت الاية بذلك ؟ وما ذكروه من معنى هو على الاحتمال بمعنى لا يجزمون جزما يقينا ان هذا هو مراد الله
وقابلهم القول الاخر بمعنى محتمل قال الالوسي :
((وقال بعض المحققين: مؤكد لمضمون ما قبله على أنه عبارة عما ذكر من النفخ في الصور وما ترتب عليه جميعاً قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل وتهويل أمرها والإيذان بأنها ليست بطريق إخلال نظام العالم وإفساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن يكون فيه حكمة بل هي من قبيل بدائع صنع الله تعالى المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادىء الإبداع على الوجه المتين والنهج الرصين كما يعرب عنه قوله تعالى: { ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء } أي أتقن خلقه وسواه على ما تقتضيه الحكمة اهـ، وحسنه ظاهر.))

وقال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله تعالى في الشريط الذي احال علي الاخ ابوعاتكة
"وفي اضافة الصنع الى الله هنا تعظيم لهذا الامر وانه من الامور العظيمة التي هي من صنع الله تبارك وتعالى .
ومن جملة اتقانه انه حينما كانت الارض محتاجة الى هذه الجبال صارتالجبال راسية ورواسي ترسو بها الارض وهي ايضا في نفسها ثابتة ويوم القيامة تزول الحاجة اليها بل تقتضي الضرورة زوالها فتزال هذه الجبال العظيمة وبهذا نعلم ان الله تبارك و تعالى صنع الجبال حين احتاج الناس اليهاباقية و لما زالت الضرورة اليها ازالها الله تبارك وتعالى
وبهذا نعرف الحكمة في قوله الذي اتقن كل شيء فصار وجود الجبال اتقان وزوالهايو م القيامة اتقان ايضا "
من الدقيقة 9.50 الى الدقيقة 11016


ومما يضعف القول الاخر امور :
1- انه لم لم يقله احد من السالفين وهذا من اقوى الادلة على رجحان القول الاول

وكل خير في اتباع من سلف ...

2-ان فيه تشتيت فعلى القول الثاني جاء الكلام عن الاخرة ثم عن الدنيا وفي الاية التي تليها عن الاخرة وفي التي تليها عن الدنيا وفي التي تليها عن الاخرة وهذا كما ترى .

3- انه على هذا القول فان سرعة الجبال لانها تدر مع الارض فيقال ماالحكمة في تخصيص الجبال بالذكر ؟
ثم اذا كان الكلام عن الدنيا اليس الاولى بمقتضى النظر ان يذكر الكل اي بذكر اتقان الارض كلها وذلك بذكر ان الارض تمر السحاب لا ان يذكر الجزء الذي هو الجبال فالمقام مقام ذكر لاتقان الله صنعه .

والعلم عند الله تعالى .
 
كنت قد قرأت كلاما لمصطفى محمود في القرآن محاوله لفهم عصري كلاما يتعلق بالموضوع ويقول :

" وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب "

وتشبيه الجبل بسحابة هو تشبيه يقترح على الذهن تكوينا ذريا فضفاضا مخلخلا وهو ما عليه الجبل بالفعل ، فما الأشكال الجامدة إلا وهم وكل شئ يتألف من ذرات في حالة حركة ... والأرض كلها بجبالها في حالة حركة .
ومما يقوله المفسرون القدامى من أن هذه الآية تصف ما يحدث يوم القيامة .... هو تفسير غير صحيح لأن يوم القيامة هو يوم اليقين والعيان والقاطع ولا يقال في مثل هذا اليوم " ترى الجبال تحسبها " ..... فلا موجب لشك في ذلك اليوم
" ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا " ................ هذه هي القيامة بحق ، لا مجال هنا لأن تنظر العين فتحسب الشئ قائما وهو ينسف ... فالآية إذن وصف لحال الجبال في الدنيا ولا يمكن أن تكون غير ذلك .
 
سلسبيل 2

هل عندك ميل لكلامه؟؟

أنا لا أترك كلام عظماء المفسرين لخواطر--

-هل تعرف أن الأباضية يسوقون كلامه عن الشفاعة لتأييده لهم --ربما دون أن يدري أيدهم
؟؟
 
الأخ الفاضل /جمال حسني الشرباتي
" كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام " والإنسان قد يصيب مرة ويخطئ مرات وليس معنى أنه أخطأ في مسألة أو مسائل أن جميع قوله خطأ
فنحن لا نأخذ أي قول لأن فلانا من الناس قال به بل نعرضه على الشرع فإن وافق وإلا ضربنا به عرض الحائط .... والمسألة كما تعلم أخي الكريم فيها خلاف بين القولين
 
ومع ذلك لا دليل على تفسيره

فسياق الآية هو عن يوم القيامة((وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ
))


وقول مصطفى محمود ((وتشبيه الجبل بسحابة هو تشبيه يقترح على الذهن تكوينا ذريا فضفاضا مخلخلا وهو ما عليه الجبل بالفعل ، فما الأشكال الجامدة إلا وهم وكل شئ يتألف من ذرات في حالة حركة ... والأرض كلها بجبالها في حالة حركة .)

ضعيف جدا---فالذرات لا تتحرك كحركة السحاب إنما حركة تذبذبية منضبطة حول موقع سكونها--وحركة السحاب حركة حرة بحسب الريح---ثم الصفة الذرية تشمل غير الجبال فلا وجه سليم لتمييزها

وتعليله لرفض التفسير المتعلق بيوم القيامة بقوله (0هذه هي القيامة بحق ، لا مجال هنا لأن تنظر العين فتحسب الشئ قائما وهو ينسف))

غير مسلم---إذ من الممكن أن ير المرء يوم القيامة الجبل قائما فينسف فيختفي فكانه كالسحابة تكون لحظة فوقك فتختفي فها هنا تشبيه راق لحالة النسف واختفاء الجبل عندها

إن التعشق للنواحي العلمية البحتة الذي يجعل البعض يؤول الآيات بحسبها منهج لا أميل إليه
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
أرجو أن لا يزعجكم تطفلي عليكم ، أحببتُ أن أشارك طلبا للفائدة.
لقد قرأتٌ في بعض كتب "الإعجاز العلمي في القرآن"...ما يفسر هذه الآية تفسيرا علميا ومنطقيا.
يقول - صاحب هذا الرأي - مستدلا بهذه الآية على مسألة "دوران الأرض" :
"
قال تعالى :[ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون].</B>

"و هذا و الذي نفسي بيده من أعظم الأيات الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم في أن هذا الكتاب إنما هو كلام الله ليس كلام بشر ، و ذلك أنه من المعلوم اليوم أن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل 24 ساعة و هذا و الله أعلم هو الذي أشار إليه الباري سبحانه و تعالى في الآية و ذلك أن الناظر إلى الجبل القريب منه يراه ساكناً جامداً لا يتحرك أما الحقيقة التي يستطيع أن يستيقنها رجل الفضاء فهي أن هذه الجبال و إن كانت فيما يرى الناظر ساكنة جامدة فإنها كما يرى هو من علٍ تمر مر السحاب فتبارك الله الذي أحاط بكل شيء علما ألا إنه حكيم عليم "
لكن ممكن أن يرد على صاحب هذا الرأي بقوله تعالى : "‏يوم تمور السماء مورا .‏
وتسير الجبال سيرا " ....والمعلوم أن هذه الآيات - من سورة الطور- تتحدث عن يوم القيامة.

 
عمار

لست متطفلا وإنما أنت من أهل هذا المنتدى الطيب وحقك أن تدلي بدلوك فتشجع

أما بالنسبة للرأي العلمي الذي أوردته---على فرض أن الآيات خاصة بأمر الدنيا--فإن دوران الأرض هو دوران ثابت بنظام مخصوص---وحركة السحاب حركة عشوائية بحسب حركة الريح--فالقول بأن الآية تشير إلى دوران الإرض إذن غير موفق لأن حركة السحاب ليست كحركة الأرض

والله أعلم
 
الأخ الكريم "جمال" حياك الله.....لا أخفيكم أنني لا أميل إلى الرأي الذي يفسر الآية على أنه أمر يحدث في الدنيا....ولست من المدافعين عن - التفسير - الذي أوردتُه في تعقيبي السابق لكن أقول :
إن الهواء أو الريح سبب تحرك السحاب...فليس من المعقول - لا علميا ولا منطقيا - أن السحاب يتحرك من تلقاء نفسه، وعلى هذا الفهم كان القياس...فقالوا إن الجبال لا تمر
ولا تتحرك إلا بسبب تحرك الأرض أي "دورانها"....

لكنني أعتقد - والله أعلم - أن الآية تتحدث عن يوم القيامة بحكم دلالة السياق...ومما يؤكد اعتقادي هذا - كما أوردتٌ في تعقيبي الأول - قوله تعالى :
""‏يوم تمور السماء مورا .‏ وتسير الجبال سيرا "

وشكرا.
 
يقول شيخنا العثيمين رحمه الله تعالى عن القول بأن هذا في الدنيا : ( لا شك أنه غلط ).
وإذا نشطت نقلت كلامه بحروفه ـ بإذن الله ـ من شرحه على كتاب الإيمان من صحيح مسلم ـ والذي سيخرج قريباً بإذن الله (أعني كتاب الإيمان) وقد منّ الله تعالى عليّ بالقيام على تنسيقه ،وتهيئته للنشر
 
هذه عودة مني لأفي بما وعدت به من نقل كلام شيخنا رحمه الله على الآية .

وقد كان كلامه عند شرحه لــ( بَاب قَوْلِهِ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ)
آخر باب من أبواب كتاب الإيمان من صحيح مسلم رحمه :
والحديث الذي جرى الاستطراد فيه إلى أن ذكر شيخنا هذه الآية هو عند قول الإمام مسلم رحمه الله :
( حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ قَالَ يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قَالَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأمَمِ كَمَثَلِ الشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح و حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كِلاهُمَا عَنْ الأعْمَشِ بِهَذَا الإسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالا مَا أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّاسِ إلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الأبْيَضِ وَلَمْ يَذْكُرَا أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ .)

قال رحمه الله : وفي الحديث فوائد .... ثم ذكر أربعاً ،والخامسة ـ هي بيت القصيد ـ وهذا نص كلامه :
5 - وفيه ـ أيضاً ـ أن الناس في ذلك اليوم ، تراهم : أي : فتظنهم سكارى ، وما هم بسكارى ؛ لأنه من شدة الهول يكون الإنسان يتصرف كالمرعوب ، كالسكران ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد .
ومن هنا يتبين بطلان من رجح أن معنى قول الله تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة ، وهي تمر مر السحاب ) أن ذلك في الدنيا ، وليس في الآخرة ، واستدل به على دواران الأرض .
وقد علل أن قوله تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) بأنه لو كان يوم القيامة ، لكان خطأً ؛ لأن الناس يوم القيامة لا يتوهمون الأشياء ، بل يرونها على حقيقتها ، فلا يرون الجبال يحسبونها جامدة .
فنقول : هذا غلط
، ها هو الله يقول : ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) ، فيتوهمون أن هؤلاء ـ الذين ليس بسكارى ـ يتوهمون أنهم سكارى ، والإنسان إنسان ، في الدنيا وفي الآخرة .
 
هل يمكن أن يكون وقت وقوع ذلك في منزلة بين الدنيا والآخرة ، وهي مرحلة وقوع مقدمات يوم القيامة ؟

وأذكر أن بين المفسرين خلافاً في وقت وقوع الزلزلة التي ذكره الله عز وجل في صدر سورة الحج .

ويؤيد هذا أن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }(النمل:87)
قال ابن كثير في تفسيره لها : ( يخبر تعالى عن هول يوم نفخة الفزع في الصور، وهو كما جاء في الحديث قرن ينفخ فيه. وفي حديث الصور: إن إسرافيل هو الذي ينفخ فيه بأمر الله تعالى، فينفخ فيه أولاً نفخة الفزع ويطولها وذلك في آخر عمر الدنيا حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء فيفزع من في السماوات ومن في الأرض { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ} وهم الشهداء، فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون.}
 
الاساتذة الافاضل الا يصح الجمع بين القولين هنا و القول ان هذا يصح في الدنيا و الاخرة ؟

في تفسير قوله تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين تجد البعض يشير الى ان المراد بهذا الهرم و كبر السن و البعض الاخر يرجح ان اسفل سافلين هي النار

ألا يمكن ايضا القول ان المراد المعنيين معا سواء في امثال هذه الايات او غيرها ما دام التفسيران غير متناقضين و من الممكن الجمع بينهما و لا يحوي احدهما تكلف او لي لاعناق النصوص ؟
 
ليت أحد العلماء في هذا الموقع يبين لنا ما هو الصحيح حتى نخرج من الحيرة في تفسير الآية ...
 
بارك الله فيكم
وقد نقل قول أنها في الدنيا الأخ : زغلول النجار
إذ قال أن هذه الآية من آيات الإعجاز في القرآن وقال بأن هذا إنما في الدنيا
 
لفظ الآية - { وترى الجبال تحسبها جامدةً } - يحتمل كون ذلك في الحياة الدنيا ، كما يحتمل كونه في يوم القيامة على ما ذهب إليه الأئمة المفسرون ،
و إن كان الأقرب لسياق الآية كونه في الحياة الدنيا ، إذ لا ترى الجبال جامدة يوم القيامة ، بل تدك و تزول و تكون كالعهن المنفوش ،
و ما هذا حاله لا يوصف بالجمود ،
و يرجح كون ذلك في دنيانا : قوله تعالى في رؤية الإنسان للجبال : { تحسبها جامدة } - أي يظنها - مع بيانه تعالى أنها في واقع الأمر- وقت هذه الرؤية - { تمر مر السحاب }،
و رؤية الإنسان حال الجبال - يوم القيامة - ستكون تحققا، ولن تكون تحسبا ،

- و إنما قال المفسرون بكون ذلك يوم القيامة وحده ، لتعسر و تعذر القول بكونه واقعا في الحياة الدنيا وفق المعارف الدنيوية وقتذاك ،

- بيد أن من المفسرين المتقدمين من فسر الآية بغير يوم القيامة :

1 - ففي تفسيره " الجامع لاحكام القران" ، قال الإمام القرطبي (ت 671 هـ) :

• ( قوله تعالى: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } قال ابن عباس: أي قائمة وهي تسير سيراً حثيثاً. قال القتبي: وذلك أن الجبال تُجمع وتُسيَّر، فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير؛ وكذلك كل شيء عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر، لكثرته وبعد ما بين أطرافه، وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير. قال النابغة في وصف جيش:
بِأَرْعَنَ مثل الطَّودِ تَحسبُ أنَّهمْ وقُوفٌ لِحَاجٍ والرِّكَابُ تُهملِجُ
قال القشيريّ: وهذا يوم القيامة؛ أي هي لكثرتها كأنها جامدة؛ أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب، والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهي تسير؛ أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شيء، فقال الله تعالى؛
{ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }
[النبأ: 20] ويقال: إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها؛ وإبراز ما كانت تواريه؛ فأول الصفات الاندكاك وذلك قبل الزلزلة؛ ثم تصير كالعهن المنفوش؛ وذلك إذا صارت السماء كالمُهْل، وقد جمع الله بينهما فقال:
{ يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ * وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ }
[المعارج: 8 ـ 9]. والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تنقطع بعد أن كانت كالعهن. والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدّمة قارّة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها. والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الأرض فتظهرها شعاعاً في الهواء كأنها غبار، فمن نظر إليها من بعدٍ حسبها لتكاثفها أجساداً جامدة، وهي بالحقيقة مارّة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة. والحالة السادسة أن تكون سراباً فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئاً منها كالسراب. قال مقاتل: تقع على الأرض فتسوَّى بها.

ثم قيل هذا مثل. قال الماوردي: وفيما ضُرِب له ثلاثة أقوال: أحدها أنه مَثَلٌ ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال، وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب؛ قاله سهل بن عبد الله. الثاني: أنه مثلٌ ضربه الله للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء. الثالث: أنه مثل ضربه الله للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى العرش. { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أي هذا من فعل الله، و(ما) هو فعل منه فهو متقَن. و { تَرَى } من رؤية العين ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين ) .

2 - و هذا الذي حكاه القرطبي عن الإمام الماوردي (ت 450 هـ) مذكور في تفسيره المسمى " النكت والعيون" :

قال :

( قوله { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } أي واقفة.

{ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } أي لا يرى سيرها لبعد أطرافها كما لا يرى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه ،
وهذا مثل، وفيم ضرب له ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب، قاله سهل بن عبد الله.

الثاني: أنه مثل ضربه الله للإيمان، تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء.

الثالث: أنه مثل للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى القدس.

{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيىْءٍ } أي فعل الله الذي أتقن كل شيء. وفيه أربعة أوجه:

أحدها: أحكم كل شيء، قاله ابن عباس.

الثاني: أحصى، قاله مجاهد.

الثالث: أحسن، قاله السدي ) . انتهى كلامه .

- و الله تعالى أعلم .
 
السلام عليكم ورحمة الله
أعتذر للمشرفين والأعضاء عن غيابي عن الملتقى .

شيخنا الفاضل
الآية : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل:88)
إذا كان قدجاء قبلها آية تتحدث عن أحداث يوم القيامة فليس ذلك دليلا على أنها هي كذلك تتحدث عما سيحدث عند قيام الساعة ، فقد تكلم الله تعالى قبل ذلك في الآية 83 , 84 , 85 عن أحداث يوم القيامة ثم بعد ذلك تكلم في الآية 86 عن آيات الله التي نعيشها في الدنياألا وهي الليل والنهار، وعاد مرة أخرى ليتكلم عن أحداث الساعة في الآية 87 ، وبعدها جاءت هذه الآية 88 .
فهل الآية 88 تتعلق بأحداث قيام الساعة أم أنها تتحدث عن أحداث نعيشها في حياتنا ولا نشعر بها؟

لنعش مع الآية كما لو أنها تتحدث عن أحداث القيامة ثم نري ماذا نستنتج.
لوافترضنا أن الآية تتكلم عن قيام الساعة فإن خلاصة مفهوم الآية أن الله تعالى يقص على نبيه عليه الصلاة والسلام مشهدا لوقائع أحداث قيام الساعة كما لو أن النبي هو المشاهد لما سيحصل.
ماذا سيرى المشاهد؟
سيرى الجبال فيحسبها جامدة بينما هي في الحقيقة تمر مر السحاب.
إذا كان الله قد شبه مرور الجبال بمرور السحاب فذلك يعني أن الجبال لن تبقى جامدة في مكانها وإنما ستنتق من جذورها ويسيرها في جو السماء كما تمر السحاب .
إذا كان المشهد بهذا الوضوح فكيف يحسب المشاهد أن الجبال مازالت
جامدة لم تتحرك من مكانها!!
ألسنا نرى عين اليقين السحب وهي تجري في السماء فكيف يختلف الأمر في شيء مشابه فنحسبه جامدا !!
إذن لا يمكن أن يكون هذا المشهد لأحداث يوم القيامة إلا إذا فقد الإنسان بصره وهو ما لن يحصل لأن الله تعالى أثبت حاسة البصر في قوله (وترى الجبال ...) .

لم يبق إلا أن تكون الآية تتكلم عن الواقع الذي نعيشه في الدنيا حيث تدور بنا الأرض بجبالها ونحن لا نشعر بذلك ونحسبها جامدة بينما هي تمر مر السحاب.
ما وجه الشبه في مرور الجبال ومرور السحاب؟
الجواب : نفس الاتجاه.
الأرض تدور من الغرب إلى الشرق، والسحاب كذلك يسلك نفس الاتجاه من الغرب إلى الشرق.
هل من قرينة أخرى تبين لنا صحة ما توصلنا إليه؟
الجواب : نعم ، هذه الآية تفسر كيفية جعل الليل سكنا والنهار مبصرا ، فهي تتمة لما قاله الله في الآية 86 التي يقول فيها:
ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون.86 النمل.
الآية 88 أرتنا كيفية تعاقب والنهار وأن الله تعالى من رحمته أن أحكم سرعة دوران الأرض بحسبان متقن بحيث لم يجعل الأرض بطيئة الدوران فيتحول الليل من سكن لنا إلى ليل طويل ممل ومرهق...

لو ألقيت نظرة على الآيات : 86 ، 87 ، 88 ، 89 من سورة النمل لوجدت أن الآية 88 مكملة للآية 86 ، والآية 89 مكملة للآية 87.

ولا ننسى أن الله تعالى ختم سورة النمل بقوله (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون) ، والآية 86 أولها: (ألم يروا) ، فهذه من الآيات التي يرينها الله.

والسلام عليكم.
 
الحمد لله العزيز الحكيم
قال تعالى : أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الآية 86 من سورة النمل.
عظمة حكمة الله تتجلى في التفكر في الكيفية التي أعطت النتيجة، فإبراهيم عليه السلام لما أراه الله كيفية إحياء الموتى تجلت له عظمة حكمة الله : (واعلم أن الله عزيز حكيم). والله تعالى إذ يلوم هؤلاء فهو يلومهم على رؤيتهم للكيفية المحكمة بإتقان التي جعل الله بها الليل سكنا والنهار مبصرا ، فإذا لم تكن كيفية تعاقب الليل والنهار هي ما كان يعتقده كل الناس في عهد نزول القرآن في أن الشمس هي التي تدور حول الأرض فإنه يلزم أن يريهم الله تلك الكيفية ليحق عليهم اللوم والتقريع.
هذا ما تقتضيه الحكمة، فالملومون ب (ألم يروا) يجب أن (يروا) ويلزم أن يري الله المؤمنين تلك الكيفية لأنهم شهداء على الناس،
القاعدة المنطقية تقول : الإنكار على غائب ب (ألم ير) أو (ألم يعلم) لا يخاطب به إلا شاهد (رأى و علم)، مثلا:
يخاطب الرجل زوجه مستنكرا على ابنه (الغائب) عدم مذاكرته لدروسه وقد اقترب موعد الامتحانات : ألم يعلم ابنك أن الامتحانات قد اقتربت ...!!.
لم يخاطب الأب الأم مستنكرا ومتعجبا إلا لأن الأم تعلم باقتراب الامتحانات، لو لم تكن تعلم لألقى إليها الكلام خبرا.
كذلك هنا في سورة النمل ينكر الله على الكافرين عدم الالتفات إلى عظمة حكمة الله في رؤيتهم لكيفية جعل الليل سكنا والنهار مبصرا ،
وحيث أن المخاطب بالقرآن هم المؤمنون فإنهم يجب أن يكونوا هم أيضا قد رأوا كيف جعل الله الليل سكنا والنهار مبصرا .
وبما أن الناس وقت نزول القرآن لم يكونوا قد رأوا كيفية تعاقب الليل والنهار، فإن الآية : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ...) تتكلم عن المستقبل ، وسيري الله الذين كفروا آياته في الآفاق المتعلقة بتعاقب الليل والنهار، وسيري الله المؤمنين أيضا تلك الآيات، لذلك قال الله بعد 7 آيات من هذه وبها ختم السورة : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) الآية 93 النمل.
إذن فلا بد أن الله قد أرانا آياته في جعل الليل سكنا والنهار مبصرا في نفس السورة التي ختمها بقوله : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا...) ، وينبغي أن تكون بعد الآية 86(ألم يروا...)
كيف أراناالله تلك الآية (الكيفية) بطريقة حكيمة لا تتصادم مع إدراك العقول المعاصرة لنزول القرآن؟
بين الله لنا ذلك بأسلوب لطيف هو أسلوب اللف والنشر بحيث أتى بآية تتكلم عن الحياة الدنيا وعطف عليها آية تتكلم عن الحياة الآخرة ثم أتى بعد ذلك بآيتين ترجع كل آية إلى الآية المتقدمة (الأولى ترجع إلى الأولى، والثانية ترجع إلى الثانية) كما يلي:
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87).
ثم جاء بآيتين ترجع كل واحدة منها على آية متقدمة، فقال :
وتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ89.
فالآية 88 ترجع إلى الآية 86 ، والآية 89 ترجع إلى الآية 87، كما يلي : :
1) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) = (1) وتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88).
2 وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) = 2) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ89.
إذن فالآية التي تبين لنا كيفية جعل الليل سكنا والنهار مبصرا هي الآية 88 حيث يقول تعالى : وتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ...)
يشبه الله تعالى مرور الجبال بمرور السحاب ، والسحاب يرى للمشاهد وهو يتحرك في جو السماء ، لو كانت الجبال ستنتق من جذورها وتسير في السماء مثل السحاب فكيف يحسب المشاهد أن الجبال جامدة (لم تتحرك من مكانها) !!
إذن فالتشبيه في هذه الحالة لم يتحقق لأنه تشبيه حركة الجبال (التي لا تدرك للمشاهد) بحركة السحاب (المدركة للمشاهد) وليس تشبيه مرور الجبال بمرور السحاب.
إذا أردنا معرفة وجه الشبه بين مرور السحاب ومرور الجبال فإن للمرور اتجاه ، ووحدة الاتجاه هي التي تحقق التشبيه،
فوجه الشبه بين مرور الجبال ومرور السحاب ينبغي أن يكون متمثلا في وحدة الاتجاه، فإذا كان السحاب في عمومه يمر من الغرب إلى الشرق فإن تشبيه مرور الجبال لا يتحقق إلا إذا كانت الجبال تسلك نفس الاتجاه: تمر من الغرب إلى الشرق.
ولا يحسب المشاهد الجبال جامدة (ثابتة في مكانها ) إلا إذا كانت الأرض هي التي تدور حول نفسها من الغرب إلى الشرق.
واختيار فعل (تمر) يفيد الاستمرار والتكرار ، وهذا هو حال الأرض دائمة (مستمرة) الدوران. أما عن الجبال يوم تقوم الساعة فإن الله تعالى لم يقل (تمر الجبال مرورا) وإنما قال : تسير الجبال سيرا.
إذن فالآية 88 من سورة النمل تتكلم عن دوران الأرض حول نفسها ، فهي الكيفية التي جعل الله بها الليل سكنا والنهار مبصرا، لقدأراهم الله تلك الآية وأراها لنا في القرآن، وهي آية في الآفاق تتجلى فيها عظمة حكمة الله وإتقانه لصنعته، فالشيء المتقن بإحكام لا يمكن إلا أن يكون من تدبير عزيز حكيم ، ومهما كانت صنعة الإنسان متقنة إلا أنها لا تصل إلى درجة الكمال، فالساعة التي اخترعها الإنسان لضبط الوقت لا بد أن تخطئ بعد سنة أو بعد عشرات السنين بزيادة أو بتأخير، أما ساعة الله فإنها منذ ملايين السنين لا يأتيها الخطأ : نسبة الخطأ تساوي صفرا، فالأرض تدور حول نفسها دورة كاملة كل 23 ساعة و56 دقيقة و4 ثوان، فلو تباطأ دورانها بمقدار ثانية واحدة في اليوم (أي بنسبة 0.001 %) لأصبح طول اليوم بعد 10 سنين 25 ساعة ، وبعد 100 سنة يصبح طول اليوم 34 ساعة تقريبا، وبعد1000 سنة يصير طول اليوم 124 ساعة.
إذن فهو إدراك لصنعة الله المتقنة حق أن ينبه الله عليه بقوله : (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ).
وإذا كنت قد ضربت الساعة البشرية التي صنعها الإنسان مثلا لضبط سرعة دوران الأرض بإتقان فلأن ذلك هو المثل الأعلى لحساب الزمن عند الإنسان، والله تعالى ضرب للناس في القرآن من كل شيء مثلا ،
وحياتنا الدنيا فعلا هي عبارة عن ساعة مركزها الشمس ، وقوة التجاذب بين الشمس من جهة وبين الأرض والقمر من جهة أخرى مثل عقربي الساعة المثبتين في المركز (الشمس)، وكما أن أحد عقارب الساعة لحساب الساعات والآخر لحساب الدقائق ، كذلك فإن دوران الأرض حول الشمس لحساب السنين، ودوران القمر حول الأرض لحساب الشهور.وكما أن للساعة عقرب لحساب الثواني كذلك تدور الأرض حول نفسها لحساب الأيام.
السنة هي دورة واحدة للأرض حول الشمس تقطعها في 12 شهرا ، كما يدور عقرب الساعة دورة كاملة مرورا بأرقام الساعات من 1 إلى 12 في ساعة اليد أو ساعة الحائط.
إذن فنظام حياتنا الدنيا على الأرض أشبه ما يكون بالساعة ، إنها ساعة تجري لأجل مسمى ، فنحن كالعمال الذين يكدحون إلى أن تدق الساعة معلنة انتهاء الدوام.
إذن فمن الحكمة أن يعبر عن انتهاء الحياة الدنيا ب (إتيان الساعة) ، ثم يوم تبدأ الحياة الآخرة سيخلق الله ساعة أخرى أبدية ليست الشمس مركزا لها.
ماذا عن قول الله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).؟
هل جريان الشمس لمستقر لها يعني أنها تسير في الفضاء إلى أن تستقر في مكان هو منتهاها ومستقرها؟
الشمس بحكم أنها كرة فإن دورانها حول نفسها يعتبر جريا، فعجلة السيارة تجري فتسير السيارة، ويمكن أن تجري العجلة في مكانها إذا رفعت السيارة بآلة ثم أدرت المحرك، والمروحة الكهربائية تجري (تدور) إذا وصلت بالكهرباء، كذلك كل شيء دائري أو كروي ينتج نفس الحركة (الجري) سواء دحرجته على الأرض أو دار في مكانه.
ماذا عن المستقر؟
المستقر هو المنتهى ، وقد يراد به المكان أو يراد به الزمان ، .
يطلق المستقر ويراد به زمن معلوم ، مثلا : تبرمج مروحة كهربائية فتؤقتها لتشتغل مدة 60 دقيقة ثم تتوقف أوتوماتيكيا ، في هذه الحالة يقال عن المروحة الكهربائية: إنها تجري لمستقر لها، أي تجري لأجل مسمى.
لنأخذ أمثلة لكلمة (مستقر) من القرآن الكريم.
قال تعالى : لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
المستقر هنا أريد به الزمان، أي أن لكل نبإ أجل مسمى = زمن معلوم يتحقق فيه واقعا.
إذن فالمستقر في قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) هو مستقر زمني معلوم فسرته آية أخرى بأنه أجل مسمى وذلك في قوله تعالى : وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ.

وهكذا نستخلص أن : تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا = يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى .

وأود أن أختم المقال بملاحظة هامة جديرة بالتدبر وهي ما ختم الله بها سورة النمل بقوله : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

لو كان تفسير السلف الذين عاصروا التنزيل للآية 88 من سورة النمل هو التأويل وأن الجبال التي تمر مر السحاب سيكون ذلك عند قيام الساعة لقال الله (كذلك يريكم الله آياته) بدلا من (سيريكم) ، لكن الله أتى بفعل (سيريكم) لنستدل به أن تأويل هذه الآية 88 وكل آيات سورة النمل التي ضربها الله أمثالا لأحداث المستقبل سيظل تأويلها غيبا إلى أجل مسمى.
 
توجيه مؤصّل لابن عاشور رحمه الله

توجيه مؤصّل لابن عاشور رحمه الله



أميل إلى القول الثاني وفاقاً لجمع من العلماء على رأسهم العلامة ابن عاشور فقد أعجبني تفسيره.

قال الطاهر ابن عاشور – رحمه الله تعالى – في التحرير والتنوير :

((...فإن الناس كانوا يحسبون أن الشمس تدور حول الأرض فينشأ من دورانها نظام الليل والنهار، ويحسبون الأرض ساكنة. واهتدى بعض علماء اليونان إلى أن الأرض هي التي تدور حول الشمس في كل يوم وليلة دورة تتكون منها ظلمة نصف الكرة الأرضي تقريباً وضياء النصف الآخر وذلك ما يعبر عنه بالليل والنهار، ولكنها كانت نظرية مرموقة بالنقد وإنما كان الدال عليها قاعدة أن الجرم الأصغر أولى بالتحرك حول الجرم الأكبر المرتبط بسيره وهي علة إقناعية لأن الحركة مختلفة المدارات فلا مانع من أن يكون المتحرك الأصغر حول الأكبر في رأي العين وضبط الحساب وما تحققت هذه النظرية إلا في القرن السابع عشر بواسطة الرياضي (غاليلي) الإيطالي.

والقرآن يدمج في ضمن دلائله الجمة وعقب دليل تكوين النور والظملة دليلاً رمز إليه رمزاً، فلم يتناوله المفسرون أو تسمع لهم ركزاً.

وإنما ناط دلالة تحرك الأرض بتحرك الجبال منها لأن الجبال هي الأجزاء الناتئة من الكرة الأرضية فظهور تحرك ظلالها متناقصة قبل الزوال إلى منتهى نقصها، ثم آخذة في الزيادة بعد الزوال. ومشاهدة تحرك تلك الظلال تحركاً يحاكي دبيب النمل أشد وضوحاً للراصد، وكذلك ظهور تحرك قممها أمام قرص الشمس في الصباح والماء أظهر مع كون الشمس ثابتة في مقرها بحسب أرصاد البروج والأنواء.
ولهذا الاعتبار غير أسلوب الاستدلال الذي في قوله تعالى: { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه }

[النمل: 86] فجعل هنا بطريق الخطاب { وترى الجبال }. والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تعليماً له لمعنى يدرك هو كنهه ولذلك خص الخطاب به ولم يعمم كما عمم قوله: { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه }
[النمل: 86] في هذا الخطاب، وادخاراً لعلماء أمته الذين يأتون في وقت ظهور هذه الحقيقة الدقيقة. فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على هذا السر العجيب في نظام الأرض كما أطلع إبراهيم عليه السلام على كيفية إحياء الموتى، اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعلم ذلك في وقته وائتمنه على علمه بهذا السر العجيب في قرآنه ولم يأمره بتبليغه إذ لا يتعلق بعلمه للناس مصلحة حنيئذ حتى إذا كشف العلم عنه من نقابه وجد أهل القرآن ذلك حقاً في كتابه فاستلوا سيف الحجة به وكان في قرابة.

وهذا التأويل للآية هو الذي يساعد قوله { وترى الجبال } المقتضي أن الرائي يراها في هيئة الساكنة، وقوله { تحسبها جامدة } إذ هذا التأويل بمعنى الجامدة هو الذي يناسب حالة الجبال إذ لا تكون الجبال ذائبة.

وقوله { وهي تمرّ } الذي هو بمعنى السير { مرّ السحاب } أي مرا واضحاً لكنه لا يبين من أول وهلة. وقوله بعد ذلك كله { صنع الله الذي أتقن كل شيء } المقتضي أنه اعتبار بحالة نظامها المألوف لا بحالة انخرام النظام لأن خرم النظام لا يناسب وصفه بالصنع المتقن ولكنه يوصف بالأمر العظيم أو نحو ذلك من أحوال الآخرة التي لا تدخل تحت التصور.
و { مر السحاب } مصدر مبين لنوع مرور الجبال، أي مروراً تنتقل به من جهة إلى جهة مع أن الرائي يخالها ثابتة في مكانها كما يخال ناظر السحاب الذي يعم الأفق أنه مستقر وهو ينتقل من صوب إلى صوب ويمطر من مكان إلى آخر فلا يشعر به الناظر إلا وقد غاب عنه. وبهذا تعلم أن المر غير السير الذي في قوله تعالى: { ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة } [الكهف: 47] فإن ذلك في وقت اختلال نظام العالم الأرضي.

وانتصب قوله { صنع الله } على المصدرية مؤكداً لمضمون جملة { تمر مر السحاب } بتقدير: صنع الله ذلك صنعاً. وهذا تمجيد لهذا النظام العجيب إذ تتحرك الأجسام العظيمة مسافات شاسعة والناس يحسبونها قارة ثابتة وهي تتحرك بهم ولا يشعرون.Yالجامدة: الساكنة، قاله ابن عباس. وفي «الكشاف»: الجامدة من جمد في مكانه إذا لم يبرح، يعني أنه جمود مجازي، كثر استعمال هذا المجاز حتى ساوى الحقيقة والصنع. قال الراغب: إجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعاً قال تعالى: { ويصنع الفلك }[هود: 38] ، { وعلمناه صنعة لبوس لكم } [الأنبياء: 80] يقال للحاذق المجيد: صنع، وللحاذقة المجيدة: صنّاع. اهـ. وقصر في تفسير الصنع الجوهري وصاحب «اللسان» وصاحب «القاموس» واستدركه في «تاج العروس».

قلت: وأما قولهم: بئس ما صنعت، فهو على معنى التخطئة لمن ظن أنه فعل فعلاً.
حسناً ولم يتفطن لقبحه. فالصنع إذا أطلق انصرف للعمل الجيد النافع وإذا أريد غير ذلك وجب تقييده على أنه قليل أو تهكم أو مشاكلة.

واعلم أن الصنع يطلق على العمل المتقن في الخير أو الشر قال تعالى
{ تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر }
[طه: 69]، ووصف الله بـ { الذي أتقن كل شيء } تعميم قصد به التذييل، أي ما هذا الصنع العجيب إلا مماثلاً لأمثاله من الصنائع الإلهية الدقيقة الصنع. وهذا يقتضي أن تسيير الجبال نظام متقن، وأنه من نوع التكوين والخلق واستدامة النظام وليس من نوع الخرم والتفكيك.

وجملة { إنه خبير بما تفعلون } تذييل أو اعتراض في آخر الكلام للتذكير والوعظ والتحذير، عقب قوله { الذي أتقن كل شيء } لأن إتقان الصنع أثر من آثار سعة العلم فالذي بعلمه أتقن كل شيء هو خبير بما يفعل الخلق فليحذروا أن يخالفوا عن أمره.

ثم جيء لتفصيل هذا بقوله: { من جاء بالحسنة }
[النمل: 89] الآية فكان من التخلص والعود إلى ما يحصل يوم ينفخ في الصور، ومن جعلوا أمر الجبال من أحداث يوم الحشر جعلوا جملة { إنه خبير بما تفعلون } استئنافاً بيانياً لجواب سائل: فماذا يكون بعد النفخ والفزع والحضور بين يدي الله وتسيير الجبال، فأجيب جواباً إجمالياً بأن الله عليم بأفعال الناس ثم فصل بقوله: { من جاء بالحسنة فله خير منها.. }
[النمل: 89] الآية.))

انتهى كلامه رحمه الله.
 
إضافة على ما نقله د عمر المقبل عن العلامة ابن عثيمين فقد رأيت الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ يذكر هذا القول ـ أعني القول بأن ما ذكر في الآية يكون في الدنيا ـ ويشدد في الرد عليه في مواضع من تفسيره، ولعلي أضع بعض المواضع بعد أن أرجع لتفسيره لكنني أذكر أنه تكلم عنه في تفسير سورة الكهف وغيرها.
 
نعم وجدت الموضع الذي ذكره ابن عثيمين في سورة الكهف آية 47 ( ويوم نسير الجبال ) الآية. ص 80ـ81 حيث رد على من قال بأن هذه الآية تعني دوران الأرض . ولعلي أتمكن من نقل كلامه فيما بعد.
 
الأخوة الفضلاء
قرأت المداخلات وتداخلها ، فرأيت أن أشارك برأي أسأل الله تعالى أن يلهمني فيه الصواب .
وهو معتمد على النظر للسياق ، والنظر للسياق يجب أن يشمل النظر لسياق السورة وما اشتملت عليه ، وسياق القصة التي وردت فيها الآية وترابط آياتها ، وسياق الآية نفسها والتعبير فيها .
وبالتأمل في هذه المراتب المهمة نجد أنها تقربنا إلى الصواب بإذن الله تعالى - والله أعلم
فسياق السورة فيه تسلية وتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وتنويه بما أوتيه من معجزة باهرة وهي القرآن ، ولذلك قال في أولها ( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ) وقال في وسطها ( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ) ، وقال في آخرها ( وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فلنفسه ..) ونجد أن الله تعالى عرض لنبيه تعالى قصص نبيين من أنبيائه وذكر ماأيدهم به من المعجزات الباهرة الدالة على قدرته على تغيير الأحوال عن طبيعتها ، فموسى أويد بالعصا وانقلابه ثعباناَ ، وإدخال يده في جيبه وخروجها بيضاء من غير سوء ، وسليمان أويد بمعجزة تسخير الدواب له وفهم منطقها ، والجن وأعمالها ، وقدرة الله في الإتيان بعرش بلقيس ولهذا قال سليمان ( هذا من فضل ربي ) ، وجميع هذه الآيات آيات باهرة فيها إظهار قدرة لله تعالى . فكان تأييد النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن حجة باهرة لقومه ، وأوتي حجة أخرى دالة على قدرة الله تعالى وهي معجزة الآيات العظيمة في الكون ولهذا قال تعالى ( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ....) ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ...) وقال في آخر السورة ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها )) ، وما أعظم مناسبة ذكر هذه الآيات العجيبه في مقابل ذكر الآيات التي أوتيها سليمان . ولو تأملنا في جميع الآيات للأنبياء فإننا نجد أنها تركز على جانب قدرة الله في تغير الأحوال عن طبيعتها الظاهرة للبشر كما ذكرت ، وكل ذلك من تأييد الله للأنبياء وتثبيتهم في دعوتهم ، ولعل جعل الجبال وتحركها آية لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى مخاطباَ رسوله ابتداءَ ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) وإن كانت الآية عامة لمن بعده للإتيان بفعل المضارعة (ترى) ؛ دال على كمال معجزة القرآن في تضمنه معجزات علمية باهرة سيريها الله الناس من بعد محمد ولهذا قال في آخر السورة ( سيريكم آياته فتعرفونها )
وإذا نظرنا إلى سياق القصة أو المقطع الذي وردت فيه الآية فإننا نجد الآيات تتحدث عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وتأييده بالآيات في مقابل تكذيب المشركين وعنادهم من قوله ( قل الحمد لله وسلم على عباده ... آلله خير أما يشركون ) إلى آخر السورة بعد ذكر قصص الأنبياء تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال في آخرها ( فتوكل على الله إنك على الحق المبين ) ثم هددهم بوقوع العذاب يوم القيامة ، ثم رجع لى خطابهم مظهراَ َ قدرته تعالى ببعثهم الذي كذبوه من قبل في قولهم (أءذا كنا تراباَ وآباؤنا أئنا لمخرجون ) ولهذا قال ( حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماَ ) ، ثم ذكرهم بقدرته ممتناَ عليهم بآياته الكونية من أمور الدنيا بقوله ( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ) ثم قال بعد آية النفخ مخاطبة نبيه صلى الله عليه وسلم ابتداءَ بقوله ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ...) وتخللت الآيتين آيةُ النفخ وهي قوله (( ويوم ينفخ في الصور ..) لتدل على معنى مقصود - والله أعلم - في الآية بعدها وهي آية الجبال ، والمعنى هو أنه تعالى إذا كان قادراَ على هذا الصنع العجيب فهو قادر على بعثهم ، ومن هنا نستطيع القول - والله أعلم - أن الآية دالة على تغير أحوال الجبال في أهوال القيامة ، ولهذا قال بعدها ( من جاء بالحسنة فله خير منها ، وهم من فرع يومئذ آمنون ..) ، ثم تحول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة ..) في ختام للسورة متضمن موعظة المشركين ولهذا نص على قوله ( هذه البلدة التي حرمها ) .. والله أعلم
ومن هنا نخلص إلى أن الآية واردة في سياق قصة تأييد النبي صلى الله وسلم ومحاجة المشركين المكذبين ، وهي في أحوال الجبال وقدرة الله تعالى وكمال صنعه ،والمقصود هو إظهار قدرته عليهم وقدرته على البعث والجزاء بعده ولهذا ختم الآية بقوله ( إنه خبير بما تفعلون ) ولم يقل فعلتم .
وأما سياق الآية فألفاظها تدل على أن المقصود - والله أعلم - إظهار كمال صنع الخالق للجبال في الدنيا ولهذا عبّر بقوله ( وترى) بفعل المضارع وخطاب النبي وهو صلى الله عليه وسلم ابتداءَ ، وهو لن ير تغير الجبال في الآخرة ، ( تحسبها ) والناس في الآخرة لايحسبون الجبال بل يرونها عياناَ تسير عن مكانها، ( تمر ) والمرور يدل على تكرار بخلاف السير وهذا يدل على دوران الأرض . (صنع الله الذي أتقن ) وهذا أظهر في حال الدنيا . وختم الآية كما ذكرت موافق لذلك .
وعليه فيمكن القول بأن الآية تدل على القولين المذكورين ، الثاني نصاَ والأول تعريضاَ وإشارة .
والله أعلم .
 
ثم وقفت على جواب فيه تفصيل أكثر لشيخنا العثيمين ـ رحمه الله تعالى رحمة واسعة ـ حيث يقول ـ جواباً على السؤال التالي :
ما معنى قوله تعالى (وترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) وهل يستدل بهذه الآية على صحة القول بدوران الأرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لسؤال المرأة عن قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) فهذه الآية في يوم القيامة لأن الله ذكرها بعد ذكر النفخ في الصور وقال (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فالآية هذه في يوم القيامة بدليل ما قبلها وما بعدها وليست في الدنيا وقوله تحسبها جامدة أي ساكنة لا تتحرك ولكنها تمر مر السحاب لأنها تكون هباءً منثوراً يتطاير وأما الاستدلال بها على صحة دوران الأرض فليس كذلك هذا الاستدلال غير صحيح لما ذكرنا من أنها تكون يوم القيامة ومسألة دوران الأرض وعدم دورانها الخوض فيها في الواقع من فضول العلم لأنها ليست مسألة يتعين على العباد العلم بها ويتوقف صحة إيمانهم على ذلك ولو كانت هكذا لكان بيانها في القرآن والسنة بياناً ظاهراً لا خفاء فيه وحيث إن الأمر هكذا فإنه لا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في الخوض بذلك ولكن الشأن كل الشأن فيما يذكر من أن الأرض تدور وأن الشمس ثابتة وأن اختلاف الليل والنهار يكون بسبب دوران الأرض حول الشمس فإن هذا القول باطل يبطله ظاهر القرآن فإن ظاهر القرآن والسنة يدل على أن الذي يدور حول الأرض أو يدور على الأرض هي الشمس فإن الله يقول في القرآن الكريم (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فقال تجري فأضاف الجريان إليها وقال (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) فهنا أربعة أفعال كلها أضافها الله إلى الشمس إذا طلعت تزاور وإذا غربت تقرضهم هذه الأفعال الأربعة المضافة إلى الشمس ما الذي يقتضي صرفها عن ظاهرها وأن نقول إذا طلعت في رأي العين وتتزاور في رأي العين وإذا غربت في رأي العين وتقرضهم في رأي العين ما الذي يوجب لنا أن نحرف الآية عن ظاهرها إلى هذا المعنى سوى نظريات أو تقديرات قد لا تبلغ أن تكون نظرية لمجرد أوهام والله تعالى يقول (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ) والإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلاً وإذا كان يجهل حقيقة روحه التي بين جنبيه كما قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) فكيف يحاول أن يعرف هذا الكون الذي هو أعظم من خلقه كما قال الله تعالى (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فنحن نقول إن نظرية كون اختلاف الليل والنهار من أجل دوران الأرض على الشمس هذه النظرية باطلة لمخالفتها لظاهر القرآن الذي تكلم به الخالق سبحانه وتعالى وهو أعلم بخلقه وأعلم بما خلق فكيف نحرف كلام ربنا عن ظاهره من أجل مجرد نظريات اختلف فيها أيضاً أهل النظر فإنه لم يزل القول بأن الأرض ساكنة وأن الشمس تدور عليها لم يزل سائداً إلى هذه العصور المتأخرة ثم إننا نقول إن الله تعالى ذكر أنه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل والتكوير بمعنى التدوير وإذا كان كذلك فمن أين يأتي الليل والنهار إلا من الشمس وإذا كان لا يأتي الليل والنهار إلا من الشمس دل هذا على أن الذي يلتف حول الأرض هو الشمس لأنه يكون كذلك بالتكوير ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس (أتدري أين تذهب قال الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب فتسجد تحت العرش) إلى آخر الحديث وهذا دليل على أنها هي التي تتحرك نحو الأرض لقوله (أتدري أين تذهب) وفي الحديث المذكور قال (فإن أذن لها وإلا قيل ارجعي من حيث جئت فتخرج من مغربها) وهذا دليل على أنها هي التي تدور على الأرض وهذا الأمر هو الواجب على المؤمن اعتقاده عملاً بظاهر كلام ربه العليم بكل شيء دون النظر إلى هذه النظريات التالفة والتي سيدور الزمان عليها ويقبرها كما قبر نظريات أخرى بالية هذا ما نعتقده في هذه المسألة أما مسألة دوران الأرض فإننا كما قلنا أولاً ينبغي أن يعرض عنها لأنها من فضول العلم ولو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتاً أو نفياً لكان الله تعالى يبينها بياناً ظاهراً لكن الخطر كله أن نقول إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة وأن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دوران الأرض هذا هو الخطأ العظيم لأنه مخالف لظاهر القرآن والسنة ونحن مؤمنون بالله ورسوله نعلم أن الله تعالى يتكلم عن علم وأنه لا يمكن أن يكون ظاهر كلامه خلاف الحق ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم كذلك عن علم ونعلم أنه أنصح الخلق وأفصح الخلق ولا يمكن أن يكون يأتي في أمته بكلام ظاهره خلاف ما يريده صلى الله عليه وسلم فعلينا في هذه الأمور العظيمة علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم إلا أن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علماً يقينياً بما يخالف ظاهر القرآن فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح ويمكن أن نقول إن القرآن يريد كذا وكذا مما يوافق الواقع المعين المحسوس الذي لا ينفرد فيه أحد وذلك لأن الدلالة القطعية لا يمكن أن تتعارض أي أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبداً إذ أنه لو تعارضا لأمكن رفع أحدهما بالآخر وإذا أمكن رفع أحدهما بالآخر لم يكونا قطعيين والمهم أنه يجب علينا في هذه المسألة أن نؤمن بأن الشمس تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار ليس بسبب دوران الأرض ولكنه بسبب دوران الشمس حول الأرض.

ـــــــــــــــــــــــ
من فتاوى نور على الدرب (النسخة الحاسوبية ،الصادرة عن مؤسسة ابن عثيمين الخيرية)
 
أحسن الله إليكم جميعاً ، ففي هذا الموضوع فوائد كثيرة نفع الله بكم ، ونفعنا جميعاً بعلم كتابه الكريم .
 
جزم ـ بل قال : لا أشك ـ فضيلة الدكتور عبدالعزيز الحربي في كتابه (وجه النهار) أن هذه الآية في الدنيا !!
 
حوار ممتع، استفدت منه. فجزاكم الله خيرا.

وأتساءل: ألا يمكن للآية أن تحتمل المعنيين في نفس الوقت؟ لماذا الإصرار على أنها إما أن تخص يوم القيامة أو الدنيا؟ فهل يوجد مانع من تعدد المعنى في مثل هذه الآيات؟
 
حوار ممتع، استفدت منه. فجزاكم الله خيرا.

وأتساءل: ألا يمكن للآية أن تحتمل المعنيين في نفس الوقت؟ لماذا الإصرار على أنها إما أن تخص يوم القيامة أو الدنيا؟ فهل يوجد مانع من تعدد المعنى في مثل هذه الآيات؟


سبق أن بيّن الدكتور محمد الربيعة احتمال الآية للقولين بقوله:

الأخوة الفضلاء
قرأت المداخلات وتداخلها ، فرأيت أن أشارك برأي أسأل الله تعالى أن يلهمني فيه الصواب .
وهو معتمد على النظر للسياق ، والنظر للسياق يجب أن يشمل النظر لسياق السورة وما اشتملت عليه ، وسياق القصة التي وردت فيها الآية وترابط آياتها ، وسياق الآية نفسها والتعبير فيها .
وبالتأمل في هذه المراتب المهمة نجد أنها تقربنا إلى الصواب بإذن الله تعالى - والله أعلم
فسياق السورة فيه تسلية وتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وتنويه بما أوتيه من معجزة باهرة وهي القرآن ، ولذلك قال في أولها ( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ) وقال في وسطها ( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ) ، وقال في آخرها ( وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فلنفسه ..) ونجد أن الله تعالى عرض لنبيه تعالى قصص نبيين من أنبيائه وذكر ماأيدهم به من المعجزات الباهرة الدالة على قدرته على تغيير الأحوال عن طبيعتها ، فموسى أويد بالعصا وانقلابه ثعباناَ ، وإدخال يده في جيبه وخروجها بيضاء من غير سوء ، وسليمان أويد بمعجزة تسخير الدواب له وفهم منطقها ، والجن وأعمالها ، وقدرة الله في الإتيان بعرش بلقيس ولهذا قال سليمان ( هذا من فضل ربي ) ، وجميع هذه الآيات آيات باهرة فيها إظهار قدرة لله تعالى . فكان تأييد النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن حجة باهرة لقومه ، وأوتي حجة أخرى دالة على قدرة الله تعالى وهي معجزة الآيات العظيمة في الكون ولهذا قال تعالى ( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ....) ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ...) وقال في آخر السورة ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها )) ، وما أعظم مناسبة ذكر هذه الآيات العجيبه في مقابل ذكر الآيات التي أوتيها سليمان . ولو تأملنا في جميع الآيات للأنبياء فإننا نجد أنها تركز على جانب قدرة الله في تغير الأحوال عن طبيعتها الظاهرة للبشر كما ذكرت ، وكل ذلك من تأييد الله للأنبياء وتثبيتهم في دعوتهم ، ولعل جعل الجبال وتحركها آية لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى مخاطباَ رسوله ابتداءَ ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) وإن كانت الآية عامة لمن بعده للإتيان بفعل المضارعة (ترى) ؛ دال على كمال معجزة القرآن في تضمنه معجزات علمية باهرة سيريها الله الناس من بعد محمد ولهذا قال في آخر السورة ( سيريكم آياته فتعرفونها )
وإذا نظرنا إلى سياق القصة أو المقطع الذي وردت فيه الآية فإننا نجد الآيات تتحدث عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وتأييده بالآيات في مقابل تكذيب المشركين وعنادهم من قوله ( قل الحمد لله وسلم على عباده ... آلله خير أما يشركون ) إلى آخر السورة بعد ذكر قصص الأنبياء تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال في آخرها ( فتوكل على الله إنك على الحق المبين ) ثم هددهم بوقوع العذاب يوم القيامة ، ثم رجع لى خطابهم مظهراَ َ قدرته تعالى ببعثهم الذي كذبوه من قبل في قولهم (أءذا كنا تراباَ وآباؤنا أئنا لمخرجون ) ولهذا قال ( حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماَ ) ، ثم ذكرهم بقدرته ممتناَ عليهم بآياته الكونية من أمور الدنيا بقوله ( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ) ثم قال بعد آية النفخ مخاطبة نبيه صلى الله عليه وسلم ابتداءَ بقوله ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ...) وتخللت الآيتين آيةُ النفخ وهي قوله (( ويوم ينفخ في الصور ..) لتدل على معنى مقصود - والله أعلم - في الآية بعدها وهي آية الجبال ، والمعنى هو أنه تعالى إذا كان قادراَ على هذا الصنع العجيب فهو قادر على بعثهم ، ومن هنا نستطيع القول - والله أعلم - أن الآية دالة على تغير أحوال الجبال في أهوال القيامة ، ولهذا قال بعدها ( من جاء بالحسنة فله خير منها ، وهم من فرع يومئذ آمنون ..) ، ثم تحول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة ..) في ختام للسورة متضمن موعظة المشركين ولهذا نص على قوله ( هذه البلدة التي حرمها ) .. والله أعلم
ومن هنا نخلص إلى أن الآية واردة في سياق قصة تأييد النبي صلى الله وسلم ومحاجة المشركين المكذبين ، وهي في أحوال الجبال وقدرة الله تعالى وكمال صنعه ،والمقصود هو إظهار قدرته عليهم وقدرته على البعث والجزاء بعده ولهذا ختم الآية بقوله ( إنه خبير بما تفعلون ) ولم يقل فعلتم .
وأما سياق الآية فألفاظها تدل على أن المقصود - والله أعلم - إظهار كمال صنع الخالق للجبال في الدنيا ولهذا عبّر بقوله ( وترى) بفعل المضارع وخطاب النبي وهو صلى الله عليه وسلم ابتداءَ ، وهو لن ير تغير الجبال في الآخرة ، ( تحسبها ) والناس في الآخرة لايحسبون الجبال بل يرونها عياناَ تسير عن مكانها، ( تمر ) والمرور يدل على تكرار بخلاف السير وهذا يدل على دوران الأرض . (صنع الله الذي أتقن ) وهذا أظهر في حال الدنيا . وختم الآية كما ذكرت موافق لذلك .
وعليه فيمكن القول بأن الآية تدل على القولين المذكورين ، الثاني نصاَ والأول تعريضاَ وإشارة .
والله أعلم .
 
نعم. ولذلك تساءلت: "هل يوجد مانع من تعدد المعنى في مثل هذه الآيات؟"، خصوصا إذا تعذر الترجيح بشكل جازم؟
 
ليس من حقي أن أحجر على أحد ولكن أقول رحم الله رجلا عرف قدر نفسه
هل بعد كلام الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - وهو من هو في علمه وتميزه من قول ، وهل بعد ما قال ابن عثيمين - رحمه الله - من كلام ، نعم التدبر مهم جدا لكلام الله تعالى لكن يبقى الفضل لأهل الفضل وكل منكم ينقل ما قاله السابقون ، أو يجتهد فهل وجد من نفسه أهلية الاجتهاد
أخشى أن يطول القول في هذا وكل يريد أن يظهر قوله من غير دليل قاطع وعندي أن تعلق الآية بالآخرة هو الحق والصواب والله أعلم
ومن باب المشاركة فقط من يقول الآخرة ليس فيها إلا اليقين فقط وقوله ( تحسبها ) لا يناسب تعليق الآية بالآخرة ماذا يقول في قوله تعالى ( وترى الناس سكرى وماهم بسكرى ) ؟
 
ليس من حقي أن أحجر على أحد ولكن أقول رحم الله رجلا عرف قدر نفسه
هل بعد كلام الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - وهو من هو في علمه وتميزه من قول ، وهل بعد ما قال ابن عثيمين - رحمه الله - من كلام ، نعم التدبر مهم جدا لكلام الله تعالى لكن يبقى الفضل لأهل الفضل وكل منكم ينقل ما قاله السابقون ، أو يجتهد فهل وجد من نفسه أهلية الاجتهاد
أخشى أن يطول القول في هذا وكل يريد أن يظهر قوله من غير دليل قاطع وعندي أن تعلق الآية بالآخرة هو الحق والصواب والله أعلم
ومن باب المشاركة فقط من يقول الآخرة ليس فيها إلا اليقين فقط وقوله ( تحسبها ) لا يناسب تعليق الآية بالآخرة ماذا يقول في قوله تعالى ( وترى الناس سكرى وماهم بسكرى ) ؟
الدكتور الفاضل
قولك ليس من حقي الحجر... هذا صحيح
وقولك رحم الله ..............هذا صحيح
وأما قولك : وهل بعد .......... وهل بعد ........فهذا ليس منطق علمي
ثم لماذا تجيز لنفسك ما لا تجيزه للآخرين؟
وقلت:وعندي أن تعلق الآية بالآخرة هو الحق والصواب والله أعلم .
فما هو دليلك القاطع وأنت ترى الاعتراضات على هذا القول واضحة جلية؟

أما عن آية سورة الحج فالجواب:

أقول هذا الاستدلال فيه نظر حيث إن الله أثبت أن الناس يتصرفون تصرف السكارى ، فهو لم ينف حقيقة ما هم عليه ، ولكنه نفى السبب المظنون وراء هذه الحقيقة وهو السكر وأثبت السبب الحقيقي وهو الهول والشدة والرعب.

أما المنفي في موضوع الجبال هو ما استقر في حس الإنسان من عدم حركة الجبال وهو يراها كذلك وسيبقى يراها كذلك ، ما لم تظهر له الأدوات التي يتمكن معها من معرفة الحقيقة وهى أن هذه الجبال تتحرك حركة غير ذاتيه بل هي تابعة لحركة الأرض.

ولو تفضلت بالنظر فيما كتبته حول الآية تحت هذا الرابط:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=15559
 
أخي محب القرآن الكريم : وفقك الله وسددك لكل خير
كل يرى الحق معه حتى أنت في ردك ، ولا أريد أن أنصح وأخالفكم ألى ما نصحت منه ولكن أقول : أتمني أن يصل المتحاورون إلى قول فصل في الموضوع وأن نجد ثمرة لما تقول عنه : ( المنهج العلمي )
الأمر الآخر : قولك : فما هو دليلك القاطع وأنت ترى الاعتراضات على هذا القول واضحة جلية؟
أقول لو رأيتها واضحة جلية كما قلت لما تكلمت ، ولو رأها غيري - وهم أعلم - كذلك لانتهى الأمر
نسأل الله أن يصلح منا الظاهر والباطن والله المستعان
 
أخي محب القرآن الكريم : وفقك الله وسددك لكل خير
كل يرى الحق معه حتى أنت في ردك ، ولا أريد أن أنصح وأخالفكم ألى ما نصحت منه ولكن أقول : أتمني أن يصل المتحاورون إلى قول فصل في الموضوع وأن نجد ثمرة لما تقول عنه : ( المنهج العلمي )
الأمر الآخر : قولك : فما هو دليلك القاطع وأنت ترى الاعتراضات على هذا القول واضحة جلية؟
أقول لو رأيتها واضحة جلية كما قلت لما تكلمت ، ولو رأها غيري - وهم أعلم - كذلك لانتهى الأمر
نسأل الله أن يصلح منا الظاهر والباطن والله المستعان

أخانا الفاضل فاضل حفظك الله ورعاك
أنت قلت في مشاركتك السابقة:

وكل يريد أن يظهر قوله من غير دليل قاطع وعندي أن تعلق الآية بالآخرة هو الحق والصواب والله أعلم
؟

فهل أنت من هؤلاء؟ أم عندك دليل قاطع؟

أما كونك لا ترى الاعتراضات فهذا أمر عجيب. ألا ترى ما كُتب؟

انظر فيما كتبت وكتب غيري وبين لنا أنه لا وجه لما قلناه أو ما أعترضنا به على حمل الآية على اليوم الآخر ، فإن رأينا حقاً قبلناه ودعونا لك بالتوفيق.

أما ثمرة المنهج العلمي فهو أن لا يسلم طالب العلم عقله للآخرين دون برهان ، ولو أن الشيخين الشنقيطي رحمه الله تعالى و بن عثمين رحمه الله قالا:وهل بعد قولا فلان وفلان لما كان هناك من حاجة إلى كثير مما كتبا واجتهدا فيه من المسائل.

وفق الله الجميع لكل خير
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
[align=right]
شكر الله لكم إخواني الكرام ..
ولكني أرى تعسفا في القول ، وجنوح للرأي يظهر جليا من بعض الأخوة الذين جزموا بأن الآية يراد بها الدنيا لا يوم القيامة ، كما اشار الأخ الشهري إلي مذهبهم ..
ولنستريح جميعا من هذا الجدل الذي صحب الحوار الجاد للمسألة ..
أولا : أن نفصل بين التفسير وبين الرؤى العلمية في مذهب أصحاب الاعجاز العلمي .
ثانيا : أن ننصر التفسير السلفي الذي ينبني على السياق ووردو الآيات - في أكثريتها العامة في القرآن - على المعنى المراد .
ثالثا : أن نتلمس معاني المفردات وتوجيهها توافقا مع الآية التي قبلها وليس ليا لمعناها للتوافق والرأي الآخر .
رابعا : أن الذين قالوا هذا في الدنيا رجحوه تماشيا واثبات ما قيل في الآية من اعجاز علمي ليس الا ..
وبيان ذلك في الآتي :
أنهم اغتروا بلفظة ( جامدة ) فقالوا أن معناها ثابتة في الأرض !! وبالتالي نفوا حصول هذا في الآخرة ..
ومن السهل جدا أن يقال لهم جامدة وهي في الهواء تسير ككتلة متطايرة .. وهذا قاله الأقدمين كما عند القرطبي في تفسيره قال (13/242) :
قال القشيرى:
وهذا يوم القيامة، أي هي لكثرتها كأنها جامدة أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب، والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهى تسير، أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شئ، فقال الله تعالى: " وسيرت الجبال فكانت سرابا "
ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الارض منها، وإبراز ما كانت تواريه،
فأول الصفات الاندكاك وذلك قبل الزلزلة،
[ الثانية ] ثم تصير كالعهن المنفوش، وذلك إذا صارت السماء كالمهل، وقد جمع الله بينهما فقال: " يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ".
والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تنقطع بعد أن كانت كالعهن.
والحالة الرابعة أن تنسف لانها مع الاحوال المتقدمة قارة في مواضعها والارض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها.
والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الارض فتظهرها شعاعا في الهواء كأنها غبار، فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة، وهى بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة.
والحالة السادسة أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب .
انتهى من القطربي
ومن تتبع هذا الكلام وعلم أحوال الجبال يوم القيامة فسر الآية به .. ليقطع الخلاف الدائر .
وتعلقهم بقوله ( صنع الله ) ليس لهم فيه متعلق إذ الصنع المراد توجه النظر اليه هو الذي لا يقدر عليه بشر ، وأحوال القيامة وما فيها من أهوال وتغير كبير في النظام الكوني لا يكون الا من أعظم الصنعة ..
بل القرآن كثيرا ما يثبت القدرة على الآخرة والقيامة باثبات الصنعة واحكامها ..
وكذا تعلقهم بقوله ( تحسبها ) ورد الأخ الفاضل عليهم بقوله ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) وهو استدلال صحيح ، ومن رد عليه مخطئا استدلاله بالآية لم يصب .. لأن من مراد الآية أن ما تراه العين ساعتئذ غير معهود للخلق لما هم فيه من حيرة وذهول ، وبالتالي فالآيتان فيهما نفس المعنى المراد ..
ومن تأمل سياق الآيتين المتتاليتين ( ويوم ينفخ في الصور ) ( وترى الجبال ) يجدهما متتاليتان مترابطتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى ..
وليس معنى أن هناك آيات عن الدنيا في هذه المجموعة أن هذه الآية ليست في الآخرة ..
فالترابط بينهما قوي ..
ويوم ينفخ في الصور .. وترى الجبال .. أي في هذا اليوم ..
فمن فصل بين الآيتين فقد فصل بدون وجه حق .. والاعتراضات على أن الآية يوم القيامة اعتراضات عقلية يردها السياق والترابط بين الآيتين ..
وهذا إذا فهمت ألفاظ الآية فهما صحيحا فلا يتخيل معنى ( جامدة ) أي أنها ثابتة على الأرض بنظرنا لها في الدنيا .. وما نقلناه من القرطبي يبين أحوال الجبال يوم القيامة وأنها تسير سير السحاب وتكون كالعهن المنفوش ( أي ككتلة من الصوف ) وأنها تنسف نسفا وتتطاير في الهواء الخ
وأمر آخر يبطل القول بأن الآية يراد بها الدنيا :
وهو مرور الجبال حقيقة مر السحاب في الدنيا ..
فهل الجبال تمر بسرعة الرياح التي تحمل السحاب ؟
وهل تنتقل الجبال بهذا المرور ؟

قد يكون ما جاء في النظريات العلمية من أن ذرات الجبال تتحرك داخليا ، صحيحا ..
ولكن إلى أي مدى يظهر لنا تحركها ؟ وهل يوازي أو يقرب من تحرك السحاب الذي يطوف من قارة إلى أخرى أو من بلد الى آخر في اليوم الواحد ؟

فالأصل أن تفسر الآية بارتباطها مع الآية التي قبلها كوحدة ظاهرة التلاحم والترابط ..
وكذا لا يشوش عليها بنظرية علمية قابلة للقبول والرفض ..

الأمر الأخير : أن اثبات دوران الأرض من هذه الآية غير مراد ، وهو صريح وواضح في آيات كثيرة أخرى غير هذه
، فلماذا نلوي معنى هذه الآية ليتوافق والمراد ؟
ومن تأمل الخطاب القرآني ساعة نزوله ، فهل فهم الصحابة والسلف من هذه الآية أن الناظر الى الجبال - وهو يراها جامدة يقينا - أنها تتحرك وتمر مر السحاب ؟
لو كان هذا الفهم مراد من الآية لقال به الصحابة والتابعين ومن تبعهم ، إذ لا يخفى المعنى مع ظهوره على من يسمعه ساعتئذ ..
فاذا لم يفهم هذا الجيل هذا المعنى المدعى وصرحوا بخلافه ، فهو باطل في نفسه ، لأنه من الوضوح بمكان ..
والحمل على المعنيين ، قد يكون صحيحا ولكن على أن تفسر الآية بتفسيرها الصحيح الظاهر ثم يقال مثلا :
ويؤخذ من الآية جواز تحرك الجبال في الدنيا أيضا لعدم وجود المانع وإن كان تفسيرها بيوم القيامة هو الصحيح ، وكذا يؤخذ منها دوران الأرض لثبوت هذا علميا بالتجربة والبرهان والمشاهدة .. الخ
أما أن الآية تفسر بحصول ذلك في الدنيا والآخرة !! فهذا من الخلط الواضح ..
فالتفسير للآية شيء ، وجواز أخذ الفوائد منها شيء آخر ..
والله أعلى وأعلم ..[/align]
 
عودة
أعلى