والخلود لا يقتضي الدوام، قال الله تعالى:
{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ }
[الأنبياء: 34] الآية. وقال تعالى:
{ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ }
[الهمزة: 3]. وقال زهير:ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وهذا كله يدل على أن الخُلْد يطلق على غير معنى التأبيد؛ فإن هذا يزول بزوال الدنيا. وكذلك العرب تقول: لأخلدنّ فلاناً في السجن؛ والسجن ينقطع ويفنى، وكذلك المسجون. ومثله قولهم في الدعاء: خلّد الله ملكه وأبّد أيامه.
الأول: التقدير: من أنصاري حال ذهابي إلى الله أو حال التجائي إلى الله
والثاني: التقدير: من أنصاري إلى أن أبين أمر الله تعالى، وإلى أن أظهر دينه ويكون إلى ههنا غاية كأنه أراد من يثبت على نصرتي إلى أن تتم دعوتي، ويظهر أمر الله تعالى
الثالث: قال الأكثرون من أهل اللغة إلى ههنا بمعنى مع قال تعالى:
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ }
[النساء: 2] أي معها، وقال صلى الله عليه وسلم: " الذود إلى الذود إبل " أي مع الذود...
المسألة الثانية: الفور مصدر من: فارت القدر إذا غلت، قال تعالى:
{ حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ }
[هود: 40] قيل إنه أول ارتفاع الماء منه ثم جعلوا هذه اللفظة استعارة في السرعة، يقال جاء فلان ورجع من فوره، ومنه قول الأصوليين الأمر للفور أو التراخي، والمعنى حدة مجيء العدو وحرارته وسرعته.
الأول: أنها قائمة في الصلاة يتلون آيات الله آناء الليل فعبّر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل وهو كقوله
{ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً}
[الفرقان: 64] وقوله
{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ }
[المزمل: 20] وقوله
{قُمِ ٱلَّيْلَ }
[المزمل: 2] وقوله
{ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ }
[البقرة: 238] والذي يدل على أن المراد من هذا القيام في الصلاة قوله { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } والظاهر أن السجدة لا تكون إلا في الصلاة.
والقول الثاني: في تفسير كونها قائمة: أنها ثابتة على التمسك بالدين الحق ملازمة له غير مضطربة في التمسك به كقوله
{ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا }
[آل عمران: 75] أي ملازماً للاقتضاء ثابتاً على المطالبة مستقصياً فيها، ومنه قوله تعالى:
{ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ }
[آل عمران: 18].
الأول: قال أكثر المفسرين وأهل اللغة: الصر البرد الشديد وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد
والثاني: أن الصر: هو السموم الحارة والنار التي تغلي، وهو اختيار أبي بكر الأصم وأبي بكر ابن الأنباري، قال ابن الأنباري: وإنما وصفت النار بأنها { فِيهَا صِرٌّ } لتصويتها عند الالتهاب، ومنه صرير الباب، والصرصر مشهور، والصرة الصيحة ومنه قوله تعالى:
{ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ }
[الذاريات: 29] وروى ابن الأنباري بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما في { فِيهَا صِرٌّ } قال فيها نار،
المسألة الثانية: أنه تعالى ذكر أمورا ثلاثة: أولها: الفشل وهو الضعف، وقيل الفشل هو الجبن، وهذا باطل بدليل قوله تعالى:
{ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ }
[الأنفال: 46] أي فتضعفوا، لأنه لا يليق به أن يكون المعنى فتجبنوا......
وقال مَكْحُول: اجتمعتُ أنا والزُّهرِي فتذاكرنا التيمم فقال الزُّهْري: المسح إلى الآباط. فقلت: عمن أخذت هذا؟ فقال: عن كتاب الله عز وجل، إن الله تعالى يقول: { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } فهي يد كلها. قلت له: فإن الله تعالى يقول:
{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا }
[المائدة: 38] فمن أين تقطع اليد؟ قال: فخصمته.
أن المراد منه الشيء الذي سكن بعد أن تحرك، فعلى هذا، المراد كل ما استقر في الليل والنهار من الدواب، وجملة الحيوانات في البر والبحر/ وعلى هذا التقدير: قالوا في الآية محذوف والتقدير: وله ما سكن وتحرك في الليل والنهار كقوله تعالى:
{ سَرَابِيل تقيكم الحر }
[النحل: 81] أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لأنه يعرف ذلك بالقرينة المذكورة، كذلك هنا حذف ذكر الحركة، لأن ذكر السكون يدل عليه.
والقول الثاني:
أنه ليس المراد من هذا السكون ما هو ضد الحركة، بل المراد منه السكون بمعنى الحلول. كما يقال: فلان يسكن بلد كذا إذا كان محله فيه، ومنه قوله تعالى:
{ وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم }
[إبراهيم: 45]
وعلى هذا التقدير: كان المراد، وله كل ما حصل في الليل والنهار. والتقدير: كل ما حصل في الوقت والزمان سواء كان متحركاً أو ساكناً، وهذا التفسير أولى وأكمل
أحدهما: أنه الحساب، قاله الجمهور. قال ابن قتيبة: يقال: خذ من كل شيء بحسبانه، أي: بحسابه. وفي المراد بهذا الحساب، ثلاثة أقوال. أحدها: أنهما يجريان إلى أجل جُعل لهما، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: يجريان في منازلهما بحساب، ويرجعان إلى زيادة ونقصان، قاله السدي. والثالث: أن جريانهما سبب لمعرفة حساب الشهور والأعوام، قاله مقاتل.
والقول الثاني: أن معنى الحسبان: الضياء، قاله قتادة. قال الماوردي، كأنه أخذه من قوله تعالى:
{ ويرسل عليها حسباناً من السماء }
[الكهف: 40] أي: ناراً. قال ابن جرير: وليس هذا من ذاك في شيء.
وقال القرطبي فى تفسيره:
وقيل: «حُسْباناً» أي ضياء والحسبان: النار في لغة؛ وقد قال الله تعالى:
{ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }
[الكهف: 40]. قال ٱبن عباس: ناراً
: الأول: قال ابن عباس: يريد الوفاء بالعهد الذي عاهدهم الله وهم في صلب آدم، حيث قال:
{ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ }
[الأعراف: 172] فلما أخذ الله منهم هذا العهد وأقروا به، ثم خالفوا ذلك، صار كأنه ما كان لهم عهد، فلهذا قال: { وَمَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ }
والثاني: قال ابن مسعود: العهد هنا الإيمان، والدليل عليه قوله تعالى:
{ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }
[مريم: 87] يعني آمن وقال لا إله إلا الله
والثالث: أن العهد عبارة عن وضع الأدلة الدالة على صحة التوحيد والنبوة، وعلى هذا التقدير فالمراد ما وجدنا لأكثرهم من الوفاء بالعهد.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ننسأها) بفتح النون والهمزة وهو جزم بالشرط ولا يدع أبو عمرو الهمزة في مثل هذا، لأن سكونها علامة للجزم وهو من النسء وهو التأخيرومنه:
{ إِنَّمَا ٱلنَّسِىء زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ }
أحدها: أنه من السعة أي أوسعناها بحيث صارت الأرض وما يحيط به من الماء والهواء بالنسبة إلى السماء وسعتها كحلقة في فلاة، والبناء الواسع الفضاء عجيب فإن القبة الواسعة لا يقدر عليها البناءون لأنهم يحتاجون إلى إقامة آلة يصح بها استدارتها ويثبت بها تماسك أجزائها إلى أن يتصل بعضها ببعض.
ثانيها: قوله: { وإنا لموسعون } أي لقادرون ومنه قوله تعالى:
{ لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }
[البقرة: 286] أي قدرتها والمناسبة حينئذ ظاهرة، ويحتمل أن يقال بأن ذلك حينئذ إشارة إلى المقصود الآخر وهو الحشر كأنه يقول: بنينا السماء، وإنا لقادرون على أن نخلق أمثالها، كما في قوله تعالى:
{ أَوَ لَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم }
[يۤس: 81].
وٱختلف في معنى { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } فقيل: يتَّبعونه حق ٱتباعه، بٱتباع الأمر والنهي؛ فيحلّلون حلاله، ويحرّمون حرامه، ويعملون بما تضمَّنه؛ قاله عكرمة. قال عكرمة: أما سمعت قول الله تعالى:
{ وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }
[الشمس: 2] أي أتبعها؛ وهو معنى قول ٱبن عباس وٱبن مسعود رضي الله عنهما
والآخر ـ التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة؛ كقوله تعالى:
{ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ }
[المزمل: 20] يعني خفّف عنكم. وقوله عقيب القتل الخطأ:
{ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ }
[النساء: 92] يعني تخفيفاً؛ لأن القاتل خطأ لم يفعل شيئاً تلزمه التوبة منه،
وقال تعالى:
{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ }
[التوبة: 117] وإن لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجب التوبة منه
أما قوله: { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } فاعلم أن قوله: { وَحَرَامٌ } خبر فلا بد له من مبتدأ وهو إما قوله: { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أو شيء آخر
أما الأول فالتقدير أن عدم رجوعهم حرام أي ممتنع وإذا كان عدم رجوعهم ممتنعاً كان رجوعهم واجباً فهذا الرجوع إما أن يكون المراد منه الرجوع إلى الآخرة أو إلى الدنيا.
أما الأول: فيكون المعنى أن رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة واجب، ويكون الغرض منه إبطال قول من ينكر البعث، وتحقيق ما تقدم أنه لا كفران لسعي أحد فإنه سبحانه سيعطيه الجزاء على ذلك يوم القيامة وهو تأويل أبي مسلم بن بحر.
وأما الثاني: فيكون المعنى أن رجوعهم إلى الدنيا واجب لكن المعلوم أنهم لم يرجعوا إلى الدنيا فعند هذا ذكر المفسرون وجهين:
الأول: أن الحرام قد يجيء بمعنى الواجب والدليل عليه الآية والاستعمال والشعر، أما الآية فقوله تعالى:
{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }...
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الرقيم: الكتاب، ثم قرأ:
{ كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ }
[المطففين:9] وهذا هو الظاهر من الآية، وهو اختيار ابن جرير، قال: الرقيم فعيل بمعنى مرقوم
{ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ } ، فإن قيل: فقد قال فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، فكيف قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين بعدما أخبر أنهم دخلوها؟ وما وجه هذا الاستثناء وقد حصل الدخول؟
قيل: إن يوسف إنما قال لهم هذا القول حين تلقاهم قبل دخولهم مصر. وفي الآية تقديم وتأخير، والاستثناء يرجع إلى الاستغفار وهو من قول يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله.
وقيل: الاستثناء يرجع إلى الأمن من الجواز لأنهم كانْوا لا يدخلون مصر قبله إلاّ بجواز من ملوكهم، يقول: آمنين من الجواز إن شاء الله تعالى، كما قال:
{ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ }
[الفتح:27].
ثم قال: { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } وفيه أبحاث:
البحث الأول: من الناس من قال: المراد من البيوت المساجد كما في قوله تعالى:
{ فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ ويُذْكَر فيها ٱسْمُهُ }
[النور: 36] ومنهم من قال: المراد مطلق البيوت،
أما الأولون فقد فسروا القبلة بالجانب الذي يستقبل في الصلاة، ثم قالوا: والمراد من قوله: { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } أي اجعلوا بيوتكم مساجد تستقبلونها لأجل الصلاة، وقال الفراء: واجعلوا بيوتكم قبلة، أي إلى القبلة، وقال ابن الأنباري: واجعلوا بيوتكم قبلة أي قبلاً يعني مساجد فأطلق لفظ الوحدان، والمراد الجمع، واختلفوا في أن هذه القبلة أين كانت؟ فظاهر أن لفظ القرآن لا يدل على تعيينه، إلا أنه نقل عن ابن عباس أنه قال: كانت الكعبة قبلة موسى عليه السلام. وكان الحسن يقول: الكعبة قبلة كل الأنبياء، وإنما وقع العدول عنها بأمر الله تعالى في أيام الرسول عليه السلام بعد الهجرة. وقال آخرون: كانت تلك القبلة جهة بيت المقدس. وأما القائلون بأن المراد من لفظ البيوت المذكورة في هذه الآية مطلق البيت، فهؤلاء لهم في تفسير قوله: { قِبْلَةَ } وجهان: الأول: المراد بجعل تلك البيوت قبلة أي متقابلة، والمقصود منه حصول الجمعية واعتضاد البعض بالبضع. وقال آخرون: المراد واجعلوا دوركم قبلة، أي صلوا في بيوتكم.
وقرأ جمع من السبعة وغيرهم { حذرون } بغير ألف، وفرق بين حاذر بالألف وحذر بدونها بأن الأول اسم فاعل يفيد التجدد والحدوث والثاني صفة مشبهة تفيد الثبات، وقريب منه ما روي عن الفراء والكسائي أن الحذر من كان الحذر في خلقته فهو متيقظ منتبه، وقال أبو عبيدة: هما بمعنى واحد، وذهب سيبويه إلى أن حذراً يكون للمبالغة وأنه يعمل كما يعمل حاذر فينصب المفعول به، وأنشد:
حذر أموراً لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار
وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في «كتب النحو». وعن ابن عباس وابن جبير والضحاك وغيرهم أن الحاذر التام السلاح، وفسروا ما في الآية بذلك، وكأنه بمعنى صاحب حذر وهي آلة الحرب سميت بذلك مجازاً، وحمل على ذلك قوله تعالى:
{ خُذُواْ حِذْرَكُمْ}
[النساء: 71