التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

من وقائع الواقع وتشجيع العلوم
"كان الناس يستمعون إلى أناشيد الشعراء أو إلى آيات القرآن الكريم. ومنهم من أنشئوا ندوات فلسفية كإخوان الصفا، ويحدثنا المؤرخون عن نادي قائم حوالي عام 790 مؤلف من عشرة أعضاء، واحد من السنيين، وآخر من الشيعة، وثالث من الخوارج، ورابع من المانوية ؛ ومن شاعر غزلي، وفيلسوف مادي، ومسيحي، ويهودي، وصابئي، وزرادشتي. ويقول المؤرخون إن اجتماعات هؤلاء الأعضاء كان يسودها روح التسامح المتبادل، والفكاهة الحلوة، والنقاش الهادئ الذي يمتاز بالأدب والمجاملة . ويكن القول بوجه عام إن المجتمع الإسلامي كان مجتمعاً ذا أدبٍ راقٍ إلي أقصى حدود الرقي؛ وما من شك في أن الشرق من عهد قورش إلى لي هونج تشانج قد فاق الغرب في الرقة الكياسة؛ وكان من المظاهر التي تشرف بها الحياة في بغداد أن الفنون العلوم التي لا يحرمها الإسلام كانت كلها بلا استثناء تجد فيها من يشجعها ويأخذ بناصرها، وأن المدارس على اختلاف درجاتها كانت كثيرة العدد منتشرة في جميع الأنحاء، وأن الهواء كان يردد أصداء الشعراء.
قصة الحضارة ج13 ص165
 
الاسلام منبع العلم والمسلمون ساهرون عليه(ايام رفعة دنياهم ودولتهم بدينهم !
الفكر والفن في بلاد الإسلام الشرقية 632-1058
تحت هذا العنوان قال ديورانت :" التعليم
تدل الأحاديث النبوية على أن النبي كان يحث على طلب العلم ويعجب بهِ، فهو من هذهِ الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين فيقول: "مَن سلك طريقاً يطلب علماً سهل الله لهُ طريقاً إلى الجنة" "يوزن مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء"(1).
ولقد كان اتصال العرب بالثقافة اليونانية في بلاد الشام مما أيقظ فيهم روح المنافسة العلمية القوية لليونان، ولم يمضِ إلا زمناً قليل حتى أصبح العالم والشاعر من أصحاب المكانة العليا في الإسلام.
وكان تعليم الأطفال يبدأ منذ اقتدارهم على الكلام. فكانوا من هذه اللحظة يعلمون النطق بالشهادتين " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" فإذا بلغ الأطفال السادسة من العمر ألحق بعض أبناء الأرقاء، وبعض البنات، وجميع الأولاد، عدا أبناء الأغنياء (الذين كانوا لهم مدرسون خصوصيون) بمدرسة أولية ملحقة في العادة بأحد المساجد، وفي بعض الأحيان بجوار عين ماء عامة في الخلاء. وكان التعليم في هذه المدارس عادة بالمجان، فإن لم يكن فقد كان أجره تافهاً يستطيع أداءه جميع الناس، فقد كان المعلم يتناول من والد الطفل ما لا يزيد على مليمين في الأسبوع، أما باقي النفقات فكان يؤديها المحسنون الخيرون. وكان منهاج التعليم من هذا النوع في المدارس غاية في البساطة يشمل ما يكفي لأداء الصلاة، ويمكن الطفل من قراءة القرآن، ثم حفظ القرآن نفسه ومعرفة ما فيه من أحكام الدين، والقصص، ومبادئ الأخلاق، والشريعة الإسلامية. وتركت الكتابة والحساب للتعليم الأعلى من هذه الدرجة، وربما كان سبب ترك الكتابة أنها في الشرق فن يحتاج إلى تدريب خاص، فضلاً عن أن الكتبة، كما يقول المسلمون، يستطيع كل من يطلبهم أن يجدهم(3) وكان جزء صغير من القرآن يحفظ كل يوم عن ظهر قلب، ثم يتلى بصوتٍ عالٍ، وكان الهدف الذي يبغيه كل متعلم أن يحفظ القرآن كله عن ظهر قلب؛ والذين يصلون إلى هذا الهدف يُسَمّونَ بالحفّاظ وتكون لهم في البلاد مكانة عالية. وكان من يتعلم الكتابة؛ والرمي بالقوس، والسباحة هو عندهم "الرجل الكامل". وكانت طريقة التعليم هي المذاكرة، وأداته هي العصا، وكان العقاب المعتاد هو الضرب بعصا من جريد على باطن القدم. ومن أقوال هارون الرشيد لمعلم ولده الأمين:"ولا تمر بكَ ساعة إلا وأنتَ مغتنم فائدة تفيده إياه من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه: وقوَّمه ما استطعت بالقرب والملاينة فإذا أباهما فعليك بالشدة والغلظة"(4).
وكان التعليم الأولي يهدف إلى تقوين الأخلاق، والثانوي إلى معرفة العلم. وكان المعلم يجلس مستنداً إلى عمود أو جدار في مسجد، ويلقي دروساً في التفسير والحديث، والفقه، والشريعة. وحدث في وقت غير معروف أن وضعت الحكومة هذه "المدارس الثانوية" تحت إشرافها وتكلفت بالإنفاق عليها. وأضيف إلى المنهاج الديني الأساسي علم النحو، وفقه اللغة، والبلاغة، والأدب، والمنطق، والعلوم الرياضية، والفلك. وكان علم النحو يلقى اهتماماً خاصاً لأن اللغة العربية كانت تعد أقرب اللغات إلى الكمال، وكان استعمالها صحيحة أهم ما يمتاز به الرجل المثقف المهذب. وكان التعليم في هذه المدارس بالمجان. وكان المعلمون والطلاب يتناولون مرتباتهم ونفقاتهم في بعض الأحيان من الحكومة أو من أموال البر والصدقات(5) وكان شأن المعلم في هذه المدارس أعلى من شأن النصوص التي يعلمها ما عدا نصوص القرآن، فكان التلاميذ يدرسون الناس أكثر مما يدرسون الكتب، وكان الطلاب يجوبون أطراف البلاد الإسلامية ليقابلوا معلماً مشهوراً. وكان على كل طالب علم يريد أن تعلو مكانته في بلده أن يسافر إلى مكة، أو بغداد، أو دمشق، أو القاهرة، ليستمع في واحدة منها أو أكثر من واحدة إلى كبار العلماء. وكان من الأسباب التي يسرت انتشار الأدب العربي في بلاد الإسلام المختلفة وجعلته أدباً دولياً واحداً أن لغة التعليم والأدب في جميع البلاد الإسلامية-مهما اختلفت أجناس أهلها-هي اللغة العربية، التي بلغت من سعة الانتشار ما لم تبلغه اللغة اليونانية. فلم يكن الزائر إذا دخل مدينة في أي بلد من بلاد الإسلام يخالجه شك في أنه يستطيع الاستماع إلى محاضرة علمية في مسجد المدينة الأكبر في أية ساعة من ساعات النهار تقريباً. وكان الطالب الجائل في كثير من الأحيان يجد في المدرسة المأوى والطعام مدة من الزمان، فضلاً عن التعليم المجاني(6). ولم تكن المدرسة تمنح درجات علمية، وكل ما كان يبتغيه الطالب أن يحصل على شهادة فردية من الأستاذ الذي حضر عليه تثبت كفايته فيما درسه. وكان الهدف الأعلى للطالب هو تحصيل الأدب بأوسع معانيه-العادات الحسنة، وسمو الذوق؛ وسرعة البديهة، والكياسة والظرف، والمعارف السهلة التي تكون في مجموعها صفات الرجل الكامل المهذب.
قصة الحضارة ج13 ص169ومابعدها
 
فضل الاسلام على فرنسا واوروبا-صقلية وايطاليا واسبانيا وهلم جرا- في صناعة الورق والكتب والمكتبات ومن ثم العلم والعلوم وماحدث من منجزات في مجالات الحياة كافة التي لولاها لخسرها العالم
"ولما فتح المسلمون سمرقند (712) أخذوا عن المسيحيين صناعة استخراج عجينة من الكتان وغيرها من النباتات ذات الألياف، ثم تجفيف هذه العجينة بعد صنعها رقائق رفيعة. ودخلت هذه الصناعة في بلاد الشرق الأدنى واستعملت فيه بدل رقائق الجلد في وقت لم يكن نبات البردي قد نسي فيه بعد. وافتتح أول مصنع للورق في بلاد الإسلام في بغداد عام 794 على يد الفضل بن يحيى وزير هارون الرشيد. ونقل العرب هذه الصناعة إلى صقلية وأسبانيا ومنهما انتقلت إلى إيطاليا وفرنسا. وقبل هذا نجد الورق مستخدماً في بلاد الصين منذ عام 105م، ثم نجده في مكة سنة 707، وفي مصر سنة 800، وفي أسبانيا سنة 950، وفي القسطنطينية سنة 1100، وفي صقلية سنة 1102، وفي إيطاليا سنة 1154، وفي ألمانيا سنة 1228، وفي إنجلترا سنة 1309(7). ويسّرَ هذا الاختراع تأليف الكتب في كل بلد انتقل إليه، ويقول اليعقوبي إنه كان في بغداد على أيامه (891) أكثر من مائة بائع للكتب، كانت حوانيتهم تستخدم، فضلاً عن بيع الكتب، لنسخها، وكتابة الخط المزخرف، كما كانت ندوات أدبية. وكان كثير من الطلاب يحصلون على أرزاقهم بنسخ المخطوطات، وبيعها لتجار الكتب، ونسمع في القرن العاشر الميلادي عن أناس يجمعون توقيعات العظماء وخطوطهم، وعن غواة للكتب يسعون لجمعها ويعرضون أثماناً عالية للمخطوطات النادرة(8). ولم يكن المؤلفون يحصلون على شيء من كتبهم؛ وكانوا يعتمدون في معاشهم على وسائل للرزق أثبت من هذه وأقوى أساساً، أو على هبات الأمراء أو الأثرياء. ذلك أن الأدب والفن كان يُقصد بهما إشباع ذوق طبقة الأشراف من ذوي المال أو الحسب والنسب.
وكانت في معظم المساجد مكتبات، كما كان في معظم المدن دور عامة للكتب تضم عدداً كبيراً منها، وكانت مفتحة الأبواب لطلاب العلم. وكان في مدينة الموصل عام 950 مكتبة عامة أنشأها بعض المحسنين، يجد فيها من يؤمونها حاجتهم من الكتب والورق، وبلغت فهارس الكتب التي اشتملت عليها مكتبة الري العامة عشر مجلدات. وكانت مكتبة البصرة تعطي رواتب وإعانات لمن يشتغلون فيها من الطلاب، وقضى ياقوت الجغرافي في مكتبتي مرو وخوارزم ثلاث سنين يجمع المعلومات التي يتطلبها كتابة معجم البلدان. ولما أن دمر المغول بغداد كان فيها ست وثلاثون مكتبة عامة(9)، فضلاً عن عدد لا يحصى من المكتبات الخاصة، ذلك أنه كان من العادات المألوفة عند الأغنياء أن يقتني الواحد منهم مجموعة كبيرة من الكتب. ودعا سلطان بخارى طبيباً مشهوراً ليقيم في بلاطه فأبى محتجاً بأنه يحتاج إلى أربعمائة جمل لينقل عليها كتبه(10). ولما مات الواقدي ترك وراءه ستمائة صندوق مملوءة بالكتب، يحتاج كل صندوق منها رجلين لينقلاه. "وكان عند بعض الأمراء كالصاحب بن عباد من الكتب بقدر ما في دور الكتب الأوربية مجتمعة"(12). ولم يبلغ الشغف باقتناء الكتب في بلد آخر من بلاد العالم-اللهم إلا في بلاد الصين في عهد منج هوانج-ما بلغه في بلاد الإسلام في القرون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر. ففي هذه القرون الأربعة بلغ الإسلام ذروة حياته الثقافية. ولم يكن العلماء في آلاف المساجد المنتشرة في البلاد الإسلامية من قرطبة إلى سمرقند يقلون عن عدد ما فيها من الأعمدة، وكانت إيواناتها تردد أصداء علمهم وفصاحتهم، وكانت طرقات الدولة لا تخلو من الجغرافيين، والمؤرخين، وعلماء الدين، يسعون كلهم إلى طلب العلم والحكمة؛ وكان بلاط مئات الأمراء يرددون أصداء قصائد الشعراء والمناقشات الفلسفية، ولم يكن أحد يجرؤ على جمع المال دون أن يعين بماله الآداب والفنون. وسرعان ما استوعب العرب ذوو البديهة الوقادة ثقافة الأمم التي فتحوا بلادها، وبلغ من تسامح المغلوبين أن أصبحت منهم الكثرة الغالبة من الشعراء، والعلماء، والفلاسفة الذين جعلوا اللغة العربية أغنى لغات العالم في العلوم والآداب. وإن كان العرب الأصليون أقلية صغيرة بين هؤلاء الفلاسفة، والعلماء، والشعراء. وقد قوى علماء الإسلام في ذلك العهد دعائم الأدب العربي الممتاز بدراساتهم الواسعة للنحو الذي جعل اللغة العربية لغة النطق والقياس، وبما وضعوه من المعاجم التي جمعوا فيها ثروة هذه اللغة من المفردات في دقة ونظام، وبموسوعاتهم ومختصراتهم، وكتبهم الجامعة، والتي جمعت كثيراً من أشتات الآداب والعلوم لولاها لخسرها العالم، وبمؤلفاتهم في النصوص، والأدب، والنقد التاريخي. ولا حاجة بنا إلى ذكر أسماء هؤلاء العلماء الأعلام، وحسبنا أن نعترف بفضلهم ونمجد أعمالهم.
قصة الحضارة ج13 ص169-172)
 
المكتبات في عالم الاسلام طويل الحضارة
وكانت في معظم المساجد مكتبات، كما كان في معظم المدن دور عامة للكتب تضم عدداً كبيراً منها، وكانت مفتحة الأبواب لطلاب العلم. وكان في مدينة الموصل عام 950 مكتبة عامة أنشأها بعض المحسنين، يجد فيها من يؤمونها حاجتهم من الكتب والورق، وبلغت فهارس الكتب التي اشتملت عليها مكتبة الري العامة عشر مجلدات. وكانت مكتبة البصرة تعطي رواتب وإعانات لمن يشتغلون فيها من الطلاب، وقضى ياقوت الجغرافي في مكتبتي مرو وخوارزم ثلاث سنين يجمع المعلومات التي يتطلبها كتابة معجم البلدان. ولما أن دمر المغول بغداد كان فيها ست وثلاثون مكتبة عامة(9)، فضلاً عن عدد لا يحصى من المكتبات الخاصة، ذلك أنه كان من العادات المألوفة عند الأغنياء أن يقتني الواحد منهم مجموعة كبيرة من الكتب. ودعا سلطان بخارى طبيباً مشهوراً ليقيم في بلاطه فأبى محتجاً بأنه يحتاج إلى أربعمائة جمل لينقل عليها كتبه(10). ولما مات الواقدي ترك وراءه ستمائة صندوق مملوءة بالكتب، يحتاج كل صندوق منها رجلين لينقلاه. "وكان عند بعض الأمراء كالصاحب بن عباد من الكتب بقدر ما في دور الكتب الأوربية مجتمعة"(12). ولم يبلغ الشغف باقتناء الكتب في بلد آخر من بلاد العالم-اللهم إلا في بلاد الصين في عهد منج هوانج-ما بلغه في بلاد الإسلام في القرون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر. ففي هذه القرون الأربعة بلغ الإسلام ذروة حياته الثقافية. ولم يكن العلماء في آلاف المساجد المنتشرة في البلاد الإسلامية من قرطبة إلى سمرقند يقلون عن عدد ما فيها من الأعمدة، وكانت إيواناتها تردد أصداء علمهم وفصاحتهم، وكانت طرقات الدولة لا تخلو من الجغرافيين، والمؤرخين، وعلماء الدين، يسعون كلهم إلى طلب العلم والحكمة؛ وكان بلاط مئات الأمراء يرددون أصداء قصائد الشعراء والمناقشات الفلسفية، ولم يكن أحد يجرؤ على جمع المال دون أن يعين بماله الآداب والفنون. وسرعان ما استوعب العرب ذوو البديهة الوقادة ثقافة الأمم التي فتحوا بلادها، وبلغ من تسامح المغلوبين أن أصبحت منهم الكثرة الغالبة من الشعراء، والعلماء، والفلاسفة الذين جعلوا اللغة العربية أغنى لغات العالم في العلوم والآداب. وإن كان العرب الأصليون أقلية صغيرة بين هؤلاء الفلاسفة، والعلماء، والشعراء.
وقد قوى علماء الإسلام في ذلك العهد دعائم الأدب العربي الممتاز بدراساتهم الواسعة للنحو الذي جعل اللغة العربية لغة النطق والقياس، وبما وضعوه من المعاجم التي جمعوا فيها ثروة هذه اللغة من المفردات في دقة ونظام، وبموسوعاتهم ومختصراتهم، وكتبهم الجامعة، والتي جمعت كثيراً من أشتات الآداب والعلوم لولاها لخسرها العالم، وبمؤلفاتهم في النصوص، والأدب، والنقد التاريخي. ولا حاجة بنا إلى ذكر أسماء هؤلاء العلماء الأعلام، وحسبنا أن نعترف بفضلهم ونمجد أعمالهم.
قصة الحضارة ج13 ص170-172)
 
تاريخ الحضارة محفوظ لايستطيع احد التلاعب به الا انكشف
"وأكثر من تحتفظ الذاكرة بأسمائهم من بين أولئك العلماء هم المؤرخون، لأننا مدينون لهم بما نعرفه عن تلك الحضارة التي لولاها لظلت غامضة غموض حضارة مصر الفرعونية قبل شمبليون. ومن هؤلاء المؤرخين محمد ابن إسحق (المتوفى عام 767) كاتب سيرة النبي؛ وقد راجعها وزاد عليها ابن هشام (763) فكانت أقدم كتاب عربي منثور ذا شأن عظيم وصل إلى أيدينا-إذا استثنينا من ذلك القرآن (الكريم) نفسه. وقد كتب العلماء الباحثون المجدون كتباً جامعة في سيرة الأولياء الصالحين، والفلاسفة، والوزراء، والمشترعين، والأطباء، والخطاطين، وكبار الحكام، والعشاق، والعلماء. وكان ابن قتيبة أحد علماء الإسلام الكثيرين الذين حاولوا كتابة تاريخ العالم، ولقد بلغ من الشجاعة درجة أوحت إليه أن يجعل نصيب الدين الذي ينتمي إليه لا يشغل من الكتاب إلا ذلك الحيز المتواضع الذي يجب ألا يزيد عليه تاريخ أية أمة أو أي دين في كتاب تاريخ جماع لأحداث الدهر الكثيرة. واخرج محمد بن النديم عام 987كتابه "فهرست العلوم" أرخ فيه لكل كتاب ظهر في اللغة العربية، مؤلفاً كان أو مترجماً، في كل فرع من فروع العلم، وأضاف إلى أسماء الكتب ترجمة نقدية لمؤلفيها، ذكر فيها فضائل كل مؤلف وعيوبهَُ. وفي وسع القارئ أن يحكم على ثراء الأدب الإسلامي أيامه إذا عرف أ، الكتب التي ذكرها-على ما نعلم-لم يبقَ منها الآن واحد في الألف(13).
وشبيه بليفي في الغرب أبو جعفر محمد الطبري (838-923) عند المسلمين(14). وكان أبو جعفر من أصل فارسي كما كان كثيرون من المؤلفين المسلمين، ولد في طبارستان الواقعة في جنوب بحر قزوين. وبعد أن ظل عدة سنين يطوف في بلاد العرب والشام ومصر، كما يطوف الفقراء من العلماء من أهل زمانه، استقر في بغداد واشتغل بالفضاء. ووهب أربعين عاماً من حياته لكتابة تاريخ عام سماه كتاب أخبار الأمم والملوك قص فيه تاريخ العالم من بدأ الخليقة إلى عام 913. والجزء الباقي إلى الآن من هذا الكتاب يشمل خمسة عشر مجلداً كبيراً، ويقول المؤرخون أن ما فقد منه يبلغ عشرة أمثال هذا الجزء الباقي. ويرى الطبري، كما يرى بوسويه Boussuet، يد الله في كل حادثة تقع في العالم، وقد ملأ الفصول الأولى من كتابه بعبارات تشهد له بالتقوى ولكنها خالية من المعنى كقولهِ "في امتحان الله تعالى أبانا آدم عليه السلام وابتلائه إياه بما امتحنه به من طاعته" وبأن الله أنزل على الأرض بيتاً مشيداً من الياقوت ليسكنه آدم، فلما أن عصى آدم ربه عاد فرفعه عن الأرض(16). ونهج الطبري نهج التوراة فيما كتبه عن تاريخ اليهود، وقال إن مريم العذراء ولدت المسيح (وإنها حملت به لأن جبريل نفخ في كمها)(17). وختم الجزء الأول من كتابه بصعود المسيح إلى السماء. أما الجزء الثاني فهو أقرب إلى العقل من الجزء الأول، وفيه يقص تاريخ فارس في عهد الساسانيين قصصاً مقبولا حياً، ذا روعة في بعض المواضع. ويتبع في طريقة إيراد الحوادث مرتبة حسب تواريخ وقوعها عاماً بعد عام، وهي في العادة مصنفة منقولة من راوٍ عن راوٍ قبله حتى يصل بها إلى من شاهدها بعينه، أو وقعت في أيامهِ. وفضل هذه الطريقة أنها تعنى بذكر المصادر؛ ولكن الطبري لا يحاول تنسيق الروايات المختلفة ليكون منها قصة موحدة متصلة، ولهذا فإن تاريخه يبقي أكداساً من ثمار الجهد المضني لا عملاً من أعمال الفن.
ويرى المسعودي، وهو أعظم من جاء بعد الطبري من المؤرخين، أن الطبري أعظم من سبقه منهم. كان أبو الحسن علي المسعودي من أصل عربي في بغداد، وجاب بلاد سوريا، وفلسطين، وبلاد العرب، وزنجبار، وفارس وأواسط آسية، والهند، وسرنديب (سيلان)، بل يقول هو إنه وصل إلى بحر الصين. وقد جمع ثمار رحلاته هذه في موسوعة تشمل على ثلاثين مجلداً، رآها علماء الإسلام أنفسهم، وهم المعروفون بغزارة مادتهم، أطول مما يطيقون؛ ثم نشر موجزاً لها كان هو الآخر أطول مما يجب، ولعله رأى آخر الأمر أن قراءه لا يجدون من الوقت الذي يصرفونه في القراءة مثل ما يجد هو منه ليصرفه في الكتابة، فاختصر كتابه مرة أخرى إلى الحد الذي نعرفه الآن وسماه بذلك الاسم الغريب "مروج الذهب ومعادن الجوهر". ودرس المسعودي جميع أحوال البلاد الممتدة من الصين إلى فرنسا من النواحي الجغرافية والنباتية، والحيوانية، والتاريخية، كما درس عادات أهلها، وأديانهم، وعلومهم، وفلسفتهم، وآدابهم، فكان في العالم الإسلامي كما كان بلني وهيرودوت في العالم الغربي. ولم يوجز المسعودي في كتابته إلى الحد الذي يجعلها عقيمة جافة، بل كان في بعض الأحيان يتبسط فيها، وينطلق على سجيتهِ، فلا يحاجز نفسه عن أن يروي بين الفينة والفينة قصة ممتعة مسلية. وكان متشككاً في بعض الشيء في الدين، ولكنه لم يفرض قط تشككه على قرائهِ. وقد لخص في آخر سنة من حياتهِ آراءه في العلم، والتاريخ، والفلسفة في كتاب الاستذكار لما مر في سائر الأعمار، وكتاب ذخائر العلوم وما في سائر الدهور. وقد أشار إلى تطور الكائنات من الجماد إلى النبات، ومن النبات إلى الحيوان، ومن الحيوان إلى الإنسان(18). ولعل هذه الآراء قد جرته إلى المشاكل مع المحافظين من أهل بغداد، فاضطر على حد قوله إلى مغادرة المدينة التي ولد فيها وشبّ وترعرع، وجاء إلى القاهرة وهو آسف على فراق موطنه. وقال في هذا إن من طبيعة ذلك الزمان أن يفرق الناس جميعاً ويباعد بينهم... وإن الله يبارك للأمم إذا أحب أبناؤها مواطنهم، وإن من أمارات التقى والاستقامة أن يحن الإنسان إلى مسقط رأسهِ، ومن علامات النبل وكرم المحتد أن يبغض الانفصال عن داره وموطنه(19).
ووافته المنية في القاهرة بعد عشر سنين قضاها بعيداً عن بلدهِ.
وخير ما يقال عن هؤلاء المؤرخين أنهم يفوقون غيرهم في اتساع دائرة جهودهم، ونواحي نشاطهم، واهتمامهم، وأنهم يربطون الجغرافية بالتاريخ ربطاً موفقاً صحيحاً، وأنهم لا يفوتهم شيء مما يتصل ببني الإنسان، وأنهم يعلون علواً كبيراً على معاصريهم في العالم المسيحي. ولكنهم مع هذا كله كثيراً يضلون في دياجير السياسة، والحرب، والبلاغة اللفظية؛ وقلما يعنون ببحث العلل الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسانية التي تتحكم في الحوادث، وإن مجلداتهم الضخمة لتعزوها الطريقة البنائية المنتظمة، فلسنا نجد فيها إلا أكداساً من حقائق غير مرتبطة ولا متناسقة-عن الأمم، والحادثات، والشخصيات، وهم لا يرقون إلى مستوى بحث المصادر بحثاً دقيقاً نزيهاً، ولشدة تقواهم وتمسكهم بالدين كانوا يعتمدون اعتماداً كبيراً على الإجماع وتسلسل الروايات تسلسلاً قد تكون مصدره حلقة من حلقاته خاطئة أو مخادعة. ومن أجل هذا تهبط قصتهم في بعض الأحيان إلى مستوى أقاصيص الأطفال، وتمتلئ بالنذر، وأخبار المعجزات، وبالأساطير. وكما أن في وسع كثيرين من المؤرخين المسيحيين (مع استثناء جبن Gibbon على الدوام) أن يكتبوا تاريخ العصور الوسطى، بحيث يجعلون الحضارة الإسلامية كلها ذيلاً موجزاً للحروب الصليبية، كذلك اقتضب كثيرون من المؤرخين المسلمين تاريخ العالم قبل الإسلام فجعلوه كله يدور حول الاستعداد لرسالة النبي محمد. على أننا نعود فنسأل أنفسنا كيف يستطيع العقل الغربي أن يصدر
على الشرق حكماً صحيحاً نزيهاً؟ إن اللغة العربية تفقد جمالها في الترجمة كما تفقد الزهرة جمالها إذا انتزعت من شجرتها، وإن الموضوعات التي تمتلئ بها صحائف المؤرخين المسلمين، وهي التي تبدو ذات روعة وجمال لبني أوطانهم، لتبدو مملة خالية من المتعة الطبيعية للقراء من أهل الغرب الذين لم يدركوا حتى الآن أن الصلات الاقتصادية بين الشعوب واعتماد بعضها على بعض يتطلبان أن يدرس كلاهما الآخر ويفهمه حق الفهم.
قصة الحضارة ج13 ص172-176)
 
اولا نقل العلوم وترجمتها وخاصة كتب الطب أو العلوم الرياضية
حكام المسلمين يطلبون العلوم ويدفعون من اجلها الاموال بل يراسلون العدو لمدهم بما عنده من علم
تحت عنوان العلوم كتب ديورانت
"لقد كان بنو أمية حكماء إذ تركوا المدارس الكبرى المسيحية، أو الصابئية، أو الفارسية، قائمة في الإسكندرية، وبيروت، وإنطاكية، وحران، ونصيبين، وغنديسابور لم يمسوها بأذى، وقد احتفظت هذه المدارس بأمهات الكتب في الفلسفة والعلم، معظمها في ترجمة السريانية....وأرسل المنصور، والمأمون، والمتوكل الرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن الهلنستية-وأرسلوهم في بعض الأحيان إلى أباطرة الروم أعدائهم الأقدمين-يطلبون إليهم أن يمدوهم بالكتب اليونانية، وخاصة كتب الطب أو العلوم الرياضية. وبهذه الطريقة وصل كتاب إقليدس في الهندسة إلى أيدي المسلمين. وأنشأ المأمون في بغداد عام 830 بيت الحكمة وهو مجمع علمي، ومرصد فلكي، ومكتبة عامة، وأنفق في إنشائه مائتي ألف دينار (نحو 950.000 ريال أمريكي). وأقام فيه طائفة من المترجمين وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال. ويقول ابن خلدون(20) إن الإسلام مدين إلى هذا المعهد العلمي باليقظة الإسلامية الكبرى التي اهتزت بها أرجاؤه والتي تشبه في أسبابها- وهي انتشار التجارة وإعادة كشف كنوز اليونان- وفي نتائجها- وهي ازدهار العلوم والفنون- نقول إنها تشبه في أسبابها ونتائجها النهضة الأوربية التي أعقبت العصور الوسطى.
ودامت هذه الأعمال، أعمال الترجمة المخصبة المثمرة، من عام 750 إلى 900، وفي هذه الفترة عكف المترجمون على نقل أمهات الكتب من السريانية، واليونانية، والفهلوية، والسنسكريتية. وكان على رأس أولئك المترجمون المقيمين في بيت الحكمة طبيب نسطوري هو حنين ابن إسحق (809-873). وقد ترجم وحده-كما يقول هو نفسه-إلى اللغة السريانية مائة رسالة من رسائل جالينوس ومدرسته العلمية، وإلى اللغة العربية تسعاً وثلاثين رسالة أخرى. وبفضل ترجمته هذه نجت بعض مؤلفات جالينوس من الفناء. وترجم حنين فضلاً عن تلك الرسائل السالفة الذكر كتب المقولات (ويذكره العرب باسم قاطيغورياس) والطبيعة، والأخلاق الكبرى لأرسطو،وكتب الجمهورية، وطيماوس، والقوانين لأفلاطون؛ وعهد أبقراط، وكتاب الأقرباذين لديوسقريدس Dioscorides. وكتاب الأربعة لبطليموس، وترجم العهد القديم من الترجمة السبعينية اليونانية. وكاد المأمون أن يفلس بين المال حين كافأ حنين على عملهِ هذا يمثل وزن الكتب التي ترجمها ذهباً. ولما ولي الخلافة المتوكل عينه طبيباً لبلاطهِ، ولكنه زج به سنة في السجن حين أبى أن يركب له دواء يقضي به على حياة عدو له مع أن الخليفة أنذره بالموت إن لم يفعل. وكان ابن إسحق بن حنين يساعد أباه في أعمال الترجمة، ونقل هو إلى اللغة العربية من كتب أرسطو
كتب الميتافيزيقا، والنفس، وفي توالد الحيوانات وفسادها كما نقل إليها شروح الإسكندر الأفروديسي، وهو كتاب له أثر كبير في الفلسفة الإسلامية.
ولم يحل عام 850 بعد الميلاد حتى كانت معظم الكتب اليونانية القديمة في علوم الرياضة، والفلك، والطب قد ترجمت إلى اللغة العربية.
قصة الحضارة ج13 ص177-179)
 
دار الحكمة ومافيها!
"وأنشأ المأمون في بغداد عام 830 بيت الحكمة وهو مجمع علمي، ومرصد فلكي، ومكتبة عامة، وأنفق في إنشائه مائتي ألف دينار (نحو 950.000 ريال أمريكي). وأقام فيه طائفة من المترجمين وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال. ويقول ابن خلدون(20) إن الإسلام مدين إلى هذا المعهد العلمي باليقظة الإسلامية الكبرى التي اهتزت بها أرجاؤه والتي تشبه في أسبابها- وهي انتشار التجارة وإعادة كشف كنوز اليونان- وفي نتائجها- وهي ازدهار العلوم والفنون- نقول إنها تشبه في أسبابها ونتائجها النهضة الأوربية التي أعقبت العصور الوسطى".
قصة الحضارة ج13 ص177-178)
 
ولم يحل عام 850 بعد الميلاد حتى كانت معظم الكتب اليونانية القديمة في علوم الرياضة، والفلك، والطب قد ترجمت إلى اللغة العربية.
قصة الحضارة ج13 ص179
 
المجسطي على كتاب بطليموس في الفلك
"وعن طريق الترجمة العربية أطلق اسم المجسطي على كتاب بطليموس في الفلك"
قصة الحضارة ج13 ص179)
هذا الكتاب فيه اخطاء علمية قام علماء مسلمون بتصحيحها
سيأتي عرض ذلك ان شاء الله
 
قال "وإن انتقال العلوم والفلسفة انتقالاً مستمراً من مصر، والهند، وبابل، عن طريق بلاد اليونان وبيزنطية، إلى بلاد الإسلام في الشرق وفي أسبانيا، ومنها إلى شمالي أوربا وأمريكا"
قصة الحضارة ج13 ص180
 
اطلب العلم ولو في الهند
الخوارزمي والجبر والغرب والنقل
"لقد ورث المسلمون عن اليونان معظم ما ورثوه من علوم الأقدمين، وتأتي الهند في هذا في المرتبة الثانية بعد بلاد اليونان. ففي عام 773 أمر المنصور بترجمة السدهنتا وهي رسائل هندية في علم الفلك يرجع تاريخها إلى عام 425 ق.م. وربما كانت هذه الرسائل هي الوسيلة التي وصلت بها الأرقام "العربية" والصفر من بلاد الهند إلى بلاد الإسلام(21). ففي عام 813 استخدم الخوارزمي الأرقام الهندية في جداوله الرياضية؛ ثم نشر في عام 825 رسالة تعرف في اللاتينية باسم Algoritmi de numero Indorum "أي الخوارزمي عن أرقام الهنود". وما لبث لفظ الجورثم أو الجورسم أن أصبح معناه طريقة حسابية تقوم على العدّية العشرية. وفي عام 976 قال محمد بن أحمد في مفاتيح العلوم إنه إذا لم يظهر في العمليات الحسابية رقم في مكان العشرات وجب أن توضع دائرة صغيرة لمساواة الصفوف(22). وسمى المسلمون هذه الدائرة "صفراً" أي خالية ومنها اشتقت الكلمة الإنجليزية Cipher؛ وحور العلماء اللاتين لفظ صفر Sifr إلى Zephyrum ثم اختصره الطليان إلى Zero. ويدين علم الجبر، الذي نجد أصوله في مؤلفات ديوفانتوس Diophantus اليوناني من رجال القرن الثالث، باسمه إلى العرب، الذين ارتقوا بهذا العلم الكاشف للخبايا الحلال للمعضلات. وأبرز الشخصيات في هذا الميدان العلمي هي شخصية محمد بن موسى (780-850) المعروف بالخوارزمي نسبة إلى مسقط رأسه في خوارزم (خيوة الحديثة) الواقعة شرقي بحر الخرز؛ وقد كتب الخوارزمي رسائل قيمة في علوم خمسة: كتب عن الأرقام الهندية، وجمع أزياجاً فلكية، ظلت قروناً كثيرة بعد أن روجعت في بلاد الأندلس الإسلامية هي المعمول بها في جميع البلاد الممتدة من قرطبة إلى شنغان في الصين؛ وهو الذي وضع أقدم الجداول المعروفة في حساب المثلثات، واشترك مع تسعة وثلاثين من العلماء في وضع موسوعة جغرافية للخليفة المأمون، وأورد في كتابه حساب الجبر والمقابلة حلولاً تحليلية وهندسية لمعادلات الدرجة الثانية. ولقد ضاع الأصل العربي لهذا الكتاب، لكن جرارد الكريمونائي Gerard of Cremona ترجمة في القرن الثاني عشر، وظلت ترجمته تدرس في الجامعات الأوربية حتى القرن السادس عشر، ومنه أخذ الغرب كلمة الجبر وسموا بها ذلك العلم المعروف.قصة الحضارة ج13 ص180-181
 
ثابت بن قرة والفلك والطب
"واشتهر ثابت بن قرة (826-901)، فضلاً عما ترجمه من الكتب الكثيرة، بمؤلفاته في الفلك والطب وأصبح أعظم علماء الهندسة المسلمين "
قصة الحضارة ج13 ص181
 
الهندسة والحساب والرياضيات
"وارتقى أبو عبد الله البتاني (850-929) وهو رجل صابئي من الرقة يعرف عند الأوربيين باسم البتجنس Albategnus، بعلم حساب المثلثات إلى أبعد من مبادئه التي كان عليها في أيام هبارخوسن وبطليموس، وذلك حين استبدل المثلثات بالمربعات في حل المسائل، واستبدل جيب الزاوية بالقوس كما كان يفعل هبارخوس. وهو الذي صاغ في حساب المثلثات النسب بالصورة التي نستخدمها الآن في جوهرها.
قصة الحضارة ج13 ص181
 
الفلك ورصد السماء
:"واستخدم المأمون جماعة من الفلكيين ليرصدوا الأجرام السماوية ويسجلوا نتيجة هذه الأرصاد، وليحققوا كشوف بطليموس الفلكي، ويدرسوا كلف الشمس. واتخذوا كرية الأرض أساساً بدءوا منه بقياس الدرجة الأرضية بأن رصدوا موضع الشمس من تدمر وسنجار في وقت واحد. وتوصلوا من هذا الرصد إلى تقدير الدرجة بستة وخمسين ميلاً وثلثي ميل-وهو تقدير يزيد بنصف ميل على تقديرنا في الوقت الحاضر ومن هذه النتائج قدروا محيط الأرض بما يقرب من عشرين ألف ميل. ولم يكن هؤلاء الفلكيون يقبلون شيئاً إلا بعد أن تثبته الخبرة والتجارب العلمية، وكانوا يسيرون في بحوثهم على قواعد علمية خالصة، وكتب أحدهم -الفرغاني من أهل فرغانة وهي ولاية وراء جيحون (حوالي عام 860)-كتاباً في الفلك ظل مرجعاً تعتمد عليه أوربا وغربي آسية سبعمائة عام. وأوسع منه شهرة البتاني الذي ظل واحداً وأربعين عاماً يقوم بأرصاد فلكية اشتهرت بدقتها واتساع مداها. وقد وصل بهذه الأرصاد إلى كثير من "المعاملات" الفلكية تمتاز بقربها العجيب من تقديرات هذه الأيام-منها تقديره زيوح الاعتدالين بـ 54.5ً في العام، وميل مستوى الفلك بـ55َ23ْ(23). منهم أبو الوفا الذي كان يعمل تحت رعاية سلاطين بني بويه الأولين حكام بغداد والذي كشف (كما يقول سادلو Sadilot وإن كان قوله لا يزال مثاراً للجدل) الانحراف الثالث للقمر قبل أن يكشفه تيخو براهي Tycho Brahe بستمائة عام(24). وقد أقيمت للفلكيين المسلمين آلات غالية الثمن لم تقتصر على الإسطرلاب، والكرات ذوات الحلق التي كانت معروفة لليونان الأقدمين، بل كانت تشمل كذلك آلات لقياس الزوايا يبلغ نصف قطرها ثلاثين قدماً، وآلات سدس نصف قطرها ثمانون قدماً. وقد أدخل المسلمون. على الإسطرلاب تحسينات كثيرة، ووصل منهم إلى أوربا في القرن العاشر الميلادي، وظل شائع الاستعمال بين الملاحين حتى القرن السابع عشر. وقد صروه العرب وأبدعوا صنعه، حتى أصبح بفضلهم أداة علمية وتحفة فنية معاً.
وهذا الاهتمام العظيم بتصوير السماء قد فاقه اهتمامه بتصوير أقاليم الأرض
قصة الحضارة ج13 ص182-183)
 
البيروني والجغرافيا والتاريخ والطب والفلك والاحجار الكريمة
"وهذا الاهتمام العظيم بتصوير السماء قد فاقه اهتمامه بتصوير أقاليم الأرض لأن المسلمين كانوا يعيشون على فلح الأرض وعلى التجارة في أقاليمها المختلفة. فقد حمل سليمان التاجر-الذي عاش حوالي عام (851) وصفاً لرحلة سليمان هذا، كان هو أقدم وصف عربي لبلاد الصين، وكتبه قبل رحلات ماركو بولو Marco Polo بأربعمائة وخمسة وعشرين عاماً. وفي ذلك القرن نفسه كتب ابن خردذيه وصفاً لبلاد الهند، وسيلان، وجزائر الهند الشرقية، وبلاد الصين، ويبدو أنه اعتمد فيما كتب على رحلاته في تلك البلاد وما شاهده فيها بنفسهِ. ووصف ابن حوقل بلاد الهند وإفريقية، وكتب أحمد اليعقوبي، من أهل أرمينية وخرسان في عام 891 كتاب البلدان الذي وصف فيه الأقطار والمدن الإسلامية وكثيراً من الدول الأجنبية وصفاً خليقاً بالثقة. وزار محمد المقدسي جميع البلاد الإسلامية فضلاً عن بلاد الأندلس، ولاقى في أثناء رحلاته كثيراً من الشدائد، ثم كتب عام 985 كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وهو أعظم كتاب في معرفة جغرافية البلاد الإسلامية قبل كتاب البيروني عن الهند.
ويمثل أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني (973-1048م) العالِم الإسلامي في أحسن صورة له. فقد كان البيروني فيلسوفاً، مؤرخاً، ورحالة، وجغرافياً، ولغوياً، ورياضياً، وفلكياً، وشاعراً، وعالماً في الطبيعيات-وكانت له مؤلفات كبيرة وبحوث عظيمة مبتكرة في كل ميدان من هذه الميادين. ومكان عند المسلمين كما كان ليبنتز، ويوشك أن يكون كما كان ليوناردو دافنشي، عند الغربيين. وقد ولد كما ولد الخوارزمي بالقرب من مدينة جنوى الحالية، وتمثل فيه كما تمثل في الخوارزمي زعامة موطنه في غرب بحر قزوين من الناحية العلمية في هذه الأعوام المائة من العصور الوسطى التي بلغ فيها العلم ذروته. وعرف أمراء خورازم وطبارستان فضله وأدركوا عظم مواهبه فأفردوا له مكاناً في بلاطهم. وسمع محمود الغرنوي بكثرة من كان في خوارزم من الشعراء والفلاسفة، فطلب إلى أميرها أن يبعث إليه بالبيروني، وابن سينا، وغيرهما من العلماء؛ وأدرك الأمير أن هذا الأمر واجب الطاعة (1018)، وسافر البيروني ليحيا حياة الجد والهدوء والعزة والكرامة في بلاد المليك المحارب فاتح الهند. ولعل البيروني قد دخل الهند في ركاب محمود نفسه، وسواء كان هذا أو لم يكن فقد أقام العالم الفيلسوف في الهند عدة سنين درس فيها لغة البلاد وآثارها القديمة، ثم عاد إلى بلاط محمود وأصبح فيه من أعظم المقربين لهذا الحاكم المطلق الذي لا يستطيع الكاتب رسم صورة صادقة له. ويقال إن رجلاً من شمالي آسية زار محموداً ووصف له إقليماً ادعى أنه رآه بعينهِ، وقال إن الشمس تظل فيه عدة أشهر لا تغيب أبداً. ولم يصدق محمود هذا القول، وغضب على الرجل وأوشك أن يزجه في السجن لجرأتهِ على المزاح معه وهو صاحب الحول والطول، فما كان من البيروني إلا أن شرح هذه الظاهرة شرحاً أقنع بهِ الملك وأنجى الزائر
وكان مسعود بن محمود من الهواة المولعين بالعلم فأخذ ينفح البيروني بالهدايا والأموال، وكثيراً ما كان البيروني نفسه يردها إلى بيت المال لزيادتها على حاجتهِ.
وكان أول مؤلفاته الكبرى رسالة علمية فنية عميقة تعرف باسم الآثار الباقية في التقاويم والأعياد عند الفرس، وأهل الشام، واليونان، واليهود، والمسيحيين، الصابئين، والزرادشتيين، والعرب، والكتاب دراسة نزيهة إلى درجة غير مألوفة، مبرأة إلى أقصى حد من الأحقاد الدينية. وكان البيروني يميل إلى مذهب الشيعة، وكان ذا نزعة تشككية خالية من المباهاة والادعاء؛ غير أنه ظل يحتفظ بقسط من الوطنية الفارسية، وأنحى باللائمة على العرب لقضائهم على ما كان في العهد الساساني من حضارة عظيمة(27). أما في ما عاد هذا فقد كان موقفه موقف العالم صاحب النظرة الموضوعية، المجد في البحث العلمي، النقادة للروايات المتواترة والنصوص (بما فيها نصوص الإنجيل)، المدقق، النزيه، ذي الضمير الحي في أحكامهِ، وكثيراً ما كان يعترف بجهلهِ، ويعد بأن يواصل بحوثه حتى تنكشف له الحقيقة. وقد قال في مقدمة الآثار الباقية مثل ما قال فرانسس بيكن في بعض كتبه "... بعد تنزيه النفس عن العوارض المردية أكثر الخلق، والأسباب المعمية لصاحبها عن الحق، وهي كالعادة المألوفة، والتعصب، والتظافر، وإتباع الهوى، والتغلب بالرياسة، وأشباه ذلك.... وبغير ذلك، لا يتأتى لنا نيل المطلوب ولو بعد العناء الشديد والجهد الجهيد".
وبينما كان مضيفه يغزو الهند ويدمر مدنها، كان البيروني يقضي السنين الطوال في دراسة شعوبها، ولغاتهم، وأديانهم، وثقافتهم، ومختلف طوائفهم. وأثمرت هذه الدراسة كتابة تاريخ الهند الذي نشره في عام 1030 والذي يعد أعظم مؤلفاته. وقد ميز فيه منذ البداية بين ما شاهده بعينهِ وما سمعه من غيره، وذكر أنواع الكذابين الذين ألفوا كتباً في التاريخ(28) ولم يخص تاريخ الهند السياسي إلا بحيز صغير في كتابه خص أحوال الهند الفلكية باثنين وأربعين فصلاً من فصوله وخص أديانها بأحد عشر. وكان من أهم ما سحر لبه البهاجافاد جيتا وأدرك ما بين تصوف الفدانتا، والصوفية، والفيثاغورية الحديثة، والأفلاطونية الحديثة من تشابه، وأورد مقتطفات من كتابات مفكري الهنود، ووازن بينها وبين مقتطفات شبيهة بها من كتابات فلاسفة اليونان، وفضل آراء اليونان عن آراء الهنود، وكتب يقول إن الهند لم ينبغ فيها رجل كسقراط، ولم تظهر فيها طريقة منطقية تطهر العلم من الأوهام(29). ولكنه رغم هذا ترجم إلى اللغة العربية عدداً من المؤلفات السنسكريتية، وكأنما أراد أن يوفي بدينهِ للهند فترجم إلى السنسكريتية كتاب أصول الهندسة لإقليدس و المجسطي لبطليموس.
وكادت عنايته تشمل جميع العلوم، فقد كتب عن الأرقام الهندية أوفى بحث في العصور الوسطى؛ وكتب رسالة عن الإسطرلاب، ودائرة فلك البروج، وذات الحلق، ووضع أزياجاً فلكية للسلطان محمود. ولم يكن يخالجه أدنى شك في كرية الأرض، ولاحظ أن كل الأشياء تنجذب نحو مركزها، وقال إن الحقائق الفلكية يمكن تفسيرها إذا افترضنا أن الأرض تدور حول محورها مرة في كل يوم، وحول الشمس مرة في كل عام، بنفس السهولة التي تفسر بها إذا افترضنا العكس(30). وقال إن وادي نهر السند ربما كان في وقت من الأوقات قاع بحر(31)، وألف كتاباً ضخماً في الحجارة وصف فيه عدداً عظيماً من الأحجار والمعادن من النواحي الطبيعية وشرح قيمتها التجارية والطبية. وعين الكثافة النوعية لثمانية عشر نوعاً من أنواع الحجارة الكريمة، ووضع القاعدة التي تنص على الكثافة النوعية للجسم تتناسب مع حجم الماء الذي يزيغه(32). وتوصل إلى طريقة لحساب تكرار تضعيف العدد دون الالتجاء إلى عمليات الضرب والجمع الطويلة الشاقة، كما تحدث في القصة الهندية عن مربعات لوحة الشطرنج وحبات الرمل. ووضع في الهندسة حلولاً لنظريات سميت فيما بعد باسمه. وألف موسوعة في الفلك، والتنجيم، والعلوم الرياضية؛ وشرح أسباب خروج الماء من العيون الطبيعية والآبار الارتوازية بنظرية الأواني المستطرقة(33). وألف تواريخ حكم السلطان محمود، وسبكتجين، وتاريخاً لخوارزم. ويطلق عليه المؤرخون الشرقيون اسم الشيخ، وكأنهم يعنون بذلك أنه شيخ العلماء. وإن كثرة مؤلفاته في الجيل الذي ظهر فيه ابن سينا، وابن الهيثم، والفردوسي لتدل على أن الفترة الواقعة في أواخر القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر هي التي بلغت فيها الثقافة الإسلامية ذروتها، وهي التي وصل فيها الفكر في العصور الوسطى إلى أعلى درجاته.
قصة الحضارة ج13 ص183-186)
 
الكيمياء بوصفها علما والعقاقير الطبية والسبق الاسلامي
"ويكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علماً من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية، والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان- على ما نعلم- على الخبرة الصناعية الفروض الغامضة. فقد اخترعوا الأنبيق وسموه بهذا الاسم، وحللوا عدداً لا يحصى من المواد تحليلاً كيميائياً، ووضعوا مؤلفات في الحجارة، وميزوا بين القلويات والأحماض، وفحصوا عن المواد التي تميل إليها، ودرسوا مئات من العقاقير الطبية، وركبوا مئات منها . وكان علم تحول المعادن إلى ذهب، الذي أخذه المسلمون من مصر هو الذي أوصلهم إلى علم الكيمياء الحق، عن طريق مئات الكشوف التي يبينوها مصادفة، وبفض الطريقة التي جروا عليها في اشتغالهم بهذا العلم وهي أكثر طرق العصور الوسطى انطباقاً على الوسائل العلمية الصحيحة. ويكاد المشتغلون بالعلوم الطبيعية من المسلمين في ذلك الوقت يجمعون على أن المعادن كلها تكاد ترجع في نهاية أمرها إلى أصول واحدة، وأنها لهذا السبب يمكن تحويل بعضها إلى البعض الآخر. وكان الهدف الذي يبغيه الكيمائيون هو أن يحولوا المعادن "الخسيسة" كالحديد، أو النحاس، أو الرصاص، أو القصدير إلى فضة، أو ذهب. وكان حجر الفلاسفة عندهم مادة-يدأبون على البحث عنها ولا يصلون إليها-إذا عولجت بها تلك المعادن العلاج الصحيح، حدث فيها التغير المطلوب. وكان الدم، والشعر، والبراز، وغيرها من المواد تعالج "بكواشف" متنوعة، وتعرض لعمليات التكليس، والتصعيد، وللضوء، والنار، علها أن يكون فيها ذلك الإكسير السحري(36). وكان الاعتقاد السائد أن الذي يستحوذ على هذا الإكسير يستطيع إذا شاء أن يطيل حياته. وكان أشهر الكيميائيين المسلمين جابر بن حيان (702-765) المعروف عند الأوربيين باسم جيبير Gebir. وكان جابر ابن حيان كوفي، اشتغل بالطب، ولكنه كان يقضي معظم وقته مع الأنابيق والبوادق. ويعزو إليه المؤرخون مائة من المؤلفات أو أكثر من مائة، ولكنها في الواقع من عمل مؤلفين مجهولين عاش معظمهم في القرن العاشر. وقد ترجم كثير من هذه المؤلفات التي لا يعرف أصحابها إلى اللغة اللاتينية. وكان لها الفضل في تقدم علم الكيمياء في أوروبا. وحل السحر بعد القرن العاشر محل الكيمياء كما حل محل غيرها من العلوم، وقضى ذلك العلم بعدئذ ثلاثمائة عام لا يرفع فيها رأسه.
قصة الحضارة ج13 ص187188)
 
علم الاحياء
"وليس لدينا إلا القليل من بقايا علم الأحياء عند المسلمين في ذلك العصر. ومن هذه الآثار كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري الذي رجع فيه إلى مؤلفات ديوسقوريدس ولكنه أضاف فيه إلى علم الصيدلة عقاقير أخرى كثيرة. وقد عرف علماء الحياء المسلمون طريقة إنتاج فواكه جديدة بطريق التطعيم، وجمعوا بين شجرة الورد وشجرة اللوز ، وأوجدوا بذلك التطعيم أزهاراً نادرة جميلة المنظر(37). وشرح عثمان بن عمر الجاحظ (المتوفى سنة 869) نظرية في التطور شبيه بنظرية المسعودي فقال إن الحياة قد ارتفعت من الجماد إلى النبات، ومن النبات إلى الحيوان، ثم من الحيوان إلى الإنسان(38). واعتنق الشاعر الصوفي جلال الدين هذه النظرية، ولم يضف إليها إلا قولهِ إنه إذا كان هذا مستطاعاً في الماضي، فإن الناس في المرحلة الثانية سيصبحون ملائكة ثم يرقون إلى مرتبة الإله
قصة الحضارة ج13 ص188
 
الطب والثروة والسلطة والعلم القرآني!
"ولم يكن العرب حين دخلوا بلاد الشام يعرفون الطب إلا معلومات بدائية، ولم يكن لديهم من الأدوات والأجهزة الطبية إلا القليل الذي لا يغني. فلما أن ازدادت الثروة نشأت في الشام وفارس طائفة من الأطباء، واسعة العلم، عظيمة المقدرة، أو استقدمت من بلاد اليونان والهند..وإذ كان المسلمون يستنكفون من تشريح الأجسام الحية أو جثث الموتى فإن علم التشريح عند المسلمين قد اقتصر على ما جاء في كتب جالينوس، أو على دراسة الجرحى من الناس؛ ومن أجل هذا كان أضعف فروع الطب الإسلامي هو الجراحة، وكان أقواها هو الطب العلاجي وخواص العقاقير الطبية. وقد أضاف العرب إلى علم الأقرباذين العنبر، والكافور، وخيار الشنبر، والقرنفل العطري، والزئبق، والسنالمكي، والمر، وأدخلوا في الأبنية مستحضرات طبية جديدة-منها أنواع الشراب، والحلاب، وماء الورد وما إليها. وكان من أهم الأعمال التجارية بين إيطاليا والشرق الأدنى استيراد العقاقير العربية. وكان المسلمون أول من أنشأ مخازن الأدوية والصيدليات، وهم الذين أنشئوا أول مدرسة للصيدلة، وكتبوا الرسائل العظيمة في علم الأقرباذين. وكان الأطباء المسلمون عظيمي التحمس في دعوتها إلى الاستحمام، وخاصة عن الإصابة بالحميات(46)، وإلى استخدام حمام البخار؛ ولا يكاد الطب الحديث يزيد شيئاً على ما وصفوه من العلاج للجدري والحصبة، وقد استخدموا التخدير بالاستنشاق في بعض العمليات الجراحية(47)؛ واستعانوا بالحشيش وغيره من المخدرات على النوم العميق(43)؛ ولدينا أسماء أربعة وثلاثين بيمارستانا كانت قائمة في البلاد الإسلامية في ذلك الوقت(44)، ويلوح أنها أنشئت فيها خمسة أخرى في القرن العاشر الميلادي
قصة الحضارة ج13 ص189-190)
 
انفجار علوم الطب والصيدلة وانشاء المستشفيات وتخريج الاطباء
"ولدينا أسماء أربعة وثلاثين بيمارستانا كانت قائمة في البلاد الإسلامية في ذلك الوقت(44)، ويلوح أنها أنشئت فيها خمسة أخرى في القرن العاشر الميلادي، ويحدثنا المؤرخون في عام 918 عن مدير لها في بغداد(45). وكان أعظم بيمارستانات بلاد الإسلام على بكرة أبيها هو البيمارستان الذي أنشئ في دمشق عام 706؛ وفي عام 978 كان به أربعة وعشرون طبيباً. وكان البيمارستانات أهم الأماكن التي يدرس فيها الطب؛ ولم يكن القانون يجيز لإنسان أن يمارس هذه الصناعة إلا إذا تقدم إلى امتحان يُعقد لهذا الغرض ونال إجازة من الدولة. كذلك كان الصيادلة، والخلاقون، والمجبرون يخضعون لأنظمة تضعها الدولة وللتفتيش على أعمالهم. وقد نظم علي ابن عيسى الوزير-الطبيب-هيئة من الأطباء الموظفين يطوفون في مختلف البلاد ليعالجوا المرضى (931)؛ وكان أطباء يذهبون في كل يوم إلى السجون ليعالجوا نزلاءها؛ وكان المصابون بأمراض عقلية يلقون عناية خاصة يعالجون علاجاً يمتاز بالرحمة والإنسانية. غير أن الوسائل الصحية العامة لم تلقَ في معظم الأماكن ما هي خليقة به من العناية، ودليلنا على ذلك أن أربعين وباء اجتاحت في أربعة قرون هذا البلد أو ذاك من بلاد الإسلام.
وكان في بغداد وحدها عام 931 ثمانمائة وستون طبيباً مرخصاً(46). وكانت أجورهم ترتفع بنسبة قربهم من بلاط الخلفاء. فقد جمع جبريل بن بختيشوع طبيب هارون الرشيد، والمأمون، والبرامكة ثروة يبلغ مقدارها 88.800.000 درهم أي نحو (7.104.000 دولار أمريكي). ويحدثنا المؤرخون أنه كان يتقاضى من الخليفة مائة ألف درهم نظير حجامته مرتين في العام. ومثل هذا المبلغ لإعطائه مسهلاً كل نصف عام(47). وقد نجح في علاج الشلل الهستيري في جارية بأن تظاهر بأنه سيخلع عنها ملابسها أمام الناس. وجاء بعد جبريل في بلاد الإسلام الشرقية عدد من الأطباء كل منهم بعد الآخر، نذكر منهم يوحنا ابن ماسويه (777-857)، الذي درس التشريع بتقطيع أجسام القردة، ومنهم حنين بن إسحق، المترجم، صاحب كتاب العشر مقالات في العين، وهو أقدم كتبا دراسي منظم في طب العيون؛ وعلي بن عيسى أعظم أطباء العيون المسلمين، وقد ظل كتابه تذكرة الكحالين يدرس في أوربا حتى القرن الثامن عشر.
وأشهر أطباء هذه الأسرة الرحيمة على بكرة أبيها هو أبو بكر مجمد الرازي (844-926) اشتهر بين الأوربيين باسم رازيس Rhases. وكان أبو بكر كمعظم كبار العلماء والشعراء في وقتهِ فارسياً يكتب بالعربية. وكان مولده في بلدة الري القريبة من طهران، ودرس الكيمياء بنوعيها، والطب في بغداد، وألف 131 كتاباً نصفها في الطب، ضاع معظمها. ومن أشهر كتبه كتاب الحاوي وهو كتاب في عشرين مجلداً، ويبحث في كل فرع من فروع الطب. وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية وسمي Liber cntinens، وأغلب الظن أنه ظل عدة قرون أعظم الكتب الطبية مكانة، وأهم مرجع لهذا العلم في بلاد الرجل الأبيض، وكان من الكتاب التسعة التي تتألف منها مكتبة الكلية الطبية في جامعة باريس عام 1394(48). وكانت رسالته في الجدري والحصبة آية في الملاحظة المباشرة والتحليل الدقيق، كما كانت أولى الدراسات العلمية الصحيحة للأمراض المعدية، وأول مجهود يبذل للتفرقة بين هذين المرضين. وفي وسعنا أن نحكم على ما كان لهذه الرسالة من بالغ الأثر واتساع الشهرة إذا عرفنا أنها طبعت باللغة الإنجليزية أربعين مرة بين عامي 1498، 1866. وأشهر كتب الرازي كلها كتاب طبي في عشر مجلدات يسمى كتاب المنصوري أهداه إلى أحد أمراء خرسان. وقد ترجمه جرار الكريمو إلى اللغة اللاتينية. وظل المجلد التاسع من هذا الكتاب وهو المعروف عند الغربيين باسم Nonus Almansoris متداولاً في أيدي طلاب الطب في أوربا حتى القرن السادس عشر. وقد كشف الرازي طرقاً جديدة في العلاج كمرهم الزئبق، واستخدام أمعاء الحيوان في التقطيب. وهدأ من حماس الأطباء لتحليل البول في عصر أقلب به الأطباء إلى تشخيص كل مرض بالفحص على بول المريض، دون أن يروه في بعض الأحيان. ولا تخلو بعض مؤلفاته القصيرة من ظرف ودعابة؛ ومن هذا النوع رسالته "في الطب الحاذق وليس هو من قدر على إبراء جميع العلل وإن ذلك ليس في الوسع" ورسالته الأخرى "العلة التي من أجلها ينجح جهال الأطباء والعوام والنساء في المدن في علاج بعض الأمراض أكثر من العلماء وعذر الطبيب في ذلك". ولقد كان الرازي بإجماع الآراء أعظم الأطباء المسلمين وأعظم علماء الطب السريري (الكلينيكي) في العصور الوسطى(49). ومات الرجل فقيراً في الثانية والثمانين من عمرهِ.
وقد علقت في مدرسة الطب بجامعة باريس صورتان ملونتان لطبيبين مسلمين هما: الرازي وابن سينا. وكان أبو علي الحسين بن سينا (980-1037) أعظم فلاسفة الإسلام وأشهر أطبائه، وتشهد سيرته التي كتبها بيدهِ-وذلك النوع من السير نادر في الأدب العربي-بكثرة ما كان يحدث في العصور الوسطى من تقلب في حياة العلماء والحكماء. فقد كان ابن سينا ابن أحد الصيارفة في بخارى، وتلقى العلم على معلمين خصوصيين، كان لهم أثر فيما ينطوي عليه عقله العلمي من نزعة صوفية. ويقول عنه ابن خلكان بشيء من المغالاة المألوفة عند المؤرخين العرب إنه لما بلغ عشر سنين من عمرهِ "كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهند والجبر والمقابلة"(50).
وقد تعلم الطب من غير مدرس، وأخذ وهو شاب يعالج المرضى من غير أجر
قصة الحضارة ج13 ص190-191
 
ابن سينا والطب وغيره من العلوم
:"وقد علقت في مدرسة الطب بجامعة باريس صورتان ملونتان لطبيبين مسلمين هما: الرازي وابن سينا. وكان أبو علي الحسين بن سينا (980-1037) أعظم فلاسفة الإسلام وأشهر أطبائه، وتشهد سيرته التي كتبها بيدهِ-وذلك النوع من السير نادر في الأدب العربي-بكثرة ما كان يحدث في العصور الوسطى من تقلب في حياة العلماء والحكماء. فقد كان ابن سينا ابن أحد الصيارفة في بخارى، وتلقى العلم على معلمين خصوصيين، كان لهم أثر فيما ينطوي عليه عقله العلمي من نزعة صوفية. ويقول عنه ابن خلكان بشيء من المغالاة المألوفة عند المؤرخين العرب إنه لما بلغ عشر سنين من عمرهِ "كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهند والجبر والمقابلة"(50).
وقد تعلم الطب من غير مدرس، وأخذ وهو شاب يعالج المرضى من غير أجر وشفى وهو في السابعة عشر من عمرهِ نوح بن منصور أمير بخارى من مرضهِ، معين في منصب في بلاطهِ، وكان يقضي في الدرس ساعات طوالاً في مكتبة السلطان الضخمة. ولما قضي على سلطان السامانيين في أواخر القرن العاشر الميلادي لجأ ابن سينا إلى بلاط المأمون أمير خوارزم. ولما استدعى محمود الغزنوي ابن سينا والبيروني وغيرهما من جهابذة العلماء في بلاط المأمون، لم يطع ابن سينا أمره، وفر هو وزميل له من العلماء إلى الصحراء. وهبت عليهما عاصفة رملية مات فيها زميلهُ، ونجا ابن سينا ووصل إلى جرجان بعد أن قاسى كثيراً من الصعاب، وفيها عين في منصب في بلاط قابوس. ونشر محمود الغرنوي في بلاد الفرس صورة لابن سينا، ووعد من يقبض عليه بجائزة سخية، ولكن قابوس حماه من عيون الأمير. ولما قتل قابوس دعي ابن يسنا لعلاج همذان، وشفي الأمير على يديهِ فاتخذه وزيراً له، ولكن الجيش لم يرتح لحكمهِ، فقبض عليه ونهب بيتهُ، وأراد أن يقتله. واستطاع ابن سينا أن يفلت منهم ويختبئ في بيت صيدلي، وبدأ وهو في مخبئهِ يؤلف كتبهُ التي كانت سبباً في شهرتهِ. وبينما هو يدبر لنفسهِ أمر الفرار سراً من همذان قبض عليه ابن الأمير وزج به في السجن حيث قضى عدة أشهر واصل فيها التأليف. واستطاع مرة أخرى أن يفر من السجن، وتخفى في زي أحد رجال الطرق الصوفية، وبعد عدة مغامرات لا تتسع لها صحائف هذا الكتاب وجد له ملجأ في بلاط علاء الدولة البويهي أمير أصفهان، ورحب بهِ الأمير وكرمهُ، وهنا التفت حوله جماعة من العلماء والفلاسفة وأخذوا يعقدون مجالس علمية برياسة الأمير نفسه. ويستدل من بعض القصص التي وصلت إلينا أن فيلسوفنا كان يستمتع بملاذ الحب، كما يستمتع بملاذ الدرس. غير أن قصصاً تصوره لنا مكباً بالليل والنهار على الدرس، والتعليم، والشؤون العامة، وينقل لنا ابن خلكان نصائح له قيمة لا تبلى جدتها: اجعل غذائك كل يــــوم مرة واحذر طعاماً قبل هضم طعام
واحفظ منيك ما استطعت فإنه ماء الحياة يراق في الأرحام
وأثرت حياة الكدح في صحتهِ فمات في السابعة والخمسين من عمرهِ وهو مسافر إلى همذان، حيث لا يزال قبره موضعاً للإجلال والتكريم... وقد ترجم كتاب إقليدس في الهندسة ووضع عدة أزياج فلكية، وابتكر آلة شبيهة بالورنية المعروفة عندنا اليوم. وله دراسات مبتكرة في الحركة، والطاقة، والفراغ، والضوء، والحرارة، والكثافة النوعية. وله رسالة في المعادن بقيت حتى القرن الثالث عشر أهم مصادر علم طبقات الأرض عند الأوربيين. وقد كتب فيها عن تكوين الجبال كتابة تعد أنموذجاً للوضوح في العلم. فقد قال إن الجبال قد تنشأ من سببين مختلفين: فقد تكون نتيجة اضطرابات في القشرة الأرضية كما يحدث في أثناء الزلازل العنيفة، وقد تكون نتيجة لفعل المياه التي تشق لنفسها طريقاً جديداً بنحت الأودية. ذلك أن طبقات الأرض مختلفة في أنواعها؛ فمنها الهش ومنها تشق الصلب، والرياح والمياه تفتتان النوع الأول ولكنهما تتركان صخور النوع الثاني على حالها. وهذا التحول يحتاج إلى آجال طوال... ولكن وجود البقايا المتحجرة للحيوانات المائية في كثير من الجبال يدل على أن المياه هي أهم الأسباب التي أحدثت هذه النتائج(52).
ولابن سينا كتابان يشتملان على تعاليمهِ كلها أولهما كتاب الشفاء (شفاء النفس)، وهو موسوعة في ثمانية عشر مجلداً في العلوم الرياضية، والطبيعة، وما وراء الطبيعة، وعلوم الدين، والاقتصاد، والسياسة، والموسيقى؛ وثانيهما كتاب القانون في الطب، وهو بحث ضخم في وظائف الأعضاء، وعلم الصحة، والعلاج، والأقرباذين، يتطرق من حين إلى حين إلى الموضوعات الفلسفية. وكتاب القانون حسن التنسيق يرقى في بعض الأحيان إلى درجة كبيرة في البلاغة، ولكن شغفه الشديد بالتصنيف والتمييز يصبح عنده آفة لا يجد لها دواء. ويبدأ المؤلف بتحذير لا يشجع على دراستهِ إذ يقول إن كل من يتبع تعاليمه ويريد أن يفيد منها يجب عليه أن يحفظ عن ظاهر قلب(52ا) هذا الكتاب الذي يحتوي ألف ألف كلمة. والطب في رأيهِ هو فن إزالة العقبات التي تعترض طريق عمل الطبيعة السوي. وهو يبحث أولاً في الأمراض الخطيرة فيصف أعراضها، وتشخيصها، وطرق علاجها. وفي الكتاب فصول عن طريق الوقاية والوسائل الصحية العامة والخاصة، والعلاج الحقن الشرجية، والحجامة، والكي، والاستحمام، والتدليك. وهو ينصح بالتنفس العميق، وبالصياح من حين إلى حين لتقوية الرئتين والصدر-واللهاة.ويلخص الكتاب الثاني ما عرفه اليونان والعرب عن النباتات الطبية. ويبحث الكتاب الثالث في بعض الأمراض وطبائعها، وفيه بحوث قيمة عن التهاب البلورا والدُّبيلة ، والنزلات المعوية، والأمراض التناسلية، وفساد الشهوة، والأمراض العصبية، بما فيها العشق، ويبحث الكتاب الرابع في الحميات، وفي الجراحة، وأدهان التجميل، ووسائل العناية بالشعر والجلد. وفي الكتاب الرابع-الخاص بعلم العقاقير الطبية-تعليمات مفصلة عن طرق طبخ سبعمائة وستين نوعاً من العقاقير. وحل كتاب القانون بعد أن ترجم إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر محل كتب الرازي وجالينوس، وأصبح هو الذي يعتمد عليهِ في دراسة الطب في المدارس الأوربية. وقد احتفظ فيها بمكانتهِ العالية، وظل الأساتذة يشيرون على الطلاب بالرجوع إليه في جامعتي منبلييه ولوفان إلى أواسط القرن السابع عشر.
وجملة القول أن ابن سينا أعظم من كتب في الطب في العصور الوسطى، وأن الرازي أعظم أطبائها، والبيروني أعظم الجغرافيين فيها، وابن الهيثم أعظم علمائها في البصريات، وجابر بن حيان أعظم الكيميائيين فيها. تلك أسماء خمسة لا يعرف عنها العالم المسيحي في الوقت الحاضر إلا القليل، وإن عدم معرفتنا إياها ليشهد بضيق نظرتنا وتقصيرنا في معرفة تاريخ العصور الوسطى. وليس في وسعنا مع هذا أن نحاجز أنفسنا عن القول بأن العلوم العربية كثيراً ما تلوث بالأوهام شأنها في هذا شأن سائر العصور الوسطى وأن تفوقها كلها-عدا علم البصريات-يرجع إلى التركيب والبناء من النتائج التي تجمعت لديها أكثر من تفوقها في الكشوف المبتكرة أو البحوث المنظمة؛ لكنها مهما يكن قصورها في هذه الناحية قد نمت في علم الكيمياء الطريقة التجريبية العلمية، وهي أهم أدوات العقل الحديث وأعظم مفاخره. ولما أن أعلن روجر بيكن هذه الطريقة إلى أوربا بعد أن أعلنها جابر بخمسمائة عام كان الذي هداه إليها هو النور الذي أضاء له السبيل من عرب الأندلس، وليس هذا الضياء نفسه إلا قبساً من نور المسلمين في الشرق.
قصة الحضارة ج13 ص192-196)
 
الرازي والطب
"وأشهر أطباء هذه الأسرة الرحيمة على بكرة أبيها هو أبو بكر مجمد الرازي (844-926) اشتهر بين الأوربيين باسم رازيس Rhases. وكان أبو بكر كمعظم كبار العلماء والشعراء في وقتهِ فارسياً يكتب بالعربية. وكان مولده في بلدة الري القريبة من طهران، ودرس الكيمياء بنوعيها، والطب في بغداد، وألف 131 كتاباً نصفها في الطب، ضاع معظمها. ومن أشهر كتبه كتاب الحاوي وهو كتاب في عشرين مجلداً، ويبحث في كل فرع من فروع الطب. وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية وسمي Liber cntinens، وأغلب الظن أنه ظل عدة قرون أعظم الكتب الطبية مكانة، وأهم مرجع لهذا العلم في بلاد الرجل الأبيض، وكان من الكتاب التسعة التي تتألف منها مكتبة الكلية الطبية في جامعة باريس عام 1394(48). وكانت رسالته في الجدري والحصبة آية في الملاحظة المباشرة والتحليل الدقيق، كما كانت أولى الدراسات العلمية الصحيحة للأمراض المعدية، وأول مجهود يبذل للتفرقة بين هذين المرضين. وفي وسعنا أن نحكم على ما كان لهذه الرسالة من بالغ الأثر واتساع الشهرة إذا عرفنا أنها طبعت باللغة الإنجليزية أربعين مرة بين عامي 1498، 1866. وأشهر كتب الرازي كلها كتاب طبي في عشر مجلدات يسمى كتاب المنصوري أهداه إلى أحد أمراء خرسان. وقد ترجمه جرار الكريمو إلى اللغة اللاتينية. وظل المجلد التاسع من هذا الكتاب وهو المعروف عند الغربيين باسم Nonus Almansoris متداولاً في أيدي طلاب الطب في أوربا حتى القرن السادس عشر. وقد كشف الرازي طرقاً جديدة في العلاج كمرهم الزئبق، واستخدام أمعاء الحيوان في التقطيب. وهدأ من حماس الأطباء لتحليل البول في عصر أقلب به الأطباء إلى تشخيص كل مرض بالفحص على بول المريض، دون أن يروه في بعض الأحيان. ولا تخلو بعض مؤلفاته القصيرة من ظرف ودعابة؛ ومن هذا النوع رسالته "في الطب الحاذق وليس هو من قدر على إبراء جميع العلل وإن ذلك ليس في الوسع" ورسالته الأخرى "العلة التي من أجلها ينجح جهال الأطباء والعوام والنساء في المدن في علاج بعض الأمراض أكثر من العلماء وعذر الطبيب في ذلك". ولقد كان الرازي بإجماع الآراء أعظم الأطباء المسلمين وأعظم علماء الطب السريري (الكلينيكي) في العصور الوسطى(49). ومات الرجل فقيراً في الثانية والثمانين من عمرهِ.
وقد علقت في مدرسة الطب بجامعة باريس صورتان ملونتان لطبيبين مسلمين هما: الرازي وابن سينا
قصة الحضارة ج13 ص191-192)
 
جبريل بن بختيشوع طبيب هارون الرشيد، والمأمون، والبرامكة
"وكان في بغداد وحدها عام 931 ثمانمائة وستون طبيباً مرخصاً(46). وكانت أجورهم ترتفع بنسبة قربهم من بلاط الخلفاء. فقد جمع جبريل بن بختيشوع طبيب هارون الرشيد، والمأمون، والبرامكة ثروة يبلغ مقدارها 88.800.000 درهم أي نحو (7.104.000 دولار أمريكي). ويحدثنا المؤرخون أنه كان يتقاضى من الخليفة مائة ألف درهم نظير حجامته مرتين في العام. ومثل هذا المبلغ لإعطائه مسهلاً كل نصف عام(47). وقد نجح في علاج الشلل الهستيري في جارية بأن تظاهر بأنه سيخلع عنها ملابسها أمام الناس.
قصة الحضارة ج13 ص190-191)
 
يوحنا ابن ماسويه (777-857)، طبيب في دار الاسلام!
درس كتابه في اوروبا حتى القرن ال18!!!
"وجاء بعد جبريل في بلاد الإسلام الشرقية عدد من الأطباء كل منهم بعد الآخر، نذكر منهم يوحنا ابن ماسويه (777-857)، الذي درس التشريع بتقطيع أجسام القردة، ومنهم حنين بن إسحق، المترجم، صاحب كتاب العشر مقالات في العين، وهو أقدم كتبا دراسي منظم في طب العيون؛ وعلي بن عيسى أعظم أطباء العيون المسلمين، وقد ظل كتابه تذكرة الكحالين يدرس في أوربا حتى القرن الثامن عشر.
قصة الحضارة ج13 ص191)
 
ملحوظة
الذي اعرضه هنا وغالبا هو المادة التاريخية التي جمعها ديورانت كما جمعتها انا ايضا لك
لكن هو له تفسيره وهواه كما قال ان له هوى من بني قومه
فمن المسلمات ان اوروبا المسيحية ثم العلمانية استفادت من علوم المسلمين
لكن كثير من الاوروبيين يرجعون الامر للغرام بالفكر اليوناني والرد على ذلك ان يقال ومن الذي دفعهم لهذا الغرام واي نوع من الغرام؟
زلاشك ان القرآن هو الذي دفع حكام المسلمين مثل المنصور وهارون الرشيد والمأمون وغيرهم الى البحث عن العلم وتمحيصه كما محص القرآن الكتب هيمن عليها
ففي البدء ل تكن الفلسفة والغرام بها ولكن كان الإسلام ثم البحث بثقة عن العلوم لعمران العالم
وهذا قد يخالفنا فيه ديورانت او غيره لكن عليك بكتب الدكتور عماد الدين خليل فهي شافية كافية في هذا الامر
عماد الدين خليل مدخل الى الحضارة الاسلامية
https://drive.google.com/file/d/0B7wPfUB5HBrtYU5SOEhpblF5Nm8/view
العلامة عماد الدين خليل
"في الفقه الحضاري: حول منهج جديد لدراسة حضارة الاسلام
http://www.al-maktabeh.com/play.php?catsmktba=1660
كتاب التفسير الاسلامي للتاريخ للدكتور العلامة عماد الدين خليل
https://ia801406.us.archive.org/30/items/tiltek/tilt.pdf​
 
لقد استعار الإسلام في الفلسفة، كما استعار في الطب، من بلاد الشام المسيحية ما خلفته بلاد اليونان الوثنية، ثم رد هذا الدين إلى أوربا المسيحية عن طريق الأندلس الإسلامية
قصة الحضارة ج13 ص197
 
الكندي الذي ولد في الكوفة عام 803 م. وكان والد الكندي من ولاة الأعمال في المدينة؛ وتلقى هو العلم فيها وفي بغداد، وذاعت شهرته في الترجمة، والعلم والفلسفة في بلاط المأمون والمعتصم، ونبغ مثل الكثيرين من أمثاله في مجد الإسلام الفكري في عدد كبير من العلوم، فدرس كل شيء، وكتب 265 رسالة في كل شيء-في الحساب والهندسة النظرية، والهيئة، والظواهر الجوية، وتقويم البلدان، والطبيعة، والسياسة، والموسيقى، والطب، والفلسفة... وكان يرى ما يراه أفلاطون من أنه ليس في وسع إنسان أن يصبح فيلسوفاً من غير أن يكون قبل ذلك عالماً في الرياضة؛ وحاول أن يبني علم الصحة، والطب، والموسيقى على نسب رياضية. وقد درس فيما درس ظاهرة المد والجزر، وبحث القوانين التي تحدد سرعة الأجسام الساقطة في الهواء، كما بحث ظاهرة الضوء في كتابهِ عن البصريات الذي كان له أكبر الأثر في روجر بيكن Roger Bacon"
قصة الحضارة ج13 ص200
تعليق
قد يكون الكندي معتزلي او له موقف توفيقي بين ارسطو وافلاطون او غير ذلك لكنه لاشك تأثر بالمناخ العام للتصور الحضاري عن دراسة الاسباب والكون في الاسلام كما تأثر من هو اضل منه في بعض التصورات مثل النصارى والمجوس واليهود
وكذلك الشأن مع موقف ابن سينا او غيره
 
قال ديورانت عن الفلسفة وتأثيرها:"وبدا أن صرح الإسلام القائم على القرآن قد أصبح وشيك الانهيار
قصة الحضارة ج13 ص202
نقد وتعليق
مالايفهمه ديورانت هو ان المعتزلة انفسهم كانوا يدافعون عن الاسلام والقرآن فبعض تصوراتهم الخاطئة لم تمنعهم من الولوج في باب الاعجاز القرآني وقد بين ذلك الاستاذ محمود شاكر في رسالة خاصة بذلك
فالقرآن هو الدافع للفعل في السلطات في عالم الاسلام الحي والذي ازدهرت فيه العلوم وحتى اجتهاد المأمون وغيره في اتخاذ المجوس او المسيحيين واليهود في جواره كان قائما على فهم معين للقرآن وهو التعايش والتسامح والتجاوز وليس الاكراه والقسوة ووضع المخالف في عزل صحي!
لكن الى اي مدى يمكن ان يفعل الانسان ذلك هذا هو الامر المختلف فيه
وعلى كل حال فقد كان ابن رشد مثلا فقيها مسلما وقاضي الاسلام في عصره رغم بعض مواقفه الفلسفية وهذا يعني ان القرآن كان محترما ومرفوعا فوق الرأس ومقتد به ومتبعا كلماته في القيم والعلوم والمبادئ والفقه العام والخا
 
الشفاء والقانون في الطب لابن سينا وكلام لديورانت"وكتابا الشفاء والقانون لابن سينا هما أرقى ما وصل إليه التفكير الفلسفي في العصور الوسطى، وهما من أعظم البحوث في تاريخ العقل الإنساني. وهو يسترشد في كثير من بحوثهِ في الكتابين بأرسطو والفارابي، كما استرشد أرسطو في كثير من بحوثهِ بأفلاطون. غير أن هذا لا ينقص من قدره، ذلك أن نزلاء المستشفيات العقلية هم وحدهم المبدعون تمام الإبداع الذين لا يتأثرون بعقول غيرهم. وفي بعض أقوال ابن سينا ما يبدو لعقولنا المعرضة إلى الخطأ أنه سخف وهراء، ولكن هذا الحكم بعينهِ ينطبق أيضاً على أقوال أفلاطون وأرسطو، والحق أنه ليس ثمة سخيف لا نجده في صحف الفلاسفة. ولسنا نجد عند ابن سينا ما نجده عند البيروني من أمانة التشكك، وروح النقد، واتساع الأفق، وحرية العقل، وهو أكثر منه أخطاء، ذلك أ، البحوث التركيبية لا بد أن تؤدي هذا الثمن ما دامت الحياة على ما هي من قصر الأمد. ولقد بز الرئيس ابن سينا جميع أقرانه بوضوح أسلوبهِ، وحيويتهِ، وبقدرتهِ على جعل التفكير المجرد مشرقاً بعيداً عن السآمة والملل بما يبثه فيه من القصص الإيضاحية وأبيات الشعر التي لا نرى عليهِ مأخذاً في إيرادها، وباتساع مجاله الفلسفي والعلمي اتساعاً منقطع النظير. ولقد كان ابن سينا عظيم الأثر فيمن جاء بعده من الفلاسفة والعلماء، وقد تعدى هذا الأثر بلاد المشرق إلى الأندلس حيث شكل فلسفة ابن رشد وابن ميمون، وإلى العالم المسيحي اللاتيني وفلاسفته
قصة الحضارة ج13 ص211-212)
 
حتى الحب والغزال والشعر العاشق!
"وأخذ شعراء الإسلام يصفون مفاتن المرأة-شعرها العطر، وعينيها الشبيهتين بالدرتين، وشفتيها القرمزيتين، وأطرافها الفضية؛ وظهرت في الصحراوات وفي المدينتين المقدستين القصائد الغنائية؛ وأصبح الأدب في عرف الفلاسفة والشعراء يعني أدب الحب وسلوك المحبين. وانتقل هذا المعنى عن طريق مصر وإفريقية إلى صقلية وأسبانيا، ومنهما إلى إيطاليا وبروفانس Provence في فرنسا، وانطلقت الألسن وجادت القرائح بالشعر الموزون المقفى.
قصة الحضارة ج13 ص226
 
وكثرت ضروب الأوزان والقوافي في الشعر العربي وكان لها بالغ الأثر في نشأة القافية في الشعر الأوربي.
قصة الحضارة ج13 ص225
 
"وقد اجتمعت الفنون كلها في تزيين الحياة الإسلامية والسمو بها إلى ذروة الجمال، فامتزجت أشكال الرسوم الدقيقة بالخط الجميل في المنسوجات، وطبعت بالنار على الفخار؛ وأقيمت على مداخل المباني والمحاريب. وإذا كانت حضارة العصور الوسطى لم تفرق بين الصانع الماهر والفنان، فلم يكن ذلك ليحط من شأن الفنان، بل كان يرفع من قدر الصانع الماهر، وكان الهدف الذي تبتغيه كل صناعة أن تصبح فناً من الفنون الجميلة. لقد كان الناسخ يخرج منسوجات عادية يستعملها عامة الناس وتبلى بعد قليل، مثله في هذا كمثل صانع الفخار سواء بسواء؛ ولكنه كان في بعض الأحيان يعبر عن حذقه وصبره، كما يصور أحلامه، في الأثواب، والسجف، والطنافس، وأغطية الفراش، والنسيج المطرز، الحرير المشجر، يخرجه ليبقى عدة أجيال وقد أبدع نقشه، وصبغه بالألوان الزاهية المحبوبة في بلاد الشرق. لقد كانت المنسوجات البيزنطية، والقبطية، والساسانية، والصينية ذائعة الصيت حين فتح المسلمون بلاد الشام، وفارس، ومصر، والتركستان؛ وما اسرع ما تعلم المسلمون صناعات تلك البلاد، فلم يمضِ إلا قليل من الوقت حتى أخرجت المصانع الإسلامية المنسوجات الحريرية التي نهى النبي عن لبسها، وأخرجتها بكثرة، ولبسها النساء والرجال وهم يدعون الله أن يغفر لهم خطاياهم الجسمية والروحية. وكانت حلة الشرف أثمن ما يستطيع الخليفة أن يخلعه على من يؤدي له خدمة جليلة؛ وسرعان ما أصبح المسلمون كبار تجار الحرير في العالم كله في العصور الوسطى. وكانت أقمشة التفتاه الحريرية تبتاع لملابس السيدات غي أوربا، واشتهرت شيراز بالأقمشة الصوفية، كما اشتهرت بغداد بأقمشة الستائر، والمظلات، والحرير المموج، وخوزستان بالأقمشة المنسوجة من وبر الجمال وشعر الماعز، وخراسان بأغطية الهوادج، وصور بالطنافس، وبخارى بسجاجيد الصلاة، وهراة بالحرير المنقوش بخيوط الذهب.
قصة الحضارة ج13 ص254-255)
تعليق
لم يحرم الاسلام الحرير على النساء ولذلك لم تكن صناعة الملابس الحريرية التي لبستها نساء اوروبا محرمة في الاسلام كما اوحى ديورانت
 

تعليق
لم يحرم الاسلام الحرير على النساء ولذلك لم تكن صناعة الملابس الحريرية التي لبستها نساء اوروبا محرمة في الاسلام كما اوحى ديورانت

جزاك الله خيرا على هذا التنبيه، وهم يتوهمون اشياء كثيرة، منها ان بعضهم يحسبون ان المرأة المسلمة تلبس الخمار أبدا أينما كانت، ولا يعلمون انه فقط في حضرة الاجانب.
 
وبارك فيكم اخي الأمين الهلالي
صدقت فتصوراتهم عن الرسول محمد والوحي وامور مثل الحجاب -وقع فيها ديورانت نفسه-على الرغم من دقة دراستهم في مواضيع هي ضحلة وضعيفةجدا
 
"الإسلام في الغرب
641-1086
...أما أسبانيا في عهد العرب فقد وصلت إلى الذروة في تاريخ الحضارة.."
قصة الحضارة ج13 ص261)
 
ازدهار الدول في ظل الاسلام
"لم يكن الشرق الأدنى إلا جزءاً من العالم الإسلامي، وقد استعادت مصر تحت حكم المسلمين مجدها الفرعوني؛ كما استعادت تونس ومراكش بزعامة العرب ما كان لهما من حكومة منظمة؛ وازدهرت مدائن القيروان وبالرم وفاس إلى حين. أما أسبانيا في عهد العرب فقد وصلت إلى الذروة في تاريخ الحضارة؛ ولما حكم المُغُل المسلمون بلاد الهند فيما بعد شادوا كما يشيد الجبابرة، وأبدعوا كما يبدع الصياغ"
قصة الحضارة ج13 ص261)
 
فتح مصر وتحريرها من الامبراطورية البيزنطية
"وبينما كان خالد بن الوليد وغيره من الفاتحين يخضعون بلاد الشرق زحف عمرو بن العاص، بعد موت النبي بما لا يزيد على سبع سنين؛ من مدينة غزة في فلسطين واستولى على بلوز ، ومنفيس، ثم زحف على الإسكندرية...وكان المسيحيون اليعاقبة في مصر قد قاسوا الأمرَّين من جراء اضطهاد بيزنطية؛ ولهذا رحبوا بقدوم المسلمين، وأعانوهم على استيلاء منفيس، وأرشدوهم إلى الإسكندرية ، ولما سقطت تلك المدينة في يد عمر وبعد حصار دام ثلاثة عشر شهراً (641) كتب إلى الخليفة عمر ابن الخطاب يقول: "أما بعد، فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف قصر وأربعة آلاف حمام وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية وأربعمائة ملهى للملوك" .
وحال عمرو بين العرب وبين نهب المدينة وفضل أن يفرض عليها الجزية. ولم يكن في وسعهِ أن يدرك أسباب الخلافات الدينية بين المذاهب المسيحية المختلفة، ولذلك منع أعوانه اليعاقبة أن ينتقموا من خصومهم الملكانيين، وخالف ما جرت عليه عادة الفاتحين من أقدم الأزمنة فأعلن حرية العبادة لجميع أهل المدينة.
قصة الحضارة ج13 ص261-262)
 
هل حرق المسلمون مكتبة الاسكندرية؟
قال ديورانت:"وحال عمرو بين العرب وبين نهب المدينة وفضل أن يفرض عليها الجزية. ولم يكن في وسعهِ أن يدرك أسباب الخلافات الدينية بين المذاهب المسيحية المختلفة، ولذلك منع أعوانه اليعاقبة أن ينتقموا من خصومهم الملكانيين، وخالف ما جرت عليه عادة الفاتحين من أقدم الأزمنة فأعلن حرية العبادة لجميع أهل المدينة.
وبعد،فهل أحرق عمرو مكتبة الإسكندرية؟ لقد وردت هذه القصة أول ما وردت في كتاب عبد اللطيف (1162-1231)، أحد العلماء المسلمين(2)؛ ثم أوردها بتفصيل أوفى بار هبريوس Bar Hebraeus (1226-1286) وهو مسيحي يهودي الأصل من شرقي بلاد الشام كتب باللغة العربية، باسم أبي الفرج، مختصراً لتاريخ العالم. وقد جاء في روايته لهذه القصة أن رجلاً من أهل الإسكندرية يسميه العرب حنا الأجرومي (واسمه عند الغربيين John Philoponus) طلب إلى عمرو أن يعطيه ما في المكتبة من مخطوطات؛ فكتب عمرو إلى الخليفة عمر يستأذنه في هذا؛ فرد عليه عمر، كما تقول الرواية، بقولهِ: "أما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ما جاء بها يوافق ما جاء في كتاب الله فلا حاجة لنا بهِ، وإذا خالفه فلا أرب لنا فيه واحرقها". وتختصر الأسطورة هذا الرد الأسطوري في أغلب الظن إلى هذا الجواب القصير: "احرقها لأن ما فيها كله يحتويه كتاب واحد هو القرآن". ويضيف بار هبريوس أن عمراً أمر بالكتب فوزعت على حمامات المدينة البالغ عددها أربعة آلاف حمام لتوقد بها، فما زالوا يوقدون بملفات البردي والرق ستة أشهر (642). ومن نقط الضعف في هذه القصة: (1) أن جزءاً كبيراً من هذه المكتبة قد أحرقه المسيحيون المتحمسون في عهد البطريق توفيلس عام 392(3)، (2) وأن ما بقي فيها قد تعرض لإهمال المهملين وعداء الأعداء تعرضاً "أدى إلى ضياع معظمه قبل عام 642"(4)، (3) وأن أحداً من المؤرخين المسيحيين لم يشر بكلمة إلى هذا الحديث المزعوم في الخمسمائة العام الواقعة بين حدوثه وبين ذكره لأول مرة، مع أن أحد هؤلاء المؤرخين وهو أوتكيوس Eutychius كبير أساقفة الإسكندرية في عام 933 وقد وصف فتح العرب للإسكندرية بتطويل كبير(5). ولهذا فإن معظم المؤرخين يرفضون هذه القصة ويرون أنها من الخرافات الباطلة. هذا ولقد كان ضياع مكتبة الإسكندرية شيئاً فشيئاً من المآسي الكبرى في تاريخ العالم؛ وذلك بأنها، كما يعتقد العلماء، كانت تحتوي على مجموعة كاملة مما نشر من كتب إسكلس، وسفكل، وبولبيوس، وليفي، وتاستوس، ومائة آخرين من المؤلفين الذين وصلت إلينا كتبهم مختلطة مهوشة، كما كانت تحتوي على نصوص الكاملة لمن جاء قبل سقراط من الفلاسفة، وهي النصوص التي لم يبقَ منها إلا جذاذات متفرقة، وعلى آلاف من المجلدات في تاريخ اليونان، والمصريين، والرومان، وفي العلوم الطبيعية، والآداب والفلسفة
قصة الحضارة ج13 ص262-264)
 
عدل عمرو ابن العاص في حكم مصر
:"وحكم عمر مصر حكماً صالحاً؛ وخصص جزءاً من الضرائب الباهظة لتطهير قنوات الري وترميم الجسور، وإعادة فتح الخليج الذي كان يوصل النيل بالبحر الأحمر، والذي يبلغ طوله ثمانين ميلاً. وبذلك استطاعت السفن وقتئذ أن تصل من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي(6) (وقد طمر هذا الخليج مرة أخرى في عام 732 وأهمل شأنه). وأنشأ عمرو عاصمة جديدة لمصر في الموضع الذي أقام فيه معسكر عام 641 وسميت العاصمة الجديدة بالفسطاط، وهي كما يبدو الكلمة المرادفة لخيمة. وكانت هذه المدينة بداية مدينة القاهرة الحاضرة؛ وقد ظلت قرنين كاملين (641-868) مقر الولاة المسلمين يحكمون منه مصر نيابة عن خلفاء دمشق أو بغداد.
قصة الحضارة ج13 ص264)
 
وتوالت الفتوحات وتحرير البلاد العربية من الاستعمار الاوروبي الروماني
"وأراد المسلمون أن يحكموا مصر الإسلامية من هجوم على جناحها الغربي من قيرين البيزنطية فزحفوا بجيش تبلغ عدته أربعين ألف مقاتل مخترقين الصحراء إلى برقة، واستولوا عليها، ووصلوا قرب قرطاجة. وغرس قائد المسلمين رمحه في الرمل جنوبي مدينة تونس الحالية بنحو ثمانين ميلاً، وأقام في هذه النقطة معسكره، وأنشأ بذلك (670) مدينة من أكبر المدائن الإسلامية وهي مدينة القيروان- "المحطة" . ونسي البربر إلى حين حقدهم على الروم فانظموا إليهم في الدفاع عن المدينة، فظلت تقاوم المسلمين ولم تخضع إليهم إلا في عام 698. ولم يلبث شمال إفريقية أن خضع للمسلمين حتى شاطئ المحيط الأطلنطي. واقتنع البربر- بشروطهم هم أنفسهم تقريباً- بقبول حكم المسلمين، ولم يلبثوا أن اعتنقوا الدين الإسلامي، وقسمت أملاك المسلمين في إفريقية إدارياً إلى ثلاث ولايات: ومص وعاصمتها الفسطاط، وإفريقية وعاصمتها القيروان، والمغرب (مراكش) وعاصمتها فاس.
وظلت هذه الولايات نفسها قرناً من الزمان تعترف بالسيادة لخلفاء المشرق؛ ولكن انتقال مقر الخلافة إلى بغداد زاد من صعاب الاتصال والنقل، فأخذت الولايات الإفريقية تتحول واحدة بعد الأخرى إلى ممالك مستقلة. فقامت أسرة الأدارسة في فاس (974)، وأسرة بني الأغلب (800-909)تحكم القيروان، وقامت الأسرة الطولونية (869-905) في مصر. ولم تعد مصر-نهباً للحكام الأجانب، ودخلت في نهضة صغرى جديدة. وفتح أحمد بن طولون عام (869-884) بلاد الشام وضمها إلى مصر، وبنى له عاصمة جديدة تدعى القطائع (ضاحية من ضواحي الفسطاط) وشجع العلوم والفنون، وشاد القصور، والحمامات العامة، وأنشأ بيمارستاناً، ومسجداً عظيماً لا يزال حتى اليوم ناطقاً بفضلهِ: وقلب ابنه خماريه (884-895) هذا النشاط إلى ترف، ورصع جدران قصره بالذهب، وفرض على شعب مصر الضرائب الباهظة لينشئ لنفسهِ بركة من الزئبق ليتأرجح بلطف على فراشهِ المصنوع من الجلد المنفوخ حتى يغلبه النوم. وخَلَفت الأسرة الطولونية بعد أن حكمت أربعين عاماً أسرة تركية أنشأها الإخشيد (935-969). ولم تكن لهذه المماليك الإفريقية جذور تمتد إلى دماء الشعب أو تقاليده، ولهذا كان لا بد لها أن تقيم حكمها على القوة والزعامة الحربيتين، فلما أضعفت الثروة حماستها العسكرية ذابت قوّتها واختفت من الوجود.
قصة الحضارة ج13 ص264)
 
مصر في حكم الطولونيين المسلمين
"وقامت الأسرة الطولونية (869-905) في مصر. ولم تعد مصر-نهباً للحكام الأجانب، ودخلت في نهضة صغرى جديدة"
قصة الحضارة ج13 ص265
 
المسلمون ينشؤون المدنية رويدا رويدا
"الفاتحين المسلمين في عنفوان شبابهم في القرن التاسع أنشئوا ثلاث طرق كبرى يتراوح طولها بين 1500 و2000 ميل تخترق الصحراء الكبرى إلى بحيرة شاد وتمبكتو، كما أنشئوا من الثغور في الشمال والغرب بونة، ووهران، وسبتة، وطنجة؛ وقامت تجارة عظيمة مربحة ربطت بلاد السودان بالبحر المتوسط، وبلاد الإسلام الشرقية بمراكش والأندلس، ونقل المهاجرون الأسبان إلى مراكش الصناعات الجلدية؛ وأضحت مدينة فاس مركزاً لتبادل التجارة مع أسبانيا، واشتهرت بأصباغها وعطروها، وطرابيشها الحمر والمغربية
قصة الحضارة ج13 ص266)
 
مصر تحت حكم الفاطميين
"وانتزع الفاطميون في عام969 مصر من بني الإخشيد...ولكن لا شيء يسقط كالنجاح، وآية ذلك أن الحاكم الخليفة التالي (996-1021) جن من فرط الثراء والسلطان، فدبر اغتيال عدد كبير من الوزراء، واضطهد المسيحيين واليهود، وأحرق كثيراً من الكنائس والمعابد، وأمر بهدم كنيسة بيت المقدس التي فيها قبر المسيح، وكان تنفيذ هذا الأمر من أسباب قيام الحروب الصليبية. وكأنما أراد الحاكم أن يعيد سيرة الإمبراطور كلجيولا، فنادى بنفسهِ إلهاً، وأرسل البعوث لنشر هذه العقيدة بين الناس، فلما أم قتل بعض هؤلاء الرسل عاد هو إلى حب المسيحيين واليهود، وأعاد بناء كنائسهم ومعابدهم. واغتيل الحاكم في سن السادسة والثلاثين.
وعم الرخاء مصر رغم ما كان يخص به الخلفاء أنفسهم من امتيازات واسعة لأنها كانت حلقة الاتصال التجاري بين أوربا وآسية، وازدادت عدد السفن التي ينقل عليها تجار الهند والصين بضائعهم من تلك البلاد مارة بالخليج الفارسي، والبحر الأحمر، والنيل إلى مصر. واضمحلت ثروة بغداد، وضعفت قوتها بينما زاد سلطان القاهرة وثراؤها وقد زار ناصري خسرو العاصمة الجديدة في عام 1047 وجاء في وصفه لها أن بها عشرين ألف بيت، معظمها من الآجر ترتفع إلى خمس طبقات أو ست، وعشرين ألف متجر مملوءة بالذهب، والجواهر، والأقمشة المطرزة، والحرير إلى درجة لا يجد الإنسان فيها مكاناً يجلس(8) فيهِ. وكانت الشوارع الكبرى مظللة من وهج الشمس وتضيؤها المصابيح بالليل...واشترك هؤلاء الأثرياء مع الخلفاء الفاطميين في بناء المساجد، وإنشاء دور الكتب، والمدارس الكبرى، وتشجيع العلوم والفنون. وكان حكم الفاطميين بوجه عام حكماً صالحاً خيـّراً طابعه الحرية والتسامح على الرغم مما كان يشينه أحياناً من قساوات، ومن ترف وإتلاف، وبالرغم من الاستغلال المعتاد للعمال، ومن العدد المطلوب من الحروب؛ وكان يضارع في رخائه وثقافته أي عهد آخر في تاريخ مصر
قصة الحضارة ج13 ص266-268)
 
وفي 970-972 أنشأ الجامع الأزهر جوهر الصقلي-وهو عبد مسيحي اعتنق الإسلام وكان القائد الذي فتح مصر للفاطميين
قصة الحضارة ج13 ص270
 
حتى في حكم الفاطميين كانت العلوم فوارة فموجات الحضارة تلبست الجميع
ف:"...المقريزي الذي كتب في القرن الخامس عشر تاريخاً للتصوير-يقول إن مكتبة الخلفاء الفاطميين تحتوي على مئات من المخطوطات المزينة بكثير من الرسوم الدقيقة من بينها 2.400 مصحف.
وكانت مكتبة الخلفاء بالقاهرة في عهد الحاكم بأمر الله تحتوي مائة ألف من المجلدات؛ وكان بها في عهد المستنصر 200.000. ويقول المؤرخون إن الكتب كانت تعار لمن يطلبها من الدارسين ذوي السمعة الطيبة من غير أجر. وغي عام 988 أشار الوزير يعقوب بن كلس على الخليفة العزيز أن يعلم على حسابه خمسة وثلاثين طالباً في الجامع الأزهر وأن يتكفل بنفقات معيشتهم، وبهذا نشأت أقدم جامعة في العالم كله. ولما نمت هذه المدرسة واتسعت اجتذبت إليها طلاباً من جميع أنحاء العالم الإسلامي، كما اجتذبت جامعة باريس بعد مائة عام من ذلك الوقت طلاباً من جميع أنحاء أوربا. ومن ذلك الوقت أخذ الخلفاء، والوزراء، والأغنياء من الأهلين يهبون الأموال لتعليم الطلاب بالمجان في تلك الجامعة حتى بلغ طلابها في وقتنا الحاضر 10.000 طالباً وعدد الأساتذة ثلاثمائة"
قصة الحضارة ج13 ص272-273)
 
دار الحكمة في عهد الفاطميين وبعدها صلاح الدين
"وأنشأ الحاكم في القاهرة "دار الحكمة"؛ وكانت مهمتها الرئيسية نشر المذهب الشيعي وتعاليمه، ولكن منهجها الدراسي كان يشمل أيضاً علمي الفلك والطب. وأقام الحاكم أيضاً مرصداً فلكياً، وأعان بالمال على بني يونس (المتوفى سنة1090م)، وهو في رأينا أعظم علماء الفلك المسلمين. وبعد أ، ظل هذا العالم يرصد السماء سبعة عشر عاماً أتم "الأزياج الحاكمية" التي توضح حركات الكواكب، ومواقيتها، وحدد بدقة أكثر من ذي قبل ميل مستوى الفلك، ومبادرة الاعتدالين، وزاوية اختلاف منظر الشمس.
قصة الحضارة ج13 ص273-274)
 
ابن الهيثم عالم من علماء المسلمين
"وأشهر العلماء كلهم بين علماء المسلمين المصريين اسم الحسن بن هيثم المعروف عند الأوربيين باسم "الهازن Alhazen". وقد ولد في البصرة عام 965 واشتهر فيها بنبوغه في الهندسة والرياضة. وترامى إلى الحاكم أن ابن الهيثم قد وضع خطة لضبط فيضان النيل السنوي فدعاه إلى القاهرة، ولكنه تبين أن الخطة غير عملية فاضطر إلى الاختفاء عن عين الخليفة ذي النزوات الشاذة. وافتتن الرجل، كما افتتن جميع المفكرين في العصور الوسطى، بمحاولات أرسطو في ربط المعارف كلها بعضها ببعض، فكتب عدة شروح وتعليقات عن مؤلفات هذا الفيلسوف، لم يصل إلينا شيء منها. وأهم ما يشتهر ابن الهيثم عندنا الآن كتاب المناظر في البصريات وهو في أغلب الظن أعظم مؤلف في العصور الوسطى بأجمعها جرى على الأسلوب العلمي في طريقته وتفكيره. وقد درس ابن الهيثم انكسار الضوء عند مروره في الأوساط الشفافة كالهواء، والماء واقترب مع اختراع العدسة المكبرة قرباً جعل روجر بيكن Roger Bacon، ووينلو Wnelo وغيرهما من الأوربيين بعد ثلاثمائة عام من ذلك الوقت يعتمدون على بحوثه فيما بذلوه من الجهود لاختراع المجهر والمرقب. وقد رفض ابن الهيثم نظرية إقليدس وبطليموس الفلكي القائلة بأن رؤية الجسم تنشأ من خروج شعاع ضوئي من العين يصل إلى الجسم المرئي، وقال إن صورة الجسم المرئي تصل إلى العين ومنها تنتقل بواسطة الجسم الشفاف-أي العدسة(21). ولاحظ أثر الجو في ازدياد الحجم الظاهري للشمس والقمر إذا كانا قريبين من الأفق؛ وأثبت أن انكسار الأشعة في الجو يجعل ضوء الشمس يصل إلينا حتى بعد أن يختفي قرصها تحت الأفق بتسع عشرة درجة، وعلى هذا الأساس قدر ارتفاع الهواء الجوي بعشرة أميال (إنجليزية). وحلل العلاقة بين ثقل الهواء الجوي وكثافته، وبيت أثر كثافة هذا الهواء في أوزان الأجسام، واستخدم قوانين رياضية معقدة في دراسة فعل الضوء في المرايا الكرية، والتي في شكل القطع المكافئ، وعند مروره في العدسات الزجاجية الحارقة. ورصد صورة الشمس المماثلة لصورة نصف القمر وقت الخسوف على جدار قائم أمام ثقب صغير في مصراع شباك. وهذا هو أول ما ذكر عن الغرفة المظلمة التي تعتمد عليها التصوير الشمسي بكافة أنواعه. وليس في وسعنا مهما قلنا عن ابن الهيثم أن نبالغ في بيان أثره في العلوم الأوربية: وأكبر ظننا أنه لولا ابن الهيثم لما سمع الناس قط بروجر بيكن؛ وها هو ذا روجر بيكن نفسه لا يكاد يخطو خطوة في ذلك الجزء الذي يبحث في البصريات Opus Mains دون أن يشير إلى ابن الهيثم أو ينقل عنه. والجزء السادس من هذا المؤلف يكاد كله يعتمد على كشوف هذا العالم الطبيعي ابن القاهرة. ولقد ظلت الدراسات الأوربية للضوء حتى ذلك العصر المتأخر عصر كبلر وليوناردو تعتمد على بحوث ابن الهيثم.
قصة الحضارة ج13 ص274-275)
 
اختفاء المسيحية والنزاع الداخلي بين فرقها
وهل كان سر اختفاء المسيحية بالاسلام هو الاقتصاد ام الاضطهاد (كان في فترة من فترات الفاطميين-اذن لماذا لم تنضم العراق وباكستان وافغانستان وغيرها للعلمانية الغربية وتترك الاسلام
يقول ديورانت:"وأبرز النتائج التي أسفرت عنها فتح العرب لشمالي إفريقية هو اختفاء المسيحية من هذا الإقليم اختفاء تدريجياً ولكنه يكاد يكون تاماً. ذلك أن البربر لم يعتنقوا الإسلام فحسب، بل أصبحوا فوق ذلك أكثر أنصاره تعصباً له ودفاعاً عنه. وما من شك في أن العوامل الاقتصادية كان لها دخل في هذه النتيجة الحاسمة: فقد كان غير الملمين يؤدون الفرضة، التي أعفي منها إلى وقت ما من يعتنقون الإسلام. ولما أن عرض والي مصر العربي على أهل البلاد هذا الإعفاء عام 744 اعتنق الإسلام 24.000 من المسيحيين(22). وربما كان الاضطهاد الذي وقع على المسيحيين، وهو اضطهاد لم يكن يقع إلا في بعض العهود ولكنه شديد، قد أثر في كثيرين من المصريين فحملهم على الدخول في دين الحكام. غير أن أقلية قبطية في مصر ظلت مستمسكة بدينها بشجاعة وأقامت كنائسها شبيهة بالحصون، كانت تؤدي فيها مناسكها سراً ، ولا تزال باقية في تلك البلاد إلى يومنا هذا. ولكن كنائس الإسكندرية، وقورينة، وقرطاجنة، وإفريقية، التي كانت تزدحم من قبل بالمصلين أخذت تخلو منهم وتتداعى، وانمحت من الأذهان ذكريات أثناسيوس، وسيريل Cyril، وأوغسطين، وخبت نيران المنازعات بين الأريوسيين، والدونانيين، واليعاقبة المسيحيين
قصة الحضارة ج13 ص275-276)
 
القلة القبطية التي بقيت بكامل حريتها على دينها لم يقتلهم احد
"غير أن أقلية قبطية في مصر ظلت مستمسكة بدينها بشجاعة وأقامت كنائسها شبيهة بالحصون، كانت تؤدي فيها مناسكها سراً ، ولا تزال باقية في تلك البلاد إلى يومنا هذا. ولكن كنائس الإسكندرية، وقورينة، وقرطاجنة، وإفريقية، التي كانت تزدحم من قبل بالمصلين أخذت تخلو منهم وتتداعى، وانمحت من الأذهان ذكريات أثناسيوس، وسيريل Cyril، وأوغسطين، وخبت نيران المنازعات بين الأريوسيين، والدونانيين، واليعاقبة المسيحيين
قصة الحضارة ج13 ص275-276)
 
أنظمة فرسان المعبد المسيحي صاحبة القلاقل في الغرب الاسلامي
"وأيد الفاطميون سلطانهم بجمع طائفة الإسماعيلية في جماعة كبرى ذات مراسم وطقوس ودرجات متفاوتة، واستخدموا أعضاءها في التجسس والدسائس السياسية. وانتقلت طقوس هذه الجماعة إلى بيت المقدس وأوربا، وكان لها أكبر الأثر في أنظمة فرسان المعبد والشيعة المستنيرة Illuminate وغيرها من الجماعات السرية التي قامت في العالم الغربي كما كان لها أكبر الأثر أيضاً في طقوسها وملابسها. وترى رجل الأعمال الأمريكي بين الفينة والفينة مسلماً متحمساً غيوراً، بفخر بعقيدته السرية، وطربوشه الفاسي ومسجده الإسلامي
قصة الحضارة ج13 ص276.
 
محاولة احتلال ايطاليا بحسب ديورانت ومراجعه
"فاستولى المسلمون في عام 841 على باري القاعدة البيزنطة الكبرى في الجنوب الشرقي من إيطاليا؛ وفي العام التالي انقضوا انقضاضاً سريعاً على إيطاليا استجابة لدعوة وجهها إليهم لمبارد دوق بنفنتو Benevento ليساعدوه على سالرنو Saleno، ثم عادوا منها بعد أن أتلفوا الحقول وخربوا الأديرة. وفي عام 864 نزل ألف ومئتان من المسلمين في أستيا Ostia، وواصلوا الزحف حتى أشرفوا على أسوار روما، ونهبوا ضواحي المدينة وكنيستي القديسين بطرس وبولس، ثم عادوا على مهل إلى سفنهم. ورأى البابا ليو Leo الرابع أن السلطة المدنية عاجزة عن تنظيم الدفاع عن إيطاليا، فأخذ هذه المهمة على عاتقهِ، وعقد حلفاً بين روما وبين أملفي Amalfi، ونابلي، وجيتا Gaeta ومد سلسلة في عرض نهر التيبز ليمنع العدو من اجتيازه. وبذل العرب في عام 849 محاولة أخرى للاستيلاء على عاصمة المسيحية في الغرب؛ فقابلهم الأسطول الإيطالي المتحد بعد أن باركه البابا، وهزمهم، وقد صور رفائيل منظر الواقعة في قصر الفاتيكان، وفي عام 866 جاء الإمبراطور لويس الثاني من ألمانيا، وصد العرب الذين كانوا يغيرون من جنوبي إيطاليا على شبه الجزيرة وأرجعهم إلى باري وتارنتو Taranto؛ وما وافى عام 844 حتى أخرجوا من جميع شبه الجزيرة.
ولكن غاراتهم عليها لم تنقطع، وظلت إيطاليا الوسطى جيلاً من الزمان يغشاها جو من الخوف والفزع في كل يوم من أيام حياتها. ففي عام 876 أغاروا على كمبانيا ونهبوها، وهددوا روما تهديداً اضطر البابا إلى أن يؤدي لهم جزية سنوية مقدارها 25.000 منقوص (حوالي 25.000 دولار أمريكي) حتى يكفوا عن الإغارة عليها(23). وفي عام 884 أحرقوا دير مونتي كاسينو العظيم ودمروه عن آخره. وشنوا غارات أخرى متقطعة نهبوا فيها وادي نهر الأنيو Anio. ودامت الحال على هذا المنوال حتى اجتمعت قوات البابا وإمبراطوري بيزنطية وألمانيا، ومدائن إيطاليا الوسطى والجنوبية، وهزمت العرب على نهر كرجليانو (916) وانتهى بذلك عصر الفتوح الإسلامية في إيطاليا، وهو العهد الذي دام مائة عام، كادت فيها إيطاليا تصبح ملكاً للعرب. ولو أن روما سقطت في قبضتهم لزحفوا على البندقية، ولو أ،هم استولوا عليها لأطبقت على القسطنطينية قوتان إسلاميتان عظيمتان. ترى إلى أي حد تتعلق مصائر الناس بنتائج الحروب ومصادفاتها!
قصة الحضارة ج13 ص278-279)
 
عودة
أعلى