التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

وتنتهي الصلاة بخطبة كانت في زمن النبي خبراً عن وحي وتوجيهاً لأعمال الأسبوع وسياسته. ذلك أن النبي كان ينشئ حكومة مدنية في المدينة. واضطر بحكم الظروف أن يخصص جزءاً متزايداً من وقته للمشاكل العملية المتصلة بالتنظيم الاجتماعي، والأخلاق، والعلاقات السياسية بي القبائل، ولشؤون الحرب، لأنه لم يكن ثمة حد فاصل بين الشؤون الدينية والدنيوية، بل اجتمعت هذه الشؤون كلها في يد الزعيم الديني كما كانت الحال عند اليهود. فكان محمد في المدينة الرسول الديني والحاكم السياسي جميعاً، ولم ترضَ أكثرية العرب عن هذا الوضع
قصة الحضارة ج13 ص33
اما كلامه عن الخطبة وانها كانت توجيها لاعمال الاسبوع وسياسته فلم اقرأ شئ في الموضوع ولعل ديورانت ظن انه ليستطيع النبي قيادة المدينة كان ينبغي عليه ان يصدر قراراته من على المنبير
وقد قارب الحقيقة في الحقيقة فالنبي كان يصدر قراراته من المسجد ومن بيته ومن ساحة الحرب ومن اسفاره
وكان القرآن يتنزل عليه في كل تلك الاحوال فيعلنها للناس او يأمر بها أو ينهي بها عن أمور
وكان احيانا يجتهد اجتهاد الحاكم في شأن دولته
 
العقد السياسي مع يهود المدينة والمهارة السياسية
(ماليس بين الاقواس المعقوفة فهو من وضعي)
"وقد عقد محمد مع أولئك اليهود عهداً ينم عن مهارة سياسية كبيرة، وقد جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن يتبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربقتهم يتعاقلون بينهم وهم يقدرون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة، وبنو الحارث، وبنو جشم، وبنو النجار، وبنو عمر بن عوف، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وإن ذمة الله واحدة، وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا مناصرين عليهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود وبينهم مواليهم وأنفسهم، وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وسرعان ما قبلت هذا جميع قبائل اليهود في المدينة وما حولها قبيلة بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع.
قصة الحضارة ج13 ص33-34)
 
"وهاجرت إلى المدينة مائتا أسرة من مكة فنشأت فيها من جراء هذه الهجرة مشكلة الحصول على ما يكفي أهلها من الطعام وحل محمد هذه المشكلة كما يحلها كل الأقوام الجياع بالحصول على الطعام أنى وجد. ومن ذلك أنه أمر أتباعه بالإغارة على القوافل المارة بالمدينة، متبعاً في ذلك ما كانت تتبعه معظم القبائل العربية في ذلك الوقت . فلما كللت هذه الغارات بالنصر أعطى المغيرين أربعة أخماس الغنائم، واحتفظ بالخمس الباقي للأعمال الدينية والخيرية، وكان نصيب من استشهد في هذه الغزوات من حق أرملته، أما هو فكان جزاءه الجنة. وكثرت الغزوات، وتضاعف عدد المشتركين فيها، وارتاع لها تجار مكة الذين كانت حياتهم الاقتصادية تعتمد على سلامة قوافلهم، فأخذوا يدبرون أمر الانتقام من محمد والمسلمين. وكان من هذه الغارات واحدة حدثت في آخر يوم من شهر رجب
قصة الحضارة ج13 ص34
نقد وتعليق
لايذكر التاريخ الاسلامي اي حادثة تدل على ان المدينة قبل بدر كانت في مجاعة ولا بوصول المهاجرين اليها كما لم يذكر التاريخ ان هجوم الصحابة على قوافل قريش كان بسبب ذلك ولكن بسبب تهديد قريش كما فعلت في مكة مع المسلمين واخذت كافة اموالهم وبيوتهم
فخيال ديورانت هنا واسع وليس له مصدر اسلامي معتمد ولاشك ان التفسير المادي ورواياته الاستشراقية لها اكبر العوامل في تغيير الحدث وزاوية النظر اليه
 
سمى مونتجمري وات كتابيه عن الرسل بمحمد في مكة ومحمد في المدينة
وهنا نجد ديورانت يسمي فصول له –كما تقدم-بمحمد في مكة ومحمد في المدينة
لو رجعنا لتفسير وات للنبوة ومسارها لرأيناه تفسيرا اقتصاديا مع مؤثرات يهودية ومسيحية وغير ذلك
هكذا هو الاستشراق
ومنه اخذت العلمانية ورقعت من هذه النتف!
 
بدر
"وفي عام 623 جمع محمد نفسه ثلاثمائة من المسلمين المسلحين، واعترض طريق قافلة قادمة من الشام إلى مكة. وعلم أبو سفيان وكان على رأس القافلة بهذه الخطة، فغير طريقه، وأرسل إلى مكة من يطلب النجدة، وبعثت قريش بتسعمائة من رجالها، والتقى الجيشان الصغيران عند وادي بدر على بعد عشرين ميلاً جنوبي المدينة. ولو أن محمداً هُزم في هذه الغزوة لقضي عليه وعلى الإسلام في هذه المعركة، ولكنه قاد رجاله بنفسه وانتصر على قريش؛ وقويت بهذا النصر شوكة الإسلام، وعاد المسلمون إلى المدينة ومعهم كثير من الأسرى والغنائم (يناير عام 624)، وقتل من هؤلاء الأسرى بعض من كانوا أشد الناس اضطهاداً للمسلمين في مكة، وأطلق سراح الباقين نظير فدية كبيرة، ونجا أبو سفيان، وأنذر المسلمين بالانتقام.
ولما عاد إلى مكة أخذ يواسي أسر القتلى ويشجعهم، ويطلب عدم البكاء عليهم ورثائهم ويقول إن الحرب سجال وإنهم سيأخذون بثأرهم. ثم أقسم ألا يقرب زوجه إلا بعد أن يخرج مرة أخرى لقتال محمد.
واشتد ساعد محمد بهذا النصر، وجرى العرب بعده على الأساليب المألوفة في الحروب
قصة الحضارة ج13 ص35)
 
"
قتل كعب بن الاشرف اليهودي
"وارتد شاعر ثالث من أهل المدينة يدعى كعب بن الأشرف، وكانت أمه يهودية، حين انقلب محمد على اليهود، وكتب قصائد يحرض فيها قريشاً على أن يثأروا لهزيمتهم، وأثار غضب المسلمين بتشبيبه بنسائهم، فقال النبي "من لي بابن الأشرف؟" فلم يمضِ آخر النهار حتى كان رأس الشاعر ملقى أمام قدميه. وكان المسلمون يرون أن هذه الأعمال وأمثالها إن هي إلا دفاع مشروع عن أنفسهم من الخونة، فقد كان محمد رئيس دولة، وكان من حقه أن يصدر فيها الأحكام
قصة الحضارة ج13 ص35-36)
تعليق
لم يرتد كعب فهو اصلا كان من عتاولة يهود وكان يرسم الخطة مع قريش ومع قادة يهود في قبائلهم للانقضاض على المدينة فضلا عن تهكمه على الرسول وعلى المسلمات
فإن كان وصف الخيانة ينطبق على كعب فهو خيانة العهد الذي قطعه اليهود في المدينة مع الرسول غير ان كعب كان من قبيلة طيئ ـ من بني نَبْهان ـ وأمه من بني النضير وكان حصنه في شرق جنوب المدينة خلف ديار بني النضير.
 
"ولم يطل حب اليهود من أهل المدينة لهذا الدين ذي النزعة الحربية، والذي بدا لهم أول الأمر شديد الشبه بدينهم"
قصة الحضارة ج13 ص36
نقد وتعليق
رأينا عرض ديورانت نفسه لحروب المسيحيين قبل الاسلام وبعده ونزعتهم الدموية في الحرب ومن اجل السلطة والقوة والشهوة والمال والسيطرة وتوسيع الامبراطورية وغير ذلك
ولو رجعنا لكتاب اليهود المقدس لرأينا كيف قتل اليهود مدنا كاملة رجالها ونساءها واطفالها وحتى الرضع والاجنة
سفر يشوع مثالا وصموائل الاول والثاني وسعر العدد
فاي نزعة حربية لايرضاها يهود!؟
ثم النبي لم يحربهم في البداية بل سعى للتعايش المشترك معهم في المدينة كما عرض ديورانت نفسه
اما حوادث قتل امثال ابن الاشرف فسببها خيانة ابن الاشرف ومحاولاته لحث قريش على غزو المدينة وقتل محمد وهذه جرائم حرب في وقت كانت قريش تهاجم المدينة مع قبائل قوية
 
يقول ديورانت عن اليهود زمن النبي وعرضه لسبب حادثة بنو قينقاع
:"وأخذوا يسخرون من تفسير محمد لكتابهم المقدس، وقوله أنه هو الذي بشر به آباؤهم، وكان جوابه أن قال، كما أوحى إليه، إنهم حرفوا كتابهم، وقتلوا أنبياءهم، وأبوا أن يصدقوا المسيح. وكان قد اتخذ بيت المقدس قبلة يتجه إليها المسلمون في الصلاة، فاستبدل به في عام 624 مكة والكعبة، واتهمه اليهود بأنه قد عاد إلى عبادة الأوثان . وحدث في هذا الوقت أن زارت فتاة مسلمة سوق بني قينقاع اليهودي في المدينة، وبينا هي جالسة في حانوت صائغ إذ شبك يهودي خبيث قميصها من وراء ظهرها في أعلى ثيابها، فلما قامت ورأت ما فعل بها بكت مما لحقها عار فقتل أحد المسلمين اليهودي الأثيم، وقتل أخوه اليهودي المسلم، فجمع محمد أتباعه وحاصر يهود بني قينقاع في حيهم خمسة عشر يوماً، حتى استسلموا، فقبل استسلامهم وأمرهم أن يخرجوا بقضهم وقضيضهم من المدينة ويتركوا وراءهم جميع ممتلكاتهم، وكان عددهم في ذلك الوقت نحو سبعمائة.
قصة الحضارة ج13 ص36-37
 
شجاعة عظيمة في احد
"ولا يسعنا إلا أن نعجب بأبي سفيان لأنه استطاع أن يكظم غيظه وينتظر بعد يمينه غير الطبيعية عاماً كاملاً قبل أن يقدم على قتال محمد. وفي أوائل 625 سار على رأس جيش تبلغ عدته ثلاثة آلاف رجل إلى جبل أحد على بعد ثلاثة أميال شمالي المدينة، وصحب الجيش خمسة عشر من النساء بينهن زوجات أبي سفيان ليثرن حماسة الجند بأغانيهن الحزينة ودعوتهن إياهم إلى الانتقام.
ولم يكن جيش المسلمين يزيد على ألف، وهُزم المسلمون في هذه الغزوة، وحارب فيها محمد بشجاعة عظيمة، وأصيب بعدة جروح وحُمل من الميدان. وقتل في المعركة حمزة عم النبي ومضغت كبده هند أشهر زوجات أبي سفيان، وكان أبوها، وعمها، وأخوها قد قتلوا جميعاً في غزوة بدر، وكان حمزة نفسه هو الذي قتل أباها، ثم لم تكتفِ بهذا بل صنعت لنفسها من جلده وأظافرهِ خلاخيل وأساور. وظن أبو سفيان أن محمداً قد مات، وعاد منتصراً إلى مكة . وبعد ستة أشهر من هذه الواقعة شفي النبي واستطاع أن يهاجم بني النضير، لأنهم أعانوا قريشاً على المسلمين وكانوا يأتمرون به ليقتلوه. وبعد أن حاصرهم ثلاثة أسابيع أذن لهم أن يهاجروا من المدينة على أن تأخذ كل أسرة معها حمل بعير. واستولى النبي على بعض ما كان لهم من بساتين النخيل الغنية، فكان بعضها له، ووزع مل بقي منها على المهاجرين . لقد كان محمد يرى أنه في حرب مع أهل مكة، وأن من حقه أن يؤمن نفسه بإبعاد الجماعات المعادية له عن جناحيه.
قصة الحضارة ج13 ص37-38)
 
حصار الخندق من قصة الحضارة ووصف ديورانت للنبي انه من مهرة القواد
"وعادت قريش وعاد أبي سفيان إلى مهاجمة المسلمين في عام 626 بجيش يبلغ 10.000 رجل يساعدهم يهود بني قريظة مساعدة جدية. ورأى محمد أنه لا يستطيع مقابلة هذه القوة الكبيرة في الميدان، ففضل أن يدافع عن المدينة بحفر خندق حولها. وحاصرتها قريش عشرين يوماً حتى فتَ في عضدهم المطر والعواصف، فعادوا إلى أوطانهم، وقاد محمد من فوره ثلاثة آلاف من المسلمين وهاجم بهم يهود بني قريظة، فلما استسلموا خيرهم بين الإسلام والموت.
وكان النبي في ذلك الوقت قد أصبح من مهرة القواد، فقد جهز في العشر السنين التي قضاها في المدينة خمساً وستين غزوة وسرية حربية قاد بنفسه سبعاً وعشرين منها، ولكنه كان إلى هذا سياسياً محنكاً، يعرف كيف يواصل الحرب بطريق السلم، وكان يشارك المهاجرين في الحنين إلى بيوتهم وأسرهم في مكة، ويشارك المهاجرين والأنصار جميعاً في الحنين إلى زيارة الكعبة، التي كانت في صباهم عزيزة عليهم وموضع إجلالهم.
قصة الحضارة ج13 ص38
 
وفي عام 628 أرسل محمد إلى قريش يعرض عليهم الصلح، ويتعهد لهم بسلامة قوافلهم إذا رضوا أن يؤدي شعائر الحج في موسمه. وأجاب زعماء قريش بأنهم يشترطون لقبول هذا العرض أن يمضي قبله عام كامل من السلم، وأدهش محمد أتباعه بقبوله إياه ، ووقع الطرفان شروط هدنة تدوم عشر سنين، وحدثت بعدئذ غارة على يهود خيبر في مساكنهم الواقعة في الشمال الشرقي من المدينة على مسيرة ستة أيام منها، ودافع اليهود عن أنفسهم بأحسن ما يستطيعون من دفاع، وسقط منهم في أثناء ذلك ثلاثة وتسعون رجلاً، ثم سلم الباقون آخر الأمر، وسمح لهم بالبقاء في أماكنهم يزرعون الأرض، على شرط أن يسلموا جميع ممتلكاتهم ونصف محصولاتهم المستقبلة إلى الفاتحين. ولم يمس أحد من الباقين بسوء ما عدا زعيمهم كنانة وابن عمه فقد قطع رأساهما لأنهما أخفيا بعض ما يمتلكان، وضُمت صفية وهي فتاة يهودية في السابعة عشرة من عمرها كانت مخطوبة لكنانة ، إلى نساء النبي.
قصة الحضارة ج13 ص39
 
فتح مكة
"وفي عام 629 دخل مسلمو المدينة، البالغ عددهم ألفين، مكة مسالمين، وانسحبت قريش إلى التلال لتجنب الاحتكاك بالمسلمين، وطاف محمد وأتباعهُ في أثناء ذلك بالكعبة سبع مرات. ومس محمد الحجر الأسود بعصاه مظهراً له دلائل الإجلال، ولكنه نادى ونادى بعده المسلمون "لا إله إلى الله". وكان لمسلك المسلمين المنفيين وحسن نظامهم، ووطنيتهم، وتقواهم أعظم الأثر في نفوس أهل مكة، فأسلم من قريش عدد من ذوي المكانة من بينهم خالد بن الوليد وعمر اللذين صارا فيما بعد من أعظم قواد المسلمين. وعرضت بعض القبائل المجاورة على النبي أن يؤمنها على دينها نظير مساعدتها إياه في القتال؛ ولما عاد إلى المدينة رأى أنه قد أصبح له من القوة ما يمكنه من الاستيلاء على مكة عنوة.
ولم يكن قد مضى من الهدنة إلا عامان، ولكن إحدى القبائل المتحالفة مع قريش أخلت بشروط الهدنة فهاجمت إحدى القبائل المسلمة ، فجمع النبي عشرة آلاف رجل وزحف بهم على مكة، وأدرك أبو سفيان قوة المسلمين فسمح لهم بأن يدخلوا مكة بلا مقاومة. وكان جواب محمد جواباً كريماً، فقد أعلن عفواً عاماً عن جميع أهل مكة عدا اثنين أو ثلاثة من أعدائه، وحطم الأصنام التي كانت في داخل الكعبة وحولها، ولكنه ترك الحجر الأسود في مكانه وأجاز تقبيله. ونادى بمكة مدينة الإسلام المقدسة، وأعلن أنه لن يدخلها بعد ذلك اليوم كافر، وامتنعت قريش بعدئذ عن كل مقاومة مباشرة، وأصبح الرجل المضطهد الذي هاجر من مكة منذ ثمان سنين صاحب الكلمة العليا في حياتها.
قصة الحضارة ج13 ص40
 
انتصار النبي ورسائل الى بيزنطة والروم والفرس ومستعمراتهما
مرحلة العالمية
"انتصار النبي
قضى النبي معظم العامين الباقيين من حياته في المدينة، وكان ينتقل فيها من نصر إلى نصر، فقد خضعت فيهما بلاد العرب كلها، بعد فتن قليلة الشأن، إلى سلطانه ودخلت في دين الإسلام. وجاء إلى المدينة كعب ابن زهير، أعظم شعراء العرب في ذلك الوقت، وكان قد هجا النبي في بعض قصائده، وأسلم نفسه إليه، واعتنق الإسلام، فعفا عنه النبي، وأنشأ الشاعر قصيدة عصماء في مديح النبي أجازه عليها ببردته ، وعاهد النبي المسيحيين في بلاد العرب، وأخذ على نفسه أن يحميهم وأن يكونوا أحرار في ممارسة شعائر دينهم نظير ضريبة هينة، ولكنه نهاهم عن الربا. ويقول المؤرخون إنه بعث الوفود إلى ملك الروم، وملك الفرس وإلى أمير الحيرة وبني غسان، يدعوهم إلى الدين الجديد؛ ويلوح أن أحداً منهم لم يرد على رسائله ، وكان يشهد بعين المستسلم الفيلسوف الحروب المشتعلة نارها بين فارس وبيزنطية وما جرته عل الدولتين من خراب، ولكنه يبدو أنه لم يفكر قط في توسيع سلطانه خارج حدود بلاد العرب .
قصة الحضارة ج13 ص41
 
دين ليس كالاديان ليس روحي ولاصناعة الرهبان انه شعائر وشرائع ودولة وقوة انه السيادة العليا في الارض
"وكانت أعمال الحكومة تشغل وقته كله، فقد كان يُعنى أشد العناية بكل صغيرة وكبيرة في شؤون التشريع والقضاء، والتنظيم المدني، والديني، والحزبي. وحتى التقويم نفسه قد عني بتنظيمه لأتباعه، فقد كان العرب يقسمون السنة كما يقسمها اليهود إلى اثني عشر شهراً قمرياً، وكانوا يضيفون إليها شهراً كل ثلاث سنوات لكي تتفق مع السنة الشمسية. فأمر النبي أن تكون السنة الإسلامية اثني عشر شهراً على الدوام كل منها ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون على التوالي، وكانت نتيجة هذا أن أصبحت السنة الإسلامية فيما بعد غير متفقة مع فصول السنة، وأن تقدم التقويم الإسلامي سنة كاملة على التقويم الجريجوري كل اثنتين وثلاثين سنة.
قصة الحضارة ج13 ص42
 
قال ديورانت :"ولم يكن النبي مشرعاً علمياً، فلم يضع لأمته كتاباً في القانون أو موجزاً فيه، ولم يسر في تشريعه على نظام مقرر، بل كان يصدر الأوامر حسبما تمليه عليه الظروف. فإذا أدى هذا إلى شيء من التناقض أزاله بوحي جديد ينسخ القديم ويجعله كأنه لم يكن ، وحتى شؤون الحياة العادية كانت أوامره فيها تُعرض في بعض الأحيان كأنها موحى بها من عند الله. وكان اضطراره إلى تكييف هذه الوسيلة السامية بحيث تتفق مع الشؤون الدنيوية مما أفقد أسلوبه بعض ما كان يتصف به من بلاغة وشاعرية، ولكن لعله كان يشعر بأنه بهذه التضحية القليلة جعل كل تشريعاته تصطبغ بالصبغة الدينية الرهيبة . ومع اضطلاع النبي بهذه الشؤون كلها فقد كان جم التواضع إلى درجة تحببه إلى النفوس، وكثيراً ما كان يعترف بأن ثمة أموراً لا يعرفها، ويحتج على الذين يظنونه أكثر من إنسان يجري عليه ما يجري على الناس جميعاً من موت ووقوع في الخطأ.
قصة الحضارة ج13 ص42
نقد وتعليق
صحيح ان النبي لم تنزل عليه الشريعة جملة واحدة ولانظاما قانونيا مسبقا يسبق الاحداث ويعلو على الوقائع من دون ان يتدخل فيها حكما او تعديلا بل كان التشريع كالتنزيل تماما يتنزل على الوقائع فيحكم او يصحح وكان النبي يجتهد في حالات لم يتنزل فيها نص فكان التنزيل يراعي الاحوال والنفسيات والمتغيرات التي يسوقها هو بنفسه سوقا تدريجيا نحو التعالي على الشرائع القديمة والاخلاق القديمة والتعاملات القديمة وكان يغير من الحكم بحسب تغير الواقع الذي ساق اليه -كمثال- ومن ذلك قضية تحريم الخمر فلم تكن حكما صارما وانما كانت حكما يلازم حلقاته مابين الكراهية والتحريم تغيير النفوس والاعتقادات وربط ذلك كله بالله تعالى وكان ذلك يحتاج لقوت طويل حتى يفطن الناس عن عوائدهم ومنها ادمان الخمر ومعاقرته فقد كانت تلازمهم حتى في الحروب-احد كنموذج- وكان التريث شأن تربوي حتى تتعلم النفوس وتتقوى الارادات وتفهم العقول وتكون هناك ثقة ويقين في الله وهذا هو علم النفس القرآني وعلم القيم والأخلاق في القرآن وله ارتباط وثيق بموضوع تغيير الاحكام وقد فهمته إمرأة في الإسلام فاقت عقل المستشرقين جميا وهي عائشة رضي الله عنها فمن عاش مع النبوة فهم اغراضها وسرت علوم الوحي في دمائه وعلم كيف يغير الوحي النفوس العصية ويربي العقول الجامدة فيحولها الى فقهية وعالمة ومدنية وحضرية وعلمية التفكير و
قالت عائشة رضي الله عنها
"إنما نزل أوَّل ما نزل منه - أي القرآن - سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمر أبدًا ، ولو نزل لا تزنوا لقالوا : لا ندع الزنا أبدًا ) رواه البخاري .
ويعلق ابن حجر على كلام أم المؤمنين بقوله: " أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب النزول ، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد ، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة ، وللكافر والعاصي بالنار ، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ، ولهذا قالت : ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها ، وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف "
اما البلاغة والشاعرية فمن لايفهم العربية لايتذوق اجراسها ولا مرامي الوحي من الفاظها ولا ماتحمله كلماته من كنور لو تفجرت ينابيعها لاثمرت في الحضارة كما تم وحدث وتنعم الغرب منه وخرج من قذارته وانحطاطه ولم يكن ذلك بغير طريق الاسلام كما سيأتي من كلام ديورانت نفسه
 
هناك نص قبل هذا عن زواج النبي من زينب رضي الله عنه وعن تعدد الزوجات اغفلته ومعلوم ان المستشرقين او الغربيين عموما يفسرون الاحداث الخاصة بالنبي في احوال كثيرة بما يلبي رغباتهم الخاصة وعلى كل فالنص التالي فيه وفيه لكن اترك النقدلكم
قال ديورانت
"ولم يتعاطَ الخمر التي حرمها هو على غيره، وكان لطيفاً مع العظماء، بشوشاً في أوجه الضعفاء، عظيماً مهيباً أمام المتعاظمين المتكبرين، متسامحاً مع أعوانه، يشترك في تشييع كل جنازة تمر به، ولم يتظاهر قط بأبهة السلطان. وكان يرفض أن يوجه إليه شيء من التعظيم الخاص، يقبل دعوة العبد الرقيق إلى الطعام، ولا يطلب إلى عبد أن يقوم له بعمل يجد لديه من الوقت والقوة ما يمكنانه من القيام به لنفسه. ولم يكن ينفق على أسرته إلا القليل من المال رغم ما كان يرد إليه من الفيء وغيره من الموارد، أما ما كان ينفقه على نفسه فقد كان أقل من القليل. وكان يخص الصدقات بالجزء الأكبر من هذا المال، لكنه كان ككل الناس يعنى بمظهره الشخصي ويقضي في تلك العناية كثيراً من الوقت، فكان يتعطر ويكتحل، ويصبغ شعره، ويلبس خاتماً نقش عليه "محمد رسول الله" وربما كان الغرض من هذا الخاتم هو توقيع الوثائق والرسائل. وكان صوته موسيقياً حلواً يأسر القلوب، وكان مرهف الحس إلى أقصى حد، لا يطيق الروائح الكريهة، ولا صلصلة الأجراس، أو الأصوات العالية "واقصد في مشيك، واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير". وكان قلقاً عصبي المزاج، يُرى أحياناً كاسف البال، ثم ينقلب فجأة مرحاً كثير الحديث؛ وكان حلو الفكاهة فقد قال مرة لأبي هريرة، وكان يتردد عليه كثيراً: "يا أبا هريرة زد غباً تزدد حباً". وكان محارباً صارماً لا يرحم عدواً ، وقاضياً عادلاً في وسعه أن يقسو ويغدر، ولكن أعماله الرحيمة أكثر من أن تُعد. وقد قضى على كثير من الخرافات الهمجية كفقء أعين بعض الحيوانات لوقايتها من الحسد، أو ربط بعير الميت عند قبرهم. وكان أصدقاؤه يحبونه حباً يقرب من العبادة، وكان أتباعه يجمعون بصاقه أو شعره بعد قصه، أو الماء الذي يغسل به يديه، لاعتقادهم أن في هذه الفضلات شفاء لهم من ضعفهم أو مرضهم.
وقد أعانه نشاطه وصحته على أداء جميع واجبات الحب والحرب ، ولكنه أخذ يضعف حين بلغ التاسعة والخمسين من عمره، وظن أن يهود خيبر قد دسوا له السم في اللحم قبل عام من ذلك الوقت فأصبح بعد ذلك الحين عرضة لحميات ونوبات غريبة. وتقول عائشة إنه كان يخرج من بيته في ظلام الليل، ويزور القبور، ويطلب المغفرة للأموات ، ويدعو الله لهم جهرة، ويهنئهم على أنهم موتى. ولما بلغ الثالثة والستين من عمره اشتدت عليه هذه الحميات، وحدث في إحدى الليالي أن شكت عائشة الصداع، وأن شكاه هو نفسه وسألها وهو يمازحها إلا تفضل أن تموت هي قبله، فتحظى بأن يدفنها رسول الله، فأجابته بحديثها المعهود، أنه حين يعود من دفنها سيأتي بعروس أخرى مكانها. وظلت الحمى تعاوده أربعة عشر يوماً بعد ذلك الوقت، وقبل وفاته بثلاثة أيام نهض من فراشه، ودخل المسجد وشاهد أبا بكر يؤم المسلمين للصلاة بدله، فجلس متواضعاً إلى جانبه حتى أتم صلاته. وفي اليوم السابع من شهر يونيه عام 632 توفي ورأسه على صدر عائشة.
قصة الحضارة ج13 ص 45-46)
 
نص مهم جدا
النص الخلاصة من كلام ديورانت عن النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم
قال ديورانت في قصة الحضارة:"
وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمداً كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنساناً غيرة حقق كل ما كان يحلم به. وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين، ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه، فقد لجأ إلى خيالهم، وإلى مخاوفهم وآمالهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، وكانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم.
قصة الحضارة ج13 ص47)


 
من تعليقات الاخوة على الفيس
د. الزهراوي جزءه في الاسلام وبدايته فيه نقص معرفي واضح بخلاف مثلا كتابه عن الهند والصين ..
تعقيبي
نعم صحيح د. الزهراوي ولاشك ان الارث المعرفي الغربي ياخذ بعضه عن بعض خصوصا اهل كل عصر تتطور فيه المعارف ومن ذلك مثلا ترى كارين آرمسترونج قالت هي بنفسها في مقدمة كتابها (الاسلام في مرآة الغرب)وهو عندي ورقي انها اخذت من مونتجمري وات وغيره في موضوع السيرة فهم لايرجعون غالبا للسيرة من كتب الاسلام ولكن المعاصر للمعاصر
د. الزهراوي تاريخه عن الاسلام عموما ضعيف جدا .. ذكره مرة اخري في جزء الاسلام والشرق السلافي .. فكان يقفز التاريخ الاسلامي كله قفزات واسعة لجهله الواضح فيه
تعقيبي
نعم واكيد لو رجعنا لهوامشه ومراجعه الكثيرة جدا فسوف نجد من مراجعه كتاب متعصبون ومن بيزنطة وغيرهم وانا ارى أنه يجب النظر الى نظريات عصره او نظريات عصر كل مؤرخ او باحث منهم وكيف يخضعون كل شيئ اليها مثل مثلا غوستاف لوبون ونظرية هوس الجماهير وهوس الانبياء ويقصد بها امور معينة ثم يطبق النظرية النفسية على النبي محمد كمثال وهكذا موضوع الابطال وخلافه
 
طبيعة المؤرخ اللاأدري ، بعد أن تغلغلت العلمانية
يقول ديورانت
"من بين الأغراض التي يهدف لها الدين ان يكون سبيلاً إلى الحكم الأخلاقي، وليس من شأن المؤرخ أن يسأل هل هذا الدين أو ذاك حق أو باطل، وأنى له العلم المحيط بكل شيء والذي يوصله إلى هذه المعرفة؟ "
قصة الحضارة ج13 صص53)
وتراه حكم في جملة ماضية-تفصل هذا النص عن ذاك صفحات معدودة- كمؤرخ على أن النبي صلى الله عليه وسلم"إن محمداً كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنساناً غيرة حقق كل ما كان يحلم به. وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين، ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه، فقد لجأ إلى خيالهم، وإلى مخاوفهم وآمالهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، وكانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم.
قصة الحضارة ج13 ص47)
 
لابد أن نحتفظ بهذه الجملة المهمة جدا لأن ديورانت نفسه سيثبت عظمة هذا الدين وفائدته للبشرية كلها..
"من بين الأغراض التي يهدف لها الدين ان يكون سبيلاً إلى الحكم الأخلاقي، وليس من شأن المؤرخ أن يسأل هل هذا الدين أو ذاك حق أو باطل، وأنى له العلم المحيط بكل شيء والذي يوصله إلى هذه المعرفة؟ وإنما الذي يسأل عنه هو العوامل الاجتماعية والنفسانية التي أدت إلى قيام هذا الدين، وإلى أي حد أفلح في تحويل الوحوش إلى آدميين، والهمج إلى مواطنين صالحين، والصدور الفارغة إلى قلوب عامرة بالأمل والشجاعة، وعقول مطمئنة هادئة، وما مقدار ما تركه بعد ذلك من الحرية لتطور العقول البشرية، وما هو أثره في التاريخ؟ ؟
قصة الحضارة ج13 ص 53)
 
لايمكن أن تكون السرعة التي اكدها ديورانت للفتوحات واتساعها في زمن قصير جدا والدهشة التي ابداها هو وغيره من الغربيين عن سرعة الفتوحات-أعظمالأعمال إثارة للدهشة في التاريخ الحربي كله كما عبر هو -ورحمة الفاتحين وصلاتهم وصبرهم وانقاذهم للناس سببها الحصول على مكان للزراعة او كسرة خبز او استرزاق لكنه التفسير المادي للتاريخ وعلى كل حال فنص ديورانت التالي فيه وفيه
قال ديورانت
:"...ولهذا فقد تكون الحاجة إلى أرض صالحة للزرع والرعي من العوامل التي دفعت جيوش المسلمين إلى الغزو والفتح(2). يضاف إلى هذا عدة أسباب: منها أن الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية قد أنهكتهما الحروب، وما حل بكلتيهما من الدمار على يد الأخرى، فكان ضعفهما مغرياً للعرب على غزو بلادهما، ولقد كانت الضرائب في ولايات الدولتين تزداد زيادة مطردة، والأداة الحكومية تزداد عجزاً عن تصريف شؤون الحكم وحماية الأهلين، كذلك كان للصلات العنصرية بين المسلمين وسكان بعض الولايات شأن غير قليل في هذا التوسع. فقد كان في الشام والعراق قبائل عربية لم تجد صعوبة في قبولها حكم العرب الغزاة أولاً، ثم اعتناق دينهم بعدئذ. يضاف إلى هذا عوامل دينية: منها أن اضطهاد بيزنطية لليعاقبة والنساطرة وغيرها من الشيع المسيحية قد أحفظ عليها قلوب أقلية كبيرة من السوريين والمصريين، بل تعداها إلى بعض الحاميات الإمبراطورية. ولما سار الفتح في طريقه زادت الأسباب الدينية قوة على قوتها؛ فقد كان قادة المسلمين من صحابة النبي المتحمسين، يصلون وهم يحاربون، ويصلون أكثر مما يحاربون، وقد بعثوا في قلوب أتباعهم على مر الأيام روحاً حماسية قوية اعتقدوا معها أن الموت في الجهاد يفتح لهم أبواب الجنة. وهناك فوق ذلك عوامل أخلاقية لها أيضاً شأنها في هذه الفتوح: ذلك أن المبادئ الأخلاقية المسيحية والرهبنة قد أضعفتا في بلاد الشرق الأدنى ذلك الاستعداد للقتال الذي كان من طبيعة العرب ومن تعاليم الإسلام. ولقد كانت جيوش العرب خيراً من جيوش الفرس والروم نظاماً وأحسن قيادة، يألفون المشاق وينالون جزاءهم من الفيء، لقد كان في وسعهم أن يحاربوا وبطونهم خاوية، ويعتمدوا على النصر في الحصول على طعامهم. ولكنهم لم يكونوا في حروبهم همجاً متوحشين، انظر إلى ما أوصاهم به أبو بكر: "أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكله؛ وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له؛ وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منه شيئاً فاذكروا اسم الله عليه؛ وتلقون قوماً قد محضوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقاً... اندفعوا باسم الله إلخ"(3).
ولم يكن الأعداء يخيرون بين الإسلام والسيف، بل كان الخيار بين الإسلام والجزية والسيف. وكانت هناك أخيراً أسباب حربية للغزو والفتح: ذلك أنه لما تضاعف عدد الجيوش العربية الظافرة ومن انظم إليها من المجندين كان لا بد من الزحف بهم إلى أرضين جديدة يفتحونها ليحصلوا منها على طعامهم وأجورهم إن لم يكن لغير ذلك من الأسباب. ونشأ من تقدمهم قوة هذا التقدم الدافعة، فكان كل نصر يتطلب نصراً جديداً، حتى أصبحت الفتوح العربية-التي كانت أسرع من الفتوح الرومانية، وأبقى على الزمان من الفتوح المغولية- أعظم الأعمال إثارة للدهشة في التاريخ الحربي كله.
قصة الحضارة ج13 ص 72-73)
 
عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند ديورانت
:"وكان عمر أبو حفصة ابن الخطاب (582-644) أكبر معين لأبي بكر وأعظم مشيريه، وكان قد بلغ من الشهرة درجة لم يجد معها أحد سبباً للاعتراض حين اختاره أبو بكر خليفة للمسلمين من بعدهِ. غير أن عمر نفسه كان يختلف عن صديقهِ أبي بكر كل الاختلاف. كان طويل القامة، عريض المنكبين، حاد الطبع شديد الانفعال، لا يتفق معه إلا في بساطتهِ وتقشفهِ، وفي أنه كان مثله أصلع الرأس يصبغ لحيته. وكانت صروف الدهر وتبعات الحكم قد أنضجت عقله فجعلته مزيجاً عجيباً نادراً من حدة الطبع والقدرة على الحكم الهادئ الصادق؛ ويحكى عنه أنه ضرب بدوياً من غير حق ثم ألح عليه-دون جدوى-أن يكيل له الضربات بقدر ما كاله هو له. وكان شديد التمسك بالدين يطلب إلى كل مسلم ألا يحيد قيد شعرة عن الفضيلة. وكان يحمل معه درة يضرب بها كل من يراه من المسلمين خارجاً على أصول الدين(6). وتقول بعض الروايات إنه ضرب ابنه حتى مات من الضرب لمعاقرته الخمر(7). ويقول المؤرخون المسلمون إنه لم يكن له إلا قميص واحد، وجلباب واحد رقعه عدة مرات، وإنه كان يعيش على التمر وخبز الشعير، ولا يشرب غير الماء، وإنه كان ينام على سرير من جريد النخل، وهو لا يكاد يكون أقل صلابة وخشونة من قميص الشعر، وإن همه كله كان منصرفاً إلى نشر الإسلام بالسلم وبالحرب. ويقال إن أحد ولاة الفرس جاء إلى عمر يعرض عليه ولاءه، فوجد فاتح الشرق نائماً على عتبة جامع المدينة؛ ولكننا لا نجزم بصحة هذه القصص وأمثالها.
قصة الحضارة ج13 ص75)
 
الفتوحات الهائلة في الزمن القصير
:"وكان العرب فرساناً مهرة لا يضارعهم في مهارتهم خيالة الفرس والروم، ولم يكن في أوائل العصور الوسطى إنسان أو حيوان يستطيع أن يقاوم صيحاتهم الحربية العجيبة، أو حركاتهم العسكرية المحيرة، أو سرعة كرهم وفرهم؛ وكانوا يحرصون عن أن يختاروا للنزال الأراضي المستوية التي توائم حركات الفرسان. واستولوا على إنطاكية في عام 636، وعلى بيت المقدس في عام 638، ولم ينتهِ عام 640 حتى كانت بلاد الشام في أيدي المسلمين، وقبل أن يختتم عام 641 كانوا قد أتموا فتح بلاد الفرس ومصر. ووافق البطريق سفرونيوس Sophronius على تسليم بيت المقدس إذا جاء الخليفة نفسه للتصديق على شروط التسليم، وقبل عمر هذا الشرط، وجاء من المدينة في بساطة أفخر من الفخامة، ومعه عدل من الحب وكيس من التمر، ووعاء ماء، وصحفة من الخشب. وخرج خالد وأبو عبيدة وغيرهما من قواد الجيش لاستقباله، فغضب حين أبصر ثيابهم المهفهفة، وعدد خيولهم المزركشة، وألقى بحفنة من الحصباء في وجوههم ولامهم على أنهم جاءوا يستقبلونه في ذلك الزي. وقابل سفرونيوس مقابلة ملؤها اللطف والمجاملة، ولم يفرض على المغلوبين إلا جزية قليلة، وأمن المسيحيين عل كنائسهم. ويقول المؤرخون المسيحيون إنه طاف مع البطريق ببيت المقدس، واختار في العشرة الأيام التي أقامها فيها موضع المسجد الذي سمي فيما بعد باسمهِ. ولما سمع أن أهل المدينة يخشون أن يتخذ بيت المقدس عاصمة للدولة الإسلامية عاد إلى عاصمته الصغيرة.
قصة الحضارة ج13 ص76)
 
عثمان عند ديورانت
:"ولم يستطع عمر وهو على فراش الموت أن يقنع عبد الرحمن بأن يكون خليفة من بعدهِ فعين ستة من زعماء المسلمين ليختاروا من يخلفه، فاختاروا من بينهم عثمان. وكان عثمان بن عفان شيخاً مسناً، طيب القلب، حسن النية، أعاد بناء مسجد المدينة وجمله، وأعان بماله جيوش المسلمين التي نشرت الإسلام في هيرات، وكابل، وبلخ، وتفليس، وفي ربوع آسية الصغرى حتى البحر الأسود، ولكنه لسوء حظه كان شديد الولاء لأشراف بني أمية الذين كانوا في أيام الإسلام الأولى ألد أعداء النبي"
قصة الحضارة ج13 ص 77)
وكلامه عن عثمان انه كان شديد الولاء لبني امية غير صحيح
 
الخليفة الرابع عند ديورانت
علي رضي الله عنه
:"وبايع بنو هاشم علياً خليفة للمسلمين. وكان علي في شبابه مثلاً أعلى للتواضع، والتقوى، والنشاط، والإخلاص للدين. وكان وقت أن بويع بالخلافة في الخامسة والخمسين من عمرهِ
قصة احضارة ج13 ص78)
 
حكم غريب وكأن الصراع هو صراع السامية العرقية مع العرقية الأوروبية
لكن ماشي الحال في الباقي الا في الملكية ههه
:"واستحالت "الجمهورية" الدينية، وهي الحكومة التي كانت قائمة أيام الخلفاء الراشدين، ملكية دنيوية وراثية. وحل حكم الساميين في غرب آسية محل حكم الفرس والروم، وطهرت آسية من تلك السيطرة الأوربية التي ظلت قائمة فيها ألف عام، وشكلت بلاد الشرق الأدنى ومصر وشمالي أفريقية بالشكل الذي احتفظت به في جوهره ثلاثة عشر قرناً من الزمان"
(قصة الحضارة ج13 ص 80)
 
لاحظ انه في النص السابق وعلى الرغم من وصف ديورانت لحكم الخلفاء الراشدين بالملكية الوراثية-وربما يقصد بها قريش- الا انه لم يصفها بالدينية بل بالدنيوية اي انه بالفعل فهم ان الحكم الاسلامي هو حكم لايقوده الكهنة فهو من هذه الناحية مدني يقوده مسلمون مجتهدون من أهل الدنيا ومتبعون لخطوط ونصوص الشريعة المنزلة لو صح التعبير
اما موضوع حكم قريش فهذا لم يكن على التصور العرقي ولكن كما وضح بحق الدكتور منير الغضبان في موسوعته فإن مركزية القادة الذي حملوا الدين كانوا من قريش ثم الانصار فمن آمن من قريش صاروا قادة الاسلام فمن جعل لقريش السيادة فقد أخطأ ومن جعل الإسلام هو السيادة وأنهم كانوا قدرا وتقديرا حملته وقادته الأوائل فقد نجى من الشبهة أو الفرية التي كررها القمني في تصوره للهاشمية وليس القرشية وكررها خليل عبد الكريم العلماني المستهزئ بالنبي والنبوات كرهها فادعى انها امبراطورية قرشية هذا هو هدفها الاول والاخير.
 
ولسنا نعلم في التاريخ كله أن حاشية للملوك قد جمعت مثل ما جمعت حاشية الرشيد من ذوي العقول الراجحة النابهين. وكان يعاصره في غير بلاد الإسلام الإمبراطورة إيرينة في القسطنطينية، والملك شارلمان في فرنسا، ومن قبله بزمن قليل كان يجلس على عرش بلاد الصين تسوان دزونج Tsuan Tsung، ولكن هرون الرشيد بزهم جميعاً في الثراء، والسلطان، وأبهة الملك، والتقدم الثقافي الذي ازدان به حكمه.
غير أن ولعه بالعلم والفن لم يلهه عن مهام الملك.
قصة الحضارة ج13 ص92
 
وكان تشجيع المأمون للفنون، والعلوم، والآداب، والفلسفة أكثر تنوعاً ودقة في عهد هارون، وكان لهذا التشجيع من الأثر أعظم مما كان له في عهد أبيه. فقد أرسل البعوث إلى القسطنطينية، والإسكندرية، وإنطاكية وغيرها من المدن للبحث عن مؤلفات علماء اليونان، وأجرى الأرزاق على طائفة كبيرة من المترجمين لنقل هذه الكتب إل اللغة العربية. وأنشأ مجمعاً علمياً في بغداد ومرصدين فيها وفي تدمر. وكان الأطباء والفقهاء، والموسيقيون، والشعراء وعلماء الرياضة والفلك يستمتعون كلهم بعطاياه، وكان هو نفسه يقرض الشعر، كما كان يقرضه أحد أباطرة اليابان في القرن التاسع عشر، وكما كان يقرضه كل مسلم شريف مهذب في ذلك الوقت.
ومات المأمون في سن مبكرة-في الثامنة والأربعين من عمره (833)-وإن كان قد طال أجله حتى أساء إلى نفسه. ذلك أنه ناصر بسلطته العليا حرية الرأي في الدولة مناصرة شوه بها السنين الأخيرة من حياته لأنها دفعته إلى اضطهاد أصحاب السنة
قصة الحضارة ج13 ص96
 
ولم يفعل السلاجقة ببلاد الإسلام ما فعله المغول بعد مائتي عام من ذلك الوقت، فهم لم يخربوا البلاد التي فتحوها، ولم يمضِ عليهم إلا قليل من الوقت حتى أشربوا روح الحضارة التي أقبلوا عليها، وألفوا من الأشلاء المتناثرة للدولة المحتضرة إمبراطورية جديدة، وبعثوا فيها من القوة ما استطاعت به أن تصمد لذلك النزاع الطويل بين المسيحية والإسلام، الذي نطلق عليه اسم الحروب الصليبية، وتخرج منه ظافرة منتصرة.
قصة الحضارة ج13 ص103
 
مفهوم نشأة الحضارة عند ديورانت
"تنشأ الحضارة من عاملين أساسيين هما الأرض والعمل-ومن موارد الأرض الطبيعية تحولها رغبات الإنسان وجهوده وتنظيمه إلى ما فيه منفعته. فمن وراء المظاهر الخارجية لحاشية الملوك والقصور، والهياكل، والمدارس، والآداب، والترف، والفنون، ومن تحتها يقف الإنسان أحد العاملين الأساسيين في الحضارة
قصة الحضارة ج13 ص106
 
فضل العرب على اوروبا في الزراعة
". لقد جاء العرب إلى بلادهم بشجرة البرتقال من الهند في وقت ما خلال القرن العاشر الميلادي، وأدخلوا في بلاد الشام، وآسية الصغرى، وفلسطين، ومصر، وأسبانيا ثم انتقلت من هذه البلاد إلى جميع أنحاء أوروبا الجنوبية(1). كذلك نقل العرب زراعة قصب السكر، وصناعة السكر نفسه وتكريره من الهند ونشروهما في جميع أنحاء الشرق الأدنى، ومن تلك البلاد نقلها الصليبيون إلى أوطانهم(2)؛ وكان العرب أول من زرع القطن في أوروبا(3)، وقد استطاعوا إنتاج هذه المحاصيل من أرضين معظمها جدب قاحل بفضل وسائل الري النظم؛ ولم يجر الخلفاء في الميدان على سنتهم المألوفة من ترك الشؤون الاقتصادية للمشروعات الحرة، بل كانت الحكومة تشرف على قنوات الري الرئيسية وتتعهدها بالصيانة والتطهير، فأوصلت ماء الفرات إلى أرض الجزيرة، وماء دجلة إلى أرض فارس، وشقت قناة كبيرة بين النهرين التوأمين عند بغداد. وكان خلفاء الدولة العباسية الأولون يشجعون الأعمال الخاصة بتجفيف المستنقعات وتعمير القرى المخربة والضياع التي هجرها سكانها. وكان الإقليم المحصورة بين بخارى وسمرقند يعد في أثناء القرن العاشر "إحدى الجنات الأرضية الأربع"-وكانت الثلاث الأخرى هي جنوبي فارس، وجنوبي العراق، والإقليم المحيط بدمشق في بلاد الشام.
قصة الحضارة ج13 ص107)
 
الاسلام يهدي اوروبا الساعة المائية
"وكان العرب على جانب كبير من المهرة الآلية الفنية، وشاهد ذلك أن الساعة المائية التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان قد صُنعت من الجلد والنحاس الأصفر المنقوش. وكانت تدل على الوقت بفرسان من المعدن يفتحون كل ساعة باباً يسقط منه العدد المطلوب من الكرات على صنجة، ثم ينسحبون ويغلقون الباب
قصة الحضارة ج13 ص108
 
الفاعلية الصناعية -والتجارية-في القرون الاولى للاسلام وحركة الاقتصاد في البلاد المفتوحة
"وكان العرب على جانب كبير من المهرة الآلية الفنية، وشاهد ذلك أن الساعة المائية التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان قد صُنعت من الجلد والنحاس الأصفر المنقوش. وكانت تدل على الوقت بفرسان من المعدن يفتحون كل ساعة باباً يسقط منه العدد المطلوب من الكرات على صنجة، ثم ينسحبون ويغلقون الباب(6). وكان الإنتاج بطيئاً، ولكن الصانع في وسعه أن يُظهر مهارته فيما ينتجه من تحف وأدوات كاملة الصنع، وكاد يجعل من كل صناعة فناً. واشتهرت المنسوجات الفارسية، والشامية، والمصرية بجمالها الفني الرائع الذي كان يتطلب من الصناع مهارة وصبراً؛ فاشتهرت الموصل بنسج القطن الرفيع "الموصلين"، ودمشق بنسيج التيل "الدمقس"، وعدن بالصوف. واشتهرت دمشق أيضاً بالسيوف المصنوعة من الصلب المسقى؛ وصيدا وصور بزجاجهما الذي لا يدانيه في رقته وصفائه، وبغداد بزجاجها وخزفها، والري بخزفها، وإبرها، وأمشاطها؛ واشتهرت الرقة بزيت الزيتون والصابون، وفارس بالروائح العطرية والطنافس. وبلغت بلاد آسية الغربية تحت حكم المسلمين درجة من الرخاء الصناعي والتجاري لم تصل إليها بلاد أوروبا الغربية قبل القرن السادس عشر وكانت أهم وسائل النقل البري هي ظهور الإبل، والخيل والبغال والرجال، لكن الحصان كان بوجه عام أثمن من أن يستخدم في حمل الأثقال، وفيه يقول أعرابي "لا تسمه حصاني، بل سمه ولدي؛ فهو في عدوهِ أسرع من الريح ومن طرفة العين...وقد بلغ من خفة قدمه أنه يستطيع أن يرقص فوق صدر حبيبتك ولا يؤذيها"(8). ومن اجل هذا كان الجمل "سفينة الصحراء" يحمل معظم تجارة العرب، وكانت قوافل يصل عدد جمالها إلى 4.700 جمل تخترق بلاد العالم الإسلامي. وكانت طرق كبرى تتشعع من بغداد وتمر بالري وسينابور، ومرو، وبخارى، وسمرقند، إلى كاشغر وحدود بلاد الصين؛ أو إلى البصرة فشيزار؛ أو إلى الكوفة فالمدينة، ومكة وعدن، أو إلى ساحل بلاد الشام مجتازة الموصل أو دمشق. وأنشئت النزل، والخانات، والمضايف، وصهاريج الماء في الطرق ليستقي منها المسافرون والدواب. وكانت التجارة الداخلية واسعة تنتقل في الأنهار والقنوات. وقد فكر هارون الرشيد في حفر قناة تربط البحرين المتوسط والأحمر في موضع قناة السويس وخططها، ولكن يحيى البرمكي لم يشجعه على حفرها لأسباب لا نعرفها ولعلها أسباب مالية(6). وقد أنشئت على نهر دجلة عند بغداد، حيث يبلغ عرضه 750 قدماً، ثلاثة جسور محملة علة قوارب.
وكانت تجارة عظيمة تمر بهذه الشرايين، وكان من المزايا الاقتصادية التي يستمتع بها غرب آسية أن حكومة واحدة تسيطر على هذا الإقليم الذي كان فيما مضى مقسماً بين أربع دول؛ فقد كان من آثار هذه الوحدة أن ألغت في داخلها جميع العوائد الجمركية وغيره من العوائق التجارية، هذا إلى أن العرب لم يكونوا كأشراف الأوربيين يسخرون من التجار ويزدرونهم، ولهذا لم يلبثوا أن انضموا إلى المسيحيين واليهود والفرس في نقل البضائع من المنتج إلى المستهلك بأقل ما يمكن من الربح لكليهما، فغصت المدائن والبلدان بوسائل النقل والمقايضة والبيع والشراء؛ وكان البائعون الجائلون ينادون على سلعهم أمام النوافذ الشبكية، والحوانيت تعرض بضائعها أو تتردد في أصداء المساومات، والموالد والأسواق تغص بالمتاجر والتجار والبائعين، والمشترين، والشعراء، والقوافل تربط الصين والهند بفارس والشام ومصر، وكانت الثغور أمثال بغداد، والبصرة، وعدن، والقاهرة، والإسكندرية، تبعث بالتجار يجوبون البحار. وظلت التجارة الإسلامية هي المسيطرة على بلاد البحر المتوسط إلى أيام الحروب الصليبية، تنتقل من الشام ومصر في أحد الطرفين إلى تونس، وصقلية، ومراكش وأسبانيا في الطرف الآخر، وتمر في طريقها ببلاد اليونان، وإيطاليا، وغالة. وانتزعت السيطرة على البحر الأحمر من بلاد الحبشة، وتجاوزت بحر الخرز إلى منغوليا، وصعدت في نهر الفلجا Yolga من أستراخان إلى نوفجرود؛ وفنلندة، واسكنديناوة، وألمانيا حيث تركت آلافاً من قطع النقود الإسلامية. ولما أن قدمت سفن صينية لزيارة البصرة رد العرب الزيارة بإرسال سفائنهم من الخليج الفارسي إلى الهند وسرنديب، ثم اجتازت المضيق الذي يفصل بينهما، وسارت بإزاء الساحل الصيني إلى خنفو (كنتون) واستقرت في هذا الثغر جالية إسلامية ويهودية في القرن الثامن الميلادي(10). ووصل هذا النشاط التجاري الذي بعث الحياة قوية في جميع أنحاء البلاد إلى غايته في القرن العاشر أي في الوقت الذي تدهورت فيه أحوال أوروبا إلى الدرك الأسفل، ولما أن اضمحلت هذه التجارة أبقت آثارها واضحة في كثير من اللغات الأوربية فأدخلت فيها ألفاظاً مثل Bazaa, Cravan, Magazine, Tariff .
وكانت الدولة تترك للصناعة والتجارة حريتهما وتساعدهما بإيجاد عملة ثابتة مستقرة إلى حد كبير. وكان الخلفاء الأولون يستخدمون النقود البيزنطية والفارسية حتى تولى الخلافة عبد الملك بن مروان فسك في عام 695 عملة عربية من الذهب هي الدينار وأخرى من الفضة هي الدرهم. ويصف ابن حوقل (حوالي 975) صكاً كان تعهداً بالدفع قيمته 42.000 دينار مصدراً إلى تاجر في مراكش. وقد اشتقت من كلمة صك الدالة على هذه الوثيقة الكلمة الإنجليزية Check وكن ذوو المال يستثمرون أموالهم في الأسفار البحرية والبرية، ومع أن الربا محرم في الإسلام فإن المشتغلين بالشؤون المالية لم يعدموا وسيلة لأداء جزء من الربح لأصحاب رؤوس الأموال نظير استخدامها في هذه الأعمال وما تتعرض له من الأخطار كما فعل الأوربيون فيما بعد.
وكان القانون يحرم الاحتكار ولكنه كان منتشراً رغم هذا التحريم، ولم يكد يمضي على موت عمر بن الخطاب مائة عام حتى جمع أفراد الطبقات العليا من العرب ثروات طائلة وعاشوا في ضياع مترفة
قصة الحضارة ج13 ص108-111)
 
عن الاسلام يتكلم
"وكان من أول ما قام به من الأعمال في المدينة أن فرض ضريبة سنوية مقدارها اثنان ونصف في المائة على جميع الأملاك المنقولة، لمعونة الفقراء . وكان في الدولة الإسلامية موظفون مختصون يقومون بجمع الزكاة وتوزيعها على أصحابها. وكان جزء من حصيلتها ينفق في بناء المساجد، وفي أداء نفقات الحكومة وتجهيز الجيش. ولكن الحرب كانت تأتي بالغنائم التي تزيد كثيراً من نصيب الفقراء. وما أكثر ما يُروى من قصص المسلمين الأسخياء الذين جادوا بأموالهم على الفقراء، فالحسن بن عليّ مثلاً يُروى عنه أنه قسم ماله بينه وبين الفقراء ثلاث مرات في حياته وأنه في مرتين وهبهم كل ما يملك. قصة الحضارة ج13 ص122)
 
عن الحج يتكلم كما وعن السيرة الاولى للاسلام
قال ديورانت :"ولهذه الفريضة العظيمة أغراض وفوائد كثيرة. فهي تقوي إيمان المسلمين واستمساكهم بدينهم، وتمكن الصلة بهذا العمل العاطفي الجماعي بين المسلم ودينه وبينه وبين إخوانه المؤمنين، شأنها في هذا شأن حج اليهود إلى أورشليم، وحج المسيحيين إلى هذه المدينة وإلى روما. فالحج وما ينطوي عليه من مناسك التقى والورع يجمع بين بدو الصحراء والفقراء وتجار المدن الأثرياء، وبين البربر وزنوج إفريقية، والشوام، والفرس، والأتراك، والتتار، والهنود المسلمين، والصينيين والمصريين، وغيرهم من الشعوب الإسلامية-يرتدون كلهم ثياباً بسيطة واحدة، ويتلون كلهم أدعية واحدة بلغة واحد وهي اللغة العربية ، ولعل هذا هو السبب في ضعف حدة الفوارق العنصرية في الإسلام. وقد يبدو لغير المسلمين أن الطواف حول الكعبة من الأعمال التي لا تنطبق على العقل. ولكن المسلم يبتسم حين يرى أمثال هذه العادة في الأديان الأخرى، ويهوله أن يرى المسيحيين في إحدى شعائرهم "يأكلون الله". فالمسلمون لا يفهمون في هذا الطواف إلا أنه رمز خارجي لصلة روحية وغذاء روحي. وفي الأديان كلها ما يبدو لغير أصحابها أنه مما يعز على الأفهام.
والأديان جميعها مهما يكن من نيل أصولها، لا تلبث أن تحشر فيها طائفة من الخرافات لا صلة بينها وبين مبادئها الأولى، وإنما تنشأ بطبيعتها من العقول التي خيم عليها وأنهكها تعب الجسم ورهبة الروح في كفاحها للخلود. لهذا نرى أن معظم المسلمين يؤمنون بالسحر ، وقلما يشكون في قدرة السحرة على التنبؤ بالغيب والكشف على الكنوز المخبوءة، وغرس الحب في النفوس وتعذيب الأعداء، وشفاء المرضى، واتقاء الحسد. ومنهم من يعتقد في قدرة البعض على مسخ الإنسان إلى حيوان أو نبات، أو الانتقال من مكان إلى مكان بوسائل معجزة خارقة. وتلك العقائد هي المحور الذي تدور عليه قصص ألف ليلة. ففيها ترى الأرواح في كل مكان تحتال بضروب السحر وغيره على الأحياء، وتستولد النساء غير الحريصات ما لا يشتهين من الأبناء ويلبس معظم المسلمين(3) كما يلبس نصف المسيحيين تمائم لترد عنهم ضروباً مختلفة من الشرور
قصة الحضارة ج13 ص127)
 
يتكلم ديورانت عن الجبرية والقدرية وهذا النص يمكن استخدامه ضد وصف ديورانت نفسه الاسلام بالقدرية تلك الوصفة التي اطلقها على الاسلام نفسه مع علمه ان الاسلام دعا للاخذ بفاعلية الاسباب ودراسة السنن والآيات وانه تحقق بتلك التنشئة على هذا المعنى تاريخ طويل عريض من منجزات الحضارة التي سيعرض هو نفسه نتائجها الباهرة
لكن لندعه يقول عن بعض الفرق"ومنها المرجئة التي تعتقد أن المسلم لا يقضي عليه بالعذاب الدائم في الدار الآخرة، والجبرية التي تنكر حرية الإرادة، وتعتقد أن الإنسان مسير في كل شيء وفق ما قدر له منذ الأزل، والقدرية التي تؤمن بحرية الإرادة وتدافع عنها، ومنها غير هذه شيع كثيرة لا حاجة بنا إلى الوقوف عندها
قصة الحضارة ج13 ص129
 
نص خطير وثمين وخبير وتاريخي
المسيحية وتسامح الاسلام معها ومع اليهود والمجوس
:"
"ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون واليهود، والصابئون، يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص وأداء فرضة عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير (من 4.75 إلى 19 دولاراً أمريكياً). ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون سن البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمى الشديد والفقر. وكان الذميون يعفون في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية أو إن شئت فقل لا يقبلون فيها-ولا تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها اثنين ونصف في المائة من الدخل السنوي، وكان لهم على الحكومة أن تحميهم، ولم تكن تُقبل شهادتهم في المحاكم الإسلامية، ولكنهم كانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم، وقضاتهم وقوانينهم، وكان تسامح الحكام المسلمين معهم يختلف باختلاف الأسر الحاكمة، فكان الخلفاء الراشدون أشداء عليهم ، وكان الأمويون يعاملونهم باللين بوجه عام، والعباسيون يعاملونهم باللين تارة وبالقسوة تارة أخرى. وقد أخرج عمر بن الخطاب اليهود والمسيحيين من جزيرة العرب لأنها أرض الإسلام المقدسة، وتعزو إليه إحدى الروايات غير المؤكدة "عهداً" قيد فيه حقوقهم بوجه عام، لكن هذا العهد، إن كان قد عُقد، قد أغفل العمل به، وظلت الكنائس المسيحية في مصر تتمتع في أيام هذا الخليفة بالميزات التي منحتها إياها الحكومة البيزنطية قبل الفتح العربي.
وكان اليهود في بلاد الشرق الأدنى قد رحبوا بالعرب الذين حرروهم من ظلم حكامهم السابقين، إلا أنهم في عهدهم قد فُرضت عليهم عدة قيود ولاقوا شيئاً من الاضطهاد من حين إلى حين، غير أنهم مع هذا كانوا يُعاملون على قدم المساواة مع المسيحيين، وأصبحوا مرة أخرى يتمتعون بكامل الحرية في حياتهم وفي ممارسة شعائر دينهم في بيت المقدس، وأثروا كثيراً في ظل الإسلام وفي آسية، ومصر، وأسبانيا، كما لم يثروا من قبل تحت حكم المسيحيين. وكان المسيحيون في بلاد آسية الغربية، خارج حدود الجزيرة العربية، يمارسون شعائر دينهم بكامل حريتهم، وبقيت الكثرة الغالبة من أهل بلاد الشام مسيحية حتى القرن الثالث الإسلامي. ويحدثنا المؤرخون أنه كان في بلاد الإسلام في عصر المأمون أحد عشر ألف كنيسة، كما كان فيها عدد كبير من هياكل اليهود ومعابد النار. وكان المسيحيون أحراراً في الاحتفال بأعيادهم علناً، والحجاج المسيحيون يأتون أفواجاً آمنين لزيارة الأضرحة المسيحية في فلسطين، وقد وجد الصليبيون جماعات مسيحية كبيرة في الشرق الأدنى في القرن الثاني عشر الميلادي ولا تزال فيه جماعات منهم إلى يومنا هذا. وأصبح المسيحيون الخارجون على كنيسة الدولة البيزنطية والذين كانوا يلقون صوراً من الاضطهاد على يد بطارقة القسطنطينية، وأورشليم، والإسكندرية، وإنطاكية، أصبح هؤلاء الآن أحراراً آمنين تحت حكم المسلمين الذين لك يكونوا يجدون لنقاشهم ومنازعاتهم معنى يفهمونه، ولقد ذهب المسلمون في حماية المسيحيين إلى أبعد من هذا، إذ عين والي إنطاكية في القرن التاسع الميلادي حرساً خاصاً ليمنع الطوائف المسيحية المختلفة من أن يقتل بعضها بعضاً في الكنائس. وانتشرت أديرة الرهبان وأعمالهم في الزراعة، وفي إصلاح الراضي البور، وكانوا يتذوقون النبيذ المعصور من عنب الأديرة، ويستمتعون في أسفارهم بضيافتها، وبلغت العلاقة بين الدينين في وقت من الأوقات درجة من المودة تبيح للمسيحيين الذين يضعون الصلبان على صدورهم أن يؤموا المساجد ويتحدثوا فيها مع أصدقائهم المسلمين. وكانت طوائف الموظفين الرسميين في البلاد الإسلامية تضم مئات من المسيحيين، وقد بلغ عدد الذين رقوا منهم إلى المناصب العليا في الدولة من الكثرة درجة أثارت شكوى المسلمين في بعض العهود. فقد كان سرجيوس والد القديس يوحنا الدمشقي خازن بيت المال في عهد عبد الملك بن مروان، وكان يوحنا نفسه وهو آخر آباء الكنيسة اليونانية، رئيس المجلس الذي كان يتولى حكم دمشق. وكان المسيحيون في بلاد الشرق يرون أن حكم المسلمين أخف وطأة من حكم بيزنطية وكنيستها.
وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة، اعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين، وجميع الزرادشتيين، والوثنيين إلا عدداً قليلاً جداً منهم، وكثيرون من اليهود في آسية، ومصر وشمالي أفريقية. فقد كان من مصلحتهم المالية أن يكونوا على دين الطبقة الحاكمة، وكان في وسع أسرى الحروب أن ينجوا من الرق إذا نطقوا بالشهادتين ورضوا بالختان. واتخذ غير المسلمين على مر الزمن اللغة العربية لساناً لهم، ولبسوا الثياب العربية، ثم انتهى الأمر بإتباعهم شريعة القرآن واعتناق الإسلام. وحيث عجزت الهلينية عن أن تثبت قواعدها بعد سيادة دامت ألف عام، وحيث تركت الجيوش الرومانية الآلهة الوطنية ولم تغلبها على أمرها، وفي البلاد التي نشأت فيها مذاهب مسيحية خارجة على مذهب الدولة البيزنطية الرسمي، في هذه الأقاليم كلها انتشرت العقائد والعبادات الإسلامية، وآمن السكان بالدين الجديد وأخلصوا له، واستمسكوا بأصوله إخلاصاً واستمساكاً أنسياهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلاد الممتدة من الصين، وأندونيسيا، والهند، إلى فارس، والشام، وجزيرة العرب، ومصر وإلى مراكش، والأندلس؛ وتملك خيالهم، وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث فيهم آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها، وأوحى إليهم العزة والأنفة، حتى بلغ عدد من يعتنقونه ويعتزون به في هذه الأيام نحو ثلاثمائة وخمسين مليوناً من الأنفس، يوحد هذا الدين بينهم، ويؤلف قلوبهم مهما يكن بينهم من الاختلافات والفروق السياسية.
قصة الحضارة ج13 ص130-133)
 
أفهؤلاء فتحوا العالم من اجل حفنات من المال ياديورانت.. نعم يوجد في البشرية جميعا جشعا وحب للدنيا لكن الاسلام هذب اغلب نفوس من من به خصوصا في القرون الفاضلة
"وقد وصف دوتي Donghty، وصفاً لا يضارعه في روعته وصف سواه، منظر قافلة الحجاج وهي تجتاز الصحراء في حر الشمس اللافح، ولهيب الرمال المحرقة، وتتألف من سبعة آلاف من المؤمنين أو أقل أو أكثر من هذا العدد، راجلين أو ممتطين صهوة الجياد، أو ظهور الحمير، أو البغال، أو الهوادج الفخمة، ولكن كثرتهم الغالبة تهتز على ظهور الإبل، وتنحني بأجسامها في كل خطوة من خطواتها الطويلة... وتسجد خمسين مرة في كل دقيقة أرادت ذلك أو لم ترده في اتجاه مكة، مجتازة ثلاثين ميلاً في اليوم، وخمسين ميلاً في بعض الأحيان، حتى تصل إلى واحة تحط فيها رحالها لتستريح. وفي هذا السير الشاق يمرضن كثير من الحجاج ويتخلفون، ومنهم من يموتون فيتركون تنهشهم السباع المترصدة في الطريق، أو يحتضرون فيتركون ليموتوا على مهل، ويزور الحجاج في المدينة قبر النبي، ويشهدون قبر أبي بكر وقبر عمر في مسجد الرسول، ويعتقد بعضهم أن في جوار هذه القبور مكان احتفظ به لعيسى بن مريم. فإذا أشرفت القافلة على مكة نصبت خيامها خارج أسوارها لأن البلدة نفسها حرم مقدس. ثم يستحم الحجاج ويحرمون فيلبسون أثواباُ بيضاء غير مخيطة، ويركبون أو يسيرون على أقدامهم مسافة طويلة، يبحثون عن مساكن لهم في أحياء المدينة . ويفرض عليهم طوال إقامتهم في مكة أن يمتنعوا عن جميع المنازعات، وعن العلاقات الجنسية، وعن كل ما هو حرام ، وتصبح البلدة المقدسة في أشهر الحج ملتقى المسلمين من كافة الأمم، والأجناس والطبقات، يشتركون كلهم على قدر المساواة في مناسك الحج وفي الصلاة، فإذا دخلوا المسجد الحرام الفسيح الجنبات شغلتهم نشوتهم الروحية عن ملاحظة المآذن الرفيعة التي فوق الجدران
قصة الحضارة ج13 ص 124-126)
 
القيم والزواج والزنى ونص يحتاج نظر لكن على كل حال هاهو
"والمسلم لا يحترم العزوبة، ولا يخطر بباله أن يمتنع عن إشباع الغريزة الجنسية، ولا يرى أن هذا الامتناع حال طبيعية أو مثالية. وقد كان لمعظم الصالحين من المسلمين زوجات وأبناء. وحدود الزواج أوسع في الإسلام منها في كثير من الأديان، وتفتح الشريعة الإسلامية منافذ كثيرة لإشباع الغريزة الجنسية؛ ولهذا قل البغاء في أيام النبي والخلفاء الراشدين. ولكن الانهماك في إشباع الغريزة الجنسية يتطلب عادة كثرة التنبيه، ولهذا لم تلبث الفتيات الراقصات أن أصبح لهن شأن كبير في حياة الرجال حتى أكثرهم أزواجاً. وإذا كان المقصود من الآداب الإسلامية أن تكون مقصورة على آذان الذكور وأعينهم، فإن منها ما لا يقل فحشاً عن حديث الذكور في البلاد المسيحية؛ فهذا الأدب يشتمل على طائفة كبيرة من الغزل، وقد عنيت كتب الطب عند المسلمين ببيان الأدوية المقوية للباء(42). والشريعة الإسلامية تجعل الإعدام من عقوبات الزنى واللواط، ولكن ازدياد الثروة خفف عقوبة الزنى فجعلها ثلاثين جلدة، وغض الحكام البصر في كثير من الحيان عن اللواط(43). ونشأت طائفة من المخنثين المحترفين تشبهوا بالنساء في ثيابهم وعاداتهم، يضفرون شعورهم، ويصبغون أظافرهم بالحناء ويرقصون الرقص الخليع(44). وعاقبهم سليمان بن عبد الملك بإخصاء من كان في مكة من المخنثين، وأبصر الهادي امرأتين تباشران عملية السحاق فأمر بقطع رأسيهما
قصة الحضارةلديورانت ج13 ص135
 
المرأة في الاسلام مقارنة بمثيلاتها في الغرب بوصف ديورانت :"وكان مركز المرأة المسلمة يمتاز عن مركز المرأة في بعض البلاد الأوربية من ناحية هامة، تلك هي أنها كانت حرة التصرف فيما تملك لا حق لزوجها أو لدائنيه في شيء من أملاكها. وكانت في داخل بيتها الأمين تغزل وتنسج، وتطرز، وتدير بيتها، وتعنى بأبنائها، وتمارس بعض الألعاب، وتأكل الحلوى وتتحدث إلى أترابها، وتحيك الدسائس. وكان يُنتظر منها أن تلد لزوجها كثيراً من الأبناء ذوي الفائدة الاقتصادية في المجتمع الاقتصادي الأبوي، وكان ما تلقاه من إجلال يتناسب مع خصبها، وفي ذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لحصير في ناحية البيت خيرٌ من امرأة لا تلد"(61). ومع هذا فإن الإجهاض ووسائل منع الحمل كانت كثيرة الانتشار في داخل البيوت. وكانت القابلات تنقل إلى النساء قديمها، كما كان الأطباء يعرضون عليهن حديثها. وقد أفرد الرازي (المتوفى سنة 924) في أحد كتبه فصلاً لموانع الحمل، وذكر أربعة وعشرين من الموانع الآلية والكيميائية(62). وأورد أبن سينا (980-1037) في كتاب القانون الذائع الصيت عشرين وصفة لمنع الحمل.
قصة الحضارة ج13 ص140-141)
نقد وتعليق
الرواية التي اوردها مخالفة للواقع كما انها مخالفة لطبيعة احاديث النبوة
والنص موجود في موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 3/62
وهو في ضعيف أبي داود للالباني- الصفحة أو الرقم: 3922 وليس مرفوع عن النبي
 
وليس ثمة فرق كبير بين المسلم والمسيحي في النواحي الخلقية الخارجة عن نطاق الناحية الجنسية. فالقرآن مثلاً يحرم الميسر والخمر تحريماً قاطعاً (سورة المائدة 90). ولكن بعض الميسر وكثيراً من الخمر ظلا باقيين في كلتا الحضارتين. وانتشر الفساد والرشوة في أعمال الحكم والقضاء في بلاد الإسلام في بعض العصور كما كانا منتشرين في بلاد المسيحية. ويبدو بوجه عام أن المسلم كان أرقى من المسيحي في خلقه التجاري )، وفي وفائه بوعده، وإخلاصه للمعاهدات التي يعقدها مع غيره
قصة الحضارة ج13 ص141
 
صلاح الدين الأيوبي عند ديورانت
قارن كلامه بكلام العلمانيين امثال المجرم ابراهيم عيسى ويوسف زيدان العلماني وهما مؤيدان للسفاح السيسي
النص
"ويبدو بوجه عام أن المسلم كان أرقى من المسيحي في خلقه التجاري(63)، وفي وفائه بوعده، وإخلاصه للمعاهدات التي يعقدها مع غيره(64)؛ ولقد أجمعت الآراء على أن صلاح الدين كان أنبل من اشترك في الحروب الصليبية. والمسلمون شرفاء فيما يختص بعادة الكذب، فهم يبيحون الكذب إذا كان فيه نجاة من الموت، أو حسم لخصومة، أو إدخال السرور على زوجة، أو خدعة في الحرب لأعداء الدين
قصة الحضارة ج13 ص141
 
والدين الإسلامي يحث على نظافة الجسم
قصة الحضارة ج13 ص141
ستحتاج هذا النص عندما ياتي الكلام -كلام ديورانت او غيره-عن الفيلسوف المسيحي اوغسطين وهو رجل دعا الى عدم النظافة
 
"الحمامات العامة كانت ولا تزال كثيرة في البلاد الإسلامية. فالمؤرخون يقولون إن بغداد كانت في القرن العاشر الميلادي تحتوي على 27.000 حمام(67). وكان العطر والبخور مألوفين بين الرجال والنساء، وقد اشتهرت بلاد العرب من أقدم الأزمان بالكندر والمر، وبلاد الفرس بزيت الورد والبنفسج والياسمين، وكان في كثير من البيوت حدائق غرست فيها أعشاب الزينة والأزهار وأشجار الفاكهة، وكانت الأزهار محببة للشعب وخاصة في فارس، وكانت يضفي على الحياة بهجة ومتعة.
قصة الحضارة ج13 ص142
 
الرياضة وتقوية الجسد
"ويدل كتاب القانون لابن سينا على أن المسلمين كان لديهم في القرن العاشر الميلادي كل ما عندنا تقريباً من الألعاب الرياضية: الملاكمة، والمصارعة، والعدو، والرمي بالنبال، وقذف الحراب، والحركات الرياضية الجسمية، والمثاقفة، وركوب الخيل، والحجف ، ورفع الأثقال، وأنواع مختلفة من لعبة الكرة والمضرب(68). وإذ كانت ألعاب الحظ محرمة، فقد كانت ألعاب الورق وكعوب النرد قليلة، وكانت (الطاولة) كثيرة الانتشار، وكان الشطرنج مباحاً، وإن كان النبي قد نهى عن صنع قطعة في صور الآدميين. وكان سباق الخيل منتشراً، يبسط عليه الخلفاء رعايتهم؛ ويحدثنا المؤرخون بأن أربعة آلاف جواد اشتركت مرة في سباق. وقد ظل صيد الحيوان مقصوراً على أرقى طبقات الأشراف، وكان عند المسلمين أقل عنفاً منه في أيام الساسانيين
قصة الحضارة ج13 ص142
 
الرحمة او العنف والقسوة
عن الاسلام يتكلم في ثنايا النص
قال ديورانت"وكان العرب حين فتحوا بلاد الشام قبائل قليلة الحظ من المدنية، شجعاناً إلى درجة التهور، كثيري العنف، سريعي الانفعال، متشككين. وكان الإسلام قد خفف من حدة هذه الصفات، ولكن معظمها لم يكن قد انمحى بعد، وأكبر الظن أن ما يحدثنا عنه المؤرخون عن ضروب القسوة التي كان يرتكبها بعض الخلفاء لم يكن يزيد في مجموعه على ما كان يرتكبه الملوك المسيحيون والبيزنطيون والمروفنجيون، وأهل الشمال، ولكنه رغم هذا مما يسربل بالغار كل حضارة...ولما جلس المتوكل على العرش ألقى في السجن بوزير كان قد عامله مرة منذ بضع سنين بشيء من الاحتقار؛ ومنع السجين من النوم عدة أسابيع حتى كاد يذهب عقله، ثم سمح له أن ينام أربعاً وعشرين ساعة، فلما عادت إليه قوته بهذه الطريقة وضع بين ألواح من الخشب دقت فيها مسامير، منعته أن يتحرك ليقضي حاجته الطبيعية، وبقي على هذه الحال يعاني أشد الآلام حتى مات(70). ولا حاجة إلى القول بأن هذه الوحشية كانت من الأعمال الشاذة، أما المألوف فإن المسلم كان مثال الرقة، والإنسانية، والتسامح، وكان، إذا وصفنا أواسط الناس، سريع الفهم، حاد الذكاء، سريع التهيج، يسهل إدخال السرور إلى قلبه، والمرح على نفسهِ؛ يجد الرضا في البساطة، ويصبر على بلواه في هدوء، ويتلقى جميع حوادث الأيام بصبر، وكرامة، وشمم، وكبرياء. وكان المسلم إذا عقد النية على سفر طويل، أخذ معه كفنه المنسوج من الكتان، استعداداً منه في أي وقت للقاء ربه، فإذا أنهكه المرض والتعب وهو سائر في الصحراء، أمر رفاقه بأن يواصلوا سفرهم. ثم توضأ هو لآخر مرة، واحتفر لنفسهِ حفرة يتخذها قبراً له، ولف نفسه في كفنهِ، ونام في الحفرة، ينتظر أن توافيه منيته، وأن تغطي جسمه الرمال السافية
قصة الحضارة ج13 ص143)
 
التطور في المدنية والحضارة
"يجدر بنا قبل أن نتحدث عن الرجال الذين أنشئوا هذه الحضارة وميزوها من غيرها من الحضارات، ونصف أعمال هؤلاء الرجال، أن نصور لأنفسنا البيئة التي كانوا يعيشون فيها. إن الحضارة ريفية في أصولها وقواعدها، ولكنها مدنية في صورتها، إذ لابد أن يجتمع الناس في المدن حتى يستمع بعضهم إلى بعض وينبه بعضهم بعضاً.
ولقد كانت البلدان الإسلامية جميعاً تقريباً غير كبيرة في سعتها لا يزيد سكان الواحد منها على عشرة آلاف ومنها ما يقل عامرها عن ذلك، يحشرون في رقعة ضيقة لها أسوار تحميها من الغارات والحصار، مظلمة شوارعها مليئة بالتراب والوحل، ذات بيوت صغيرة مطلية بالجص ومحوطة بجدران متصلة ترد عنها الأبصار. وكان جلال المدينة كله محصوراً في مسجدها، ولكن كانت تقوم في أماكن متفرقة من الأقطار الإسلامية مدن كبيرة ارتقت فيها الحضارة الإسلامية إلى أعلى درجات الجمال والمعرفة والسعادة.
قصة الحضارة ج13 ص152
 
وكانت إنطاكية ثانية مدن الشام لا يفوقها في عظمنها إلا دمشق وحدها. وقد امتلكها المسلمون من عام 635 إلى عام 964، ثم استولى عليها البيزنطيون من ذلك التاريخ الأخير حتى عام 1084. ويعجب الجغرافيون المسلمون بكنائسها الكثيرة الفخمة، وبما في بيوتها الجميلة من شرفات عالية، وبحدائقها وبساتينها الغناء، ويقولون إن الماء يدخل في كل بيت من بيوتها. وكانت طرسوس من كبريات المدن؛ ويقدر ابن حوقل (978) عدد الذكور من سكانها بمائة ألف، وقد استعادها نقفور إمبراطور الروم في عام 965، وهدم جميع ما فيها من المساجد، وحرق جميع المصاحف
قصة الحضارة ج13 ص156
 
الرصافة
مدينة عراقية في ظل الاسلام والتعايش السلمي بين الاسلام والمسيحية في ظل السيادة العليا للاسلام وماذا كان؟
"هي ضاحية الرصافة التي كان يصلها بالمدينة المستديرة جسران قائمان على قوارب. وكان معظم الخلفاء الذين جاءوا بعد المأمون يقيمون في هذه الضاحية، ولهذا فإنها سرعان ما فاقت مدينة المنصور نفسها في اتساعها وثرائها، وكان الناس بعد الرشيد إذا ذكروا بغداد فإنما يعنون بها الرصافة نفسها. وكانت شوارع ضيقة ملتوية، أنشئت على هذا النحو لتقي الأهلين من وهج الشمس وتقوم على جانبيها الحوانيت الصاخبة، تمتد من القصور الملكية إلى أحياء الأثرياء، وكان لكل طوائف الصناع شارعها الخاص أو سوقها الخاص أو سوقها الخاصة-فهذا حي بائعي العطور، وذاك حي صانعي السلال، وهنا حي صانعي الأسلاك، وهناك حي الصيارفة مستبدلى النقود، وذاك حي البزازين، وهذا حي الوراقين وما إلى ذلك. وكانت بيوت الأهلين تقوم فوق هذه الحوانيت ومن ورائها. وكانت كل المساكن تقريباً ما عدا مساكن الأغنياء مقامة من اللبن، تبقي صاحبها حياً ولكنها لا تدوم كثيراً بعده. وليس لدينا إحصاء لسكان المدينة موثوق بهِ، والراجح أنهم كانوا يبلغون 800.000، وإن كان بعض المؤرخين يقدرونهم بمليونين(90). ومهما يكن عددهم فإن المدينة كانت في القرن العاشر الميلادي أكبر مدن العالم على الإطلاق، مع جواز استثناء القسطنطينية من هذا التعميم. وكان فيها حي للمسيحيين مزدحم بهم، تقوم فيه كنائس، وأديرة، ومدارس؛ وكان لكل من النساطرة، واليعاقبة، والمسيحيين أصحاب العقيدة الصحيحة، أمكنة عبادتهم الخاصة بهم.
قصة الحضارة ج13 ص162
 
عودة
أعلى