التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

فظائع محاكم التفتيش من شارل وفي زمن شارل(القرن ال16)
:"وبينما حاول البابوات أن يخففوا من وطأة محكمة التفتيش فإن شارل أيدها حتى وفاته. وكان مقتنعاً بالهرطقة في الأراضي المنخفضة كانت تؤدي بها إلى الفوضى والحرب الأهلية، وصمم أن يمنع حدوث مثل هذا التطور في إسبانيا.
وأخمدت محكمة التفتيش الإسبانيّة سورة غضبها، ولكنها مدت رقعة اختصاصها القضائي في عهد شارل. فاضطلعت بعبء الرقابة على المصنفات، وقامت بتفتيش كل مخزن للكتب، وأمرت بإحراق الكتب الموصومة بالهرطقة(32). واستقصت حالات الانحراف الجنسي وعاقبت عليها: ووضعت قواعد نقاء الدم Limpieza، التي أغلقت كل طرق التمييز أمام ذرية المتحولين إلى غير دينهم Conversos وكل مَن عاقبتهم المحكمة. وكانت تنظر إلى المتصوفة نظرة قاسية، لأن بعض هؤلاء ادعوا أن صلتهم المباشرة بالله أعفتهم من حضور الصلاة في الكنيسة، وأضفى آخرون على حالات وجدهم الصوفي طعماً جنسياً مشبوهاً. وأعلن الواعظ العلماني بدرو رويز دي الكراز أن الجماع هو اتحاد بالرب حقاً، وقال الأخ الراهب فرانسيسكو أورتيز مفسراً أنه عندما يرقد مع زميلة متصوفة جميلة فإنه لا يرتكب خطيئة من خطايا الجنس، بل ينعم بمتعة روحية(33). وعاملت محكمة التفتيش برفق هؤلاء المتنورين Alumbrados واحتفظت بأقسى إجراءاتها ضد البروتستانت في إسبانيا.
وكما حدث في شمالي أوربا وقعت مناوشة أرازمية قبل معركة البروتستانت، وهتف بعض رجال الكنيسة المتحررين استحساناً لانتقادات علماء الإنسانيات لأخطاء رجال الأكليروس، ولكن أكسيمنيس وآخرين كانوا قد قوموا من قبل المظالم البارزة أكثر من غيرها، قبل مجيء شارل. ولعل اللوثرية كانت قد تخللت أرض إسبانيا مع الألمان والبلجيكيين المتكلمين بالفلمنكية في الحاشية الملكية. وأدانت محكمة التفتيش ألمانيّاً في بلنسية عام 1524، لأنه جاهر بالتعاطف مع لوثر، وحكم على فلمنكي بالسجن مدى الحياة عام 1528، لتشككه في المطهر وصكوك الغفران، وأحرق في المحرقة فرانسيسكو دي سان رومان، أول مَن عرف من اللوثريين الأسبان عام 1542، بينما كان المشاهدون المتحمسون يطعنونه بسيوفهم. واعتنق جوان ديازاف كوينكا، الكالفينية في جنيف، فاندفع أخوه الفونسو من إيطاليا ليحوله مرة أخرى إلى العقيدة المحافظة، وعندما فشل الفونسو عمل على قتله (1546)(34) وسجن جوان جيل، أو أجيديو، وهو كبير قساوسة متعلم في أشبيلية، لمدة عام بسبب وعظه ضد عبادة الصور والصلاة للقديسين وفاعلية الأعمال الصالحات في الفوز بالخلاص. ونبشت عظامه بعد وفاته وأحرقت، وواصل رفيقه كبير القساوسة كونستانتينو بونس ديلافوينتي، دعايته، ومات في سجون محكمة التفتيش. وأحرق أربعة عشر من زملاء كونستانتينو، ومنهم أربعة رهبان وثلاثة نساء، وحكم على عدد كبير بعقوبات مختلفة، ودك البيت الذي اجتمعوا فيه حتى سوي بالأرض.
وتطورت جماعة نصف بروتستانتية أخرى في بلد الوليد، وهنا تورط نبلاء من ذوي النفوذ ورجال دين من أصحاب الرتب الرفيعة. ووشي بهم لمحكمة التفتيش، وقبض عليهم جميعاً تقريباً وحكم عليهم بالإدانة، وحاول البعض مغادرة إسبانيا فقبض عليهم وأعيدوا. وكان شارل الخامس وقتذاك يستحم في يوستى، فأوصى بعدم إظهار أية رحمة في معاملتهم، وقطع رأس النائبين وإحراق مَن يرفضون التوبة. وفي يوم أحد الثالوث الموافق 21 مايو سنة 1559 أعدم أربعة عشر من المحكوم عليهم أمام جمع متهلل(35). وتراجع الجميع عما قالوا إلا واحداً، وعوملوا برفق، وقطعت رءوسهم، أما أنطونيو دي هرزويلو الذي رفض التوبة فقد أحرق حياً. وسمح لزوجته ليونور دي سيزنيروس البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عاماً بالسجن مدى الحياة. وبعد أن أمضت عشر سنوات في السحن، عدلت عن إنكارها لما قالت وجاهرت بهرطقتها، وطالبت أن تحرق حية مثل زوجها فأجيبت إلى ملتمسها(36). وعرض ستة وعشرون آخرون من المتهمين للحرق أحياء في اليوم الثامن من أكتوبر سنة 1559، أمام حشد مكون من 200.000 شخص، يرأسه فيليب الثاني. وحرقت ضحيتان وهما حيتان وخنق عشرة.
وكان بارتلومي دي كارانزا، رئيس أساقفة طليطلة ورئيس أساقفة إسبانيا، أشهر فريسة وقعت في براثن محكمة التفتيش في هذه الفترة. وكان باعتباره من الكومنيكان قد قام بنشاط كبير من مطاردة الهراطقة والإيقاع بهم، وعينه شارل مبعوثاً له في مجلس ترنت، وأرسله إلى إنجلترا لحضور زواج فيليب والملكة ماري. وعندما انتخب رئيساً للأساقفة (1557) كان الاختيار بالإجماع ما عدا صوته. ولكن بعض "البروتستانت" الذين قبض عليهم في بلد الوليد شهدوا بأن كارانزا كان قد تعاطف سراً مع آرائهم، ووجد أنه كان قد راسل المصلح الديني الإسباني الإيطالي جاون دي فالديس، واتهمه عالم اللاهوت ذو النفوذ ملشيور كانو بأنه كان يعضد العقيدة اللوثرية في التزكية بالإيمان. ولم يقبض عليه إلا بعد سنتين من ارتفاع شأنه ووصوله إلى أعلى منصب كنسي في إسبانيا، ونستطيع أن نحكم من هذا على مدى قوة محكمة التفتيش. وظل سبعة عشر عاماً معتقلاً في سجن أو غيره، بينما كانت تصرفاته في حياته ورسائله تتعرض للفحص والاستقصاء في طليطلة وروما. وأعلن جريجوري الثالث عشر أنه "مشتبه فيه بشدة" بالهرطقة وأمره بأن ينكر ستة عشر ادعاء، وأوقفه لمدة حمس سنوات عن مباشرة وظيفته. وتقبل كارانزا الحكم في ذلة،يؤدي الكفارات التي فرضت عليه، ولكنه مات في خلال خمسة أسابيع بعد أن أنهكه السجن والإذلال (1556).
وبموته زال خطر البروتستانتية عن إسبانيا، وحدث أن أعدم حوالي 200 شخص بين عامي 1551 و 1600، لما نسب إليهم من هرطقات بروتستانتية - أي بواقع أربعة أشخاص كل عام. وقد تجمد طبع الناس، الذي كان قوامه من كراهية المغاربة واليهود، التي تأصلت جذورها قروناً طويلة، في عقيدة محافظة لا تتزعزع، وامتزجت الكاثوليكية وحب الوطن، ووجدت محكمة التفتيش أن من اليسير أن تسحق، في خلال جيل أو جيلين، المغامرة الإسبانيّة العابرة التي اتسمت بفكر مستقل
قصة الحضارة ج25 ص255-258، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هجرات الإصلاح الديني -> إسبانا
 
مشاهد للحرق (1)في ظل نظام شارل الخامس في إسبانيا القرن ال16!
:"وأحرق في المحرقة فرانسيسكو دي سان رومان، أول مَن عرف من اللوثريين الأسبان عام 1542، بينما كان المشاهدون المتحمسون يطعنونه بسيوفهم. واعتنق جوان ديازاف كوينكا، الكالفينية في جنيف، فاندفع أخوه الفونسو من إيطاليا ليحوله مرة أخرى إلى العقيدة المحافظة، وعندما فشل الفونسو عمل على قتله (1546)(34) وسجن جوان جيل، أو أجيديو، وهو كبير قساوسة متعلم في أشبيلية، لمدة عام بسبب وعظه ضد عبادة الصور والصلاة للقديسين وفاعلية الأعمال الصالحات في الفوز بالخلاص. ونبشت عظامه بعد وفاته وأحرقت، وواصل رفيقه كبير القساوسة كونستانتينو بونس ديلافوينتي، دعايته، ومات في سجون محكمة التفتيش. وأحرق أربعة عشر من زملاء كونستانتينو، ومنهم أربعة رهبان وثلاثة نساء، وحكم على عدد كبير بعقوبات مختلفة، ودك البيت الذي اجتمعوا فيه حتى سوي بالأرض.
قصة الحضارة ج25 ص256،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هجرات الإصلاح الديني -> إسبان
 
مشاهد للحرق (2 ) في ظل نظام شارل الخامس في إسبانيا القرن ال16!
:"وعرض ستة وعشرون آخرون من المتهمين للحرق أحياء في اليوم الثامن من أكتوبر سنة 1559، أمام حشد مكون من 200.000 شخص، يرأسه فيليب الثاني. وحرقت ضحيتان وهما حيتان وخنق عشرة.
قصة الحضارة ج25 ص257،، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هجرات الإصلاح الديني -> إسبان
 
كيف مات شارل الخامس سفاح محاكم التفتيش من منتصف القرن ال16
:"وفي أغسطس عام 1558 انقلب النقرس الذي يشكو منه إلى حمى ملتهبة. وعاودته هذه بصورة متقطعة، وأخذت تشتد يوماً بعد يوم، وظل شهراً يتعذب بكل آلام النزع الأخير قبل أن تزهق روحه (21 سبتمبر سنة 1558). وفي عام 1574 أمر فيليب بنقل الجثة إلى الأسكوريان حيث يرقد تحت نصب تذكاري فخم.
قصة الحضارة ج25 ص259، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هجرات الإصلاح الديني -> إسبانيا
 
حكم ويل ديورانت عن حكم الطاغية شارل الخامس
:"وكان شارل الخامس أكبر فاشل في عصره، بل إن فضائله كانت أحياناً بؤساً وشقاء للإنسانية. ومنح إيطاليا السلام، ولكن لم يتم هذا إلا بعد مرور عقد من الزمان. تعرضت فيه للتخريب، وبإخضاعها هي والبابوية لإسبانيا، وجف عود النهضة الإيطالية تحت رئاسته الكئيبة، وهزم فرانسيس وأسره، ولكن ضاعت منه في مدريد فرصة ملكية ليبرم معه معاهدة كانت حرية بأن تنقذ ما كل الوجوه ومائة ألف روح. وعاون في إعادة سليمان إلى بلاده في فيينا، وصد بارباروسا في البحر الأبيض المتوسط، وقوى مركز آل هايسبورج، ولكنه أضعف الإمبراطوريّة، وفقد اللورين وسلم بورغنديا، وأحبط أمراء ألمانيا محاولة لتركيز السلطة هناك، وكانت الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة منذ عهده نسيجاً واهياً، تنتظر نابليون ليحكم بإعدامها، وفشلت جهوده لسحق البروتستانتية في ألمانيا، وترك الأسلوب الذي انتهجه في قمعها في الأراضي المنخفضة تراثاً محزناً لابنه. وكان قد وجد المُدن الألمانية مزدهرة وحرة، وتركها ترزح ألماً تحت وطأة إقطاع رجعي، وعندما جاء إلى ألمانيا كانت تنبض بالحياة، فيها أفكار ونشاط تبز بهما أية أمة أخرى في أوربا وعندما تنازل عن عرشه كانت ضعيفة واهنة روحياً وفكرياً، وظلت جدباء مدى قرنين. وكانت السياسة التي انتهجها في ألمانيا وإيطاليا سبباً واهياً لما لحقهما من ضعف، أما في إسبانيا فكان عمله هو الذي سحق حرية البلديات وقوتها، وكان حرياً بأن يبقي إنجلترا في حظيرة الكنيسة بإقناع كاثرين أن تسلم بحاجة هنري إلى وريث، وبدلاً من أن يفعل ذلك أجبر كليمنت على اتخاذ موقف فيه تذبذب، يؤدي إلى الخراب.
ومع ذلك فإن استبصارنا المتأخر هو الذي يرى أخطاءه وجسامتها، وفي وسع حسنا التاريخي أن يصفح عنها باعتبارها متأصلة بجذورها في قيود بيئته العقلية وفي أوهام العصر العاتية. وكان اقدر سياسي بين معاصريه، ولكنه لم يكن كذلك إلا بمعنى أنه عالج بشجاعة أعمق موضوعات النزاع في أوسع مدى وصلت إليه. وكان رجلاً عظيماً حطت من شأنه مشكلات عصره وحطمته. ونفذت إلى حكمه الطويل حركتان أساسيتان، وكانت أعظمهما نمو القومية في عهد ملكيات تنزع إلى المركزية، وفي هذه لم يكن له فيها نصيب. وأعظمها من الناحية الدرامية ثورة دينية، حفزت إليها الانقسامات والمصالح القومية والإقليمية. وقبلت شمالي ألمانيا وإسكنديناوة اللوثرية، أما جنوب ألمانيا وسويسرة والأراضي المنخفضة فقد انقسمت إلى طائفتين بروتستانتية وكاثواليكية، وأضحت إسكوتلندة كاللفينية مشيخية، وإنجلترا كاثوليكية أنجيلكانية أو بيوريتانية كالفينية. وظلت إيرلندة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال موالية لبابوية بعيدة أو مهذبة. ومع ذلك نشأ تكامل واهٍ، وسط ذلك الانقسام المزدوج: فقد وجدت الولايات المستقلة المعتزة بنفسها أنها في حاجة إلى بعضها البعض، لضمان استقلالها، كما لم يحدث من قبل، وأنها مرتبطة بصورة متزايدة في نسيج اقتصادي، وأنها تؤلف مسرحا رحيباً لمناهج سياسية متشابكة العلاقات، وحروب وقانون بأدب وفن. كانت أوربا التي عرفها شبابنا تتخذ شكلها.
قصة الحضارة ج25 ص259-261، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هجرات الإصلاح الديني -> إسبانيا
 
روسيا (القرن ال16) )وصراع المسيحية وتوسيع المستعمرات
:"إيفان الثالث هو (العظيم)، لأنه هو الذي أنجز هذه المهمة، ووحد روسيا. لقد خلق للشدائد، وكان مجرداً من المبادئ الخلقية، لا يتورع عن شىء، حاد الذهن ماكراً حذراً عنيداً قاسياً، وكان يقود جيوشه إلى النصر على مسافات بعيدة، وهو مستقر في مكانه في الكرملين، وكان يعاقب على العصيان أو العجز والقصور عقاباً وحشياً، بأن يعذب أو يضرب بالسياط أو يبتر أطراف حتى أعضاء المجلس، أو يقطع رأس طبيب أخفق في علاج ابنه، وهكذا بمثل هذه الصرامة كان يسيطر على حاشيته، حتى أن النساء ليغمى عليهن لمجرد نظرة منه. وأطلقت عليه روسيا اسم "الرهيب" حتى التقت بحفيده...وما أن ضم إيفان مستعمرات الجمهورية المندثرة حتى بسط حكمه على فنلندة والمنطقة المتجمدة والأورال. ..وبقيت لتوانيا. ولم يطق الأمير العظيم ولا مطران موسكو الصبر على السلام، ما دامت أواكرانيا وكييف وروسيا الغربية تحتفظ بقوة تهدد موسكو دوما، وتدعو الأرثوذكس إلى المسيحية اللاتينية. وزعم إيفان أن ثمة مؤامرة لاغتياله، واتخذ من ذلك ذريعة لشن حرب مقدسة لتخليص المديريات المغرر بها (1492). فما كان من أمراء لتوانيا الذين استشعروا القلق في ظل اتحاد الرومان الكاثوليك البولندي إلا أن فتحوا أبوابهم أمام جيوش إيفان. وتوقف الاسكندر أمير لتوانيا العظيم في فدروشا Vedrosha وهزم (1500). ورتب البابا الاسكندر السادس هدنة لمدة ست سنوات. وفي نفس الوقت احتفظت موسكو بالأقاليم التي كسبتها - إلى الغرب من نهر سوز Sozch بما في ذلك شر نيجوف Chernigov حتى سمولنسك تقريباً وكان إيفان الثالث قد بلغ آنذاك الثالثة والستين فترك تخليص البقية لحفدته.
إن حكم إيفان الذي دام ثلاثا وأربعين سنة يعدل في أهميته أى حكم آخر في تاريخ روسيا قبل القرن العشرين. وسواء كان مدفوعاً بشهوة المال وحسب السيطرة أو بإيمانه الراسخ بأن أمن الروس وازهارهم يتطلبان توحيد روسيا، فإن إيفان الثالث حقق لبلده ما كان يؤيده لويس الحادى عشر لفرنسا، وهنري السابع لانجلترا، وفرديناند وايزابلا، لأسبانيا، والاسكندر السادس للولايات البابوية، ولقد كشف تزامن هذه الأحداث عن تقدم القومية والملكية، الأمر الذي قضى على سلطان البابوية الأسمى فوق الأمم والقوميات. وفقد أبناء الطبقة العليا استقلالهم، وأرسلت الامارات الجزية إلى موسكو، واتخذ إيفان لقب "ملك روسيا بأسرها". ويحتمل أن زوجته الاغريقية أوصته بأن يتخذ كذلك لقب "قيصر"، وهو لقب روماني إغريقي. ولقد اتخذ النسر الامبراطوري المزدوج شعاراً قومياً، وادعى وراثة السلطة السياسية والدينية لبيزنطة الغابرة، واقتبست من بيزنطة نظريات الحكومة وأعيادها ومراسمها، وكذلك فعلت الكنيسة، بوصفها من أدوات الدولة، بعد أن دخلت إلى روسيا المسيحية البيزنطية والأبجدية البيزنطية الاغريقية وأشكال الفن البيزنطي، وبقدر ما كانت بيزنطة شرقية لقربها من آسيا، فإن روسيا التي كانت قد اصطبغت بالصبغة الشرقية بسب حكم التتار لها، أصبحت من وجوه كثيرة مملكة شرقية مغايرة للغرب غريبة عنه غامضة لديه.
قصة الحضارة ج26 ص10-12، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> أمراء موسكو
 
روسيا وعصر إيفان الرهيب (إيفان الرابع فاسيليفتش) -1-
:"وبعد ثلاث سنوات قام مطران موسكو بتتويجه قيصراً، ثم أمر القيصر بأن ترسل إليه نخبة من العذارى النبيلات من مختلف أنحاء المملكة، واختار منهن أنستاسيا رومانوفا وتزوج منها
قصة الحضارةج26 ص13-14، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
ايفان الرهيب-2-(روسيا) يحجم الكنيسة لكن في غزوه يقتل النساء كما سيأتي في المنشور المابعد التالي
:"وفي 1550 دعا أول جمعية وطنية من جميع أنحاء روسيا، واعترف أمامها بجميع أخطائه في شبابه، ووعد بإقامة حكومة عادلة رحيمة. ولعله تحت تأثير الاصلاح في ألمانيا واسكنديناوه، درست الجمعية اقتراحاً بمصادرة أملاك الكنيسة لتدعيم الدولة. ورفض هذا الاقتراح، ولكن اتخذ قرار آخر متصل به، بمقتضاه استردت كل الأراضي المنقولة للكنيسة وغير الخاضعة للحجز، كما ألغيت كل الهبات التي منحت للكنيسة أيام كان إيفان قاصراً. ولم يعد للأديار حق حيازة أية ممتلكات دون موفقة القيصر. وهدأ بال رجال الدين نوعاً ما عندما عين إيفان الكاهن سلفستر مرشداً روحياً له، واتخذ منه ومن ألكسيس أداشيف وزيرين له، وبفضل هذين المعاونين القديرين كان إيفان في سن الحادية والعشرين سيداً على مملكة تمتد من سمولنسك إلى الأورال، ومن المحيط المتجمد إلى بحر قزوين تقريباً.
قصة الحضارةج26 ص14، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
روسيا وذبح المسلمين على طريقة العهد القديم(القرن ال16)
في عهد أيفان الرهيب-3-
:" وكان إيفان على يقين من أن أمن روسيا ووحدتها يتطلبان امتلاكها لهذه الأجزاء، والتحكم في نهر الفولجا حتى منابعه. وفي 1552 قاد القيصر الشاب 150.000 رجل إلى أبواب كازان وحاصرها لمدة خمسين يوماً. ولكن المسلمين - وكان عددهم 30.000 - قاوموا وصمدوا في عناد تحدوهم الروح الدينية وهاجموا أعداءهم في غارات متكررة، وعندما أسر نفر منهم وعلقوا على أعواد المشانق أمام الأسوار سدد إخوانهم المدافعون إليهم السهام صائحين: "خير لهؤلاء الأسرى أن يموتوا بأيدي بني وطنهم النظيفة من أن يهلكوا بأيدي المسيحيين الدنسة(9).واعملوا الذبح في كل من لم يباعوا بوصفهم رقيقاً. وروى أن إيفان ذرف الدمع حسرة على المغلوبين قائلاً: "إنهم ليسوا مسيحيين، ولكنهم رجال" وأسكن إيفان فلول المسيحيين في الأطلال. وهتفت روسيا بأنه أول سلافي يستولي على معقل تتري، واحتفلت بالنصر، كما احتفلت فرنسا بصد المسلمين في معركة تور سنة 732. وفي 1554 استولى إيفان على استراخان، وأصبح نهر الفولجا قناة روسية تماماً. وظلت القرم في يد المسلمين حتى 1774. ولكن قوزاق نهر الدون أحنوا رءوسهم آنذاك لحم موسكو.
قصة الحضارة ج26 ص15-16، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
روسيا القرن ال16
مسيحية أيفان الرهيب-4- تغتصب النساء وهي تقتل الرجال
:"فإن إيفان في سنة 1557 ابتكر ذريعة لمهاجمة ليفونيا، وأرسل إليها بجيش تحت قيادة شاه على ، الذي كان أخيراً خان التتار على كازان. واجتاح الجيش البلاد بطريقة وحشية، فأحرق الدور والمحاصيل، واستبعد الرجال واغتصب النساء حتى الموت. وفي 1558 استولى جيش روسي آخر على نارفا التي تبعد عن البلطيق بثمانية أميال. واستنجدت ليفونيا اليائسة ببولندة والدانمارك والسويد وألمانيا، وارتعدت أوربا الوسطى بأسرها فزعا من مشهد الطوفان السلافي الذي وصل إلى الغرب، كما وصل في القرن السادس إلى نهر الألب. واستثار ستيفن باثوري حمية البولنديين وقادهم إلى الانتصار على الروس عند بولتسك (1582). ولما حلت الهزيمة بإيفان سلم ليفونيا إلى بولندة.
وقبل هذه النكسة الحاسمة بزمن طويل، كان اخفاق حملات إيفان قد أدى إلى الثورة في الداخل، حيث كان التجار الذين كان إيفان يسعى إلى إثرائهم بفتح طرق جديدة للتجارة، قد فقدوا صوابهم بسب هذه الحرب المدمرة الباهضة التكاليف. وعارض النبلاء هذه الحرب لأنها لا بد أن توحد بين دول البلطيق، بسلاحها المتفوق، ضد روسيا التي ما زالت إقطاعية في تنظيمها السياسي والعسكري.
قصة الحضارة ج26 ص17، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
إيفان الرهيب-5- الروسي مجرم مجذوم
دق إحدى قدمي حامل رسالة له بالمسامير في الأرض

ومؤامرة على إيفان هذا
قال ديورانت:"وفي أثناء الحرب وفيما قبلها كان إيفان قد ارتاب في مؤامرات النبلاء ضد عرشه، وفي اثناء مرض كاد يقضي عليه (1553) علم أن جماعة قوية من النبلاء كانوا يدبرون أن يبعدوا، عند موته، ابنه ديمتري ويتوجوا الأمير فلاديمير الذي كانت أمه تمنح الجيش عطايا كثيرة، وكان أقرب مستشاريه سلفستر وأداشف ضالعين مع النبلاء، ولمدة سبع سنوات بعد الارتياب فيهما، أبقى إيفان على هذين الموظفين في مواقع السلطة، ثم طردهما في 1560، ولكن دون عنف. ومات سلفستر في أحد الأديار، وقضى أداشف نحبه في إحدى الحملات على ليفونيا، وهاجر عدة نبلاء إلى بواندة وحملوا السلاح ضد روسيا، وفي 1564 لحق الأمير كوربسكي Kurbsky صديق إيفان الحميم والقائد العام، بهؤلاء الهاربين، زاعما أن القيصر يدبر قتله، ومن بولندة أرسل كوربسكي إلى إيفان ما يصل إلى أن يكون أعلاناً للحرب عليه، متهماً إياه بأنه مجرم مجذوم. وتدعى الأساطير أن إيفان عندما قرأ عليه الخطاب دق إحدى قدمي حامله بالمسامير في الأرض بضربة من العصا الملكية، ولكن القيصر تنازل فرد على كوبسكي بدفع يقع في اثنتين وستين صفحة، وكان رداً بليغاً مشوشاً، عاطفياً مليئاً بمقتبسات من الكتاب المقدس، عدد فيه دسائس النبلاء لخلعه. واعتقاداً منه بأنهم كانوا قد دسوا السم لأنستاسيا، تساءل إيفان: " لماذا فرقتم بيني وبين زوجتي؟ ألم تأخذوا مني وليدي الصغير؟ لم يحدث قط أن ذبح أحد من النبلاء... لقد فتشت عبثاً عن رجل يستشعر الشفقة بي، ولكني لم أجد أحداً(10)". وكتب كوربسكي في أخريات أيامه تأريخاً قاسياً عدائياً لإيفان، وهو أهم مرجع لنا في إرهاب إيفان.
إن هذه المؤامرات ومغادرة البلاد توضح لنا أشهر حادث متميز في عهد إيفان. وفي 12 ديسمبر 1564 غادر إيفان موسكو مع أسرته وأيقوناته وكنوزه، مع قوة صغيرة من الجنود، وسار إلى مقره الصيفي في اسكندروفسك. وأرسل إلى موسكو بيانين، زعم الأول أن النبلاء والبيروقراطية والكنيسة تآمروا ضده وضد الدولة، وأنه لذلك "مع اشد الأسف" اعتزل الآن العرش، ليعيش في عزلة. أما البيان الثاني فقد أكد فيه لأهل موسكو أنه أحبهم وأن لهم أن يبقوا واثقين من نياته الطيبة دوما.والحق أنه نمسك بمحاباة العامة والتجار ضد الأرستقراطية، وقد شهد بذلك ما قامت به الطبقتان الوسطى والدنيا آنذاك، فقد انفجروا يرددون صيحات التهديد ضد النبلاء ورجال الدين، مطالبين بأن يشخص إلى القيصر وفد من الأساقفة والنبلاء، ليرجوه في العودة إلى العرش، وتم ذلك وقبل إيفان "أن يتولى أمر الدولة من جديد"، بشروط يحددها هو فيما بعد.
وعاد إيفان ألى موسكو في فبراير 1565، ودعا الجمعية الوطنية من رجال الدين والنبلاء، وأعلن أنه سيعدم زعماء المعارضة ويصادر أملاكهم، وأنه من الآن فصاعدا سيتولى كل السلطة دون استشارة النبلاء أو الجمعية، وأنه سينفى كل من يخالف أوامره العالية ومراسيمه، ولما كانت الجمعية تخشى ثورة الجماهير فقد استسلمت وانحلت
قصة الحضارة ج26 ص18-19، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
سفاح روسيا المسيحية ومذابح!
وصمه ديورانت بالرهيب وأصمه ب إيفان السفاح"-6-
إرهاب الأمير الروسي الأرثوذكسي وصل لدرجة لاتتصور في القرن ال16
قال ديورانت:"واقترن انقلاب إيفان بالارهاب، شأنه في ذلك أى انقلاب آخر، وقبض على معارضيه وأعدموا دون شفقة أو رحمة، وجاء عرض لأحداث هذه السنوات (1560-1570) دونه أحد الرهبان، ويحتمل أن يكون معادياً، أن عدد قتلى غضبه بلغ 3470. ويقول هذا العرض التأريخي أن الضحية كان في الغالب يعدم "مع زوجته" أو "مع وزوجته وأطفاله"، وفي حالة واحدة "مع عشرة من الرجال جاءوا لمساعدته (12). واعدم الأمير فلاديمير مع أمه، أما أولاده فقد أبقى إيفان على حياتهم ووفر لهم أسباب العيش. ويقال إن القيصر طلب إلى الرهبان أن يصلوا من أجل نفوس ضحاياه. ودافع إيفان عن إعدامهم بأن هذا هو العقاب المعتاد لجريمة الخيانة وخاصة زمن الحرب. وقد سلم أحد ممثلي بولندة بهذه الحجة، وتضرع إنجليزي شهد شيئاً من هذه المجزرة قائلاً :"ندعو الله أن نتمكن من تعليم ثوارنا العنيدين واجبهم نحو أميرهم بالطريقة نفسها (13).
وجاءت ذروة هذا الارهاب في نفجرد. وكان إيفان قبل ذلك بفترة وجيزة قد منح رئيس الأساقفة مبلغاً كبيراً من المال لاصلاح الكنائس، وظن أ،ه كان بذلك محبوباً من رجال الدين هناك على الأقل. ولكنه أبلغ أنه قد وجدت وثيقة، ليست بالضرورة غير مزيفة، خلف صورة للعذراء في أحد أديار نفجرد، وفيها عهد بالتعاون بين نفجرد وبسكوف مع بولندة لمحاولة خلع القيصر. وفي الثاني من يناير 1570 انقضت على المدينة قوة عسكرية قوية يقودها الأوبرشنيكي، وأعملت النهب والسلب في الأديرة، وقبضت على 500 من الرهبان والكهنة. وفي 6 يناير وصل القيصر إلى هناك، وأمر أن يجلد بالسياط حتى الموت كل من لم يستطع من رجال الدين هؤلاء أن يدفع فدية قدرها 50 روبلا، كما جرد رئيس الأساقفة من ثوبه وسجن. وجاء في "سجل أحداث نفجرد الثالث" أنه قد أعقب هذا مذبحه الأهالي التي دامت خمسة أسابيع. وفي بعض الأحيان كان خمسمائة فرد يذبحون في اليوم الواحد، وتقول البيانات الرسمية أن عدد القتلى بلغ 2770، واحتج إيفان بأنهم 1505 فقط. ولما استقر في الأذهان أن التجار، وهم متلهفون على إعادة فتح باب التجارة مع الغرب، قد شاركوا في المؤامرة، فقد أحرق جنود القيصر كل حوانيت المدينة، ودمرت بيوت التجار في الضواحي، وحتى البيوت في المزارع المجاورة للمدينة لحقها التدمير. وما لم يكن رواة الأحداث في الأديار قد بالغوا في وصف المذبحة، فإنه يجدر بنا أن نعود بالذاكرة إلى عقاب شارل الجرىء لثوار لييج 1468، وأعمال السلب والنهب في روما على يد جنود شارل الخامس 1527 لنجد أمثلة شبيهة بانتقام إيفان الوحشي. ولم تستعد نفجرد قط تفوقها القديم في الحياة التجارية في روسيا. واتجه إيفان بعد ذلك إلى بسكوف حيث حظر على جنوده السلب والنهب ، ثم عاد أدراجه إلى موسكو حيث احتفل في حفلة تنكرية ملكية بإفلاته من مؤامرة خطيرة.
إن حكماً مثل هذا ممتلئاً بالفتن والشغب لا يكاد يساعد على التقدم الاقتصادي أو إنجاز الأعمال الثقافية. لقد انتعشت التجارة وقت السلم وانتكست زمن الحرب.


قصة الحضارة ج26 ص20-22، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
إرهاب الكنيسة الروسية الأرثوذكسية (القرن ال16)
وإضطهادها للكاثوليك والبروتستانت
إيفان الرهيب الرابع -7-السفاح كان مسيحيا مثل هنري الثامن لو تتذكرون!
والكنيسة موجه رئيس
:"وكانت الكنيسة هي الحاكم الحقيقي لروسيا، لأن خشية الله كانت سائدة في كل مكان، على حين كان سلطان إيفان محدوداً. وكانت قواعد الطقوس الدينية، إن لم تكن قواعد الفضيلة والأخلاق، تقيد الجميع، حتى القيصر نفسه، وكان الكهنة يراقبون هل غسل يديه بعد مقابلته لسفراء الدول من خارج نطاق الأرثوذكسية. وكانت الصلاة وفق الطقوس الرومانية الكاثوليكية غير مرخص بها، أما البروتستانتية فقد تسامحوا معها على أساس المشاركة في العداء للبابا في روما. وكان إيفان الرابع - مثل هنري الثامن - يزهو بعلمه في اللاهوت. وانغمس مرة في مناقشة عامة في الكرملين مع كاهن لوثري من بوهيميا، ويجب أن نسلم بأنه، وهو أعنف القياصرة، أدار المناقشة في كياسة أكثر مما بدا في النازعات الدينية في ألمانيا المعاصرة(15).
قصة الحضارة ج26 ص23، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
رفض أن يمنح إيفان الرهيب الرابع البركة فحرقه حيا
روسيا(القرن ال16)
:"ولكن إيفان لم يتصرف بمثل هذه الكياسة مع رجل لاهوتي آخر، ذلك أنه ذات يوم أحد في سنة 1568 أثناء الصلاة في كنيسة الصعود، رفض فيليب مطران موسكو أن يمنح إيفان البركة الي توسل إليه فيها، وطلب القيصر ذلك ثلاث مرات ولكن دون جدوى، ولما سأل أتباعه عن سبب لهذا الرفض، بدأ فيليب يعدد جرائم إيفان وفسوقه، فصاح القيصر: "هدئ من روعك وامنحني البركة" فأجاب المطران: "إن سكوتي يوقعك في الخطيئة ويستوجب هلاكك". وغادر إيفان المكان دون أن يمنح البركة. وظل فيليب شهراً تعروه الدهشة والعجب والقلق، ولكن لم يمس فيه بسوء. وبعده دخل أحد خدم القيصر الكاتدرائية وقبض على المطران وساقه إلى أحد السجون في تفر. ولا يعلم مصيره علم اليقين، ولكن الكنيسة الروسية تؤيد القول بأنه أحرق حياً.
قصة الحضارة ج26 ص23،24، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
النقول رائعة لكن حضارتنا بعيدة جدا عن السلامة من هذا العنف والاحتكار، لكن في تعبيرات مختلفة لاختلاف المدة التاريخية والثقافة.
أما الأكل والقتل والاقتتال والاحتكار باسم الدين فالحضارات المذكورة هنا والحضارة العربية الإسلامية سواء بسواء إلى آخر ميكروملليمتر
 
إيفان الرابع (حاكم روسيا في القرن ال16) غول متوحش يقول ديورانت
:":"ويجدر بنا ألا نظن أن إيفان الرابع كان مجرد غول متوحش. ونظراً لطول قامته وقوته كان يمكن أن يكون وسيماً، لولا أنفه العريض المسطح الذي كان يعلو شارباً منتشراً ولحية كثة حمراء. لقد ترجمت خطأ لفظة Groznyi بلفظة الرهيب Terrible والأرجح أنها تعني "المرعب" Awesome ،مثل لفظة أغسطس التي أطلقت على القياصرة (الرومان). وقد أطلق على إيفان الثالث نفس اللقب كذلك. وفي نظرنا، وحتى في نظر معاصريه القساة، كان إيفان الرابع قاسياً تواقاً إلى الانتقام بشكل يدعو إلى الاشمئزاز، وقاضياً لا يستشعر الرحمة.لقد عاصر محاكم التفتيش في أسبانيا، وإحراق سرفيتس ، وعادة هنري الثامن في ضرب العنق، واضطهاد الملكة ماري، ومذبحة سانت برثلميو. ويقال إنه عندما سمع بهذه المذبحة أنكر همجية الغرب(19) (ولو أن أحد البابوات رحب بالمذبحة وامتدحها). لقد كان ثمة أشياء تثير غيظه وحنقه، وتذكى النار في مزاج سريع الانفعال أكسبته الوراثة والبيئة عنفاً. ويقول شاهد عيان إنه كان في بعض الأحيان "يرغى من فمه - كما يفعل الحصان"(20) نتيجة مضايقة صغيرة أو انزعاج يسير...وأخفق إيفان لأنه لم ينضج قط إلى حد السيطرة على النفس...وترك الفلاحين خاضعين لملاك الأرض خضوعاً أشد وأنكى من ذي قبل. وأوصد بالحروب أبواب التجارة، وساق الرجال القادرين إلى أسلحة العدو، وشطر روسيا إلى قسمين متناحرين، وسار بها إلى الفوضى. وضرب لشعبه مثلاً مفسداً للقسوة المتسمة بالورع وللأهواء الجامحة. وقتل أحسن أبنائه مقدرة وكفاية، وأسلم عرشه إلى شخصية ضعيفة أدى عجزها إلى الحرب الأهلية. لقد كان إيفان واحداً من كثيرين من رجال عصره، الذين يمكن أن يقال عنهم إنه كان من الخير لبلادهم وللإنسانية جمعاء ألا يولدوا قط."
قصة الحضارة ج26 ص26-27، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> إيفان الرهيب
 
(عبقرية الإٍسلام)
ياترى ماذا قال ديورانت عن الإسلام في عنوان جامع بعد أن ذكر هنري الثامن وماري الدموية وإيفان الرهيب وكل من ذكرهم من ملوك أوروبا مما تقدم
هل تعرفون ماذا قال أو بالأحرى ماهو العنوان التالي على التسلسل الذي مضينا عليه؟
إنه
عنوان(عبقرية الإٍسلام) وهو عنوان الفصل الثلاثون من الجزء الخامس من المجلد السادس (من أصل الكتاب) الذي فيه مجلدنا هذا أي المجلد ال26.
 
كأن ديورانت ينعي انهزام العالم الإسلامي مع معرفته بقوته ومافعلته في العالم حضارته! (كأنه يقول إن الله حفظ هذه الأمة رغم كل مافعل بها)
قال في نص غاية في الدقة وتحت عنوان (عبقرية الإسلام):"صمد العالم الإسلامي من 1095 إلى 1291 أمام سلسلة من الحملات الدينية العنيفة، مثل تلك الحملات الدينية العنيفة التي أخضع بها فيما بعد البلقان، وحول ألفاً من الكنائس إلى مساجد. ودفعت سبع حملات صليبية حث عليها اثنا عشر من البابوات، نقول دفعت بملوك أوربا وفرسانها ورعاعها ضد قلاع المسلمين في آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين ومصر وتونس. وعلى الرغم من إخفاق هذه الهجمات آخر الأمر، فإنها أضعفت نظام هذه الدول الإسلامية ومواردها إضعافاً خطيراً. وكان الصليبيون قد نجحوا في أسبانيا حيث هزم المسلمون واخرجوا، ولكن بقاياهم تجمعوا في غرناطة التي تأخر قدرها المحتوم بعض الوقت، وكان النور مانديون الأشداء قد أخذوا صقلية من المسلمين. ولكن أين هذه الجراح والتمزيق من انقضاض المغول الوحشي المدمر (1219-1258) على بلاد ما وراء النهر وفارس والعراق؟ وتعرضت مراكز إشعاع الحضارة الإسلامية، المدينة تلو الأخرى، للسلب والنهب والمذابح والحريق- بخاري، سمرقند، بلخ، نيسابور، الري، هراة، بغداد. وأسقطت الحكومات الإقليمية والمحلية، وأهملت القنوات وتركت للرمال التي تذروها الرياح، وأكرهت التجارة على الفرار، ودمرت المدارس والمكتبات، وتشتت الدارسون ورجال العلم أو ذبحوا أو استعبدوا. وتحطمت روح الإسلام لنحو قرن من الزمان
قصة الحضارة ج26 ص28-29، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> مقدمة
 
فعلا عبقرية الإسلام حقا ( أن تلك الحضارة الرائعة... كانت غنية ... إلى حد القدرة على تمدين غزاتها)!!
يقول عنها ديورانت تحت هذا العنوان (عبقرية الإسلام) ويتكلم تحديدا عن فترة(1258-1520)
:"وكان الاسلام قد صار مترفاً فاتر الهمة،(يقصد أهل الإسلام وفعل الإسلام فيهم ) وكانت بغداد- مثل القسطنطينية- فقد فقدت إرادتها في امتشاق الحسام للدفاع عن النفس، وأغرم الناس هناك بالحياة اللينة الهينة الرخية إلى حد الإشراف على الموت. أن تلك الحضارة الرائعة- مثل الحضارة البيزنطية، أينعت لتذوى وتذبل،. ولكنها كانت غنية - مثل اليونان القديمة وإيطاليا النهضة - إلى حد القدرة على تمدين غزاتها، بفضل ما أنقذ من شتاتها وذكرياتها، وأنشأت فارس تحت حكم خانات المغول حكومة مستنيرة وأنتجت أدباً جيداً وفناً عظيماً، وشرفت التاريخ بعالم جليل هو رشيد الدين. وفيما وراء النهر، بنى تيمورلنك وعمر، بشكل مؤثر، قدر ما كان قد خرب ودمر. ووسط حملات السلب والنهب التي كان يشنها، توقف ليكرم حافظ الشيرازي. وفي الأناضول كلن الأتراك فعلاً متحضرين،وكان الشعراء بينهم من الكثرة قدر كثرة المحظيات أو الخليلات. وفي مصر استمر المماليك في إقامة الأبنية بناء العمالقة الجبابرة. وفي غربي إفريقية أنجب الإسلام فيلسوفاً مؤرخاً، كان يبدو إلى جانبه أعظم علماء المسيحية المعاصرة بمثابة حشرات صغيرة تقع في الشرك وتموت جوعاً وسط عناكب الفلسفة النصرانية في العصور الوسطى. وفي نفس الوقت كان الإسلام ينتشر في الهند إلى أقصى الشرق.
قصة الحضارةج26 ص29، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> مقدمة
 
مقارنة فيلسوف اسلامي بحشرات النصارى
ديورانت يفعل!
قال
:"وفي غربي إفريقية أنجب الإسلام فيلسوفاً مؤرخاً، كان يبدو إلى جانبه أعظم علماء المسيحية المعاصرة بمثابة حشرات صغيرة تقع في الشرك وتموت جوعاً وسط عناكب الفلسفة النصرانية في العصور الوسطى.
قصة الحضارةج26 ص29، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> مقدمة
 
فحتى المغول كان عندهم علوم الطب الاسلامي وغيرها من العلوم وكانوا في مرحلة متأخرة متسامحون(على غرار بقية مدائن وحواضر الإسلام في الشرق والغرب)
يقول ديورانت
:"الأيلخانات في فارس
1265- 1337 عندما سار ماركوبولو في 1271 عبر فارس ليرى الصين على عهد قبلاي خان، وجد نفسه إمبراطورية المغول. ولم يكن التاريخ قد سجل من قبل قط مملكة مترامية الأطراف مثلها. ففي الغرب لامست شواطئ نهر الدنيير في روسيا، وفي الجنوب شملت القرم والعراق وفارس والتبت والهند حتى ضفاف نهر الكنج. وفي الشرق طوقت الهند الصينية والصين وكوريا، وفي الشمال كان يقع موطنهم الأصلي منغوليا. وفي كل هذه البلاد تعهد حكام المغول الطرق، ونهضوا بالتجارة، وقاموا على حماية السائحين والمسافرين، وأطلقوا حرية العبادة لمختلف العقائد.
لقد أسس هولاكو حفيد جنكيزخان، بعد تدمير بغداد 1258، عاصمة جديدة اسمها المراغة شمال غربي فارس. ولما مات 1265 أصبح ابنه "أباقا" خان أو أمير فارس، وخضع خضوعاً غير ثابت لقبلاي خان، على بعد الشقة بينهما. ومن هنا بدأت أسرة الأيلخانية التي حكمت فارس والعراق حتى 1337. وكان أعظم أفراد هذه الأسرة هو غازان خان، الذي كاد أن يكون أقصر رجال جيشه قامة، ولكن أرادته كانت أقوى من أسلحتهم. وطرح غازان ولاءه للخان للأكبر في منغوليا أو الصين وجعل من دولته مملكة مستقلة، واتخذ من تبريز عاصمة لها، وقدم إليه الرسل من الصين والهند ومصر وإنجلترا وأسبانيا. وقد أصلح الإدارة، وثبت العملة، وحمى الفلاحين من ملاك الأرض ومن اللصوص، وساد الرخاء بدرجة تذكر ببغداد في أزهى أيامها. وشيد في تبريز مسجداً ومدرستين وأكاديمية للفلسفة ومرصداً ومكتبة ومستشفى. ووقف دخول أراض معينة، وقفاً دائماً للإنفاق على هذه المنشآت ، ووفر لها أعظم العلماء والأطباء ورجال العلم في ذاك العصر. وكان هو نفسه واسع الثقافة. وكان يعرف عدة لغات، واضح أن من بينها اللاتينية(1). ...ووصف ماركو بولو تبريز بأنها "مدينة عظيمة متألقة". وقال عنها فرا أودريك Fra Oderic، (1320) "إنها أجمل مدينة في العالم للتجارة، فهنا توجد أية سلعة بكميات وفيرة ...." ويقول المسيحيون هنا "إن الدخل الذي كانت تدفعه المدينة لحاكمها يفوق ما تدفعه فرنسا كلها لمليكها "(2) هذا بالإضافة إلى "المباني الأنيقة والمساجد الفخمة"، "وأروع الحمامات في العالم"(3). وقدر أودريك أن عدد سكانها يبلغ مليوناً من النفس.
وتابع أولجايتو السياسة المستنيرة التي انتهجها أخوة غازان. وشهد عصره بعضاً من أروع العمارة والزخرفة في تاريخ فارس، وان سيرة قاضي قضاته رشيد الدين فضل الله لتوضح ازدهار التعليم والثقافة والآداب في هذا العصر. وولد رشيد الدين سنة 1247 في همذان، وربما كان أبواه من اليهود، كما قال أعداؤه، مستشهدين بسعة اطلاعه وعلمه بالشريعة الموسوية. ولقد خدم رشيد الدين الخان أباقا كطبيب له، وغازان بوصفه كبيراً للوزراء، وأولجايتو بوصفه صاحب بيت المال. وشيد في إحدى الضواحي شرقي تبريز حياً جديداً أسماه "ربع الرشيد"، وهو مركز جامعي فسيح. وفي رسالة له محفوظة في مكتبة كمبردج يصف هذا المركز فيقول:
"لقد شيدنا نزلاً شاهقاً يناطح السحاب، و 1500حانوت تفوق الأهرام في رسوخها، و 30.000 منزل فاتن، كما شيدت فيها الحمامات الصحية والحدائق الغناء والمخازن والمطاحن ومصانع النسيج والورق. ونزح الناس من كل حدب وصوب إلى هذا الربع، وكان من بينهم مائتان من قراء القرآن. وزودنا بالمساكن 400 آخرين من العلماء ورجال اللاهوت ورجال القانون وعلماء الحديث، في شارع سمي "شارع العلماء". وأجرينا على هؤلاء جميعاً رواتب يومية وأرزاقاً ومخصصات سنوية للملابس، ومبالغ من المال لشراء الصابون والحلوى. وأتينا كذلك بألف طالب، وأصدرنا الأوامر بصرف الأرزاق والمخصصات اليومية لهم، حتى يتفرغوا في راحة وأمان، لطلب العلم ونفع الناس به. كما حددنا كذلك، من الطلبة، وكم منهم يدرسون مع كل أستاذ أو معلم. وبعد التحقق من صلاحية كل طالب وقدرته على فرع الدراسة الذي يريد التخصص فيه، أمرناه بأن يتعلمه.
وأولينا عنايتنا ورعايتنا بصفة خاصة وبطرق شتى، لخمسين طبيباً ماهراً جاءوا من الهند والصين ومصر وسوريا. فأمرنا بأن يترددوا على دار الشفاء كل يوم، وأن يتعهد كل منهم عشرة طلاب صالحين لدراسة الطب، ويدربهم على ممارسة هذا الفن الجليل. كما أمرنا بأن يعهد إلى أطباء النظارات والجراحين وأطباء العظام الذين يعملون بدار الشفاء، بخمسة من أبناء موظفينا وحاشيتنا ليتعلموا طب العيون والجراحة وطب العظام. ولكل هؤلاء الرجال شيدنا حياً خلف دار الشفاء... سمي "شارع الأطباء". كذلك استقرت كل جماعة من أرباب الحرف ورجال الصناعة الذين أتينا بهم من مختلف البلاد، في شارع سمي باسمها" (4). وخليق بنا أن يتولانا أشد العجب والدهشة لرجل وجد، مع إسهامه النشيط إدارة شئون المملكة، من الوقت والمعرفة ما استطاع معه تدوين خمسة كتب في اللاهوت، وأربعة في الطب وفي نظم الحكومة، وكتاباً من عدة مجلدات في تاريخ العالم. وفوق ذلك يؤكد لنا أحد المسلمين المعجبين أن رشيد الدين استطاع أن يخصص لتأليفه فترة ما بين صلاة الفجر وشروق الشمس. ومهما يكن من أمر فإن هناك أياماً تتلبد فيها السماء بالغيوم حتى في أذربيجان. وقضى رشيد الدين سبع سنين في كتاب "جامع التواريخ" ونشره في مجلدين ضخمين، ويقتضي نشره بالإنجليزية سبع مجلدات. وضمنه بيانات جوهرية عن المغول من جنكيزخان إلى غازان، وعن مختلف الدول والأسرات الإسلامية في شرقي العالم الإسلامي وغربيه، وعن فارس واليهود قبل بعثة الرسول وبعدها، وعن الصين والهند، مع دراسة مستفيضة لبوذا والبوذية، مع موجز مبسط لأعمال وأفكار ملوك أوربا وبابواتها وفلاسفتها، ويشهد كل الذين قرءوا هذه المجلدات- ولو أنها لم تترجم بعد إلى أية لغة أوربية- بأنها أقيم عمل في النثر الأدبي في فارس. ولم يستفد رشيد الدين من محفوظات حكومته فحسب، ولكنه استخدم كذلك علماء من الصين ليؤمنوا له المعاهدات الصينية وغيرها من الوثائق، ويبدو أنه قرأها مع غيرها من المراجع العربية والعبرية والتركية والمغولية، والتركية والمغولية، كل في لغته الأصلية(5).
ورغبة في نقل هذه المجموعة الوافية من التواريخ إلى الأعقاب رغم الزمن والحرب، أرسل رشيد الدين نسخاً من هذا الكتاب إلى المكتبات هنا وهناك، وترجم إلى العربية ووزع. وخصص أموالاً لكتابة نسخة بالعربية وأخرى بالفارسية في كل عام، لإهدائها إلى إحدى المدن في العالم الإسلامي. على أن كثيراً من هذا الكتاب مع مؤلفاته الأخرى قد ضاع، وربما يرجع هذا إلى الكارثة السياسية التي حلت به. ذلك أنه في سنة 1312 أشرك الأمير أو لجابتو على شاه مع رشيد الدين في الإشراف على بيت المال. وفي زمن "أبى سعيد"
قصة الحضارة ج26 ص30-34، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الأيلخانات في فارس
 
سمرقند في 31 أغسطس 1404.
:"وإنا لمدينون لمذكرات كلافيجو بمعظم ما نعلمه عن بلاط تيمور. فقد غادر قادس في 13 مايو 1403، ومر بالقسطنطينية وطرابزون وأرضروم, وتبريز وطهران (التي وردت الآن لأول مرة على لسان أحد الأوربين) ونيسابور، ومشهد، حتى وصل سمرقند في 31 أغسطس 1404. وكان قد توقع لسبب ما، أن هناك قوماً من السفاكين الكريهى الطلعة. وما كان أشد دهشته لكبر عاصمة تيمور وازدهارها، وفخامة المساجد والقصور، وسلوك سادتها وعاداتهم الحميدة، وثراء البلاط وترفه، واحتشاد للفنانين والشعراء حول تيمور احتفاء به وتكريماً له. وكانت المدينة آنذاك قد مضى على بنائها أكثر من ألفى عام، وكانت تضم نحو مائة وخمسين ألف نسمة مع "مجموعة من أعظم الدور وأجملها"، مع كثير من القصور "التي تضللها الأشجار"، بهذا كله رجح كلافيجو أن سمرقند "أكبر من أشبيلية"، هذا بخلاف الضواحي المترامية. وكان الماء يرفع إلى البيوت من نهر يجري بالقرب من المدينة، وكست مياه الري المنطقة الخلفية بالخضرة. وتضوع الهواء بعبير البساتين والكروم. وتوافرت المراعي للأغنام والماشية، ونمت المحاصيل الكثيرة. وكان في المدينة مصانع للمدافع والدروع والأقواس والسهام والزجاج والخزف، والمنسوجات المتناهية في اللمعان بما فيها "القرمزي" وهو الصباغة الحمراء، ومنه اشتقت اللفظة الإنجليزية Crimson. وكانت المدينة تضم التتار والأتراك والعرب والفرس والعراقيين والأفغانيين والكرجيين والأرمن والكاثوليك والنساطرة والهندوس، ممن يعملون في الحوانيت أو في الحقول، ويسكنون في بيوت من الطوب أو من الطين أو الخشب، أو يسرحون ويمرحون في المدينة على ضفة النهر، كل يمارس شعائره الدينية في حرية تامة، ويدعو لعقيدته المتعارضة مع سائر العقائد. وكانت تحف على جوانب الشوارع الرئيسية الأشجار والحوانيت والمساجد والمدارس والمكوالمكتبات، وكان هناك مرصد، وكان ثمة جادة رئيسية عريضة تقطع، في خط مستقيم، المدينة من أحد طرفيها إلى الطرف الآخر، وكان القطاع الرئيسي من هذا الطريق العام مغطى بالزجاج(26).
قصة الحضارة ج26 ص47-48، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> تيمور
 
القاهرة القذرة في عهد المجرمين حتى السيسي كانت غيرها في ماضي الاسلام المجيد
قال ديورانت:"وظلت القاهرة من 1258 حتى 1453 أجل وأزهى مدن العالم الإسلامي وأكثرها ازدحاماً بالسكان. ووصفها ابن بطوطة وصفاً رائعاً في 1326، وقال عنها ابن خلدون الذي زارها 1383 إنها "عاصمة الكون، جنة الدنيا، مكتظة بجميع أجناس البشر، عرش الملكية، مدينة ازدانت بالقصور والدور الفخمة والرهبنات والأديار والكليات، مضيئة بنجوم العلم والمعرفة، جنة يرويها النيل حتى ليبدو أن الأرض تقدم ثمارها إلى الناس على سبيل الهدية والتحية"(30) - وربما كان الفلاحون المنهوكون يعترضون على هذا.
قصة الحضارة ج26 ص52، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> المماليك
 
الإسلام حل المشاكل العتيقة- وقرر حرية العقيدة!
ويل ديورانت يؤكد
فالعثماني أورخان وصل خبر سماحته الإسلامية الى المدن التي أراد فتحها أو فتحها
:"فلم تقاوم طويلاً، لأنها كانت قد عانت من ظلم حكامها البيزنطيين، كما سمعت بأن أورخان لم يثقل الكواهل بالضرائب، وأنه رخص في حرية العقيدة - وكان كثير من هؤلاء المسيحيين في الشرق الأدنى هراطقة مرهقين: نساطرة أو من القائلين بأن للمسيح طبيعة واحدة. وسرعان ما ارتضى العقيدة الإسلامية جزء كبير من الأراضي المفتوحة، وهكذا تحل الحرب المشاكل اللاهوتية، على حين كانت هذه المشاكل قبل الحرب تقف عاجزة محيرة. ومذ وسع أورخان ملكه على هذا الشكل، فقد اتخذ لنفسه لقب سلطان العثمانيين. وعقد أباطرة بيزنطة أواصر السلام معه، واستأجروا جنوده، وسمحوا لابنه سليمان في بناء معاقل على أرض أوربا. وقضى أورخان نحبه وهو في الواحدة والسبعين من عمره، بعد أن خلد ذكراه بين جوانح شعبه.
قصة الحضارة ج26 ص56، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> العثمانيون
 
الفلك-الجداول الفلكية
:"وكان آخر تقدم أو محاولة نشيطة في الفلك الإسلامي في سمرقند حين صاغ راصد النجوم في مرصد أولوج بك في سنة 1437 الجداول الفلكية التي حظيت بأعظم التقدير في أوربا حتى القرن الثامن عشر.
قصة الحضارة ج26 ص74، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
الملاح العربي وفاسكودا جاما
:"وقاد ملاح عربي مزود بجداول وخريطة عربية، فاسكودا جاما من أفريقية إلى الهند في المرحلة التاريخية التي وضعت نهاية لسيطرة الإسلام الاقتصادية(49).
قصة الحضارة ج26 ص74، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
بن بطوطة
:"وفي الجغرافيا أنجب المسلمون شخصية عظيمة فذة في هذا العصر. ففي سنة 1304 ولد في طنجة محمد عبد الله بطوطة الذي طاف بدار الإسلام- العالم الإسلامي- لمدة أربع وعشرين سنة ثم عاد إلى المغرب ليقضي نحبه في فاس. وإن يوميات هذا الرحالة لتوحي بمدى انتشار الإسلام الواسع، فهو يذهب إلى أنه قطع في رحلته 75.000 ميل (أكثر من أي إنسان آخر قبل عصر البخار)، كما زعم أنه رأى غرناطة وشمال أفريقية وتمبكتو ومصر والشرقين الأدنى والأوسط وروسيا والهند وسيلان والصين، وأنه زار كل حاكم مسلم في هذا العصر. وفي كل مدينة كان يقدم احتراماته أولا إلى العلماء ورجال الدين ثم بعد ذلك إلى الملوك والحكام. وإنا لنرى النزعة الإقليمية عندنا منعكسة عليه حين يعدد "الملوك السبعة العظام في العالم"، وكأنهم مسلمون فيما عدا واحداً صينياً(50). إنه لا يصف الأشخاص والأماكن فحسب، بل يصف كذلك حيوان كل منطقة ونباتها والمعادن والأطعمة والأشربة والأسعار في مختلف البلاد، وكذلك المناخ ومظاهر الطبيعة والعادات، والأخلاق والطقوس الدينية والمعتقدات،وهو يتحدث بكل إجلال عن السيد المسيح والسيدة العذراء. ولكنه يشعر ببعض الارتياح والرضا حين يشير إلى أن "كل حاج يزور كنيسة القيامة في القدس يدفع رسوماً للمسلمين"(51). وعندما عاد إلى فارس روى كل تجاربه ومشاهداته، فأنزله سامعوه منزلة القصاص، ولكن الوزير أمر أحد سكرتيريه بتدوين ما أملاه ابن بطوطة من مذكرات. وضاع الكتاب وكاد أن ينسى، حتى وجد أخيراً أثناء الاحتلال الفرنسي الحديث للجزائر.
قصة الحضارة ج26 ص75، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
التاريخ الطبيعي وعلم الحيوان
محمد الدميري نموذجا
:"وفيما بين سنتي 1250 ، 1350 كان أعظم الكتاب إنتاجاً في التاريخ الطبيعي من المسلمين. فكتب محمد الدميري بالقاهرة كتاباً في علم الحيوان يقع في 1500 صفحة"
قصة الحضارة ج26 ص75، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
الطب والمستشفيات في العالم الإسلامي
الدورة الدموية
:"وكان الطب لا يزال قلعة سامية، (أي علماً برز فيه الجنس السامي). فكانت المستشفيات كثيرة في العالم الإسلامي"
قصة الحضارة ج26 ص75، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
ابن النفيس
:"وكان الطب لا يزال قلعة سامية، (أي علماً برز فيه الجنس السامي). فكانت المستشفيات كثيرة في العالم الإسلامي. وشرح طبيب من دمشق هو علاء الدين بن النفيس الدورة الدموية الرئوية (1260) قبل سرفيتس (طبيب أسباني، القرن 16) بنحو 270سنة"
قصة الحضارة ج26 ص75، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
تعليق: لماذا يهرب ديورانت كل مرة ويحاول أن يجعل العلم تبع للعرق وليس للمنهج؟
فلو علم أن هذا العلم الإسلامي هو منهج القرآن لكان أمره حقا خالصا
 
ابن الخطيب والطاعون
:"ونسب طبيب من غرناطة هو ابن الخطيب "الموت الأسود"إلى مرض معد، وأشار بالحجر الصحي للمصابين- معارضاً بذلك قول رجال الدين بأنه انتقام إلهي من خطايا الإنسان وآثامه. واشتمل بحثه "في الطاعون" (حوالي 1360 على هرطقة مشهورة: "يجب أن يكون من القواعد المقررة لدينا أن أي برهان مأخوذ من تقاليد "أتباع محمد" ينبغي أن يخضع للتعديل إذا تعارض تعارضاً واضحاً صريحاً مع الدليل الذي تأتي به الحواس (53).
قصة الحضارة ج26 ص76، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
تعليق
في الإسلام موضوع العزل هذا فالحجر الصحي ليس شئيا مخالفا للإسلام.
اما نسبة هذا الكلام لإبن الخطيب فيحتاج نقد.
 
في الجغرافيا أبو الفداء الدمشقي:
(فاق بحثه في الجغرافيا "تقويم البلدان" في اتساع مداه، أي مؤلف أوربي من نوعه في عصره)
:"وكان العلماء والمؤرخون كثيرين مثل الشعراء. وكانوا يكتبون باللغة العربية وهي لغة الاسبرانتو في العالم الإسلامي، كما جمعوا كثير من الأحوال بين الدرس والتأليف وبين النشاط السياسي والإداري. ومثال ذلك أبو الفداء الدمشقي، فقد اشترك في اثنتي عشرة حملة حربية، وكان وزيراً للملك الناصر في القاهرة، ثم عاد إلى سوريا حاكماً على حماه، وجمع مكتبة ضخمة، وألف مجموعة من الكتب تعتبر قمة مثيلاتها في هاتيك الأيام.وفاق بحثه في الجغرافيا "تقويم البلدان" في اتساع مداه، أي مؤلف أوربي من نوعه في عصره، وقد قدر فيه أن الماء يغطي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية ، وأشار إلى السائح حول العالم يكسب أو يفقد يوماً في مسيرة غرباً أو شرقاً، وكان كتابه "المختصر في أخبار البشر" هو التاريخ الإسلامي الأساسي المعروف لدى الغرب.
قصة الحضارة ج26 ص76، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
ابن خلدون(1)في نظر ديورانت
ديورانت (المؤرخ ) يجل ابن خلدون!(ولاحظ أن عنوان الفصل هو (عبقرية الإسلام) لكن هل فهم ديورانت ابن خلدون؟
قال
:"ولكن الاسم اللامع في كتابة التاريخ في القرن الرابع عشر هو عبد الرحمن ابن خلدون. فهنا نجد رجلاً ذا وزن وقيمة حتى في أعين أهل الغرب رجلاً عركته التجارب والسياحة وفن الحكم الذي مارسه عملياً، وهو مع ذلك حسن الاطلاع على الفن والأدب والعلوم والفلسفة في عصره، يكاد يحيط بالجوانب الإسلامية في هذا كله في "تاريخ للعالم". وإن مولد مثل هذا الرجل في تونس (1332) وارتفاع مكانته هناك، ليوحيان إلينا بأن ثقافة شمالي أفريقية لم تكن مجرد صدى للإسلام في آسيا، بل كان لها طابع وحيوية خاصتان بها، وتقول سيرة حياة ابن خلدون: "لم أزل منذ نشأت وناهزت منكباً على تحصيل العلم، حريصاً على اقتناء الفضائل، متنقلاً بين دروس العلم وحلقاته....".
وقضى الموت الأسود على أبوابه وعلى كثير من المعلمين، ولكنه تابع دراسته "إلى أن شددت بعض الشيء"(54). وهذا ضرب من الوهم يتميز به الشباب. وعين في العشرين من عمره سكرتيراً لسلطان تونس، ثم لسلطان فاس في الرابعة والعشرين، وفي سن الخامسة والعشرين دخل السجن. ثم انتقل إلى غرناطة وأرسل سفيراً لها لدى بطرس القاسي في أشبيلية. وعندما عاد إلى أفريقية أصبح الوزير الأول للأمير أبى عبد الله في "بجاية" ولكن كان لزماً عليه أن يفر لينجو بنفسه عندما خلع سيده وقتل. وأرسلته مدينة تلمسان في سنة 1370 مبعوثاً لها إلى غرناطة، ولكن اعتقله في الطريق إليها أحد أمراء المغرب العربي، وبقى ابن خلدون أربع سنوات في خدمة هذا الأمير ثم لجأ إلى حصن بالقرب من وهران، وهناك (1377) كتب "مقدمة تاريخه" وهي مقدمة "لتاريخ العمران". ولما كان في حاجة إلى كتب أكثر مما استطاعت وهران أن تمده بها فإنه عاد إلى تونس، ولكن هناك تألب عليه من ذوي النفوذ فيها، فانتقل إلى القاهرة (1384)، وكانت شهرته كعالم قد طبقت الآفاق، وازدحم حوله الطلاب حين كان يحاضر في الجامع الأزهر، وأجرى عليه السلطان برقوق راتباً "كما كانت عادته مع العلماء"(55). وعين قاضياً للمالكية، فطبق القوانين بصرامة شديدة وأغلق الملاهي مما أدى إلى هجوه وعزله من منصبه، فاعتزل الحياة العامة ثانية. ثم أعيد إلى منصب قاضي القضاة، وصحب السلطان ناصر الدين فرج في حملة ضد تيمور، وهزمت القوات المصرية، فالتمس ابن خلدون ملجأ له في دمشق، وحاصرها تيمور، وكان مؤرخاً آنذاك في سن الشيخوخة، فرأس وفداً يلتمس من التتري المنتصر شروطاً لينة رفيقة وأحضر- مثل أي مؤرخ آخر، مخطوطة تاريخه معه، وقرأ على تيمور الجزء الخاص به وسأله أن يصحح له معلوماته، وربما كان قد تعمد مراجعة الصفحات قبل ذلك لهذا الغرض نفسه. ونجحت الخطة، وأطلق تيمور سراحه، وما لبث أن عاد لبن خلدون مرة أخرى قاضياً للقضاة في القاهرة، ومات وهو في هذا المنصب، في سن الرابعة والسبعين (1406).
وألف ابن خلدون وسط هذه الحياة القلقة موجزاً عن فلسفة ابن رشد، وأبحاثاً في المنطق والرياضيات، ومقدمة ابن خلدون، وتاريخ البربر، وشعوب الشرق، والكتب الثلاثة الأخيرة فقط هي الباقية، وهي تشكل في مجموعها "تاريخ العالم" (كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر). والمقدمة واحدة من الروائع في الأدب الإسلامي وفي فلسفة التاريخ، فهي إنتاج "حديث" إلى درجة مذهلة لعقلية عاشت في العصور الوسطى. ويرى ابن خلدون أن التاريخ "فرع هام من الفلسفة"(56)، وينظر نظرة عريضة واسعة إلى مهمة المؤرخ: "اعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال، مثل التوحش والتأنس والعصبيات، وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال" (57). (ص 33 من مقدمة ابن خلدون طبعة كتاب الشعب- القاهرة 1969). واعتقاداً منه بأنه أول من كتب التاريخ بهذه الطريقة، فإنه يسأل القارئ الصفح عن أية أخطاء لم يكن في الإمكان تجنيها فيقول: "وأنا من بعدها موقن بالقصور بين أهل العصور، معترف بالعجز عن المضاء في هذا القضاء، راغب من أهل اليد البيضاء،
والمعارف المتسعة الفضاء، في النظر بعين الانتقاد، لا بعينالارتضاء، والتغمد لما يعثرون عليه بالإصلاح والإغضاء.فالبضاعة بين أهل العلم مزجاة والاعتراف من اللوم منجاة،والحسنى من الإخوان مرتجاة. والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصةلوجهه الكريم، وهو حسبي ونعم الوكيل"(58).(المصدر السابق، ص 10)
ثم هو يأمل في أن يكون كتابه هذا عوناً على الأيام الحالكة التي تنبأ بها:
وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله،وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة، وعالممحدث. فاحتاج لهذا العهد من يدون أحوال الخليفة والآفاقوأجيالها، والعوائد والنحل لأهلها، ويقفو مسلك المسعودىلعصره، ليكون أصلاً يقتدي به من يأتي من المؤرخين من بعده (59)".(المصدر السابق، ص 31).
ويخصص ابن خلدون بعض صفحات يملؤها الزهو والفخر، يشير فيها إلى أخطاء بعض المؤرخين. ويحس بأنهم ضلوا في مجرد ترتيب الأحداث ترتيباً زمنياً، وقل أن ارتفعوا إلى مستوى إيضاح الأسباب والنتائج. وتقبلوا الخرافة بمثل الارتياح الذي تقبلوا به الحقيقة تقريباً، وقدموا إحصاءات مبالغ فيها، وفسروا أشياء كثيرة جداً بقوى خارقة للطبيعة، أما بالنسبة له، فهو يعتزم أن يعول كلية على العوامل الطبيعية في تفسير الحوادث. ولسوف يحكم على ما يكتبه المؤرخون في ضوء التجارب الراهنة للجنس البشري، ويرفض أي حدث مزعوم يعتبر الآن مستحيل الوقوع. فإن التجربة يجب أن تفصل في صحة التقاليد أو فسادها(60). وكان منهجه في "المقدمة" هو أن يعالج أولاً فلسفة التاريخ، ثم يتناول أشغال الناس ومهمتهم وبراعاتهم، وأخيراً يعرض لتاريخ العلوم والفنون، وهو يدون في مجلدات متعاقبة التاريخ السياسي لمختلف الأمم، الواحدة تلو الأخرى، متعمداً التضحية بوحدة الزمان في سبيل وحدة الحضارة، كيف تنشأ، وكيف يحتفظ بها وكيف تنمي الآداب والعلوم والفنون، ولماذا تبلى(61)، فالإمبراطوريات- مثل الأفراد- لها حياة ولها مسارات خاصة بها. إنها تنشأ وتنضج وتضمحل(62) فما هي أسباب هذا التعاقب؟
والأحوال الأساسية في هذا التعاقب هي أحوال جغرافية. ذلك أن للمناخ تأثيراً عاماً ولكنه أساسي. فالشمال البارد ينتج آخر الأمر، حتى في أناس أصلهم من الجنوب، جلداً أبيض اللون وشعراً خفيفاً، وعيوناً زرقاء وميلاً إلى الجدية. أما الأقاليم المدارية فتنتهي بمرور الزمن إلى الجلد الأسمر والشعر الأسود، "وتغلب الروح الحيوانية"، وخفة في العقل والمرح وسرعة التنقل بين المسرات مما يؤدي إلى الغناء والرقص (63). ويؤثر الطعام في الخلق. فالغذاء الثقيل المكون من اللحوم والتوابل والحبوب بسبب بلادة الجسم والعقل، والاستسلام السريع للقحط أو العدوى. أما الغذاء الخفيف، مثل هذا الذي تتناوله شعوب الصحراء، فإنه يساعد على رشاقة الأجسام وصحتها، وعلى سلامة العقول. وعلى مقاومة المرض (64). وليس ثمة تفاوت فطري في القدرة الكامنة بين شعوب الأرض: فإن تقدمهم أو تأخرهم تحدده الأحوال الجغرافية، ويمكن تغييره بتغيير هذه الأحوال، أو بالهجرة إلى مكان آخر (65).
أما الأحوال الاقتصادية فهي أقل قوة فقط من الجغرافية. ويقسم ابن خلدون المجتمعات إلى رحل ومقيمة أو مستقرة تبعاً لوسائل الحصول على القوت، ويعزو معظم الحروب إلى الرغبة في الحصول على مصدر للغذاء أكثر وفرة. فالقبائل الرحل لابد أن تغزو إن عاجلاً أو آجلاً، الجماعات المستقرة المتوطنة، لأن هؤلاء الرحل مرغمون بحكم ظروف حياتهم على التمسك بالصفات الحربية مثل الشجاعة وقوة الاحتمال والجلد والتماسك. وقد يدمر الرحل حضارة، ولكنهم لا يستطيعون إقامة حضارة قط. فإن الشعب المقهور يمتص دماء الرحل وثقافتهم. ولا يستثنى من ذلك العرب الرحل. والحرب أمر طبيعي طالماً أن الشعب غير قانع أبداً لأمد طويل بما لديه من غذاء. إن الحرب هي التي تنشىء السلطان السياسي وتجدده، ومن ثم كانت الملكية هي الشكل المألوف للحكومة. وقد سادت في كل حقب التاريخ تقريباً (66). وقد تنشىء السياسة المالية مجتمعاً أو تهدمه، فإن فرض الضرائب الباهظة أو دخول الحكومة إلى مجال الإنتاج والتوزيع، يمكن أن يخمد أو يقضي على الحوافز والمغامرة والمنافسة، ويقتل البقرة الحلوب التي تدر الدخل (67). ومن جهة أخرى فإن الإفراط في تركيز الثروة قد يمزق المجتمع إرباً بإذكاء نار الثورة(68).
وثمة قوى معنوية في التاريخ.وفي تماسك الناس تدعيم للإمبراطوريات، وأفضل وسيلة لتأمين هذا هو غرس عقيدة واحدة وممارستها. ويتفق ابن خلدون مع البابوات ومحاكم التفتيش والمصلحين الدينيين البروتستانت على عقيدة واحدة.
وذلك لأن الملك إنما يحصل بالتغلب . والتغلب إنما يكون بالعصبية، واتفاق الأهواء على المطالبة، وجمع القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه. قال تعالى: "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم". وسره أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا، حصل التنافس وفشا الخلاف. وإذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على الله اتحدت وجهتها، فذهب التنافس وقل الخلاف ، وحسن التعاون والتعاضد، واتسع نطاق الكلمة لذلك، فعظمت الدولة، كما نبين لك بعد إن شاء الله سبحانه وتعالى وبالله التوفيق، لا رب سواه (69). المصدر السابق، ص 142).
وليس الدين عوناً في الحرب فحسب، بل إنه كذلك خير عون على النظام في المجتمع، وعلى اطمئنان النفس وهدوء البال عند الناس فرادى. ولا يتأنى هذا إلا بعقيدة دينية تتقرر بلا مساءلة ولا جدال. إن الفلاسفة ليبتدعون مئات الأساليب، ولكن واحداً منهم لم يقع على بديل للدين، كمرشد ومصدر إلهام للبشر في حياتهم "وما دام الإنسان لا يستطيع فهم الدنيا، فإن من الخير له أن يتقبل العقيدة التي ينقلها إليه مشرع ملهم تلقى الوحي، يعرف ما فيه خيرنا ونفعنا أكثر مما تعرف نحن، ويشرع لنا ما ينبغي علينا أن نؤمن به وما ينبغي علينا أن نفعل (70)، وبعد هذه المقدمة الرشيدة ينتقل مؤرخنا الفيلسوف إلى تفسير للتاريخ قائم على المذهب الطبيعي. إن كل إمبراطورية تمر بأطوار متعاقبة:
1- تحط قبيلة متنقلة منتصرة رحالها لتنعم بما أفاء الله به عليها من فتح رقعة من الأرض أو ولاية. "إن أقل الأقوام حضارة أعظمها فتوحاً"(71).
2- وكلما ازدادت العلاقات الاجتماعية تعقيداً، اقتضى الأمر سلطة أكثر تركيزاً بغية المحافظة على النظام، فيصبح الرئيس القبلي ملكاً.
3- وفي هذا النظام المستتب، تنمو الثروة، وتتصاعد المدن، ويرتقي التعليم والآداب ،وتجد الفنون من يرعاها، وتبزغ شمس العلوم والفلسفة. ويؤذن التوسع في سكنى المدن والحياة الناعمة بفضل الثراء، ببداية الاضمحلال.
4- إن المجتمع الذي أثرى يبدأ في إيثار المسرة والترف والدعة على العمل أو المغامرة أو الحرب ، ويفقد الدين سيطرته على الإنسان وعقيدته، وتنحط الفضائل والأعمال الحربية، ومن ثم يكون الاتجاه إلى استخدام الجنود المرتزقة للدفاع عن المجتمع، ومثل هؤلاء تعوزهم حماسة الروح الوطنية والعقيدة الدينية، وكأن الثروة التي لا يحسن الدفاع عنها تغري بمهاجمتها ملايين الجياع المضطربين فيما وراء الحدود.
5- إن الحملات الخارجية أو الدسائس الداخلية، أو كلتيهما معاً تسقط الدولة (72).
تلك كانت دورة الزمن بالنسبة لرومه، والمرابطين والموحدين في أسبانيا، والإسلام في مصر وسوريا والعراق وفارس، وهي تجري دائماً على هذا المنوال(73).
تلك هي قلة قليلة من آلاف الأفكار التي جعلت من "مقدمة ابن خلدون" أشهر نتاج فلسفي في القرن الذي عاش فيه. وكان لابن خلدون أفكاره الخاصة به كل شيء تقريباً، فيما عدا الدين الذي يرى أنه ليس من الحكمة أن يكون فيه مبتكراً. وعلى حين أنجز عملاً ضخماً من أمهات الكتب في الفلسفة يصرح بأن الفلسفة خطيرة، وينصح قراءه بأن يتركوها وشأنها (74). ويحتمل أنه قصد ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا) واللاهوت، أكثر مما قصد الفلسفة بمعناها الأوسع، كمحاولة لرؤية أحوال الإنسان من وجهة نظر أكثر شمولاً. إنه يتحدث في بعض الأحيان كما تتحدث أبسط امرأة عجوز في السوق، فيسلم بالمعجزات والسحر، و "العين الشريرة"، والخواص الغامضة لحروف الهجاء، ونبوءات الأحلام، والأمعاء، أو طيران الطيور (75). وهو مع ذلك يعجب بالعلوم، ويقر بتفوق اليونان على المسلمين في هذا المضمار، ويرثى لتدهور الدراسات العلمية في الإسلام (76). ويستنكر الكيمياء القديمة- ويعترف بشيء من الإيمان بالفلك (77).
قصة الحضارة ج26 ص76-84، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
ابن خلدون(2)في نظر ديورانت
:"وثمة سقطات معينة أخرى يجدر إيرادها. ذلك أنه على الرغم من ابن خلدون كان رحب الأفق، قدر رحابة الإسلام، إلا أنه شاطر الإسلام كثيراً من تحديداته، فلم يجد في مجلدات مقدمته الثلاثة إلا سبع صفحات للكلام عن المسيحية. ولم يورد ذكر اليونان والرومان وأوربا في العصور الوسطى غلا عرضاً. وعندما دون تاريخ شمال أفريقية ومصر الإسلامية والشرقين الأدنى والأوسط، اعتقد ذلك أنه قد روى "تاريخ الشعوب"(78). وهو في بعض الأحيان جاهل جهلاً معيباً يؤاخذ عليه، فيذهب إلى أن أر سطو كان يعلم من رواق وسقراط من دن (79).أن كتابته الفعلية في التاريخ تتخلف كثيراً عن مقدمته النظرية، ومجلداته عن البربر والشرق عبارة عن سجل جاف موحش لأنساب الأسرات وتسلسلها، ودسائس القصر، والحروب الصغيرة. ومن الواضح أنه قصد أن تكون هذه المجلدات تاريخاً سياسياً فحسب، وكتب المقدمة بوصفها تاريخاً للثقافة ، ولو أنها على الأرجح نظرة عامة في الثقافة.
قصة الحضارة ج26 ص84، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
ابن خلدون(3)في نظر ديورانت
:"ولكي تستعيد تقديرنا وإجلالنا لبن خلدون، جرى بنا أن نتساءل فقط عن أي عمل مسيحي في القرن الرابع عشر يمكن أن يضارع "المقدمة".
قصة الحضارة ج26 ص84، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
ابن خلدون(4)في نظر ديورانت:فقد أحس ابن خلدون، وله بعض الحق، أنه خلق علم الاجتماع. إننا لا نستطيع، في أي أدب كان قبل القرن الثامن عشر، العثور على فلسفة للتاريخ، أو على منهج لعلم الاجتماع
النص:"
ولكي تستعيد تقديرنا وإجلالنا لبن خلدون، جرى بنا أن نتساءل فقط عن أي عمل مسيحي في القرن الرابع عشر يمكن أن يضارع "المقدمة". وربما كان بعض المؤلفين القدامى قد تناولوا جانباً من هذا الميدان الذي طرقه ابن خلدون. وكان أحد أبناء جلدته، وهو المسعودى (المتوفى 956) قد عالج في كتاب مفقود الآن، تأثير الدين والاقتصاد والسلوك والبيئة على شخصية الشعب وقوانينه، كما تناول أسباب الاضمحلال السياسي(80). ومهما يكن من أمر فقد أحس ابن خلدون، وله بعض الحق، أنه خلق علم الاجتماع. إننا لا نستطيع، في أي أدب كان قبل القرن الثامن عشر، العثور على فلسفة للتاريخ، أو على منهج لعلم الاجتماع، يمكن أن يباري في قوته ومداه ودقة تحليله منهج ابن خلدون. إن رائد فلسفة التاريخ في عصرنا قد حكم على مقدمة ابن خلدون بأنها أعظم تأليف من نوعه أنتجه عقل بعد في أي زمان أو مكان (81). وقد يقارن به كتاب هربرت سبنسر "مبادىء علم الاجتماع" 1876-1896، ولكن كان لسبنسر معاونون كثيرون. إننا على أية حال قد نتفق مع مؤلف ممتاز مشهور في تاريخ العلوم "على أن أهم مؤلف تاريخي في العصور الوسطى"(82) هو مقدمة ابن خلدون.
قصة الحضارة ج26 ص85، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
 
هناك مسألة ينبغي التنبه لها
وهي مسألة استخدام ابن خلدون أو ابن رشد ومحاولة جعله ماركسيا أو لاتينيا(غربيا) أو ماديا
فقد قامت محاولات ماركسية كبيرة (عربية وروسية)في جعل فكر بن خلدون فكرا ماركسيا وتجد ذلك في كتابات بعض الماركسيين العرب.
وكذلك محاولة جعل ابن رشد علمانيا ..
مع أنهما صرحا بوضوح أنهما من علماء هذه الأمة وأن منهجهما منهج إسلامي .
تجد مثلا محمد أركون يحاول جهده نقل ابن رشد في المربع العلماني لكنه عندما يعجز يحاول التنبيه على أن ابن رشد كان ومازال يدور في دائرة العقائد المنغلقة!
هنا ايضا تجد المؤرخ الكبير ويل ديورانت يعرض حضارة الإسلام وأن لها عناصر علمية مختلفة في النظر إلى الكون والحياة والإنسان لكنه لايرجعها غالبا إلى الوحي القرآني أو المنهج الرباني الإسلامي ولو فعل لأسلم للتو كما فعل بوكاي أو هوفمان أو محمد أسدالنمساوي أو جارودي أو مريم الجميلة اليهودية أو جفري لانج إلخ.
لذلك تراه وهو يقدم بين يدي هذه المكتشفات العلمية الإسلامية التي أغرقت أوروبا بالأدوات العلمية والمادية وشغلتها ثمانية قرون كاملة ، يقدم بين يدي ذلك كله بكلام ينفي فضل الإسلم نفسه، والمعتقدات الدينية الإسلامية على علماء الطبيعة والكون والعلل والأسباب في الإسلام.
قال ديورانت:"الفكر الإسلامي ..أفلت شمس العلم والفلسفة وضاع مجدها، لأن الدين كان قد كسب معركته ضدهما، في الوقت الذي كان فيه يتراجع ويستسلم في الغرب المراهق. وكان الذين يحظون بالشرف الرفيع هم رجال الدين والدراويش والنساك والأولياء، أما العلماء فقد قصدوا إلى استيعاب نتائج أبحاث أسلافهم، أكثر مما قصدوا إلى إمعان النظر في الطبيعة من جديد. وكان آخر تقدم أو محاولة نشيطة في الفلك الإسلامي في سمرقند حين صاغ راصد النجوم في مرصد أولوج بك في سنة 1437 الجداول الفلكية التي حظيت بأعظم التقدير في أوربا حتى القرن الثامن عشر. وقاد ملاح عربي مزود بجداول وخريطة عربية، فاسكودا جاما من أفريقية إلى الهند في المرحلة التاريخية التي وضعت نهاية لسيطرة الإسلام الاقتصادية(49)."( قصة الحضارة ج26 ص74، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الفكر الإسلامي
وهناك منهجيات غربية كثيرة ترجع ذلك الفعل الإسلامي العلمي في تاريخ العلوم إلى فكر اليونان أو أرسطو (فعل ذلك الجابري وفعل ذلك كثير من المؤرخين الغربيين الذين راحوا يرجعون المؤثرات الإسلامية في حضارتهم إلى جذور اليونان والرومان!
الموضوع طويل لكني لا أجد في هذا الموضع إلا أن أضع لكم كتاب العلامة الدكتور عماد الدين خليل عن ابن خلدون وأيضا كتاباته عن الحضارة الإسلامية وأصولها المنزلة في الوحي الرباني.
عنوان الكتاب: ابن خلدون إسلاميا
المؤلف: عماد الدين خليل
حالة الفهرسة: غير مفهرس
الناشر: المكتب الإسلامي
سنة النشر: 1403 - 1983
http://waqfeya.com/book.php?bid=7991
 
صحيح أن ديورانت وضع عنوان(عبقرية الإسلام كمقدمة للكلام الفائت، عن حرية المعتقد وإنشاء العلوم!، أو ظهورها في عالم المسلمين لكنه من ناحية راح يحجب القرآن نفسه الوحي نفسه الرسول نفسه ومانزل عليه كأعظم تأثير على أولئك العلماء ومافعلوه في التاريخ
وهنا نجد حيرة ديورانت أو اللاأدرية في فكره عن الإسلام أو بالأحرى الضلال عن الحقيقة لو كما قال هو بنفسه إنه يتبع هوى قومه في كثير من نظره للإسلام كدين.
فهو مثلا احيانا كثيرة يرمي الإسلام بالجبرية والقدرية المميتة مع أن الإسلام دعا للأخذ بالأسباب وتكلم عن الأسباب المادية في هدم المجتمعات أو نهضتها وهكذا
والنص قدمناه في بداية مشورانا مع كتابه عن قصة الحضارة.
 
كان الإسلام متفوقاً على أوربا
قال ديورانت وهو يقدم بين يدي موضعه عن الإسلام في إفريقيا
:"1200- 1566
إنه من العسير علينا، نحن المحصورين في العالم المسيحي، أن ندرك أنه منذ القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر، كان الإسلام متفوقاً على أوربا من النواحي الثقافية والسياسية والعسكرية. وحتى في أيام اضمحلاله في القرن السادس عشر، ساد من دلهي وما وراءها حتى كازابلنكا، ومن أدرنه إلى عدن، ومن تونس إلى تمبكتو"
قصة الحضارة ج26 ص86،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الإسلام في أفريقية
 
حوافز جديدة للاستزادة من العلوم والفنون والصناعة
"وكان الأمير يعقوب الثاني الذي حكم بين 1269-1286 من فاس أو من مراكش، من أكثر الأمراء استنارة في قرن تقدمي. ونأى حاكماً عادلاً ومحسناً خيراً حكيماً، لطفي الدين بالفلسفة، ونأى بنفسه عن التعصب الأعمى، وشجع الاتصال الودي بالأوربيين. واستقبلت هاتان المدينتان كثيراً من اللاجئين من أسبانيا، وأحضر هؤلاء معهم حوافز جديدة للاستزادة من العلوم والفنون والصناعة"
قصة الحضارة ج26 ص87،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الإسلام في أفريقية
تعليق
هذه الحوافز الجديدة أخذتها أوروبا أيضا من الأندلس ، وبكل وسيلة ممكنة، عرضها التاريخ أو لم يعرضها، ويكفي صرخة الفارو القرطبي ليتبين لنا مافعله ذلك التأثير الهائل للعلوم الإسلامية على الشباب الأوروبي يوم كانت شعلة الإسلام مضيئة ثمانية قرون في الغرب نفسه.. وفي أوروبا نفسها.(أسبانيا-البرتغال(أو البرتقال في الأصل) وصقلية) بل وفي مملكة فرديردك الثاني والثالث!
 
قال ديورانت في نص تدليسي فيه ضلال عن الحقيقة
:"ولم يعترف الشيعة بخلفاء شرعيين غير علي وحلفائه الاثنى عشر وهم "الأئمة"، ولما كان الدين والحكومة غير منفصلين في الإسلام، فإن لمثل هذا الخليفة، طبقاً لهذه النظرية حقاً إلهياً في الجمع بين السلطتين الدينية والزمنية. وكما اعتقد المسيحيون أن المسيح سوف يعود ليؤسس مملكته على الأرض، كذلك اعتقد الشيعة أن الإمام الثاني عشر - محمد بن الحسن - لم يمت قط، وأنه سوف يظهر من جديد في يوم من الأيام ليقيم حكمه المبارك على الأرض. وكما أدان البروتستانت الكاثوليك بأنهم ارتضوا التقاليد جنباً إلى جنب مع الكتاب المقدس كدليل أو مرشد إلى العقيدة الصحيحة، كذلك اتهم الشيعة أهل السنة - وهم الغالبية الذين يعتنقون العقيدة الإسلامية الصحيحة، الذين وجدوا أن الطريق المستقيم ليس في القرآن وحده بل كذلك في كل ما أتى الرسول كما جاء في تقاليد أصحابه وأتباعه. وكما ترك البروتستانت الصلاة على القديسين وأغلقوا الأديرة، لم يشجع الشيعة التصوف وأغلقوا أروقة الدراويش، التي كانت مثل أديار أوربا في بدايتها، مراكز لكرم الضيافة "
قصة الحضارة ج26 ص92-93، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> فارس تحت حكم الصفويين
تعليق
صحيح أن الدين والحكومة غير منفصلين في الإسلام، لكن ليس كما زعم ديورانت بإعطاء الحق الإلهي للسلطة الزمنية وجمعها في يد شخص أو جماعة مع السلطة الدينية، فليس في الإسلام حق إلهي في أية سلطة زمنية أو دينية بدليل حديث النبي لجابر رضي الله عنه عن حكم الإجتهاد.
صحيح أن الشريعة الثابتة لاتتغير ولكن صحيح أيضا أن الحاكم في الإسلام ليس مفوض ربانيا عنده الحق الإلهي في أن يكون كلامه هو ككلام الله أو شريعته بل كل مايشرعه من غير الثوابت قابل للتغير إن لم يحصل عليه الإجماع التام من العلماء والأمة ، ومعلوم أن الحاكم في الإسلام قابل للعزل فلو كان عنده الحق الإلهي كما زعم ديورانت لما تجرأ أحد على عزله وخطبة أبو بكر في التقويم وكذلك عمر واضحة في ذلك وضوح الشمس في رابعة النهار فضلا عن النصوص التي شكلت رؤيتهم للحكم والحكام.
إن هذه اللخبطة في كلام ديورانت هي الظلمات التي جعلت ديورات يساوي بين الإسلام وغيره وهي التي منعته من رؤية عناصر الإسلام الكبرى في حضارتنا وحضارة الغرب نفسها فلولا تنشئة الإسلام أهله على تلك الإسباب لكان حال الإسلام كحال النصرانية-أو الميحية- في زمن الرومان ومابعدها!
 
سليمان القانوني والغرب
خلف سليمان القانوني أباه سليم الأول في 1520، وهو إذ ذاك في سن السادسة والعشرين. وقد كسب لنفسه شهرة لشجاعته في القتال وكرمه في صداقته، وقدرته في إدارة الولايات التركية. وهيأت له تقاطيعه المليحة وسلوكه المهذب أن يقابل بالترحيب في القسطنطينية التي شقيت بسليم العبوس، ووصفه إيطالي رآه عقب توليه العرش مباشرة بأنه طويل نحيل قوي، ذو عنق طويل جداً، وأنف متقوس جداً ولحية وشوارب خفيفة، وبشرة شاحبة رقيقة، ووجه صارم هادئ، وبدا وكأنه طالب أكثر منه سلطان(13). ووصفه إيطالي بعد ثماني سنوات بأنه "شاحب إلى حد رهيب ... مكتئب، زير نساء عجول، ومع ذلك فهو في بعض الأحيان وديع مهذب"، أما غسلين دي بوسبك Ghislain de Busbeq سفير آل هبسبرج لدى الباب العالي، فقد وصف بطريقة تكاد تكون ودية رقيقة ألد أعداء آل هبسبرج فقال:
لقد كان له دائماً طابع الرجل الحذر اليقظ
المعتدل. وحتى في بواكير أيامه، حين كانت قواعد
الحكم في تركيا تجيز الصفح عن الخطايا، لم يكن
في حياته ما يعاب عليه، لأنه حتى في أيام شبابه
لم يدمن على الخمر، ولم يقترف أياً من الجرائم
غير الطبيعية أولئك الذين جنحوا إلى تشويه أعماله وتصرفاته
أن يدسوا ضده شيئاً أسوأ من إفراطه في حب
زوجته ... ومن الحقائق المعروفة جيداً أنه منذ
اتخذ منها خليلة شرعية، كان مخلصاً لها كل
الإخلاص، برغم أنه لا يوجد في القوانين ما يمنع
من اتخاذ خليلات كذلك(14)".
إنه وصف جدير بالملاحظة، ولكنه يتسم بالملق الشديد. ولا ريب في أن سليمان كان أعظم وأنبل سلاطين آل عثمان، وأنه كان يضارع أي حاكم في عصره من حيث الكفاية والحكمة والخلق، ولكنا سوف نراه بين الحين والحين موصوماً بالقسوة والحقد والانتقام. ومهما يكن من أمر، فلنبدأ على سبيل التجربة، بالنظر إلى صراعه مع العالم المسيحي.
قصة الحضارة ج26 ص100-101، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> سليمان القانوني والغرب
التعليق لكم
خصوصا من درس تاريخ سليمان القانوني
 
الكلام التالي لديورانت :"طال أمد الصراع العسكري بين المسيحية والإسلام آنذاك نحو 900 سنة. فقد بدأ حين انتزع العرب المسلمون سوريا من الإمبراطورية، كما غزا فيها المغاربة المسلمون أسبانيا. وثأر العالم المسيحي لهذا الغزو، وفي الحروب الصليبية التي غطى فيها الطرفان أطماعهما الاقتصادية وجرائمهما السياسية بستار من شعارات دينية وحماس ديني، انتقم المسلمون بالاستيلاء على القسطنطينية والبلقان وطردت أسبانيا المغاربة. ودعا البابوات الواحد تلو الآخر إلى شن حملات صليبية جديدة ضد الأتراك، كما أقسم سليم الأول أن يشيد مسجداً في قلب رومه. واقترح فرانسوا الأول على الدول الغربية أن تقضي على دولة الأتراك قضاء مبرماً، وتقتسم ممتلكاتها فيما بينها، باعتبارها غنائم من الكفار(15). وأحبط هذه الخطة انقسام ألمانيا في الحروب الدينية، وثورة الكوميونات (الوحدات الإدارية) الأسبانية ضد شارل الخامس، ونكوص فرانسوا الأول نفسه عن اقتراحه وتفكيره من جديد في التماس العون من سليمان ضد شارل. وربما كان لوثر قد أنقذ سليمان، كما كانت اللوثرية مدينة له بفضل كبير.
إن كل حكومة تكافح لتوسيع رقعتها، لتزيد من مواردها ودخولها من جهة، وإيجاد ارض حاجزة حامية بين حدودها وعاصمتها من جهة أخرى. وارتأى سليمان أن أحسن وسيلة الدفاع هي الهجوم
قصة الحضارة ج26 ص101-102، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> سليمان القانوني والغرب
تعليق
بصرف النظر عن جرائم بعض الأمراء السياسية مع أن نص ديورانت عام وهو خطأ علمي صدر عنه، إلا أنه لم يحسن رؤية الإسلام نفسه وفعله في التاريخ، فالإسلام جاء لتحرير الشعوب وقد فعل، وحقق ماوعد به حقا، ونصوص القرآن عن ذلك لم تنزع منه، فالمسلمون حققوه كما هو، وأما ماحدث من بعض الأمراء فيما بعد فترة الخلافة، خصوصا، من سقطت بلاد المسلمين على أيديهم، فهؤلاء خالفوا الدعوة الربانية في الغاية والوسيلة، حتى أزاحتهم النصرانية عن معاقل الإسلام المتقدمة، تلك المعاقل التي أشعلت العالم في المدة الطويلة لحضارتنا، بالعلوم ومنتجات العلوم في صورتها التقنية والمادية والعمرانية، من الطب حتى الرياضيات والتجارة وغير ذلك.
 
سليمان القانوني(1) في التاريخ و التصور الغربي
يقول ديورانت:"
وارتأى سليمان أن أحسن وسيلة الدفاع هي الهجوم، فاستولى على معاقل المجر في ساباكس وبلغراد، ولما شعر بالاطمئنان والأمن في الغرب، وجه قواته ضد رودس حيث احتفظ المسيحيون هناك تحت حكم فرسان القديس يوحنا، بقلعة منيعة تقع مباشرة على الطرق المؤدية من القسطنطينية إلى الإسكندرية وسوريا، وبدا لسليمان أن هذا معقل خطير أجنبي في بحر هو بدون هذا المعقل بحر تركي، والحق أن سفن القرصنة عند الفرسان انقضت على تجارة المسلمين في أحد طرفي البحر المتوسط(16)، كما انقض قراصنة المسلمين على تجارة المسيحيين في الطرف الآخر. وكان مصير المسلمين الذبح إذا أسرهم الفرسان في حملاتهم(17). كما اعترض الفرسان طريق السفن التي تنقل الحجاج إلى مكة، إذا ساورهم الشك في أن لها أغراضاً عدائية. ويقول مؤرخ مسيحي: "على أي الأحوال لم يكن سليمان بحاجة إلى ما يبرر الهجوم على رودس"(18) : ويضيف مؤرخ إنجليزي مشهور إلى هذا قوله: "كان من مصلحة النظام العام أن تضم الجزيرة إلى مملكة الأتراك"(19).
وشن سليمان هجومه ومعه ثلاثمائة سفينة وثلاثمائة ألف رجل. واستمر المدافعون عن الجزيرة بقيادة رئيسهم الأكبر العجوز فيليب دي فيليرز دى ليل- آدم (Phiiuppe de Villers de Lile-Adam)، يقاتلون محاصريهم لمدة 145 يوماً، وأخيراً استسلموا بشروط مشرفة، منها أن يغادر الفرسان وجنودهم الجزيرة في أمان، كما يكون، في مدى عشرة أيام، للسكان الباقين الحرية الدينية الكاملة, مع إعفائهم من الجزية لمدة خمس سنوات، وفي يوم عيد الميلاد طلب سليمان أن يرى فيليب، فواساه وامتدح دفاعه الباسل ونفحه هدايا ثمينة، كما أبدى السلطان لوزيره إبراهيم: "أنه أسف أشد الأسف لاضطراره إلى إرغام هذا المسيحي على أن يغادر في شيخوخته وطنه وممتلكاته(20). وفي أول يناير 1523 أبحر فرسان القديس يوحنا إلى جزيرة كريت، ثم غادروها بعد ثماني سنين إلى وطن أكثر دواماً في مالطة. ولطخ سليمان انتصاره بإعدام ابن الأمير جم وحفيدة الأطفال لنهم اعتنقوا المسيحية، وقد يستخدمون، كما استخدم جم، في المطالبة بالعرش العثماني.
وفي أوائل سنة 1525، تلقى السلطان سليمان كتاباً من فرانسوا الأول، كما استقبل أسيراً من لدن شارل الخامس، يطلبان منه مهاجمة المجر، والإسراع إلى نجدة ملك فرنسا. فأجاب السلطان: "إن جوادنا مسرج، وسيفنا معلق به"(21). إنه على أية حال كان عازماً على غزو المجر منذ زمن طويل. فسار في أبريل 1526 بجيش قوامه مائة ألف رجل وثلاثمائة مدفع. وحث البابا كليمنت السابع الحكام المسيحيين ليهبوا لمساعدة الدولة المهددة، على حين نصح لوثر الأمراء البروتستانت أن يلزموا أوطانهم. لأن من الواضح أن الأتراك زوار من عند الله، ومقاومتهم هي بمثابة مقاومة الله(22). وبقي شارل الخامس في أسبانيا.وكان من نتيجة ذلك هزيمة أدبية ومادية في وقت معاً، وكان من الممكن استرداد المجر لو تعاون الكاثوليك والبروتستانت، والإمبراطور والبابا في العمل معاً. ولكن الزعماء اللوثريين ابتهجوا بفوز الأتراك. ونهب جيش الإمبراطور رومة.
قصة الحضارة ح26 ص102-103، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> سليمان القانوني والغرب
 
سليمان القانوني(2) في التاريخ و التصور الغربي
محاولة فتح فيينا أيام لوثر!
:"وفي 1529 عاد سليمان فحاصر فيينا بمائتي ألف رجل. ومن برج سانت ستيفن استطاع كونت نيقولا فون سالم الذي عهد إليه فرديناند بالدفاع عن المدينة - أن يرى السهول والتلال المحيطة بها مغطاة بخيام العثمانيين وجندهم وأسلحتهم. وفي هذه المرة دعا لوثر أتباعه ليشاركوا في المقاومة، لأن من الواضح أنه إذا سقطت فيينا، ستكون ألمانيا هي الهدف الثاني لهجوم العثمانيين. وذاعت الأنباء في كل أنحاء أوربا أن سليمان أقسم أن يخضع كل أوربا للعقيدة الوحيدة الصحيحة وهي الإسلام. وشق مهندسو الألغام الأتراك الخنادق، الواحد بعد الآخر، على أمل نسف الأسوار أو إحداث الانفجارات داخل المدينة، ولكن المدافعين وضعوا أوعية من الماء في مواطن الخطر(23)، وراقبوا الحركات التي قد تدل على العمليات الخفية تحت الأرض. وأقبل الشتاء وعجز خط مواصلات الأتراك الطويل عن توفير المؤن. وفي 14 أكتوبر أهاب السلطان برجاله أن يبذلوا محاولة أخيرة حاسمة. ووعد بجوائز ومكافآت سخية، ولكن الأرواح والأجسام معاً كانت كارهة غير راغبة، وصد الهجوم مع خسائر فادحة، وأمر سليمان بالتقهقر، وقد ملأه الحزن. وكانت أول هزيمة يلقاها، ولو أنه احتفظ بنصف المجر، وحمل معه إلى القسطنطينية تاج سانت ستيفن، وفسر سليمان لشعبه أنه عاد دون أن ينتصر لأن فرديناند (الذي قبع طيلة الحصار آمناً في براج) كان قد رفض أن يحارب، ووعد السلطان بأنه قريباً جداً سوف يصيد شارل ذاته، الذي تجاسر على أن يسمى نفسه إمبراطوراً، وينتزع منه بالقوة السيادة على الغرب.
ونظر الغرب إلى السلطان ووعيده بعين الجد، وساد الذعر روما. وفرض البابا كليمنت السابع، الذي كان وطيد العزم لأول مرة، الضرائب حتى على الكرادلة، لتوفير المال اللازم لتحصين أنكونا وسائر الثغور التي يمكن أن يدخل منها العثمانيون إلى إيطاليا.
قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> سليمان القانوني والغرب وفي أول أبريل 1532 تقدم سليمان نحو الغرب مرة أخرى. وكانت مغادرة العاصمة مشهداً أحسن إخراجه، فكان يتقدم المسيرة 120 مدفعاً، يتبعها 8000 من الانكشارية وهم خيرة جنود المملكة، وسار بعد ذلك ألف جمل تحمل المؤن، وألفان من صفوة الخيالة لحراسة الراية المقدسة - نسر الرسول - يتبعهم آلاف من أبناء الأسرى المسيحيين يرتدون ملابس من ذهب، وقبعات حمراء مزودة بالريش، يلوحون مزهوين بالحراب في شجاعة بريئة، أما حاشية الملك وحرسه فكانوا رجالاً أشداء ذوي طلعة بهية، وامتطى السلطان بينهم جواداً كستنائي اللون مرتدياً القطيفة القرمزية الموشاة بالذهب تحت عمامة بيضاء مرصعة بالأحجار الكريمة. وسار وراءه الجيش الذي يبلغ في جملته نحو مائة ألف رجل. ومن ذا الذي يستطيع مقاومة مثل هذه الأبهة والقوة؟ ليس إلا العناصر والزمن!
ولكي يقابل شارل هذا التيار الجارف، تلقى، بعد توسلات كثيرة، منحه من مجلس الديت الإمبراطوري ليجند أربعين ألف رجل ويعد ثمانية آلاف جواد، وقدم هو وفرديناند بالإضافة إلى ذلك، ثلاثين ألف رجل على حسابهما الخاص. وبوبهذه القوة التي تجمعت في فيينا وعدتها 78.000 رجل، انتظرا الحصار. ولكن السلطان عوق في جونز Guns وهي مدينة صغيرة محصنة تحصيناً شديداً، ولكن حاميتها لم تزد على 700 رجل أحبطوا لمدة ثلاثة أسابيع كل محاولة بذلها الأتراك لاختراق الأسوار التي نقبوها إحدى عشرة مرة، وفي كل مرة كانت الحامية المدافعة تسد الثغرات بالمعادن والجثث والاستماتة في الدفاع. وأخيراً أرسل سليمان جواز مرور وبعض الرهائن إلى القائد - نيقولا جوريشتز Jurischitz - يدعوه إلى عقد مؤتمر، فحضر واستقبله الوزير الأكبر بمظاهر الحفاوة والتكريم، وقد امتدحوا شجاعته وقيادته، مع شيء من الحزن والأسى، وأهداه السلطان رداء الشرف، وضمن له عدم القيام بأي هجوم آخر، وأعاده إلى قلعته برفقة حرس رائع من الضباط الأتراك، وسار إلى فيينا هذا "السيل الجارف" من الجيش الذي لا يقهر، والذي أوقع به الهزيمة سبعمائة رجل فحسب.
وهناك أيضاً لم يحظ سليمان بفريسته، فإن شارل لم يكن ليخرج للقتال، فقد كان من الحمق والغباء أن يضيع مزايا دفاعاته ليقامر بالقتال في ميدان مكشوف. وقدر سليمان أنه لو كان قد أخفق في الاستيلاء على فينا التي كان يسيطر عليها عشرون ألف جندي ليس لهم إمبراطور أو ملك ظاهر في الميدان، فإنه لا يكاد يحسن صنعاً أمام 78.000 ينفخ فيهم روح الحماسة والحياة ملك كان قد أعلن صراحة وعلى رءوس الأشهاد أنه يرحب بالموت ويستعذبه في هذا الصراع كخاتمة شريفة نبيلة لهذه الحياة الدنيا، وهي خاتمة يصبو إليها كل مسيحي. وانصرف السلطان، وخرب ونهب في طريقه ستيريا والقسم الأدنى من النمسا، وأخذ كثيراً من الأسرى ليشرف بهم تقهقره. وربما كان من المزعج له أن يسمع أنه حين كان يتسكع جيئة وذهاباً دون جدوى عبر أراضي المجر، كان أندريا دوريا قد طارد الأسطول التركي حتى اختفى، واستولى على بتراس وكورون على شاطىء البلوبونيز.
ولما أرسل فرديناند إلى القسطنطينية مبعوثاً يطلب الصلح رحب به سليمان وقال إنه سوف يعقد الصلح "لا لمدة سبع سنوات، ولا لخمس وعشرين سنة، ولا لمائة سنة، ولا لقرنين من الزمان، أو ثلاثة قرون، ولكن في الحق إلى الأبد، إذا لم ينقضه فرديناند نفسه"، وإنه سوف يعامل فرديناند كابن له(24). على أنه طلب ثمناً فادحاً، وهو انه ينبغي على فرديناند أن يرسل غليه مفاتيح مدينة جرو Grau، رمزاً للخضوع والولاء، وكان فرديناند وشارل كلاهما متلهفين على تحرير أسلحتهما ضد المسيحيين، إلى حد أنهما كانا مستعدين لتقديم بعض التنازلات للأتراك. وأرسل فرديناند مفاتيح المدينة وأطلق على نفسه "ابن سليمان"، واعترف بسيادة سليمان على معظم أراضي المجر (22 يونية 1533). ولم يعقد الصلح مع شارل، واسترد السلطان بتراس وكورون، وراوده حلم بسط سلطانه على فيينا وتبريز.
وفي 1536 استولى على تبريز، ثم عاد إلى الغرب. وطرح الدين جانباً، وارتضى أن يتعاون مع فرانسوا الأول في حملة أخرى ضد شارل. وعرض على الملك أحسن الشروط وهي أنه لا صلح مع شارل إلا عند تسليم جنوده وميلان وفلاندرز إلى فرنسا، ثم السماح للتجار الفرنسيين بالإبحار والبيع والشراء داخل نطاق الإمبراطورية العثمانية، على أن يعامل الأتراك بالمثل، ومنح قناصل فرنسا في الإمبراطورية الولاية القضائية المدنية والجنائية على الرعايا الفرنسيين فيها، كما يتمتع هؤلاء الرعايا بالحرية الدينية الكاملة(25). وهكذا أصبحت "الامتيازات الأجنبية" كما وقعت في هذه الاتفاقية، نموذجاً يحتذى فيما جاء بعد ذلك من معاهدات بين الدول المسيحية ودول الشرق.
ورد شارل على ذلك بتكوين حلف يضم الإمبراطورية والبندقية والبابا وانضم إليه فرديناند وهكذا أصبح قصير الأمد جداً ما كان مقدراً أن يكون أبدياً. وعانت البندقية وطأة الهجوم التركي وفقدت ممتلكاتها في بحر إيجة وشاطئ دلماشيا، ووقعت صلحاً منفرداً (1540). وبعد سنة واحدة توفي دمية سليمان أو تابعه الحاكم في بودا، وجعل سليمان من المجر ولاية عثمانية. وأرسل فرديناند بعثة إلى تركيا تطلب الصلح، وأخرى إلى فارس تحرض الشاه على مهاجمة الأتراك. فتقدم سليمان نحو الغرب (1543) واستولى على جرو وستولوزنبرج، وضم مزيداً من أراضي المجر إلى الباشا (الحاكم التركي) في بودا. وفي 1547، حين كان مشغولاً بالفرس، منح الغرب هدنة لمدة خمس سنوات، ولكن الطرفين نقضاها. حيث توسل البابا بول الرابع إلى الأتراك أن يشنوا الهجوم على فيليب الثاني الذي كان بابوياً أكثر من البابوات(26). وأطلق موت فرانسوا وشارل يدي فرديناند في الوصول إلى الصلح. وفي صلح براج 1562، اعترف فرديناند بحكم سليمان في المجر وملدافيا، وتعهد بدفع جزية سنوية قدرها ثلاثون ألف دوكات، ووافق على دفع تسعين ألفاً كمتأخرات.
وبعد عامين آخرين لحق بأخيه. وهكذا بقي سليمان على قيد الحياة بعد موت ألد أعدائه، وكم من البابوات لم يعمر هو بعدهم؟ لقد بسط سلطانه على مصر وشمال أفريقية، وآسيا الصغرى وفلسطين وسوريا، والبلقان والمجر. وسيطرت البحرية التركية على البحر المتوسط. وأثبت الجيش التركي شجاعته الفائقة شرقاً وغرباً وأثبتت الحكومة التركية جدارتها وقدرتها في فن الحكم والدبلوماسية، قدر ما كان لمنافسيها. وفقد المسيحيون رودس وبحر إيجة والمجر، وعقدوا صلحاً ذليلاً مهيناً. وبات العثمانيون آنذاك أكبر دولة في أوربا وأفريقية، إن لم يكن في العالم كله.
قصة الحضارة ج26 ص103-108،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> سليمان القانوني والغرب
 
:"هل كان العثمانيون متحضرين؟ الحق أن الانطباع بأن العثمانيين كانوا متبربرين همجيين إذا قورنوا بالمسيحيين ليس إلا وهماً قصد به تقربة الذات. فإن أساليبهم في الزراعة وعلومهم كانت على الأقل تضارع ما كان منها لدى الغرب. فالأرض كان يفلحها مستأجرون من الرؤساء الإقطاعيين، الذين كان عليهم في كل جيل أن يستحوذوا على أراضيهم بخدمة السلطان بطريقة مرضية، في الإدارة وفي الحرب. وباستثناء النسيج والخزف، وربما الأسلحة والدروع، لم تكن الصناعة قد أقامت بعد نظام المصانع، كما كان الحال في فلورنسه وفي فلاندرز، ولكن الحرفيين الأتراك كانوا مشهورين بمنتجاتهم الممتازة. ولم يشعر الأغنياء أو الفقراء بالأسى والحزن لانعدام النظام الرأسمالي. ولم يبلغ التجار المسلمون في القرن السادس عشر من النفوذ السياسي أو المركز الاجتماعي، ما بلغه نظراؤهم في أوربا الغربية. وتميزت التجارة بين الأتراك بعضهم البعض بالأمانة النسبية، ولكن بين الأتراك والمسيحيين كان المال مستباحاً. وتركت التجارة الأجنبية في معظمها للأجانب. وسارت قوافل المسلمين، في صبر وجلد، على الطرق البرية التي كانت معروفة في العصور القديمة والوسطى، إلى آسيا وأفريقية، حتى عبر الصحراء، وكانت الأنزال الصحراوية، ومعظمها أسسه سليمان، تقدم للتاجر أو السائح أماكن للاستراحة على الطريق. وسيطرت سفن المسلمين حتى سنة 1500 على الطرق البحرية من القسطنطينية والإسكندرية، عبر البحر الأحمر إلى الهند وجزر الهند الشرقية، حيث كان التبادل يتم مع البضائع التي حملتها السفن الشراعية الصينية. وبعد أن فتحت رحلة فاسكودا جاما وانتصارات البوكرك البحرية- فتحت الهند أمام التجار البرتغاليين، فقد المسلمون سيادتهم على المحيط الهندي، ودخلت مصر وسوريا وفارس والبندقية طور اضمحلال تجاري عام.
وكان التركي رجل بر وبحر معاً. وكان اهتمامه بالدين أقل من اهتمام معظم سائر المسلمين، ولكنه كذلك نظر بعين الإجلال والإكبار إلى الصوفية والدراويش والأولياء، واستمد شريعته من القرآن، وتلقى تعليمه في المسجد، ونبذ في عبادته، مثل اليهود، الصور المنحوتة ونظر إلى المسيحيين على أنهم مشركون وثنيون. وكان الدين والدولة شيئاً واحداً، وكان القرآن والسنة هما القانون الأساسي، وكان العلماء الذين فسروا القرآن هم أنفسهم أيضاً المعلمين والمحامين والقضاة ورجال القانون في المملكة. وأمثال هؤلاء العلماء هم الذين جمعوا في عهد محمد الثاني وسليمان الأول مجموعات القوانين العثمانية النهائية.
وكان المفتي، أو شيخ الإسلام، على رأس جماعة العلماء، وكان أعلى قاض في البلاد بعد السلطان والوزير الأكبر. ولما كان الموت حتماً مقضياً على السلاطين، وكانت جماعة العلماء قائمة دوماً، فإن هؤلاء المشرعين الدينيين هم الذين حكموا الحياة اليومية في الإسلام. ولما كانوا يفسرون الحاضر على أساس من شرائع الماضي، فقد تشبعوا بروح المحافظة وأسهموا في ركود الحضارة الإسلامية بعد وفاة سليمان. وعزز الإيمان بالقضاء والقدر- أو كما يقول قسمة الإنسان أو نصيبه- روح المحافظة هذه : أي أنا حيث أن الله قدر نفس حظها، فإن ضجر الإنسان بما قسم له ضرب من البعد عن الدين والتعمق فيه، فكل شيء في هذه الدنيا، والموت خاصة، هو من أمر الله ويجب الرضا به دون تذمر أو شكوى.
قصة الحضارةج26 ص108-110، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
تعليق
يلاحظ أن ديورانت كثيرا مايصف عقيدة القدر بالسلبية والإستسلام للإهمال والوضع السائد والجهل والتخلف مع أن تلك العقيدة نفسها هي من دفعت المسلمين للبحث في آفاق الأرض عن كنوزها ، وقد تنزلت مفاهيم تلك العقيدة وحقيقتها متلازمة مع مفهوم التسخير والتعمير والسببية ، فما ألصقه ديورانت بالإسلام هو ماجاء الإسلام لنفيه ومحاربته، ولذلك أنشأ تلك الأمة التي صنعت الحضارة التي تجاوزت في عمرها الألف عام ، وهي الوحيدة، ولم يكن غيرها، التي أمدت أوروبا بعلوم السببية والمناهج العلمية والتجريبية، والمبتكرات والمختبرات والأجهزة وأدوات الطب والجراحة والصيدليات المكتبات وهي التي أصلحت من أخطاء اليونان العلمية وقاست قطر الأرض وفحصت الدورة الدموية وفتحت المستشفيات العريقة وأسست الجامعات الكبرى وعنها أخذ الغرب وهو مدين لها ولعلومها وبشهادة ديورانت نفسه.
فلولا الإسلام لبقي الغرب كما كان على عقيدة حشرات المسيحية-المهملة للعالم!!- التي وقعت في شرك عناكب القرون الوسطى المظلمة للمسيحية كما عبر ديورانت نفسه في نص سابق
قال:"وفي غربي إفريقية أنجب الإسلام فيلسوفاً مؤرخاً، كان يبدو إلى جانبه أعظم علماء المسيحية المعاصرة بمثابة حشرات صغيرة تقع في الشرك وتموت جوعاً وسط عناكب الفلسفة النصرانية في العصور الوسطى.
قصة الحضارةج26 ص29، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> مقدمة
 
سير القضاء في عهد الحكام العثمانيين الأولين كان في تركيا أفضل منه في أية بقعة في أوربا
"ولحظ أحد المراقبين الفرنسيين نشاط المحاكم وسرعة البت في المحاكمات وصدور الأحكام(29)؛ كما اعتقد مؤرخ إنجليزي كبير أن "سير القضاء في عهد الحكام العثمانيين الأولين كان في تركيا أفضل منه في أية بقعة في أوربا، وأن رعايا السلطان المسلمين كانوا أدق نظاماً من معظم الجاليات المسيحية، وأن الجرائم كانت أندر"(30).
قصة الحضارةج26 ص112،113، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
حرية المعتقد
-لليهود والمسيحيين- في (القرن السادس عشر) )
أيام الخلافة العثمانية
أيام كان المسيحيون يقتتلون ويحرق بعضهم بعضا في الغرب على إختلاف المعتقد بل على أقل خلاف فيه مثل موضوع القربان المقدس كما قدمناه منة كلام ديورانت في أكثر من موضع.
قال ديورانت
:"ومهما يكن من أمر، فإن العلماء عادة أجازوا قدراً كبيراً من حرية الفكر، ولم يكن في تركيا الإسلامية محاكم تفتيش.
وتمتع المسيحيون واليهود في ظل العثمانيين بقدر كبير من الحرية الدينية، وسمح لهم بتطبيق شرائعهم في الأمور التي لا يكون المسلمون طرفاً فيها(27)
قصة الحضارة ج26 ص110، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
حرية المعتقد ونجاح النموذج وانبهار الناس به وعلاقته بالربانية
ملايين تحولوا إلى الإسلام وتفسير ديورانت تفسير غير معقول!
:"ومهما يكن من أمر، فإن العلماء عادة أجازوا قدراً كبيراً من حرية الفكر، ولم يكن في تركيا الإسلامية محاكم تفتيش.
وتمتع المسيحيون واليهود في ظل العثمانيين بقدر كبير من الحرية الدينية، وسمح لهم بتطبيق شرائعهم في الأمور التي لا يكون المسلمون طرفاً فيها(27).واحتضن محمد الثاني الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية عمداً، لأن انعدام الثقة المتبادل بين اليونان والروم الكاثوليك أفاد الأتراك في مقاومة الصليبيين. وعلى الرغم من أن المسيحيين انتعشوا تحت حكم السلاطين، فإنهم عانوا ضعفاً شديداً. فقد كانوا في حقيقة الأمر عبيداً أرقاء، ولكن كان في مقدورهم إنهاء الوضع بالدخول في الإسلام، وفعل الملايين منهم ذلك. وأما الذين رفضوا فكانوا مبعدين عن الجيش، لأن الحروب الإسلامية كانت في ظاهرها مقدسة من أجل الكفار إلى الإسلام.
قصة الحضارة ج26 ص110، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الحضارة العثمانية
 
عودة
أعلى