التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

يظن كثيرون من العلمانيين أن التنجيم انتهى بالعلمانية ونقول إن التنجيم حاضر في أوروبا في مجالات عدة منها المجال الشرطوي في بعض البلاد يستعينون به وبالعرافة على معرفة الجريمة ومايتعلق بها(زعموا) وكذلك يؤمن أغلب النساء في أوروبا كلها بتأثير النجوم على قدر الإنسان رغم عدم إيمانهن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر!!
فكثير من الاوروبيين مازالوا -مع رفضهم للدين-يؤمنون بأمور هي أشبه بالخرافات منها بالحقائق وقد يؤمنون بالجن مثلا وبالأرواح(خصوصا أرواح الأموات أنها تحضر في البيوت ويستدعون لها في البرامج التلفزيونية من يكلمها أو يخرجها أو يتفاهم معها او يقابلها وينقل الأخبار السارة لأهلها!!)
اما نص ديورانت التالي ففيه كلام عن التنجيم في مخادع الملوك ...وخرافات أوروبية منتشرة والتطرف في امور الايمان بالسحر كمثال
:"ولم تدرس النجوم من أجل هداية السفن أو تحديد المواسم الدينية فحسب وإنما درست من أجل التنبؤ بما يقع على الأرض من أحداث وما يخبأ للأشخاص من مصير. ويبدو أن التأثير النافذ للمناخ والفصول وعلاقة المد والجزر بالقمر والتوقيت القمري للطمث عند المرأة واعتماد الزراعة على أحوال السماء وكيفياتها، إنما تبرر مزاعم التنجيم بأن سماء اليوم تكشف عن أحداث الغد. وكانت أمثال هذه التنبؤات تنشر بانتظام (كما هو الحال الآن) وتبلغ جمهوراً كبيراً متعطشاً لها. ولم يكن الأمراء يجسرون على القيام بحملة أو واقعة أو رحلة أو تشييد بناء إلا إذا حصلوا على تأكيد من المنجمين بأن النجوم في أوضاع ملائمة لهذه الأغراض. ولقد حرص هنري الخامس ملك إنجلترا على الاحتفاظ بإسطرلاب ليرسم خريطة السماء، ولما جاء زوجته المخاض قرأ بنفسه طالع الطفل وكان بلاط متياس كورفينوس الذي يضم صفوة المثقفين يرحب بالمنجمين ترحيبه بعلماء الإنسانيات...وكانت كتب السحر من أروج الكتب في ذلك العصر. ولقد عُذب أسقف كاهورز وجلد وألقى به في المحرقة (1317) بعد أن اعترف بأنه أحرق تمثالاً من الشمع للبابا يوحنا الثاني والعشرين آملاً أن يلقى الأصل، مصير الشمع، كما وعد بذلك فن السحر. واعتقد الناس أن فطير القربان بتقديس القسيس ينزف دم المسيح إذا خدش. وخبت شهرة الكيماويين، ولكنهم استمروا في أبحاثهم الأمينة وخدعهم البراقة على السواء وفي الوقت الذي أنكرتهم فيه المراسيم الملكية والبابوية فقد أقنعوا بعض الملوك الكيمياء قد تفعم الكنوز متى نضبت. وكان السذج يبتلعون "الذهب المذاب" الذي أكد لهم أنه يشفي كل شئ إلا الغفلة (ولا يزال المرضى والأطباء يتعاطون الذهب في علاج داء المفاصل)..
ونافس علم الطب في كل خطوة من خطواته، التنجيم وعلوم الدير والدجل. ونسب الأطباء تقريباً تشخيص مرض من الأمراض إلى البرج الذي ولد أو مرض فيه المريض، وهكذا كتب الجراح العظيم جي ده شولياك (1363): "إذا جرح امرؤ في عنقه والقمر في برج الثور، فالإصابة خطيرة" ومن أقدم الوثائق المطبوعة، تقويم نشر في منيز (1462) يبين أحسن الأوقات من ناحية طوالع النجوم لفصد الدم. ونسبت الأوبئة بين جمهرة الناس إلى اجتماع سيئ الطالع بين النجوم. وأرجح ملايين المسيحيين، الشفاء إلى العقيدة وربما كان ذلك لخيبة أملهم في الطب. وذهب آلاف إلى ملوك فرنسا وإنجلترا يستشفون من الدرن الخنزيري بلمسة ملكية ويبدوا أن هذه العادة قد بدأت بلويس التاسع الذي أدت قداسته إلى الاعتقاد بقدرته على عمل المعجزات. وظن الناس أن قوته، قد انتقلت منه إلى خلفائه، كما انتقلت عن طريق إيزابلا أميرة فالوا. وهي أم إدوارد الثالث، إلى ملوك إنجلترا. وحج آلاف أكثر إلى أضرحة تشفي المرض؛ وحولوا بعض القديسين إلى أطباء متخصصين، وهكذا اكتظت كنيسة القديس فينوس بالمصابين بداء الرقص الزنجي، إذ ساد الاعتقاد بأن هذا القديس متخصص في علاج هذا المرض وأصبح قبر بييرده لكسمبورج، وهو كارينال مات في الثانية عشرة من عمره بسبب غلوائه في الزهد، مزاراً محبباً، ونسب شفاء ألف وتسعمائة وأربعة وستين شخص إلى قدرة عظامه السحرية، وذلك في خلال خمسة عشر شهراً من وفاته. وراجت صناعة الدجالين، ولكن القانون بدأ يقاومهم. ففي عام 1382 حكم على روجر كليرك، الذي ادعى علاج المرضى بالرقي، أن يسير في شوارع لندن راكباً وقد علقت المباول حول عنقه.
واعتقد معظم الأوربيين في السحر، أو بعبارة أخرى ، في قوة بعض الأشخاص على التحكم في الأرواح الشريرة والحصول على معاونتها- لقد كانت القرون المظلمة متنورة نسبياً في هذه الناحية. ولقد أنكر القديسان بونيفاس واجوبارد الاعتقاد في السحر باعتباره ذنباً وعملا يوجب السخرية، وجعله شارلمان جريمة يعاقب مقترفها بالإعدام وكان يشنق كل شخص يتهم بصناعة السحر، وحرم البابا جريجوري السابع هلديبراند، على محكمة التفتيش، أن تحاكم السحرة على أنهم السبب في العواصف والطواعين ولكن تأكيداً الوعاظ لحقيقة جهنم ومكائد إبليس أذكى الاعتقاد الشعبي في وجود الشيطان وشره في كل مكان أو وجود أحد أعوانه، وكم من عقل مريض أو نفس يائسة اعتصمت بفكرة استحضار أمثال هذه الشياطين لمعاونتها. واتهم بالسحر أنواع شتى من الناس، يدخل فيهم البابا بونيفاس الثامن. ولقد شنق الرجل الأرستقراطي انجراند ده ماريني بتهمة السحر عام 1315، وأمر البابا جون الثاني والعشرون عام 1317 بقتل عدد من الأشخاص غير المعروفين، لأنهم دبروا اغتياله مستعينين بالشياطين. وأنكر جون مراراً الالتجاء إلى الشياطين وأمر باضطهاد من يقترفه، وفرض العقوبات عليه، ولكن الناس فسروا مراسيمه بأنها تؤيد اعتقادهم في وجود القوى الشيطانية وإمكان الانتفاع بها. وتضاعف الاتهام بالسحر بعد عام 1320، وشنق كثير من المتهمين أو ألقي بهم في المحرقة. وساد في فرنسا الرأي القائل بأن شارل السادس قد أصيب بالجنون بوسائل سحرية، واستخدم ساحران لإعادة العقل إليه، فلما أخفقا جز رأساهما (1397). وفي عام 1397 أصدرت كلية الدين بجامعة باريس، ثمانية وعشرين مقالة تحرم السحر، وإن اعترفت بقدرته بين حين وآخر. وعد قاضي القضاة جرسون أن من الهرطقة أن يناقش المرء وجود الشياطين أو نشاطها.
أما الكهانة فهي ممارسة السحر بوساطة أشخاص نسبوا إلى عبادة إبليس باعتباره كبير الشياطين الذين يعملون على استخدامها في اجتماعات ليلية أو سبتية. ويذهب الاعتقاد الشعبي إلى أن السحرة، وأغلبيتهم من النساء يزودون بقوى خارقة في مقابل عبادتهم لإبليس. وانتدابهم على هذا الوجه يجعلهم يسيطرون على النواميس الطبيعية، ويجلبون النحس أو الموت لمن يريدون. وأيد علماء أمثال اراومس وتوماس مور وجود الكهانة في الواقع، وشك فيها بعض القسس في كلونيا، وأيدت وجودها جامعة كلونيا. وزعم معظم رجال الكنيسة- ويوافقهم في ذلك بعض المؤرخين من غير رجال الدين إلى حد ما- أن الاجتماعات السرية بالليل إنما هي تعلات لعلاقات جنسية مختلطة ولتحريض الشباب على الفسق، واعترف بعض السحرة اعترافا مزعوماً أو بالأعمال الشريرة التي أسندت إليهم، وذلك إما بوساطة وهم مخبول، وإما للتخلص من التعذيب، ولعل هؤلاء السحرة الشعبيين قد قاموا بما يشبه التحذير النهائي لمسيحية مثقلة، وبنزعة ترفيهية من ناحية ومتمردة من ناحية أخرى لعبادة إبليس باعتباره العدو القوي لإله يحكم على كثير من المباهج بالكبت ويلقى بكثير من الأرواح في الجحيم، وقد تذكر هذه الشعائر الخفية وتؤكد من جديد العقائد في الأعياد الوثنية لآلهة الأرض والحقل والغابة الخاصة بالتناسل والإخصاب أمثل باخوس وبريابوس وسيريس دفلورا.
واجتمعت جهود الأوساط المدنية والدينية علة قمع ما رأوه أكبر فساد وكفر. وانتدب عدد من البابوات- في الأعوام 1374 و1409 و1347 و1451 وبخاصة البابا إنوسنت الثامن عام 1484- عملا في المحكمة التفتيش للتصرف مع السحرة باعتبارهم هراطقة منبوذين، تصيب جرائمهم ووسائلهم الثمرات والأرحام بالأذى، وقد تحول مزاعمهم جماعات بأسرها إلى الشيطنة واعتمد البابوات اعتماداً حرفياً على آية في سفر الخروج (الإصحاح 22: الآية 18) "لن تترك ساحرة تعيش". ومع ذلك فإن المجالس الكنيسة فبل سنة 1446 كانت تكتفي بالعقوبات المعتدلة إلا إذا كان المذنب السابق عنه قد عاد إلى سابق إجرامه. ولقد أحرقت محكمة التفتيش عام 1446، عددا من السحرة في هيلدلبرج، وأحرقت عام 1460 أثنى عشر رجلا وامرأة في أراس، وأطلق عليهم الفودوا كما أطلق على الهراطقة (waldenses) وقام السحرة في فرنسا برحلة عبر الأطلنطي حتى أطلقت كلمة فودوويزم voodooism على سحر الزنوج في المستعمرات الفرنسية في أمريكا.وفزع جاكوب سبرنجر قاضي محكمة التفتيش الدومينيكي فزعاً شديداً من انتشار السحر فأصدر عام 1487 دليلا رسميا لمطاردة السحرة عنوانه: "مطرقة السحرة". وقدم مكسميليان الأول وكان إذ ذاك ملك الرومان لهذا الدليل برسالة تقريظ قال فيها أعظم أثر هائل ضد الخرافة أنتجه العالم. وقال سبرنجر إن هؤلاء النسوة الشريرات بتقليب خميرة شيطانية في قدر أو بوسائل أخرى، يستطعن إحضار أسراب من الجراد والديدان لتلتهم محصولا كاملا، وهن يستطعن أن يصبن الرجال بالعقم ويجعلن النساء عقيمات، ويغضن لبن المرضع أو يجهضن الحامل، ويستطعن بنظرة واحدة فقط أن يجلبن الحب أو الكراهية، المرض أو الوفاة. ويخطف بعضهن الأطفال ويشوينهم ويأكلونهم. ويستطعن رؤية الأشياء عن بعد ويتنبأن بالجو، وفي إمكانهن أن يحولن أنفسهن أو غيرهن إلى حيوانات، وختم بحثه بقوله إن ذلك لأن النساء أخف رؤوسا وأكثر شهوة من الرجال، وأضاف أنهن، إلى هذا كله، وسائل محبوبة دائمة لإبليس. ولقد أحرق ثمانية وأربعين منهن في مدى خمس سنوات. ومنذ عهده، زاد هجوم رجال الدين على صناعة السحر حتى بلغ أوجه في القرن السادس عشر، في كنف الكاثوليك والبروتستانت على السواء، وبهذا الضرب من العنف الهائل تفوقت الأزمنة الحديثة، على العصور الوسطى. وفاخر أحد موظفي محكمة التفتيش عام 1554، بأن محكمة التفتيش، قد أحرقت ثلاثين ألفا من السحرة على الأقل، وإذا تركوا بلا عقاب فقد ينزلن الخراب بالعالم كله.
قصة الحضارة ج23 ص113-119، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> السحرة
 
كان الإسلام يدفع بالطب للأمام بينما كان الأوروبيون يعيشون الخرافات العجيبة
:"وعلى الرغم من هذا التقدم الجريء نحو الروح العلمي، فإن الخرافات القديمة بقيت أو عدلت أشكالها فحسب. ولم تكن مقصورة على الدهماء فقد دفع إدوارد الثالث ملك مبلغاً باهظاً من المال للحصول على قارورة، كان على يقين من أنها من مخلفات القديس بطرس وعرضت على شارل الخامس ملك فرنسا في سانت شابل، قارورة، قيل إنها تحوي بعض دم المسيح وسأل حكماءه وعلماء الدين عنده عن صحتها، فردوا متحفظين بالإيجاب. وفي هذا الجو جاهدت التربية والعلم والطب والفلسفة لتنمو.
قصة الحضارة ج23 ص120، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> السحرة
تعليق
من أين جاء الطب وبحث عن الأسباب الطبيعية للأمراض وعالجها ووضع مناهج علمية وأنتج أدوية ونشر صيدليات في كل حي؟
من الذي دفعه للأمام؟
ومن الذي نشر الروح العلمي أولا؟
إلا أن يكون ذلك كله جاء من المحاور الإسلامية
اسبانيا- الحروب الصليبية-التجارة- الحياة أو الدراسة في حواضر الإسلام كما قدمنا النصوص من كلام ديورانت نفسه عن ذلك
 
القراءة والكتابة وتعليم النساء في القرن الرابع عشروالقرن الخامس عشر
:"إن نهضة التجارة والصناعة قد أضيفت أهمية جديدة على التعليم. وإذا كانت معرفة القراء والكتابة تعد ترفا غالي الثمن في نظام زراعي فإنها تعتبر ضرورة لا غنى عنها في عالم المدينة الذي تغلب التجارة عليه...وكان المعلمون في العادة من القسس ولكن نسبة المعلمين من غير رجال الدين ارتفعت في القرن الرابع عشر. وكان برنامج الدراسة يركز على الوعظ، والعقيدة الدينية والصلوات الأساسية والقراءة والكتابة والحساب والغناء والجلد بالسياط، ولقد كان الجلد بالسياط عماد التعليم حتى في المدارس الثانوية وفسر أحد رجال الدين ذلك بقوله: "يجب قمع أرواح الأولاد". وسلم معه الآباء بذلك وربما كان الأمر على هذا النحو. ولقد حثّت أجنس باستون مربي ابنها الخامل قائلة: "اجلده، إذا لم ينصلح حاله، فأنا أوثر أن يدفن حياً على أن أراه يضيع بسبب الإهمال"...وكان تعليم النساء، اللهم إلا بعض كريمات العقائل، مقصوراً على البيت بعد المرحلة الابتدائية. وتعلم كثير من نساء الطبقة الوسطى مثل مارجريت باستون كتابة الإنجليزية السليمة وألم بضع نفر من النساء بالأدب والفلسفة. أما أبناء الطبقة الأرستقراطية فقد تلقوا تعليما يختلف عما يلقن في المدارس إذ كانوا حتى سن السابعة يدرسون على يد نساء البيت ثم يرسلون للعمل كوصفاء عند نبيل من الأقرباء أو الجيران وهناك بعيداً عن التأثر بالإفراط في المحبة يتعلمون القراءة والكتابة والدين وقواعد السلوك من السيدات والقس المحلي وفي سن الرابعة عشر يصبحون تابعين أي خدما كبارا لسيدهم. وفي ذلك الوقت يكونون قد تعلموا ركوب الخيل والرماية والصيد والمقارعة والقتال. أما سعة الاطلاع فقد تركوها لأتباعهم.
وفي غضون ذلك كانت هذه تطورا تراثا من أعظم ما ورثوه من العصور الوسطى وهو-الجامعات-وفي الوقت الذي خمد فيه أوار الحماسة للعمارة الكنسية اشتدت حدة الحماسة لإنشاء الكليات وفي هذه الفترة شهدت أكسفورد إنشاء كليتي أكستر وأورييل وكلية الملك والكلية الجديدة وكليات لنكولن وأول سولز وماجدالين وبراسينوز وكليات الجسد الطاهر ومدرسة اللاهوت. ولم تكن عندئذ كليات بالمعنى الحديث للكلمة بل كانت قاعات، أو أماكن يقيم فيها مختار من الطلبة وكان يعيش فيها أو يكاد عشر الطلبة في أكسفورد وكان رجال الدين يدرسون معظم المواد بالجامعة في فصول دراسية أو في قاعات للمحاضرات متناثرة في أنحاء المدينة
قصة الحضارة ج23 ص122-123، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> المعلمون
 
الرياضيات وإدخال عدة نظريات إسلامية
:"وفي مجال الرياضيات وقفت الأرقام الرومانية حجر عثرة في سبيل التقدم، وبدا أنها لا تنفصل عن الثقافة اللاتينية ثم إن الأرقام الهندية العربية ظهرت وكأنها بدعة إسلامية وقوبلت بعدم اكتراث وبخاصة شمال الألب. وقد استخدم ديوان القرن الثامن عشر. ومع ذلك فإن توماس برادواردين الذي مات بوباء الطاعون عام 1349 بعد مرور شهر من تكريسه كبيراً لأساقفة كنتر بري- أدخل إلى انجلترا عدة نظريات عربية في حساب المثلثات وكان تلميذه رتشارد والنجفورد رئيس دير سانت ألبان عالماً رائداً من علماء الرياضيات في القرن الرابع عشر، وكتابه"الجزء الرابع من شرح الجيب" أول مؤلف كبير في حساب المثلثات في أوربا الغربية، وقد مات بالجذام في الثالثة والأربعين وهو يأسف على الوقت الذي اختلسه من اللاهوت للعلم.
قصة الحضارة ج23 ص126 الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> العلماء
 
علم الفلك
:"وعندما نذكر أنه في ذلك الوقت لم يكن يوجد منظار مقرب ولا آلة تصوير ليرصد المرء بهما السماء أو يسجل ما يحدث فيها فإنه من الأمور المشجعة أن نسجل مقدرة وذكاء الفلكيين من المسلمين واليهود والمسيحيين في العصور الوسطى. وقد وصف جان دي لينيه، بعد سنوات من مشاهداته الشخصية، أوضاع ثمان وأربعين نجماً بدقة لا يضارعه فيها سوى المسلمين وحسب ميل دائرة البروج في حدود سبع ثوان عن أحدث تقدير. وعرض جان دي مير وفيرين دي بوفال (1344) إصلاح التقويم اليولياني الذي كان يسبق الشمس- بحذف اليوم التاسع والعشرين من فبراير كل أربعة أعوام خلال الأربعين سنة التالية (التي كان يمكن أن تخطئ بالزيادة). وقدر لهذا الإصلاح أن ينتظر حتى عام 1582 ولا يزال في انتظار تفاهم دولي وإخلاص متبادل.
قصة الحضارة ج23 ص127، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> العلماء
 
كتاب:"المجسطي" في الفلك لبطليموس بلغته الأصلية
:"وأعظم شخصية بين علماء الرياضيات والفلك في هذا العهد جوهان مولر المعروف في لتاريخ باسم زجيو مونتاس منذ مولده عام 1439 قرب كنيجربرج في فرانكونيا السفلى. وقد التحق في الرابعة عشر بجامعة فيينا حيث كان جورج فون بورباخ يقدم الإنسانيات وآخر ما وصل إليه الإيطاليون في الرياضة والفلك وكلا الرجلين بلغ سن النضوج مبكراً ومات في سن غضة: فقد مات بورباخ في الثامنة والثلاثين ومولر في الأربعين. وصمم مولر على أن يتعلم اليونانية لكي يقرأ كتاب:"المجسطي" في الفلك لبطليموس بلغته الأصلية فذهب إلى إيطاليا ودرس اليونانية على يد جوارينو دي فيرونا والتهم كل النصوص التي وقعت في يده سواء كانت باليونانية أو باللاتينية عن الفلك والرياضيات ثم عاد إلى فيينا وهناك قام بتدريس هذه العلوم بنجاح حتى لقد استدعاه ماتياس كورفينوس إلى بودا ثم انطلق إلى نورمبرج حيث بنى له أحد أغنياء الطبقة المتوسطة أول مرصد أوربي وجهزه مولر بآلات أقامها أو حسنها بنفسه. وإنا لنحس بنسيم العلم النقي في خطاب كتبه إلى زميل له من علماء الرياضة عام 1464:"لست أدري متى يتوقف قلمي. إنه سوف يستهلك كل أوراقي إذا لم أتوقف عن الكتابة. إن المسائل تخطر لي واحدة إثر الأخرى وكثير منها جميل بحيث أتردد أيها أضع بين يديك". وفي سنة 1475 استدعاه سكستوس الرابع إلى روما لإصلاح التقويم وهناك مات رجيو مونتانوس بعد عام.
وقد حدت حياته القصيرة من منجزاته. ووضع تخطيطا لمؤلفات في الرياضيات والطبيعة والتنجيم والفلك، وكان يأمل أن يشرف على نشر القديم من تلك العلوم. ولم تجد طرقها للوجود والبقاء إلا شذرات من هذه الأعمال وقد أكمل خلاصة"المجسطية" لبورباخ وألف مقالاً بعنوان "في المثلثات" De triangulis، وهو أول كتاب خصص لحساب المثلثات وحده. ويبدو أنه كان أول من رأى استخدام المماسات في الحسابات الفلكية وسهلت جداوله عن جيوب الزوايا وظلالها الحسابات الفلكية لكوبر نيكوس. ووضع جداول فلكية تمتاز بدقة لا نظير لها في الجداول التي وضعت من قبل. وأثبتت طريقته في حساب درجات الطول والعرض أنها نعمة وبركة للملاحين.
وأصدر عام 1474 تقويماً بعنوان:"اليوميات" Ephemerides أوضح فيه الوضع اليومي للكواكب السيارة خلال الأعوام الاثنتين والثلاثين القادمة ومن هذا الكتاب تنبأ كولمبس بخسوف القمر الذي سيملأ بطون رجاله الجياع في اليوم التاسع والعشرين من شهر فبراير عام 1504.
وقد وضعت الملاحظات التي أبداها رجيومونتانوس، عن مذنب هالي أسس علم الفلك الحديث الخاص بالمذنبات. ولكن تأثيره الشخصي في حياته كان أعظم من تأثير كتبه فقد ساعت محاضراته المشهورة على إحداث إشراقة ذهنية في نورمبرج في شباب دورر وإليه يرجع الفضل في شهرة المدينة بآلاتها وخرائطها الملاحية. ولقد رسم أحد تلاميذه، مارتن بهايم بالألوان على الرق أقدم كرة أرضية معروفة عام 1492 وهي لا تزال محفوظة في المتحف الألماني لنورمبرج.
قصة الحضارة ج23 ص128،129، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> العلماء
 
ياترى من قبل بورديان أوصل العلم إليه حتى انتقل منه لجاليليو؟
"ولجان بوريدان مؤلف رائع في الطبيعة النظرية...وقد ولد بورديان قرب آراس قبل عام 1300 وتلقى علومه ثم درس في جامعة باريس. وهو لم يعلل دوران الأرض اليومي حول الشمس فحسب بل إنه أسقط من علم الفلك المعارف الملائكية التي نسب إليها أرسطو وأوكونياس مسار الأجرام السماوية وحركاتها وقال بورديان :"لا حاجة بنا بعد اليوم إلى تفسير حركاتها أكثر من أنها بدأت تتحرك أصلاً بإذن الله وبقانون قوة الدفع- أن أي جسم يتحرك يستمر في الحركة ما لم تمنعه قوة موجودة". وهنا كان لبورديان فضل السبق على جاليلو وديكارت ونيوتن. واستطرد قائلاً إن حركة النجوم تحكمها نفس القوانين الآلية التي تتحكم في الأرض. وهذه الآراء التي تعد الآن رثة بالية كان لها أثر عظيم في هدم آراء الناس في العصور الوسطى. وهي تكاد تؤرخ لبداية الطبيعة الفلكية.
ونقل تلاميذ بوريدان آراءه إلى ألمانيا وإيطاليا وتأثر بها ليوراند وكوبرنيكوس وبرنو وجاليلو ثم حملها ألبرت أمير ساكسونيا إلى الجامعة التي أنشأها في فيينا عام 1364 ونقلها مارسيليوس فون انجهن إلى الجامعة التي أسسها في هيدلبرج عام 1386 وكان ألبرت أول من نبذ رأي أرسطو القائل أن الفراغ مستحيل، وطور فكرة وجود مركز الجاذبية في كل جسم وسبق مبادئ جاليلو عن التوازن في حالة السكون والعجلة المنتظمة للأجسام الساقطة وتمسك بأن تعرية الجبال بسبب الماء وارتفاع الأرض التدريجي أو بعوامل بركانية تعد قوى معوضة في الجيولوجيا_ وهي فكرة خلبت لب ليوراندو.
قصة الحضارة ج23 ص131، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> العلماء
 
الطب والجراحة
:"كانت أوربا الشمالية متخلفة بنصف قرن أو أكثر عن إيطاليا في علم لطب وممارسته شأنها في ذلك الأدب والفن بل إن إيطاليا لما تصل ثانية عام 1300 إلى ما وصل إليه جالينوس وسورانوس في الطب قبل ذلك بألف عام، ولكن مدارس الطب في مونبلييه وباريس وأكسفورد أحرزت تقدماً لا بأس به، وكان أعظم الجراحين في هذا العصر من الفرنسيين. وكانت المهنة وقتئذ منظمة تماماً وتدافع بشدة عن امتيازاتها ولكن لما كان الطلب على العلاج يزيد كثيراً عن عدد الأطباء فإن تجار الأعشاب الطبية بائعي لعقاقير والقابلات والأطباء المتجولين والحلاقين والجراحين- ولا ضرورة لذكر أدعياء الطب- نافسوا في كل مكان الأطباء المتمرسين. وأما الجمهور الذي كان يصاب بالمرض بسبب المعيشة الخاطئة ثم يبحث عن تشخيص لا يخطئ وعلاج رخيص يتم به الشفاء في ليلة واحدة فقد كان يجأر بالشكاوي المعتادة من الأطباء المرتزقة والسفاحين ورأى فرواسار أن "هدف كل الرجال الطب أن يحصلوا على مرتبات كبيرة" وكأن هذا لم يكن مرضاً متوطناً بالنسبة لكل الحضارات.
وكان أهم رجال الطب إبان هذا العصر الجراحين ولم يكونوا قد أقنعوا بعد الأطباء بالاعتراف بهم على قدم المساواة، والحق أن جامعة باريس كانت لا تقبل طالبا في مدرسة الطب في القرن الرابع عشر إلا بعد أن يقسم أنه لن يجري أية عملية جراحية. بل إن الحجامة التي أصبحت علاجا لكل الأمراض حرمت على الأطباء وكانت تترك لتابعيهم. ولجأ الناس إلى الحلاقين لإجراء عمليات كثيرة إلا أن الحلاقين الجراحين كانوا إبان ذلك الوقت يهجرون ممارسة الحلاقة ويتخصصون في الجراحة، وكان هناك أربعون من هؤلاء الحلاقين في باريس عام 1365، وفي إنجلترا استمروا يزاولون المهنة عام 1540. وصدر عام 1372 قانون قصر عملهم في فرنسا على علاج "الجروح التي ليس من شأنها تسبب الوفاة" ولذلك فإن العمليات الكبيرة لا يمكن أن يجريها إلا "أساتذة الجراحة" الأخصائيون، وصدر عام 1505 مرسوم بإنشاء كلية ملكية للجراحين في أدنبرة. واعظم المتخصصين في الجراحة في النصف الأول من القرن الرابع عشرهم هنري دي موند فيل وجي دي شولياك ولعل فرواسار سجل أن موندفيل ظل فقيراً حتى آخر يوم في حياته على الرغم من أعماله كانت دائماً في رواج وأنه قام بعمله على الرغم من إصابته بالربو والسل. وقد استوعب كتابه "الجراحين"Chirurgia (1306- 20) وهو أول مؤلف في الجراحة الفرنسي، الميدان كله بإتقان وجدارة تبوأ بهما- الجراحون مكانا مرموقاً وكان أعظم ما أسهم به تطبيق وتطوير طريقة تعلمها من تيودوريك بورجونيوني في بولونيا لعلاج الجروح بالتطهير الكامل ومنع التقيح وتسرب الهواء وعمل الضمادات بالنبيذ، وقد دافع عن الطريقة التي ابتدعها بأن من قبول رأى جالينوس أو غيره من الثقات القدامى بلا مناقشة، وكتب يقول مستخدما صفة محببة في العصور الوسطى: "إن المؤلفين المعاصرين بالنسبة للقدامى منهم يشبهون قزما يركب فوق كتف عملاق فهو يرى كل ما يراه العملاق بل ويرى أبعد منه".
وقد أنجب الجيل الذي جاء بعده أشهر الجراحين في العصور وهو جي دي شولياك وهو من أصل ريفي في قرية ريفية أخذ منها اسمه، وقد أثر في سادة القصر فجعلهم يتكفلون بنفقات تعليمه في تولوز ومونبلييه وبولونيا وباريس، وفي عام 1342 أصبح طبيبا خاصا للبابا في أفينون. واحتفظ بهذا المنصب الصعب ثمانية وعشرين عاماً وعندما اجتاح وباء الطاعون أفنيون لم يغادر موقعه ومد يد العون للضحايا وأصيب بالوباء ولم ينج من لموت إلا بمعجزة، وقد ارتكب أخطاء جسيمة مثل أي إنسان إذ كان تارة يعزو انتشار الوباء إلى اقتران بين الكواكب في ساعة نحس وتارة يتهم اليهود بأنهم يهدفون إلى تسميم أبناء العالم المسيحي وأخر التئام الجروح بنبذه طريقة موندفيل في اللصقات والمراهم ولكنه عاش معظم حياته وفيا لأرفع تقاليد مهنته العظيمة. ويعد مؤلفه Chirurgia magna، (1363)الجامع في فن الجراحة" أكمل بحث في الجراحة وأكثر تنسيقا وأغزر مادة من الرسائل التي ألفت قبل القرن السادس عشر.
قصة الحضارةج23 ص135-138، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> المعالجون
 
انتشار القاذورات والأوبئة والخرافات والأمراض في القرن14،15.
إن ملك إنجلترا كان لا يستحم إلا مرة واحدة كل أسبوع وكان يغفل الاستحمام أحيانا...
:"وواكبت الصحة الجماعية والفردية بصعوبة تقدم الطب فلم تكن النظافة الشخصية شيئاً مقدساً بل إن ملك إنجلترا كان لا يستحم إلا مرة واحدة كل أسبوع وكان يغفل الاستحمام أحيانا... وكان الألمان يستخدمون حمامات عامة- أحواضاً واسعة يقف فيها المستحمون أو يجلسون عراة الأجسام وأحيانا فيها الجنسان معا. وكان في أولم وحدها 168 حماماً عام 1489 وفي كل أنحاء أوربا- دون استثناء للطبقة الأرستقراطية دائماً- كانت نفس القطعة من الملابس ترتدى شهورا أو سنوات أو أجيالاً.
وكان في كثير من مدن ما يكفيها من الماء ولكنه كان لا يصل إلا إلى بضع منازل وكان معظم الأسر أن يجلبوا الماء من أقرب نافورة أو بئر أو ينبوع. وظل هواء لندن ملوثا برائحة الماشية المذبوحة إلى أن حرمت المذبحة عام 1371 وكانت المراحيض تنغص حياة الناس السهلة في الريف. ولم يكن في منازل لندن إلا مرحاض واحد لكل السكان وخلا كثير من أي مرحاض وكانت ما فيها من براز في الأفنية أو الطرقات. وكانت آلاف الفضلات تلقى في نهر التيمز صدر عام 1357 قانون يحرم ذلك وإن استمر الحال على ما هو عليه وفي سنة 1388 أقر البرلمان أول قانون للصحة العامة يسري في جميع أنحاء إنجلترا وقد دفعه إلى هذا انتشار الوباء أكثر من مرة "نظراً لأن كثيراً من الغائط والنفايات القذرة والأمعاء والذبائح والمواد الأخرى تلقى وتوضع في الحفر والأنهار والمياه الأخرى... ونظراً لأن الهواء يتلوث ويفسد إلى حد كبير فتنتشر كل يوم أمراض كثيرة وأسقام أخرى لا تطاق بين السكان وبين الآخرين ممن يترددون أو يسافرون إلى هناك فقد تم الإنفاق والرضى على نشر هذا الإعلان- في أنحاء إنجلترا... إ جميع من يلقون ويضعون مثل هذه الأشياء المقلقة للراحة سيجبرون على إزالتها تماماً... وإلا تعرضوا لعقوبة الغرامة من مولانا الملك".
وقد صدرت قوانين مماثلة في فرنسا في مثل هذا الوقت وفي سنة 1383 أمرت السلطات في مارسيليا، مقتفية أثر سلطات راجوزا (1377) بعزل الأشخاص المصابين بالوباء لمدة أربعين يوماً- بالحجر الصحي. واستمرت الأوبئة في انتشار- الحمى الدخنية في إنجلترا (1486- 1508) ومرض الخناق والجدري في ألمانيا (1492)- إلا أن العدوى بها قد تضاءلت وقلت الوفيات. وعلى الرغم من التهاون في الرعاية الصحية فإن المستشفيات كانت كثيرة نسبيا فقد كان في إنجلترا 460 مستشفى عام 1500 وكان في يورك وحدها ستة عشر مستشفى.
وتجاوز علاج المجانين شيئاً فشيئاً مرحلة احترام الخرافات والأوهام والقسوة الهمجية إلى مرحلة العلاج العلمي، فقد حدث عام 1300 أن نشبت جثة فتاة ادعت أنها الشبح المقدس وأحرقت بأمر من رجال الدين، ولقيت فتاتان عبرتا عن إيمانهما بما ادعته، مصرعهما بالجلوس على الخوازيق وفي سنة 1359 فوض كبير أساقفة طليطلة السلطات المدنية في إحراق إسباني حياً وكان قد ادعى أنه أخ ميكائيل كبير الملائكة وأنه يتردد على السماء والجحيم كل يوم.
وتحسنت الأمور في القرن الخامس عشر إذ أن راهباً يدعى جان جوفر، امتلأ قلبه عطفاً على المجانين الذين كانت الغوغاء تتابعهم في الشوارع بصفير الاستهزاء أنشأ مستشفى للمجانين (1409) وحذت السلطات حذوه في مدن أخرى وتحولت مستشفى سانت ماري أوف بيت لحم التي أسست في لندن عام 1247، إلى مستشفى للمجانين عام 1492 وأصبحت كلمة "بيت لحم" التي حرقت إلى كلمة"بدلام"- مرادفة لمستشفى المجانين.
وكان الذين يثبت إصابتهم بالجذام منبوذين من المجتمع وإن كان الجذام قد اختفى أو كاد من أوربا الغربية في القرن الخامس عشر وحل محله مرض الزهري، ولعله مرحلة متطورة لمرض الزهري المعروف من قبل في فرنسا وربما كان مرضا وافدا من أمريكا وظهر أخيرا في إسبانيا عام 1493 وفي إيطاليا عام 1495 ثم انتشر انتشارا واسعاً في فرنسا حتى أطلق عليه اسم الوباء الغالي .
قصة الحضارةج23 ص138-140، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> المعالجون
 
ابن خلدون
:"بينما كان ابن خلدون يضع قواعد علم الاجتماع في العالم الإسلامي كان بيير ديبوا ونيكول أرزم ومارسيليوس البادوي ونيكولاس الكوزاوي يطورون في العالم المسيحي الدراسات التي تبحث العلاقة بين الأقارب وأن كانت أقل تنسيقا.
قصة الحضارة ج23 ص148-149، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> نمو المعرفة -> المصلحون
 
وقد أدى تقدم المعرفة إلى إثبات كروية الأرض منذ عهد بعيد وشجعت أخطاء العلم ذاتها على الأقدام
قصة الحضارةج23 ص159، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> غزو البحر -> كولمبس
 
وكلما ازداد تدفق الذهب من أمريكا إلى أسبانيا ازداد التدهور الاقتصادي في ولايات البحر الأبيض المتوسط بل وفي تلك المدن الواقعة في جنوب ألمانيا مثل أوجسبرج ولومبرج، التي كانت ترتبط تجارياً بإيطاليا. ووجدت دول الأطلنطي في العالم الجديد مخرجاً لفائضها من السكان ولطاقاتها الاحتياطية ولمجرميها هناك أسواقاً رائجة لبضائعها الأوربية. وازدهرت الصناعة في أوربا الغربية وطالبت بالاختراعات الآلية وبأشكال أحسن من الطاقة مما أدى إلى الثورة الصناعية.
قصة الحضارة ج23 ص178، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> غزو البحر -> المنظور الجديد
 
حتى موت كولمبس يوم 20 مايو سنة 1506
الإفراط في العنف والشذوذ الجنسي
كان البروتستانت والكاثوليك يشتبكون في حروب مدمرة من أجل مذاهبهم المتخاصمة
:"ولم تتمسك أخلاق الأوروبيين بهذه الاكتشافات إذ تدفقت وحشية الأوربيين، التي لا تخضع لقانون، إلى أوربا مع البحارة والمستوطنين العائدين وجاءت بالإفراط في العنف والشذوذ الجنسي. وتأثر الفكر الأوروبي كثيراً بالكشف عن هذه الشعوب والعادات والمعتقدات الدينية الكثيرة وعانت المذاهب الدينية من الاحتكاك المتبادل بل إنه في الوقت الذي كان البروتستانت والكاثوليك يشتبكون في حروب مدمرة من أجل مذاهبهم المتخاصمة فإن هذه المذاهب كانت تذوب في الشكوك التي يثيرها التثقيف وما يستتبع ذلك من تسامح.
قصة الحضارة ج23 ص179، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> غزو البحر -> المنظور الجديد
 
علينا أن نضع نموذج لما كان يعتري المسيحية من الداخل في القرن الخامس عشر، من أثبات تحريف مواضع من الكتاب، ونقد ترجمات مسيحية، وهجوم على السلوك المسيحي المخزي
وعندنا في هذا الحيز مثال لعالم هولندا صنف في الإنسانيات(أُمال لو قرأوا لإبن حزم الفصل، أو لإبن تيمية الجواب الصحيح، أو لغيرهما نقد الكتاب المقدس ، ولاشك أن بعضا من هذا قد وصلهم عن طريق الأندلس وغيرها)
الهولندي أرازموس (1)–القرن الخامس عشر
ولد أعظم عالم بالإنسانيات عام 1466 أو عام 1469 في روتردام أو بالقرب منها وهو الابن الثاني غير الشرعي لجيرارد وهو كاتب في أدنى الدرجات. وأمه مرجريت ابنة طبيبة وأرملة. ويبدو أن الأب رسم قسيساً عقب هذه الكارثة ولا ندري كيف سمي الصبي بالاسم السخيف ديزيدريوس أرازموس ومعناه الحبيب المرغوب فيه. ولقد علمه مدرسوه الأوائل القراءة والكتابة باللغة الهولندية... أخذ ديزيدريوس على نفسه العهود كأي راهب أوغسطيني في ديراماوس في ستين... وقبل أرازموس عندئذ (1492) أن يرسم قساً ولكنه أينما اتجه نازعته نفسه إلى أن يضع قدمه على مكان آخر. كان يحسد الذين التحقوا بالجامعة بعد إنهاء تعليمهم المحلي. وكانت باريس تفوح بشذا العلم والهوى الذي قد يسمم الحواس المرهفة عبر مسافات بعيدة. وأغرى ديزيديريوس الأسقف على إرساله إلى جامعة باريس بعد أن خدمه بكفاءة بضع سنوات وانطلق وليس معه إلا ما يقوم بأوده. وكان ينصت في صبر نافذ إلى المحاضرات ولكنه كان يلتهم الكتب. وكان يشهد المسرحيات والحفلات وينقب بين الفينة والفينة عن المفاتن الأنثوية، ويقول في إحدى محاوراته أن ألطف طريقة لتعلم الفرنسية هي أن تتلقاها عن بنات الليل... وقد لاحظ أخطاء جد خطيرة في النسخة اللاتينية من الكتاب المقدس وتساءل أليست الأبيقورية أحكم وسيلة للعيش. وقد أفزع أرازموس علماء اللاهوت فيما بعد وخفف عن بعض الكرادلة بسعيه في التوفيق بين أبيقور والمسيح. وكانت أصداء أصوات دونس سكوتس وأوكهام لا تزال تتردد في باريس والمذهب الأسمي يعلو نجمه ويهدد العقائد الأساسية مثل التجسيد والثالوث. وقوضت هذه السقطات الفكرية أرثوذكسية القس الشاب ولم يترك له إلا الإعجاب العميق بأخلاقيات المسيح.
وأكب على قراءة الكتب وغالي في ذلك إلى درجة غير محمودة... والتقى أرازموس في بيت ماونتجوى في جرينوتش بتوماس مور، وكان حينئذاك لا تتجاوز سنة الثانية بعد العشرين ولكنه مع ذلك كان له من المكانة ما استطاع به أن يقدم العالم إلى قدر له بعد ذلك أن يكون هنري الثامن. وسره في أكسفورد على الأغلب عدم الكلفة في صحبة الطلبة وفي الكلية كما سرته أحضان ربات البيوت الريفية... وتأثر أرازموس بتقدم علم الإنسانيات في إنجلترا: "عندما أسمع عزيزي كوليت يخيل إلي أني أستمع لأفلاطون نفسه. من لا يعجب في جروسين يرى عالما كاملا للمعرفة مثل هذا؟ ماذا يمكن أن يكون أذكى وأعمق من حكم ليناكر؟ وماذا أبدعت الطبيعة أكثر رقة وحلاوة وسعادة من عبقرية توماس مور؟".
لقد اثر هؤلاء الرجال تأثيراً عميقاً في إصلاح حال أرازموس فتحول من شاب مغرور طائش، أسكرته خمر الكلاسيات وفتنة النساء، إلى عالم جاد مدقق تواق لا إلى المال والشهرة فحسب ولكن إلى تحقيق عمل مفيد دائم.
قصة الحضارة ج23 ص181-183، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> أرازموس الرائد -> تربية عالم بالإنسانيات)
 
الهجاء الواقعي التاريخي
الهولندي أرازموس (2)–القرن الخامس عشر
:"وبعد إقامة بضع شهور في باريس نشر أول عمل هام له وهو مجموعة أقوال مأثورة وتضم 818 مثلا أو شاهداً، معظمها لمؤلفين من القدامى. وكان إحياء المعرفة. أي الأدب القديم- قد وضع تقليداً دارجاً بأن يزين المرء آراءه باقتباس من مؤلف يوناني أو لاتيني، ونرى هذا التقليد بصورة متطرفة في مقالات مونتيني وفي كتاب "تشريح السوداء" لبرتون. وتريث هذا التقليد في القرن الثامن عشر في عهد الخطابة الجدلية بإنجلترا. وأرفق أرازموس كل قول مأثور بتعليق، يشير عادة إلى الاهتمام السائد ويمليه ذكاء يمتزج بالسخرية والهجاء. وقد علق قائلا: "ورد في الكتاب المقدس أن القسس يلتهمون خطايا الناس فيجدون أن الخطايا عسيرة الهضم ولا بد من أن يرتشفوا أحسن الأنبذة للخلاص منها".
قصة الحضارة ج23 ص184، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> أرازموس الرائد -> المشائي)
يهجو الخرافات المسيحية
:" وفي السنة الأولى من هذه في إنجلترا كتب أرازموس في بيت توماس مور وفي خلال سبعة أيام أشهر كتاب له "الثناء على الطيش" وكان عنوانه اليوناني Encomium moriae تورية لاسم مور وإن كانت كلمة Moras باليونانية تعني طائش وكلمة Moria تعني الطيش واحتفظ أرازموس بعمله مخطوطا لمدة عامين ثم انطلق بعدها بفترة وجيزة إلى باريس لنشره (1511) وطبعت منه في حياته أربعون طبعة وترجم إلى أثنتي عشرة لغة والتهمه رابيليه وفي عهد متأخر عام 1632 وجده ملتون في يد "كل إنسان" في كامبردج." إنه لمن حسن الحظ أن العلم والفلسفة عاجزان وأن الناس يجهلونهما وأنهما لا يحدثان ضرراً عظيما لجهل الجنس الذي لا غنى عنه. وإن الفلكيين "يقدمون لك بأبعاد إبريق أو جرة ولكن الطبيعة تهزأ بظنونهم الواهية. والفلاسفة يزيدون المرتبك ارتباكاً والمظلم ظلاماً وهم يبددون الوقت والعقل على أمور تافهة منطقية أو ميتافيزيقية تذهب أدراج الرياح، وخير لنا أن نرسلهم بدلا من جنودنا لمحاربة الأتراك الذين سوف يتراجعون في ذعر أمام هذا اللغو المربك! والأطباء ليسوا أفضل مهم فكل فنهم كما يمارس الآن هو فن مركب يمزج الخداع بالتضليل". أما علماء اللاهوت فإنهم: "يقولون لك إلى الهنة عن كل الإجراءات المتوالية للقدرة على كل شئ في خلق العالم ويفسرون لك الطريقة الدقيقة للخطيئة الأولى مستمدة من أول آبائنا ويرضونك ويقولون لك كيف أن.. المسيح حملت به العذراء ويوضحون لك في الرقاقة المقدسة كيف يمكن أن توجد الحوادث دون محمول عليه... وكيف يمكن أن يوجد جسم واحد في أماكن متعددة في وقت واحد وكيف أن جسد المسيح في السماء يختلف عن جسده فوق الصليب أو في القربان المقدس. وفكر أيضاً في اللغو الذي يتمثل في معجزات وأعاجيب- رؤى ومزارات شافية واستدعاء للشيطان و "أمثال الشبح المخيف الوهمي".
إن هذه السخافات... تجارة رابحة وتأتي بدخل يضمن عيشاً رغداً لهؤلاء القسس والرهبان كما أنهم يكسبون من وراء هذا الخداع... ماذا عساي أن أقول عن هذا سوى أن أهلل لخداع الغفران والسماحة وأن أحافظ عليهما؟ وأني بهذه أحسب الزمن الذي تقتضيه كل روح في المطهر، وأخصص لها بقاء أطول أو أقصر حسبما يشترون عدداً أكبر أو أقل من صكوك الغفران التافهة والإعفاءات المعروضة للبيع؟ أو ماذا يقال من سوء عن آخرين يزعمون أنهم سيحصلون على الثراء والمناصب الرفيعة واللذة والحياة العريضة ويبلغون أرذل العمر بل وينالون بعد وفاتهم مقعداً على يمين المسيح وذلك بقوة هذه التعاويذ السحرية أو بالعبث بحبات سبحاتهم وهم يتمتمون ببعض الدعوات والابتهالات (التي اخترعها بعض مدعي الدين إما للهو أو للاستفادة منها على الأرجح)؟.
ويستمر الهجو على حساب النساك والرهبان وأعضاء محكمة التفتيش والكرادلة والبابوات. فالنساك يضجرون الناس بالسؤال ويعتقدون أنه يمكن الاستيلاء على السماء بالمثابرة على ترتيل المزامير المنومة ورجال الأكليروس العلماء يتحرقون شوقاً إلى المال. "إنهم ماهرون في فن الاقتناء... ضريبة العشور والقرابين وأجور العائد... الخ". وكل رجال الأكليروس على اختلاف طوائفهم ورتبهم يتفقون في الرأي على إعدام الساحرات أما البابوات فليس بينهم وبين الرسل أي تشابه في "ثرواتهم ومناصبهم وسلطاتهم القضائية ووظائفهم وإعفاءاتهم وتراخيصهم وامتيازاتهم... والحفلات وضرائب العشور وصكوك الحرمان من الكنيسة وأوامر التحريم" ورغبتهم العارمة في المواريث ودبلوماسيتهم العالمية وحروبهم الدموية فكيف يمكن أن يكتب البقاء لكنيسة إذا خلت من الطيش وبساطة الإنسانية الساذجة؟ وقد أثار كتاب "الثناء على الطيش" غضب علماء اللاهوت وكتب مارتن دريسيوس إلى أرازموس " لا بد أن تعرف أن كتابك" "طيش Maria" قد أثار إزعاجاً كبيراً حتى بين من كانوا قبلاً من أشد المحبين بك المخلصين لك. ولكن الهجو في هذا الدمار المرح كان خفيفاً إذا قيس بما اتسمت به سورته التالية. وكان ثالث وآخر عام قضاه في التدريس بجامعة كامبدرج (1513) هو العام الذي توفى فيه البابا يوليوس الثاني وظهر في باريس عام 1514 تعريض ساخر أو حوار يسمى Julius exclusus وقد بذل أرازموس جهداً صادقاً، لا يصل إلى حد الإنكار الصريح، ليخفي أنه المؤلف له، ولكن المخطوط تداولته أيدي أصدقائه وأدرجه موردون تحفظ بين أعمال أرازموس... وفي سنة 1514 ظهر مؤلف آخر بقلم أرازموس أزعج العالم المستنير في أوربا الغربية وكان قد ألف ابتداء من عام 1497 محاورات شكلية احترافا لتعليم الأسلوب اللاتيني والحديث، وإن قد ناقش عرضاً ضروباً شتى من الموضوعات الشائقة الكفيلة بإيقاظ الطلبة من نعاسهم اليومي. ونشر صديقه بياتوس رينانوس، بإذن منه، سلسلة من هذه المحاورات باسم "العبارات الخاصة بالحديث العادي"Familiarium colloquiorim formulae وهي أشكال من الأحاديث المألوفة بقلم أرازموس الروتردامي، لا تفيد في صقل كلام صبي فحسب، بل تكون أيضاً شخصيته. وأضيفت إلى الطبعات التالية محاورات أخرى فأصبحت أغنى مؤلف لأرازموس من حيث المادة "هي مزيج غريب-مناقشات حادة حول الزواج والأخلاق وحض على التقوى وعرض للأمور المنافية العقل والمساوئ في سلوك ومعتقدة وتتخللها فكاهات لاذعة أو خطرة وكلها بلغة لاتينية اصطلاحية شائقة ولا بد أنها أصعب في الكتاب من لغة الحديث الرسمية بين المتعلمين". وكتب مترجم إنجليزي عام 1724 يقول: "ليس ثمة أصلح للقراءة من كتاب "يكاد يهدم تماماً كل الآراء والأوهام البابوية بأسلوب شائق تعليمي"، وفي هذا مبالغة ولكن ليس من شك في أن أرازموس استخدم بطريقته المرحة"كتابه في الأسلوب اللاتيني" في مهاجمة نقائض رجال الأكليروس. وأدان الاتجار بمخلفات القديسين، وإساءة استخدام أوامر الحرمان من الكنيسة، واقتناء البطاركة والقسس للأموال، والمعجزات الزائفة التي يخدع بها البسطاء، وعبادة القديسين لأغراض دنيوية، والمبالغة في الصيام والتناقضات المروعة بين مسيحية الكنيسة ومسيحية المسيح وحمل بَغِياَّ على أن تثنى على الرهبان باعتبارهم من عملائها المخلصين. وحذر سيدة شابة تريد الاحتفاظ ببكارتها فطلب منها أن تتحاشى "هؤلاء الرهبان المفتولي العضلات ذوي الكروش البارزة... فالعفة عرضة للخطر في الدير أكثر من تعرضها له خارجه" وشكا النقاد من أن هذه المحاورات كانت طريقة تنطوي على التهور لتعليم الأسلوب اللاتيني، وزعم أحدهم أن كل الشباب في فرايبورج أفسدتهم هذه المحاورات واعتبر شارل الخامس استخدامه في المدرسة جريمة يعاقب عليها بالإعدام. واتفق هنا لوثر في الرأي مع الإمبراطور: "سوف أحرف على أولادي قراءة محاورات أرازموس حتى لو كنت على فراش الموت". وأكد نجاح الكتاب ما أثاره من حنق وبيع منه 24,000 نسخة بعد نشره وحتى عام 1550 لم يفقه في التوزيع إلا الكتاب المقدس. وفي الوقت نفسه كاد أرازموس أن يجعل الكتاب المقدس ملكا خاصا"
قصة الحضارة ج23 ص189-200، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> أرازموس الرائد -> الهجاء)
 
الهولندي أرازموس (3)–القرن الخامس عشر
الهجوم على الترجمات وإثبات تحريف أعداد دخيلة على الكتاب المقدس ونقد السلوك
:"وطلب من أصدقائه الإنجليز ذوي النفوذ أن يكفلوا له من ليو العاشر إعفاءه من التزاماته كراهب. يكونون أرق قلباً لو خصوهم في طفولتهم بدلا من تعرضهم كلية لهذا الإغراء والخضوع للشهوة".
وفي رسالة تيموثاوس 2:3: هناك الآن أعداد ضخمة وحشود هائلة من القسس علمانيين ونظاميين. ومن الشائع أن قلة منهم تتمسك بالعفة وأن الجانب الأكبر منهم يسقطون في حمأة الشهوة والزنى بالمحارم والفجور. وليس من شك في أنه من الأفضل أن يسمح لهؤلاء الذين لا يستطيعون التمسك بالعفة بزوجات شرعيات وبهذا ينجون من هذا الدنس البذئ التعس.
وأخيراً عزف أرازموس اللحن الأساسي للمصلحين في تعليق عام على إصحاح متى 30:11-ألا وهو العودة من الكنيسة إلى المسيح: "حقا إن قيد المسيح يكون لطيفاً وحمله خفيفاً إذا لم تضف الشرائع الإنسانية التافهة شيئاً لما عرضه هو نفسه. إنه لم يأمرنا إلا بأن يحب بعضنا بعضا وليس ثمة ما يصعب على المودة أن تلطف من حدته وتخفف من مرارته. فكل شئ من السهل تحمله طبقا للطبيعة، ولا شئ يتفق مع طبيعة الإنسان أحسن من فلسفة المسيح التي لا هدف لها إلا إعادة البراءة والتكامل للطبيعة الهاوية... وقد أضافت الكنيسة لها أشياء كثيرة يمكن الاستغناء عن بعضها دون الإضرار بالإيمان... مثل كل تلك العقائد الفلسفية عن طبيعة الإنسان وتمييز الأشخاص. وما أكثر القواعد والأوهام التي تعرفها عن الثياب... وما أكثر أيام الصيام التي استنت... وماذا نقول عن العهود.. وعن سلطة البابا وإساءة استخدام صُكوك الغفران والتحلل؟.. هل يرضى الناس أن يدعوا المسيح يحكم بمقتضى شرائع الإنجيل وألا يبحثوا بعد ذلك عن دعم طغيانهم الجامح بقوانين من صنع البشر؟".
ولعل التفسيرات هي التي أتاحت للكتاب نجاحاً لا بد أنه أذهل المؤلف والناشر على السواء. وقد وزعت الطبعة الأولى في ثلاث سنوات ثم صدرت
وبينما كانت تجرى هذه المفاوضات اتخذ أرازموس طريقه أعلا الراين إلى بازيل وعرض على الناشر فروين مخطوط أهم مؤلف له، وهو مراجعة نقدية للنص اليوناني للعهد الجديد مرفقا بترجمة لاتينية وتفسير.
كان عملا أملاه الحب والاعتزاز بالنفس يتعرض مؤلفه وناشره للخطر على السواء: فقد استغرق الإعداد سنوات وسوف يكون الطبع والنشر من الأعمال الشاقة الكثيرة النفقات. والزعم بتفوق الترجمة، على نسخة جيروم اللاتينية، التي ظلت مقدسة مدة طويلة باعتبارها نسخة لاتينية للكتاب المقدس، قد تدينه الكنيسة، ومن المحتمل ألا تغطى المبيعات النفقات. وخفف أرازموس المخاطرة بإهداء العمل إلى ليو العاشر. وأخيراً نشر فروين في فبراير سنة 1516 "الأداة الجديدة الكاملة التي حققها ونقحها بمنتهى الدقة أرازموس الروتردامي Instrumentum omme, diligenenter ab Erasmo Rat, recognitum et emendatum. وصدرت بعدها طبعة تغيرت فيها كلمة الأداة بالوصيةInstrumentum to Testamentum وقدم أرازموس في أعمدة متقابلة النص اليوناني كما راجعه بنفسه مع ترجمته اللاتينية ويبدو أن معرفته باللغة اليونانية كانت غير كاملة ومن ثم فهو يشترك مع جماعي الحروف في المسئولية عن أخطاء كثيرة. ومن وجهة النظر العلمية كانت الطبعة الأولى من العهد الجديد باليونانية المعدة للنشر بعد الطبع أقل من مثيلها التي أتمها وطبعها جماعة من العلماء لحساب الكاردينال أكسيمينيس عام 1514 وإن كانت لم تقدم للجمهور إلا عام 1522. وقد دل هذان العملان على تطبيق التعليم الإنساني لأدب- المسيحية الأولى وعلى بداية هذا النقد الإنجيلي الذي استعاد الكتاب المقدس في القرن التاسع عشر إلى مجال التأليف الإنساني وما يتعرض له من زلل. ونشرت مذكرات أرازموس في مجلد منفصل وقد كتبت بلغة لاتينية اصطلاحية واضحة مفهومة لكل خريجي الكليات في هذا العهد وكانت لها قاعدة عريضة من القراء وعلى الرغم من أنها كانت متفقة مع الإجماع فإنها سبقت كثيرا من التفسيرات التي ابتدعت في البحث التالي. وقد حذف في طبعته الأولى Comma Johanneum "الوصل اليوحني" (إصحاح يوحنا 7:5) الذي أكد الثالوث ولكن الذي تلفظه اليوم النسخة المنقحة الصحيحة باعتباره مما دس في القرن الرابع.
ونشرت قصة المرأة التي اتهمت بالزنى وإن كان قد أشار إلى أن من المحتمل أن تكون كاذبة (إصحاح يوحنا 53:7 و 11:8) كما نشر الأثنتي عشرة آية الأخيرة من إنجيل مرقس وأشار في أكثر من موضع إلى الفرق بين المسيحية الأولى والحالية. وعلق على إصحاح متى 227:23: "ترى ماذا يقول جيروم لو رأى لبن العذراء يعرض للبيع بالمال، ويضفي عليه من التكريم ما يضفي على حسد المسيح المقدس، والزيوت الإعجازية وأجزاء الصليب الحقيقي التي تكفي إذا جمعت لشحن سفينة كبيرة؟ هنا قلنسوة سانت فرانسيس وهناك تنورة العذراء أو مشط سانت آن... لا تقدم كأشياء بريئة معاونة للدين ولكن كجوهر للدين نفسه وكلها تعبث ببساطة الناس من خلال شح القسس وهرطقة الرهبان"
ولوحظ أن إصحاح متى 12:19 ينص على "لقد خصى بعضهم نفسه من أجل مملكة السماء" وقيل هذا للنصح بالعزوبة في الدير وكتب أرازموس "أننا ندرج بين هذه الطائفة هؤلاء الذين دفعوا إلى حياة العزوبة بالغش أو بالإرهاب حيث يسمح لهم بالزنى ويحظر عليهم الزواج وهكذا يعدون قسسا مسيحيين إذا احتفظوا علنا بخليلة ويحرقون إذا اتخذوا زوجة. وفي رأيي أن الآباء الذين يعتزمون نذر أولادهم للكهنوت الذي يقتضي العزوبة يكونون أرق قلباً لو خصوهم في طفولتهم بدلا من تعرضهم كلية لهذا الإغراء والخضوع للشهوة". وفي رسالة تيموثاوس 2:3: هناك الآن أعداد ضخمة وحشود هائلة من القسس علمانيين ونظاميين. ومن الشائع أن قلة منهم تتمسك بالعفة وأن الجانب الأكبر منهم يسقطون في حمأة الشهوة والزنى بالمحارم والفجور. وليس من شك في أنه من الأفضل أن يسمح لهؤلاء الذين لا يستطيعون التمسك بالعفة بزوجات شرعيات وبهذا ينجون من هذا الدنس البذئ التعس.
وأخيراً عزف أرازموس اللحن الأساسي للمصلحين في تعليق عام على إصحاح متى 30:11-ألا وهو العودة من الكنيسة إلى المسيح: "حقا إن قيد المسيح يكون لطيفاً وحمله خفيفاً إذا لم تضف الشرائع الإنسانية التافهة شيئاً لما عرضه هو نفسه. إنه لم يأمرنا إلا بأن يحب بعضنا بعضا وليس ثمة ما يصعب على المودة أن تلطف من حدته وتخفف من مرارته. فكل شئ من السهل تحمله طبقا للطبيعة، ولا شئ يتفق مع طبيعة الإنسان أحسن من فلسفة المسيح التي لا هدف لها إلا إعادة البراءة والتكامل للطبيعة الهاوية... وقد أضافت الكنيسة لها أشياء كثيرة يمكن الاستغناء عن بعضها دون الإضرار بالإيمان... مثل كل تلك العقائد الفلسفية عن طبيعة الإنسان وتمييز الأشخاص. وما أكثر القواعد والأوهام التي تعرفها عن الثياب... وما أكثر أيام الصيام التي استنت... وماذا نقول عن العهود.. وعن سلطة البابا وإساءة استخدام صُكوك الغفران والتحلل؟.. هل يرضى الناس أن يدعوا المسيح يحكم بمقتضى شرائع الإنجيل وألا يبحثوا بعد ذلك عن دعم طغيانهم الجامح بقوانين من صنع البشر؟".
ولعل التفسيرات هي التي أتاحت للكتاب نجاحاً لا بد أنه أذهل المؤلف والناشر على السواء. وقد وزعت الطبعة الأولى في ثلاث سنوات ثم صدرت للكتاب طبعات جديدة ومنقحة بلغت تسعة وستين قبل وفاة أرازموس. ووجه للعمل نقد عنيف وأشير إلى ما تضمنه من أخطاء كثيرة. ولقد دمغ الدكتور جوهان أيك، الأستاذ بجامعة انجولشتادت وأول خصيم للوثر، بالعار بيان أرازموس المتضمن أن اللغة اليونانية التي كتب بها العهد الجديد أقل شأنا من اللغة اليونانية التي كان يتكلم بها ديموستين. ومهما يكن من أمر فإن ليو العاشر وافق على العمل. وطلب البابا أدريان السادس من أرازموس أن يعمل للعهد القديم ما قام به نحو العهد الجديد ولكن مجلس ترنت أدان ترجمة أرازموس وأعلن أن النسخة اللاتينية من الكتاب المقدس لجيروم هي النسخة اللاتينية الأصلية من الكتاب المقدس. وسرعان ما عد العهد الجديد لأرازموس عملاً متخلفاً من الناحية الدراسية العلمية وإن كان أثره عظيما باعتباره حدثا في تاريخ الفكر، فقد يسر ورحب بالترجمات الوطنية التي ظهرت في أعقابه. ونقول فقرة متحمسة في المقدمة: "بودي لو قرأت أضعف امرأة الأناجيل ورسائل القديس بولص. بودي لو ترجمت هذه الكلمات إلى جميع اللغات لا ليقرأها الاسكتلنديون والايرلنديون فحسب بل ليقرأها أيضاً الأتراك والمشارقة.
وإني لأود أن ينشد الحارث لنفسه وهو يسير وراء المحراث ويترنم بها النساج على أنغام الماكوك يهون بها المسافر من مشقة رحلته... قد نأسف على دراسات أخرى أخذناها على عاتقنا ولكن ما أسعد المرء الذي يفاجئه الموت وهو مشغول بها.
إن هذه الكلمات المقدسة تعطيك نفس صورة المسيح وهو يتكلم ويبرئ المرضى، وهو يموت ثم يرفع مرة أخرى، وتجعله حاضراً بحيث لو مثل أمام عينيك لما رأيته حقا أوضح من هذا".
واغتبط أرازموس لكفاية مطبعة فروبن والعاملين بها فأصدر (في نوفمبر سنة 1516) طبعة نقد فيها ترجمة جيروم وأعقبها بنصوص مماثلة... منقحة وكلاسية لآباء الكنيسة وصحح 4.000 خطأ في النص الذي تلقاه من سينيكا وكانت خدمات هذه خدمات جوهرية للدارسين.
وروى ثانية قصة العهد الجديد بتفسيرات (1517) تطلبت هذه المهام الإقامة من مرة في بازيل وان حدد ارتباط جديد إقامته قرب البلاط الملكي في بروكسل. وكان شارل آنذاك ملكا على قشتالة وحاكماً للأراضي المنخفضة ولم يكن عندئذ قد أصبح الإمبراطور شارل الخامس، وكان لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره... وفي مارس من عام 1517 سافر أرازموس إلى لندن وتسلم رسائل البابا التي تحله من التزاماته نحو الدير ومن وصمة اللقاطة. وأضاف ليو إلى الوثائق الرسمية مذكرة شخصية: "ابني الحبيب: تمنياتنا لك بالصحة مع بركاتنا الرسولية. إن ما من الله به عليك من حياة طيبة وخلق قويم، ولوذعيتك النادرة وأفضالك الرفيعة لا تشهد عليها آثار دراساتك التي اشتهرت في كل مكان فحسب بل يشهد عليها أيضا إجماع آراء معظم المتعلمين. وقد أننت عليك رسائل أميرين ذائعي الصيت هما ملك إنجلترا، وملك فرنسا الكاثوليكي وهذه هيأت لنا سبباً لكي نخصك بمنة فريدة وفضل خاص"
قصة الحضارة ج23 ص201-205، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> أرازموس الرائد -> العلامة)
 
الهولندي أرازموس (4)–القرن الخامس عشر
نقده للواقع المزري(حروب مسيحية-مسيحية، صكوك غفران، حروب صليبية وهلم جرا)
:"وكان ارازموس، مثل معظم الفلاسفة، يعد الملكية أهون الأشكال الحكومية شراً، وكان يخشى الشعب ويعده "وحشاً متقلباً متعدد الرؤوس". وكان يستنكر مناقشة الشعب للقوانين والسياسة ويرى أن فوضى الثورة أسوأ من أي استبداد للملوك، بيد أنه أشار على أميره المسيحي أن يتقي شر تركيز الثروة، فالضرائب لا تفرض إلا على الكماليات، ويجب تقليل الأديرة وزيادة المدارس، وعلاوة على كل هذا يجب ألا ينشب قتال بين الحكومات المسيحية- ولا حتى ضد الأتراك. "خير لنا أن نتغلب على الأتراك بالتقوى في حياتنا لا بالأسلحة. وهكذا يتم الدفاع عن الإمبراطورية المسيحية بنفس الوسائل التي أسست بها أصلا". "ماذا تولد الحرب ألا الحرب؟- ولكن الدماثة تدعو إلى الدماثة والعدالة تدعو إلى العدالة".
ولما كان شارل وفرانسس قد ثارت بينهما العداوة فإن أرازموس وجه الدعوة تلو الدعوة للسلام وامتدح الملك الفرنسي في حالة عابرة من المصالحة وتساءل كيف يمكن أن يفكر أحد في شهر الحرب على فرنسا "أطهر جزء في العالم المسيحي وأعظمه ازدهاراً". ووصل إلى ذروة الفصاحة المتحمسة في كتابه (الشكوى من السلام 1517).
"أمر في صمت على مآسي الحروب القديمة ولن أركز الحديث إلا على الحروب التي نشبت في خلال هذه السنوات الأخيرة. أين الأرض أو البحر الذي لم يحارب فيه الناس بطريقة من أقسى ما يمكن؟ وأين النهر الذي لم تصطبغ مياهه بدم الإنسان... بالدم المسيحي؟ يا للعار العظيم! إنهم يتصرفون بقسوة في المعركة تزيد على قسوة غير المسيحيين، وبوحشية تفوق وحشية حيوانات الغاب.. وكل (هذه الحروب) نشبت بسبب نزوات الأمراء على حساب الإضرار بالناس الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المعارك... وليس بين الأساقفة والكرادلة والبابوات، وهم كهنة المسيح، من يخجل من بدء الحرب التي لعنها المسيح. ما هو الشيء المشترك بين الخوذة وتاج الأسقف؟ ويا أيها الأساقفة، يا من يحملون لواء الرسل، كيف تجرءون على أن تعلموا الناس أموراً كثيرة عن لحرب في نفس الوقت الذي تعلمونهم فيه تعاليم الرسل؟ إن السلام ولو كان جائراً أفضل من الحروب ولو كانت تمليها العدالة"... وكان لا يكاد يؤمن بأن العهد القديم من كلام الله لأنه أقر برغبته في "أن يرى العهد القديم كله يبطل" إذا كان يهدئ من الحنق على رويخلين. وسخر من الروايات المأثورة عن مينوس ونوما بأنهما كانا يغريان شعبيهما بالخضوع لتشريع غير لطيف بنسبته إلى الآلهة. ولعله راوده الشك في أن موسى كان يتبع نفس السياسة. وعبر عن دهشته لأن "مور" رضى بالحجج التي تساق لإثبات خلود النفس ورأى أن العشاء رمز وليس معجزة، ومن الواضح أنه راوده الشك في الثالوث وفي تجسد الإقنوم الثاني وفي ولادة العذراء، وكان على مور أن يحميه من مراسل أعلن أن أرازموس قد اعترف في خلوة بعدم إيمانه. وطرح للنقاش واحداً بعد الآخر العادات التي درج عليها المسيحيون في عهده-صكوك الغفران والصيام والحج والاعتراف السري والرهبانية والعزوبة الأكليريكية وعبادة مخلفات القديسين والصلوات للقديسين وحرق الهراطقة. وقدم تفسيرات مجازية أو منطقية لكثير من فقرات الكتاب، المقدس، وقارن قصة آدم وحواء بقصة بروميثيوس، وأشار بتفسير الكتب المقدسة تفسيراً يلتزم أقل ما يمكن المعنى الحرفي، وحول عذاب الجحيم إلى الألم الدائم للعقل الذي يصحب الإثم المعتاد. ولم يذع شكوكه بين الناس لأنه لم يكن لديه أساطير مواسية أو رادعة يقدمها بدلا من الأساطير القديمة. وكتب يقول: "إن التقوى تستلزم منا أن نخفي الحقيقة أحيانا وأن نحرص على ألا نظهرها دائماً كما لو كان لا يهم متى وأين أو لمن نظهرها، ولعلنا نجد لزاماً علينا أن نتفق مع أفلاطون في أن الأكاذيب مفيدة للناس".
وعلى الرغم من هذا الميل الشديد للمذهب العقلي فقد ظل أرازموس ظاهريا متفقاً مع المحافظين ولم يعدم قط محبته للمسيح وللأناجيل وللطقوس الدينية الرمزية التي رفعت بها الكنيسة من شأن التقوى. وابتدع شخصية في محاورته تقول "إذا كان ثمة شئ شائع الاستعمال عند المسيحيين لا يتنافر مع الكتب المقدسة فإني أراعيه لهذا السبب بحيث لا أسئ إلى الناس الآخرين".
وكان يحلم بأن يستبدل باللاهوت: فلسفة المسيح، وسعى إلى التنسيق بين هذه الفكرة وبين رأى كبار الوثنيين. ووصف أفلاطون وشيشرون وسينكا بعبارة "ملهم من الله" ولم يقبل أن يحرم هؤلاء الرجال من الخلاص"
قصة الحضارة ج23 ص206-210، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> أرازموس الرائد -> الفيلسوف)
 
الهولندي أرازموس (5)–القرن الخامس عشر
:"كيف عاش فعلا؟ لقد أقام إبان هذا العهد (1517) معظم وقته في الفلاندرز في بروكسل وأنتوب ولوفان-وسكن في خلوة أعزب مع خادم... وفي عام 1514 وهو في الخامسة والأربعين أو الثامنة والأربعين من عمره وصف نفسه قائلا إنه: "عليل أشيب الرأس... يجب ألا يشرب سوى النبيذ"... وكان يلح في طلب النقود بكل ما عرف من مثابرة عن قسيس أبرشية، وذلك لشراء الكتب إلى حد ما. وكان يتلقى معاشات منتظمة من مونتجوى ووارهام وهدايا عينية مثل مبلغ الثلاثمائة فلورين (7500 دولار؟) من جان ليه سوفاج رئيس بورجنديا، وحقوق تأليف تزيد عن تلك التي كسبها أي مؤلف آخر في عصره... وكان له أعداء كثيرون وبخاصة بين علماء اللاهوت في لوفان، غير أنه كان له مريدون في اثنتي عشرة جامعة، وكان هناك علماء للإنسانيات في أوربا ينادون به قدوة وزعيما. وفي ميدان الأدب كان يمثل عصر النهضة ومذهب الإيمان بالإنسان مجتمعين- عبادتهما للكلاسيات"
قصة الحضارة ج23 ص210-215، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> أرازموس الرائد -> الإنسان)
 
ملحوظة على عناويني(1) لإقتباسات قصة الحضارة.
كنت قد تكلمت من قبل على أن هذا العمل يتوزع على كثير من مواضيع أعمالي الفكرية أو النقدية، فقد أدخلت بعضها على كتابي الصادرين عام 2000،2001، عن دار الدعوة ، مدينة الإسكندرية وهما بعنوان(أقطاب العلمانية) فإن صدرت طبعات جديدة معدلة-إن شاء الله فسيكون فيها التعديلات، ونبحث عن أفضل دور للنشر، وبعضها نشر عن طريقها بعض اصدقاءنا كتبهم وأعمالهم(محمد وفيق زين العابدين مثلا أو أحمد سالم أو معتز زاهر أو الدكتور هاني درغام أو الدكتور هشام عزمي او الدكتور حسام الدين محمود وكلهم أصحاب كتابات حديثة أو كتابات بعض الأفضل الأخرين) ، أما الأقطاب الثالث والرابع فلاشك أنه سيدخل فيها بعض من تلك الإقتباسات (وهي كتب شبه جاهزة) كما غيرها من الكتب الأخرى، أما أهم الأعمال التي إغتنت بتلك الإقتباسات فمنها كتابي عن البرلماني الهولندي فيلدرز، ويمكن أن تتخيل أن تكون المادة الخام منه هي هذه الإقباسات كلها، وأيضا كتابي عن بيشوي وكلامه عن التحريف والوطن فهناك نصوص عامرة لديورانت عن سمحاة الفتح الإسلامي وأنه لم يكن ضد المصريين بل انقاذا لهم من المآسي التي عانوها ضد الاستعمار الروماني كما الفتن الداخلية بينهم وبين اليهود او الوثنيين المصريين، فلم تكن مصر كلها مسيحية يومذاك بل كانت وثنية-مسيحية، فيها الرومان وفلاسفة ومدارس اليونان وغيرها، ومامقتل هيباتيا على يد المهج النصارى الا دليل واحد على وجود عوالم متضاربة داخل مصر ماقبل الفتح الإسلامي، هناك مواضيع اخرى لاشك أنها تفيد من قصة الحضارة ومنها كتابي عن عزمي بشارى ردا على محاضرته في تونس وهي المحاضرة العلمانية المشهورة التي هي انعكاس لكتابه عن التاريخ العلماني وتمرير العلمانية، وهناك موضوعات أخرى.
وهذا يعني أن تاريخ قصة الحضارة يفيد من كل وجه ولم استطع أن امنع عنكم تلك الكنوز فكثير من البحاثة يحتاجونها موثقة، كما فعلت.
طارق عبد الباقي منينة
 
ملحوظة على عناويني(2) لإقتباسات قصة الحضارة.
اما العناوين فهي خاصة بي أكثر ماهي دلالة على مواضيع الإقتباسات!
لكنها من وجه أخر موحية!
لها هدف ولاشك أن دراسة صناعة الإعلام والإعلان يمكن أن يفيد في هذا المجال.
لكن على كل حال فأنا وضعت العناوين لتكون أول مايلفت نظري منها فيوفر علي وقت إذا ماأردت الإسراع في وضعها في مكانها من أبحاثي المذكورة أو غير ذلك مما يحتاجه المرء على وجه السرعة
 
فردريك الثالث والاول والثاني (الثاني ابن الأول الثالث ابن الثاني) وانتقال العلوم الاسلامية عن طريقهم الى الغرب وانظر ماذا ترى من أملاك أو حدود إماراتهم في عهد الإبن (رقم 3)
قال ديورانت
:"وكان فردريك الثالث(حكم من 1440 إلى 1493) فلكيا وكيميائيا يغرم بهدوء حدائقه في جراتر الذي يتطلع إليه البحاثة لدرجة أنه سمح لشلسوج هولشتين وبوهيميا والنمسا وهنغاريا بأن تنفصل عن الإمبراطورية، ولكنه قام في حوالي نهاية العام الثالث والخمسين من حكمه بخطوة لإنقاذها وذلك بخطبة ماري، وريثة شارل الجسور دوق بورغنديا، لابنه ماكسمليان. وعندما حفر شارل لنفسه قبراً ثلجياً عام 1477 ورث آل هابسبورج الأراضي الواطئة.
قصة الحضارة ج23 ص228، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> الدولة
 
الألمان في عين ويل ديورانت(إضحك معه)،
:"ربما كانوا إبان ذلك العهد أصح الشعوب أبداناً وأقواهم جسداً وأشدهم حيوية في أوروبا، فإنهم، كما نراهم في لوحات فولجيموت وديرر وفي صور كراناخ وهولبين، أناس أقوياء البنية غلاظ الأعناق كبيرو الرؤوس، لهم قلوب سوداء، على تمام الأهبة لالتهام العالم، واستساغته بشراب الجعة. كانوا أجلافا ولكنهم ظراف تخفف من ورعهم نزواتهم الشهوانية. وكان في وسعهم أن يكونوا غلاظ الأكباد كما تدل على ذلك أدوات التعذيب المروعة التي اعتادوا استخدامها مع المجرمين؛ ولكنهم مع ذلك كانوا رحماء كرماء قلما عرضوا تزمتهم الديني بوسائل بدنية، إذ لقيت محاكم التفتيش في ألمانيا مقاومة باسلة وكان نصيبها القمع عادة. لقد جبل الألمان بنفوسهم القوية على المرح الذي يتسم بإدمان الشراب أكثر مما يتسم بالفطنة الجافية، ولقد أدى هذا كله إلى تبلد حسهم بالمنطق والجمال وحرمهم من ظرف العقلية الفرنسية أو الإيطالية ودهائها وتعثرت نهضتهم الهزيلة في غمرة حماستهم الزائدة لتفسير الكتاب المقدس ومع ذلك فقد كان عندهم إصرار ثابت وصناعة منظمة وشجاعة فائقة في الفكر الألماني مكنتهم من كسر شوكة سلطان روما وأتاحت لهم فرصة أن يصبحوا أعظم علماء في التاريخ. وهم شعب نظيف بالقياس إلى غيرهم من الأمم فالاستحمام عادة وطنية. وكل بيت حسن التنسيق فيه حمام حتى في المناطق الريفية. والحمامات العامة العديدة توفر أكثر من حمام إذ يستطيع الرجال هناك أن يحلقوا ذقونهم وتستطيع النساء أن يصففن شعورهن كما كانت توفر فيها ضروب مختلفة من التدليك وكان يسمح فيها بالشرب والمقامرة ويمكن أن يجد فيها كل من يضيق ذرعاً بالزوجة الواحدة خلاصاً. وكان الناس من الجنسين يستحمون عادة معاً وهم يرتدون ملابس محتشمة وإن لم تكن هناك قوانين تحرم المغازلة، ولقد قال أحد الدارسين الإيطاليين بعد أن زار بادن - بادن عام 1417: "ليست هناك في العالم حمامات أكثر ملاءمة من هذه لإنجاب النساء".
ولا يمكن أن يتهم الألمان إبان ذلك العهد بأنهم من أنصار مذهب التطهير إذ كان حديثهم ورسائلهم وأدبهم ومرحهم تتسم أحيانا بالجفاء إذا قيست بمعايير عصرنا، ولكن هذا يتفق مع قوة أبدانهم وأرواحهم، فهم من جميع الأعمار يشربون ويفرطون في ممارسة الجنس إبان شبابهم. وكانت مدينة ارفورت عام 1501 في نظر لوثر الورع لا تفضل ماخوراً أو مشرباً للجعة. ولقد وافق الحكام الألمان - من رجال الدين ومن العلمانيين على السواء على رأى سانت أوجستين والقديس توما الأكويني بأنه يجب أن يسمح بالبغاء إذا كانت النساء بمنأى عن الإغراء أو الاغتصاب. وكانت بيوت البغاء تحصل على ترخيص وتفرض عليها ضريبة. وإنا لنقرأ عن أساقفة ستراسبورج وماينز الذين كانوا يحصلون على دخول من المواخير بل إن أسقف فيرتسبورج أعطى ماخوراً تابعاً للبلدية إلى جراف فون هيننبرج باعتباره إقطاعية تدر دخلا. وكانت الضيافة لكبار الزوار تشمل وضع بيوت للسيدات تحت تصرفهم، وقد كرم الملك سيجموند بهذا الامتياز في برن (1414) وفي أولم (1434) بإخلاص أرضاه كل الرضا حتى أنه شكر مضيفه علنا من أجله، والنسوة غير المرخصات كنّ ينشئن أحياناً بيوتاً غير قانونية، وفي عام 1492 شكت البغايا المرخصات للعمدة من هذه المنافسة غير العادلة فحصلن عام 1508 على إذن بمهاجمة البيوت غير القانونية وقمن بذلك فعلا، وكان التردد على بغي يقابل بالصفح باعتباره خطيئة مغتفرة، وإن كانت طبيعية، وذلك في نظر القانون الأخلاقي الساري في أوروبا في أواخر العصور الوسطى، ولعل انتشار الزهري بعد عام 1492 جعل منه وباء فتاكاً.
وكان الزواج إتحاداً بين الملكيات كما هو الشأن في كل مكان آخر والحب يعد نتيجة طبيعية للزواج لاسبباً معقولا له. وكانت الخطبة ملزمة كالزواج والزفاف يتم في حفلات مترفة بين جميع الطبقات. وربما استمرت الاحتفالات أسبوعاً أو اثنين وكان شراء الزوج يكلف غاليا كالاحتفاظ بالزوجة. وكان للذكر نظرياً سلطة مطلقة ولكنها كانت أكثر واقعية في الأفعال منها في الكلام. ونلاحظ أن السيدة ديرر كان لديها كلام كثير تقوله لزوجها. وقد كانت نساء نورمبرج من الجرأة بحيث اجتذبن الإمبراطور ماكسمليان وهو نصف عار من الفراش وألقين غطاء حول جسمه ثم إستقنه في رقصة ليلية مرحة إلى الشارع.
وتذهب أسطورة قديمة إلى أن بعض الرجال من الطبقات العليا في القرن الرابع بألمانيا كانوا يضعون حزاماً للعفة "من الحديد حول وسط زوجاتهم وأفخاذهن ويغلقونه بقفل ويأخذون معهم المفتاح وذلك عندما يسافرون في رحلات يغيبون فيها طويلاً عن الوطن. وثمة آثار لهذه العادة في البندقية بالعصور الوسطى في فرنسا وفي القرن السادس عشر وإن كانت الزوجة أو العشيقة تلبس الحزام طواعية وتعطي المفتاح للزوج أو العشيق ضماناً لإخلاصها للزوج أو العشيق.
وازدهرت حياة الأسرة. ويحصى سجل تاريخي بارفوت ثمانية أو عشرة أولاد لكل زوجين في المعدل ولم تكن الأسرة التي تضم خمسة عشر ولداً بالنادرة، وهذه الأعداد تشمل أبناء السفاح لأن الأطفال غير الشرعيين، اللذين كثروا كانوا يؤخذون عادة إلى بيت الوالد بعد زواجه. وشاع استخدام الألقاب في القرن الخامس عشر وكثيراً ما أشارت إلى مهنة السلف أو إلى موطنه الأصلي وإن كانت بين آن وآخر تجمد دعابة لحظة في صراحة الزمن. وكان يراعي الضبط والحزم في البيت وفي المدرسة، بل إن ماكس الذي صار إمبراطورا فيما بعد كثيراً ما تلقى الصفعات، ويبدو أن هذا لم يسبب ضررا إلا للأب أو المدرس. وكانت البيوت الألمانية وقتذاك (1500م) أكثر البيوت راحة في أوروبا إذ كانت درجاتها متسعة ولها درابزين متين وفيها أثاث ضخم ومقاعد وثيرة وخزائن منحوتة ونوافذها من الزجاج الملون وأسرة لها كلة وجدرانها مطنفسة وأرضيتها مكسوة بالسجاد وفيها مواقد منبعجة ورفوف تزخر بكتب أو أزهار أو آلات موسيقية أو عليها طبق فضي ومطابخ تتألق بكل الأوعية الصالحة لإقامة مأدبة ألمانية.
وشيدت البيوت من الخارج في عظمها من الخشب، وكثيراً ما شبت فيها الحرائق، وكانت الطنف المتدلية والشرفات تظلل الطرقات، ولم يكن في المدن الكبيرة إلا قليل من الطرقات المرصوفة، ولم تعرف إنارة الشوارع إلا في ليالي الأعياد وكانت الحياة خارج البيوت غير مأمونة بالليل. وكان صغار المجرمين ينافسون في الكثرة الخنازير والبقر التي كانت تهيم في الطريق على غير هدى. ولم تكن هناك شرطة نظاميون، وكانت توقع عقوبات صارمة لردع الجريمة فقد كانت عقوبة السرقة الموت أو قطع الأذنين في حالة السرقة الخفيفة. وكانت تقطع ألسنة الكفار والمجدفين أما المنفيون الذين يعودون إلى نومبرج دون مبرر شرعي فكانت تسمل عيونهم. وكانت النساء اللاتي يقتلن أزواجهن يدفن أحياء أو يعذبن بملاقط تسخن إلى درجة الاحمرار ثم يشنقن. ومن بين آلات التعذيب التي عرضت فيما مضى في شلوس أو قلعة نورمبرج صناديق ممتلئة بأحجار مدببة يسحق بها جسد الضحية وتروس تمد بها أطرافها ومواقد لحرق كعوب أقدامها وإطارات مدببة من الحديد لثنيها من الجلوس أو الاستلقاء أو النوم ثم العذراء
الحديدية الملعونة التي كانت تستقبل المحكوم عليه بذراعين من الصلب وتحيطه بهما في حضن شائك ثم ترخي ذراعيها وتدعه يسقط دامي الجسد من أثر اختراق المسامير محطم العظام ليموت موتاً بطيئاً في جب تدار فيه مدى وقضبان مدببة.
وساوت الأخلاق السياسية الأخلاق العامة في انحلالها فتفشت الرشوة وبلغت أقصاها في قمة الكيان الاجتماعي، وشاع الغش في السلع وذلك على الرغم من دفن رجلين وهما على قيد الحياة في نورمبرج لغشهما النبيذ (1456)، وكانت التجارة - التضحية بالأخلاق في سبيل المال - قوية في جميع الأعمار، فالمال لا الإنسان هو مقياس كل شئ، ومع ذلك فإن هؤلاء الأوساط المتزاحمين المتدافعين من المواطنين تبرعوا بمبالغ كبيرة على سبيل الإحسان. وكتب لوثر: "في العهود البابوية كان الناس يتبرعون بكلتا اليدين في جذل وبولاء عظيم. كانت السماء تمطر صدقات وإنشاءات وهبات. كان أجدادنا من السادة والملوك ومن الأمراء وغيرهم من الشعب، يتبرعون بسخاء، أجل، إلى درجة تغمر كل شئ، للكنائس والأبرشيات والمنح الدراسية والمستشفيات، ومن دلالات هذا العهد الدنيوي أن كثيراً من تركات المحسنين أو قفت" لا على الهيئات الدينية فحسب" ولكن على مجالس المدن لتوزيعها على الفقراء.
وأصبحت الأخلاق أشد جفاء في فرنسا وإنجلترا وفي ألمانيا أيضا عندما خلفت حكومة السراة بالمال حكومة الأرستقراطية بالميلاد في السيطرة على الاقتصاد. وكان السكر رذيلة وطنية وقد ندد به كل من لوثر وهوتن على الرغم من أن هوتن فضله على "مخاتلة الإيطاليين وسرقة الأسبان وزهو الفرنسيين" ولعل بعض الانغماس في الشراب يرجع إلى التوابل الحريفة التي استخدمت في إعداد وجبات الطعام. ولقد أعوز التهذيب آداب المائدة ووصلت "الشُّوَك" إلى ألمانيا في القرن الرابع عشر ومع ذلك فقد آثر الرجال والنساء أن يستخدموا أصابعهم في تناول الطعام. بل ان واعظا في القرن السادس عشر أدان "الشوَك" باعتبارها مخالفة لإرادة الله " الذي لو كان يريد منا أن نستخدم الشوك لما منحنا أصابع".
قصة الحضارة ج23 ص231-236، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> الألمان
 
لقاح المدة الطويلة لحضارة الإسلام كان لها التأثير الأكبر على الغرب بل إنه لم يكن لقاح وإنما البذرة واللقاح،الجوهر والمادة.
هذا نقوله تعليقا على النص التالي في المنشور التالي فهكذا لابد أن يوصف فعل
الإسلام في التاريخ وفي أوروبا وفي العلم والمنهج.. وفي التكنولوجيا والمدنية.
 
العلمانية تتمدد وتتحربن(من الحرباء) رويدا رويدا... ولابد من دراسة الظروف الغربية وتحلل المجتمعات وتخلصها من الدين كليا(وقد كان هناك الإسلام كبديل(كما هو عنوان كتاب لمراد هوفمان السفير الألماني الذي أسلم، وسأضع كتبه للتحميل بعذ قليل)
والسؤال هو:تحت أي وقع ووقائع حدث التغير في الفكر الغربي... وتحت أي سلوك كان ينتشر وينال الحيز والمجال والموقع (الرسمي بعد الإجتماعي) في كل المجالات؟
علماء الإنسانيات الألمان يتحللون من الدين رويدا رويدا ، وأوائلهم غير أواخرهم في القرون الأولى لهم... وكان التحلل من العقائد المسيحية والإيمان بنصوص الكتاب المقدس يجري تحت ضرب المعاول الخفيفة تارة والثقيلة تارة أخرى، ولاشك أن النقد الأسلامي سبقهم في هذا المضمار وستفاد منه علماء أوروبا أيما إستفادة
نموذج توضيحي من ألمانيا.
قال ديورانت
:"علماء الإنسانيات الألمان ..كانت ألمانيا بلداً فتياً في الآداب مثلما كانت في الحياة والفن... وانتشر تعلم القراءة والكتابة، وصدرت الكتب متدفقة من ستة عشر ناشرا في بازيل، وعشرين في أوجسبورج، وواحد وعشرين في كولونيا، وأربعة وعشرين في نورمبرج. ولقد كان هناك أنطون موبيرجر الذي استخدم وحده أربعا وعشرين مطبعة ومائة رجل، وكان الاتجار في الكتب يحتل جانبا كبيرا من التجارة الرائجة بالأسواق في فرانكفورت وسالزبورج ونوردلينجن وأولم، حتى قال أحد المعاصرين الألمان "إن كل إنسان اليوم يريد أن يقرأ ويكتب". وكتب آخر يقول: "لا نهاية للكتب الجديدة التي تؤلف". وتضاعف عدد المدارس في المدن، وكانت كل مدينة تقدم مكافآت أو منحا دراسية للطلبة الفقراء من الممتازين، وأنشئت تسع جامعات جديد...وكانت الحركة الإنسانية في ألمانيا بادئ الأمر-وبعد شغفها بلوثر- أكثر مطابقة للعقيدة كما علم اللاهوت منها في إيطاليا، ولم يكن لألمانيا ماض قديم مثل إيطاليا ولم يتح لها أن أفادت من غزو روما الإمبراطورية لها وتعليمها، ولم يكن هناك رباط مباشر بينها وبين العهد القديم غير المسيحي وكانت ذاكرتها لا تكاد تتجاوز القرون التي دانت فيها المسيحية، وكان تضلعها في العلم لا يكاد يقتحم ما قبل عهد آبائها المسيحيين، وكانت نهضتها إحياء للمسيحية الأولى أكثر منها إحياء للآداب والفلسفة الكلاسية. وطوى الإصلاح الديني النهضة في ألمانيا.
ومع ذلك فإن مذهب الإيمان بالإنسان في ألمانيا اقتدى بزعامة إيطاليا، إذ أن بوجيو باتشيوليني وإنياس سيلفيوس وآخرين من علماء الإنسانيات جاءوا معهم بالبذرة عند زيارتهم لألمانيا، كما أن الألمان من الطلبة والحجاج ورجال الدين والتجارة والدبلوماسيين الذين زاروا إيطاليا عادوا وهم يحملون معهم - ولو عن غير قصد-لقاح عصر النهضة...ويعد جوهانس تريثميوس راهب سبونهايم آخر علماء الإنسانيات المحافظين وهو الذي كتب عام 1496: "لقد ولت إلى غير عودة أيام تشييد الأديرة، أما أيام هدمها فآتية لا ريب فيها". ووصف سلتس، وهو عالم إنسانيات أقل إخلاصاً زميله تريثميوس بأنه "زاهد في الشراب، يزدري لحم الحيوان ويعيش على الخضر والبيض واللبن، كما كان يفعل أسلافنا في الوقت الذي... لم يكن هناك أطباء يشرعون في تركيب أدوية لداء النقرس والحمى". وأصبح في خلال حياته القصيرة متفننا في علوم جمة، بارعا في اللغات اللاتينية واليونانية والعبرية وآدابهاوفي عام 1447 توَّجه الإمبراطور فردريك الثالث في نورمبرج أميراً للشعراء في ألمانيا. وأسس سيلتس في ماينز (1941) جمعية الراين الأدبية الواسعة النفوذ وكانت تضم علماء وفقهاء في الدين وفلاسفة وأطباء ومؤرخين وشعراء ومحامين، أمثال أولريخ تسازيوس الفقيه القانوني الضليع وعلماء أمثال بيركهايمر وتريثموس ورويخلين وويمفيلنج. وأنشأ في فيينا، بأموال زوده بها ماكسمليان، أكاديمية للشعر أصبحت فيما بعد قسماً محترماً من الجامعة يعيش فيه الأساتذة والطلبة معاً في البيت نفسه وينهضان بالعمل ذاته. ويبدو أن سيلتس خسر عقيدته الدينية في خلال دراساته، فقد أثار مثل هذه الأسئلة: "هل تحيا الروح بعد الموت؟" و"هل هناك إله حقاً؟" وفي أسفاره اصطحب نماذج كثيرة من الجنس اللطيف ولكنه لم يصحب واحدة منهن إلى المذبح، وانتهى أمره إلى أن يقول في غبطة: "ليس هناك تحت الشمس أحلى من عذراء جميلة بين ذراعي رجل تبدد همومه". ولقد انتشر هذا الانحلال المريب وأصبح بدعة بين علماء الإنسانيات الألمان في العقود الأخيرة قبل لوثر...ومهما يكن من أمر فإن كوثرادوس موتيانوس روفوس استطاع أن يوفق في رفق بين مذهب الشك والدين، ولقد اكتفى بعد أن فرغ من الدراسة في ديفنتر وارفورت وفي إيطاليا، بمنصب ديني متواضع في جوتا ووضع على بابه هذا الشعار، "أيها السكون المقدس السعيد" Beata tranquilte، وجمع حوله الطلبة المعجبين وعلمهم "أن يقدروا أحكام الفلاسفة وأن يضعونها فوق أحكام القساوسة" ولكنه حذرهم حذرهم، بأنهم يجب أن يخفوا شكوكهم في العقيدة المسيحية عن الجمهور بالإقبال بأسلوب مهذب على إقامة الشعائر والمراسيم الدينية وقال: " إننا لا نقصد بالإيمان مطابقة ما نقول للواقع بل نعني رأياً بأن الأمور المقدسة تقوم على الفطرة والإقناع الذي ينشد المنفعة". واعترض على إقامة القداس للموتى باعتباره أمراً لا فائدة منه وعلى الصيام باعتباره شيئاً غير مرغوب فيه وعلى الاعتراف السري باعتباره عملاً يثير الارتباك. ورأى أن الكتاب المقدس يحتوي على حكايات خرافية كثيرة مثل حكاية يونان وأيوب، ومن يدري؟ لعل المسيح لم يمت حقاً على الصليب! فقد كان اليونان والرومان مسيحيين دون أن يحسوا ما داموا قد عاشوا في استقامة، وليس من شك في أنهم ذهبوا إلى الجنة. ويجب أن يكون الحكم على العقائد والشعائر مبنياً لا على أساس دعاواها الحرفية ولكن على أساس آثارها الأخلاقية. فإذا كانت ترقى بالنظام الاجتماعي والفضيلة عند الفرد فيجب أن يتقبلها الجمهور دون مناقشة، وطلب موتيانوس من مريديه أن يعيشوا حياة طاهرة، وأقسم في سنواته الأخيرة قائلا: لسوف أحول دراساتي إلى ورع ولن أتعلم من الشعراء أو الفلاسفة أو المؤرخين إلا ما يرقى بالحياة المسيحية. وبعد أن عاش بكل ما تقدمه الفلسفة من عزاء مات تحفه بركات الكنيسة (1526).
وليس من شك في أن استياء المحافظين من مذهب الشك الذي شاع بين علماء الإنسانيات المتأخرين قد بلغ عنفوانه عند أرق علماء هذا العصر وأرحبهم صدراً فقد لاحظ جوهانس رويخلين التقليد الذي درج عليه الناس في العصور الوسطى من جمع المعارف من أثني عشر مركزاً بفضل انتشار اللغة اللاتينية باعتبارها لغة التعليم في أوربا الغربية. وفي مدرسة النحو تمبلدته فورتسهايم وفي جامعات فرايبورج وباريس وبازيل وأورليانز وبواتييه، وفي لينز وميلان وفلورنسا وروما تابع دراسة اللاتينية واليونانية والعبرية والقانون بحماسة تصل تقريباً إلى حد التعصب...وأقنع بيكو ديلا ميراندولا، رويخلين أن ينشد الحكمة في كابالا. وبمقارنة ترجمة جيروم للعهد القديم بالنص العبري الأصلي أشار "كابنيو" إلى كثير من الأخطاء فيما اعتاد علماء اللاهوت الاستشهاد به كنص لا يرقى الشك إليه. وعندما بلغ الثانية والثلاثي من عمره عين أستاذاً للعبرية في جامعة هيدلبرج. وليس من شك في أن معجم اللغة العبرية وكتاب قواعد هذه اللغة اللذين ألفهما قد أتاحا دراسة اللغة العبرية والعهد القديم على أساس علمي وأسهما في أن يكون للكتب المقدسة المدونة بالعبرية تأثير قوى على الفكر البروتستانتى...وتحالفت طائفة من الظروف الغربية فجعلت منه بطلا لعصر النهضة الألمانية، إذ حدث في عام 1508 أن أصدر جوهانس بفيفر كورن، وهو حاخام تحول إلى قسيس، كتاب "مرآة اليهود" أدان فيه اضطهادهم وبرأهم من الجرائم الأسطورية التي شاع اتهامهم بها ولكنه حثهم في الوقت نفسه على أن يتخلوا عن إقراض النقود وعن التلمود وأن يدخلوا في المسيحية وقدم إلى الإمبراطور - وكان يؤازره في ذلك رهبان الدومينيكان في كولونيا - توصية بمصادرة جميع الكتب العبرية ما عدا العهد القديم، فأمر ماكسمليان بتسليم جميع كتب الأدب اليهودي، التي تنتقد المسيحية إلى بفيفر كورن لكي تفحصها جامعات كولونيا وارفورت وماينز وهيدلبرج وجاكوب فان هوجسترايتن رئيس محكمة التفتيش في كولونيا ورويخلين بفضل تضلعه في اللغة العبرية، وأشار الجميع ما عدا رويخلين بمصادرة الكتب وإحراقها، وهكذا أثبت رأى الإقليمية الذي يمثله رويخلين أنه معلم من معالم تاريخ التسامح الديني، فقد قسم الكتب اليهودية إلى سبع طوائف، إحداها يتكون من أعمال تسخر صراحة من المسيحية وهذه يجب أن تحرق أما الباقي وتشمل التلمود فيجب الحفاظ عليها حتى ولو كان هذا لمجرد أن لها قيمة كبيرة بالنسبة للمعرفة المسيحية، وقال بفيفر كورن إن لليهود حقا في أن تكون لهم الحرية في الرأي كمواطنين بالإمبراطورية ولأنهم لم يرتبطوا بأي التزام نحو المسيحية. وتحدث رويخلين في رسائله الخاص عن بفيفر كورن فقال إنه "حمار" لم يتيسر له أن يحسن فهم الكتب التي اقترح إتلافها. وكان رد بفيفر كورن على هذه المجاملات أن أصدر كتاب "مرآة اليد". وقد هاجم فيه رويخلين وعدة أداة رشاها اليهود. فرد عليه رويخلين طعنة بطعنة وأصدر كتاب "مرآة العين" الذي أثار عاصفة بين المحافظين. وشكت كلية اللاهوت في كولونيا إلى رويخلين أن كتابه قد أسعد اليهود كثيراً وطالبوه أن يسحبه من التداول. وحرم ماكسمليان بيعه فاستغاث رويخلين بالبابا ليو العاشر فأحال الأمر إلى مستشارين مختلفين فقرروا أن الكتاب لا ضرر منه، فما كان من ليو إلا أن يوقف الدعوى وأكد لعلماء الإنسانيات حوله أنه لن يلحق رويخلين أي أذى.
وفي غضون ذلك اتهم بفيفر كورن وأنصاره من رهبان الدومينيكان رويخلين أمام محكمة التفتيش في كولونيا بأنه كافر بالمسيحية وخائن لعهدها، فتدخل كبير الأساقفة وأمر بإحالة القضية إلى روما التي أحالتها بدورها إلى محكمة سبيير الأسقفية فبرأت رويخلين، ولجأ الدوينيكان بدورهم إلى روما وأمرت الكليات الجامعية في كولونيا وارفورت وماينز ولوفان وباريس بإحراق كتب رويخلين.
وأنه لأمر عجيب - ودليل مبين على الحيوية الثقافية في ألمانيا في هذا العصر أن يتصدى للدفاع عن رويخلين عدد كبير من المشهورين وقتذاك: أرازموس وبيركهاميمر وبويتنجر وأويكولا مبادوس البازيلي وفيشر أسقف روشستر وأولريخ فون هوتن وموتيانوس وايوبان هس ولوثر وميلانكستون، بل ودافع عنه بعض كبار رجال الدين من أنصار علماء الإنسانيات كما كان الحال في إيطاليا. وأعلن الأمراء الإمبراطوريون المختارون والأمراء وثلاثة وخمسون مدينة تأييدهم لرويخلين. وجمعت رسائل من المدافعين عنه ونشرت، وذلك مثل "رسائل من رجال مشهورين إلى يوحنا رويخلين" Clarorum viorum pistolae ad johanem Reuchlin. وفي عام 1515 أصدر علماء الإنسانيان كتابا أشد خطراً هو صفحة 324 (آخر الصفحة) أي رسائل من رجال مغمورين إلى الأستاذ المبجل أورتونيوس جراتيوس أستاذ الأدب في كولونيا. وتعد هذه الرسائل في تاريخ الأدب. وأحرزت نجاحا كبيراً إلى حد أن طبعة موسعة صدرت منها عام 1516 ثم نشر ملحق لها بعد عام. وادعى المؤلفون أنهم رهبان أتقياء معجبون بجراتيوس وأعداء لرويخلين، وأخفوا شخصياتهم تحت أسماء مستعارة عجيبة - نيكولاوس كابريمولجيوس (حالب لبن الماعز) ويوهانس بيليفكس (صانع الجلد) وسمون فورست (السجق) وكونرادوس أونكبيونك. واشتكى الكتاب من السخرية التي وجهها إليهم الشعراء (كما كان يطلق على علماء الإنسانيات الألمان) وذلك بلغة لاتينية أسيئت صياغتها عمداً، قلدوا فيها أسلوب رجال الأديرة، وطالبوا في إلحاح بمقاضاة رويخلين: وفي الوقت نفسه فضحوا جهلهم المطلق وفظاظة أخلاقهم وغلظة عقولهم، وناقشوا نسائل تدعو للسخرية في رصانة على نحو ما يفعل أنصار فلسفة الكلام واستشهدوا بآيات من الكتاب المقدس لتخفيف العبارات البذيئة - وسخروا بلا تيقظ من الاعتراف السمعي وبيع صكوك الغفران وتبجيل مخلفات القديسين ومن سلطة البابا، وهي الموضوعات نفسها التي تناولها الإصلاح الديني. وحارت كل الأوساط الأدبية في ألمانيا في التعرف على شخصيات مؤلفي هذه المجلدات: ولم يسلم الناس إلا فيما بعد بأن كروتوس روبيانوس الارفورتي وهو أحد مريدي موتيانوس، قد كتب معظم ما ورد بالطبعة الأولى وأن هوتن كتب معظم ما ورد بالملحق. وتميز ليو العاشر غضبا فحرم قراءة أو حيازة الكتاب وأدان رويخلين ولكنه أحل له نفقات محاكمة سبيير (1520)، وانسحب رويخلين وهو شيخ منهوك القوى في الخامسة والستين ليعيش في الغمرات ونسبه الناس بغير صخب في غمار تألق الإصلاح الديني.
واختفت حركة علماء الإنسانيات الألمانية بدورها في وهج هذه النار التي أضرمت كل شئ وتعرضت لحرب شعواء من معظم الجامعات من ناحية ومن رجال الإصلاح الديني الذين دخلوا معها في صراع من أجل الحياة من ناحية أخرى، فدعموا قضيتهم بعقيدة دينية ركزت على خلاص الروح في العالم الآخر. ولم تترك الناس إلا فسحة ضئيلة من الوقت يتدارسون فيها الحضارة الكلاسية أو يصلحون من أحوالهم في هذه الحياة الدنيا، وحكم علماء الإنسانيات الألمان على أنفسهم بالهزيمة عندما فشلوا في الارتقاء بالأدب اليوناني إلى مستوى الفلسفة اليونانية.
وبالدخول في جدل عقيم أو الإغراق في صوفية أقل نضجا من صوفية اكهارت، لم يتركوا أعمالا عظيمة إذ أن كتب قواعد اللغة والمعاجم التي كان رويخلين يؤمل أن تكون "أثرا خالدا له يبقى أكثر من النحاس الأصفر" سرعان ما طويت في غياهب النسيان. ومع ذلك فمن يدري أن لوثر كان يجرؤ على أن يطلق قذائفه التي تشبه قذائف داود على تيتزل والبابوات إذا لم يكن عقل ألمانيا قد تحرر إلى حد ما من الرعب من أنصار الكنيسة الرومانية الكاثوليكية على يد علماء الإنسانيات. لقد كان أتباع رويخلين وموتيانوس أقلية قوية في أرفورت حيث درس لوثر لمدة أربع سنوات وأصبح شاعر ألماني في هذا العهد وتغذى بلبان علم الإنسانيات رسولاً متحمساً للإصلاح الديني.
قصة الحضارة ج23 ص262-272) الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> علماء الإنسانيات الألمان
 
أعدكم أنني في الساعات القادمة -إن شاء الله-سوف أضع لكم كنوزا تتفكرون فيها وتتملونها ولها ارتباط بنصوص قرآنية يمكن رؤية تحققاتها في المشاهد المحسوسة-التي سأعرضها من كلام ديورانت- والوقائع التاريخية،مثل (ماسنعرضه من النموذج الألماني، هذه المرة) من فساد الباباوية ويأس الرهبان والشعوب الغربية لكن الأهم هو مساهمة العلم الإسلامي في تفتيح عيون واذهان الغربيين على بؤس المسيحية(هناك كتاب بعنوان" بؤس الماركسية" ويمكن أن نضيف كمعاصرين بؤس العلمانية، وبؤس الدكتاتوريات،إلخ)
سأحاول أن أقسم المقتباسات إلى سطور قليلة وهذا قد يتعذر وهو من الصعوبة بمكان، لكن لابأس من إجراء المحاولة.. فالغرض هو تحفيز القراءة وتوصيل المعلومة الخطيرة، وتفعيل الروح المسلم ليشارك في حركة الوعي المعاصر، ليستطيع أن يواجه الطغيان بعزة إسلامية أرادوا تحطيمها أو تجفيف ينابيعها.
الوعي يبدأ بالمعلومات والتفكير فيها ومواجهة الواقع المرير من خلالها واستنطاق المثال الإسلامي في التاريخ وكيف وصلت أنواره كمشكاة ظلت مضيئة في جزء عجيب من أوروبا(اسبانيا وصقلية والحواضر الأخرى) لمدة طويلة جدا ،800 عاما كاملة حتى تعلمت أوروبا من النموذج وكانت مدائن الإسلام تعج بالعلوم والمختبرات والمبتكرات، دلالة على أن المنزل القرآني حق ووعد الله تحقق في النفوس والأبدان والمواد والمجتمعات، ولم يتخلف المسلمون إلا بتخلفهم رويدا رويدا عن مشاعل الإسلام الكبرى، وعلى كل أخذت أوروبا من النموذج المنير قرونا، ومن قرب، من حضور إسلامي مكث قرونا طوالا في الغرب، ثم بعد طرد المسلمين عملت الترجمات على نشر العلم الإسلامي وكان الغربيون أنفسهم يفتخرون بالنموذج الإسلامي من ناحية العقل والعلم والفروسية، إلا أنهم لأسباب تحتاج لبحث مستفيض رفضوا الإسلام، لكنهم كانوا يشعرون تجاهه بالرهبة والرغبة، وود الذين كفروا لو كانوا مسلمين، وهناك نماذج قدمتها في أكثر من موضوع كتبته، مثل موضوع هونكه أو جاذبية الإسلام لرودنسون أو تعريفي بكتاب توماس جولدشتاين(المرفق بعد قليل)
وأهم من هذه الأخيرة هو أن الرفاهية التي جلبتها المبتكرات لم تأت من الهواء وإنما تنزلت مفاتيح أصولها العلمية من السماء، من توجيه النظر للأسباب ودراسة الآفاق الكونية، وتسخير الكون للبشر، فكانت لفتات أدت لمناهج وعلوم ومن ثم مختبرات ومبتكرات، وآلات وأجهزة... وأخذت أوروبا وبنت على نفس الإتجاه الإسلامي في درس الكون!
الا ان العلمانية حرفت من زاوية النظر وغيرت في إتجاه القبلة وتربعت على عرش كثير من جهات العالم ومع ذلك لايستطيع أحد إنكار الإستفادة ودهشة العلم وسبق الإسلام والمسلمين القدماء!
 
بعد موجات الحروب الصليبية الكبرى بدأ الناس يرون الحقيقة التي أضلتهم، والباباوات الذين قذفوهم في نار الحرب مع الإسلام.
كما ومن جانب آخر كانت الشعلة الأندلسية قد أنتجت أضواءا رآها المتعلمون الذين بدأو في مواجهة تعاليم وعقائد الكنيسة.
المانيا (1)ودورها في هدم الباباوية ودور القصائد الهجائية فالبابوات كانوا طغاة مستبدين ولصوصاً ومغتصبين كما عبر هوتن
:"ففي عام 1512 نشرت نوادره وأظهر العصر والأدب بل والفن، الرهبان والقسس وهم يسبحون إلى جهنم، وازدهر الهجاء في جميع الأشكال الأدبية.
وأشد هجاء في هذا العهد تضمنته مسرحية سفينة الحمقى بقلم سباستيان برانت، ولم يكن في وسع أحد أن يتوقع عملا يشيع فيه مثل هذا المرح من أستاذ في القانون والأدب الكلاسي في بازيل؛ فقد تخيل برانت أسطولا (نسبة في رحلة وأطلق عليه فيما بعد اسم سفينة) مزوداً برجال بلهاء، ويحاولون أن يشقوا عباب بحر الحياة، ويحاول أبله وراء الآخر أن يسير في اختيار على المسرح، وتتحمل طائفة تلو أخرى سوط لذعات كلمات المحامي الغاضبة - الفلاح والميكانيكي والشحاذ والمقامر والبخيل والمرابي والفلكي والمحامي ومدعي العلم والمحتال والفيلسوف والقسيس... وإذا كان برانت قد مس بسوطه رجال الدين برفق فإن توماس مورنر، وهو راهب فرنشسكاني، هاجم الرهبان والقسس والأساقفة والراهبات بهجاء مقنع فاق ف حدته وغلظته وذكائه هجاء برانت. ولقد قال مورنر إن القس يعني بالمال أكثر مما يعنى بالدين، وهو يتملق رعايا أبرشيته من أجل الحصول على كل دانق، ثم يدفع مقداراً مما جمعه إلى الأسقف التابع له ليسمح له باتخاذ خليلة، أما الراهبات فإنهن يمارسن الحب خفية، والراهبة التي تنجب أكبر عدد من الأولاد تختار رئيسة للدير...القصائد الهجائية قد أماطت اللثام عن الاحتقار الذي يكنه حتى الكاثوليكيين المخلصين لرجال الدين، فإن أدب الهجاء العنيف الذي تميز به أولريخ فون هوتن قضى على كل أمل في أن تصلح الكنيسة من نفسها، ودعا إلى الثورة الصريحة. وقد ولد أولريخ من أسرة تنتمس إلى الفرسان في فرانكونيا، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره أرسل إلى دير فولدا على أمل أن يصبح راهباً. وبعد وضعه بست سنوات تحت الاختبار هرب (1505) وعاش عيشة طالب متجول وأخذ يؤلف الشعر ويلقي القصائد يستجدي بها العيش، وكثيراً ما يقضى ليلة بلا مأوى...ومع ذلك وجده أيوبان هسى محبوباً كما هو، واصطحبه أسقف كريم إلى فيينا حيث رحب به علماء الإنسانيات، ولكنه اختلف معهم وانتقل إلى إيطاليا. ودرس في بافيا وبولونيا، وصوب قذائف من القصائد الساخرة ضد البابا جوليوس الثاني، وانضم إلى جيش ألماني من الغزاة لكي يحصل على الطعام، ثم قفل أدراجه عائدا إلى ألمانيا وهو في أقصى حالات الإعياء.
وابتسم له الحظ إلى حين في ماينز: فقد كتب قصيدة مدح في كبير الأساقفة الشاب ألبرخت فتلقى منه 200 جيلدر (5.000 دولار؟) اعترافاً بالجميل. وكان بلاط ألبرخت وقتذاك يعج بعلماء الإنسانيات، وكان الكثيرون منهم من المفكرين الأحرار الذين لا يتمتعون بالاحترام. وبدأ هوتن هناك يكتب مقالته في كتاب "رسالة من رجال مغمورين"، والتقى هناك أيضاً بأرازموس، وخلب العالم الكبير لبه بسعة اطلاعه وذكائه وسحره...وكان في كل محطة يتوقف فيها ينسف طائفة علماء اللاهوت والرهبان المنافقين الفاسدين. "وأرسل من عاصمة البابوية إنذار إلى كروتوس روبيانوس هذا نصه: أرجو أن تتخلى يا صديقي عن رغبتك في مشاهدة روما، فإن ما تنشده هناك لم يعد موجودا... قد تعيش من السلب والنهب، وقد ترتكب جريمة قتل أو تنتهك حرمة المعابد... وقد تعربد وتستسلم للشهوات وتنكر وجود الله في السماء، ولكن إذا أتيت إلى روما محملا بالمال فثق بأنك ستلق من الناس أعظم احترام. إن الفضيلة وبركات السماء تباع هنا، بل إن في وسعك أن تشتري الحق في أن ترتكب ما شئت من الخطايا في المستقبل، وليس من شك في أنك تكون معتوهاً لو تمسكت بالأخلاق الطيبة؛ فالناس العقلاء سيكونون أشراراً".
وفي سخرية مرحة أهدى إلى ليو العاشر (1517) طبعة جديدة من رسالة فالا المدمرة عن "هبة قسطنطين" الخيالية، وأكد للبابا أن أغلب أسلافه من البابوات كانوا طغاة مستبدين ولصوصاً ومغتصبين، وأنهم حولوا الجزاء في العالم الآخر إلى دخل لأنفسهم، وقد وقع هذا العمل في يد لوثر فزاد من سخطه على البابوية.
وعلى الرغم مما تتسم به كثير من قصائد هوتن من عنف وقدح، فإنها حققت له شهرة موزعة على أنحاء ألمانيا. وعندما عاد إلى الوطن عام 1517 أضافه كونراد بويتنجر في نورمبرج وتوج ماكسمليان، بناء على اقتراح هذا العالم الثري، هوتن أميراً للشعراء. وألحقه ألبرخت وقتذاك بخدمته الدبلوماسية وأرسله في بعثات مهمة وصلت إلى باريس. وعندما عاد هوتن إلى ماينز (1518) وجد ألمانيا في ثورة بسبب مقالات لوثر عن صكوك الغفران، ولا بد أنه ابتسم عندما رأى صاحبه كبير الأساقفة المستهين بالأمور متورطاً في موقف لا يحسد عليه. وكان لوثر قد استدعى إلى أوجسبورج لمواجهة الكاردينال كاجيتان، وليدفع عن نفسه تهمة الهرطقة. وتردد هوتن، فقد كان مرتبطاً، عاطفياً ومالياً، بكبير الأساقفة، ولكنه أحس بنداء الحرب في دمه فامتطى جواده وسافر إلى أوجسبورج.
قصة الحضارة ج23 ص273-276، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> أولريخ فون هوتن
 
المانيا (2) والتفاعلات الداخلية البطيئة في التخلص من أعباء الفكر الكنسي
قال ديورانت
:"ترى كيف كانت الكنيسة الألمانية في شباب لوثر؟ لقد ظهرت إشارة في استعداد كبار رجال الدين أن يتقبلوا النقد الموجه للكنيسة ونقادها. وكان هناك بعض الملحدين المشتتين ضاعت أسماءهم في غمرات الزمن، ويذكر أرازموس "هناك بيننا أناس يعتقدون مثل أبقراط أن الروح تموت مع الجسد"، ووجد بعض المتشككين بين علماء الإنسانيات، ومتصوفون أنكروا ضرورة الكنيسة أو القسس كوسطاء بين الله والإنسان، وأكدوا التجربة الدينية الباطنية كبديل للشعائر والقربان المقدس، وكانت هنا وهناك جيوب صغيرة من الولدانيين الذين أنكروا التفرقة بين القسس والعامة، وكان في شرق ألمانيا بعض الهيسيين الذين وصفوا البابا بأنه خصيم للمسيحية، وفي أيجر دمغ أخوان هما جون وليفين بن أوجسبورج صكوك الغفران ووصفوها بأنها أمر يدعو إلى السخرية (1466).
وأعلن جوهان فون فييل، وهو أستاذ من أرفورت، في مواعظة أن الجبر والاختيار بفضل الله، ورفض الاعتراف بصكوك الغفران والقربان المقدس والصلوات للقديسين وأعلن :"إني لأحتقر البابا والكنيسة والمجالس ولا أعبد إلا المسيح". وأدانته محكمة التفتيش، فتراجع عما قال، ومات في السجن (1481)، وقد ناقش فيسيل جانسفورت، الذي اشتهر خطأ بإسم جوهان فيسيل، الاعتراف والحل، وصكوك الغفران والمطهر، واتخذ من الكتاب المقدس الحكم الوحيد على العقيدة وجعل الإيمان المصدر الوحيد للخلاص، وإذن فها نحن أولاء أمام لوثر في جملة. وفي عام 1522 قال لوثر :"لو كنت قرأت مؤلفات فيسيل من قبل لظن أعدائي أن لوثر قد اقتبس كل شيء منه،إذ أن آرائنا تتفق إلى حد كبير". ومع ذلك فإن الدين في جملته كان يزدهر في ألمانيا، وكانت الغالبية العظمى من الناس محافظين، وكانوا أتقياء بين خطاياهم وكئوسهم، وكادت الأسرة الألمانية أن تصبح كنيسة في ذاتها، إذ كانت الأم تقوم بمهمة الواعظ والأب يقوم بدور القسيس، وكان أفرادها يكثرون من الصلاة، وكانت كتب الأسرة الخاصة بالتعبد لا يخلو منها بيت. أما الذين لا يستطيعون القراءة فكانت توفر لهم كتب مصورة Biblia Pauperum تصور قصص المسيح ومريم والقديسين، وكانت صورة العذراء عديدة كصور عيسى، والتسابيح تتلى في كثير من التكرار المشوب بالأمل. وأسس جاكوب شبرنجر عضو محكمة التفتيش جمعية من الرهبان لتكرار تلاوتها، وثمة صلاة ألمانية كانت تخاطب الثالوث الوحيد المشهور :"المجد للعذراء والأب والابن".
قصة الحضارةج23 ص276-277) الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> الكنيسة الألمانية
 
المانيا (3) الباباوات يأكلون أموال الناس والدول والشعوب بالباطل والقوة والسلطة والرهبة والرغبة
:"وكان لقسيس الأبرشية، حظية أو زوجة يعترف بها القانون العام. ولكن يبدوا أن الألمان الذين لا يخشون الإقدام قد اغتفروا هذا الصنيع باعتباره سلوكاً أفضل من التخالط الجنسي، ثم ألم يتمرد الباباوات أنفسهم في هذا العهد الذي شاعت فيه الشهوات على العزوبة؟ ...وكانت الشكاوى ضد رجال الدين الألمان موجهة أساساً إلى البطاركة بسبب ثرائهم وانغماسهم في النعيم الدنيوي. فقد كان بعض الأساقفة والرهبان أن يهيمنوا على اقتصاد مساحات كبيرة وصلت إلى حوزة الكنيسة وإدارتها، وكانوا سادة إقطاعيين متوجين أو مكللين، غير أنهم لم يكونوا دائماً متسامحين، وكان رجال الدين هؤلاء يتصرفون مثل أناس تعلقت قلوبهم بالدنيا لا كرجال نذروا أنفسهم لعبادة الله، ويزعم الرواة أن كثيراً منهم كانوا يذهبون في مركباتهم لصحبة حظاياهم إلى مجالس الدايت الإقليمية أو الاتحادية. وقد لخص جوهانس جانس، وهو بطريرك كاثوليكي متعلم ومؤرخ مساوئ الكنيسة الألمانية قبيل عهد الإصلاح الديني، ولعله كان قاسياً جداً في حكمه فقال:
"إن التناقض بين الهيام بالتقوى والجشع الدنيوي، بين الزهد الورع والتماس النفع الذي يتنافى بين طوائف المجتمع الأخرى. وفضلاً عن هذا فإن الوعظ ورعاية الأرواح كانا يلقيان إهمالاً تاماً من كثيرين من القسس ورجال الدين. واستشرى الشح والخطيئة الفادحة بين رجال الدين من جميع الرتب والطوائف في غمرة تلهفهم على زيادة الموارد الدينية والدخول والضرائب والأجور العائدة إلى حد، وكانت الكنيسة الألمانية أغنى الكنائس في العالم المسيحي، ويقدر البعض أن ما يقارب من ثلث الأراضي في البلاد كان بين أيدي الكنيسة، وأدى هذا إلى أمر يستحق اللوم بين السلطات الدينية، إذ أخذت تنشد دائماً ممتلكاتها وكانت مباني الكنيسة ومؤسساتها تستوعب أكبر جزء من الأرض في كثير من المدن.
وفي قلب الكهنوتية ذاتها كان هناك أيضاً تناقض ملحوظ في الدخل، فقد كانت الطوائف الدنيا من رجال الدين في الأبرشيات، الذين كانوا يستمدون رواتبهم الاسمية فقط من ضرائب العشور غير الثابتة، يضطرون في كثير من الأحايين -بدافع المسغبة، إن لم يكن بدافع إغراء الحرص- إلى الاشتغال بتجارة لا تتفق بتاتاً مع مناصبهم، وكانت تعرضهم إلى الاحتقار من رعايا أبرشياتهم، ومن جهة أخرى فإن الطوائف العليا من رجال الدين كانت تنعم بثراء فاحش لا حد له لا حد له، وكان كثير من رجالها لا يعانون شيئاً من وخز الضمير في التظاهر بطريقة ممقوتة تثير غضب الشعب وحسد الطبقات العليا وازدراء كل العقول الجادة.. وجأرت الأصوات بالشكوى في كل مكان من الارتزاق المهين بالمقدسات.. ومن المبالغ التي ترسل على دفعات، ومن الضرائب التي تدفع للبابا من الأرباح السنوية، ومن مال الرشوة.
وبدأ إحساس مرير بمقت الإيطاليين يتفشى شيئاً فشيئاً، حتى بين رجال من أمثال كبير الأساقفة برتولد فون هنيبرج، ممن كانوا أبناء مخلصين للكنيسة المقدسة. وكتب يقول في اليوم التاسع من سبتمبر عام 1496 :"يجب على الإيطاليين أن يكافئوا الألمان على خدماتهم وألا يستنزفوا دماء الهيئة الكهنوتية بسلب الذهب على دفعات".
وكان من الممكن الألماني أن تغتفر لأساقفتها تعلقهم بالدنيا، لو أنها أعفيت من ادعاءات الباباوات ومطالبهم، وقد استاءت روح القومية الناهضة من مزاعم البابوية أنها لا تعتبر أي إمبراطور حاكماً شرعياً إلا إذا أيده الباب، وأن من حقها خلع الأباطرة والملوك إذا أرادت. واستمر الصراع قائماً بين السلطتين الزمنية والدينية على التعيينات في المناصب وعلى تداخل الاختصاصات بين القضاء المدني والمحاكم الأسقفية، وعلى حصانة رجال الدين من تطبيق جميع التشريعات المدنية تقريباً. وتطلع الأشراف الألمان في غيظ وحسد لممتلكات الكنيسة الغنية، وأسف رجال الأعمال لأن الأديرة التي تطالب بالإعفاء من الضرائب تنافسهم في مجالس الصناعة والتجارة. وكان النزاع في هذه الرحلة قائماً على أمور مادية أكثر مما هو قائم على اختلافات دينية، وهاهو مؤرخ كاثوليكي آخر يقول:
"كان إجماع الرأي في ألمانيا أن المحكمة الرومانية ركزت الضغط في مسألة الضريبة إلى درجة لا تحتمل... وارتفعت الشكوى مرة بعد أخرى من أن مستحقات المحكمة العليا والضرائب التي تدفع للبابا من أرباح العام... ونفقات الرسامة للكهان قد زيدت بلا مبرر أو توسع فيها بطريقة غير قانونية، وأن صكوك غفران جديدة كثيرة صدرت دون موافقة أساقفة البلد، وأن ضريبة عشور تلو أخرى قد فرضت من أجل حرب صليبية ثم حولت إلى غرض آخر. بل إن رجالاً كرسوا حياتهم للكنيسة والمحكمة البابوية... كثيراً ما أعلنوا أن شكاوى الألمان من روما كانت في معظمها قائمة على أساس سليم من وجهة النظر المالية".
وفي عام 1457 وجه مارتن ميير رئيس الوزراء خطاباً لخص فيه المتاعب التي تعاني منها ألمانيا من جانب المحكمة الرومانية قال فيها:
إن اختيار البطاركة كثيراً ما يؤجل دون داع ويحتفظ بالمراتب الرفيعة والمناصب للكرادلة وأمناء سر البابا، وهاهو الكاردينال بيكولوميني نفسه قد منح أرضاً براحاً في ثلاث مقاطعات ألمانية بصورة غير عادية لم يسمع بمثلها من قبل. كانت الوعود بالمناصب والإقطاعيات تبذل بلا حساب، وكانت الجزية والضريبة تجمع بالتعسف، ولا يمنح المدينون مهلة للسداد، ومن المعروف أن الضرائب التي تجبى كانت أكثر من المبالغ المستحقة، وكانت الأسقفيات تمنح لا لأكثر رجال الدين جدارة بل لصاحب أكبر عطاء. وكانت صكوك غفران جديدة تصدر يومياً، وضرائب عشور للحرب تقرض دون استشارة البطاركة الألمان لا لغرض إلا لجمع المال. وكانت القضايا التي ينبغي أن تعرض في الوطن تحول بسرعة إلى المحكمة الرسولية، وقد عومل الألمان كما كانوا برابرة أغبياء وأغنياء واستنزفت منهم الأموال بألف حيلة ماكرة....وقد ظلت ألمانيا سنوات طويلة تتمرغ في التراب تنتحب على فاقتها ومصيرها المحزن،أما الآن فإن أشرافها استيقظوا من النوم وقرروا أن يتخلصوا من نير العبودية وأن يستعيدوا حريتهم العريقة. وعندما أصبح الكاردينال بيكولوميني عام 1458 البابا بيوس الثاني، واجه هذا التحدي، فطلب من ديترفون ايزنبورج مبلغ 20.500 جيلدر قبل أن يؤيد ترشيحه لمنصب كبير أساقفة ماينز (1459)، فما كان من ديتر إلا أن رفض دفع المبلغ بحجة أنه تجاوز كل ما كان يدفع من قبل، فأصدر البابا قراراً بحرمانه من غفران الكنيسة، ولكن ديتر تجاهل هذا الحرمان وأيده في هذا أمراء من الألمان، وعهد ديتر إلى محام من نورمبرج يدعى جريجور هايمبرج بإثارة الرأي العام لمنح المجالس الدينية سلطة أعلى من سلطة البابوات، فذهب هايمبرج إلى فرنسا لرفع دعوى جماعية ضد لبابوية، وخيل البعض فترة ما أن الأمم الشمالية سوف تتنصل من الولاء لروما، ولكن عملاء البابا انتزعوا من الحركة الواحد بعد الآخر من أنصار ديتر وعين مكانه أدولف الناساوى. واشتبك جيشا الأسقفين في حرب هزم فيها ديتر، ووجه إلى الزعماء الألمان تحذيراً بأنهم ما لم يقفوا معا فإنهم سيسامون الخسف والضيم واحداً بعد الآخر. وكان هذا الإعلان إحدى الوثائق الأولى التي طبعها جوتنبرج.
ولم يهدأ استياء الألمان بهذا النصر الذي أحرزه البابوات، وبعد أن تحول مبلغ كبير من المال من ألمانيا إلى روما في اليوبيل عام 1500 طالب مجلس الدايت في أوجسبورج بضرورة إعادة هذا القدر من المال إلى ألمانيا. وشكا الإمبراطور ماكسمليان من أن البابا سحب من ألمانيا دخلا يزيد مائة مرة عما يستطيع هو نفسه أن يجبيه منها. وفي عام 1510، وكان وقتذاك في حالة حرب مع البابا يوليوس الثاني، طلب من عالم الإنسانيات ويمفيلنج إعداد قائمة بشكاوي ألمانيا ضد البابوية، وفكر في فترة من الزمن أن يقترح فصل الكنيسة الألمانية عن روما، ولكن ويمفيلنج أثناه عن عزمه بحجة أنه لن يجد تأييداً دائما من الأمراء، ومع ذلك فإن كل التطورات الاقتصادية في هذا العهد مهدت لثورة لوثر. وليس من شك في أن اختلافا في المصالح المادية مهد أيضاً للإصلاح الديني في ألمانيا، فطالب الأمان بوضع حد لتفق الأموال الألمانية إلى إيطاليا، أي إلى نهضة إيطاليا تمول الشعر والفن بالذهب الوارد من وراء جبال الألب.
قصة الحضارةج23 ص278-283، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> الكنيسة الألمانية
 
العوامل التي غيرت وجه أوروبا(1)
"وكانت آلاف العوامل والمؤثرات الكهنوتية والفكرية والعاطفية
والاقتصادية والسياسية والخلاقية، تتجمع بعد قرون من التعويق والاضطهاد في دوامة تقذف بأوربا في أعظم فورة شهدتها منذ غزو البرابرة لروما".
قصة الحضارة ج23 ص283-284، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> الكنيسة الألمانية
 
سبيل عارم .. من..تدفق العلم العربي...وانتصار الإسلام!
العوامل التي غيرت وجه أوروبا(2)
"وكانت آلاف العوامل والمؤثرات الكهنوتية والفكرية والعاطفية
والاقتصادية والسياسية والخلاقية، تتجمع بعد قرون من التعويق والاضطهاد في دوامة تقذف بأوربا في أعظم فورة شهدتها منذ غزو البرابرة لروما"...ثم إن إضعاف البابوية...وانتصار الإسلام على العالم المسيحي في الحروب الصليبية إلى جانب التركية وازدياد الاتصال بالعقائد غير المسيحية وتدفق العلم العربي والفلسفة العربية...إن هذه كلها كانت تتحد في سبيل عارم سوف يحطم عرف والروابط ويمزق أوربا إلى أمم ومذاهب، وسوف يكتسح أمامه أكثر فأكثر دعائم المعتقدات المأثورة وما تقدمه من عزاء، ولعلها تؤذن ببداية النهاية لسلطان المسيحية على الحياة العقلية للرجل الأوربي.
قصة الحضارة ج23 ص283-284، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> الكنيسة الألمانية
 
دوامة تقذف بأوربا في أعظم فورة شهدتها
النص كاملا
:"وكانت آلاف العوامل والمؤثرات الكهنوتية والفكرية والعاطفية
والاقتصادية والسياسية والخلاقية، تتجمع بعد قرون من التعويق والاضطهاد في دوامة تقذف بأوربا في أعظم فورة شهدتها منذ غزو البرابرة لروما. ثم إن إضعاف البابوية بالنفي في أفنيون والانقسام في صفوف البابوية وانهيار النظام في الأديرة وترهب رجال الدين والترف الذي يرفل فيه البطاركة وفساد مجالس القضاء الرومانية ووجوه النشاط المتسم بالإقبال على الدنيا للبابوات وأخلاقيات الكسندر السادس وحروب يوليوس الثاني والمرح المستهتر الذي عرف به ليو العاشر والتجار في المخلفات المقدسة وبيع صكوك الغفران وانتصار الإسلام على العالم المسيحي في الحروب الصليبية إلى جانب التركية وازدياد الاتصال بالعقائد غير المسيحية وتدفق العلم العربي والفلسفة العربية وتدهور مكانة الفلسفة الكلامية في ظهور فلسفة سكوتس اللاعقلانية وشك أوكهام وفشل حركة التوفيق في الإصلاح والكشف عن الحضارة الوثنية القديمة واكتشاف أمريكا واختراع الطباعة وانتشار القراءة والكتابة والتعليم وترجمة الإنجيل وقراءته والإدراك الجديد للتناقض بين فقر الرسل وبساطتهم وبين ثراء الكنيسة الفاحش والثراء المتزايد لألمانيا وإنجلترا واستقلالهما الاقتصادي ونمو طبقة وسطى ترفض التسليم بقيود رجال الدين ومزاعمهم والاحتجاج على تدفق الأموال إلى روما وتحويل القانون والحكم إلى الأغراض الدنيوية وفتوة القومية وتقوية الملكيات والتأثير القومي للغات والآداب الشعبية وتفاعل الميراث الفكري الذي خلفه الوالدانيون وويكليف وهس والمطالبة الصوفية بالتخفف من الطقوسية في سبيل ديانة تلتحم بالشخصية والروحية وتتسم بالاتصال المباشر بالإنسان... إن هذه كلها كانت تتحد في سبيل عارم سوف يحطم عرف والروابط ويمزق أوربا إلى أمم ومذاهب، وسوف يكتسح أمامه أكثر فأكثر دعائم المعتقدات المأثورة وما تقدمه من عزاء، ولعلها تؤذن ببداية النهاية لسلطان المسيحية على الحياة العقلية للرجل الأوربي.
قصة الحضارة ج23 ص283-284، الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> ألمانيا قبيل عهد لوثر -> الكنيسة الألمانية
 
من دم الشعوب تُبنى أفخم كنائس ومدن الباباوية القديمة!
البابا ليو العاشر الذي أصدر أشهر صكوك الغفران عام 1517 وبناء كنيسة بطرس
:"أصدر البابا ليو العاشر في اليوم الخامس عشر من مارس عام 1517 أشهر صكوك الغفران. ومما يؤسف عليه - وإن كان له ما يسوغه - أن الإصلاح الديني فرض عليه أن يحارب في عهد سلطة بابوية جمعت في روما كثيراً من ثمار عصر النهضة وجانباً كبيراً من روحها؛ فلقد أصبح ليو، ابن لورنزو العظيم، وقتذاك عميداً لأسرة مديتشي، التي غذّت عصر النهضة في فلورنسا، وكان بحاثة وشاعراً وسيداً مهذباً...وكانت كل أخطائه جميعاً سطحية، إذا استثنينا سطحيته هو نفسه، ولم يكن يفرق إلا قليلاً بين مصلحة أسرته ومصلحة الكنيسة، وبدد أموال البابوية على شعراء أصالتهم محل شك وعلى حروب هي موضع نظر، وكان متسامحاً في العادة يستطيب الهجاء الموجه ضد رجال الدين الوارد في كتاب "الثناء على الطيش" لأرازموس، وقد عمل إلا في فترات عارضة بالاتفاق غير المكتوب الذي منحت بموجبه الكنيسة في عصر النهضة حرية لا بأس بها للفلاسفة والشعراء والعلماء - الذين كانوا يوجهون أحاديثهم باللاتينية - إلى الأقلية المتعلمة وإن تركوا عقيدة - الجماهير الراسخة دون مساس...وورث خزائن بابوية مفعمة بالأموال من يوليوس الثاني وأفرغها قبل أن يموت. ولعله لم يبالِ كثيراً بالكنيسة الضخمة التي فكر يوليوس في إنشائها وشرع في ذلك إلا أن كنيسة القدّيس بطرس القديمة لم تكن صالحة للترميم، وكان لابد أن تتدفق مبالغ كبيرة لإنشاء الكنيسة الجديدة ووجدت سلطات الكنيسة من العار عليها أن تدع هذا المشروع العظيم يُقبر في مهده. ولعله عرض في شيء من التردد أن يمنح في عام 1517 صك غفران لكل مَن يسهم في نفقات تكملة هذا المعبد العظيم. واحتج الحكام في إنجلترا وألمانيا وفرنسا وأسبانيا لأن ثروات بلادهم كانت تستنزف، ولأن اقتصادياتها القومية تتعرض للضرر بالحملات المتكررة لتحويل المال إلى روما، وكان ليو أحرص ما يكون على إرضاء الملوك وهم أقوياء: فوافق على أن يحتفظ هنري الثمن بربع الأموال التي تجمع من إنجلترا وقدم قرضاً قدره 175000 دوكات إلى الملك شارل الأول (الإمبراطور شارل الخامس فيما بعد) في مقابل الأموال المنتظر جمعها من أسبانيا ووافق على أن يحتفظ فرانسيس الأول بجزء من المبلغ الذي يجمع في فرنسا، أما ألمانيا فقد قوبلت بمعاملة أقل كرماً، فلم تكن فيها ملكية قوية تستطيع أن تساوم البابا ومهما يكن من الأمر، فإن الإمبراطور ماكمليان نال مبلغاً متواضعاً قدره 3000 فلورين من الإيرادات، وفوض آل فوجر في أن يأخذوا من الأموال التي تجمع مبلغ 20000 فلورين كانوا قد أقرضوه لألبرخت البراندنبرجي لكي يدفعها للبابا لتثبيته في منصب كبير أساقفة ماينز. ولسوء الحظ كانت تلك المدينة قد فقدت ثلاثة من كبراء أساقفتها في عشر سنوات (1504-1514) ودفعت مرتين نفقات باهظة للحصول على تأييد البابا، ومن ثم اقترض البرخت ليعفيها من الدفع مرة ثالثة - ووافق ليو وقتذاك على أن يتولى رئيس الأساقفة الشاب توزيع صكوك الغفران في ماجدبرج وهالبرشتادت وفي ماينز أيضاً. وكان يصحب كل واحد من واعظي ألبرخت وكيل لآل فوجر يراجع المصروفات والإيرادات وكان يحتفظ بأحد مفاتيح الخزانة التي تضم الأموال.وكان جوهان تيتزل وكيل ألبرخت الأول، وهو راهب دومينيكاني اكتسب مهارة وشهرة في جمع المال. وكان عمله الرئيسي منذ عام 1500 توزيع صكوك الغفران، وكان يلقى عادة في هذه المهام عون رجال الدين المحليين وإذا دخل مدينة استقبله موكب من القساوسة والحكام والأتقياء من العامة وهم يحملون الأعلام والشموع ويرتلون الأناشيد ويرفعون نشرة صك الغفران عالية فوق وسادة من المخمل أو وسادة مذهبة في حين تقرع الكنيسة أجراسها وتعزف على آلات الأرغن فيها وهكذا استطاع تيتزل(2) بفضل هذه المساندة أن يقدم بصفة مؤثرة صك غفران كامل لهؤلاء الذين يعترفون بخطاياهم وهم نادمون ويسهمون في بناء كنيسة جديدة للقديس بطرس حسب ما تسمح به مواردهم
قصة الحضارة ج24 ص3-5، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> تيتزل
 
ماهي الصفقة المسيحية لشراء شبر في الجنة في صفقة بيع الأوهام للناس؟
بصك غفران يشتريه المغفل أو الضال(...ولا الضالين آمين)
إقرأ صيغة الغفران الكاذبة
:"وكان جوهان تيتزل وكيل ألبرخت الأول، وهو راهب دومينيكاني اكتسب مهارة وشهرة في جمع المال. وكان عمله الرئيسي منذ عام 1500 توزيع صكوك الغفران، وكان يلقى عادة في هذه المهام عون رجال الدين المحليين وإذا دخل مدينة استقبله موكب من القساوسة والحكام والأتقياء من العامة وهم يحملون الأعلام والشموع ويرتلون الأناشيد ويرفعون نشرة صك الغفران عالية فوق وسادة من المخمل أو وسادة مذهبة في حين تقرع الكنيسة أجراسها وتعزف على آلات الأرغن فيها وهكذا استطاع تيتزل(2) بفضل هذه المساندة أن يقدم بصفة مؤثرة صك غفران كامل لهؤلاء الذين يعترفون بخطاياهم وهم نادمون ويسهمون في بناء كنيسة جديدة للقديس بطرس حسب ما تسمح به مواردهم:
ألا فليرحمك الرب يسوع المسيح ويغفر لك بفضل ما لقي من آلام مقدسة وأنا بتفويض منه ومن رسوليه المباركين بطرس وبولس، ومن البابا المقدس منح لي وعهد به الي في هذه الأجزاء إن احلك أولاً من كل لوم ديني مهما كانت الطريقة التي تعرضت لها، ثم من كل خطاياك ومن كل تجاوز للحدود وكل إفراط في الملذات مهما بلغت من الجسامة، بل حتى من أي إثم تحتفظ بتقريره وإدراكه السدة البابوية، وبقدر ما يمتد نطاق سلطان الكنيسة المقدسة أعفيك من كل عقاب تستحقه في المطهر بسبب هذه الآثام، وأعيدك إلى القربان المقدس للكنيسة وإلى البراءة والطهر اللذين حزتهما في العماد، ولهذا فإنك عندما تموت ستغلق أمامك أبواب العذاب وتفتح لك أبواب جنة النعيم، وإذا لم تمت الآن فإن هذا الفضل سوف يظل في أوج قوته عندما تصبح على وشك الموت باسم الأب والابن والروح القدس(3).
وكانت هذه الصفقة الرائعة بالنسبة إلى مؤمن تتفق مع المفهوم الرسمي لصكوك الغفران بالنسبة للأحياء، وها هو اسم تيتزل يتردد مرة أخرى خلال الخطاب المتضمن لتعليمات أسقفه عما استغنى عن الاعتراف التمهيدي إذا لجأ المتبرع إلى تقديم صك الغفران لروح في المطهر. ويقول مؤرخ كاثوليكي: ليس من شك في أن تيتزل أعلن طبقاً لما كان يتصوره من العقيدة المسيحية وفق التعليمات المخولة له أنه لا داعي لشيء سوى تقديم المال للحصول على صك غفران للميت في غير ما حاجة إلى الندم أو الاعتراف. ومن تعاليمه أيضاً، طبقاً للرأي الذي كان يعتنقه، أن صك الغفران يمكن أن يُمنح لأي روح معينه ويكون له أثر لا يخيب. وبناء على هذا الغرض فإن مما لا شك فيه أن مذهبه كان متفقاً مع هذا المثل السائر: "ما أن ترن قطع النقود في الخزانة حتى تقفز الروح من نار المطهر". ولم تنص نشرة البابا الخاصة بصكوك الغفران على أي دليل لهذا الرأي. وكان رأياً غامضاً لأنصار فلسفة اللاهوت... ولم يكن يمثل عقيدة ما للكنيسة(4).
وسمع مايكونيوس، وهو راهب فرنسسكاني ربما كان معادياً للدومينيكان بصنيع تيتزل فكتب تقريراً عن هذا العام 1517، يقول: "إن ما قاله هذا الراهب الجاهل وبشر به أمر لا يصدق. لقد أعطى خطابات مختومة ضمنها أن الخطايا التي يعتزم المرء أن يرتكبها سوف تخفر له، وقال إن البابا يملك سلطاناً يفوق سلطان الرسل والملائكة والقديسين، بل يفوق سلطان العذراء مريم نفسها، لأن هؤلاء جميعاً كانوا أتباعاً للمسيح أما البابا فانه ند للمسيح". وقد يكون في هذا مبالغة، ولكن مثل هذا الوصف يمكن أن يقدمه أي شاهد عيان يشير إلى ما يثيره تيتزل من مقت. ومثل هذا العداء يبدو في الشائعة التي ذكرها لوثر(5) في ارتياب والتي استشهد بها تيتزل عندما قال في هال إنه إذا حدث المستحيل أغتصب الرجل أم الرب فإن صك الغفران كفيل بأن يمحو عنه هذا الإثم.
قصة الحضارة ج24 ص5-6، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> تيتزل
 
مصلح لكنه خرافي يحتفظ برؤوس العقائد وينكر بعضها الآخر، أي إصلاح هذا؟
لكنه ، وربما، بفاعلية العلم الإسلامي، المتسرب عبر النموذج والحدود والكتب والمترجمين،، وابن رشد، وابن حزم وغيرهما، مع مااطلعوا عليه وجها لوجه، من اسبانيا والحروب الصليبية، كل هذا ربما أدى إلى عملية تغيير لكنها غير مكتملة لوجود عوائق نفسية ومجتمعية ودينية وذهنية، وعلى كل فالكنيسة تفرقت وتضعضعت ولم يعد لها القوة ولا السلطة كما كانت في الماضي، وهذا فضل الإسلام على الناس.
لنرى نموذج لوثر
قال ديورانت تعليقا على جمع الأموال من الدول ومنها المانيا لبناء كنيسة البابا في ايطاليا
:"فما أن وصله خبر بيع صكوك الغفران لبناء كنيسة الباباوية حتى أعلن حربه على الفكرة لكنه بقي مواليا من نواح سيذكرها النص!
:"وجاء عدد من المشتركين لهذه "الرسائل البابوية" بها إلى مارتن لوثر أستاذ علم اللاهوت في الجامعة وطلبوا منه أن يشهد بفاعليتها فرفض، وترامى الرفض إلى مسامع تيتزل فتوعد لوثر وهكذا خلد اسمه في التاريخ. كان قد أساء تقدير خصام الأستاذ إذ أن لوثر سرعان ما ألّف باللاتينية وخمسة وتسعين رسالة أطلق عليها اسم Disoutatio pro declaratione virtutis indulgentiarum "بحث في بيان قوة صكوك الغفران". ولم يعتبر آراءه من قبيل الهرطقة ولم تكن كذلك بكل تأكيد. وكان لا يزال كاثوليكياً متحمساً ليست لديه أدنى فكرة لقلب الكنيسة... كان غرضه أن يدحض الادعاءات المغالى فيها بشأن صكوك الغفران وأن يصحح المساوئ التي تنشأ عن توزيعها. وشعر بأن سهولة اصدار صكوك الغفران والاتجار فيها على نطاق واسع قد أضعف الاحساس بالندم الذي يجب أن يثيره ارتكاب الاثم، وجعل الخطيئة تبدو أمراً تافهاً يمكن تسويته ودياً بصفقة تُعقد مع بائع يتجر بالغفران، ومع ذلك فإنه لم ينكر "السلطة" البابوية في غفران الخطايا، وسلم بسلطة البابا في إحلال (إعفاء) النادم المعترف من العقوبات الدنيوية التي يفرضها عليه رجال الكنيسة ولكن من وجهة نظر لوثر هي أن سلطة البابا في تحرير الأرواح من المطهر أو في تقليل مدة عقابها، هناك تتوقف لا على السلطة التي تمثلها مفاتيح بطرس الرسول والتي لا تصل إلى أبعد من القبر - ولاكن تتوقف على تأثير الشفاعة لصلوات البابا، وهي قد تُسمع وقد لا تُسمع (الرسائل: 20-22) ... وفي وقت الظهيرة في اليوم الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 1517 ألصق هذه الرسائل على الباب الرئيسي لكنيسة القصر في فيتنبرج.
قصة الحضارةج23 ص7-9، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> تيتزل
 
سبق ان عرضنا حرق هس
وهنا يقول لوثر من بعده
:"ان هس أحرق دون أن يشفع له حصوله على جواز الأمان من الإمبراطور، وفي أية حال فإننا "يجب أن نتغلب على الهراطقة بالكتب لا بالحرق
قصة الحضارة ج24 ص29، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> نشرات بابوية ملتهبة
 
حرمان كنسي بابوي للوثر ولوثر يرد
:"وفي سبتمبر عام 1520 أصدر إيك وجيروم ألياندر منشور الحرمان من غفران الكنيسة في ألمانيا فرد عليهم لوثر الطعنة باصدار بيان ثانٍ هو "الأسر البابلي للكنيسة" (6 أكتوبر) ولما كان موجهاً إلى علماء اللاهوت والدارسين فإنه عاد إلى الكتابة باللاتينية، ولكن سرعان ما ترجم البيان وكان له تأثير عظيم على العقيدة المسيحية قارب تأثير "خطاب مفتوح" على التاريخ الديني والسياسي. فكما قاسى اليهود طويلاً من الأسر في بابل فإن الكنيسة كما أنشأها المسيح، وكما نص عليه في العهد الجديد قد تعرضت للأسر ما يزيد على ألف عام تحت حكم البابوية في روما. وفي خلال تلك الفترة تعرض دين المسيح إلى الفساد في الإيمان والأخلاقيات والشعائر.
قصة الحضارة ج24 ص30، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> نشرات بابوية ملتهبة
 
عجيب لوثر هذا
انظر كلامه ماذا يقول
:"وأي امرأة تتزوج من رجل عنين يجب أن يسمح لها، إذا وافق زوجها، بأن تضاجع رجلاً آخر لكي تنجب منه طفلاً ويجب أن يسمح لها بأن تدعي أن الطفل هو ابن زوجها وإذا أبى الزوج فإنها تستطيع بحق أن تطلق منه. ومع ذلك فإن الطلاق مأساة لا نهاية لها، ولعل تعدد الزوجات خير منه
قصة الحضارة ج24 ص31، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> نشرات بابوية ملتهبة
 
فضائح الباباوية على لسان لوثر
من كلام لوثر لليو العاشر بابا روما
:"سدتك البابوية التي تسمى المحكمة الرومانية والتي لا يمكنك أنت أو أي انسان أن تنكر أنها أكثر فساداً مما كان عليه أهل بابل أو سدوم والتي بقدر ما أستطيع أن أرى، تتسم بخبث غوى لا أمل فيه قبيح الصيت - فهذه السدة أنا أزدريها... ولقد أصبحت الكنيسة الرومانية أكبر وكر داعر للصوص وأعظم المواخير التي يندى لها الجبين ومملكة الاثم والموت والجحيم... ولطالما ساءني يا صاحب المقام السامي ليو إنك تُنصَّب بابا في هذه العهود لأنك خليق بأيام خير منها...
"ولذلك أرجو" يا عزيزي ليو أن تستمع إلى تلك الأقوال المعسولة التي لا تجعلك بشراً سوياً وترفعك إلى مصاف أنصاف الآلهة لكي تأمر... بما تشاء فأنت خادم الاجراء وبعد كل الرجال الآخرين في مركز خطير يرثى له. فلا يخدعك هؤلاء الذين يدعون أنك سيد العالم... الذين يهرفون بأن لك سلطاناً على السماء والجحيم والمطهر... إن الذين يعلون قدرك فوق المجلس وفوق الكنيسة العالمية يخطئون. والذين ينسبون إليك الحق في تفسير الكتاب المقدس يخطئون لأنهم ينشدون تحت ستار اسمك أن يرسوا قواعد خبثهم في الكنيسة، ومما يؤسف له أن الشيطان من خلالهم قد أحرز نجاحاً تحت حكم أسلافك. والخلاصة لا تصدق أحداً يعلي من قدرك، وصدق هؤلاء الذين يضعون من شأنك(55).
وأرسل لوثر مع هذا الخطاب ثالث بياناته وأطلق عليه اسم "عجالة في الحرية المسيحية" (نوفمبر عام 1520)
قصة الحضارة ج24 ص32-33، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> نشرات بابوية ملتهبة
 
:"وصودرت كتب لوثر في أنجولستادت وأحرقت في ماينز ولوفان وكولونيا، ولكن في ليبتسيج وتورجاو وديبيلين لُطخت النشرة المعلقة بالقذارة ومُزقت وفي أرفورت انضم كثير من الأساتذة ورجال الدين في رفض عام للاعتراف بالنشرة، وألقى الطلبة بكل ما وصل إلى أيديهم من النسخ في النهر، وأخيراً فر إيك من المسرح الذي شهد انتصاراته قبل ذلك العام(59).
وندد لوثر بالاعلان في سلسلة من الكتيبات التي تقطر مرارة وفي إحدى هذه الكتيبات أعلن موافقته الكاملة على آراء هس، وحوالي 31 من أغسطس عام 1520 استغاث بالامبراطور طالباً الحماية مثل "برغوث واحد يجرؤ على مخاطبة ملك الملوك" وفي السابع عشر من نوفمبر نشر استغاثة رسمية من البابا بمجلس للكنيسة. وعندما علم أن مبعوثي البابا يحرقون كتبه قرر أن يرد عليهم بالمثل؛ فأصدر نداء إلى الشباب التقي المثقف في فيتنبرج لكي يتجمع خارج بوابة "الستر" في المدينة صباح يوم 10 ديسمبر، وهناك أمسك بيديه نشرة البابا وقذف بها في النار مع بعض المراسيم الكنسية ومجلدات من لاهوت أصحاب الفلسفة الكلامية، ورمز في عمل واحد إلى رفضه للقانون الكنسي وفلسفة الأكويني وكل سلطة للكنيسة تأخذ بسياسة القمع. وجمع الطلبة كتباً أخرى من نفس النوع في ابتهاج وألقوا بها في النار لتظل مشتعلة حتى ساعة متأخر من بعد ظهر ذلك اليوم. وفي الحادي عشر من ديسمبر أعلن لوثر أنه لا يمكن لإنسان الخلاص ما لم يتبرأ من حكم البابوية(60) وهكذا حرّم الراهب البابا من غفران الكنيسة.
قصة الحضارة ج24 ص34، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> نشرات بابوية ملتهبة
 
وهبّت عاصفة من الكتيبات المناهضة للبابوية زادت من الإثارة وقال ألياندر في أسى أن عربة لا تسع كل هذه المقالات البذيئة. وأصدر هوتن، من قلعة سيكنجن في ابيرنبورج على بعد أميال قليلة من ورمس، نشرة تضمنت هجوماً محموماً ضد رجال الدين الألمان: "اذهبوا أيها الخنازير القذرة... ارحلوا عن الهيكل المقدس أيها التجار المبتذّلون ولا تلمسوا المذابح بايديكم الدنسة... كيف تجرءون على إنفاق المال المخصص لأغراض دينية في مظاهر الترف وفي التبذل والأبهة بينما الناس الشرفاء يتضورون جوعاً؟ لقد فاضت الكأس. ألا ترون أن نسمة الحرية قد بدأت تهب؟"(71) وكان تعاطف الناس مع لوثر قوياً
قصة الحضارة ج24 ص39، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> المجلس النيابي في ورمس
 
ولما كان لوثر قد أكبّ طويلاً على الكتاب المقدس وورث وجهة نظر القرون الوسطى عن صدوره من الله فإنه جعله عن محبة خالصة المصدر الأوحد لعقيدته الدينية وشريعتها. ومع أنه قبل بعض الروايات المأثورة التي لا تقوم على ما جاء في الكتاب المقدس - مثل تعميد الطفل والراحة يوم الأحد - فإنه رفض أن يسلّم بحق الكنيسة في أن تضيف إلى المسيحية عناصر لا تعتمد على ما جاء في الكتاب المقدس وإنما تعتمد على عرفها وسلطتها مثل المطهر وصكوك الغفران وعبادة مريم والقديسين وكان كشف فالا عن "هبة قسطنطين" (هبة أوربا الغربية المزعومة للبابوات) باعتبارها أضحوكة عتيقة في التاريخ قد زعزع إيمان الآلاف من المسيحيين في الوثوق بروايات الكنيسة وشكك في الشرعية الملزمة لمراسيمها
قصة الحضارة ج24 ص55، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> أسس الإيمان
 
لماذا يستخدم العلمانيين العرب لوثر ضدنا(محمد اركون وهاشم صالح مثلا)
:"ومع ذلك فإن لوثر خطا خطوتين في اتجاه العقل: جعل الموعظة، وليس الاحتفال مركز شعيرته الدينية وأعلن في الأيام الأولى لثورته بحق كل فرد في تفسير آيات الكتاب المقدس لنفسه"
قصة الحضارة ج24 ص56، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> أسس الإيمان
تعليق
ماعناه لوثر هو كردة فعل على الاحتكار البابوي لاختراع المظاهر والمعتقدات التي رفضها باعتبارها ليست في كتابه المقدس
لكن جعل تفسير الكتاب المقدس مفتوح لاي احد هو الامر الذي استخدمه العلمانيون المنكرون للوحي والدين أصلا لتحويل مفهوم القرآن وحقائقه الى مجازات بلاغية تحمل تحتها اساطير المجتمعات القديمة
وهكذا يحتالون ومن هذا الباب يدخلون ويحاولون ان يجعلوا فعلهم هذا عملية اصلاح ديني!
 
لوثر وغياب مفاهيم قرآنية ثمينة وغالية عنه
قانون السببية او القانون الطبيعي أو مفهوم التسخير غائب عن لوثر تماما
:"ونسب إلى فعل الشيطان ظواهر مختلفة لا تسر. سقوط البَرَد والرعد والحرب والطاعون، أما الحوادث السعيدة كلها فهي في نظره من فعل الله(122). وكان يجد صعوبة في إدراك كل ما نسميه القانون الطبيعي.
قصة الحضارة ج24 ص60، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> لاهوت لوثر
 
وعن لوثر يقول ديورانت:" وكان يرى أن إحراق الساحرات على السارية
قصة الحضارة ج24 ص60، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> لاهوت لوثر
تعليق
مع علم لوثر ان كثير من النساء اللائي أحرقن-من محاكم التفتيش وغيرها- كن مظلومات، ولست ساحرات على الحقيقة، وقد كتب ديورانت في ذلك كثيرا.
 
قال ديورانت:"وازدادت فلسفة لوثر قتامة بالاقتناع بأن الإنسان بطبعه شرير وميال للإثم ، وقد انتزعت الصورة الإلهية من قلب الإنسان عقاباً لعصيان آدم وحواء
قصة الحضارة ج24 ص61، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> لاهوت لوثر
وص62، ينقل ديورانت من كلام لوثر التالي:"ولا يمكن أن تكفّر عن خطايا البشر إلا تضحية المسيح المفتدية - آلام ابن الله وموته -، ولا يمكن أن ينجينا من عذاب جهنم إلا الإيمان بهذا التكفير الإلهي"
وهذا مخالف للقرآن المجيد إذ أن الإنسان يولد على الفطرة وأنه لاتزر وازرة وزر أخرى، وأن عقيدة وراثة الخطيئة هي عقيدة فاسدة دخلية فهي مرتبطة بمفهوم لعنة الإنسان في المسيحية بمجرد فعل آدم، ثم الإحتياج للعن الله على الصليب(تعالى الله عما يقولون علو كبيرا) فنصهم يقول ملعون كل من علق على صليب، وأن المسيح حمل اللعنة بدلا عنهم، وأن كان لابد أن يقدم نفسه كفدية ملعونة على الصليب بإعتباره الله نفسه أو الإبن الذي هو الإله متجسدا!
وكلها خرافات بنيت على أساس مفهوم النجاسة الأصلية وليس البراءة الأصلية التي رسخها الغسلام، فحتى آدم فقد تاب فتاب الله عليه، وكان من وراء ذلك المهمة العمرانية على الأرض"إني جاعل في الأرض خليفة" هذا قبل أن يفعل آدم الذنب.
فينزل على الأرض فيعمر فيها ومعه نموذج الخطأ والصواب، أو الخطيئة والتوبة..
 
ولم يرد لوثر أن ينكر فكرة التجسد وإنما كعادة الفرق الجديدة فإنها تنكر مازاد عن الأساطير الكبرى للمسيحية وتبقي أصولها مثل موضوع التجسد مثلا فترى لوثر ينكر خرافة التحول الحرفي للخبر الى جسد المسيح كما تؤمن بعض الكنائس الكبرى(الإرثوذكس على سبيل المثال) لكنه لايرفض ولايعتبر التجسد أصلا خرافة(وإلا سقطت العقيدة كلها فوجود الإبن مبني على الفدية والتجسد!!) حتى في هذا الموضع اي العشاء المزعوم بأنه رباني
يقول ديورانت:"ويرى لوثر أن الفكرة التي تذهب إلى أن القسيس يمكنه بتعويذة من كلماته أن يغير الخبز إلى المسيح سخيفة تنطوي على التجديف، ورأى مع ذلك أن المسيح يهبط من السماء بمحض مشيئته ليكون حاضراً بطريق التجسد مع الخبز والنبيذ في القربان المقدس.
قصة الحضارة ج23 ص67، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا -> لاهوت لوثر
 
قال ديورانت عن الثورة في المانيا
:"الثورة الاجتماعية
1522 - 1536
لقد كان الفرسان المسغبون ينتظرون في صبر نافد فرصة مواتية للثورة على الأمراء والبطارقة والممولين
قصة الحضارة ج24 ص72، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> الثورة الصاعدة)
تعليق
قلت: مأشبه الليلة بالبارحة
 
حتى ثورة المانيا ايام لوثر سعى الهمج المسيحيين فيها الى اضطهاد المسيحيين الآخرين، فأين ابناء الله يافيلدرز،لاهم في المانيا ولا هولندا ولافرنسا ولا اسبانيا !!
:"ولكن لوثر والوعاظ ومؤلفي الكتيبات لم يكونوا السبب في الثورة لأن الأسباب إنما تكمن بحق في المظالم التي حاقت بطبقة الفلاحين، وإن كان من الممكن أن يقال إن إنجيل لوثر وأتباعه المتطرفين قد "صبوا الزيت على اللهب"(11) وحولوا استياء المضطهدين إلى أوهام يوتوبية وإلى عنف لم يكن في الحسبان وإلى انتقام شديد.
وتشبث سلوك توماس منتسر بكل إثارة حفل بها العصر، فما أن عين واعظاً في آلشتدت (1522) حتى طالب بإبادة الكفار - أي الأرثوذكس أو المحافظين - بحد السيف وقال: "إن الكفار لا حق لهم في العيش إلا بقدر ما تسمح لهم بهذا الصفوة"
قصة الحضارة ج24 ص78-79،الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> حرب الفلاحين).
 
فيردريك الثالث! والثورة الالمانية هل له فيها من ضلع او ضلوع وهل للاسلام من وراءه من تنوير؟؟!
قال ديورانت
:"وصدر عام 1522 كتيب عنوانه "احتياجات الأمة الألمانية" نسب زوراً إلى الإمبراطور فردريك الثالث المتوفى ودعا إلى إلغاء "كل المكوس والرائب وجوازات السفر والغرامات" وإلغاء القانون الروماني والقانون الكنسي وتحديد حجم العمل في المؤسسات برأسمال قدره 10000 جيلدر وباستبعاد رجال الدين من الحكومة المدنية وبتصفية ثروة الأديرة وتوزيع المبالغ المحصلة على الفقراء"
قصة الحضارة ج24 ص77، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> حرب الفلاحين).
 
الزناد الذي أشعل الثورة الألمانية في القرن السادس عشر
:"وفي نحو هذا الوقت نفسه كانت ثورات الفلاحين تزلزل جنوب ألمانيا، ولعل عاصفة البرد الهوجاء (1524) التي قضت على كل الآمال المعقودة لجني محصول في شتيلنجن كانت بمثابة الزناد الذي أشعل نار الثورة"
قصة الحضارة ج24 ص79، الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> الثورة الاجتماعية -> حرب الفلاحين
 
عودة
أعلى