كيف أحقق التوحيد ، وما هو الجزاء الموعود ؟ السؤال:
كيف يمكن للعبد أن يحقق التوحيد لله تعالى ؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فقد سألتَ ـ وفقك الله ـ عن أمر عظيم ،
وإنه ليسير على من يسره الله عليه ،
نسأل الله أن ييسر لنا ولإخواننا المسلمين كل خير .
اعلم أن تحقيق التوحيد
إنما يكون بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ،
وشهادة أن محمداً رسول الله
وهذا التحقيق له درجتان :
( درجة واجبة ، ودرجة مستحبة )
فالدرجة الواجبة تتحقق بثلاثة أمور :
1) ترك الشرك بجميع أنواعه الأكبر والأصغر والخفي . 2) ترك البدع بأنواعها . 3) ترك المعاصي بأنواعها .
والدرجة المستحبة وهي التي يتفاضل فيها الناس
ويتفاوتون تفاوتاً عظيماً وهي :
أن لا يكون في القلب شيء من التوجه لغير الله أو التعلق بسواه ؛
فيكون القلب متوجهاً بكليته إلى الله
ليس فيه التفات لسواه ،
نطقه لله ، و فعله وعمله لله ،
بل وحركة قلبه لله جل جلاله ،
وهذه الدرجة يعبر بعض أهل العلم عنها بأنها :
ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس ،
وذلك يشمل أعمال القلوب واللسان والجوارح .
ولابد لتحقيق هاتين الدرجتين من أمور : أولها : العلم ،
وإلا فكيف يحقق التوحيد ويعمل به من لا يعرفه ويفهمه ، فواجب على كل مكلف أن يتعلم من توحيد الله ما يُصَحِّحُ به معتقده وقوله وعمله ، ثم ما زاد فهو فضلٌ وخيرٌ.
ثانيها : التصديق الجازم واليقين الراسخ
بما ورد عن الله وعن نبيه صلى الله عليه وسلم من أخبار ، وأقوال .
ثالثها : الانقياد والامتثال لأوامر الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم
بفعل المأمورات ، و ترك المحظورات والمنهيات .
وكلما كان الإنسان أكثر تحقيقاً لهذه الأمور
كان توحيده أعظم وثوابه أكبر .
وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم
أن من حقق الدرجة العليا من التوحيد
فهو موعود بأن يكون مع السبعين ألفاً
الذين يدخلون الجنة بغير حساب ـ نسأل الله من فضله ـ ففي صحيح البخاري (5705)
ومسلم (220)
عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ
وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ
وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ
إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي
فَقِيلَ لِي هَذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ
قوله : ( لَا يَسْتَرْقُونَ ) أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم .
وإن كان طلب الرقية جائزاً لكنه خلاف الأولى والأفضل .
وقوله :( وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ) أي لا يقعون في التشاؤم بالطير
أو بغيرها مما يتشاءم منه الناس
فيتركون بعض ما عزموا على فعله بسبب هذا التشاؤم .
والتشاؤم محرم وهو من الشرك الأصغر .
وقوله :(وَلَا يَكْتَوُونَ ) فيتركون الاكتواء بالنار في علاج أمراضهم
ولو ثبت لهم نفعه لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم له .
ولأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار .
فالصفة المشتركة في هذه الصفات الثلاثة أن أصحابها
( على ربهم يتوكلون )
أي حققوا أكمل درجات التوكل وأعلاها ،
فلم يعد في قلوبهم أدنى التفات للأسباب ،
ولا تعلق بها بل تعلقهم بربهم وحده سبحانه .
والتوكل هو جماع الإيمان كما قال سعيد بن حبيب ،
بل هو الغاية القصوى كما يقول وهب بن منبه رحمه الله .
وتجد في السؤال رقم ( 4203 )
مزيدا من الكلام على هذا الحديث فراجعه لأهميته .
والله أعلم وأحكم .
وبعد : فليس تحقيق التوحيد بالتمني ،ولا بالتحلي ،
ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق ،
وإنما بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان ،
وحقائق الإحسان؛
وصدقته الأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة الجليلة . فعلى المسلم أن يبادر لحظات العمر ،
ويسابق ساعات الزمن في المبادرة إلى الخيرات ،
والمنافسة في الطاعات ،
وليستهون الصعب ،
وليستلذ الألم ،
فإن سلعة الله غالية .
إن سلعة الله الجنة . ينظر ( القول السديد على مقاصد كتاب التوحيد
للشيخ عبد الرحمن السعدي ـ
رحمه الله ـ20-23 )
معرفة أحوال الطقس هل تدخل في التنجيم أو ادعاء علم الغيب ؟
هناك بعض مواقع أحوال الطقس على الإنترنت تعرض أحوال الطقس المتوقعة مابين 5-10 أيام فهل يجوز لي مشاهدتها ؟ أنا سألت هذا السؤال لأنني أخاف أنهم يدعون علم الغيب أو ينجمون وأنه يحرم علي مشاهدتها .
الحمد لله
معرفة أحوال الطقس لا تدخل في التنجيم أو ادعاء علم الغيب ، وإنما تبنى على أمور حسية وتجارب ، ونظر في سنن الله الكونية . وكذلك معرفة أوقات الكسوف والخسوف ، أو توقع هبوب الرياح ، أو نزول الأمطار .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
" قد يعرف وقت خسوف القمر وكسوف الشمس عن طريق حساب سير الكواكب ، ويعرف به كذلك كون ذلك كليا أو جزئيا ، ولا غرابة في ذلك ؛ لأنه ليس من الأمور الغيبية بالنسبة لكل أحد ، بل غيبي بالنسبة لمن لا يعرف علم حساب سير الكواكب ، وليس بغيبي بالنسبة لمن يعرف ذلك العلم ، ولا ينافي ذلك كون الكسوف أو الخسوف آية من آيات الله تعالى التي يخوف بها عباده ليرجعوا إلى ربهم ويستقيموا على طاعته "
وجاء فيها أيضاً :
" معرفة الطقس أو توقع هبوب رياح أو عواصف أو توقع نشوء سحاب أو نزول مطر في جهة مبني على معرفة سنن الله الكونية، فقد يحصل ظن لا علم لمن كان لديه خبرة بهذه السنن عن طريق نظريات علمية أو تجارب عادية عامة فيتوقع ذلك ويخبر به عن ظن لا علم فيصيب تارة ويخطئ أخرى "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وليس من الكهانة في شيء من يخبر عن أمور تدرك بالحساب ؛ فإن الأمور التي تدرك بالحساب ليست من الكهانة في شيء ، كما لو أخبر عن كسوف الشمس أو خسوف القمر ؛ فهذا ليس من الكهانة لأنه يدرك بالحساب ،
وكما لو أخبر أن الشمس تغرب في 20من برج الميزان مثلا في الساعة كذا و كذا ؛ فهذا ليس من علم الغيب ، لأنه من الأمور التي تدرك بالحساب ؛ فكل شيء يدرك بالحساب ، فإن الإخبار عنه ولو كان مستقبلا لا يعتبر من علم الغيب ، ولا من الكهانة .
وهل من الكهانة ما يخبر به الآن من أحوال الطقس في خلال أربع وعشرين ساعة أو ما أشبه ذلك ؟
الجواب : لا ؛ لأنه أيضا يستند إلى أمور حسية ، وهي تكيف الجو ؛ لأن الجو يتكيف على صفة معينة تعرف بالموازين الدقيقة عندهم ؛ فيكون صالحا لأن يمطر ، أو لا يمطر ،
ونظير ذلك في العلم البدائي إذا رأينا تجمع الغيوم والرعد والبرق وثقل السحاب ، نقول : يوشك أن ينزل المطر .
فالمهم أن ما استند إلى شيء محسوس ؛ فليس من علم الغيب ،
وإن كان بعض العامة يظنون أن هذه الأمور من علم الغيب ، ويقولون : إن التصديق بها تصديق بالكهانة .
" انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد".
وينظر : "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/424) فيما يتعلق بمعرفة أهل التقاويم والحساب لأوقات الكسوف والخسوف ، وأول الربيع ، وأول الشتاء ونحو ذلك مما يعرف بالحساب ، ولا يدخل في علم الغيب .
السؤال :
لدي سؤال بخصوص الآية 68 ، والآية 69 من سورة الفرقان فهي بخصوص جريمة الشرك والزنا وعقوبتهما وما يترتب عليهما ، وفي سورة النساء آية 48 كان الشرك وحده هو الذي لا يغفر ، أرغب في توضيح هل هناك تعارض ؟ . فهي مقرونة بجريمة الزنا في سورة الفرقان ومرتبطة بالعقوبة ، أما في النساء فذكر العقوبة على جريمة الشرك فقط ، بينما باقي الذنوب فهي تحت مشيئة الله يغفر لمن يشاء .
الجواب :
الحمد لله
نسأل الله أن يعينك على طاعته ، وييسر لك أمر الدعوة إلى دينه . وبخصوص ما سألت عنه فلا إشكال فيه بحمد الله ، قال الله تعالى في سورة النساء : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء/ 48 .
فالذي جاء في سورة النساء هو في حق من مات على الشرك ولم يتب منه في الحياة الدنيا ، فمن لقي الله مشركا فهذا الذي لا يغفر الله له ؛ وهذه العقوبة : الحرمان من المغفرة الأبدية ، خاصة بهذه الجريمة : أن يموت مشركا بالله تعالى .
وأما الذي جاء في سورة الفرقان فهو في حق من أشرك بالله ، أو فعل الكبائر الموبقات ؛ فمن فعل من ذلك شيئا ، ثم تاب من ذلك قبل أن يدركه الموت ، تاب الله عليه ، وغفر ذنبه ؛ فهؤلاء ـ من وقع في الشرك ، أو في شيء من الكبائر المذكورة معه ـ شركاء في أمرين :
الأول : أن من فعل ذلك منهم ، فقد توعده الله بالعذاب في نار جهنم ، جزاء على ذنبه ، سواء كان ذنبه ذلك شركا أو غيره من الذنوب .
الثاني : أن من تاب منهم قبل موته ، تاب الله عليه ، وغفر له ذنبه بمنه وكرمه ؛ لأن الإسلام يجبّ ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها . وقال تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال/ 38 .
فتحصل مما ذكرناه أمور : الأول : أن من مات وهو يشرك بالله شيئا ، فقد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار .
الثاني : أن من تاب ، تاب الله عليه ، ولو كان مشركا ، أو فعل من الكبائر ما فعل .
الثالث : أن من مات من أهل الكبائر ، لم يشرك بالله شيئا ، فهو في مشيئة الله ، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ، غير أنه إن عذب ، فليس مخلدا في النار ، بل مآله إلى الجنة . روى البخاري (4810) ومسلم (122) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : "أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً ، فَنَزَلَ : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ) ،
قال الشوكاني رحمه الله : " لا خلاف بين المسلمين أن المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته ، وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " انتهى من "فتح القدير" (1 /717) .
وقال أيضا : " التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين " انتهى من "فتح القدير" (4 /667) . راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (31174) ، (34171) . والله تعالى أعلم .
ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟.
الحمد لله
وبعد : فمعنى شهادة أن لا إله إلا الله : نفي استحقاق العبادة عن كل ما سوى الله تعالى ، وإثباتها لله عز وجل وحده لا شريك له ،
قال الله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)
الحج/62 .
فـ ( لا إله ) تنفي جميع ما يعبد من دون الله و ( إلا الله ) تثبت جميع أنواع العبادة لله وحده . فمعناها : لا معبود حقٌّ إلا الله .
فكما أن الله تعالى ليس له شريك في ملكه ؛ فكذلك لا شريك له في عبادته سبحانه .
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هو التصديق الجازم من صميم القلب المواطئ لقول اللسان بأن محمدا عبده ورسوله إلى الخلق كافة إنسهم وجنِّهم ، فيجب تصديقه فيما أخبر به من أنباء ما قد سبق ، وأخبار ما سيأتي ، و فيما أحل من حلال ، وحرم من حرام ، والامتثال و الانقياد لما أمر به ، والانتهاء والكف عما نهى عنه ، واتباع شريعته، والتزام سنته في السر والجهر ، مع الرضا بما قضاه والتسليم له ، والعلم بأن طاعته هي طاعة الله و معصيته هي معصية الله ، لأنه مبلغ عن الله رسالته ، ولم يتوفه الله حتى أكمل به الدين ، وبلغ البلاغ المبين ،
فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته .
ولا يدخل العبد في الدين إلا بهاتين الشهادتين ، وهما متلازمتان ، ولذا فشروط شهادة ( لا إله إلا الله ) هي نفس شروط شهادة أن محمدا رسول الله ، وهي مذكورة بأدلتها في السؤال رقم (9104) و (12295) .
128172: الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام هي الإسلام
السؤال : دين إبراهيم عليه السلام هو الحنيفية.. ماذا تعني الحنيفية ؟ وهل يوجد أحد على دين إبراهيم إلى الآن ؟
الجواب: الحمد لله الحنيفية مذكورة في آيات عديدة في القرآن الكريم ،
يصف الله سبحانه وتعالى بها نبيه إبراهيم عليه السلام ،
ومن يقرآ الآيات يستطيع أن يعرف معنى الحنيفية الواردة فيها ،
ونحن نسوقها في جوابنا هنا
كي نشحذ ذهن القارئ لفهمها من سياقها :
فمن تأمل في الآيات السابقات
يدرك أن الحنيفية التي كان عليها سيدنا إبراهيم عليه السلام
هي دين التوحيد والاستسلام لله عز وجل ،
ونبذ الشرك والكفر وكل ما يعبد من دون الله ،
وهذا هو دين الأنبياء جميعهم ،
واعتقاد الرسل كلهم ،
لم يختلفوا فيما بينهم إلا في الشرائع والأحكام ،
أما الاعتقاد والإيمان بالله ،
فقد كانوا كلهم على التوحيد .
يقول القرطبي رحمه الله :
" ( حَنِيفاً ) مائلاً عن الأديان المكروهة إلى الحق دين إبراهيم ؛
وهو في موضع نصب على الحال ؛ قاله الزجاج .
أي : بل نتبع ملّة إبراهيم في هذه الحالة .
وسُمِّيَ إبراهيم حنيفاً لأنه حَنِف إلى دين الله ، وهو الإسلام .
والحَنَف : المَيْل ؛ ومنه رِجْلٌ حَنْفاء ،
ورَجُل أَحنف ،
وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها .
قالت أمّ الأَحْنَف :
واللَّهِ لولا حَنَفٌ بِرجْلِه ... ما كان في فِتيانكم مِن مِثلِه
وقال الشاعر :
إذا حوّل الظّل العشيّ رأيتَه ... حَنِيفاً وفي قَرْن الضحى يَتنصّرُ
أي : الحِرْباء تستقبل القِبْلة بالعشيّ ، والمَشْرِقَ بالغداة ، وهو قِبلة النصارى .
وقال قوم : الحَنَف : الاستقامة ؛
فسُمّيَ دين إبراهيم حنيفاً لاستقامته "
انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (1/358).
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" أي : مقبلا على الله ، معرضا عما سواه ،
قائما بالتوحيد ، تاركا للشرك والتنديد ،
فهذا الذي في اتباعه الهداية ،
وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/67)
ويقول العلامة ابن عاشور رحمه الله :
" المراد الميل في المذهب ،
أن الذي به حنف يميل في مشيه عن الطريق المعتاد ،
وإنما كان هذا مدحا للملة
لأن الناس يوم ظهور ملة إبراهيم
كانوا في ضلالة عمياء ،
فجاء دين إبراهيم مائلا عنهم ،
فلقب بالحنيف ،
ثم صار الحنيف لقب مدح بالغلبة .
وقد دلت هذه الآية
على أن الدين الإسلامي من إسلام إبراهيم " انتهى.
أفاد الاستدراك بعد نفي الضد حصرا لحال إبراهيم
فيما يوافق أصول الإسلام ،
ولذلك بيَّنَ ( حنيفا ) بقوله : ( مسلما )
لأنهم يعرفون معنى الحنيفية ،
ولا يؤمنون بالإسلام ،
فأعلمهم أن الإسلام هو الحنيفية ،
وقال : ( وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
فنفي عن إبراهيم موافقة اليهودية ،
وموافقة النصرانية ،
وموافقة المشركين ،
وإنه كان مسلما ، فثبتت موافقة الإسلام ،
وقد تقدم في سورة البقرة في مواضع
أن إبراهيم سأل أن يكون مسلما ، وأن الله أمره أن يكون مسلما ، وأنه كان حنيفا ، وأن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
هو الذي جاء به إبراهيم ،
هل صحيح أنه إذا كانت عائلة الشخص تؤمن أنه " لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله " فإن ذلك يكون كافياً لدخول المذكور الجنة ؟ .
الحمد لله
ليس الإسلام هو النطق بالشهادتين فقط ، بل لا بدَّ من تحقيق شروطٍ في هاتين الشهادتين حتى يكون الناطق بهما مسلماً حقّاً ، وأركان الإسلام : الاعتقاد والنطق والعمل .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - :
قوله ( من شهد أن لا إله إلا الله ) أي : من تكلم بها عارفاً لمعناها عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً ، فلابدَّ في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال الله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلاَّ الله ) .
وقوله ( إِلاَّ من شهد بالحق وهم يعلمون )
أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه : من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل : قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح : فغير نافع بالإجماع .
قال القرطبي في " المفهم على صحيح مسلم " :
" باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لابدَّ من استيقان القلب " هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان ، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده ، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق ، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح ، وهو باطل قطعاً ا.هـ
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا وهو قوله : ( من شهد ) فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق .
" فتح المجيد " ( ص 36 )
وشروط " شهادة أن لا إله إلا الله " سبعة شروط ، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها ؛ وهي على سبيل الإجمال :
الأول : العلم المنافي للجهل ، الثاني : اليقين المنافي للشك ، الثالث : القبول المنافي للرد ، الرابع : الانقيادُ المنافي للترك ، الخامس : الإخلاص المنافي للشرك ، السادس : الصدق المنافي للكذب ، السابع : المحبة المنافية لضدها ، وهو البغضاء .
وشروط " شهادة أن محمَّداً رسول الله " هي نفسها شروط " شهادة أن لا إله إلا الله " ، وهي مذكورة بأدلتها في جواب السؤالين ( 9104 ) و ( 12295 ) .
السؤال:
هل شهادة أن (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)
تشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ،
أم توحيد العبودية فقط ؟
لأنني قرأت في معنى ( أشهد أن لا إله إلا الله )
أنه ( لا معبود بحقٍ إلا الله ،
وإنني أُقر بأنني أثبت على عبادة الله وحده
وأتقي عبادة غيره ) ،
وهذا المعنى الذي أستحضره عند قولها عندما أريد أن أتوب ،
فهل شهادتي ناقصة ؛
لعدم استحضاري لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ،
مع أنني مؤمنٌ بهما ،
فهل تصح توبتي ؟
الجواب :
الحمد لله
كلمة الإخلاص ، وشهادة التوحيد هي أصل الدين ،
وعنوان النجاة ، وبرهان الفلاح ،
والتي ما خلق الجن والإنس إلا للقيام بها حق القيام .
وعلى المتلفظ بها أن يؤمن بذلك ويستحضره عند النطق بها ،
وأن يستقر ذلك في نفسه استقرارا تاما
غير مدخول ولا مشوش عليه ،
دون أدنى تكلف أو معاناة .
فحاجة النفس إلى التوحيد ومعرفته
أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب والنفس ،
وهي حاجة فطرية تلقائية ،
وإنما الواجب على المكلف
أن يسعى في تحقيق المعرفة وتحصيل العلم
الذي به تتحقق فيه شرائطها ،
وتنتفي عنه موانع الإخلاص والصدق فيها .
ولمعرفة شروط كلمة التوحيد عند التلفظ بها
يرجى مراجعة جواب السؤال
رقم : (9104) ،
ورقم : (12295) .
وأنواع التوحيد الثلاثة متلازمة ،
فمن أقر بواحد منها لزمه الإقرار بجميعها ،
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
" توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ويدل عليه ويوجبه ،
وتوحيد الأسماء والصفات : توحيد الربوبية يستلزمه ;
لأن من كان هو الخلاق الرزاق والمالك لكل شيء ,
فهو المستحق لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى ,
وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ,
لا شريك له , ولا شبيه له ,
ولا تدركه الأبصار وهو السميع العليم .
ومن أتقن أنواع التوحيد الثلاثة ,
وحفظها واستقام على معناها ,
علم أن الله هو الواحد حقا ,
وأنه هو المستحق للعبادة دون جميع خلقه ,
ومن ضيع واحدا منها أضاع الجميع فهي متلازمة ,
لا إسلام إلا بها جميعا "
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (1 / 38-39) .
وما دمت على إيمان بذلك كله ،
وعلى يقين منه ،
فليس في شهادتك نقص ولا خلل ،
وليس في توبتك شيء ،
بحيث تحتاج إلى تجديدها ؛
والمرء قد يعزب عنه بعض ما يعلمه في موقف من المواقف ،
وقد يغلب عليه في موقف
استحضار معنى اسم من أسماء الله تعالى ،
أو صفة من صفاته ،
دون أن يكون في ذلك خلل في إيمانه
بباقي الأسماء والصفات .
وهكذا قد يكون في مقام العبودية والطاعة ،
فيغلب عليه استحضار معنى توحيد العبودية ،
وإخلاص العمل لله .
وقد يكون في مقام طلب الرزق ،
أو كشف الضر ،
فيغلب عليه شهود ربوبية الله لخلقه ،
وتفرده بالتدبير والتصريف ،
وهكذا .
هل يمكن أن تعطي المشركين دليلاً على وحدانية الله تعالى ؟.
الحمد لله
إن الكون كله خلقاً وتدبيراً يشهد بوحدانية الله ..
( ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين ) الأعراف / 54 .
خلق السماوات والأرض .. واختلاف الليل والنهار .. وأصناف الجماد والنبات والثمار .. وخلق الإنسان والحيوان .. كل ذلك يدل على أن الخالق العظيم واحد لا شريك له ..
( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون )
غافر/62 .
وتنوع هذه المخلوقات وعظمتها .. وإحكامها وإتقانها .. وحفظها وتدبيرها كل ذلك يدل على أن الخالق واحد يفعل ما يشاء .. ويحكم ما يريد ..
( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) الزمر/62 .
وكل ما سبق يدل على أن لهذا الخلق خالقاً .. ولهذا الملك مالكاً .. ووراء الصورة مصور ..
( هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى ) الحشر/24 .
وصلاح السماوات والأرض .. وانتظام الكون .. وانسجام المخلوقات مع بعضها .. يدل على أن الخالق واحد لا شريك له ..
( لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) الأنبياء/22 .
وهذه المخلوقات العظيمة إما أنها خلقت نفسها وهذا محال .. أو أن الإنسان خلق نفسه ثم خلقها وهذا محال أيضاً ..
( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات و الأرض بل لا يوقنون )
الطور/35 - 36 .
وقد دل العقل والوحي والفطرة على أن لهذا الوجود موجداً .. ولهذه المخلوقات خالقاً .. حي قيوم .. عليم خبير .. قوي عزيز .. رؤوف رحيم .. له الأسماء الحسنى و الصفات العلى .. عليم بكل شيء .. لا يعجزه ولا يشبهه شيء ..
( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) البقرة/ 163 .
ووجود الله معلوم بالضرورة وبداهة العقول ..
( قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )
إبراهيم/10.
وقد فطر الله الناس على الإقرار بربوبيته ووحدانيته ولكن الشياطين جاءت إلى بني آدم .. وصرفتهم عن دينهم ..
وفي الحديث القدسي ( إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم )
رواه مسلم برقم 2865.
فمنهم من أنكر وجود الله .. ومنهم من يعبد الشيطان .. ومنهم من يعبد الإنسان .
ومنهم من يعبد الدينار أو النار أو الفرج أو الحيوان .
ومنهم من أشرك به حجراً من الأرض .. أو كوكباً في السماء .
وهذه المعبودات من دون الله .. لم تخلق ولم ترزق .. ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر .. فكيف يعبدونها من دون الله ..
( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) يوسف/ 39 .
وقد نعى الله على من عبد تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل بقوله
( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين - ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها )
الأعراف/ 194 - 195 .
وقوله ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم ) المائدة/76 .
ألا ما أجهل الإنسان بربه الذي خلقه ورزقه .. كيف يجحده وينساه ويعبد غيره ..
( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )
( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون - أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون -
أمن جعل الأرض قرراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون -
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون-
أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أءله مع الله تعالى الله عما يشركون -
أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
النمل / 59 - 64 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي : تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري