التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

الثورة الألمانية 1522 - 1536 تشتد
:"ومهما يكن من أمر فإن زعماء الفلاحين شعروا بأن الأوان قد فات للتراجع عما اعتزموه لأنهم سيتعرضون للعقاب عاجلاً أو آجلاً في أية مصالحة. وأحزنهم هذا التحول من لوثر وعدّوه خائناً واستمروا في الثورة. ...وانهالت المطالب بالبريد من العمال في المُدن، ونددت باحتكار الأغنياء للوظائف في المدينة، وباختلاس الموظفين المنحرفين للأموال العامة وبارتفاع الأسعار الدائم في الوقت الذي ظلّت فيه الأجور ثابتة لا تتغير"
قصة الحضارة ج24 ص83،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> حرب الفلاحين
 
اشتعال الثورة الألمانية
:"فإن الثورة اشتعلت في ربيع عام 1525 في اثنتي عشرة منطقة متفرقة في نفس الوقت، واستولت جماعة من العمال على السلطة الإدارية في البلدية في هايلبرون وروتنبرج وفيرتسبورج، وأعلنت حكومة الكومون الظافرة في فرانكفورت على الماين أنها سوف تمثل منذ ذاك سلطة المجلس البلدي والعمدة والبابا والإمبراطور مجتمعين. وفي روثنبورج طرد القساوسة من الكاتدرائية وحطمت التماثيل الدينية وهدمت بيعة وسويت بالأرض (27 مارس سنة 1525) وأفرغ الناس مخازن النبيذ التي يملكها رجال الدين وهم منتشون بخمر النصر(25). وتخلت المُدن الخاضعة للسادة الإقطاعيين عن ولائها لهم ونادت المُدن الخاضعة للأساقفة بإنهاء امتيازات رجال الدين، وثارت غضباً مطالبة بتخصيص أملاك رجال الدين للأغراض الدنيوية، وانضمت دوقية فرانكونيا بأسرها تقريباً إلى الثورة.
قصة الحضارة ج24 ص84، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> حرب الفلاحين
 
قمع الثورة ثورة الفلاحين الألمانية من العسكر!!
لكن العيار الي لايصيب يدوش!!!!
ولوثر يتبرأ من الثورة!!
ومسيحيون يضطهدون مسيحيين وقتل الألوف المؤلفة
:"واستقبلت معظم المُدن ثورات أهالي الريف بترحيب قلبي، وأيد الثورة كثير من رجال الدين من الرتب الدنيا الذين كانوا يمقتون السلطة الكهنوتية، ووقعت أول مواجهة خطيرة في لايبهايم على نهر الدانوب قرب أولم (4 أبريل سنة 1525) إذ استولى على المدينة 3000 فلاح تحت لواء قسيس ناشط هو جاكوب فيهى واحتسوا كل ما عثروا عليه من نبيذ ونهبوا الكنيسة وحطموا الأرغن وصنعوا لأنفسهم طزالق من الثياب الكهنوتية وبايعوا في سخرية واحداً من جمعهم أُجلس على المذبح، وارتدى مسوح قسيس(27). وقام بحصار لابهايم جيش من الجنود المرتزقة استأجرته العصبة السوابية ويقوده جورج فون تروخسيس وهو قائد قدير، وأفزع الفلاحين غير المدربين فاستسلموا وقطعت رؤوس فيها وأربعة من الزعماء الآخرين. أما الباقون فقد عفت العصبة عنهم، وإن كانت فرقها قد أحرقت كثيراً من أكواخ الفلاحين.
وفي يوم الجمعة الحزينة 15 أبريل سنة 1525 قام بحصار مدينة فايتسبرج (قرب هايلبرون) ثلاثة من جماعات الثوار تحت قيادة متسلرجيير ورورباخ، وكان يحكم هذه المدينة الكونت لودفيج فون هلفشتاين الذي كان يمقته الناس بسبب قسوته وشدته. واقترب من الأسوار وفد من الفلاحين وطلب المفاوضة فقام الكونت وفرسانه بهجوم مفاجئ وذبحوا كل أعضاء الوفد. وفي يوم الأحد الموافق لعيد الفصح اقتحم المهاجمون الأسوار بمساعدة بعض أهالي المدينة ومزقوا أجساد الأربعين رجلاً المدججين بالسلاح، والذين اهتموا بالمقاومة وأسر الكونت وزوجته (وهي ابنة الإمبراطور الراحل ماكسمليان) وستة عشر فارساً، وأصدر رورباخ، دون مشاورة متسلر أو جيير، أمراً للسبعة عشر رجلاً بالمرور بين صفين من الفلاحين المسلحين بالحراب لتأديبهم، وعرض الكونت أن يقدم كل أمواله فدية لهم ولكن هذا العرض رفض كوسيلة مؤقتة، وتوسلت إليه الكونتيسة في تذلل محموم أن يبقي على حياة زوجها ولكن رورباخ أمر اثنين من رجاله بأن يسنداها حتى تشهد نشوة الانتقام. وبينما كان الكونت يسير إلى حتفه وصل وابل من الخناجر والرماح ذكره الفلاحون بما ارتكب من أعمال وحشية وصاح أحدهم: "لقد ألقيت بأخي في غياهب اسجن لأنه لم يرفع قبعته من على رأسه وأنت تمر به". وصرخ آخرون: "لقد سخرتنا كالثيران في نير العبودية... لقد قطعت يدي والدي لأنه قتل أرنباً في حقلك... لقد داست خيولك وكلابك وصيادوك محاصيلي... لقد استنزفت منا آخر بنس لدينا". وفي خلال نصف الساعة القادمة لقي الستة عشر فارساً دتفهم بالمثل. أما الكونتيسة فقد سمح لها بأن تنسحب إلى دير(28).
كانت عصابات الفلاحين تثير الشغب في كل أرجاء ألمانيا تقريباً. ونهبت الأديرة أو أكرهت على دفع مبالغ كبيرة على سبيل الفدية. ويقول بعضهم في خطاب أرسل يوم 17 أبريل عام 1525: "في كل مكان يجاهر الثائرون... بنيتهم في قتل كل رجال الدين الذين لا يتنصلون من ولائهم للكنيسة ويعلنون عن عزمهم على تدمير كل الأديرة وقصورالأساقفة واستئصال شأفة الدين الكاثوليكي تماماً من البلاد"(29). ولعل في هذا شيئاً من المبالغة ولكن في وسعنا أن نسجل أن الثوار استولوا على كثير من المُدن ... وفي الحادي عشر من شهر أبريل رفض أهالي مدينة بامبرج الاعتراف بسلطة الأسقف الإقطاعية ونهبوا قصره وأحرقوه وجردوا بيوت المحافظين من رجال الدين مما فيها وانتشرت الثورة في الألزاس انتشار النار في الهشيم، وما أن أشرف شهر أبريل على نهايته حتى أصبح كل كاثوليكي وكل ملك ثري في المقاطعة يخشى على حياته. وفي الثامن والعشرين من شهر أبريل هاجم جيش عدته 20000 من الفلاحين زايرن مقر أسقف ستراسبورج ونهبوا ديره وفي يوم 13 مايو استولوا على المدينة وأجبروا كل رجل رابع على الانضمام إليهم ورفضوا دفع كل ضرائب العشور وطالبوا بانتخاب جميع الموظفين فيما بعد عدا الإمبراطور عن طريق الاقتراع الشعبي وبأن يكونوا عرضة للعزل(30).
وفي بريكسين بالتيرول نظم ميكائيل جاسماير، وهو سكرتير سابق للأسقفية، ثورة هاجمت كل رجال الدين المحافظين ونهبت الدير المحلي (12 مايو) وظلّت عاماً تهدد الأمن، ولا يستطيع أحد قمعها. ويقول أحد المؤرخين في هذا العهد ممن كانوا لا يتعاطفون مع الثوار إنه في جميع أودية نهري اين واتش كانت هناك - جماهير غفيرة وصراخ وهرج شديدان وكان من الصعب على أي إنسان صالح أن يسير في الطرقات وقال إن السلب والنهب أصبحا شائعين إلى الحد الذي كان فيه الأتقياء يشعرون بالإغراء للاشتراك فيهما"(31). وفي فرايبورج - أم - برايسجاو نهب الفلاحون القلاع والأديرة وأكرهوا المدينة على الانضمام إلى "الاخوة الانجيلية"، (24 مايو) وفي الشهر نفسه أقصت عصابة من الفلاحين أسقف فيرتسبورج عن قصره وأقاموا وليمة بما عثروا عليه في مخازنه. وفي شهر يونيو أقي ماتياس لانج كبير الأساقفة المعروف بحبه للقتال من قصره إلى قلعته التي تشرف على المدينة، وفي نيوشتادت في البلاتينيت دعا الأمير المختار لودفيج زعماء الفلاحين للعشاء بعد أن أحاط به 8000 منهم واستجاب لمطالبهم دون امتعاض(32).
وفي هذا قال أحد المعاصرين: "ها نحن أولاء نرى أهالي القرى وسيدهم يجلسون جنباً إلى جنب ويأكلون ويشربون معاً ويبدو أنه يكن لهم مشاعر الود وأنهم يبادلونه هذا الشعور.
وفي وسط هذا السيل من الأحداث أصدر لوثر من مطبعة فيتنبرج نحو منتصف مايو عام 1525 كتيباً عنوانه: "معارضة لجموع الفلاحين التي تقوم بالسلب والقتل". وأفزعت لهجته الحادة الأمير والفلاح والأسقف وعالم الإنسانيات على السواء فقد راعَ لوثر تزايد العصاة الساخطين وخشي وقوع انقلاب ضد كل سلطة شرعية وحكومة في ألمانيا وآلمته الاتهامات التي تقول إن تعاليمه الخاصة قد أطلقت الفيضان من عقاله فتحول وقتذاك دون تحفظ إلى جانب السادة المعرضين للخطر وقال: "لم أجسر في كتاب سابق على الحكم على الفلاحين لأنهم عرضوا أن يسلكوا الطريق المستقيم وأن يتعلموا... ولكن قبل أن أتطلع حولي تناسوا ما عرضوه وعمدوا إلى العنف وقاموا بالسلب والنهب واسلموا قيادهم إلى الهياج وتصرفوا كالكلاب المسعورة... إن ما يقومون به من عمل الشيطان بل إنه بصفة خاصة من عمل إبليس (منتسر) الذي يحكم في ميلهاوزن... يجب أن أبدأ بوضع خطاياهم أمام أعينهم... ثم يجب أن أعلم الحكام كيف يسوسون أنفسهم في هذه الظروف...
إن أي إنسان يمكن إثبات شغبه يعد خارجاً على سنة الله وقانون الإمبراطوريّة ومن ثم فإن أول مَن يقتله ويفعل خيراً ولا يرتكب إثماً... ذلك لأن الثورة تأتي معها بأرض مليئة بالقتل وسفك الدماء وترمل النساء وتيتم الأطفال وتقلب كل شيء رأساً على عقب... ولهذا دعوا أي إنسان يستطيع أن يقتل ويذبح ويطعن، سراً وعلناً، وضعوا نصب أعينكم أنه لا شيء أكثر فتكاً أو ضرراً أو خبثاً من الثورة... إن هذا لا يختلف عن حالة المرء الذي يجد نفسه مضطراً إلى قتل كلب مسعور وإذا لم تضربه فإنه سوف يقضي عليك ومعك بلد بأسره...
...ظل الفلاحون على عنادهم: "عندئذ سارعوا بامتشاق الحسام لأن أي أمير أو سيد يجب أن يتذكر في هذه الحالة أنه كاهن لله وأنه أداة نقمته تعالى (الرومان 13) الذي يمتشق من اجله الحسام لضرب رقاب هؤلاء الأتباع... وإذا كان في وسعه أن يعاقب ولا يفعل - حتى لو كان العقاب أن يستل الحياة ويسفك الدماء - فإنه يبوء بإثم كل جرائم القتل والشرور التي يرتكبها هؤلاء الأتباع... وعندئذ على الأتباع أن يستمروا بلا اكتراث ودون أن يعذبهم الضمير في النضال كالأبطال مادامت قلوبهم تحقق بين ضلوعهم... وإذا خطر لأحد أن هذا صعب جداً فليتذكر أن الثورة لا تحتمل وأن دمار العالم أمر متوقع في كل ساعة"(33).
وكان من سوء حظ لوثر أن تصل هذه الرسالة الغاضبة إلى قرائها في الوقت الذي بدأت فيه الطبقات المالكة في إخضاع الثورة. وتلقى المصلح ثناء لا يستحقه على الإرهاب بالقمع ومن غير المحتمل أن يكون السادة المعرضون للخطر قد تأثروا بالكتيب إذ كانوا بطبعهم يميلون إلى معاملة العصاة بقسوة تكون رادعاً لهم ولا تمحى ذكراها من أذهانهم وقد أخذوا بعض الوقت يعللون الفلاحين البسطاء بالوعود والأماني وبهذا أغروا الكثير من العصابات بالتفرق وفي غضون ذلك نظم السادة جيوشهم وسلحوها.
وفي ذروة الفتنة مات فردريك الأمير المختار (5 مايو عام 1525) وكان رجلاً هادئاً يؤثر السلام ويسلم بأنه هو وباقي الأمراء قد ظلموا الفلاحين ورفض أن ينضم إليهم في اتخاذ إجراءات الانتقام وترك لخلفه الدوق جون نصائح ملحة بالتزام الاعتدال، بيد أن الأمير المختار الجديد شعر بأن سياسة أخيه كانت تعتمد على اللين وهو أمر يجافي الحكمة فانضم بقواته إلى قوات هنري دوق برونزفيك وفيليب لاندجريف الهسي وزحفوا جميعاً لمهاجمة معسكر منتسر خارج ميلهاوزن. وكانت جيوش الخصوم لا تفوقهم إلا عدداً - كان كل منها يتكون من 8000 رجل من الأشداء بيد أن معظم الرجال في قوات الدوقات كانوا من الجنود المدربين، بينما كان الفلاحون، على الرغم من مدفعية منتسر البسيطة، يتسلحون بأسلحة ليست جيدة أو رديئة ويفتقرون إلى النظام ويتفشى بينهم الاضطراب بسبب ما يساورهم من رهبة بالسليقة. واعتمد منتسر على فصاحته ليقوي من عزائم الفلاحين وأمهم في الصلاة وفي ترتيل الأناشيد وأطلقت مدفعية الأمير أول ستار من نيرانها فصرعت مئات من الثوار وفر الباقون مذعورين إلى مدينة فرانكنهاوزن (15 مايو سنة 1525) وطاردهم المنتصرون وقتلوا منهم 5000 وحكم على ثلاثمائة أسير منهم بالإعدام فتشفع لهم نساؤهم والتمسوا العفو عنهم رحمة بهن، فأُجبن إلى طلبهن على شريطة أن تحطم النساء رأسي قسيسين كانا قد حرضا على الثورة وتم تنفيذ هذا بينما كان الدوقات المنتصرون يرقبون هذا المشهد(34). واختفى منتسر ثم قبض عليه وعذب حتى أقر بخطأ وسائله ثم قطع رأسه أمام القادة والأمراء ودافع بفيفر ومعه 1200 جندي عن مدينة ميلهاوزن ولكنهم غلبوا على أمرهم، وأُعدم بفيفر وباقي القواد أما المواطنون فقد نالوا العفو على أن يدفعوا فدية إجمالية قدها 40.000 جيلدر (1.000.000 دولار؟). وفي غضون ذلك استولى طروخسيس على مدينة بيبلنجن (Boblingen) بطريقة المفاوضة وحول مدافعه من داخل أسوار المدينة وأطلقها على معسكر للثوار خارجها (12 مايو)، وأجهز فرسانه على الفلاحين الذين نجوا من نيران هذه المدفعية وقضى هذا على الثورة في فيرتمبرج. ثم تحول تروخسيس إلى فاينزبرج وأحرفها حتى سويت بالأرض وشوى في بطئ جسد جيكلاين رورباخ الذي تزعم "مذبحة فاينزبرج". ثم زحف طروخسيس ليهزم قوات الفلاحين في كينجز هوفن وأنجولشتادت هزيمة منكرة، واستولى على فيتسبورج وأطاح برؤوس واحد وثمانين من الثوار اختارهم ليكونوا عبرة للآخرين (5 يونيه). وفر فلوريان جيير من فيرتسبورج ليعيش في غياهب النسيان وظل أسطورة يرددها الناس في اعتزاز واستسلم جيتزفون برليخنجن في الوقت الملائم وعاش ليحارب مع شارل الخامس ضد الأتراك ومات على فراشه وفي قلعته بالغاً من العمر إثنين وثمانين عاماً (1526) وسقطت مدينة روثنبرج في 20 يونيه وسرعان ما تلتها مدينة ممينجن وسحقت الثورة في الألزاس بعد مصرع 2000 إلى 6000 رجل في ليبشتلين وتسابيرن (Zabern) (17-18 مايو) وما أن حل يوم 27 مايو حتى كان قد قتل نحو 20.000 فلاح في الألزاس وحدها وفي كثير من الحالات كان هواء المُدن تشيع فيه رائحة الموت(35) وأمر ماركجراف كاسينير Markograf Casimir بقطع رؤوس بعض مَن استسلم من فلاحيه وشنق البعض الآخر. وفي الحالات المخففة قطع أيديهم أو سمل عيونهم(36)، وتدخل الأمراء العقلاء في آخر الأمر في تخفيف همجية الانتقام، وفي نهاية شهر أغسطس أصدر المجلس النيابي في أوجسبورج أمراً كتابياً حث فيه على الاعتدال في توقيع العقوبات وفرض الغرامات وتساءل شريف فيلسوف قائلاً: "أين نجد فلاحين يقومون بالوفاء لأغراضنا إذا قتل كل الثوار؟"(37).
واستمرت الثورة عاماً في النمسا ...ولم تفقد ألمانيا من الأرواح والأملاك ما فقدته في ثورة الفلاحين إلا في حرب الثلاثين عاماً. فقد هلك من الفلاحين وحدهم نحو 130.000 في ساحة القتال أو على نطع التكفير، وتم تنفيذ حكم الإعدام في 10.000 رجل تحت حكم العصبة السوابية. وامتلأت أعطاف جلاد تروخسيسس زهواً لأنه قتل بيديه المدربتين 1200 رجل محكوم عليه بالإعدام. أما الفلاحون أنفسهم فقد دمروا مئات القلاع والأديرة وأقفرت مئات القرى والمُدن من ساكنيها أو أصبحت خراباً بلقعاً أو فرضت عليها تعويضات باهظة، وتشرد ما يزيد على 50.000 فلاح وأخذوا يهيمون في الطرقات العامة أو يختبئون في الغابات، وترملت آلاف النساء وتيتم الآلاف من الأطفال ولكن قلوب المحسنين لم ترق لهم، أو لعل جيوبهم كانت خاوية وكان المتمردون قد أحرقوا في كثير من الحالات المواثيق التي تسجل الضرائب المستحقة عليهم للسادة الإقطاعيين فحررت وثائق جديدة أحيت من جديد هذه الالتزامات وكانت في بعض الحالات أكثر رفقاً بهم وفي أحيان أخرى أكثر تشدداً عما كانت عليه من قبل ومنحت امتيازات للفلاحين في النمسا وبادن وهس أما في المناطق الأخرى فقد اشتد أزر العبودية وقدر لها أن تستمر شرق الألب حتى القرن التاسع عشر. وأجهضت بوادر الديمقراطية وقمع الحركات الفكرية واشتدت الرقابة على النشر في عهد السلطات الكاثوليكية والبروتستانتية على السواء. وفقدت النزعة الإنسانية قوتها وأخلت لهجة عصر النهضة في الحياة والأدب الحب السبيل إلى اللاهوت والورع والتأمل في الموت.
واندثر الإصلاح الديني نفسه أو كاد يندثر في حرب الفلاحين... وأطلق بعضهم على لوثر اسم "الدكتور ليجثر" أي "الدكتور الكذاب" و "المنافق صنيعة الأمراء"(41). وظل سنوات بعد الثورة لا يحظى بأي شعبية حتى انه قل ما كان يجرؤ على مغادرة فيتنبرج ولو كان هذا لكي يحضر وفاة والده على فراشه (1530)...وفي يوم 30 مايو عام 1525 كتب إلى نيكولاس أمسد ورف يقول: "في رأيي أنه من الخير أن يُقتل الفلاحون جميعاً ولا يهلك الأمراء والحكام لأن أهل الريف امتشقوا السيف دون أن يعتصموا بسلطان إلهي"(43). وفي يوليو عام 1525 نشر "خطاباً مفتوحاً بشأن الكتاب الصعب ضد الفلاحين". وقال إن مَن ينتقدونه لا يستحقون الرد عليهم فقد كشفت انتقاداتهم أنهم ثائرون في قرارة نفوسهم مثل الفلاحين وأنهم لا يستحقون الرحمة، وقال: "ينبغي أن يأخذ الحكام بتلابيب هؤلاء الناس ويجبرونهم على إمساك ألسنتهم"(44).
"دار بخلدهم أن هذا الرد صعب جداً وأن هذا تحريف للكلام ولا يقصد به غلا تكميم أفواه الناس فإني أجيب بأن هذا صحيح، إن أي ثائر لا يستحق عناء الرد عليه لأنه لن يتقبل الجدل. والرد على مثل هذا الفم هو لكمة تدمي الأنف، إن الفلاحين لن يصيخوا السمع، ففي آذانهم وقر ويجب أن تفتح بطلقات الرصاص حتى تقفز رؤوسهم من فوق أكتافهم. إن مثل هؤلاء التلاميذ في حاجة إلى تأديب بمثل هذه العصى"...إننا ندين بالاحترام للجماعة التي تتهددها الجريمة أكثر مما ندين للمجرمين الذين يهددون الجماعة.
"لو تحققت نيات الفلاحين فلن يكون هناك رجل شريف في مأمن منهم ولكن على كل مَن يملك فلساً أكثر من أي إنسان آخر أن يقاسي بسبب هذا. لقد بدأوا هذا الأمر وما كانوا ليتوقفوا هناك، لسوف يجلل العار النساء والأطفال ولسوف يتعودون أيضاً على قتل أحدهم الآخر، ولن يكون هناك سلام أو أمان في أي مكان. هل سمع أحد عن شيء لا يمكن كبح جماحه أكثر من غوغاء من الفلاحين عندما تمتلئ بطونهم ويملكون زمام السلطة؟... إن الحمار يتلقى الضربات أما الناس فيحكمون بالقوة"(45).
وقد تصدمنا اليوم عبارات لوثر المتطرفة حول حرب الفلاحين لأن النظام الاجتماعي توطد بحيث نفترض استمراره ونستطيع أن نعامل برفق هؤلاء القلائل الذين يعكرون صفوه بعنف، ولكن لوثر واجه الحقيقة القاسية وهي أن عصابات الفلاحين تحول شكاواها العادلة إلى نهب لا يفرق بين العدو والصديق وتهدد بخرق القانون وقلب الحكومة والإنتاج والتوزيع في ألمانيا. وبررت الحوادث تحذيره بأن الثورة الدينية التي خاطر من أجلها بحياته سوف تتعرض للخطر الشديد بسبب الرجعية المحافظة التي كانت مضطرة إلى أن تتبع ثورة فاشلة. وربما شعر بأنه مدين شخصياً بعض الشيء للأمراء والأشراف الذين كانوا قد أسبغوا عليه الحماية في كينبرج ورومس والفارتبورج، ولعله كان يتساءل مَن ينقذه من شارل الخامس وكليمنت السابع إذا كفت سلطة الأمراء عن حماية الإصلاح الديني، والحرية الوحيدة التي رأى إنها تستحق الكفاح من أجلها هي حرية عبادة الله والتماس الخلاص طبقاً لما يمليه ضمير المرء.ومع ذلك فقد كان للفلاحين قضية ضده إذ أنه لم يتنبأ بالثورة الاجتماعية فحسب بل قال إنها لن تسوءه وإنه سوف يحييها بابتسامة حتى لو غسل الناس أيديهم في دماء الأساقفة، ثم إنه كان قد قام بثورة أيضاً وعرض النظام الاجتماعي للخطر بل وسخر من سلطة لا تقل قداسة عن سلطة الدولة. ولم يقم بأي اعتراض على نزع السلطة الزمنية للملكية رجال الدين فكيف كان في وسع الفلاحين أن يكون لهم حظ أفضل إذا لم يلجأوا إلى القوة ما دام حق التصويت كان محرماً عليهم ومادام مضطهدوهم كانوا يلجأون إلى القوة. لقد أحس الفلاحيون أن الدين الجديد قد أضفى صفة القداسة على قضيتهم، وأثار فيهم الأمل ودفعهم إلى العمل ثم تخلى عنهم في الساعة الحاسة الحاسمة. وفي يأس غاضب اصبح بعضهم ملحداً ساخراً(46) وعاد كثيراً منهم أو من أطفالهم برعاية اليسوعيين إلى حظيرة الكنيسة الكاثوليكية. واتبع بعضهم المتطرفين الذين أدانهم لوثر وسمعوا وهم يتلون العهد الجديد دعوة إلى الشيوعية.
قصة الحضارة ج24 ص84،96 الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> حرب الفلاحين
 
مات فردريك الأمير المختار (5 مايو عام 1525) وكان رجلاً هادئاً يؤثر السلام ويسلم بأنه هو وباقي الأمراء قد ظلموا الفلاحين ورفض أن ينضم إليهم في اتخاذ إجراءات الانتقام
قصة الحضارة ج24 ص90، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> حرب الفلاحين
 
حرق المسيحيين البروتستانت والكاثوليك لاخوانهم من الفرق الأخرى
بعد انتهاء ثورة الفلاحين الألمانية1522 - 1536
:"وفي هذا العام أصدر شارل الخامس مرسوماً ينص على أن إعادة التعميد تُعَد جريمة عظمى. وصدق مجلس سبيير Speyer النيابي (1529) على مرسوم الإمبراطور وأمر بإعدام اللامعمدانيين أينما وجدوا وحالما يقبض عليهم كما يقضى على الوحوش المفترسة، ذلك دون أية محاكمة. وكتب مؤرخ لامعمداني تحقيقاً عن النتيجة، ولعله كان مغالياً، بأسلوب كتاب سير القديسين المسيحيين الأوائل:
عُذّب البعض على المخلعة، وشُدّت أطرافهم حتى انتزعت، وأُحرق البعض الآخر حتى غدت أجسادهم رماداً وهباء منثوراً، وشوي لحم البعض فوق أعمدة أو مزقوا إرباً بكماشات ملتهبة إلى درجة الاحمرار... وشنق آخرون فوق الأشجار، أو قطعت رؤوسهم بالسيف أو ألقي بهم في لجة الماء... ومات بعضهم جوعاً أو هلكوا في غياهب السجون المظلمة... وأعتُبر البعض منهم أصغر سناً من أن ينفذ فيهم حكم الإعدام فضربوا بالعصي، وظل الكثيرون منهم سنوات في غياهب السجون... وختمت على خدودهم أرقام تركت فيها أخاديد... أما الباقون فقد طوردوا كالبوم والغربان، التي لا تجرؤ على الطيران بالنهار واضطروا في أغلب الأوقات إلى الاختفاء والعيش بين الصخور والشقوق أو في الغابات أو في الكهوف والحفر(57)...
ويقول سابستيان فرانك أحد المعاصرين أنه ما أن حل عام 1530 حتى كان 2000 لامعمداني قد نُفذ فيهم حكم الإعدام، وفي أنزيشايم إحدى مُدن الألزاس أُعدم 600، وفي سالزبورج سُمح لمن تاب منهم بأن يقطع رأسه قبل وضعه على المحرقة، أما الذين لم يتوبوا فقد شويت أجسادهم على نار بطيئة حتى لاقوا حتفهم (1528)(58). وألف اللامعمدانيون أناشيد مؤثرة للإشادة بذكر هذه الحوادث، التي استشهد فيها الآلاف واصبح معظم مؤلفي هذه الأناشيد شهداء بدورهم.
وعلى الرغم من هذه المذابح فإن الطائفة ازدادت عددا، وانتقلت إلى شمالي ألمانيا. ورحب بعض الأشراف في بروسيا وفيرتمبورج باللامعمدانيين باعتبارهم فلاحين مسالمين مجتهدين. ويقول أحد المؤرخين الأوائل من أنصار لوثر إن وادي الفيرا في ساكسونيا كان يزخر بهم، وأنهم زعموا في أرفورت أنهم أوفدوا 300 مبعوث لهداية الناس المشرفين على الهلاك. وفي ليبيك سيطر جيرجن فولنفيفر المتهم باللامعمدانية على المدينة (1533-34). وفي مورافيا أحرز هيبماير تقدماً لعقيدته المعتدلة التي فسرت الشيوعية بأنها ليست الملكية على المشاع، بل الاستمساك بأن "على المرء أن يطعم الجائع ويروي ضمأ العطشان ويكسو العاري لأننا في الحقيقة لسنا مطلقي التصرف في ممتلكاتنا ولكننا وكلاء أو موزعون لها فحسب". وكسب هانزهوت(59)، الذي ألهبته تعاليم منتسر، قلوب اللامعمدانيين في مورافيا من هيبماير بتبشيرهم بشيوعية كاملة في الأمتعة. وأعاد هيبماير إلى فيينا، حيث أُحرق على السارية وأُلقي بزوجته وهي مقيدة الأطراف في نهر الدانوب (1538)... واقتصر هؤلاء اللامعمدانيون في أعمالهم على فلاحة الأرض والأعمال الصغيرة، وحافظوا على شيوعيتهم زهاء قرن تقريباً. واسبغ الأشراف من ملاّك الأراضي حمايتهم عليهم، لأنهم كانوا يثرون الضياع بكدحهم الواعي. وكانوا يقومون بالمشاركة في الزراعة، ويشتري لهم موظفو الكومون المواد اللازمة للزراعة وللحرف اليدوية، ويوزعونها عليهم ويدفع جانب من ثمن بيع المنتجات كإيجار للمالك ويوزع الباقي طبقاً لحاجة كل فرد ولم تكن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية بل البيت، وكان يحتوي على عدد يتراوح بين 400، 2000 شخص وفيه مطبخ مشترك ومغسل ومدرسة ومستشفى ومعصرة للخمر يشترك فيها الجميع. وكان الأطفال بعد فطامهم يربون بلا فوارق بينهم وإن ظل تحريم تعدد الزوجات كما هو. ومنع هذا المجتمع الشيوعي بمرسوم إمبراطوري صدر عام 1622 في حرب الثلاثين عاماً، وخُيّر أعضاؤه بين أن يعتنقوا الكاثوليكية أو ينفوا من البلاد. وذهب بعض المنفيين إلى روسيا، وذهب البعض الآخر إلى المجر ولسوف نسمع عنهم مرة أخرى.
وفي الأراضي المنخفضة بشر ملشيور هوفمان، وهو دباغ من سوابيا، بإنجيل لامعمداني لاقى نجاحاً فائقاً.
قصة الحضارة ج24 ص100-102 الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> اللامعمدانيون يجربون الشيوعية
 
المسيحية تقتل المسيحية في أوروبا (بل الفرق البروتستانتية تقتل بعضها) بعد ثورة الفلاحين في المانيا
ففوز اللامعمدانيين واقامتهم المجتمع الشيوعي احدث صراعا مسيحيا-مسيحيا ولوثر الإصلاحي البروتستانتي يأمر بقتل الهراطقة!؟
فقامت الفرق المسيحية الأخرى بقتلهم ومحاولة إبادتهم
:"وفي عام 1525 قدمت الطبقات الدنيا في غمرة حماستها لثورات الفلاحين ستة وثلاثين مطلباً إلى المجلس فسلم لها بالقليل منها وسخر من الباقي وأرجأ النظر فيها، وأقام برنارد روتمان، وهو واعظ من أنصار لوثر، من نفسه لسان حال هذا التذمر، وطلب من جان ماتيس أن يوفد بعض اللامعمدانيين الهولنديين لنصرته. فجاء جون الليديني (13 يناير سنة 1534) وسرعان ما اقبل جان ماتيس بنفسه. وخشي "حزب النظام" حدوث تمرد فأعد العدة لكي يدخل الأسقف فرانزفون فالديك المدينة مع 2000 من جنوده، فحاربهم الأهلون بقيادة ماتيس وروتمان وجون الليديني في الطرقات، وأجلوهم عن المدينة، وسيطروا عسكرياً على منستر (10 فبراير سنة 1534). وأجريت انتخابات جديدة وفاز اللامعمدانيون بالمجلس واختير اثنان منهم وهما كنيبر دولنجك وكيبفبرويك عمدتين وبدأت التجربة المنيرة. ووجدت منستر نفسها على الفور في حالة حرب، يحاصرها الأسقف وجيشه المدعم، وفي حالة فزع من أن تتحد سريعاً كل قوى النظام والتقاليد في ألمانيا ضدها. ولكي يحمي المجلس الجديد نفسه ضد المعارضة الداخلية اصدر مرسوماً يقضي بأن يخير جميع المعارضين اللامعمدانيين بين قبول إعادة التعميد أو مغادرة المدينة. وكان هذا إجراءاً قاسياً لأنه كان يعني إكراه الشيوخ، والنساء الحاملات للأطفال، والأطفال الحفاة إلى الركوب أو السعي مشياً من المدينة إلى قلب الشتاء بألمانيا. وخلال هذا الحصار أعدم كلا الجانبين بلا رحمة أي شخص وجدوه يعمل لصالح العدو.
وألغى المجلس تحت وطأة الحرب وحل محله مجلس شعبي ولجنة تنفيذية للأمن، وكان يرأس كلاً منهما زعماء من رجال الدين. ولقي ماتيس حتفه وهو يقاتل في هجوم فاشل لفك الحصار (5 أبريل سنة 1534) ومن ثم تولى جون الليديني حكم المدينة باعتباره ملكاً لها.
وكانت الشيوعية التي أرست دعائمها وقتذاك تعني اقتصاد الحرب، ولعل هذا ما يجب أن تكون عليه كل شيوعية صارمة، ذلك لأن الناس ليسوا متساوين بفطرتهم، ولا يمكن إغراؤهم بمشاطرة الآخرين أمتعتهم وثرواتهم إلا عندما يستشعرون خطراً جوهرياً مشتركاً، وتتفاوت الحرية في الداخل بتفاوت الأمن في الخارج وتتحطم الشيوعية تحت وطأة السلام. وخشي المحاصرون أن يفقدوا حياتهم إذا لم تتحقق لهم الوحدة، واستهوتهم العقيدة الدينية والفصاحة التي لا مفر منها، فقبلوا حكومة دينية اشتراكية(60)، وكان يراودهم أمل يائس بأنهم إنما يحققون القدس الجديدة، التي وردت في سفر الرؤيا. وأطلق على أعضاء لجنة الأمن العام اسم أكابر الأسباط الأثني عشر لإسرائيل، وأصبح جون الليديني ملك إسرائيل، ولعل جون أراد أن يُدخل في أذهان البسطاء معنى من معاني الوقار المفيد لمنصبه المقلقل فارتدى هو وأعوانه ملابس فخمة تركها لهم بعض السراة من المنفيين، واتهم الأعداء الزعماء المتطرفين بأنهم كانوا متخمين في الوقت الذي أشرف فيه الأهالي المحاصرون على الموت جوعاً، والدليل غير مقنع وذلك لأن الزعماء يستشعرون دائماً بأن عليهم التزاماً ملحاً بالمحافظة على صحتهم. وقد وزع الجانب الأكبر من أدوات الترف المصادرة على الشعب. وكتب أحدهم "يقول إن أفقر الناس منا كانوا يطوفون وهم يرتدون ثياباً فاخرة"(61) ثم ماتوا جوعاً في شيء من الأبهة.
وبطريقة أخرى كانت الشيوعية في منستر محدودة وتحت الاختبار، وطبقاً لما رواه شاهد من الخصوم أصدر لحكام أمراً، يقضي بأن تكون الممتلكات على المشاع(62)، ولكن في الحقيقة ظلت الملكية الخاصة عملياً في كل شيء ما عدا المجوهرات والمعادن الثمينة وغنائم الحرب. وكانت وجبات الطعام تقدم على الشيوع، ولكن كان لا يتناولها إلا المشتغلون بالدفاع عن المدينة. وعند تقديم هذه الوجبات كان يقرأ إصحاح من الكتاب المقدس وتنشد أناشيد قدسية. وعين ثلاثة من الشماسين لإمداد الفقراء بحاجاتهم، ولتوفير المواد لهذه الصدقات أغري البقية من الأثرياء أكرهوا على التنازل عن فائض أموالهم. وخصصت الأرض الصالحة للزراعة داخل المدينة لكل أسرة طبقاً لعدد أفرادها. وأكد أحد المراسيم سيادة الزوج التقليدية على الزوجة(63).
وكان ينظم الأخلاق العامة قوانين عامة، وشجعت الراقصات والألعاب والتمثيليات الدينية تح الإشراف، ولكن كان السكر والمقمرة ويعقب مَن يرتكبهما بقسوة، وكان البغاء محرماً والفجور والزنى من الجرائم التي تستحق أقصى عقاب، ودفعت زيادة عدد النساء بسبب قرار كثير من الرجال الزعماء على أن يصدروا أمراً يستند إلى السوابق في الكتاب المقدس، وبأن تصبح النساء غي المرتبطات رفيقات للزوجات - وكن في واقع الأمر حظايا(64). ويبدو أن النساء اللاتي ارتبطن حديثاً قد تقبلن الموقف على أسا أنه أفضل من العيش في عزلة وحرمان. واحتج بعض المحافظين في المدينة ونظموا ثورة، وسجنوا الملك، ولكن سرعان ما قلي جنودهم حتفهم بعد أن سلبت الخمر عقولهم، وذلك على يد جنود اللامعمدانيين ولعبت النساء دوراً بطولياً في انتصار القدس الجديدة واتخذ جون، بعد أن أطلق سراحه وأعيد إلى عرشه. عدة زوجات (كما يقول المؤرخون من خصومه)، وحكم المدينة حكماً يتسم بالعنف والطغيان(65). ولابد أنه كان يتصف ببعض الصفات اللطيفة لأن آلاف الناس تحملوا حكمه وعرضوا للتضحية بأرواحهم في خدمته. وعندما طالب بمتطوعين يسيرون وراءه في هجوم مضاد على معسكر الأسقف انخرط في خدمته عدد كبير من النساء أكثر مما رأى أنه من الحكمة أن يستخدمن، وعندما طلب "رسلاً" لاقتحام الطريق لطلب العون من جماعات اللامعمدانيين الأخرى حاول اثنا عشر رجلاً أن يخترقوا خطوط الأعداء، وقبض عليهم جميعاً وقتلوا، واندفعت فجأة امرأة متحمسة مستلهمة قصة جوديث، إلى الخارج لاغتيال الأسقف، وحيل بينها وبينه، وأعدمت.
وعلى الرغم من أن الكثيرين من اللامعمدانيين في ألمانيا وهولندا رفضوا التجاء طائفتهم الأخوية في منستر للقوة فإن الكثيرين منهم هتفوا استحساناً للثورة. وتمتمت كولونيا وترير وأمستردام وميدن بصلوات لامعمدانية دعت فيها بنجاح اللامعمدانية وأبحرت من أمستردام خمسون سفينة (22 مارس و 25 مارس سنة 1535) تحمل إمدادات للمدينة المحاصرة، ولكن السلطات الهولندية فرقتها كلها بدداً. وفي الثامن والعشرين من مارس استولت عصابة من اللامعمدانيين على دير في وست فريزلاند، وحصنته بعد أن سمعت صدى ثورة منستر، ولكنها غلبت على أمرها، وفقد من أفرادها ثمانمائة.
وعندما واجهت قوى الإمبراطوريّة المحافظة من البروتستانت والكاثوليك على السواء هذه الثورة التي استشرت حشدت جنودها لقمع حركة اللامعمدانية في كل مكان. وها هو لوثر الذي كان قد أشار عام 1528 بالرفق مع الهراطقة الجدد ينصح عام 1530 بشهر السيف ضدهم، لا باعتبارهم "كفّاراً بل بوصفهم من كبار مثيري الشغب"(66) وأذعن ميلانكتون، وأرسلت مدينة تلو أخرى المال والرجال للأسقف. وأصدر المجلس النيابي في ورمس (4 أبريل سنة 1535) أمراً بفرض ضريبة على كل ألمانيا لتمويل الحصار. وهكذا استطاع الأسقف وقتذاك أن يحيط بالمدينة ويحرمها من كل إمداداتها، وعندما واجه الملك جون المجاعة وخور العزيمة أعلن أن كل مَن يرغب يستطيع مغادرة المدينة، فانتهز الفرصة كثير من النساء والأطفال وبعض الرجال. أما الرجال فكان نصيبهم الشجن أو القتل على أيدي جنود الأسقف، وأما النساء فقد أبقوا على حياتهم للاستفادة بهن في أداء خدمات مختلفة. وأنقذ أحد المهاجرين حياته بأن عرض على المحاصرين أن يريهم جانباً من الأسوار خالياً من الحماية، فتسلقته قوة، واقتحمت أحد الأبواب بإرشاده (24 يونيه) وسرعان ما تدفق إلى المدينة بضع آلاف من الجنود. وكانت المجاعة قد انشبت أنيابها في المحاصرين، بحيث لم يبقَ منهم إلا 800 رجل من القادرين على حمل السلاح، وتحصنوا بمتاريس في السوق، ثم استسلموا مقابل وعد بمنحهم جواز الأمان لمغادرة منستر، وعندما سلموا أسلحتهم ذبحوا عن بكرة أبيهم. وفتشت البيوت وعثر فيها على أربعمائة من الأحياء كانوا مختبئين فقتلوا، وربط جون الليديني واثنان من أعوانه على الساريات، وخمش كل جزء من أجسادهم بكماشات ملتهبة إلى درجة الاحمرار حتى (أصيب بالغثيان تقريباً كل مَن كانوا وقوفاً في السوق من الرائحة المنتنة"، وشدت ألسنتهم حتى تدلت من أفواههم، وأخيراً طعنت قلوبهم بالخناجر(67). واستعاد الأسقف المدينة، وزاد سلطانه السابق، وأصبحت كل أعمال السلطات المدنية عرضة من الآن فصاعداً للاعتراض من الأسقف، واستعادت الكاثوليكية سلطانها المظفر، وخشي اللامعمدانيون في أرجاء الإمبراطوريّة على أرواحهم، فنبذوا كل عضو في طائفتهم يتهم باستخدام القوة، ومع ذلك أعدم الكثيرون من هؤلاء الهراطقة المسالمين. وأشار ميلانكتون ولوثر على فيليب الهسي بإعدام كل مَن انضموا إلى الطائفة(68)، وشعر الزعماء المحافظون أن مثل هذا التهديد الخطير للنظام الاقتصادي والسياسي الذي توطدت أركانه يجب أن يعاقب بقسوة لا تعرف الغفران.
وتقبل اللامعمدانيون الدرس وأجلوا الشيوعية إلى العصر الألفي (عصر حكم المسيح ألف سنة) وأسلموا أنفسهم إلى ممارسة ما يتفق مع مبادئهم عن الحياة الرصينة البسيطة التقية المسالمة - التي لا تغضب الدولة.
وقام ميثو سيمونز، وهو قس كاثوليكي اعتنق مذهب اللامعمدانية (1531)، بإرشاد أتباعه من الهولنديين والألمان إرشاداً بارعاً جداً إلى حد أن "المينونيين" عاشوا على الرغم من كل ما تعرضوا له من محن، وكونوا كوميونات زراعية ناجحة في هولندة وروسيا وأمريكا. وليس هناك علاقة قرابة واضحة بين اللامعمدانيين في القارة الأوروبية وبين جماعة الكويكر الإنجليز والمعمدانيين (جماعة البابتست) الأمريكيين. إلا أن رفض جماعة الكويكر للحرب والإيمان، وإصرار جماعة المعمدانيين (البابتست) على التعميد عند البلوغ مستمدان من نفس تقاليد العقيدة الدينية والسلوك، التي اتخذت أشكالاً متعددة(69) في سويسرة وألمانيا وهولندة. وتشترك هذه الجماعات تقريباً في صفة واحدة
قصة الحضارة ج24 ص103-108، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> اللامعمدانيون يجربون الشيوعية
 
رهبان وأحبارسويسرة (1477 - 1531) يأكلون أموال الناس بالباطلقال ديورانت:"وكانت الكنيسة في سويسرة لينة العريكة وفاسدة، كما كانت في إيطاليا، وأسبغت الرعاية على علماء الإنسانيات، الذين احتشدوا حول فروبن وأرازموس في بازل، ومنحتهم قسطاً وافراً من الحرية. وأصبح هذا دعامة من دعائم التسامح الخلقي، الذي ساد هذا العصر، فاستمتع القساوسة السويسريون بالحظايا(1). وكان أحد الأساقفة السويسريين يتقاضى من رجال الدين التابعين له أربعة جيلدرات عن كل طفل يولد لهم، وجمع في عام واحد 1522 جيلدر من هذا المصدر(2). وشكا من أن الكثيرين من القساوسة يقامرون، ويترددون على الحانات، ويثملون علناً(3)، دون أن يدفعوا رسماً للأسقفية. وبدأت عدة مقاطعات، وبخاصة زيورخ، في الإشراف المدني على رجال الدين، وفرضت الضرائب على أملاك الأديرة. وزعم أسقف كونستانس أن زيورخ بأسرها إقطاعية تابعة له، وطالب بخضوعها له وبضرائب العشور المفروضة عليها
قصة الحضارة ج24 ص110، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> زونجلي الإصلاح الديني في سويسرة -> كثير في القليل
 
اضطهاد البروتستانية السوسيرية لغيرهم من المسيحيين وحروب
ولوثر يأمر بقتل بروتستانت من فرق أخرى!
:"كان زعيم البروتستانت في "أثينا سويسرة" هو جوهانس هاوسشاين، الذي أسبغ على اسمه صفة الهلينية، ومعناه مصباح البيت، وأطلق على نفسه اسم أويكو لامباديوس. وقد نظم الشعر باللاتينية، وهو في الثانية عشرة من عمره، وسرعان ما أتقن اللغة اليونانية فيما بعد، وكان لا يفوقه في إتقان اللغة العبرية إلا رويخلين، وذاع صيته كمصلح ديني وأخلاقي رقيق العاطفة في كل شيء إلا الدين، وذلك من فوق منبره في كنيسة سانت مارتن، وفي كرسي الأستاذية للاهوت في الجامعة. وما أن حل عام 1521 حتى كان يهاجم مساوئ كرسي الاعتراف وعقيدة التجسد وعبادة العذراء. وحياة لوثر عام 1523، وتبنى عام 1525 برنامج زونجلى الذي يشمل اضطهاد اللامعمدانيين، ولكنه رفض التسليم بالقدر وعلم الناس أن "خلاصنا يأتي من الله أما هلاكنا فمن أنفسنا"(17). وعندما أعلن مجلس مدينة بازيل، وقد رجحت فيه وقتذاك كفة البروتستانت، حرية العبادة (1528) احتج أويكو لامبادموس وطالب بتحريم القداس.
واجتمع في 8 فبراير عام 1529 ثمانمائة رجل في كنيسة الفرانسسكان وبعثوا بطلب إلى المجلس التمسوا فيه ضرورة تحريم القداس وعزل كل الكثالكة من مناصبهم وبسريان دستور أكثر ديمقراطية، وتشاور المجلس في الأمر، وفي اليوم الثاني أقبل مقدمو الالتماس إلى السوق، وهم مدججون بالسلاح، وعندما حل الظهر ولم يصل المجلس بعد إلى قرار تحرك الحشد نحو الكنائس بالمطارق. وحطموا كل التماثيل الدينية التي وجدوها(18). ووصف أرازموس الواقعة في خطاب له بعث به إلى بيركهايمر:
لقد رفع الحدادون والعمال كل االصور من الكنائس، وانهالوا بالشتائم على تماثيل القديسين والصليب نفسه. بصورة تدعوا إلى الدهشة، لعدم حدوث معجزة، بعد أن رأينا كيف اعتاد الناس الكثير منها دائماً عندما يساء إلى القديسين أدنى إساءة. أنهم لم يبقوا على تمثال واحد في الكنائس أو في الدهاليز أو في الأروقة أو في الأديرة. وطمست الصور الجدارية بوساطة تغطيها بطبقة من الجير، وألقي في النار بكل ما يمكن حرقه ودق الباقي حتى استحال إلى شظايا. ولم يستبق شيء بدافع الحب أو المال(19). وتلقف المجلس التلميح وسوط بإلغاء القداس إلغاء كاملاً، وغادر بازيل أرازموس وبياتوس رينانوس وكل الأساتذة في الجامعة تقريباً. وعاش أويكو لمباديوس المظفر حتى شهد اندلاع نيران الثورة، ولكنه لم يعمر إلا سنتين، إذ سرعان ما مات بعد وفاة زونجلى.
وفي مايو عام 1529 أحرق على الخازوق مبشر بروتستانتي من زيورخ، حاول أن يقدم عظاته في مدينة شفيتر. وأقنع زونجلى مجلس مدينة زيورخ بإعلان الحرب، ورسم خطة الحملة، وقاد بنفسه فرق المقاطعة. وأوقفهم رجل يدعى لانديمان أيبلي الجلاروسي في كابيل، التي تقع على بعد عشرة أميال جنوبي زيورخ، وتوسل إليهم أن يمنحوه، على سبيل الهدنة، ساعة يتفاوض فيها مع الحلف. وساور زونجلى الشك في أن الأمر ينطوي على خيانة، وآثر أن يتقدم بجيشه فوراً إلا أن حلفاءه من أهل بيرن تغلبوا عليه هم وجنوده الذين تآخوا بالفعل مع جنود العدو عبر الحدود الفاصلة بين المقاطعتين وبين اللاهوتيين، واستمرت المفاوضات ستة عشر يوماً وأخيراً رجحت كفة التعقل بين السويسريين، ووقعت اتفاقية كابيل الأولى للسلام (24 يونية 1529) وكانت شروط الاتفاقية انتصاراً لزونجلى، إذ وافقت المقاطعات بموجبها على دفع تعويض لزيورخ، وإنهاء تحالفها مع النمسا، وحظر مهاجمة أي من الطرفين للآخر بسبب الفوارق الدينية، وعلى أن يترك للناس في "الأراضي المشتركة" التابعة لمقاطعة أو أكثر أن يقرروا بأغلبية الأصوات تنظيم حياتهم الدينية. ومهما يكن من أمر فإن زونجلى لم يرضَ عن هذا الاتفاق، فقد طالب بإطلاق حرية البروتستانت في الوعظ بالمقاطعات الكاثوليكية، ولم يتلقَ ما يفيد إجاباته إلى طلبه، وتنبأ بوقوع تصدع قريب للسلام.
واستمرت الاتفاقية سارية المفعول ثمانية وعشرين شهراً، وفي خلال هذه الفترة القصيرة بذلت محاولة لتوحيد صفوف البروتستانت في سويسرة وألمانيا. وكان شارل الخامس قد فض نزاعه مع كليمنت السابع، وأصبح كل منهما وقتذاك حراً في أن ينضم بقواته لمحاربة البروتستانت، ولكن هؤلاء كانوا يمثلون قوة سياسية عظيمة، فقد كان نصف سكان ألمانيا من أتباع لوثر، وكان كثير من المُدن الألمانية - أولم وأوجسبورج وفيرتمبيرج وماينز وفراكفورت - على - وشتراسبورج - تتعاطف بشدة مع أتباع زونجلى، وعلى الرغم من أن المناطق الريفية في سويسرة كانت تدين بالكاثوليكية، فإن معظم المُدن فيها كانت تدين بالروتستانتية. وكان من الواضح أن حماية النفس من الإمبراطوريّة والبابوية قد تطلبت اتحاد البروتستانت ولم يقف في الطريق إلا اللاهوت. وأخذ فيليب لاندجراف الهيسي زمام المبادرة بدعوة لوثر وميلانكنون وآخرين من البروتستانت الألمان لمقابلة زونجلى وأويكو لانبيادوس وآخرين من البروتستانت السويسريين في قصره بماربورج شمالي فرانكفورت. وتقابل الحزبان المتناظران في 29 سبتمبر سنة 1529، وأقدم زونجلى في سخاء على التسليم ببعض الأمور وأزال ما ساور لوثر من شك في أنه يتشكك في ألوهية المسيح، وقبل العقيدة النيقاوية والمذهب القائل بالخطيئة الأصلية. ولكنه لم يتراجع عن رأيه في القربان المقدس باعتباره رمزاً وذكرى أكثر منه معجزة. وكتب لوثر بالطباشير على مائدة المؤتمر هذه الكلمات المنسوبة للمسيح: "هذا جسدي" ولم يقبل أن يفسرها إلا تفسيراً حرفياً. ووقع الطرفان اتفاقاً. تضمن أربعة عشر بنداً، ولكنهما اختلفا في موضوع القربان المقدس (3 أكتوبر) ولم يكن اختلافهما متسماً بالود، ورفض لوثر أن يصافح اليد التي مدها إليه زونجلى، وقال: "إن روحك تختلف عن روحنا". واستخلص اعترافاً لاهوتياً من سبعة عشر بنداً يشمل "التجاسد"، وأقنع الأمراء اللوثريين برفض التحالف مع أي جماعة لا توقع على كل البنود السبعة عشر(20). واتفق ميلانكتون في الرأي مع أستاذه، وكتب يقول لقد أبلغنا أتباع زونجلى إننا عجبنا كيف تسمح لهم ضمائرهم بأن ينادونا باخوتهم في الوقت الذي يتمسكون فيه بأن عقيدتنا خاطئة(21). وهنا تتضح روح العصر في جملة واحدة. وفي عام 1532 حث لوثر الدوق البرخت البروسي على ألا يسمح لأي شخص من أتباع زونجلى بالإقامة في أرض بلاده، وإلا حطت عليه اللعنة الأبدية.
وكان كثيراً جداً مطالبة لوثر بأن يجتاز في خطوة واحدة المسافة من العصور الوسطى إلى الحديثة، فقد كان تأثره بدين القرون الوسطى عقيماً جداً، إلى حد أنه لم يستطع أن يتحمل صابراً أية جحود لأركانه الأساسية؛ وأحس، كأي كاثوليكي متدين، أن عالمه الفكري سوف ينهار، وأن معنى الحياة بأسره سوف يذوى، إذا خسر أي عنصر أساسي من عناصر العقيدة التي كانت قد صاغته، والحق أن لوثر كان أقرب المحدثين إلى القرون الوسطى... واجتمع في 15 مايو عام 1531 مجلس من زيورخ وحلفائها، وصوت لإكراه المقاطعات الكاثوليكية على السماح بحرية الوعظ على أرضها، وعندما رفضت المقاطعات اقترح زونجلى إعلان الحرب عليها غير أن حلفاءه آثروا أن يفرضوا عليها حصاراً اقتصادياً، فما كان من المقاطعات الكاثوليكية إلا أن أمسكت عن الواردات وأعلنت الحرب. وسار من جديد جيشان متناظران، وتقدم زونجلى مرة أخرى وحمل العلم، وتقابل الجيشان مرة ثانية في كابيل (11 أكتوبر سنة 1531) - جيش الكاثوليك ويضم 8000 رجل وجيش البروتستانت ويضم 1500 - واشتبك الجيشان في هذه المرة وانتصر الكاثوليك. وكان زونجلى البالغ من العمر سبعة وأربعين عاماً من بين 500 رجل قتلوا من أهل زيورخ. ومزق جسده إلى أربعة أجزاء، ثم أحرق على محرقة نصبت فوق الروث(25). وعندما سمع لوثر بموت زونجلى هتف يقول "إن هذا حكم السماء على كافر(26) وانتصار لنا"(27) ويروى أنه قال: "كم أود من أعماق قلبي لو أمكن إنقاذ حياة زونجلى ولكني أخشى أن يحدث العكس لأن المسيح قال إنه: "ملعون كل مَن يكفر به"(28").
قصة الحضارة ج24 ص123-128، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> زونجلي الإصلاح الديني في سويسرة -> إلى الأمام أيها الجنود المسيحيون
 
مارتن لوثر والجماع!!
الجماع أو العلاقة الجنسية في الزواج عند المصلح الألماني لوثر هو أمر آثم ولكن "الله يستر الخطيئة!
تحت عنوان لوثر قال ديورانت
:"ولقد انزلق إلى الزواج بطريق السهو، واتفق في الرأي مع القدّيس بولس بأنه خير للمرء أن يتزوج ولا يحرق، وصرح بأن الجنس أمر فطري وضروري كالطعام(2)، واحتفظ بالفكرة السائدة في القرون الوسطى، والتي تذهب إلى أن الجماع أمر آثم، حتى في الزواج، ولكن "الله يستر الخطيئة"...وكان يعد طريقة البشر في التناسل منافية للعقل بعض الشيء، على الأقل عند تأمل الماضي، ورأى أنه "لو استشارني الله في الأمر لأشرت عليه بأن يستمر في خلق جيل من البشر بتشكيلهم من الطين مباشرة كما خلق آدم"(5). وكان مفهومه عن المرأة تقليدياً وألمانياً، فالله قد خلقها للحمل والطهي والصلاة لا لأي شيء آخر، وهو القائل "إنتزع النساء من تدبير شئون المنزل، تجدهن لا يصلحن لشيء"(6). و "إذا أنهك الحمل النساء، ولقين حتفهن، فليس في هذا ضرر دعهن يلاقين حتفهن ما دمن يحملن، فقد خلقن لهذا"...ويبدو أن لوثر لم يتزوج لإشباع حاجة من حاجات الجسد. وقال في نوبة من المرح، إنه قد تزوج لإرضاء والده، وعلى الرغم من أنف الشيطان والبابا، ولكنه استغرق وقتاً طويلاً لكي يستقر على رأي في هذا الموضوع ثم حسم الأمر له...وألف أغنيات لأطفاله، وغناها معهم، وهو يعزف على العود، وتعد خطاباته إلى أطفاله من درر الأدب الألماني.
قصة الحضارة ج24 ص131-133،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> لوثر
 
قال ديورانت عن مارتن لوثر:"
كان لوثر يأكل بإفراط، ولكنه استطاع ردع نفسه بالصوم الطويل، وكان يفرط في الشراب ولكنه كان يبدي الأسف، ويعد الشرب رذيلة قومية، ومع ذلك فإن الجعة كانت ماء الحياة بالنسبة للألمان، كالنبيذ بالنسبة للإيطاليين والفرنسيين، وكان يمكن أن يكون الماء سماً زعافاً قي تلك الأيام الخوالي، ومع ذلك فإننا لم نسمع قط عن إفراطه في السكر حتى يفقد صوابه
قصة الحضارة ج24 ص135، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> لوثر
 
قال ديورانت عن لوثر:"ويتشبث بالخرافات، في الوقت الذي يسخر فيه من الخرافة، ويندد بالتعصب ويمارسه في الوقت نفسه - وهكذا لم يكن قدوة للصلابة أو مثلاً أعلى للفضيلة، ولكنه رجل جمع متناقضات الحياة، وإنسان مزقه بارود الحرب، وقد اعترف قائلاً "لم أكن أتوانى عن الانقضاض على خصومي بلسان حاد، ولكن ما فائدة الملح إذا لم يكن لاذع الطعم؟"(19) وتحدث عن المراسي البابوية، فوصفها بأنها قذارة وروث (20)، وقال عن البابا إنه: "بذرة الشيطان" أو الملازم، ووصفه بأنه خصم للمسيحيةما الاساقفة فقد نعتهم بأنهم "ديدان" وهراطقة كفرة "وقردة جهلة" وتحدث عن الرسامة الكهنوتية فقال إنها بمثابة دمغ إنسان "بشارة البهيم في سفر الرؤيا"، وقال عن الرهبان إنهم أسوأ من الجلادين أو السفاحين أو على أحسن الفروض "براغيث فوق فراء الرب القادر"(21) ولنا أن نتصور إلى أي حد كان المستمعون إليه يجدون متعة في هذا العبث. وقد قال: "إن الجزء الوحيد من جسم الإنسان الذي اضطر البابا إلى إعفائه من رقابته هو العجز!"(22) وكتب يصور رجال الدين الكاثوليك بقوله: "إن نهر الراين لا يكاد يتسع لكي يغرق فيه كل عصبة المغتصبين الرومانيين الملاعين... كرادلة ومطارنة
وأساقفة ورهبان"(23) أو إذا نقص الماء "لعل الله يرضى بأن يرسل عليهم صليباً من النار والكبريت كالذي قضى على سودوم وعمورة"
قصة الحضارة ج24 ص135-136، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> لوثر
 
من أقوال مارتن لوتر ضد الباباوية ومعرفته بقوة كلامه وخطرها
:"إن أعدائي يفحصون عن كثب كل ما أفعل، فإذا ضرطت في فيتنبرج فإنهم يشمون ريح الضرطة في روما"
قصة الحضارة ج24 ص137، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> لوثر
 
من أين وصل علم الفلك للغرب؟
الإجابة معروفة ونصوص ديورانت مكتوبة
هل كان لوثر يعلم من أين جاءت الرحمة على أوروبا؟
لاأشك في ذلك!
لكنه الضلال المبين
قال ديورانت:"وكان يعتقد، مثل معاصريه، في الغيلان والساحرات والشياطين، وقدرة الضفادع(42) البرية الحية على الشفاء، والكوابيس الخبيثة، التي تبحث عن العذارى في حمّاماتهن أو في مخادعهن، وتفزعهن ويدفعن بهن إلى الأمومةوسخر من التنجيم، واستخدم مع ذلك في حديثه اصطلاحاته أحياناً، وامتدح الرياضيات، من حيث أنها "تعتمد على الأدلة والبراهين الثابتة"(44)، "وأعجب بما توصل إليه الفلك في جرأة في مجال النجوم، ولكنه، شأنه في هذا شأن جميع معاصريه، رفض النظام الكوبرنيقي في الفلك، باعتباره مناقضاً للكتاب المقدس، وأصر على أن العقل يجب أن يلزم الحدود التي وضعتها له العقيدة الدينية.
قصة الحضارة ج24 ص139، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> لوثر
تعليق آخر:
ومرة أخرة فإن هذا النص بالذات اكبر رد على محمد اركون في وضعه لوثر على قمة العقلانية في زمانه
مع اهمال اركون لرجال حضارتنا بل وادعاءه انه تجاوزها الزمن
وبصرف النظر فإن مالم يتجاوزه الزمن فهو الشئ الذي أنشأ في المسلمون توجههم نحو العلوم الكونية والإنسانية إلا وهو القرآن العظيم
ومع ذلك فأركون يدعو لتجاوزه والجري وراء عقل مابعد الحداثة وهو العقل المثقوب الأعور الذي لايرى النيا والآخرة إلا من وراء ظواهر بشرية محدودة بحدود عالم البشر الارضي!
-
لوثر وغياب مفاهيم قرآنية ثمينة وغالية عنه
قانون السببية او القانون الطبيعي أو مفهوم التسخير غائب عن لوثر تماما
:"ونسب إلى فعل الشيطان ظواهر مختلفة لا تسر. سقوط البَرَد والرعد والحرب والطاعون، أما الحوادث السعيدة كلها فهي في نظره من فعل الله(122). وكان يجد صعوبة في إدراك كل ما نسميه القانون الطبيعي.
قصة الحضارة ج24 ص60، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> لاهوت لوثر
 
لوثر واليهود
:"وكان التحول إلى التعصب أسهل فيما يختص باليهود. فحتى عام 1537 كان لوثر يرى، أن من الواجب أن يغتفر لهم احتفاظهم بعقيدتهم الخاصة، "ما دام الأغنياء من بابواتنا وأساقفتنا والسفسطائيين من فلاسفتنا ورهباننا، هؤلاء الأجلاف الحمقى، تعاملوا مع اليهود، بأسلوب يدفع أي مسيحي إلى أن يفضل أن يكون يهودياً. والحق أني لو كنت يهودياً، ورأيت مثل هؤلاء المعتوهين والحمقى يشرحون معنى المسيحية، لآثرت أن أكون خنزيراً لا مسيحياً... وأنا أود أن أنصح كل امرئ وأرجوه أن يعامل اليهود برفق، وأن يفقههم الكتاب المقدس، وبوسعي أن أتوقع في هذه الحالة أن يجيئوا إلينا زرافات ووحداناً"(52). ولعل آرثر قد أدرك أن البروتستانتية كانت في بعض مظاهرها عودة إلى الدين اليهودي، وذلك في رفضها للرهبانية والعزوبة المفروضة، على رجال الكهنوت، وتشديدها على العهد القديم والأنبياء والمزامير، وتبنيها (باستثناء لوثر نفسه) لأخلاقيات جنسية أشد صرامة مما تتطلبه الكاثوليكية. وقد خاب أمله عندما لم يقم اليهود بحركة مماثلة نحو البروتستانتية، وساعده عداؤه لتقاضي فائدة على أن ينقلب ضد مقرضي الأموال من اليهود، ثم ضد اليهود بصفة عامة، وعندما نفى جون الأمير المختار اليهود من ساكسونيا (1537)، رفض لوثر التماساً يهودياً للتوسط في الأمر. وفي كتابه حديث المائدة جمع بين "اليهود والبابويين" ووصفهم بأنهم تعساء كفرة... "وأن الطائفتين جوربان صنعا من قطعة قماش واحدة"(53). واستغرق في سنواته الأخيرة في نوبة غضب جامح ضد السامية، وندد باليهود، ووصفهم بأنهم "أمة من أناس غلاظ كفرة متكبرين خبثاء ممقوتين" وطالب بإشعال النار في مدارسهم وهياكلهم حتى تتقوض دعائمها، وقال: ودعوا كل مَن يستطيع أن يلقي عليهم كبريتاً وزفتاً، وإذا كان في وسع أحد أن يقذفهم بوابل من نار جهنم، فإنه يحسن صنعاً لو فعل هذا... وهذا ما يجب عمله كرامة لربنا وللمسيحية، حتى يرى الله أننا مسيحيون حقاً. ولتحطم بيوتهم وتدمر أيضاً... ولتنتزع منهم كتب صلواتهم وتلمودهم وكتابهم المقدس بأسره أيضاً، وليحرم على حاخاماتهم أن يلقنوا الناس تعاليمهم بعد ذلك من الآن فصاعداً، وإلا عوقبوا بالإعدام، ولتغلق في وجوههم الشوارع والطرق العامة، وليحرم عليهم الاشتغال بالربا، ولتؤخذ منهم كل أموالهم وكل ما يكنزون من الذهب الفضة، ولتوضع في الحفظ والصون. وإذا لم يكفِ هذا كله فليطردوا من البلاد كما لو كانوا كلاباً مسعورة(54).
ولم يحدث قط أن غلبت الشيخوخة على لوثر، ففي عام 1522 كان لا يزال متحدياً للبابوات وكتب يقول: "إني لا أقبل أن يحكم على عقيدتي أحد حتى لو كان من الملائكة، وكل مَن لا يتلقى عقيدتي بالقبول لن يستطيع الخلاص"(وما أن حل عام 1529 حتى استخلص فروقاً دقيقة بين العقيدتين وقال:
"لا يجوز إكراه إنسان على اعتناق عقيدة، ولكن ليس لأحد أن يلحق بها ضرراً. فليقدم خصومنا ما لديهم من اعتراضات، وليستمعوا إلى ردودنا، فإذا ما اهتدوا فيها ونعمت، وإذا لم يفعلوا فليمسكوا ألسنتهم ويؤمنوا بما يشاءون... ولكي نتجنب المتاعب يجب، إذا أمكن، إلا نعاني من التعاليم المتناقضة في نفس الولاية ويجب أن يكره الجميع بما فيهم الكفار على الامتثال على الوصايا العشر وحضور الصلاة في الكنيسة، والتلاؤم معها في ظاهر السلوك
قصة الحضارة ج24 ص142-143، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> الهراطقة المتعصبون
 
إبادة الإلبيجنسن في القرن الثالث عشر، من قبل الكاثوليك
ينقل ديورانت من كلام لوثر مابين القوسين ويعلق عليه :""...وفي الإصحاح الثالث عشر من سفر التثنية من هذا الكتاب المنزه عن الخطأ وجد أمراً صريحاً يزعمون أنه صدر من فم الرب، وهو يقضي بإعدام الهراطقة: "إياك أن تشفق عينك عليه وإياك أن تخفيه". حتى لو كان "أخاك أو ابنك أو زوجتك في حضنك... ولكنك يجب أن تقتله لا محالة، ويجب أن تكون يدك هي أول يد تنفذ فيه حكم الإعدام". وعلى أساس تلك الرخصة الرهيبة، تصرفت الكنيسة في إبادة طائفة الإلبيجنسن في القرن الثالث عشر، وكانت تلك اللعنة الإلهية بمثابة شهادة معتمدة لما قامت به محاكم التفتيش من إحراق. وعلى الرغم مما اتسم به حديث لوثر من عنف، فإنه لم يصل قط إلى درجة القسوة التي عاملت بها الكنيسة مَن يخالفونها في الرأي
قصة الحضارة ج24 ص144-145، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> الهراطقة المتعصبون
 
لوثر ومطالبته بإعدام كل الهراطقة وتعصب اللوثرية
:"وفي عام 1525 استعان بلوائح موجودة خاصة بالرقابة في ساكسونيا وبراندنبرج لسحق "العقائد الخبيثة" التي يعتنقها اللامعمدانيون وأنصار زونجلى، وفي عام 1530 نصح، في تفسيره للمزمور الثاني والثمانين، الحكومات بإعدام كل الهراطقة، الذين ينادون في عظاتهم بإثارة الشغب، أو مناهضة الملكية الخاصة، وقال: "إن هؤلاء الذين يعارضون في تعاليم مادة واضحة في العقيدة... مثل المواد التي يحفظها الأطفال عن العقيدة، كالمادة التي تقول "إذا نادى أي واحد في تعاليمه بأن المسيح ليس إلهاً بل مجرد إنسان"(60). ورأى سباستيان فرانك أن هناك حرية في التعبير عن الرأي والعقيدة بين الأتراك أكثر مما يوجد في الولايات اللوثرية، وانضم ليوجد من أنصار زونجلى إلى كارلشتادت في وصف لوثر بأنه بابا آخر. ومهما يكن من أمر فإننا يجب أن نلاحظ أن لوثر عاد إلى سابق شعوره بالتسامح في أخريات أيام حياته. ولقد نصح في آخر عظة له بالتخلي عن كل المحاولات للقضاء على الهرطقة عنوة
قصة الحضارة ج24 ص145، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> الهراطقة المتعصبون
 
النموذج التركي في التسامح والتعايش كان ظاهرا لهم
:"ورأى سباستيان فرانك أن هناك حرية في التعبير عن الرأي والعقيدة بين الأتراك أكثر مما يوجد في الولايات اللوثرية، وانضم ليوجد من أنصار زونجلى إلى كارلشتادت في وصف لوثر بأنه بابا آخر.
قصة الحضارة ج24 ص145، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> الهراطقة المتعصبون
 
في المانيا
همجية البروتستانتية وقتلهم للكاثوليك كما فعلت الكاثوليك بهم
-وقد قدما نصوص اخرى عن ماكان في هولندا وفرنسا واسبانيا وغيرها-
قال ديورانت:"وقد صارع مصلحون دينيون آخرون لوثراً، وفاقوه في مطاردة الهراطقة فقد حث بوسر الستراسبورجي السلطات المدنية في الولايات البروتستانتية على إبادة كل مَن يعتنق ديناً "زائفاً"، وقال: "إن مثل هؤلاء الناس أسوأ من القتلة، وأنه يجب القضاء حتى على زوجاتهم وأولادهم وماشيتهم"(63)، وقبل ميلانكتون، الرقيق الحاشية نسبياً، أن يرأس التفتيش العلماني الذي قمع حركة اللامعمدانيين في ألمانيا بالسجن أو الموت. وتساءل قائلاً: "لماذا نشفق على أمثال هؤلاء الناس أكثر من الله؟". ذلك لأنه كان مقتنعاً بأن الله قد قضى على كل اللامعمدانيين بعذاب جهنم(63). وأوصى باعتبار رفض تعميد الطفل، أو رفض الخطيئة الأصلية، أو عدم الأيمان بالوجود الحقيقي للمسيح في القربان المقدس، جرائم تستحق أن يعاقب عليها بالإعدام(64). وأصر على عقوبة الموت لكل طائفي يعتقد أن الكفرة قد يظفرون بالخلاص، أو لكل مَن يشك في أن الإيمان بأن المسيح يمكنه، باعتباره الذي كفّر عن خطايا البشر، أن يغير آثماً بفطرته إلى رجل من الأبرار(65). وهلل، كما سوف نرى، لإعدام سيرفيتوس. وطالب الحكومة بأن تجبر كل الناس على حضور الصلوات الدينية البروتستانتية بانتظام(66). وطالب بالقضاء على كل الكتب، التي تعارض أو تعوق انتشار التعاليم اللوثرية، وعلى هذا فإن كتابات زونجلى وأتباعه وضعت رسمياً في قائمة الكتب الممنوعة في فيتنبرج(67)، وبينما كان لوثر ينفي الكثالكة من المناطق التي يحكمها الأمراء اللوثريون، آثر ميلانكتون توقيع العقوبات البدنية، واتفق الاثنان في الرأي بأن السلطة المدنية مرتبطة بواجب نشر "شريعة الرب" ورفع شأنها. أي رفع شأن مذهب لوثر(68). ومهما يكن من أمر فإن لوثر أشار بأنه حيث توجد طائفتان في ولاية فإن الأقلية يجب أن تخضع للأغلبية: ففي إمارة تغلب عليها الكثلكة يجب على البروتستانت أن يخضعوا ويهاجروا، وفي مقاطعة ترجح فيها كفة البروتستانت يجب على الكثالكة أن يخضعوا ويرحلوا، وإذا قاوموا فإنهم يجب أن يعاقبوا بشدة(69).
وقبلت السلطات البروتستانتية، وهي في هذا قد حذت حذو السوابق الكاثوليكية، الالتزام بالحفاظ على المواءمة الدينية.
وأصدر مجلس المدينة في أوجسبورج (18 يناير سنة 1537)، مرسوماً يحرم العبادة الكاثوليكية ويقضي بنفي كل مَن لا يقبل اعتناق العقيدة الجديدة، بعد ثمانية أيام.
وبعد انقضاء هذه المهلة من العفو بعث المجلس بالجند كل الكنائس والأديرة، وأزيلت كل المذابح والتماثيل، وأقصي كل القساوسة والرهبان والراهبات. وأصدرت(70) فرانكفورت - الواقعة إلى الماين - قانوناً مماثلاً، وانتشرت موجة الاستيلاء على ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية، وتحريم إقامة الصلوات الكاثوليكية في الولايات التي يسيطر عليها البروتستانت(71)، وانتهج البروتستانت فرض رقابة على المطبوعات وكانت قد فرضت فعلاً في مناطق كاثوليكية، وعلى هذا أصدر جون الأمير المختار في ساكسونيا، بناء على طلب لوثر وميلانكتون، (عام 1528) منشوراً يحرم نشر أو بيع أو قراءة الأدب الزونجلي أو اللامعمداني، أو التبشير بعقائدهما أو تعليمهما وجاء فيه: "على كل مَن يعلم بحدوث شيء من هذا، أو قيام أي أحد بعمله، سواء أكان أجنبياً أو من المعارف، أن يبلغ إلى... الحكام في هذا المكان لكي يلقى القبض على الآثم ويعاقب في الوقت المناسب... وهؤلاء الذين يعلمون بارتكاب مخالفات لهذا الأمر... ولا يقومون بالإبلاغ عنها، يعاقبون بالإعدام أو مصادرة ممتلكاتهم"(72).
وتبنى البروتستانت سياسة الحرمان من غفران الكنيسة والرقابة أيضاً مقتدين في هذا بالكثالكة. وأعلن حزب أوجسبورج عام 1530 حق الكنيسة اللوثرية في حرمان كل عضو يرفض الاعتراف بعقيدة لوثرية أساسية(73) من غفران الكنيسة. وقال لوثر مفسراً: "على الرغم من أن الحرمان من غفران الكنيسة في البابوية قد أسيء استعماله بطريقة مخجلة، وجعل منه البابويون مجرد تعذيب للناس فإننا يجب أن نعاني منه حتى نكفر، ولكن يجب أن نحسن استخدامه كما أمر المسيح"(74).
قصة الحضارةج24 ص145-147، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> الهراطقة المتعصبون
 
كنموذج يمكن من خلاله معرفة كيف كانت تزحف العلمانية القديمة أو بالأحرى(اللادينية المقنعة أو المختلطة بالفكر الكنسي،لكنها تلك التي أخذت من الإسلام ورقعت!! ) والتي لم تتحرر من الايمان يومئذ بصورة كاملة، وكان ذلك يقع تحت عدة عوامل وظروف ومعارك مسيحية-مسيحية، وذلك بعد رؤية الإسلام في الحروب الصليبية والأندلس!!
كانت-هذه- البداية في غياب الإسلام طإسلام وكدين -بعد تشويه النبي في الفكر البيزنطي أولا ثم في الفكر الإستشراقي المتطور عن البيزنطي--غياب الإسلام عن الصورة التي حضر فيها -لا بالعقيدة فهذه كانت محجوبة إلا ماكان فيها نقد للفكر المسيحي وإثبات التوحيد !-بعلوم عقلية وعلمية ومنتجات ومبتكرات وطب وصيدلة وفلك وحدائثق ذات بهجة وغزل وحب وجنس وشوق للمرأة بإعتبارها أنثى مكرمة، لكن الإسلام كدين وعقيدة، ونبوة ووحي، وشريعة وحقيقة، كان محجوبا ومرفوضا مع انهم رأوا انه قدم لهم نموذج النظافة والحضارة، والتطوير والإنسانية.
وعموما فالنص التالي من كلام ديورانت يبين عملية التغيير البطيئة داخل العالم المسيحي المملوء حقدا على الإسلام.
قال ديورانت :"فقد كان المذهب الإنساني ردة وثنية إلى الثقافة الكلاسية، أما البروتستانتية فقد كانت عودة تتسم بالورع إلى أوغسطين الحزين، إلى المسيحية الأولى، بل إلى الدين اليهودي في العهد القديم، وتجدد النضال بين الهلينية والعبرية. وكان علماء الإنسانيات قد أحرزوا تقدماً ملحوظاً داخل حظيرة الكاثوليك وقبضوا على زمام البابوية في شخص نيكولاس الخامس وليو العاشر، ولم يتسامح معهم البابوات فحسب، بل إنهم أسبغوا عليهم حمايتهم، وعاونوهم على استرداد الكنوز الضائعة من الأدب والفن الكلاسيين، وكل هذا على أساس الفهم الضمني بأن كتاباتهم سوف توجه، فرضاً باللاتينية، إلى الطبقات المتعلمة، ولن تهدم العقيدة الكاثوليكية عند الناس... ولم يستسيغوا اللاهوت وأصبحت السماء والجحيم أساطير بالنسبة إليهم، وأقل حقيقة من ميثولوجيا اليونان وروما. ورأوا أن البروتستانتية خيانة لعصر النهضة، وأنها كانت تستعيد كل المذاهب الفوق الطبيعية واللاعقلية والشيطانية التي رانت بالظلام على عقلية القرون الوسطى، وقد شعروا بأن هذا لم يكن تقدماً، بل رجعية... كان إخضاعاً من جديد للعقل المتحرر لسيطرة الأساطير البدائية للسوقة. واستاءوا من طعن لوثر للعقل ومن تمجيده للعقيدة كما كان يعرفها البطارقة أو الحكام من البروتستانت. وماذا بقي للإنسان من تلك الكرامة التي كان بيكوديلا ميراندولا قد وصفها بمثل هذا النبل، إذا كان كل شيء حدث على ظهر الأرض - كل بطولة وكل تضحية، وكل تقدم في أدب السلوك الإنساني يستحق الذكر - مجرد عمل آلي، قام به أناس عاجزون تافهون، لتحقيق ما سبق في علم الله، وتنفيذ أوامره التي لا نعرفها؟.
وليس من شك في أن علماء الإنسانيات الذين افتقدوا الكنيسة، وإن كانوا لم يتركوها قط - وينفي لينج وبياتوس رينانوس وتوماس مورنر وسيباستيان برانت - قد سارعوا وقتذاك إلى الإعراب عن ولائهم.
وابتعد عن لوثر كثير من علماء الإنسانيان الذين هللوا لصورة لوثر الأولى باعتبارها إصلاحاً شاملاً لظلم مخجل، وذلك كلما تشكل اللاهوت والجدل الديني للبروتستانت. وها هو فيليبالد بيركهايمر وهو هليني وسياسي، كان قد أيد لوثر علناً، حتى أنه حرم من غفران الكنيسة في المسودة الأولى للمنشور Exsurge Domine راعه عنف كلام لوثر وقطع صلته بالثورة، وفي عام 1529 وبينما كان لا يزال ينتقد الكنيسة كتب يقول:
"لا أنكر أن كل أعمال لوثر لم تبد عبثاً في مبدأ الأمر، مادام لا يوجد رجل صالح يستطيع أن يرضى عن كل تلك الأخطاء والضلالات التي تراكمت، تدريجياً في المسيحية. وعلى هذا فإني كنت أرجو أنا وآخرون أن يستخدم دواء ما لمثل هذه الآفات العظيمة، ولكني كوفئت بخديعة قاسية، لأنه قبل استئصال شأفة الأخطاء الآنفة الذكر، تسللت أخطاء لا تغتفر أشد جسامة، إذا قورنت بها الأولى، فإنها تبدو من قبيل عبد الأطفال... لقد وصلت الأمور إلى معبر دفع الأفاقين الإنجيليين إلى إظهار زملائهم البابويين، وهم يرتدون مسوح الفضيلة... ولابد أن لوثر
بلسانه اللاذع، الذي لا يعرف الخجل، قد انزلق إلى الخبل أو استلهم الشيطان"(75).
ووافق موتيانوس على هذا وكان قد حيى لوثر ووصفه بأنه "نجم الصباح في فيتنبرج" وسرعان ما شكا من أن لوثر "تعتريه لوثة مجنون"(76) أما كروتوس روبيانوس، الذي كان قد مهد الطريق للوثر بـ "خطابات من أناس مغمورين" فإنه فر عائداً إلى حظيرة الكنيسة عام 1521. وأرسل رويخلين إلى لوثر خطاباً رقيقاً، ومنع إيك من إحراق كتب لوثر في أنجولشتادت، ولكنه ندد بابن أخيه ميلانكتون، لأنه تبنى اللاهوت اللوثري ومات بين ذراعي الكنيسة. وأما جوهانس دوبينيك كوكلايوس فقد ناصر لوثر في مبدأ الأمر، ثم انقلب عليه في عام 1522، وبعث له برسالة أنبه فيها قائلاً.
"هل تظن أننا نريد العفو أو الدفاع عن آثام رجال الدين وشرهم؟ نسأل الله النجاة؟ إننا لنفضل أن نستأصل شأفتهم، مادام هذا يمكن أن يتم بطريقة مشروعة... ولكن المسيح لا يعلمنا مثل هذه الطرق التي تعمل بها على تلك الصورة المؤذية مع خصم المسيح" و"مواخير" و "أعشاش الشيطان" و "بالوعات" وألفاظ سب أخرى لم يسمع بها أحد من قبل فما بالك بالتهديدات بالضرب بالسيف وسفك الدماء والقتل يا لوثر! إن المسيح لم يعلمك قط هذه الطريقة في العمل"(77).
ولعل علماء الإنسانيات في ألمانيا قد نسوا بذاءة أسلافهم الإيطاليين - فيليلفو وبوجيو وكثيرين غيرهما - تلك البذاءة جعلت لوثر يسارع بأن يشرع قلمه المتمرد العنيد. ولكن أسلوب لوثر في العراك لم يكن إلا سطحاً لاتهامهم. ولاحظوا - كما لاحظ لوثر - فساد الأخلاق والسلوك في ألمانيا، وعزوا ذلك إلى تفكك السلطة الكهنوتية وإسقاط اللوثريين "للأعمال الصالحات"، باعتبارها مبرراً للخلاص. وساءهم انتقاص البروتستانت للتعليم ومساواة كارلشتادت بين العلامة التحرير وبين الفلاح، وتهون لوثر من شأن التضلع في العلم والحصافة، وأعرب أرازموس عن الرأي العام لعلماء الإنسانيات. وهنا سلم ميلانكتون(78) بهذا الرأي في حزن - وهو يذهب إلى أنه حيث تنتصر اللوثرية ينحط شأن الآداب (أي التعليم والأدب)(79). ودفع البروتستانت هذه التهمة بقولهم إن هذا يرجع إلى أن التعليم بالنسبة لعالم الإنسانيات يعني، أولاً وقبل كل شيء، دراسة الكلاسيات الوثنية والتاريخ الوثني. وشغلت الكتب والمجلات في المجادلات الدينية الذهن والمطابع في ألمانيا وسويسرة مدة جيل بأسره، حتى فقد كل شيء آخر من أشكال الأدب (غير الهجو) تقريباً جمهوره. ووجدت دور النشر مثل دار فروبن للنشر في بازيل والاطلانسي في فيينا عددا قليلاً من المشترين للمؤلفات العلمية التي أصدرتها وكلفتها غالياً، حتى أشرفت على الإفلاس(80) وحجب تعصب المنافسين النهضة الألمانية الفتية، ووصل مسار مسيحية عصر النهضة نحو التوفيق بينها وبين الوثنية إلى نهايته. وظل بعض علما الإنسانيات مثل أيوبان هيس وأورلريخ فون هوتن مخلصين للإصلاح الديني، وانتقل هس من موقع إلى موقع معاد إلى ارفورت ليجد أن الجامعة قد هجرها روادها. ومات وهو يقرض الشعر في مابورج (1540) وهرب هوتن، بعد سقوط سيكنجن، إلى سويسرة، ولجأ إلى السرقة للحصول على طعامه، وهو في الطريق(81)، وبحث عن ارازموس في بازيل (1522)، وهو يعاني من المرض والخصاصة، على الرغم من أنه كان قد دمغ علناً عالم الإنسانيات بأنه جبان، لأنه لم ينضم إلى المصلحين الدينيين(82). ورفض أرازموس أن يراه وزعم أن موقده لا يصلح لتدفئة عظام هوتن
قصة الحضارةج24 ص148-151،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> العلماء الإنسانيون والإصلاح الديني
 
رأي ديورانت في لوثر
"لقد كان لوثر رجل عمل أساساً. وكانت أفكاره قرارات وكتبه أفعالاً. وكان تفكيره في مضمونه لا يختلف عن تفكير رجال القرون الوسطى الأولى، ولكنه في النتيجة يشبه تفكير المحدثين الأوائل، ولقد عاونت شجاعته وحسمه للأمور القومية أكثر من لاهوته على تأصيل العصر الحديث. وكان لوثر يتحدث بلهجة ألمانية قوية، تنبض بالرجولة إلى الشعب الألماني، فأثار أمّةً ودفعها إلى القضاء على سلطة دولية
قصة الحضارة ج24 ص152-153، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> أرازموس وحاشية على أرائه
 
أرازموس الإنساني(المذهب)
وانظر عقل ديورانت وقوله(قطر الاستنارة العقلية، من الفئة القليلة المتفقهة، إلى الكثرة الغالية)
:"وفي الوقت الذي جاوزت فيه ثورة لوثر مرحلة نقد بيع صكوك الغفران إلى رفض الاعتراف بالبابوية والمجالس الدينية، تردد أرازموس، فقد كان يأمل أن تتقدم عجلة إصلاح الكنيسة بالالتجاء إلى الإرادة الواعية للبابا ذي النزعة الإنسانية. كان لا يزال يجل الكنيسة باعتبارها (خيل إليه هذا) مؤسسة للنظام الاجتماعي والأخلاق الفردية لا بديل عنها، وعلى الرغم من اعتقاده أن لاهوت المحافظين قضى عليه ما تخلله من لغو، فإنه كان لا يثق بحكمة الإفتاء الفردي أو الشعبي لتطوير شعيرة أو عقيدة أكثر نفعاً، ذلك أن رجاحة العقل لا تتأتى إلا عن طريق تقطر الاستنارة العقلية، من الفئة القليلة المتفقهة، إلى الكثرة الغالية
قصة الحضارةج24 ص154، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> أرازموس وحاشية على أرائه
 
تمعن!
لوثر وأرازموس
:"وقد جعل لوثر من الصعب على أرازموس أن يتشفع له لأن لهجة خطبه كانت تزداد عنفاً كل شهر، إلى أن دعا في يوليو عام 1520 قراءه إلى أن يغسلوا أيديهم في دماء الأساقفة والكرادلة، وعندما وصل نبأ إحراق لوثر علناً لمنشور البابا الذي يقضي بحرمانه من غفران الكنيسة، أقر أرازموس بأنه صدم لهذا النبأ. وفي الخامس عشر من يناير عام 1521 بعث إليه البابا برسالة أعرب فيها عن سروره بولائه، وفي الوقت نفسه أرسل ليو تعليماته إلى إلياندر بمعاملة عالم الإنسانيات بكل لطف. وعندما اقترب موعد انعقاد المجلس النيابي في ورمس، طلب أمير ألماني من أرازموس أن يخف لمعاونة لوثر، ولكنه رد بأن الأوان قد فات. وأسف لرفض لوثر الامتثال، إذ كان يعتقد أن هذا الامتثال سوف يؤدي إلى الإسراع بحركة الإصلاح الديني، أما الآن فإنه يخشى قيام حرب أهلية. وفي فبراير عام 1521 كتب إلى أحد أصدقائه: "إن كل إنسان أقر بأن الكنيسة قد عانت من نير طغيان بعض الناس، وكثيرون كانوا يسألون النصيحة لعلاج هذه الحالة الراهنة. والآن وقد هب هذا الرجل ليعالج الأمر على هذا النحو... لم يجرؤ أحد على أن يدافع حتى عما أجاد التعبير عنه. وقد حذرته منذ ست شهور خلت أن يحترس من الكراهية. وقد نفرت رسالته "الأسر البابيلوني" منه الكثيرين، وهو يعرض لنا كل يوم أشياء فظيعة(93).
وقد تخلى لوثر وقتذاك عن كل أمل في مساندة أرازموس، وأسقطه من حسابه باعتباره داعية للسلام جباناً "يعتقد أن كل شيء يمكن أن يتم بالتهذيب والعطف"
قصة الحضارة ج24 ص159ن الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> أرازموس وحاشية على أرائه)
لكن لايفهم هذا النص بغير فهم كامل ابعاد الموضوع
:"وعاش أرازموس الجانب الأكبر من حياته وقتذاك في لوفان، وأسهم في تأسيس Collegium Trilingue قي الجامعة، بكراسي أستاذية في اللاتينية واليونانية والعبرية، وفي عام 1519 منحه شارل الخامس معاشاً، فاشترط أرازموس لقبوله أن يحتفظ باستقلاله جسداً وعقلاً، ولكنه إذا كان بشراً، فإن هذا المعاش، مضافاً إليه ما كان يتلقاه من كبير أساقفة وارهام ولورد ماونتجوي، قد قام بدور ما في صياغة موقفه نحو الإصلاح الديني.
وفي الوقت الذي جاوزت فيه ثورة لوثر مرحلة نقد بيع صكوك الغفران إلى رفض الاعتراف بالبابوية والمجالس الدينية، تردد أرازموس، فقد كان يأمل أن تتقدم عجلة إصلاح الكنيسة بالالتجاء إلى الإرادة الواعية للبابا ذي النزعة الإنسانية. كان لا يزال يجل الكنيسة باعتبارها (خيل إليه هذا) مؤسسة للنظام الاجتماعي والأخلاق الفردية لا بديل عنها، وعلى الرغم من اعتقاده أن لاهوت المحافظين قضى عليه ما تخلله من لغو، فإنه كان لا يثق بحكمة الإفتاء الفردي أو الشعبي لتطوير شعيرة أو عقيدة أكثر نفعاً، ذلك أن رجاحة العقل لا تتأتى إلا عن طريق تقطر الاستنارة العقلية، من الفئة القليلة المتفقهة، إلى الكثرة الغالية. وأقر بأنه كان له دور في تمهيد الطريق أمام لوثر، فقد كانت رسالته "الثناء على الطيش"، التي كان يتداولها وقتذاك الآلاف من القراء في أرجاء أوروبا، تسخر من الرهبان والمشتغلين باللاهوت، وتشدد من لذع خطابات لوثر المقذعة الجافية، وعندما اتهمه الرهبان المشتغلون باللاهوت بأنه وضع البيضة التي فقست تحت لوثر، رد عليهم في تأفف: "نعم ولكن البيضة التي وضعتها خرجت منها دجاجة، أما البيضة التي فقسها لوثر فقد خرج منها ديك من ديوك المصارعة"(87). ولقد قرأ لوثر نفسه رسالة "الثناء على الطيش" كما قرأ تقريباً غيرها من كل ما نشره أرازموس، وقال لأصدقائه إنه إنما يقوم بصياغة مباشرة لما قاله عالم الإنسانيات الشهير، أو ما ألمح إليه منذ سنوات عديدة مضت، وكتب في 18 مارس عام 1519 إلى أرازموس في تواضع واحترام ينشد صداقته وعونه ضمناً.
وكان على أرازموس وقتذاك أن يتخذ قراراً حاسماً في حياته. وكان في مأزق بين أمرين أحلاهما مر. إذا تخلى عن لوثر فسوف يوسم بالجبن، وإذا اشترك مع لوثر في عدم الاعتراف بالكنيسة الرومانية فإنه لن يخسر فحسب بل ثلاثة مرتبات، ويفقد ما أسبغه عليه ليو العاشر من حماية ضد المشتغلين باللاهوت، الذين يعملون للحيلولة دون نشر العلم، وسيجد نفسه مضطراً إلى التخلي عن خطئه واستراتيجيته بشأن إصلاح الكنيسة عن طريق تحسين العقول والأخلاقيات في الرجال دوي النفوذ. وكان قد أحرز (كما اعتقد) تقدماً حقيقياً في هذا المجال مع البابا ورئيس الأساقفة وارهام والأسقف فيشر ونائب الأسقف كوليه وتوماس مور وفرانسس الأول وشارل الخامس، ولم يرض هؤلاء الرجال بالتأكيد أن يتخلوا عن الكنيسة. حقاً إنهم كانوا على استعداد لأن يحجموا عن تقويض نظام كان في نظرهم مرتبطاً بطريقة مبهمة مع حكومة الأمراء في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي، ولكن يمكن تجنيدهم في حملة لتخفيف الخزعبلات والأهوال في عقيدة راجحة الكفة، وفي تطهير رجال الدين وتعليمهم، وفي السيطرة على الرهبان وإخضاعهم للتبعية، وفي حماية حرية الفكر من أجل تقدم العقل. إن تغيير ذلك البرنامج بانقسام العالم المسيحي انقساماً شديداً إلى شطرين متحاربين، وبلاهوت، يأخذ بالقدرية وبعدم أهمية الأعمال الصالحات، سوف يبدو في نطر هؤلاء الرجال، بل وبدا لأرازموس، الطريق إلى الجنون. وكان يراوده الأمل في استعادة السلام إذا خفضت كل الأطراف أصواتها، وأشار في فبراير عام 1519 على فروبين ألا ينشر المزيد من مؤلفات لوثر، لأنها تفيض بالعبارات الملتهبة...وأخيراً (30 مايو) رد على لوثر، وقال: ...وأما بالنسبة لي فإني أشغل نفسي بالأدب، وأنا أقصر عليه جهودي بقدر الإمكان، وأتحاشى الخلافات الأخرى، ولكني بصفة عامة أعتقد أن اللطف مع الخصوم أشد تأثيراً من معاملتهم بالعنف... ولعل من الحكمة أن تندد بهؤلاء الذين يسيئون استخدام سلطة البابا بدلاً من أن تحصى أخطاء البابا نفسه. وهذا ما يجب عمله مع الملوك والأمراء. والأنظمة القديمة لا يمكن انتزاعها من جذورها في لحظة. والمناقشة الهادئة قد تفيد أكثر مما تفعل الإدانة الجماعية، تجنب كل مظهر من مظاهر الشغب. واحتفظ ببرود أعصابك ولا تستسلم للغضب. لا تكره أحداً. لا تفرح بالضجة التي أثرتها. لقد اطلعت على كتابك "تعليق على المزامير" وسررت به كثيراً...وعلى الرغم من هذا الاحتياط في المواجهة بين الضدين، فإن المشتغلين باللاهوت في لوفان استمروا في مهاجمة أرازموس، باعتباره منبع الفيضان اللوثري. ووصل إلياندر في الثامن من أكتوبر عام 1520، وعلق النشرة البابوية التي تنص على حرمان لوثر من غفران الكنيسة، وسجل أن أرازموس يعد محرضاً سرياً على الثورة. وقبل العلماء النحارير زعامة إلياندر وأقصوا أرازموس من كلية لوفان (9 أكتوبر عام 1520)، فانتقل إلى كولون، وهناك كما رأينا، دافع عن لوثر في مداولة مع فردريك صاحب ساكسونيا (5 نوفمبر)، وفي الخامس من ديسمبر أرسل إلى الأمير المختار بياناً عرف باسم Axiomata Erasmi جاء فيه إن التماس لوثر أن يحاكم أمام قضاة لا يعرفون التحيز طلب معقول، وأن الصالحين من الناس والمحبين للإنجيل هم هؤلاء الذين كانت إساءتهم للوثر أقل من غيرهم، وأن الناس يتعطشون إلى معرفة الحقيقة الإنجيلية، (أي الحقيقة التي تعتمد إلى الإنجيل فحسب) وأنه لا يمكن قمع(91) مثل هذا المزاج الذي انتشر انتشاراً واسعاً. ودبج بمعاونة جوهان فابر الدومينيكي عريضة إلى شارل الخامس، طالباً فيها أن يقوم شارل وهنري الثامن ولويس الثاني ملك هنغاريا بتعيين محكمة محايدة للفصل في قضية لوثر. وحث في رسالة بعث بها إلى الكادينال كامبيجيو (6 ديسمبر) على توفير العدالة للوثر، وقال: "لقد أدركت أنه كلما كان الإنسان صالحاً كان أقل عداء للوثر... إن بضعة أشخاص فقط كانوا يصخبون في وجهه، خوفاً من أن يجردهم مما في جيوبهم... ولم يرد عليه أحد بعد أو يعدد أخطاءه... فكيف يحدث هذا في الوقت الذي يوجد
فيه أشخاص يزعمون أنهم أساقفة... وأخلاقهم كريمة... وهل من الصواب أن تضطهد رجلاً مثل هذا، لا تشوب أخلاقه شائبة، وليس في حياته ما يشينه، ووجد أشخاص من الصفوة في كتاباته الكثير مما يستحق الإعجاب؟ لقد كان الهدف ببساطة القضاء عليه وعلى كتبه، ليضيع في غمرات النسيان، وهذا لا يتحقق إلا إذا ثبت أنه على خطأ... إذا كنا ننشد الحقيقة، فإن كل امرئ يجب أن يكون حراً في أن يقول ما يراه دون خوف أو وجل. وإذا كوفئ المدافعون عن وجهة نظر أحد الطرفين يوضع تيجان الأساقفة على رؤوسهم، وجوزي المدافعون عن وجهة نظر الخصوم بالشنق أو بوضعهم فوق الخوازيق فإن الحقيقة لن تسمع أبداً... ولا يمكن أن يكون هناك شيء يبعث على النفور ويبعد عن الحكمة أكثر من نشرة البابا... إنها تخالف طبيعة البابا ليو العاشر، وأرى أن الذين أرسلوا لنشرها فحسب قد جعلوا الأمور تنقلب إلى أسوأ. ومهما يكن من شيء فإنه من الخطر أن يعارض الأمراء الزمنيون البابوية، أنا لست على استعداد لأن أكون أكثر شجاعة من الأمراء، وبخاصة عندما لا أستطيع أن أفعل شيئاً. ولعل فساد الحاشية الرومانية يجعلها في حاجة إلى إصلاح شامل وعاجل، ولكني أنا وأمثالي لا يطلب منا اتخاذ إجراء مثل هذا على عاتقهم، وأنا أرى أن تبقى الأمور على ما هي عليه، وأفضل أن أرى الأشياء على ما هي عليه على نشوب الثورة، قد تؤدي إلى نتيجة لا تحمد عقباها... ويمكنك أن تطمئن إلى أن أرازموس كان، وسوف يظل دائما، من الرعايا المخلصين لكرسي البابوية الروماني، وإن كنت أعتقد، ويعتقد كثيرون مثلي، أنه ستتاح فرصة أحسن لتسوية ما إذا قل الالتجاء إلى العنف، وإذا وضعت مقاليد الإدارة في أيدي رجال لهم وزن وعلى حظ من التعليم، وإذا تصرف البابا بوحي من ضميره، ولم يتأثر بآراء الآخرين"(قصة الحضارة ج23 ص154-158، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> أرازموس وحاشية على أرائه
 
المصلح والراهب كلاهما في ضلال مبين (أرازموس مات(12 يونيه 1536)-الرهبان)
:"واستمر أرازموس حتى في هذه المرحلة، يبذل جهوده في سبيل السلام...ومهما يكن من أمر فإنه دافع عام 1533 عن سجن الهراطقة، الذي دعى إليه توماس مور(104)، متأثراً بالصداقة أو الشيخوخة، أما في أسبانيا حيث أصبح بعض علماء الإنسانيات من مؤيدي أرازموس فقد بدأ رهبان محكمة التفتيش يفحصون أقوال أرازموس فحصاً منسقاً مستهدفين إدانته باعتباره هرطيقاً (1527). ومع ذلك فإنه استمر في نقده لفجور الرهبان والجمود اللاهوتي، باعتبارهما الحافزين الرئيسيين إلى الإصلاح الديني. وكرر عام 1528 الاتهام بأن كثيراً من الأديرة التي تضم الرهبان والراهبات "بيوت عامة للدعارة" وأن "آخر ما يوجد من فضائل في أديرة كثيرة إنما هي فضيلة العفة"(105). وأدان في عام 1532 الرهبان، باعتبارهم متسولين يسألون بإلحاح، ومضللين يغوون النساء، وصيادين ينطلقون في إثر الهراطقة، ومتصيدين للتركات ومزيفين للشهادات(106). وكان يؤيد كل شيء لإصلاح الكنيسة بينما كان يستهجن الإصلاح الديني. ولم يستطع أن يروض نفسه على التخلي عن الكنيسة، أو أن يراها مشطورة إلى نصفين، وقال: "إني أتحمل الكنيسة إلى اليوم الذي أرى فيه كنيسة أفضل"(107).
وارتاع عندما سمع بنبأ نهب روما على يد فرق بروتستانتية وكاثوليكية تعمل في خدمة الإمبراطور (1527). وكان قد راوده الأمل في أن شارل سوف يشجع كليمنت على أن يتصالح مع لوثر، ولكن البابا والإمبراطور كانا وقتذاك يمسك كل منهما بتلابيب الآخر. وأصيب بصدمة أكبر عندما دمر المصلحون الدينيون، في ثورة، التماثيل في الكنائس (1529)، مع أنه كان قبل ذلك بعام واحد فقط قد ندد بعبادة التماثيل وقال: "يجب أن يعلم الناس أن هذه ليست غلا رموزاً، ومن الخير ألا يكون هناك شيء منها على الاطلاق، وأن توجه الصلاة للمسيح وحده. ولكن ليكن رائدنا الاعتدال في جميع الأمور"(108). وهذا بالضبط موقف لوثر من الموضوع نفسه. ولكنه رأى أن التجريد الأهوج الغبي للكنائس من التماثيل رجعية همجية، تتسم بضيق الأفق. وغادر بازيل، وانتقل منها إلى فرايبورج - الواقعة على نهر برايسجاو، في أرض نمساوية كاثوليكية فاستقبلته سلطات المدينة بالترحيب والتكريم، ومنحته قصر ماكسمليان الأول الذي لم يتم، ليقيم فيه. وعندما لم يصله المرتب، الذي خصصه له الإمبراطور بانتظام أرسل إليه آل فوجر كل ما احتاج إليه من أموال، بيد أن رهبان فرايبورج وعلماء اللاهوت فيها هاجموه باعتباره من معتنقي مذهب الشك في الخفاء، والسبب الحقيقي لما حدث في ألمانيا من فتنة.
وعاد إلى بازيل عام 1535 فخرج إليه وفد من أساتذة الجامعة مرحبين بعودته، وخصص له جيروم فروبن ابن جوهان غرفاً في منزله.
وكان وقتذاك قد بلغ التاسعة والستين، بوجه هزيل تغضن بفعل السنين وكان يعاني
من القروح والإسهال وداء النقرس والحصوة ونزلات البرد المتكررة... لاحظ اليدين المتورمتين في رسم ديرر. وحبس نفسه، في سنواته الأخيرة، في حجراته، وكثيراً ما كان يلازم الفراش. وأضناه الألم، وفقد بسمته الجميلة المألوفة، التي كانت تحببه إلى أصدقائه، وأصبح دائم العبوس، وهو يكاد يسمع كل يوم عن هجمات جديدة يوجهها إليه البروتستانت والكثالكة. ومع ذلك فقد كانت ترد إليه يومياً تقريباً رسائل، تفيض بالإخلاص والاحترام، من ملوك أو بطاركة أو سياسيين أو علماء أو ماليين، وكان مسكنه كعبة يحج إليها الأدباء. وأصيب في السادس من يونية عام 1536 بدوزنتاريا حادة، وعرف أنه سوف يموت وشيكاً، ولكنه لم يطلب قسيساً أو كاهناً يعترف له ومات (12 يونيه)،دون أن تجرى له الطقوس الدينية، التي فرضتها الكنيسة، وأخذ يكرر مبتهلاً اسمي مريم والمسيح. وشيعته بازيل في جنازة تليق بأحد الأمراء، ودفن في مقبرة بالكاتدرائية. واشترك علماء الإنسانيات وأسقف المدينة في إقامة لوح حجري فوق جثمانه، ولا يوال هذا اللوح في مكانه، وقد أشادوا فيه بما اتصف به من "سعة علم لا تضارع في كل فرع من فروع المعرفة"
قصة الحضارة ج24 ص166-168، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر وأرازموس -> أرازموس وحاشية على أرائه
-
بقية النص"ويتذبذب موقفه في الأجيال القادمة مع تذبذب هيبة عصر النهضة، فكل الطوائف تقريباً وصفته بأنه مذبذب جبان، وذلك في حماسة الثورة الدينية، واتهمه أنصار الإصلاح الديني بأنه قادهم إلى حافة الهاوية، وأغراهم بأن يقفزوا ثم لاذ بالفرار. ووصف في مجلس مدينة ترنت بأنه هرطيق فاسق، وحرمت مؤلفاته على الفقراء الكاثوليك. وفي أواخر عام 1758 وصفه هوراس والبول بأنه "طفيلي متسول لديه من الشمائل ما يكفي لأن يتوصل إلى الحقيقة، ولكنه يفتقر إلى الشجاعة لكي يعترف بها"(109).وفي أواخر القرن التاسع عشر، عندما انقشع دخان المعركة، أسف مؤرخ بروتستانتي صائب الرأي على مفهوم أرازموس عن الإصلاح الديني، وقال: "مفهوم لعالم... سرعان ما أوقف وطرح جانباً بوسائل فظة خشنة. ومع ذلك يحق لنا أن نتساءل أما كانت، بعد كل شيء، الطريقة البطيئة هي في النهاية أكثر الطرق أمناً، وهل كان أي عامل من عوامل تقدم الإنسانية يمكن أن يكون بديلاً للثقافة على الدوام. لقد كان الإصلاح الديني في القرن السادس عشر من عمل لوثر، ولكن إذا ظهر في الأفق أي إصلاح ديني جديد... فإنه لا يمكن أن ينهض إلا على أساس مبادئ أرازموس"(110). ويضيف مؤرخ كاثوليكي تقديراً يكاد يكون مطابقاً لمقتضيات العقل: "إن أرازموس كان ينتمي فكرياً إلى عصر لاحق علمي وعقلاني أكثر من عصره. والعمل الذي قد بدأ به والذي أوقفته الاضطرابات التي حدثت في عهد الإصلاح الديني استأنفه علماء القرن السابع عشر في وقت لاقى فيه قبولاً أكثر"(111)، وكان لابد أن يكون لوثر، ولكن عندما قام بعمله، وهدأت سورة الانفعال، حاول الناس مرة أخرى أن يتشبثوا بروح أرازموس وروح النهضة، وأن يجددوا، في صبر وتسامح متبادل، الجهد الطويل البطيء لتنوير أذهان الناس.
 
تقدم الاسلام وتقدم البروتستانتية في القرن السادس عشر
كلنا نسمع عن مساهمة البروتستانتية في الروح الرأسمالية وفي هذا النص نرى أبعاد هذا الأمر ومعاركه الفكرية والمادية ، وسعي الشعوب نحو التحرر من ضيق الدنيا وضيق الحياة والحرية وكانوا مسلوبين تماما لامبراطور غاشم وبابا ظالم ..وأنا أرى في الحقيقة أن الإسلام لم تكن أمامه تلك العوائق لا في تدفق الأموال وتداولها ولا في شأن الدولة لأنه لم تكن عندنا تلك الظروف الكئيبة التي تعرضها النصوص من سيطرة الباباوية بالحديد والنار مع الملوك الزمنيين على أموال الناس وحرياتهم
قال ديورانت
:"التقدم البروتستانتي
1525 - 1530 أي تحالف بين القوى والظروف مكن للبروتستانتية الوليدة من أن تعيش في مواجهة عداء البابوية والإمبراطوريّة؟ إن الورع الصوفي والدراسات الإنجيلية والإصلاح الديني والتطور الفكري وجرأة لوثر لم تكن كافية، فقد كان من الممكن أن يصرف عنها النظر أو تتم السيطرة عليها. ولعل العوامل الاقتصادية هي التي كانت حاسمة: الرغبة في الحفاظ على الثورة في ألمانيا، والرغبة في تحرير ألمانيا من السيطرة البابوية والاستبداد الإيطالي، وتحويل أملاك الكنيسة بحيث تستخدم للوفاء بالأغراض الدنيوية، ودرء الاعتداءات الإمبراطوريّة إلى السلطة الإقليمية والقضائية والمالية للأمراء والمُدن والحكومات. أضف إلى هذا بعض الظروف السياسية التي سمحت بنجاح البروتستانت، فبعد أن فتحت الإمبراطوريّة العثمانية القسطنطينية ومصر، أخذت في مد رقعتها بدرجة خطرة في بلاد البلقان وأفريقيا. وابتلعت نصف هنغاريا، وحاصرت فيينا، وهددت بإغلاق البحر الأبيض المتوسط في وجه تجارة العالم المسيحي، وأصبح شارل الخامس والأرشيدوق فرديناند في حاجة ماسة إلى توحيد ألمانيا والنمسا - أموالاً ورجالاً من البروتستانت والكاثوليك على السواء - لمقاومي هذا التهديد الاسلامي، الذي يوشك أن يكتسح أمامه كل شيء. وكان الإمبراطور عادة مشغولاً بشئون أسبانيا أو الفلاندرز أو إيطاليا، أو منهمكاً في صراع مميت مع فرانسس الأول ملك فرنسا، ولم يكن لديه متسع من الوقت أو فائض من الأموال لشن حرب أهلية في ألمانيا. واتفق في الرأي مع أرازموس، الذي كان يحصل منه على معاش، في أن الكنيسة في حاجة ماسة إلى الإصلاح، وكان في فترات متقطعة على خلاف مع كليمنت السابع وبول الثالث، حتى فيما يختص بالسماح لجيشه بنهب روما. ولم يستطع الإمبراطور والبابا محاربة الثورة الدينية باقتدار، إلا عندما أصبحا صديقين.
أن ما أن حل عام 1527 حتى كانت "الهرطقة اللوثرية" قد أصبحت مذهباً للمحافظين في نصف ألمانيا، ووجدت المُدن أن البروتستانتية تعود عليها بالفائدة وقال ميلانكتون في أسى "إنهم لا يبالون، ولو قليلاً، بالدين، وهم لا يتطلعون إلا إلى وضع الأملاك بين أيديهم، وأن يتحرروا من أشراف الأساقفة"(1). ونجوا بتغيير طفيف للمسوح الدينية من الضرائب والمحاكم. واستطاعوا أن ينزعوا أجزاء لا بأس بها من أملاك الكنيسة(2)، ومع ذلك يبدو أن رغبة صادقة في دين يتميز بالبساطة والإخلاص، قد أثارت الكثير من المواطنين. ففي ماجديبرج اجتمع عدد من أعضاء أبرشية سانت أولريخ في فناء الكنيسة، واختاروا ثمانية رجال، ولكي ينتخبوا بدورهم الواعظ، وليديروا شئون الكنيسة (1524) وسرعان ما كانت كل الكنائس في المدينة تناول العشاء الرباني بالطريقة اللوثرية. وكانت أوجسبورج شديدة الحماسة للبروتستانتية، إلى حد أن العامة لقبوا كامبيجيو، عندما وصل هناك بصفته قاصداً رسولياً للبابا، بأنه خصم للمسيح (1524). وتقبل معظم أهالي ستراسبورج اللاهوت الجديد من ولفجانج فابريسيوس كابيتو (1523)
قصة الحضارة ج24 ص170-171، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> التقدم البروتستانتي
 
اضطهاد الامراء البروتستانت لرهبان الكاثوليكية ايام لوثر وبعدها قبيل منتصف القرن السادس عشر 1525 م ومابعدها
:"فإن الأمراء اللوثريين اضطهدوا كل الأديرة الواقعة في أقاليمهم، ولم يستثنوا إلا قلة كان نزلاؤها قد اعتنقوا العقيدة البورتستانتية، ووافق الأمراء على أن يتقاسموا الأملاك المصادرة والدخول مع النبلاء والمُدن وبعض الجامعات
قصة الحضارة ج24 ص173، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> التقدم البروتستانتي
 
ثورة من اجل الزواج ايضا والا فهي محظية!
اللوثريون البروتستانت ولماذا ثاروا على الكاثوليك(سبب من الأسباب، الزواج)
:"وأخذ التحول العظيم يسير قدماً إلى الأمام للخير أو للشر، لأغراض روحية أو مادية، واعتنقت مقاطعات بأكملها - أيست فريزلاند وسيليزيا وشليزفيج وهولستين - البروتستانتية بالإجماع تقريباً، ولا شيء يمكن أن يوضح مدى ما وصلت إليه الكاثوليكية المحتضرة خير من هذا. وحيثما بقي القساوسة استمروا في تأييدهم لاتخاذ حظايا(4)، ورفعوا عقائرهم بالصياح، مطالبين بالسماح لهم بالزواج الشرعي، كما يفعل رجال الدين من أتباع لوثر(5). وأبلغ الأرشيدوق فرديناند البابا بأن الرغبة في الزواج تكاد تكون عامة بين رجال الدين الكثالكة من غير الرهبان، وأنه لا يكاد يوجد واحد من بين كل مائة من القسس لم يتزوج علناً أو سراً. وتوسل الأمراء الكاثوليك للبابا وأبلغوه أن إلغاء العزوبة المفروضة على رجال الدين قد أصبحت ضرورة أخلاقية(6). وشكا كاثوليكي مخلص (1524) من أن الأساقفة استمروا في إقامة الولائم الفخمة(7)، على الرغم من أن الثورة كانت تطرق أبوابهم. وكتب مؤرخ كاثوليكي، وهو يتحدث عن ألبرخت كبير أساقفة ماينز، يصف "الشقق الفاخرة الأثاث التي استغلها هذا الأمير الدنس من أمراء الكنيسة لمضاجعة عشيقته سراً"(8). ويقول نفس المؤرخ: "لقد اصبح كل إنسان يناصب القسس العداء، إلى حد أنهم يقابلون بالسخرية، ويتعرضون للمضايقات أينما ذهبوا"(9)، وكتب أرازاموس (31 يناير عام 1530) يقول: "إن الناس في كل مكان يؤيدون العقائد الجديدة"(10). ومهما يكن من أمر فقد كان هذا صحيحاً في شمال ألمانيا فقط، وحتى هناك أصر الدوق جوج أمير ساكسونيا والأمير المختار جواكيم البراندنبورجي على أن يظلا كاثوليكيين أما جنوب ألمانيا وغربها، اللذان كانا جزءاً من الإمبراطوريّة الرومانية القديمة، وتلقى أهلها شيئاً من الثقافة اللاتينية، فإنهما ظلا في معظم أجزائهما يدينان بالولاء للكنيسة، وآثر جنوبها الطرق المرحة الملونة التي تنحو نحو التساهل في المسائل الجنسية، والتي تميزت بها الكاثوليكية، وفضلتها على فلسفة الرواقية التي تقول بالجبر، وتسود في الشمال. وحافظ كبيرو الأساقفة المختارون الأقوياء في ماينز وترير وفي كولونيا (الى عام 1543) على أن تسود الكاثوليكية في بلادهم
قصة الحضارة ج24 ص173-174، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> التقدم البروتستانتي
 
عن فرق المسيحية ايام لوثر!
قال ديورانت:"
وكتب لوثر عام 1525: "هناك اليوم طوائف وعقائد بقدر عدد الرؤوس تقريباً"
قصة الحضارة ج24 ص176، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> مجالس الدايت لا توافق
 
براغيث الاساقفة!
لسان لوثر الحاد
:"وأدرك شارل أنه لا يزال في حاجة إلى اتحاد ألمانيا ضد الأتراك، فدعا إلى الانعقاد مجلساً نيابياً آخر، فانعقد في أوجسبورج (20 يونيه عام 1530) برئاسته...ولم يحضر لوثر لأنه كان لا يزال تحت الحظر الإمبراطوري، ومن الممكن أن يقبض عليه في أي لحظة، ولكنه ذهب إلى كوبورج الواقعة على حدود ساكسونيا، واستمر في الاتصال بالوفد البروتستانتي عن طريق الرسل. وشبه المجلس بجمع من غربان الزرع، التي تصفق أجنحتها، وتناور أمام نوافذ بيته، وشكا من أن "كل أسقف جاء ومعه شياطين كثيرة، بقدر عدد البراغيث على جسد كلب في يوم عيد القدّيس يوحنا"
قصة الحضارة ج24 ص178، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> مجالس الدايت لا توافق
 
بداية الحرب بين الكاثوليك والبروتستانت-ايام لوثر- والتي انقذها (الإتحاد قوة -حبل من الناس-لو كنتم تعلمون!!) ) مؤقتا الحرب على الاسلام
:"وفي التاسع عشر من نوفمبر أصدر المجلس النيابي، الذي كان قد نقص عدد أعضائه، مرسومه النهائي أو مرسومه الأخير، وقد أدينت فيه كل وجوه البروتستانتية، ونص على تنفيذ مرسوم ورمس، وعلى مجلس العدالة الإمبراطوري أن يبدأ في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد جميع الذين انتزعوا أملاك الكنيسة، وأعطى البروتستانت مهلة تنتهي في 15 أبريل عام 1531 لقبول الرد المدعم بالبراهين بطريقة سلمية. وأضفى توقيع شارل على "مرسوم أوجسبورج" صفة المرسوم الإمبراطوري، ولابد أن الإمبراطور قد خال أن منح المتمردين مهلة الشهور الستة، لكي يروضوا أنفسهم على تنفيذ إرادة المجلس النيابي، ذروة التعقل، وفي خلال تلك الفترة عرض عليهم الإعفاء من تنفيذ مرسوم ورمس، ولذلك فإنه قد يقدم، إذا سمحت واجبات أخرى، القواعد المتناظرة في علم اللاهوت إلى محكمة الحرب العليا.
وبينما كان المجلس النيابي في ذروة انعقاده أقامت عدة ولايات حلفاً كاثوليكياً فيما بينها، للدفاع عن العقيدة التقليدية واستعادتها. وفسر هذا بأنه نذير بالحرب، فنظم الأمراء البروتستانت والمُدن البروتستانتية الحلف الشمالكالدي، الذي اتخذ اسمه من موطنه الأصلي بالقرب من أرفورت، وعندما انتهت مهلة العفو، اقترح فرديناند، الذي أصبح وقتذاك ملكاً على الرومان، أن يبدأ شارل بالحرب، ولكن شارل لم يكن على استعداد، وكان سليمان يخطط لهجوم آخر على فيينا، كما أن بارباروسا حليف سليمان كان يغير على السفن التجارية في البحر الأبيض المتوسط، يضاف إلى ذلك أن فرانسيس ملك فرنسا - وهو حليف سليمان أيضاً - كان يتأهب للانقضلض على ميلان في اللحظة التي يتورط فيها شارل في حرب أهلية بألمانيا. وفي أبريل عام 1531 أوقف شارل مرسوم أوجسبورج بدلاً من وضعه موضع التنفيذ، وطلب المعونة من البروتستانت لقتال الأتراك، فاستجاب لوثر والأمراء معربين عن ولائهم، ووقع اللوثريون والكاثوليك معاهدة سلام في نورمبرج (23 يوليه عام 1532)، وتعهدوا بتقديم العون إلى فرديناند، والتسامح الديني فيما بينهما إلى أن ينعقد مجلس ديني عام. واحتشد جيش كبير من الألمان البروتستانت والكاثوليك، ومن الأسبان والإيطاليين والكاثوليك، تحت لواء الإمبراطور في فيينا، فوجد سليمان أن الظروف غير مواتية، فعاد أدراجه إلى القسطنطينية، بينما انتشى الجيش المسيحي بخمر النصر، الذي خلا من إراقة الدماء، وأعمل يد السلب والنهب في المُدن والبيوت، وقال شاهد عيان هو توماس كرانمر الإنجليزي (وأوقع بالبلاد كارثة أعظم مما جلبه الأتراك أنفسهم"
قصة الحضارةج24 ص180-181، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> مجالس الدايت لا توافق
 
أخيرا هانتجوز... ألمانيا بتفرح!!
والفأر الذي يأكل جسد الرب (المزعوم!!)
:"ووافق شارل، أو كاد، لأنه اتخذ زمام المبادرة من البابا في أبريل عام 1540، ودعا زعماء الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا إلى الاجتماع في "ندوة مسيحية"، ليبحثوا مرة أخرى عن تسوية سلمية لخلافاتهم. وكتب قاصد رسولي: "ما لم يتدخل البابا بطريقة حاسمة، فإن ألمانيا بأسرها سوف تسقط في براثن البروتستانت". وفي مؤتمر تمهيدي بورمس دار جدال طويل بين إيك وميلانكتنون، انتهى إلى أن الكاثوليك، الذين كانوا يرفضون من قبل التفاهم، قبلوا على سبيل التجربة المبادئ، التي تدل على رحابة الصدر، والتي صيغت في إقرار أوجسبورج(23)، وتشجع شارل فاستدعى جماعتين إلى راتيسبون (رجنزبورج)، وهناك عقدا اجتماعاً تحت رئاسته (5 أبريل - 22 مايو عام 1542)...وتلاقت آراء المشتركين في المؤتمر وانتهت إلى السماح بزواج رجال الدين، وتناول القربان بالأسلوبين المعروفين، ولكن ما كان لأي شعوذة أن تجد في الحال صيغة تؤكد وتنفي في الوقت نفسه رئاسة البابوات الدينية والتجسيد في القربان المقدس، ولم يجد كونتاريني تفكهه في سؤال وجهه إليه بروتستانتي عما إذا كان الفأر الذي يقرض قطعة سقطت من القربان المقدس، يأكل الخبز أم الرب(24)، وفشل المؤتمر، لكن شارل قطع على نفسه عهداً موقوتاً للبروتستانت، وهو يخف للحرب، بعدم اتخاذ أي إجراء ضدهم لتمسكهم بالعقائد المنصوص عليها في إقرار أوجسبورج، أو لاحتفاظهم "بأملاك الكنيسة المصادرة".
وفي خلال هذه السنوات التي اشتد فيها الجدال وازداد، كانت العقيدة الجديدة قد أنشأت كنيسة جديدة، وأطلقت على نفسها اسم الكنيسة الإنجيلية بناء على اقتراح من لوثر
قصة الحضارة ج24 ص183،184، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> مجالس الدايت لا توافق
 
لوثر يزداد قوة وعنفا ضد البابا
والاسباب مادية -انتشار دعوته وشعوره بالانتصار-ومعنوية
وانفلات عقد الباباوية مع مرور الوقت
وهو مافتح مجالا للفكر العلماني وقبول المجتمعات التي عانت له رويدا رويدا
خصوصا انه كان يتكلم عن الحقوق والحريات
(هذه هي الظروف ومنها التحلل والفساد والشرك)
:"وفي عام 1539 شيد يواقيم الثاني الأمير المختار في براندنبورج كنيسة بروتستانتية في عاصمته برلين معتزاً باستقلالها عن كل من روما وفيتنبرج. وفي عام 1542 أضيفت إلى قائمة بروتستانت دوقية كليفس وأسقفية نارمبورج بل وكرسي أسقفية ألبرخت في هال بطريقة جمعت بين الساسة والحرب كل في حينه. وفي عام 1543 روع الكونت هرمان فون فيد، كبير أساقفة كولون وأميرها المختار، روما بتحوله إلى المذهب اللوثري، وكان الزعماء اللوثريون واثقين بأنفسهم إلى حد أن لوثر وميلانكتون وآخرين أصدروا في يناير عام 1540 بياناً ينص على أن السلام لا يمكن أن يسود إلا بتخلي الإمبراطور ورجال الدين الكاثوليك عن "عبادتهم للأوثان وضلالهم". ولن يتم ذلك إلا باعتناقهم العقيدة الطاهرة، التي وردت في اقرار أوجسبورج، واستطردت الوثيقة تقول: "حتى إذا كان على البابا أن يسلم لنا بما نعتنقه من عقائد، وما نقوم به من شعائر، فإننا مضطرون إلى معاملته باعتباره ظالماً متعسفاً، منبوذاً، مادام أنه لن يتبرأ من أخطائه في ممالك أخرى". وقال لوثر: "لقد انتهى كل ما بيننا وبين البابا كما انتهى ما بيننا وبين ربه، الشيطان"
قصة الحضارة ج24 ص183، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> مجالس الدايت لا توافق
 
مصائب لوثر العقائدية ومنها الثالوث ودفاعه عن دافع عن الحق الإلهي للملوك
(على عكس مايوحي العلمانيون عنه!)
:"فقد اعترض على الثمن الفادح الذي يدفع مقابل الحصول على صكوك الغفران، واعترض فيما بعد على استبداد البابوات. ولكنه قبل إلى آخر لحظة من حياته أشق العقائد في مسيحية المحافظين - الثالوث وولادة العذراء والتكفير عن الخطايا وحضور المسيح بجسده في القربان المقدس والجحيم - وجعل بعض هذه العقائد تبدو مستساغة في نظر الناس أكثر من ذي قبل. وكان يزدري العامة من الناس، وما كان أحراه بعد ذلك أن يصحح خطأ لينكولن الشهير في عدم الاكتراث بالعامة، إن السيد "الجمهور" في حاجة إلى حكومة قوية، حتى لا يطلق الناس غرائزهم الهمجية من عقالها، ويتبدد السلام، وتبور التجارة... لا حاجة لأن يعتقد أحد أن العالم يمكن أن يحكم دون إراقة الدماء... إن العالم لا يمكن أن يحكم بمسبحة"(31)، ولكن عندما تفقد حكومة المسبحات سلطانها، فمن الواجب أن تحل مكانها حكومة تعتمد على حد السيف. وعلى هذا كان لزاماً على لوثر أن ينقل إلى الدولة معظم ما كانت تنعم به الكنيسة من سلطة. ومن ثم فقد دافع عن الحق الإلهي للملوك، وفي هذا يقول: "إن اليد التي تدير السيف الدنيوي ليست يداً بشرية وإنما هي يد الرب. والرب(32)، لا الإنسان، هو الذي يشنق، ويحطم الضلوع على دولاب التعذيب، ويقطع الرؤوس بالمقصلة، ويجلد بالسياط. والرب أيضاً هو الذي يشهر الحرب". وفي هذا التمجيد للدولة، كما هو الحال الآن، نجد أن المنبع الوحيد للنظام يضع بذور فلسفات هوبز وهيجل الاستبدادية، وهو نذير بقيام ألمانيا الإمبراطوريّة. ولقد وجد هنري الرابع في لوثر ما يؤيد إحضار هيلدبراند إلى مدينة كانوسا.
وعندما تقدم لوثر في السن أصبح محافظاً أكثر من الأمراء أنفسهم، وأقر الإكراه البدني على العمل، والضرائب الإقطاعية الباهظة المفروضة على الفلاحين. وعندما أحس أحد البارونات بتأنيب ضميره طمأنه لوثر على أساس أن مثل هذه الأعباء الثقيلة، إذا لم تفرض على العامة، فإنهم سوف يشمخون بأنوفهم، إلى حد لا يطاق(33).
واستشهد بآيات من العهد القديم تبريراً للرق "الأغنام والماشية والعبيد والجواري كانت كلها ممتلكات يجوز لأصحابها أن يبيعوها كما يشاءون. ومن الخير لو ظل هذا معمولاً به الآن، لأنه بدون هذا لا يمكن لامرئ أن يكره طبقة الرقيق على العمل، أو يروضها عليه"(34). "وعلى كل إنسان أن يقوم بواجبه في جلد، وأن يتخذ نهج الحياة الذي فرضه الله عليه"، "وفي وسع كل امرئ أن يعبد الله بان يبقى في وظيفته ومهنته، مهما كانت وضيعة وبسيطة". وقد أصبح هذا المفهوم عن الوظيفة دعامة لمذهب المحافظين في البلاد البروتستانتية.
وتسبب أمير كان نصيراً مخلصاً للقضية البروتستانتية، في خلق مشكلة معضلة للوثر عام 1539. فقد كان فيليب الهسي جندياً محارباً ومحباً عاشقاً ورجلاً حي الضمير في آن واحد. وكانت زوجته كريستين من (السافوية)، امرأة تفتقر إلى الوسامة، ولكنها مخلصة ولود. وتردد فيليب في أن يطلق زوجة كهذه تستحق التكريم، وكان يشتهي مرجريت السالية of Saale، التي لقيها، وهو في طور النقاهة من مرض الزهري(35)، وبعد أن اقترف جريمة الزنى فترة من الوقت، قرر أنه غارق في الإثم إلى أذنيه، ومن الواجب أن يمسك عن تناول العشاء الرباني. ولما كانت التجربة جد مزعجة، فقد أبدى رأيه إلى لوثر بأن الدين الجديد، الذي يعتمد على العهد القديم إلى حد كبير، يجب أن يسمح مثله بالزواج مرة أخرى. وهو أمر كانت عقوبته القانونية السائدة الإعدام. وفضلاً عن ذلك ألم يكن هذا أكثر لباقة مما أقدم عليه فرانسس الأول، من أن يرث العشيقات، وأكثر شفقة من الأعمال الهوجاء التي جنح إليها هنري الثامن في زيجاته؟ كان فيليب تواقاً للوصول إلى حل يعتمد على الإنجيل، حتى إنه أعلن أنه سوف يتخلى عن المعسكر الإمبراطوري، بل والبابوي، إذا لم يستطع علماء اللاهوت في فيتنبرج أن يتبينوا ضوء الكتاب المقدس. وكان لوثر على استعداد. والحق أنه كان قد فضل في رسالته "الأسر البابيلوني" الزواج مرة أخرى على الطلاق، وقد نصح بالزواج مرة أخرى باعتباره أفضل حل لمشكلة هنري الثامن(36). وكان الكثيرون من علماء اللاهوت في القرن السادس عشر منفتحي الأذهان بالنسبة لهذا الأمر(37)، أما ميلانكتون فكان ينفر منه، إلا أنه اتفق أخيراً مع لوثر على أنه لا مفر من أن يعربا عن موافقتهما، ولكن يجب ألا يباح هذا للجمهور. ووافقت كرستين بدورها على شريطة أن يقوم فيليب بواجباته الزوجية نحوها أكثر من ذي قبل(38). وفي يوم 4 مارس عام 1540 تزوج فيليب رسمياً، وإن يكن ذلك سراً، من مرجريت، واعتبرها زوجة ثانية، وذلك بحضور ميلانكتون وبوسر. وما كان من اللاندجراف المعترف بالجميل إلا أن أرسل إلى لوثر حمل عربة من النبيذ على سبيل الهبة(39). وعندما تسرب نبأ الزواج أنكر لوثر أنه تم بموافقته، وكتب يقول: "إن لفظ نعم سراً يجب أن يظل لا علناً لصالح كنيسة المسيح"(40).
وخر ميلانكتون صريعاً بمرض خطير، ويبدو أنه كان يعاني من وخز الضمير والإحساس بالعار، وأمسك عن الطعام، إلى أن هدده لوثر بالحرمان من الغفران(41) وكتب لوثر يقول: "إن ميلانكتون شعر بحزن عميق بسبب هذه الفضيحة، أما أنا فإني ساكسوني صعب المراس، وفلاح صلب العود، وقد ازداد جلدي غلظاً إلى درجة تجعلني أستطيع أن أتحمل مثل هذه الأمور"(42). ومهما يكن من أمر فإن معظم الإنجيليين افتضحوا. وطرب الكاثوليك وتفكهوا، دون أن يعرفوا أن البابا كليمنت السابع نفسه، كان قد فكر في السماح لهنري الثامن بالزواج مرة أخرى
قصة الحضارة ج24 ص187-191، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> أسد فيتنبرج
 
أعنف هجوم للوثر على البابا وحالته قبل موته
وانظر هوى ديورانت في آخر جملة-من النص- وكلمة عجيبة!!!
قال ديورانت :"وأصبح لوثر ناري الطبع كلما دنت منيته، فقد هاجم في عام 1545 "المؤمنون بأن القربان المقدس مجرد رمز" من أنصار زونجلى بعنف شديد...وعندما طلب الأمير المختار جون من لوثر أن يستأنف حملته ضد الاشتراك في مجلس يديره البابا مباشرة، دبج لوثر خطاباً مقذعاً بعنوان: "ضد البابوية في روما التي أسسها الشيطان" (1545) بدت فيها بوضوح نزعته إلى الطعن التي جاوزت الحد. وارتاع كل أصدقائه، ما عدا المصور لوكاس كراناش، الذي زين الكتاب برسوم محفورة على الخشب، تنطوي على هجاء مقذع، فأحدها يصور البابا ممتطياً ظهر خنزير، يبارك كومة من الروث، وأخرى تمثله هو وثلاثة من الكرادلة معلقين على مشانق، أما صورة الغلاف فتصور الحبر الأعظم جالساً فوق عرشه، تحيط به الشياطين ويتوج رأسه دلو "لجامع قمامة" وألهبت كلمة "شيطان" نص الخطاب... ووصف البابا بأنه "أعظم أب جهنمي" و "هذا الخنثى الروماني" و "البابا السدومي"، أما الكرادلة فقال عنهم أنهم "أولاد الشيطان الضالون... الحمير الجهلة... لكم يود المرء أن يصب عليهم لعنته، وأن تنقض عليهم صاعقة، تبيدهم، وأن يحرقوا في نار جهنم، وأن يصابوا بالطاعون والزهري والصرع والأسقربوط والجذام والجمرة وسائر الأمراض(44). ورفض مرة أخرى التسليم بالرأي القائل بان الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة منحة من البابوات، ورأى على النقيض أن الوقت قد حان لكي تبتلع الإمبراطوريّة الولايات البابوية:
فلتبدأوا الهجوم الآن أيها الإمبراطور والملك والأمراء والسادة، ولتنظروا مَن يبدأ معكم، إن الله لا يسعد الأيدي العاطلة. خذوا من بابا روما، أولاً وقبل كل شيء، رومانيا وأوربينو وبولونيا وكل ما يملك، باعتباره بابا، لأنه حصل على هذه البلاد بالأكاذيب والخداع، واختلسها وسرقها من الإمبراطوريّة بالكفر وعبادة الأوثان، في غير ما خجل، وداسها بقميه، ومن ثم دفع بأرواح لا تحصى إلى جهنم لتلقى جزاءها خالدة فيها... ومن ثم يجب أن يؤخذ البابا وكرادلته وكل طغمته من الدهماء، من عبدة الأوثان، وأنصار قداسته البابوية، واعتبارهم كفرة، وانتزاع ألسنتهم من أقفيتهم، وشد وثاقهم في صفوف على المشانق(45).
ولعل الضعف قد بدأ يتسرب إلى ذهنه عندما كتب هذه الدعوة الصارخة إلى استخدام العنف. ولعل التسمم التدريجي للأعضاء الداخلية، بمرور الوقت وتناول الطعام والشراب، قد وصل إلى ذهنه وعطله عن التفكير. وأصبح لوثر في سني حياته الأخيرة بديناً إلى درجة مزعجة، بخدين متهدلين وذقن ملتو... وكان شعلة من النشاط، عملاقاً لا يهدأ، ويقول: "إذا استرحت فسوف يصيبني الوهن"(46)، أما الآن فقد تطرق إليه التعب ووصف نفسه (17 يناير عام 1546) بأنه "شيخ هرم مترهل متعب، لا يكترث لشيء، ليس له عين سليمة"(47). وكتب يقول: "لقد سئمت الحياة الدنيا وسئمت هي مني"(48) وعندما تمنت له الأميرة أرملة منتخب ساكسونيا أن يعيش أربعين عاماً أخرى رد عليها بقوله "سيدتي، إني لأتنازل عن فرصتي في دخول الجنة فهذا أحب إلي من أن أعيش أربعين عاماً أخرى"(49). وقال "إني لأضرع إلى الرب أن يبادر بالحضور ليحملني من هنا. ألا فليقبل بصفة خاصة مع اليوم الآخر، وعندئذ سوف أمد عنقي ويدوي الرعد وأرقد في سلام"(50). وظل حتى أخر نسمة من حياته تلوح له رؤى من الشيطان، وتراوده الشكوك بين آن وآخر في رسالته. وفي هذا يقول: "إن الشيطان يتعدى علي بالاعتراض بأن لساني أساء إلى الكثيرين، وأطلق سيلاً من الألفاظ الآثمة. وبهذا كثيراً ما يتركني في حيرة شديدة"(51). وكان في بعض الأحايين يتملكه اليأس من مستقبل البروتستانتية: "إن الصالحين من العباد يقلون يوماً بعد يوم" والطوائف والأحزاب(52) تزداد عدداً، وتتسع بينهما هوة الخلاف و "بعد وفاة ميلانكتون سوف تمر فترة انحلال يؤسف لها"(53) على العقيدة الجديدة. ولكن عندئذ عاودته شجاعته، وقال: "لقد أمسكت المسيح والبابوات من الآذان، ولهذا لن أزعج نفسي أكثر من ذلك، وعلى الرغم من أني حصرت نفسي بين الباب والمفصلات، أن عودي يهصر هصراً، فإني لا أبالي بهذا الأمر، ولسوف يكابد المسيح ما كابدت"(54).
وبدأ وصيته بحروف كبيرة، بقوله: "إني معروف تماماً في السماء وعلى الأرض وفي الجحيم". وروت كيف أن "آثماً تعساً يستحق اللعنة، لقي من الرب العون لنشر إنجيل ابنه، وكيف أنه ظفر بالاعتراف به، أستاذاً للحق، يزدري الحرمان المفروض عليه من البابا والإمبراطور والملوك والأمراء والقساوسة، والكراهية من كل الشياطين" وانتهت بهذه العبارة: "لهذا السبب، ومن أجل تقرير هو أن شأني، أرجو أن يكفى الشاهد بخطي"، وأن يقال: "لقد كتب هذا الدكتور مارتن لوثر موثق الرب وشاهد إنجيله"(55)، ولم يراوده الشك قط في أن الرب كان في انتظاره للترحيب به.
وفي يناير عام 1546 سافر في شتاء قارص البرد إلى مسقط رأسه أيسليبين، ليحكم في نزاع، وبعث خلال تغيبه هناك برسائل شائقة إلى زوجته - منها الرسالة المؤرخة أول فبراير: أتمنى أن تجدي في المسيح السلام والبركة، وابعث إليكِ بحبي الضعيف العتيق المسكين. عزيزتي كاتي لقد كنت عليلاً وأنا في الطريق إلى أيسليبين، ولكن هذا إنما يرجع إلى خطئي، فقد هبت ريح صرصر عاتية من خلفي، واخترقت قلنسوتي فوق رأسي، فشعرت أن مخي قد تجمد واستحال إلى ثلج، وكان هذا حرياً بأن يعينني على ما يصيبني من دوار. أما الآن فأنا، ولله الحمد، بصحة جيدة، إلى الحد الذي يجعلني أشعر بميل شديد إلى الجميلات من النساء، فما بالكِ وأنا كيس ظريف. وليبارك الله(56).
وتناول عشاءه يوم 17 فبراير في مرح، وفي الصباح المبكر من اليوم التالي سقط مريضاً يعاني من آلام حادة في المعدة. ووهن جسده بسرعة، وأدرك أصدقاؤه، الذين تجمعوا إلى جانب فراشه، أنه يحتضر وسأله أحدهم "أيها الأب الجليل هل تقف راسخاً كالطود إلى جانب المسيح والعقيدة التي بشرت بها؟" فرد عليه قائلاً "نعم"، ثم أصيب بنوبة فالج، أفقدته النطق، ومات على أثرها (18 فبراير سنة 1546). ونقل الجثمان إلى فيتنبرج، ودفن في كنيسة القيصر، التي كان قد علق على بابها مقالاته منذ تسعة وعشرين عاماً.
كانت هذه السنوات من أخطر السنوات في التاريخ. وكان لوثر صوتها المدوي الذي يأخذ بمجامع القلوب، وكانت أخطاؤه عديدة، فقد كان يفتقر إلى تقدير الدور التاريخي، الذي لعبته الكنيسة في نشر المدنية في أوربا
قصة الحضارة ج23 ص190-194، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> أسد فيتنبرج
 
كلمة أخيرة لديورانت عن لوثر - فيها حق وفيها باطل علماني!!-
:"ولقد حرر اتباعه من بابا معصوم من الخطأ، ولكن في الوقت نفسه أخضعهم لكتاب منزه من الخطأ، مع أن تغيير البابوات أيسر من تغيير ذلك الكتاب. وتشبث بأكثر العقائد تشدداً في ديانة القرون الوسطى، وهي عقائد لا يمكن أن تصدق، بينما سمح بالقضاء على كل ما في تلك الديانة من جمال تقريباً في أساطيرها وفنها، وأورث ألمانيا مسيحية، ليست أصدق من القديمة، وهي أقل منها بهجة وساواناً، وإن كانت أكثر صدقاً وأشد إخلاصاً في القائمين بها. وكاد لوثر أن يصبح في تعصب محكمة التفتيش، بيد أن أقواله كانت أغلظ من أفعاله، وأدين بأنه كتب مقالات، انطوت على أقذع الألفاظ في تاريخ الأدب، وعلم ألمانيا كراهية لاهوتية صبغت أرضها بلون الحقد الأسود مائة عام عقب وفاته.
قصة الحضارةج23 ص194، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> أسد فيتنبرج
 
وماذا عن الإسلام ياديورانت؟
(مع العلم أنه قال عن إضافة الإسلام للعالم كلاما طيبا جدا اللهم إلا ماقاله عن الجبر والقدر مع أن القدر غير الجبر وأن الإيمان بالقدر هو دعوة للأخذ بالأسباب في الإسلام وليس بالأخذ بالإهمال )
انظر كيف أدخل ديورانت لوثر في حركة التطور!!
:"فإننا نستطيع أن نضع لوثر في مصاف كوبرنيقوس وفولتير وداروين، باعتبارهم من أقوى الشخصيات، التي ظهرت في العالم الحديث."!!
:"ويبقى أن نذكر أنه حطم بضربات قبضته الخشنة كعكة العادات وصدفة السلطة، التي كانت قد سدت الطريق في وجه حركة الفكر الأوروبي. وإذا كنا نحكم على عظمة المرء بما له من نفوذ - وهذا أقل اختبار موضوعي في وسعنا أن نلجأ إليه - فإننا نستطيع أن نضع لوثر في مصاف كوبرنيقوس وفولتير وداروين، باعتبارهم من أقوى الشخصيات، التي ظهرت في العالم الحديث. ولقد كتب عنه أكثر مما كتب عن أي رجل آخر في العصر الحديث باستثناء شكسبير ونابليون. وكان تأثيره على الفلسفة بطيئاً وغير مباشر، ولقد أثر على يقينية fideism كانت وقومية فيخته ومذهب شوبنهاور في الإرادة واستسلام الروح الهيجلي للدولة، أما تأثيره على الأدب الألماني واللغة الألمانية، فكان حاسماً وشاملاً، كتأثير الإنجيل، الذي نشره الملك جيمس، على اللغة والآداب في إنجلترا. ولم يستشهد الناس بأقوال ألماني آخر بمثل هذه الكثرة، وهذا الولع. ولقد أثر هو وكارلشتادت وآخرون في خلق الإنسان الغربي، وعاداته التي درج عليها، بالتنصل من العزوبة المفروضة على رجال الدين، وبصبه في الحياة الدنيوية الطاقات التي كانت قد صرفت إلى الزهد والرهبانية، أو إلى حياة الدعة والاسترخاء، أو إلى الورع. واخذ تأثيره يتقلص كلما انتشر... كان هائلاً في اسكنديناوة وعابرا في فرنسا، وانعدم بتأثير كافن في سكوتلاندة وإنجلترا وأمريكا، أما في ألمانيا فكان تأثيره فائقاً. ولم يقدر لمفكر أو كاتب آخر أن يكون له هذا التأثير العميق في العقلية الألمانية والشخصية الألمانية. كان أقوى شخصية في تاريخ ألمانيا، ولا شك أن مواطنيه من أهل الريف يحبونه حباً جماً، لأنه كان أشدهم جميعاً تعصباً لألمانيته.
قصة الحضارةج24 ص195- 196،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> أسد فيتنبرج
تعليق
وفي كلام ديورانت شئ من الحقيقة التاريخية لكن ماذا حطم الإسلام بضرباته العميقة في الأرضية الأوروبية الصلبة -بلطف الله العجيب- بماخلخل من أسس الكنيسة الظالمة الفاجرة القاتلة ، وكثير من معتقداتها وخرافاتها وفتنتها (من فتح مصر حتى مابعد سقوط غرناطة بكثير!-وماذا أطفئ من نيران الأحقاد وماذا أنار في أوروبا من أنوار العلم والعقل والتكنولوجيا والحب والجنس-المعتدل!- والشعر والجمال والحدائق والمكتبات والعلوم والمختبرات والفهوم والمبتكرات، والزروع والملبوسات، والأدوية والصيدليات، والجراحة والطرقات، والمراحيض والنظافات، والإرادات والطاقات، والتسهيلات والرفاهيات.والسيارات والطائرات، والكيمياوات والفيزيائيات!
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
 
صكوك غفران فوق مجانية-كاثوليكية- لكل من يساعد الباباوية في احتلال المانيا البروتستانتية بعد موت لوثر!!!
:"وحشد -يقصد شارل-في مايو عام 1546 جيوشه الإسبانية والإيطالية والألمانية، والهولندية، واستدعى دوق ألفا أقدر قواده للوقوف بجانبه، وعندما أوفد إليه الأمراء البروتستانت نواباً عنهم إلى راتسبون للاستفسار عن معنى حركاته، رد عليهم قائلاً بأنه قد اعتزم أن يعيد ألمانيا إلى حظيرة الإمبراطوريّة. وفي أثناء انعقاد ذلك المؤتمر كسب إلى صفه أقدر قائد عسكري في ألمانيا، وهو الشاب الطموح الدوق موريس صاحب سكسونيا الألبرتينية، ووعد آل فوجر بتقديم العون المالي له، وأصدر البابا منشوراً يحرم فيه من الغفران كل مَن يقاوم شارل، ويعرض منح صكوك الغفران بلامقابل، لكل مَن يساعده
في هذه الحرب المقدسة.
قصة الحضارةج24 ص197، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب ->
انتصار البروتستانتية
نهاية الحدث نفسه
:"شارل كان مصمماً على أن يصل بالحملة إلى نهايتها الحاسمة، فزحف نحو الشمال، والتقى بقوات الأمير المختار المنهكة في ميلبرج، على مدينة مايسين، وقضى عليها قضاء مبرماً (24 أبريل 1547) وأسر جون. وطالب فرديناند بإعدام الأمير الباسل، غير أن شارل الذكي وافق على أن يخفف الحكم إلى السجن مدى الحياة، إذا فتحت فيتنبرج أبوابها له، فخضعت المدينة لأمره، وهكذا سقطت عاصمة البروتستانتية الألمانية في أيدي الكاثوليك، بينما كان لوثر يرقد في هدوء تحت صفائح بارزة في كنيسة القصر."(ص199)
 
عدم التسامح المسيحي -المسيحي(بعد موت لوثر) وبعد مجئ الإسلام بمايزيد عن 900 عام!
عدم التسامح الروتستانتي والكاثوليكي تجاه بعضهم البعض
:"وعندما يئس شارل من الوصول إلى حل لمشكلاته في ألمانيا، تحول نحو الغرب ليجدد صراعه مع فرنسا. ورأس فرديناند، متذرعاً بالصبر، المجلس النيابي التاريخي في أوجسبورج (5 فبراير - 25 سبتمبر 1555)، وهو المجلس الذي منح ألمانيا أخيراً سلاماً دام نصف قرن. ورأى أن المبدأ الإقليمي، الذي ينص على حرية الدوقات، كان قوياً إلى الحد الذي لا يسمح فيه بمثل هذه السيادة المركزية المطلقة، التي فاز بها الملوك في فرنسا، وكان النواب الكاثوليك يمثلون الأغلبية في المجلس النيابي، غير أن البروتستانت كانوا يفوقونهم في القوة العسكرية، فتشبثوا بكل مادة وردت في إقرار أوجسبورج عام 1530، وتمسك الأمير المختار أوغسطوس، الذي خلف موريس في ساكسونيا، بوجهة نظر البروتستانت، وأدرك الكاثوليك أن عليهم أن يخضعوا، أو تتجدد الحرب...وساعدت الأسلحة والظروف على رجحان كفة البروتستانت، فطالبوا بكل شيء: يجب أن يكونوا أحراراً في ممارسة عقيدتهم في كل أرجاء ألمانيا، وأن تحرم عبادة الكاثوليك في الأرض التي تسود فيها العقيدة اللوثرية، وأن تبقى صحيحة ولا تتعرض للإلغاء إجراءات تصفية أملاك الكنيسة في الحاضر والمستقبل على السواء(58). وتوصل فرديناند وأوغسطوس إلى اتفاق أرضى الطرفين يتلخص في هذه الكلمات الأربع المشهورة Cuius regio eius religio، وهي تجسم الضعف الروحي الذي انتاب الأمة والعصر. ولتحقيق السلام بين الولايات وفي داخلها، يجب على كل أمير أن يختار بين الكاثوليكية الرومانية، وبين اللوثرية، وعلى كل رعاياه أن يقبلوا اعتناق دينه السائد في دولته، وكل مَن لا يحب أن يعتنق هذا الدين عليه أن يهاجر من الإقليم. ولم يظهر أي جانب ميلاً إلى التساهل والواقع أن المبدأ، الذي أيده الإصلاح الديني في فتوة ثورته - الحق في الحكم الخاص - رفضه رفضاً باتاً زعماء البروتستانت والكاثوليك على السواء. فقد أدى ذلك المبدأ إلى تعدد الطوائف واصطدامها، إلى درجة أن الأمراء شعروا بأن لديهم ما يبرر استعادة السلطة العقيدية، حتى لو انقسمت إلى أجزاء بقدر عدد الولايات. واتفق البروتستانت وقتذاك في الرأي مع شارل والبابوات بأن وحدة العقيدة الدينية لا غنى عنها للنظام الاجتماعي والسلام، وليس في وسعنا أن نحكم عليهم حكماً عادلاً، ما لم ينكشف لأنظارنا الحقد والشقاق اللذين كانا يمزقان ألمانيا، وكانت النتائج سيئة وحسنة في آن واحد. فالتسامح وقتذاك كان، بعد الإصلاح الديني، أقل قطعاً من قبله(59)، ومع ذلك فإن الأمراء أقصوا المنشقين بدلاً من أن يحرقوهم أحياء وهذه شعيرة كانت مقصورة على الساحرات. وأضعف مراكزهم جميعاً تضاعف ما نتج عن ذلك من دعاوى العصمة.
ولم يكن الانتصار الحقيقي في حرية العبادة، ولكن في الحرية التي أصبح ينعم بها الأمراء، فقد غدا كل منهم، مثل هنري الثامن ملك انجلترا، الرئيس الأعلى للكنيسة في إقليمه، وله الحق المطلق في أن يعين رجال الدين، الذين يحددون للناس العقيدة التي يتعين عليهم أن يعتنقوها. وكان المبدأ الأراستي - وينص على أن الدولة يجب أن تحكم الكنيسة - قد استقر قطعاً. ولما كان الأمراء وليس علماء اللاهوت، هم الذين عملوا على انتصار البروتستانتية، فمن الطبيعي أن يجنوا ثمار هذا النصر - سيادتهم الإقليمية على الإمبراطور، وسيادتهم الكهنوتية على الكنيسة. كانت البروتستاتية هي القومية ممتدة إلى الدين، ولكن القومية لم تكن تعني قومية ألمانيا، بل كانت وطنية كل إمارة، ولم تتقدم ألمانيا خطوة نحو الوحدة، بل إن
الثورة الدينية عاقت هذه الوحدة، وإن لم يكن من المؤكد أنها كانت نعمة وبركة. وعندما اختير فرديناند إمبراطوراً (1558) كانت سلطاته الإمبراطوريّة أقل من السلطات التي كان يتمتع بها حتى شارل المتعب المقيد. وترتب على هذا أن الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة لم تمت في عام 1806، وإنما ماتت في عام 1555.
وضاعت المُدن الألمانية، مثل الإمبراطوريّة، في غمار انتصار الأمراء. كانت المقاطعات الإمبراطوريّة تحت رعاية الإمبراطور، يحميها من سيطرة الحكام الإقليمية، أما الآن - بعد أن أصبح الإمبراطور عاجزاً، فقد صار الأمراء أحراراً في أن يتدخلوا في الشئون البلدية، وتضاءل استقلال. وفي غضون ذلك ابتلعت قوة هولندة النامية معظم التجارة، التي كانت تصب المنتجات الألمانية في بحر الشمال، عن طريق مصبات نهر الراين، وضعف شأن المُدن الجنوبية، بانحطاط تجارة البندقية والبحر الأبيض المتوسط نسبياً. وليس من شك في أن الإضعاف من شأن التجارة والسياسة يترتب عليه اضمحلال الثقافة ولم يتيسر للمُدن الألمانية، في مدى مائتي عام بعد ذلك، أن تتمتع مرة أخرى بحيوية التجارة والفكر التي سبقت عهد الإصلاح الديني ودعمته...
قصة الحضارةج24 ص201-203، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> انتصار البروتستانتية
 
ميكائيل سرفيتوس متأثر بدرجة ما بعلوم إسلامية!!
تتبع الخيط!!
النص التالي يبين إطلاع بعض الناس في أوروبا على عقيدة الإسلام وتأثرهم بها في نواح معينة، وهو يبين أن العقيدة والعلم ودراسة العربية لها تأثير ما على أمور كانت تجري في الغرب مابعد لوثر وماقبله
وهو مايعني ان التغيرات التي كانت تحدث في الغرب وتحدث انشقاقات ومعارك وتفتت العقيدة المسيحية في الثالوث وغيره لم تكن بمنأى عن ضربات العلم الإسلامي واسهاماته في كافة مجالات الحياة
قال ديورانت
:"ميكائيل سرفيتوس 1511 - 53 ولد ميجيل سرفيتوس في فيلانوفا (وتقع على بعد حوالي ستين ميلاً من ساراقوسه) وهو ابن موثق عقود من أسرة كريمة. ونشأ في عهد كانت فيه كتابات أرازموس تتمتع بتسامح عابر في أسبانيا. وكان متأثراً إلى حد ما بأدب اليهود والمسلمين، إذ قرأ القرآن وشق طريقه في التأويلات التلمودية وتأثر بنقد الساميين للمسيحية (في صلواتها للثالوث ولمريم وللقديسين) باعتبارها شركاً. وأطلق عليه لوثر لقب "المراكشي"... وكان يسوع في نظر سرفيتوس رجلاً نفخ فيه الرب، الأب كلمة الله، الحكمة الإلهية، وبهذا المعنى أصبح يسوع ابن الرب ولكنه لم يكن كفواً للأب أو سرمدياً مثله، يستطيع أن يوصل روح الحكمة نفسها إلى الآخرين من الناس "إن الابن أرسل من الأب بطريقة لا تختلف عن تلك التي أرسل بها واحد من الأنبياء"(57). وهذا قريب جداً من مفهوم محمد عن المسيح. واستطرد سرفيدوس ليستشهد برأي الساميين في القول بالثالوث الأقدس: "وكل مَن يؤمن بثالوث أقدس بروح الله يقول بوجود ثلاثة أرباب". وأضاف قائلاً إنهم ملحدون حقاً باعتبارهم منكرين لوجود إله واحد(58). وكان هذا تطرفاً شديداً من شاب، ولكن سرفيتوس حاول أن يخفف من هرطقته بتأليف مقطوعات مهلهلة النسيج عن المسيح باعتباره نور العالم، ومهما يكن من أمر فإن معظم قرائه شعروا بأنه قد أطفأ النور. وكأنما كان يريد ألا يترك حجراً دون أن يقذف به أحداً فتلاقى مع اللامعمدانيين في أن التعميد يجب ألا تجرى مراسيمه إلا للبالغين. فأنكر عليه ذلك أويكو لامباديوس وبوسر، فقلب سرفيتوس دليل سفر كالفن وفر من سويسرة إلى فرنسا (1532).
وفي يوم 17 يوليو أصدرت محكمة التفتيش في تولوز أمراً بالقبض عليه. وفكر في السفر إلى أمريكا ولكنه وجد أن باريس أحسن منها. وهناك تنكر في شخصية ميشيل دي فيلينف (اسم العائلة) ودرس
الرياضيات والجغرافيا وعلم الفلك والطب وغازل التنجيم. وكان فيزاليوس العظيم زميله في دراسة التشريح وأثنى أساتذتهما عليهما سوياً. وتشاجر مع عميد كلية الطب، ويبدو بوجه عام أنه أساء التصرف بتهوره وانفعاله واعتزازه بنفسه. وتحدى كالفن للدخول معه في مناظرة ولكنه لم يظهر في المكان والزمان المعينين (1534). وغادر سرفيتوس باريس مثل كالفن في الفترة التي اشتد فيها الغضب على خطاب كوب والإعلانات الكبيرة الهرطيقية.
وفي ليون أشرف على نشر طبعة جديرة بعالم من جغرافية بطليموس، وانتقل عام 1540 إلى فيين (على بعد ستة عشر ميلاً جنوبي ليون)، وهناك عاش حتى آخر سنة من حياته وهو يمارس الطب ويشتغل بالبحث. واختير من بين الكثيرين من الباحثين الذين أتيح للناشرين في ليون التعامل معهم لكي يشرف على نشر ترجمة لاتينية للكتاب المقدس قام بها سانتيس ياجنيني. وقضى في هذا العمل ثلاث سنوات وآل إلى ست مجلدات...ولا ندري متى اكتشف سرفيتوس الدورة الدموية الرئوية - مرور الدم من الغرفة اليمنى للقلب على طول الشريان الرئوي إلى الرئتين وتدفقه خلالهما وتنقيته هناك بالتعريض للهواء، وعودته في الوريد
الرئوي إلى الغرفة اليسرى من القلب، وبقدر ما هو معروف الآن فإنه لم ينشر
اكتشافه حتى عام 1553 عندما أدرجه في مؤلفه الأخير "إعادة
المسيحية"...كالفن... يرسل إلى سرفيتوس نسخة من كتاب "القوانين"، فأعاده
سرفيتوس إليه مع تعليقات مهينة(59)، وأعقب ذلك بإرسال سلسلة من الخطابات
تحفل عباراتها بالإطراء الشديد إلى حد أن كالفن كتب إلى فاريل (13 فبراير سنة
1546): "لقد أرسل إلى سرفيتوس مجلداً مطولاً بأقواله الهارفة. وإذا وافقت فلن
يتردد في الحضور هنا، ولكني لن أعطيه كلمة مني لأنه إذا جاء فإني لن أطيق أن
أتركه يخرج حياً إذا كان هذا في سلطتي"(60)، وغضب سرفيتوس لرفض كالفن
استمرار المراسلة بينهما فكتب إلى آبيل بوبان، وهو أحد قساوسة جنيف يقول:
"إن إنجيلكم بدون رب وبدون إيمان حق وبدون أعمال صالحات. فبدلاً من الرب عبدتم
سربيروس ذا الرؤوس الثلاثة (الثالوث المقدس) وبدل الإيمان اتخذتم حلماً حتمياً... والإنسان عندكم بدن هامد والرب خيال للإرادة المستعبدة... إنكم تغلقون أبواب مملكة السماء في وجوه الناس... الويل! الويل! الويل! هذا هو ثالث خطاب أكتبه لكم لأحذركم علكم تعرفون أحسن من هذا. ولن أحذركم مرة أخرى ففي معركة ميكائيل هذه أعلم أني سوف أموت لا محالة... بيد أني لن أتردد... أن المسيح آت ولا ريب. ولن يتمهل"
قصة الحضارة ج24 ص240-243، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> جون كالفن -> ميكائيل سرفيتوس
 
لقد حرقوا ميكائيل سرفيتوس -الذي تعلم العربية وعلوم المسلمين، انظر المنشور السابق--تحت حقد كالفن ابو الكنيسة الكالفينية!
لانه خالف العقيدة البروتستانتية والكاثوليكية
:"ونفذ الحكم في صباح اليوم التالي يوم 27 أكتوبر عام 1553 على تل تشامبل الذي يقع مباشرة جنوبي مدينة جنيف.... وأوثق إلى سارية بسلاسل حديدية وربط إلى جانبه كتابه الأخير. وعندما بلغت ألسنة اللهب وجهه صرخ من الألم. ومات بعد حرقه بنصف ساعة.
قصة الحضارة ج24 ص248، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> جون كالفن -> ميكائيل سرفيتوس
 
دافع عن العالم المتأثر بالإسلام ومات فأخرجوا جثته واحرقوها لأنها مدانة!!!
وكالفن(رمز الكالفينية) يحتج بنصوص من العهد القديم على قتل الاطفال والنساء والرجال والرضع(موقفه من العهد القديم نفسه !)
قال ديورانت :"ومع ذلك فقد ارتفعت بعض الأصوات تدافع عن سرفيتوس حتى في أيام كالفن، فقد نظم صقلي قصيدة طويلة بعنوان: De iniusto Serveti incendio، ونشر دافيد جوريس البازيلي، وهو لا معمداني، احتجاجاً ضد تنفيذ حكم الإعدام، بيد أنه وقع عليه باسم مستعار ولما اكتشفت بعد وفاته أنه كاتب هذا الاحتجاج أخرجت جثته بعد الدفن وأحرقت علناً (1566). وبالطبع أدان خصوم كالفن السياسيون معاملته لسرفيتوس واستهجن بعض أصدقائه قسوة الحكم باعتباره مشجعاً للكاثوليك في فرنسا على تطبيق عقوبة الإعدام على الهوجنوت. ولابد أن هذا النقد قد انتشر انتشاراً واسعاً لأن كالفن أصدر في فبراير عام 1554 a Defensio orthodoxae fidei de sacra Trinitate contra Prodigiosos errores Michaelis Servetir دفاع محافظ على الشريعة عن القول بالثالوث المقدس ضد أخطاء ميكائيل سرفيتوس الفظيعة. وقال:ولما كان ذنبهم أعظم بكثير من أي جريمة أخرى فإن على السلطة المدنية أن تعاقب الهراطقة باعتبارهم أسوأ من أي سفاحين، ذلك لأن القتل العمد يؤدي إلى هلاك الجسد فحسب بينما الهرطقة المقبولة تعرض الروح للعذاب الأبدي في نار جهنم (وكان هذا بالضبط موقف الكاثوليك) وفضلاً عن هذا فإن الرب نفسه قد علمنا بصورة قاطعة أن نقتل الهراطقة وأن نضرب بالسيف أي مدينة تتخلى عن عبادة الرب وفق العقيدة الخالصة التي كشفها لنا بنفسه. واستشهد كالفن بسنن سفر الثنية القاسية 13 : 5-15 و17 : 2-5 وسفر الخروج 22 : 20 وسفر اللاويين 24 : 16 وناقش بها ببلاغة ملتهبة حقاً: "كل مَن يتمسك بأن الهراطقة والكفار لحقهم ضرر بمعاقبتهم يورط نفسه بأن يكون شريكاً لهم في جريمتهم... ولا محل هنا للحديث عن سلطة الإنسان فالرب هو الذي يتكلم، ومن الواضح أي شريعة احتفظ بها في الكنيسة إلى يوم القيامة. فلماذا يطلب منها مثل هذه القسوة الشديدة إذا لم يكن هذا ليرينا إننا لا نوفيه حقه من التبجيل ما دمنا لا نضع عبادته تعالى فوق أي اعتبار إنساني بحيث لا نبقي على آصرة قربى أو صلة دم بيننا وبين أي إنسان وأن ننسى كل إنسانية عندما يكون الأمر متعلقاً بالقتال في سبيل مجده تعالى؟
قصة الحضارة ج24 ص248-249، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> جون كالفن -> دعوة للتسامح
 
كالفن وتلميذه ودعوة للاضطهاد -بعد حرق سرفيتوس واعتراض عالم الإنسانيات سباسيان كاستيليو
:"فسباسيان كاستيليو الذي ولد في جورا الفرنسية عام 1515 أصبح حاذقاً للغات اللاتينية واليونانية والعبرية ودرس اليونانية في ليون وعاش مع كالفن في شتراسبورج فعينه مديراً لمدرسة اللاتينية في جنيف (عام 1541) وهناك شرع في ترجمة الكتاب المقدس بأسره إلى لغة شيشرون اللاتينية. وقد أعجب بكالفن رجلاً ولكنه كره المذهب القائل بالجبر وأضنى قواه تحت وطأة النظام الجديد الذي خضع له الجسد والعقل. واتهم في عام 1544 القساوسة في جنيف بالتعصب والدنس والسكر. واشتكى كالفن إلى المجلس، ووجد أن كاستليو مذنب بسبب الغيبة ونفي من المدينة (1544)، وعاش تسع سنوات في فاقة ومسبغة وهو يعول أسرة كبيرة، وكان يعمل أثناء الليل في إنهاء نسخته المترجمة من الكتاب المقدس...وحصل أخيراً (1553) على منصب أستاذ لليونانية في جامعة بازيل. وأحس بالعطف على الموحدين وتمنى لو استطاع أن يساعد سرفيتوس، وراعه دفاع كالفن عن تنفيذ حكم الإعدام. ونشر هو وكامليوس كوريو بأسماء مستعارة (مارس 1554) أول كتاب حديث من الكلاسيات عن التسامح: "هل يجب أن يضطهد الهراطقة؟ De haereticis an Sint persequendi.
وكان الهيكل الرئيسي للمؤلف مختارات من الشعر جمعها كوريو من الابتهالات المسيحية من أجل التسامح، من لاكتانتيوس وجيروم إلى أرازموس ولوثر في بواكير حياته وكالفن نفسه. واشترك كاستيليو في الجدال بالمقدمة والخاتمة...وقال كاستيليو: ...وهل يمكن أن تتصور أن المسيح يأمر بإحراق رجل حياً...وختم كلامه بقوله أية مأساة في أن نرى مَن حرروا أنفسهم أخيراً من محكمة التفتيش الرهيبة يقلدونها سريعاً في طغيانها، وأن يكرهوا الناس على أن يعودوا إلى الظلام السيمري بعد فجر واعد مثل هذا(77).
وعرف كالفن نزعات كاستيليو فتعرف على خطه في رسالته "الهراطقة"، وفوض مهمة الرد عليها لأذكى تلاميذه تيودور دي بيز أو بيز أو بيزا. وقد ولد تيودور في فيزيلاي من أسرة أرستقراطية، ودرس القانون في أورليانز وبورجس ومارسه بنجاح في باريس... ومما هو جدير بالملاحظة أن لاجئاً بروتستانتياً من فرنسا التي تضطهد الهوجنوت أخذ على عاتقه الدفاع عن الاضطهاد...حقاً إن العهد الجديد يبشر بسنة المحبة ولكن هذا ليس عذراً لنا لكي لا نقتص من اللصوص والقتلة، فكيف يبيح لنا هذا أن نبقى على الهراطقة؟. ...وفي عام 1562 نشر رسالته "نصيحة إلى فرنسا الحزينة"، توسل فيها عبثاً إلى الكاثوليك والبروتستانت بإنهاء الحروب الأهلية التي كانت تجتاح فرنسا...ومات كاستيليو فقيراً بالغاً من العمر ثمانية وأربعين عاماً (1563)، وقال كالفن إن وفاته المبكرة حكم عادل من إله عادل.
قصة الحضارة ج24 ص250-253، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> جون كالفن -> دعوة للتسامح
 
ثورة في المانيا تنكر ألوهية المسيح!! وكالفن البروتستانتي يحرض عليها!
وقطع رأس رجل انكر ألوهية المسيح المزعومة
وماذا كانت "عقيدة" عالم الإنساني"اتسباسيان كاستيليو" الذي اعترض على حرق العالم الذي درس الرياضيات وتأثر بالعلوم الإسلامية وهو "سرفيتوس"
قال ديورانت:"ولعل كالفن قد عرف ميل كاستيليو الخفي إلى مذهب الموحدين - الإيمان بإله ليس ثلاثة في واحد، ومن ثم رفض التسليم بألوهية المسيح، ويمكن أن يغتفر له أنه كان يرى في هذا الشك الأساسي بداية النهاية للمسيحية.. وخشي من هذه الهرطقة أكثر من أي شيء آخر لأنه وجدها متفشية في مدينة جنيف ذاتها، وفوق كل شيء بين اللاجئين البروتستانت الفارين من إيطاليا وهاجمت ثورتهم الدعوة الأساسية للمسيحية وهي أن المسيح ابن الله. وكان لماتيو جريبالدي، وهو أستاذ في فقه القانون في بادو، بيت صيفي بالقرب من جنيف، وتكلم بصراحة أثناء محاكمة سرفيتوس ضد العقاب بسبب الآراء الدينية، ودافع عن حرية العبادة - بالنسبة للجميع، فدعي للمثول أمام المجلس، ونفي من المدينة إذ اشتبه في أنه يؤيد مذهب الموحدين (1559) وكفل لنفسه التعيين في وظيفة أستاذ للقانون في جامعة تيبنجن. وأرسل كالفن إلى الجامعة كلمة عن شكوك جريبالدي. فألزمته بأن يوقع اعترافاً يقر فيه بالتثليث، وبدلاً من أن يخضع فر إلى بيرن حيث مات متأثراً بداء الطاعون في عام 1564. واستدعى جيوروجيو بلاندراتا، وهو طبيب إيطالي يقيم في مدينة جنيف للمثول أمام المجلس بتهمة مناقشة ألوهية المسيح، ففر إلى بولندة حيث وجد شيئاً من التسامح بالنسبة إلى هرطقته.
وأعرب فالنتينو جنتيلي، من كالابريا، صراحة عن آرائه المؤيدة لمذهب الموحدين في مدينة جنيف، فألقى في غياهب السجن حكم عليه بالإعدام (عام 1557) فتراجع عن أقواله وأطلق سراحه وذهب إلى ليون فقبضت عليه السلطات الكاثوليكية، بيد أنه أطلق سراحه عندما أكد لهم أن مصلحته الرئيسية تكمن في دحض مزاعم كالفن. وانضم إلى بلاندوراتا في بولندة، وعاد إلى سويسرة حيث اعتقله حكام بيرن وأدين بتهمة الحنث بقسمه والهرطقة وقطعت رأسه (1566).
قصة الحضارة ج24 ص452-255، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> جون كالفن -> كالفن إلى النهاية
 
أمراض كالفن قبل موته
:"ووسط هذه المعارك في سبيل الرب استمر كالفن يعيش في بساطة وقد حكم جنيف بقوة شخصية مسلحة بأوهام أتباعه. وتدعم مركزه بمرور السنين. وكان ضعفه الوحيد في جسده الواهن: كان يشكو من آلام في رأسه والربو وسوء الهضم والحصوة والنقرس، وهصرت الحمى جسده وأبرزت عظمه وشكلت وجهه فبدت تقاطيعه مشدودة تنم على القسوة والكدر. وأصيب بمرض في 1558-59 استمر طويلاً وتركه ضعيفاً واهناً مصاباً بنزيف متكرر من الرئتين. واضطر بعد ذلك إلى ملازمة الفراش معظم الوقت على الرغم من أنه مستمر في الدراسة والتوجيه والوعظ حتى عندما كان يحمل حملاً في مقعد إلى الهيكل المقدس. وحرر وصيته في يوم 25 أبريل عام 1564 وهو واثق تمام الثقة من اختياره للمجد الأبدي. ...وبعد مرور بضعة أيام قضاها كالفن في الصلاة والعذاب وجد السلام (27 مايو عام 1564). وكان تأثيره أعظم من تأثير لوثر، ولكنه سار في طريق كان لوثر قد مهده، فقد أسبغ لوثر حمايته على الكنيسة الجديدة بإحياء القومية الألمانيّة لتأييدها وكانت الحركة ضرورية، ولكنها ربطت اللوثرية رباطاً وثيقاً بالأصول التيوتوية، ولقد أحب كالفن فرنسا وجاهد لكي يرفع من شأن قضية الهوجنوت ولكنه لم يكن وطنياً فقد كان الدين بلده، وعلى هذا فإن عقيدته، مهما لحقها من تعديل، استلهمت البروتستانتية في سويسرة وفرنسا وسكوتلندة وأمريكا، واستولت على قطاعات كبيرة من البروتستانتية في هنغاريا وألمانيا وهولندة وإنجلترا.
قصة الحضارة ج24 ص255-256، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> جون كالفن -> كالفن إلى النهاية
 
خطب فتاة في الثالثة من العمر وعمره 12 عام
ملك فرنسا في القرن السادس عشر!
:"فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا (1515 - 59)ولد تحت شجرة في كوفياك في اليوم الثاني عشر من سبتمبر عام 1494، وجده هو شارل أورليان الشاعر، وربما كان الغناء وحب الجمال في دمه، وأبوه شارل أوير فالوا وأورليان، كونت أنجوليم، الذي مات بعد أن اقترف الكثير من الآثام، وكان فرانسيس لم يتجاوز بعد العام الثالث من عمره، وأمه لويز أميرة سافوي، وهي امرأة على جمال واقتدار وطموح، تتعشق الثراء والسلطة. وقد ترملت في السابعة عشرة من عمرها، وأبت الزواج من هنري السابع ملك إنجلترا، ووقفت جهدها - إذا استثنينا بعض العلاقات المحرمة - على إعداد ابنها ليكون ملكاً على فرنسا... وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره (1506) خطبوا له كلود أميرة فرنسا، ابنة لويس الثاني عشر، البالغة من العمر سبع سنوات. وكانت موعودة بأن تكون خطيبة للصبي الذي قدر له أن يصبح الإمبراطور شارل الخامس، إلا أن الخطبة فسخت لكي تتجنب فرنسا الوقوع في براثن أسبانيا، وكان هذا موضوعاً واحداً من مئات موضوعات الاستفزاز التي حفزت إلى الصراع بين بيتي هابسبورج وفالوا من الفتوة إلى الموت. وعندما بلغ فرانسيس الرابعة عشرة من عمره، أمر بأن يهجر والدته وأن ينضم إلى لويس في شينون، وتزوج كلود عندما بلغ العشرين، وكانت فتات بدينة بليدة عرجاء، ولوداً صالحة، وأنجبت منه أطفالاً في أعوام 1515، 1516، 1518، 1520، 1522، 1523 وماتت عام 1524...وصمم فرانسيس، وكان في تصميمه أقوى من ليو العاشر، على أن ينعم بعرشه.
ترى ماذا كان في الواقع ذلك الرجل الذي يجمع بين صفات آرثر ولانسلوت؟ إنه كان رائع التكوين من الناحية البدنية، لو لم يكن أنفه كبيراً على ذلك النحو. وقد أطلق عليه بعض معاصريه الذين يفتقرون إلى الاحترام لقب "الملك الأنف الكبير"...وقد كتب برانتوم، الذي لا يعد كتابه "نسوة عاشقات" مصنفاً تاريخياً، في ذلك الوقت يقول: "لقد عشق الملك فرانسس الكثيرات، وأحب الكثيرات إلى حد الافراط، ولما كان شاباً فتياً حراً فقد كان يحتضن الواحدة حيناً، والأخرى أحياناً بلا اكتراث... ومن أجل ذلك أصيب بمرض الجدري الذي عجل بنهايته"(1). ويروى أن أم الملك قالت إنه لقي جزاءه حيث اقترف خطيئته . وربما بالغ التاريخ في تنوع غرامياته. ومهما كان عددها، فإنه ظل وفياً مخلصاً في الظاهر أولاً لفرانسواز دي فوا، كونتيسة دي شاتوبريان
قصة الحضارة ج25 ص1--3، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا -> الملك الأنف الكبير
:"بيد أنه أدهش الكثيرين بتنوع معارفه ودقتها عن الزراعة والصيد والجغرافية والعلوم الحربية والأدب والفن، وكانت الفلسفة تلذ له عندما لا تتعارض مع الحب أو الحرب. وكان شديد التهور والاندفاع إلى درجة لا يصلح معها قائداً عظيماً...أما لويس الثاني عشر الذي كان يعجب به "بوصفه شاباً شهماً رقيقاً". فقد رأى في توجس إفراط خلفه في الملذات، وقال: "لا فائدة من كل ما نعمل، إن هذا الولد العظيم سوف يفسد كل شيء"(ص4،5)
 
فرانسيس الأول وملذاته وتجارته
:"وكانت التجارة تنطلق من مارسيليا، وتجوب البحر الأبيض المتوسط، وتجني الربح بفضل العلاقات الودية التي جرؤ فرانسيس على الاحتفاظ بها مع سليمان والأتراك. وغنم فرانسيس من هذا الاقتصاد، على غرار ما كانت تفعله الحكومات، دخولاً وصلت إلى الحد الذي يدفعه إلى التسامح. وكانت ضريبة الملك أو السيد، التي تفرض على الرءوس والأموال، تثقل كاهل الجميع، ما عدا النبلاء ورجال الدين، وكان الأخيرون يدفعون للملك ضرائب عشور ومنحاً كنسية، أما النبلاء فكانوا يقدمون الفرسان ويجهزونهم، وكان هؤلاء الفرسان لا يزالون عماد الجيوش الفرنسية وقوتها الضاربة. وتلقى فرانسيس درساً من البابوات فباع - وأنشأ للبيع - ألقاباً للنبلاء ومناصب سياسية. وبهذا كون الأغنياء الجدد على الأيام طبقة أرستقراطية جديدة (كما حدث في إنجلترا)، وأسس المحامون بشرائهم للمناصب، بيروقراطية قوية كانت تدير حكومة فرنسا - وأحياناً بغير علم الملك.
ولم يجد الملك بسبب انهماكه في الملذات وقتاً كافياً يدير فيه شئون الحكم، فأناب عنه في تولي مهامه، حتى في رسم سياساتها، رجالاً مثل أمير البحر بونيفيه وآن دي مونمورنسي والكردينالين دوبرا ودي تورنون والفيكونت دي لوتريك. وكانت هناك ثلاثة مجالس تعاون هؤلاء الرجال والملك وتشير عليهم بالرأي، وهي: مجلس خاص من النبلاء، ومجلس أخص للشئون، ومجلس موسع ينظر في طلبات الاسترحام المقدمة إلى الملك. وفيما عدا هذا كان المجلس النيابي في باريس، ويتألف من 200 عضو من العلمانيين ورجال الدين، يعينهم الملك مدى الحياة، بمثابة محكمة عليا. وكان له الحق في الاعتراض عليه عندما يرى أن مراسيمه تتعارض مع قوانين فرنسا الأساسية، وكانت مراسيمه تظل تفتقر إلى قوة القانون إلى أن تقوم هذه الهيئة القديمة بـ "تسجيلها"- بل بالتصديق عليها في واقع الأمر.
ولما كان المحامون والشيوخ يغلبون على المجلس النيابي في باريس، فقد أصبح الجهاز القومي السياسي للطبقات الوسطى وأضحى- بعد السوربون- أكبر هيئة محافظة في فرنسا.
قصة الحضارة ج25 ص6، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا -> فرنسا
 
يتبع المنشور السابق
فرانسيس الأول
:"ولعل النساء - اللاتي وهبهن جمال الفن، الذي لا تلحقه الشيخوخة - هن اللاتي أضفين على بلاط فرانسيس الأول رونقاً جميلاً وحافزاً على البهجة لا نظير لها حتى في لقصور الإمبراطوريّة بروما. وكان كل الحكام في أوربا يفرضون المكوس على شعوبهم ليهيئوا لأنفسهم صورة مصغرة لهذا الحلم الباريسي... وأصبحت حكومة فرنسا آنذاك مزدوجة الجنس. فكان فرانسيس يحكم في الظاهر حكماً مطلقاً، بيد أنه كان يعشق النساء إلى درجة جعلته يخضع لأمه وشقيقته بل وزوجته. ولابد أنه كان يحب كلود إلى حد ما لأنها ظلت على الدوام حاملاً منه. وقد تزوجها لأسباب تتعلق بمصلحة الدولة، وشعر بأنه من حقه أن يقدر نساء أخريات خلقن في صورة فنية أجمل منها. وحذت الحاشية حذو الملك في ممارسة فن فحش ظريف. ووطن رجال الدين أنفسهم على قبول هذا الوضع بعد إبداء الاعتراض المناسب، أما الشعب فلم يبدِ أي اعتراض، ولكنه قلد شاكراً سنة الحاشية الدمثة - ما عدا فتاة واحدة، قيل لنا إنها شوهت جمالها عمداً لتنجو من الفسق الملكي (1524)
قصة الحضارة ج25 ص9-11، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا -> فرنسا
 
أخت فرانيسي الأول"مرجريت أميرة نافار "
وتكبر فرانسيس بعامين(ص12) (وكان بلاطها في نراك أوبو من أعظم المراكز الأدبية تألقاً في أوربا)(تزوجت، وكانت وقتذاك في الخامسة والثلاثين، من هنري دلبريه، الملقب بملك نافار، وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره)(وأنجبت عام 1528 إبنة لهنري هي جان دلبريه، التي قدر لها أن تحظى بالشهرة باعتبارها أم هنري الرابع)
قال ديورانت
". وكانت عقيدتها الدينية معقدة ومبلبلة مثل مفهومها عن الحب. وكما أن أنانية أخيها لم تكدر ولاءها له فإن ما تعرضت له في حياتها من مآس وأحداث قاسية تركت عقيدتها الدينية خالصة متحمسة وغير محافظة على أية حال. وكانت تمر بها لحظات يراودها فيها الشك، فقد اعترفت في كتاب: "مرآة الروح الخاطئة" بأنها قد شكت في بعض الأوقات في الكتاب المقدس وفي الرب على السواء، واتهمت الرب بالقسوة، وتساءلت هل هو حقاً الذي أنزل الكتاب المقدس؟(27). وفي عام 1533 استدعتها السوربون لتجيب على اتهام بالهرطقة، فتجاهلت الاستدعاء، وقال راهب لجمهور أبرشيته إنها تستحق أن توضع في جوال ويخاط عليها وتلقى في نهر السين(28). ولكن الملك أبلغ السوربون والرهبان بأن يتركوا شقيقته وشأنها، ولم يصدق ما وجه إليها من اتهام وقال: "إنها تحبني كثيراً إلى حد أنها لا تؤمن إلا بما أومن به(29"). وكانت سعادته بالغة وثقته بنفسه لا حد لها إلى درجة جعلته يحلم بأنه من الهوجنت. ولكن مرجريت استطاعت أن تفعل ذلك، وكان لديها إحساس بالاثم، وصنعت من هفواتها قنن جبال. وكانت تحتقر الهيئات الدينية وترى أنها تافهة لا جدوى منها. ولا هم لها إلا الإسراف في ارتكاب الخطايا، وشعرت بأن الإصلاح قد فات أوانه من عهد طويل. وقرأت طرفاً من الأدب اللوثري واستحسنت هجماته على فجور رجال الدين وجشعهم، ودهش فرانسيس عندما وجدها تصلي يوماً مع فرويل(30) - وهو يوحنا المعمدان - عند كالفن. وبينما كانت لا تنقطع للصلاة للعذراء في نيراك وبو في ورع الواثق بنفسه، فإنها أسبغت حمايتها على اللاجئين من البروتستانت ومنهم كالفن نفسه. ومهما يكن من شيء فإن كالفن ساءه كثيراً أن يجد في بلاطها مفكرين أحراراً مثل إتيين دوليه، بونافنتير ديبرييه وعنفها على تساهلها ولكنها استمرت فيه. ولكم كان يسرها لو أنها صاغت مرسوم
نانت لحفيدها. ولقد اجتمعت في مرجريت في لحظة من اللحظات خصائص عصر النهضة وعهد الإصلاح الديني(31).
وانتشر تأثيرها في فرنسا وكانت كل نفس حرة تتطلع إليها باعتبارها حامية لها ومثالاً للحرية. وقد أهدى إليها رابليه كتابه Gargantua. وكان رونسار ويواقين دي بلاي يحذوان حذوها بين آن وآخر في صوفيتها الأفلاطونية والأفلاطونية. وإن ترجمات مارو للمزامير لتفوح منها أنفاس روحها نصف الهيجونوتية. وترنم بايل في القرن الثامن عشر بنشيد لها في معجمه، وفي القرن التاسع عشر قدم لها ميشليه البروتستانتي في المحفوظة الشعرية المطولة الرائعة التي لا يمل الناس سماعها والمسماة "تاريخ فرنسا" ما يعبر عن شكره بقوله: "فلنتذكر دائماً ملكة نافار الرقيقة، هذه الملكة التي وجد قومنا الهاربون من السجن أو المحرقة في أحضانها الأمان والاحترام والصداقة. إننا نعبر عن شكرنا لكِ أيتها الأم الحبيبة لنهضتنا. لقد كان بيتكِ دار قديسينا وكان قلبكِ عشاً لحريتنا(32)".
قصة الحضارة ج25 ص18-19، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا -> مرجريت أميرة نافار
 
تحلل الملك -ملك فرنسا فرانسيس الأول-والعبيد حتى الرهبان
قساوسة ورهبان فساق وعميان في القرن السادس عشر
وفي هذه الفترة "تأميم المسيحية!
قال ديورانت واصفا الأوضاع لذلك العصر الفرنسي
:"قساوسة جهلة أو خائرو العزيمة. ورهبان كسالى وفاسقون ورهبان ينبشون عن المال ويتظاهرون بالفقر. وأخواة ضعيفات في الأديان وأساقفة يؤثرون عرض الدنيا ويعرضون عن ثواب الآخرة. وبينما ارتفع شأن التعلم هوى الإيمان، وبينما كان لرجال الدين النصيب الأكبر في التعليم فإنهم أظهروا بسلوكهم أنهم لم يعودوا يتأثرون بفلسفة الحشر والنشر المروعة، التي أملتها عليهم يوماً عقيدتهم الرسمية. وخص بعض الأساقفة أنفسهم بعدد وافر من المناصب والكراسي الأسقفية، وعلى هذا احتفظ جين ديلورين وتمتع بإيرادات من أسقفيات منز ونول وفردان وأبرشيات ريمس وليون وناربون وألبي وماكون وآجن ونانت وأديار جورز وفيكامب وكلوتي ومارموتيين وسالنا - أورين وسان ده لاون وسان جرميه وسان مدار ده سواسون وسان- مانس دي تول(33). ولم تكفيِ هذه لتلبية احتياجاته وشكا من الفقر(34). وندد الرهبان بتكالب الأساقفة على عرض الدنيا، وندد القساوسة بالرهبان، ويستشهد برانتوم بعبارة شاعت في فرنسا وقتذاك وهي: "إنه شحيح أو فاسق كأنه قسيس وراهب(35"). وأول جملة في الأيام السبعة تصف أسقف سيس بأنه يتلهف على إغراء امرأة متزوجة. وهناك اثنتا عشرة قصة في الكتاب تروي بالتفصيل الأعمال المماثلة لرهبان مختلفين، وتقول إحدى الشخصيات: "عندما تقع عيناي على راهب يتملكني رعب شديد إلى حد أني لا أستطيع حتى أن أعترف لهم، لأني أعتقد أنهم أسوأ من كل الرجال الآخرين(36)". وتسلم وازيل - وهو الاسم الذي أطلقته مرجريت على أمها في الأيام السبعة - بأنه بينهم رجالاً صالحين ولكن هذه السيدة نفسها لويز أميرة سافوي كتبت في يومياتها تقول: "في عام 1522... بدأنا أنا وابني، بنعمة الروح القدس نعرف المنافقين، الأبيض والأسود والأشهب والقاتم. ومن كل الألوان أولئك الذين يحفظنا الرب برحمته الواسعة منهم ويدفع عنا أذاهم، لأنه إذا لم يكن المسيح كاذباً فليس بين كل أبناء البشرية جيل أخطر منهم(37)".
ومع ذلك فإن جشع لويز وتعدد نساء ابنها وأخلاق حاشيتها النزاعة إلى الفوضوية لم تكن نموذجاً يحتذيه رجال الدين الذين كانوا خاضعين للملك إلى حد كبير. وفي عام 1516 حصل فرانسيس من ليو العاشر على اتفاقية بابوية تخوله الحق في تعيين أساقفة فرنسا ورهبانها، ولكنه لما أسرف في هذا التعيين الذي لجأ إليه لمكافأة مَن أدوا له خدمات سياسية، تأكدت الصفة الدنيوية للأسقفية. ونصت الاتفاقية البابوية السارية المفعول على أن تكون الكنيسة الجاليقية مستقلة عن البابوية وتابعة للدولة. وبهذه الوسيلة حقق فرانسيس قبل أن ينشر لوثر رسائله بعام، في الواقع، وإن لم يبد ذلك لحس الحظ في الشكل، ما كان قميناً بأن يكسبه الأمراء الألمان وهنري الثامن بالحرب أو الثورة ألا وهو تأميم المسيحية. وماذا كان في وسع الفرنسيين البروتستانت أن يقدموه لملك فرنسا أكثر من هذا؟
قصة الحضارة ج25 ص19-20، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا -> الفرنسيون البروتستانت
 
أعجبني لفظ: الزيادات الكهنوتية
مع أن عقيدة المسيحيين كلها والتي آمن بها لوثر وكالفن وأرازموس وجاك ليفيفر أي عقائد الطوائف المسيحية الكبرى ، هي زيادرات كهنوتية كما بينت في كتابي الجزء الثاني المسمى جماعة شهود يهوه والمطبوع عن دار الدعوة عام 1998
قال ديورانت:"جاك ليفيفر، المولود في أنابل في بيكاردي والذي قام بالتدريس في جامعة باريس بعد ذلك، بنشر ترجمة لاتينية لرسائل بولس مع شرح يفسر، بين هرطقات أخرى، اثنتين منها، كانتا حريتين بأن تكونا بعد عشر سنوات متفقتين في الأساس مع لوثر ..طالب ليفيفر مثل لوثر بالعودة إلى الإنجيل، وسعى مثل أرازموس إلى استعادة النص الصحيح للعهد الجديد، وتوضيحه كوسيلة لتطهير المسيحية من أساطير القرون الوسطى والزيادات الكهنوتية.
قصة الحضارة ج25 ص21، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا -> الفرنسيون البروتستانت
ففضلا عن انه يؤمن بالثالوث والفدية والخلاص بموت ربهم المزعوم فأن جاك ليفيفر مثلا يذهب إلى :"وإن المسيح موجود في القربان المقدس بفعله وإرادته الطيبة، لا بأي تجسيد كهنوتي للخبز والنبيذ"(نفس الصفحة)
وهو الرجل الذي عينه فرانيسي الأول أميناً للمكتبة الملكية في بلوا ومربياً لأطفاله. . (نفس الصفحة)
 
بروتستانتي آخر يحرق حيا بالنار من قبل الكاثوليكية(المجلس النيابي في باريس)
والشعب الفرنسي الكاثوليكي راض عن اعدامات اخرى (القرن السادس عشر) !!!(أيام فرانسيس الأول)
:"وعندما نشر الأسقف بريسونيه عام 1523 على أبواب كاتدرائيته كتاباً للبابا عن صكوك الغفران مزقه جان لكلير، وكان يعمل في تمشيط الصوف في مو ووضع مكانها إعلاناً ملصوقاً يصف البابا بأنه مناهض للمسيحية، فقبض عليه، ووسم بالنار على جبهته (1525) بناء على أمر المجلس النيابي لباريس. فانتقل إلى ميتز وهناك حطم التماثيل الدينية، التي كان من المقرر أن يمر أمامها موكب لتقديم البخور. وقطعت يده اليمنى واجتث أنفه، وانتزعت حلمتا ثدييه بملقط، وربط رأسه بشريط من الحديد المحمى إلى درجة الاحمرار. وأحرق حياً (1526)(39). وأرسل عدد كبير من المتطرفين الآخرين إلى المحرقة في باريس بتهمة "التجديف" أو لإنكارهم ما للعذراء والقديسين من تفويض في الشفاعة (1526-27).
وكان شعب فرنسا يؤيد بوجه عام عمليات الإعدام هذه(40) وكان يحب عقيدته الدينية ويرى أنها وحي من لدن الله ومن قوله، ويمقت الهراطقة لأنهم يسلبون من الفقراء أعظم عزاء عنده
قصة الحضارة ج25 ص22-23، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا -> الفرنسيون البروتستانت
تكملة النص:وقد تسامح فرانسيس نفسه مع الدعاية اللوثرية ما دامت غير منطوية على أي تهديد بقيام فتنة اجتماعية أو سياسية، وكانت له بدوره شكوكه الخاصة - في سلطات البابا وبيع صكوك الغفران ووجود المطهر(41)، ولعله رأى أن يستخدم تسامحه مع البروتستانتية سلاحاً يشهره ضد بابا يميل كثيراً إلى الانحياز لشارل الخامس. وكان يعجب بأرازموس وسعى إليه لتعيينه في الكلية الملكية الجديدة، وكان يؤمن معه بتشجيع التعليم والإصلاح الكهنوتي...ولكن فرانسيس أفزعته ثورة الفلاحين في ألمانيا التي يبدو أنها نشبت نتيجة الدعاية البروتستانتية، وقبل أن يرحل ليلقى الهزيمة في بافيا أمر الأساقفة بسحق الحركة اللوثرية في فرنسا. وبينما كان الملك أسيراً في مدريد، سجن بركان مرة أخرى ولكن مرجريت حصلت ثانية على أمر بإطلاق سراحه. وعندما فك إسار فرانسيس نفسه انهمك في يوبيل للتحرر، ولعله فعل هذا إقراراً بفضل شقيقته التي سعت كثيراً، لتحريره، فاستدعى ليفيفر وروسل من المنفى وشعرت مرجريت بأن الحركة من أجل الإصلاح الديني قد ظفرت بيومها الموعود.
ج25 ص23-24
 
عودة
أعلى