التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

مواخير العصور الوسطى المسيحية المظلمة واهلها
--
--
ان "الشاب في العصور الوسطى كان في أكبر الظن قد ذاق أنواعاً من الصلات الجنسية قبيل بلوغه السادسة عشرة من عمره. فقد عاد اللواط إلى الظهور في أثناء الحروب الصليبية، وفي أثر تيار الآراء الشرقية ، وعزلة الرهبان والراهبات(6). وكانت المسيحية قد أفلحت في مهاجمة هذا الداء في العصور القديمة المتأخرة. وقد كتب هنري رئيس دير كليرفو عن فرنسا في عام 1177 يقول!"إن سدوم القديمة قد أخذت تقوم فوق أنقاضها"(7). واتهم فليب الجميل رهبان المعبد بانتشار اللواط بينهم. وفي كتب التوبة الدينية التي تصف وسائل التكفير عن الذنوب ذكر لضروب الفحش من بينها البهيمية، وكانت طائفة كثيرة التنوع عن البهائم موضع صلات جنسية بالآدميين(8). وكانت الصلات الجنسية من هذا النوع إذا كشفت عوقب الطرفان المشتركان فيها بالإعدام، وفي سجلات البرلمان الإنكليزي ذكر لطائفة من الكلاب، والمعز، والبقر،والخنازير،والإوز، حرقت حية هي ومن ارتكب معها الفحشاء من الآدميين. كذلك كثرت مضاجعة المحارم في تلك الأيام.
ويبدو أن العلاقات الجنسية قبل الزواج، وفي خارج نطاق الزواج، كانت منتشرة أنشارها في أي وقت بين أقدم الأزمنة والقرن الثاني عشر، ذلك أن غريزة الإنسان المختلطة كانت تتعدى الحدود التي تقيمها الشرائع الزمنية والكنسية، وكانت بعض النساء يعتقدون أن ورعهن في آخر الأسبوع يكفر عن مرحهن وبطنتهن. وكان الاغتصاب شائعاً(9) رغم ما يتعرض له المغتصب من أشد ضروب العقاب، وكان الفرسان الذين يخدمون النساء أو الفتيات الكريمات المولد نظير قبلة أو لمسة من أيديهن يسلون أنفسهم بخادمات هؤلاء السيدات والفتيات، ومن أولئك السيدات من لم يكن يستطعن النوم مرتاحات الضمائر إلا إذا هيأت بأنفسهن هذه التسلية(10). كان مما يألف له فارس لاتور لاندرى La Tour Landry انتشار الفسق بين بعض الشبان من أبناء الأشراف، وإذا أخذنا بأقواله فإن بعض رجال الطبقة التي ينتمي إليها كانوا يفسقون في الكنائس بل "على المذبح" نفسه؛ وهو يحدثنا عن "ملكتين استمتعتا ببهجتهن الآثمة وبلذتهن داخل الكنيسة في أثناء الصلاة المقدسة في يوم خميس الصعود أثناء الصيام(11). ويصف وليم المالمزبري Wiliam of Malmsbury أشراف النومان بأنهم منهمكون في البطة والدعارة" وأنهم يتبادلون العاشقات بعضهم مع بعض(12) خشية أن يضعف الوفاء حدة الشهوة. وكان الأطفال غير الشرعيين منتشرين في جميع أنحاء العالم المسيحي، وكانت سيرتهم موضوعاً لآلاف القصص، وكان أولاد الزنا أبطال عدد من هذه القصص فمنهم كوشولان Cuchulain ، وآرثر Arthur، وجاوين Gawain ورولان Roland، ووليم الفاتح، وكثيرون من الفرسان المذكورين في تواريخ فرواسار Froissart.
وتمشى العهر مع مطالب ذلك الوقت، فقد كان بعض النساء الذاهبات إلى الحج يكسبن نفقة الطريق، كما يقول الأسقف بنيفاس، ببيع أجسادهن في المدن القائمة في طريقهم(13). وكان كل جيش يتعقبه آخر من العاهرات لا يقل خطراً عن جيش أعدائه. ويحدثنا ألبرت من أهل إيكس Aix فيقول إن "الصليبيين كان بين صفوفهم جمع حاشد من النساء في ثياب الرجال، يسافرون معهم دون أن يميزون عنهم، ويغتنمن الفرصة التي تتاح لهم مع الرجال"(14). ويقول المؤرخ العربي عماد الدين إنه في أثناء حصار عكا حضرت ثلاثمائة من الفرنسيات الحسان ليروحن عن الجنود الفرنسيين... لأن هؤلاء أبوا أن يخرجوا للقتال إذا حرموا لذة النساء، فلما رأى جنود المسلمين هذا طلبوا أن يهيأ لهم ما هيئ لهؤلاء(15). ويقول جرانفيل إن الأشراف الذين كانوا مع القديس لويس في حربه الصليبية "أقاموا مواخيرهم حول خيمة الملك"(16). وكان طلبة الجامعات، وبخاصة في باريس، ممن استبدت بهم الحاجة إلى هذا الترفيه أو رغبوا في محاكاة غيرهم فيه، ولهذا أنشأت الفتيات مراكز لسد هذه الحاجة(17).
وأباحت بعض المدن- أمثال طولوز (طلوشة)، وأفينون، ومنبليه، ونورمبرج- هذه الدعارة قانوناً. ووضعتها تحت إشراف البلديات بحجة أنه بغير هذا الدنس لا تستطيع النساء الصالحات أن يخرجن إلى الشوارع وهم آمنات على أنفسهم (18). وكتب القديس أوغسطين يقول: "إذا منعت العاهرات والمواخير، اضطربت الدنيا من شدة الشبق"(19)، ووافقه على ذلك القديس تومس أكويناس(20). وكان في لندن في القرن الثاني عشر صف من "المواخير" بالقرب من جسر لندن. وقد أجاز أسقف ونشستر في بادئ الأمر قيامها، ثم صدق البرلمان على قيامها فيما بعد(21). وقد حرم القانون الذي أصدره البرلمان عام 1161 على صاحبات بيوت الدعارة أن يأوين فيها نساء يعانين آلام "الضعف الخطر من الاحتراف" - وهذا أول ما عرف من التشريع ضد انتشار أمراض السرية. وقرر لويس التاسع في عام 1254 نفي جميع العاهرات من فرنسا، ونفذ هذا القرار فعلا، ولكن الدعارة السرية لم تلبث أن حلت محل التجارة العلنية، حتى أهل الطبقات الوسطى من أنه يكاد من المستحيل حماية الفضيلة لدى زوجاتهم ونسائهم من إلحاح الجنود والطلاب. وعن انتقاد هذا القرار في آخر الأمر حتى ألغي في عام 1256. وحدد المرسوم الجديد الأماكن التي تستطيع فيها العاهرات أن يسكن ويمارسن مهنتهن في باريس، وحدد أيضاً ملابسهن وزينتهن، وأخضعهن لرقابة رئيس من رؤساء الشرطة يسمى ملك القوادين أو المتسولين أو الأفاقين Roi de Ribauds(23). ونصح لويس التاسع وهو يحتضر ولده أن يعيد المرسوم الذي قضى بنفي العاهرات، ونفذ فليب وصيته، وكانت النتيجة هي النتيجة السابقة نفسها، وبقى القانون مدوناً في سجل الشرائع الفرنسية ولكنه لم ينفذ(24). وكان في روما، كما يقول الأسقف دوران الثاني المندى Bishop Durand II of Mende (1311)، مواخير بالقرب من الفاتيكان، وقد أجاز رجال البابا إقامتها نظير ما يتقاضون من الأجور(25). وكانت الكنيسة تظهر العطف على العاهرات، وأقامت ملاجئ للتائبات من النساء ووزعت على الفقيرات الصدقات التي كانت تتلقاها من العاشقات التائبات(26).
قصة الحضارة ج16 ص178-181)
 
معاداة الكنيسة للمرأة في عصور اوروبا المظلمة
-
"كانت نظريات رجال الكنيسة بوجه عام معادية للمرأة، فقد غالت بعض قوانين الكنيسة في إخضاعها، لكن كثيراً من مبادئ المسيحية وشعائرها رفعت من مكانتها. وكانت المرأة في تلك القرون لا تزال في نظر القساوسة وعلماء الدين كما كانت تبدو لكريستوم - (شراً لا بد منه، وإغواء طبيعياً، وكارثة مرغوباً فيها، وخطراً منزلياً، وفتنة مهلكة، وشراً عليه طلاء)(40). وكانت لا تزال حواء مجسدة في كل مكان، حواء التي خسر بسببها الجنس البشري جنات عدن، وأداة الشيطان المحببة التي يقود بها الرجال إلى الجحيم. وكان تومس أكويناس، وهو في العادة رسول الرحمة، يتحدث عنها كما يتحدث الرهبان، فينزلها من بعض النواحي منزلة أقل من منزلة الرقيق:
إن المرأة خاضعة للرجل لضعف طبيعتها، الجسمية والعقلية معاً(41). والرجل مبدأ المرأة ومنتهاها كما أن اللّه مبدأ كل شئ ومنتهاه(42)... وقد فرض الخضوع على المرأة عملا بقانون الطبيعة، أما العبد فليس كذلك(43).. ويجب على الأبناء أن يحبوا آباءهم أكثر مما يحبون أمهاتهم...وكان القانون المدني أشد عداء للمرأة من القانون الكنسي. فقد كان كلا القانونين يجيز ضرب الزوجة(46) ولما أن أمرت "قوانين بوفيه وعاداتها في القرن الثالث عشر" الرجل ألا يضرب زوجته" إلا لسبب(47) كان ذلك خطوة كبرى إلى الأمام. وكان القانون المدني ينص على ألا تسمع للنساء كلمة في المحكمة "لضعفهن"(48) ويعاقب على الإساءة للمرأة بغرامة تعادل نصف ما يفرضه على الرجل نظير هذه الإساءة نفسها(49) وقد حرم القانون النساء حتى أرقاهن مولداً، من أن يُمثلن ضياعهن في برلمان إنجلترا أو في الجمعية العامة للطبقات بفرنسا. وكان الزواج يعطى الزوج الحق الكامل في الانتفاع بكل ما لزوجته من متاع وقت الزواج والتصرف في ريعه(50) ولم يكن يرخص للمرأة أن تكون طبيبة...على أن النساء قلما كن رئيسات في نقابات الحرف المكونة من الذكور والإناث، وكن يتقاضين أجوراً أقل من أجور الرجال نظير الأعمال المتساوية. وكانت نساء الطبقات الوسطى يعرضن بملابسهن ثروة أزواجهن، ويقمن بدور مثير في الأعياد الدينية والحفلات الاجتماعية التي تقام في البلدة. وقد ارتفعت نساء الأشراف الإقطاعيين، باشتراكهن في تحمل التبعات مع أزواجهن، وتقبلهن في ظرف وتمنع ما يقدمه الفرسان وشعراء الفروسية الغزلون من مراسم التبجيل والغرام، ارتفعت أولئك النسوة إلى منزلة اجتماعية قلما ارتفعت إليها النساء من قبل.
وقد وجدت المرأة في العصور الوسطى بفضل مفاتنها، كما تجد عادة، رغم أوامر الدين والقانون، وسائل للتحرر من نتائج عجزها، ولهذا فإن آداب ذلك العصر ملآى بأخبار النساء اللاتي حكمن رجالهن(53). ولقد كانت المرأة من وجوه كثيرة متفوقة على الرجل معترفاً لها بهذا التعوق، فكانت في أسر الأشراف تتعلم شيئاً من الأدب، والفن، والتهذيب، بينما كان زوجها غير المتعلم يكدح ويحارب، وكان في وسعها أن تظهر بكل ما لصاحبات الندوات الأدبية في القرن الثامن عشر من رشاقة، وتتصنع الإغماء كما تتصنعه البطلة في الروايات رتشاردسنRichardson وكانت في الوقت نفسه تنافس الرجل في حريته البذيئة في القول والفعل، وتتبادل وإياه قصص المغامرات،وكثيراً ما كانت هي البادئة في الغرام دون حياة(53). وأيا كانت الطبقة التي تنتمي إليها فقد كانت تتنقل بكامل حريتها، وقلما كان معها محرم. وكانت تزحم الأسواق وتسيطر على الاحتفالات، وتصاحب الرجال في الحج، وتشترك في الحروب الصليبية، ولم يكن شأنها فيها للتسلية فحسب، بل كانت في بعض الأوقات جنديا في عدة حروب الكاملة.
قصة الحضارة ج16 ص187-191)
 
نص مهم وخلاصة عامة
بؤس اوروبا ايام زمان
الحالة المزرية للعالم المسيحي في العصور الوسطى بصورة عامة
"كان الرجل في العصور الوسطى مولعاً أشد الولع بتزوير الوثائق، يزور الأناجيل غير الصحيحة، ولعله لم يقصد في يوم من الأيام أن تؤخذ على أنها أكثر من قصص طريفة، ويزور الأوامر البابوية ليتخذها سلاحاً في السياسة الدينية، وكان الرهبان الأوفياء يزورون العهود ليكسبوا بها منحاً لأديرتهم من الملوك(58). ولقد زور لافرانك رئيس أساقفة كانتربري، كما تقول المحكمة البابوية، عهداً يثبت به قدم كرسيه الديني(59)، وزور المدرسون عهوداً يخلعون بها بعض الكليات في كيمبردج أقدمية زائفة، وكثيراً ما أفسدت "الأكاذيب التقية" النصوص، واخترعت ألف معجزة تعظم بها أصحابها. وكانت الرشوة منشرة في التعليم، والتجارة، والحرب، والدين، والحكومة، والقانون(60) وكان تلاميذ المدارس يرسلون الفطائر لممتحنيهم(61)، ورجال الحكم يقدمون الرشا ليعينوا في المناصب العامة، ويجمعون من أصدقائهم ما يلزمهم من المال(62). وكان من المستطاع تقديم الرشا للشهود لكي يقسموا أي قسم يراد منهم، كما كان المتقاضون يقدمون الهدايا إلى المحلفين والقضاة(63)، وقد اضطر إدوارد ملك إنجلترا أن يفصل معظم قضاته ووزرائه في عام 1289 لأنهم مرتشون(64). وكانت القوانين تتطلب أن يقسم الناس الأيمان في كل صغيرة وكبيرة، فكانوا يقسمون على الكتب أو المخلفات المقدسة، وكان يطلب إليهم في بعض الأحيان أن يقسموا بألا ينقضوا القسم الذي يوشكون أن يقسموه(65)، ومع هذا فإن الحنث بالأيمان قد كثر إلى حد جعل الناس يلجئون إلى تحكيم القتال رجاء أن يظهر اللّه أي الجانبين أكثر كذباً من الجانب الأخر(66).
وكثيراً ما كان أرباب الحرف في العصور الوسطى يخدعون المشترين ببيعهم بضائع قديمة بالية، أو منقوصة الطول، أو يحتالون عليهم ببيعهم سلعاً غير المرغوب فيها. وكان بعض الخبازين يسرقون أجزاء صغيرة من العجين أمام أعين ملاكهم، ويستخدمون لذلك الغرض باباً سرياً في وعاء العجين، وكانت أقمشة رخيصة توضع سراً في مكان أقمشة غالية دفع ثمنها وتعهد البائعون بتوريدها، وكان الجلد الرخيص "يزين" لكي يبدو شبيهاً بأحسن أنواع الجلود(67)، وكانت الحجارة تخبأ في أكياس الدريس والصوف التي تباع بالوزن(68)، واتهم الذين يعبئون اللحوم في نورتش Norwich بأنهم "يشترون الخنازير المصابة بالحصبة، ويصنعون منها وزما وفطائر مضرة بالصحة"(69). ويصف برنلد الرجنسيرجي Berthold of Regenesburg (حوالي 1220) مختلف أنواع الغش التي تستخدم في الحرف المتباينة، والحيل التي يحتال بها التجار في الأسواق على أهل الريف(70). وكان الكتاب والوعاظ ينددون بالجري وراء الثروة، لكن حكمة ألمانية من حكم العصور الوسطى تقول: "إن كل الأشياء تطيع المال"؛ وكان بعض الأخلاقيين في تلك العصور يرون أن حب الكسب أقوى من الغريزة الجنسية(71). ولسنا ننكر أن شرف الفروسية كثيراً ما كان من الحقائق الواقعة في نظام الإقطاع، ولكن يبدو أن القرن الثالث عشر لم يكن يقل ولعاً بالمادة عن أي عهد آخر من عهود التاريخ. تلك كلها أمثلة من الاحتيال والخداع جمعناها من أزمنة طويلة ومساحات واسعة؛ وهي بلا ريب من الوقائع الشاذة رغم كثرة عددها، وليس من حقنا أن نستخلص منها نتيجة أكثر من أن الناس في عصر الإيمان لم يكونوا خيراً منهم في عصرنا هذا عصر الشك، ومن أن القانون والأخلاق قلما أفلحا في الاحتفاظ بالنظام العام ضد ما ركب من نزعة فردية في طبيعة الناس الذين لم يقصد بهم بفطرتهم أن يكونوا مواطنين، خاضعين للقانون.
وكانت معظم الدول تعاقب على جريمة السرقة الخطيرة بالإعدام، كما كانت الكنيسة تحكم على مرتكبي السطو بالحرمان من الدين، ومع هذا فإن السرقة بأنواعها - من النشل في الطرق إلى الأشراف النهابين على ضفاف الرين - كانت من الجرائم الواسعة الانتشار. وكان مرتزقة الجنود الجياع، والمجرمون الفارون والفرسان المفلسون، يجعلون الطرق غير آمنة، وكانت شوارع المدن تشهد في ظلام الليل كثيراً من الشجار، والسرقة، والاغتصاب، والاغتيال(72). وتدل سجلات أسباب الوفاة في "إنجلترا الطروب" في القرن الثالث عشر على "نسبة في الاغتيال إذا حدثت في هذه الأيام عدت من الفضائح"(73). ويكاد الاغتيال يبلغ ضعفي عدد حالات الموت بسبب الحوادث المفاجئة، وقلما كان يقبض على المجرمين. وكانت الكنيسة تجاهد وهي صابرة للقضاء على حروب الإقطاع، ولكن ما نالته من نصر متواضع في هذه الناحية كان سببه أنها حولت الناس وخصامهم إلى الحروب الصليبية، التي كانت من إحدى النواحي حروباً استعمارية تبغي الفتح والمكاسب التجارية، فلما اشتبك المسيحيون في الحرب لم يكونوا أكثر رضا بالهزائم أو أكثر وفاء بالعهود والمعاهدات من المحاربين المنتمين إلى الأديان والعهود الأخرى.
ويبدو أن القسوة والوحشية كانتا في العصور الوسطى أكثر منهما في أية حضارة قبل حضارتنا نحن. ذلك أن المتبربرين لم يتخلوا عن بربريتهم بمجرد أن صاروا مسيحيين. وكان رجال الأشراف ونساؤهم يصفعون خدمهم ويصفع بعضهم بعضاً، كما كان القانون الجنائي قاسياً قسوة وحشية، ولكنه عجز مع ذلك عن قمع الوحشية والجريمة. فكثيراً ما كان التعذيب بالعذراء، وبجفنة الزيت الملتهب، وبعمود الإحراق، وحرق الأحياء، وسلخ جلودهم، وتمزيق أطرافهم بشدها إلى الحيوانات، كثيراً ما كانت هذه الوسائل الوحشية تستخدم في العقاب. وكان للقانون الأنجليسكوسوني يعاقب الجارية السارقة بإرغام ثمانين جارية على أن تؤدى كل واحدة منهن غرامة، وأن تأتي بثلاث حزم من الوقود وأن تحرق السارقة حية(75). ويقول سلمبيني Salimbene الراهب الإيطالي في تاريخه الإخباري، وكان معاصراً للحروب التي شبت نارها في إيطاليا الوسطى في القرن الثالث عشر، إن المسجونين كانوا يعاملون بوحشية لو أننا سمعنا بها في شبابنا لما صدقناها: فقد كانوا يربطون رؤوس بعض الرجال بحبل ومخلة، ويشدون الحبل بقوة تخرج عيونهم من أوقابها، وتسقطها على خدودهم، ومنهم من كانوا يربطونهم بإبهام يدهم اليمنى أو اليسرى وحدها، تحمل ثقلهم كله بعد أن يرفعوا عن الأرض، ومنهم من كانوا يعذبون بصنوف من العذاب أشنع من هذه وأشد منها رهبة أخجل من ذكرها، وآخرون... كانوا يجلسون وأيديهم مشدودة خلف ظهورهم، ويضعون تحت أقدامهم أوعية مملوءة بالفحم الملتهب... أو يربطون أيديهم بأرجلهم حول حفرة (كما يربط الحمل وهو ينقل إلى القصاب) ويبقونهم معلقين على هذا النحو طول النهار من غير طعام ولا شراب، أو كانوا يحكون قصبات أرجلهم بقطعة خشنة من الخشب حتى يظهر عظم الساق عارياً من اللحم؛ وهو عمل تكفي رؤيته وحدها لأن تبعث الأسى والألم في النفوس(76).
وكان رجل العصور الوسطى يتحمل الألم بشجاعة، ولعله كان أقل إحساساً به مما يبدو على رجال أوربا الغربية في هذه الأيام. وكان الرجال والنساء من جميع الطبقات شهوانيين إلى حد بعيد، وكانت أعيادهم ولائم شراب، وميسر، ورقص، وانطلاق في العلاقات الجنسية؛ وكانت فكاهاتهم صريحة في بذاءتها صراحة لا تكاد تماثلها فيها فكاهات هذه الأيام(77)، وكانت أحاديثهم أكثر من أحاديث هذه الأيام حرية وأوسع منها مجالا(78)، وقلما كان رجل فرنسا يفتح فاه من غير أن يذكر الشيطان، على حد قول جواتفيل(79). وكان الناس في العصور الوسطى أقدر على سماع الفحش منا، ولم يكونوا يبرمون من الإصغاء إلى أفحش الأقوال التي وردت في مقالات رابليه Rabelais، وحسبنا أن نذكر أن الراهبات في كتب تشوسر كن يستمعن دون حياء إلى الأقذار الواردة في قصة ملر Millers، وفي أخبار سلمبيني الصالح أجزاء تبلغ من البذاءة والفحش درجة تعز على الترجمة(80) وكانت الحانات كثيرة العدد، وكان منها ما يقدم "فطائر" بالجعة على طراز هذه الأيام(81). ولقد حاولت الكنيسة أن تغلق الحانات في أيام الآحاد، ولكنها لم تلق إلا قدراً ضئيلا من النجاح. وكان من حق جميع الطبقات أن تسكر في بعض الأوقات، وقد وجد زائر لمدينة لوبك Lubeck نساءاً من طبقة الأشراف في حجرة الخمور يد من الشرب من تحت أقنعتهن(83). وكان في كولوني جمعية يلتقي أعضاؤها لشرب النبيذ مجتمعين وقد اتخذت شعاراً لها: "اشرب وأنت مرح" ولكنها كانت تفرض على أعضائها قواعد من الاعتدال في السلوك والآداب في الحديث.
وكان رجل العصور الوسطى كغيره من الرجال مزيجا بشرياً كاملا من الشهوانية والغرام، والذلة، والأنانية، والقسوة، والرقة، والصلاح، والشره، فقد كان أولئك الرجال والنساء، الذين يشربون ويسبون بكل ما فيهم من قوة، رحماء رحمة تمس شغاف القلوب، يخرجون آلاف الصدقات. وكانت القطط والكلاب وقتئذ كما هي الآن حيوانات مدللة، وكانت الكلاب تدرب على قيادة المكفوفين(85)، وقد نمت في قلوب الفرسان عاطفة الحب لخيلهم، وصقور صيدهم، وكلابهم، وبلغ تنظيم الصدقات مستوى رفيعاً جديداً في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، فكان الأفراد، وكانت النقابات الطائفية، والحكومات، والكنيسة تشترك كلها في تخفيف آلام المنكوبين. وكان خراج الصدقات واجبا عاما يؤديه الجميع، فالذين يرجون دخول الجنة يوصون بالأموال للصدقات، والرجال الأغنياء يتبرعون بمهور البنات الفقيرات، ويطعمون العشرات من الفقراء في كل يوم، والمئات منهم في الأعياد الكبرى، وكان الطعام يوزع عند كثير من أبواب بيوت الأشراف ثلاث مرات في الأسبوع على كل من يعطيه(86). وكانت كل سيدة عظيمة، إلا القليل النادر منهن، تحسن أن واجبها الاجتماعي، إن لم يكن واجبها الأخلاقي، أن تشترك في تدبير شئون الصدقات، ولقد دعا روجر بيكن في القرن الثالث عشر إلى أن تنشى الدولة رصيداً للإنفاق منه على الفقراء، والمرضى، والطاعنين في السن(87)، ولكن القسط الأكبر من هذا العمل ترك تدبيره إلى الكنيسة، فقد كانت الكنيسة من إحدى نواحيها منظمة للصدقات تشمل القارة بأسرها، وكان جريجوري الأكبر، وشارلمان، وغيرهم يحتمون أن يخصص ربع العشور التي تجنيها كل أبرشية لمعونة الفقراء والعجزة(88)، وقد نفذ هذا إلى حين، ولكن استيلاء الرؤساء من رجال الدين والعلمانيين على إيرادات الأبرشيات، أخل بإدارتها لمواردها في القرن الثاني عشر، وتحمل عب هذه الصدقات أكثر من ذي قبل الأساقفة، والرهبان، والراهبات والبابوات. وكانت الراهبات كلهن، إلا عددا قليلا من الخاطئات، يهبن أنفسهن للتعليم، والتمريض، وأعمال البر، وإن أعمالهن المطردة الاتساع في هذه النواحي لتعد من أنصع الأعمال وأعظمها تقوية للعزائم في تاريخ العصور الوسطى وتاريخ هذه الأيام. وكانت الأديرة التي تستمد مواردها من الهبات والصدقات، وإيراد الأملاك الكنيسة، تطعم الفقراء، وتعنى بالمرضى، وتفتدى الأسرى، وكان آلاف من الرهبان يعلمون الشبان، ويعنون بالأيتام، ويعملون في المستشفيات، وكان دير كلوني العظيم يكفر عما له من ثراء واسع بالتصديق بالكثير من أمواله، وكان البابوات يبذلون كل ما وسعهم لمساعدة فقراء روما، وواصلوا بطريقتهم الخاصة النظام الإمبراطوري القديم نظام توزيع الطعام على الأهلين.
ولكن التسول كان كثيراً بالرغم من هذا البر كله، فقد كانت المستشفيات وبيوت الإحسان تحاول إطعام من يقصدها وإيواءهم، وسرعان ما أحاط أبوابها الُرج، والمقعدون، والمقطوعوا السيقان، والمكفوفون، والأفاقون ذوو الثياب البالية الذين يتنقلون من "مستشفى إلى مستشفى ويجوسون خلالها يتصيدون لقيمات الخبز وقطع اللحم"(89). وقد اتسع نطاق التسول في العالم المسيحي في العصور الوسطى وزاد المتسولون إصراراً على مهنتم، وبلغ هذا الاتساع والإصرار حداً لا نظير له في أفقر الأراضي في الشرق الأقصى.
قصة الحضارة ج16 ص193-199)
 
لم تكن النظافة من الايمان!!! والاسلام علمهم النظافة!!!!
في العصور الوسطى
"وكان من نتائج الحروب الصليبية إدخال حمامات البخار العامة من بلاد الإسلام إلى أوربا" من النص التالي
قال ديورانت:"ولم تكن النظافة في العصور الوسطى من الإيمان، وكانت المسيحية الأولى قد نددت بالحمامات وقالت إنها بؤر للفساد والفسق، وكان تحقيرها للجسم بوجه عام مما جعلها تهمل العناية بقواعد الصحة. ولم يكن استعمال المنديل على الطريقة الحديثة معروفاً في ذلك الوقت(103)، وكانت النظافة تتبع الثروة وتختلف باختلاف دخل الأفراد، فكان السيد الإقطاعي، ورجل الطبقة الوسطى المثري، يستحمان مرات معقولة في أحواض خشبية كبيرة، ولما انتشر الثراء في القرن الثاني عشر انتشرت معه نظافة الجسم، كانت مدن كثيرة في ألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا في القرن الثالث عشر تحتوي حمامات، ويقول أحد الكتاب إن أهل باريس كانوا يستحمون في عام 1292 أكثر مما يستحمون في القرن العشرين(104)، وكان من نتائج الحروب الصليبية إدخال حمامات البخار العامة من بلاد الإسلام إلى أوربا(105). وكانت الكنيسة تعارض وجود الحمامات العامة بحجة أنها تفسد الأخلاق، وكان لهذه المخاوف ما يبررها في كثير من تلك الحمامات، وكان في بعض البلدان حمامات معدنية عامة.
وكان بالأديرة، وقصور سادة الإقطاع، وبيوت الأغنياء مراحيض تفرغ محتوياتها في بالوعات، ولكن معظم سكان البيوت كانوا يقضون حاجتهم في مراحيض خارج البيت، وكان المرحاض الخارجي الواحد في كثير من الحالات يفي بحاجة أثنى عشر منزلا(106). وكانت الأنابيب التي تنقل الفضلات من ضروب الإصلاح التي دخلت إلى إنجلترا في عهد إدوارد الأول (1271-1307) وكانت أوعية حجرات النوم في بيوت باريس في القرن الثالث عشر تفرغ من النوافذ في شوارع المدينة، ولا يصحب هذا العمل إلا تحذير للمارة: إحذروا الماء! Carieau وظلت هذه الحوادث المفاجئة السيئة يتكرر ذكرها في المسالي إلى أيام موليير. وكانت المراحيض العامة ترفاً نادر الوجود، وقد وجد في سان جمينانو San Gimignano عام 1255، ولكن فلورنس لم يكن فيها وقتئذ شيء منها(107)، فكان الناس يقضون حاجتهم في فناء المنزل، وعلى درج السلم، وفي الشرفات، وكان ذلك يحدث في قصر اللوفر نفسه. وقد صدر مرسوم بعد وباء 1531 يحتم على أصحاب البيوت في باريس أن ينشئوا مرحاضاً في كل بيت، ولكن هذا الأمر كثيراً ما يخالف
قصة الحضارة ج16 ص208-209)
 
الصورة العامة(2) لأوربا في العصور الوسطى
يقول ديورانت"ترى هل تؤيد الصورة العامة لأوربا في العصور الوسطى الاعتقاد بأن الدين يبعث على مكارم الأخلاق؟.
إن الصورة التي تنطبع في أذهاننا بوجه عام لتوحي بأن الثغرة الفاصلة بين نظرية الخلق الطيب وحقيقته في العصور الوسطى أوسع منها في أي عصر آخر من عصور الحضارة. ذلك أن العالم المسيحي في تلك العصور لم يكن يقل عنه في عصرنا اللاديني الحاضر امتلاءاً بالشهوات الجنسية، والعنف، وإدمان الخمر، والقسوة، والفظاظة، والدنس، والشره، والسطو، والخيانة، والتزوير. ويلوح أنه يفوق عصرنا الحاضر في استعباد الأفراد. ولكنه لم يكن يضارعه في الاستعباد الاقتصادي للأقاليم المستعمرة أو الدول المغلوبة. وقد فاقنا في إذلال النساء، ولكنه لا يكاد يضارعنا في عدم الاحتشام، وفي الفسق، والزنا، وفي الحروب الضروس، وفي كثرة من يقتلون فيها. وإذا وازنا بين مسيحية العصور الوسطى والإمبراطورية الرومانية من نيفرا إلى أوليوس، حكمنا أن هذه المسيحية قد رجعت بالناس إلى الوراء من الناحية الأخلاقية، غير أن كثيراً من أجزاء الإمبراطورية كانت في عهد نيرفا قد استمتعت بقرون كثيرة من الحضارة على حين أن العصور الوسطى تمثل في معظم مداها كفاحاً بين المبادئ الأخلاقية المسيحية والهمجية القوية التي كانت تحمل إلى حد كبير المبادئ الأخلاقية لدين لم تهتم هي بتلقي تعاليمه. ولقد كان يسع البرابرة أن يسموا بعض رذائلهم فضائل تستلزمها أحوال زمانهم، فعنفهم تطرف في الشجاعة، وشهوانيتهم زيادة في الصحة الحيوانية، وخشونتهم وصراحتهم في الحديث، وعدم حيائهم إذا تحدثوا عن الأشياء الفطرية ليست شراً من الخلق المصطنع الذي ينطوي عليه شبابنا.
ولقد يكون من الأمور المهمة السهلة أن ندين مسيحية العصور الوسطى بالاعتماد على أقوال من كتبوا في الأخلاق من أبنائها. فقد كان القديس فرانسس يندب سوء أحوال القرن الثالث عشر ويصفه بأنه "زمان الخبث والظلم اللذين لا حد لهما(146)، وكان إنوسنت الثالث والقديس بونافتوراً، وفنسنت البوفينري، ودانتي يرون أن أخلاق ذلك "القرن العجيب" هي الفظاظة التي لا أمل إصلاحها، وقال الأسقف جروستستي Grosseteste، وهومن اكثر أحبار ذلك العصر حصافة، للبابا "إن الكاثوليك في جملتهم أحلاف الشيطان"(147). وحكم روجر بيكن (1214-1249) على العصر الذي يعيش فيه حكماً كعادته فقال.
لم يوجد قط، ما يمثله في الجهل... لأن فيه من الرذائل، ما لا مثيل له في أي عصر سابق... فيه الفساد الذي لا حد له... والعهر... والنهم... ومع هذا فإن لدينا التعميد ولدينا وحي المسيح... اللذين لا يستطيع الناس أن يؤمنوا بهما حق الإيمان أو يجلوهما حق الإجلال... وإلا لما سمحوا لأنفسهم بان يقعوا في هذا الفساد كله... ولهذا فإن كثيرين من العقلاء يعتقدون أن أوان المسيح الدجال قد آن، وأن نهاية العالم قد اقتربت(149).
ولا حاجة إلى القول بأن هذه العبارات وأمثالها إنما هي مغالاة ضرورية يعمد إليها المصلحون، وأن في وسع الإنسان أن يجد أمثالها في كل عصر من العصور.
ويبدو أن أثر خوف الجحيم في رفع مستوى الخلقي كان أقل من أثر الرأي العام أو القانون في أيامنا هذه أو في ذلك الوقت، ولكن جديراً بنا أن نذكر أن المسيحية هي التي خلقت الرأي العام في تلك الأيام، وأنها هي التي أوجدت القانون إلى حد ما، وأكبر الظن أنه لولا القانون الأخلاقي الذي خلقته المسيحية، وما كان له من أثر ملطف، لكانت الفوضى التي أوجدتها خمسة قرون من الغزو، والحروب، والتدمير والتخريب أشد مما كانت. ولقد يكون الباعث الذي حملنا على اختيار الأمثلة التي ذكرناها في هذا الفصل هو التحيز غير المقصود، فإن لم يكن فإن أحسن ما توصف به أنها جزئية غير وافية، ذلك أن الإحصاءات معدومة وإن وجدت فهي غير موثوق بها، ومن شأن التاريخ أن يسقط من حسابه على الدوام الرجل العادي.وما من شك في أنه كان العالم المسيحي في العصور الوسطى آلاف من السذج الأخيار أمثال أم الأخ سلمبين Salimbene التي يصفها بأنها:"سيدة متواضعة تقية مخلصة، تكثر الصوم، ويسرها أن توزع الصدقات على الفقراء"(140)، ولكن كم مرة نعثر في صفحات التاريخ على مثيلات هذه السيدة؟.
ولقد كانت للمسيحية في الأخلاق آثار رجعية وآثار تقدمية معاً. فلقد كان من الطبيعي أن تضمحل الفضائل الذهنية في عصر الإيمان، وحلت الغيرة والحماسة، والإعجاب بالصلاح والطهارة، والتقوى غير المستندة إلى الضمير، في بعض الأحيان؛ حلت هذه محل الذمة العقلية (النزاهة في النظر إلى الحقائق) والبحث عن الحقيقة. وبدا للناس أن "الأكاذيب التقية" الممثلة في تبديل النصوص، وتزوير الوثائق آثام عرضية بسيطة يتجاوز عنها. وتأثرت الفضائل المدنية بقصر الاهتمام على الحياة الآخرة، وتأثرت أكثر من هذا بانحلال الدولة، ولكن الذي لا شك فيه أن حب الوطن، مهما يكن حبا محليا، لم ينعدم في قلوب الرجال والنساء الذين شادوا هذه الكنائس الكبرى الكثيرة، وبعض الأبهاء العظيمة في المدن. ولعل النفاق، الذي هو من مستلزمات الحضارة، قد زاد في العصور الوسطى، إذ نظرنا إليه في ضوء نزعة القدماء الدنيوية الصريحة، أو الوحشية الجماعية السافرة التي نشاهدها في هذه الأيام.
على أن هذه الرذائل وغيرها تقابلها كثير من الفضائل. فلقد كافحت المسيحية ببسالة وإصرار سيل الهمجية القوي الجارف، وبذلت جهوداً جبارة لتقليل الحروب والمنازعات، والالتجاء إلى القتال والتحكيم الإلهي في المحاكمات، وأطالت فترات الهدنة والسلام، وسمت بعض السمو بعنف الإقطاع ومنازعاته فجعلتهما وفاءاً وفروسية، وقاومت القتال في المجادلات، ومنعت استرقاق المسجونين، وحرمت اتخاذ المسيحيين عبيداً، وافتدت عدداً لا حصر لهم من الأسرى، وعملت على تحرير أرقاء الأرض أكثر مما عملت على استخدامهم في أراضيها، وغرست في النفوس احتراما جديداً للحياة والأعمال البشرية، وحرمت وأد الأطفال، وقللت من الإجهاض، وخففت أنواع العقاب التي كان يفرضها القانون الروماني، قانون القبائل المتبربرة، ولم تقبل مطلقاً أن يكون مستوى الأخلاق عند النساء مختلفاً عنه عند الرجال، ووسعت مجال الصدقات وأعمالها، ووهبت الناس طمأنينة عقلية وسط ألغاز العالم المحيرة للعقول، وإن كانت بعملها هذا قد ثبطت البحوث العلمية والفلسفية
قصة الحضارة ج16 ص224-227)
 
فضل الاسلام على اسبانيا والمانيا وفرنسا أولا ثم على بقية أوروباعنوان(انتقال المعارف ) وضعه ديورانت للباب الرابع والثلاثون
(المجلد17 العربي)
اماعنوان( الورق والاسلام )فهو عنوان من عندي
( الورق والاسلام )
قال ديورانت "واختفى البردي من الاستعمال العام في أوربا بعد فتح العرب مصر. وكان الرق من المتخذ من جلد الخراف الصغيرة غالي الثمن، وكان لذلك يُدخر للمخطوطات المترفة، أما الرق المتخذ من جلد الضأن السميك فكان هو المادة المعتادة للكتابة عليها في العصور الوسطى. وظل الورق مادة غالية الثمن تستورد من بلاد الإسلام، ولكن مصانع أقيمت لصناعته في ألمانيا وفرنسا في عام 1190، وشرعت أوربا في القرن الثالث عشر تصنع ورقاً من الكتان.
قصة الحضارة ج17 ص9
 
لم يمتلك احد الكتاب المقدس ولاكان في البيوت!
قال ديورانت "وحتى الكتاب المقدس نفسه كان نادر الوجود في خارج الأديرة، فقد كان نسخُه يحتاج إلى عام كامل، وشراؤه يحتاج إلى إيراد قس أبرشية؛ ولهذا قل من رجال الدين من كان يمتلك نسخة كاملة منه"
قصة الحضارة ج17 ص10)
 
ارتياع الكنيسة من وجود الكتاب المقدس عند الناس
-
-
:"وقد روعت الكنيسة حين وجدت الولدنسيين والألبجنسيين ينشرون ويوزعون تراجمهم هم للكتب للمقدسة، ولهذا حرم مجلس من مجالس الكنيسة عقد في نربونه (1227) على غير رجال الدين أن يكون لديهم أي جزء من الكتب المقدسة؛ ولقد تحدثنا عن هذا من قبل(13). ولكن يمكن القول بوجه عام إن الكنيسة لم تكن قبل القرن الرابع عشر تعارض في أن يقرأ الكتاب المقدس غير رجال الدين؛ وإن لم تكن تشجع هذه القراءة لأنها لم تكن تثق بتفسير العامة لأسرار الكتب الدينية.
وكان حجم الكتاب وعدد صفحاته يحددهما ما يستطاع وجوده من الجلود، وكان كل جلد منها يطبق لتتكون منه "ملزمة"؛ ولم تكن الكتب بعد القرن الخامس تصدر في صورة ملفات كما كانت تصدر في العهود القديمة ، بل كانت الجلود تقطع قطعاً مستطيلة لتكون ملازم من أربع أوراق، أو ثمان، أو اثنتي عشرة ورقة أو ست عشرة. وكانت ملازم مكونة من ست عشرة ورقة تضم مؤلفات طويلة في كتب صغيرة الحجم توضع في الجيب لتكون سهلة الاستعمال. وكانت تغلف أحياناً بالرق السميك أو القماش، أو الجلد المدبوغ، أو الورق المقوى. وكان الغلاف المصنوع من الجلد يزخرف أحياناً بأن تطبع عليه رسوم غير ملونة بقوالب من المعدن المحمى. وجاء الفنانون المسلمون الذين استقروا في البندقية إلى أوربا بفن ملْ هذه الأجزاء المنخفضة من الغلاف بألوان ذهبية
قصة الحضارة ج17 ص11)
 
وعاق غلو الكتب قيام تجارة بائعيها حتى القرن الثاني عشر؛ حين استأجرت مدن الجامعات رجالاً من الورَّاقين وأصحاب المكتبات لينظموا جماعات من النساخين ينسخون الكتب للمدرسين والطلاب، وكان هؤلاء الرجال يبيعون نسخاً منها لكل من يعني بأداء أثمانها
قصة الحضارة ج17 ص12
 
كانوا لايعرفون القراءة والكتابة بل حتى بعض ملوكهم كما سيأتي في نص آخر
في حين ان الاسلام دفع الناس للقراءة وتعلم الكتابة ثم العلوم وانتاج العلوم
قال ديورانت
:"وأدى ارتفاع أثمان الكتب، وقلة الأموال اللازمة لإنشاء المدارس إلى انتشار الأمية إلى حد لو أنه وجد في بلاد اليونان أو الرومان الأقدمين لجلب لهم العار. فقد كانت معرفة القراءة والكتابة قبل عام 1100 في البلاد الواقعة شمال جبال الألب تكاد تكون مقصورة على "خدم الدين" - وهم رجال الدين، وَالحَسَبَة، والكَتَبة، وموظفو الحكومة، وأصحاب المهن.
قصة الحضارة ج17 ص13
 
اخطر النصوص لديورانت(1)
انتقال العلوم الاسلامية كافة
عن طريق الترجمات
وتغيير اوروبا اسلاميا(من ناحية طريقة التفكير والتجريب واختراع العلوم وظهور الآلات والمخترعات)
شاء من شاء وأبى من أبى!!!
قال ديورانت :"
واضطلع اليهود ببعض العمل الذي يهدف إلى ربط الثقافات المختلفة بعضها ببعض، فقد كانوا ينتقلون بين هذه الثقافات تنقل مجاري الماء المخصبة تحت تربة الأرض. ولما كثر عدد اليهود المهاجرين من بلاد الإسلام إلى البلاد المسيحية، ونسوا اللغة العربية، رأى علماؤهم أنه يجدر بهم ان يترجموا المؤلفات العربية (التي ألف اليهود كثيراً منها) إلى اللغة التي لا يعرف علماء هذا الشعب المشتت غيرها وهي اللغة العبرية. ومن أجل هذا ترجم يوسف قمجي (1105؟- 1190؟) في نربونة كتاب (المرشد إلى واجبات القلب) تأليف الفيلسوف اليهودي بهية إلى تلك اللغة. وكان يوسف هذا والد أبناء من جلة العلماء، ولكن أعلى منهم كعبا في شؤون الترجمة أبناء يهوذا بن شاؤل بن طبون (1120؟- 1190؟)؛ وكان هو أيضاً قد هاجر من بلاد الأندلس الإسلامية إلى جنوب فرنسا؛ وهو وإن كان من أكثر أطباء عصره نجاحا في مهنته كان له من النشاط ما استطاع به ترجمة المؤلفات اليهودية العبرية لسعديه جاؤن، وابن جبيرول، ويهودا هلبفي إلى اللغة العربية. وأثار ابنه صمويل (1150؟- 1232) العالم اليهودي إلى ترجمة كتاب دليل الحيران لابن ميمون إلى اللغة العبرية، وترجم موسى بن طبون كتاب العناصر لإقليدس من اللغة العربية أيضا، وترجم كتاب القانون الصغير لابن سينا، وكتاب الترياق للرازي، وثلاثة من مؤلفات ابن ميمون، وشروح ابن رشد القصيرة لأرسطو. وتزعم يعقوب بن طبون حفيد صمويل حركة الكفاح من أجل ابن ميمون في منبلييه، واشتهر بنبوغه في علم الفلك، ولكنه مع هذا ترجم عدداً من الرسائل العربية إلى اللغة العبرية، كما ترجم بعضها إلى اللغة اليونانية. وتزوجت ابنة صمويل عالما أوسع شهرة من أبيها هو يعقوب أناضولي. وقد ولد يعقوب هذا في مرسيلية حوالي عام 1194 ودعاه فردريك الثاني لتدريس اللغة العبرية في جامعة نابلي، وفيها ترجم إلى اللغة العبرية شروح ابن رشد الكبرى. وكان لهذه الشروح أبلغ الأثر في الفلسفة اليهودية. وكانت ترجمة كتاب المنصوري للرازي على يد الطبيب الفيلسوف ثم طب (1264) في مرسيلية حافزاً قوياً إلى النهضة الطبية عند العبرانيين.
وترجمت إلى اللغة اللاتينية كثر من التراجم العبرية للكتب العربية من ذلك أن كتاب التيسير لابن زهر ترجم إلى اللاتينية في بدوا (1280)؛ وفي بداية القرن الثالث عشر ترجم أحد اليهود أسفار العهد القديم كلها ترجمة حرفية من اللغة العبرية إلى اليونانية مباشرة. وتمثل لنا ترجمة كتاب كليلة ودمنة لبيدبا الطرق الملتوية التي كانت تسير فيها الهجرة الثقافية: فقد ترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية من ترجمة أسبانية لترجمة لاتينية لترجمة عبرية، لترجمة عبرية لترجمة فهلوية لترجمة للنسخة السنسكريتية المزعومة(21). أما التيار الرئيس الذي صب به تيار الثروة الفكرية الإسلامية في العالم الغربي فكان عن طريق ترجمة الكتب العربية إلى اللغة اللاتينية.فقد ترجم قسطنطنين الأفريقي حوالي عام 1060 إلى اللغة اللاتينية كتاب الاختبار للرازي وكتب اسحق يوديوس في الطب، وترجمة حنين العربية لأمثال أبقراط وشرح جالينوس. وجمع ريمند (1130؟) المستنير المتسامح كبير أساقفة طليطلة بعد استردادها من المسلمين طائفة من المترجمين برياسة دمنيكو جند يسلفى وعهد إليهم ترجمة الكتب العربية في العلوم الطبيعية والفلسفية. وكان معظم هؤلاء المترجمين من اليهود الذين يعرفون اللغات العربية، والعبرية، والأسبانية، بالإضافة إلى اللاتينية في بعض الأحيان، وكان اكثر هذه الفئة نشاطاً أحد اليهود المتنصرين يدعى حنا الأسباني (أو "الأشبيلي") وقد حور الفلاسفة المدرسيون كنيته العربية وهي ابن داود فسموه أفنديث Avendeath. وقد ترجم حنا هذا مكتبة حقق من مؤلفات ابن سينا، والغزالي، والفارابي،... والخوارزمي عن أولها العربية أو عن تراجمها اليهودية. وأدخل بترجمته لكتاب الخوارزمي الأرقام الهندية- العربية في بلاد الغرب. ولا يقل هذا الكتاب أثراً عن ترجمته لكتاب مدسوس على أرسطو في الفلسفة والأسرار الخفية يدعى Secretum Secretorum وهو كتاب يدل على سعة انتشاره بقاء مائتي نسخة مخطوطة منه. وكانت بعض الكتب تترجم من العربية إلى اللاتينية مباشرة، وبعضها يترجم إلى اللغة القشتالية ثم يترجمها غنديسلوى إلى اللاتينية. وبهذه الطريقة حول العالمان كتاب حكور حاتم فأصبح Fon Vitae أو ينبوع الحياة وبه أصبح ابن جبيرول (Avicebron) من أشهر الفلاسفة في محيط الفلسفة الكلامية.
وكانت هناك روافد أخرى تغذى هذا التيار اللاتيني العربي. من ذلك أن عالما من باث Bath يدى أبلار تعلم العربية في إنطاكية، وطرسوس، وطليطلة ثم نقل كتاب إقليدس من العربية إلى اللاتينية (1120) فكانت هذه الترجمة أول ترجمة لاتينية لهذا الكتاب؛ وهو الذي أدخل حساب المثلثات من بلاد المسلمين إلى الغرب بترجمته ازياج الخوارزمي (1126)(23).
وفي عام 1141 قام بطرس الموقر رئيس دير كلوني هو وثلاثة من العلماء المسيحيين يساعدهم أحد علماء العرب بترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية. ودخل علم الكيمياء والكيمياء الكاذبة العالم اللاتيني بترجمة ربرت من أهل تشتر أحد الكتب الكتب العربية في عام 1144. وبعد عام من ذلك الوقت قام رجل يدعى أفلاطون التيقولى بترجمة رسالة هيورها مشيحه العظيمة الشأن لمؤلفها إبراهام بارحيا.
وكان أعظم المترجمون على بكرة أبيهم رجلا يدعى حرار من أهل كريمونا، ذلك أنه لما قدم هذا الرجل إلى طليطلة حوالي 1165 أعجب بثروة العرب في العلوم والفلسفة فصمم على أن يترجم خير ما في هذه الثروة إلى اللغة اللاتينية، وقضى في هذا العمل التسع السنين الباقية من حياته؛ فتعلم اللغة العربية واستعان كما يبدو بمسيحي من أهل المدينة وبآخر يهودي(24).
وليس من المعقول أن يكون هو الذي ترجم الكتب الواحد والسبعين من غير أن يعاونه فيها أحد. ومهما يكن من شيء فإن الغرب مدين له بالتراجم اللاتينية للتراجم العربية لكتب أرسطو في التحليلات، وفي السموات والأرض، والكون والفساد، والمتيورولوجيا؛ وبطائفة من الشروح لإسكندر الفروديسي، والعناصر والفروض لإقليدس، وقياس الدائرة لأرخميدس، والمخروطات لأبلونيوس البرجاوي، وأحد عشر كتاب معزوة إلى جالينوس وعدة مؤلفات في الفلك يونانية الأصل، وأربعة مجلدات يونانية- عربية في الطبيعة، وأحد عشر كتاباً في الطب عند العرب، من بينها أكبر كتب الرازي وابن سينا والفارابي وثلاثة من كتب الكندي، وكتابان لإسحاق إسرائيلي، وأربعة عشر كتاباً في الرياضة والهيئة عند العرب، وثلاث مجموعات من الأزياج الفلكية، وسبعة مؤلفات عربية في الهندسة والفلك؛ وقصارى القول أن ليس في التاريخ كله رجل أغنى بمفرده ثقافة لأخرى كما فعل جرار هذا. ولا يضارع جرار في عمله هذا إلا عمل حنين بن اسحاق، وعمل "بيت الحكمة" الذي أنشأه الميمون، وهما اللذان صبا العلوم والفلسفة اليونانية في القالب العربي.
ويلي أسبانيا في مجد الثقافات على هذا النحو مملكة الصقليتين النورمانية. ذلك ان حكام النورمان لم يكادوا يفتحون الجزيرة (1091) حتى استخدموا مترجمين ليقوموا بترجمة المؤلفات العربية واليونانية في الرياضة والهيئة المنتشرة في بالرم إلى اللغة اللاتينية. وواصل فردريك الثاني هذا العمل في فوجيا Foggia واستقدم إلى بلاطه للقيام به وبغيره من الأعمال عقلاً من اعجب العقول وأكثرها نشاطاً في أوائل القرن الثالث عشر ونعني بصاحب هذا العقل ميخائيل اسكت. وقد اشتق اسم هذا الرجل من موطنه الأصلي في إسكتلندة؛ وتراه في طليطلة عام 1217 وفي بولونيا عام 1220، وفي روما من 1224 إلى 1227، ثم تراه بعدئذ في فوجيا أو نابلي. وكان أول ما ترجمه كتاب الأجسام الكروية للبطروحي وهو نقد كتاب بطليموس. واعجب اسكت لما يمتاز به تفكير أرسطو من حرية واتساع في الأفق فترجم إلى اللغة اللاتينية الترجمة العربية لكتاب تاريخ الحيوان لأرسطو بما فيه "أجزاء الحيوان" و "توالد الحيوان"، وتعزو إليه رواية غير محققة تراجم كتب "ما وراء الطبيعة"، و "الطبيعة" و"النفس"، و "والسموات"، ولعله ترجم كذلك كتاب "الأخلاق". ووصلت تراجم ميخائيل لكتب أرسطو إلى البرتس مجنس وروجربيكن، وكان لها اثر كبير في الحركة العلمية في القرن الثالث عشر، وواصل شارل صاحب أنجو مناصرة الترجمة في جنوبي إيطاليا، وعمد له في هذا العالم اليهودي موسى من أهل سلرنو، واكبر الظن أن شارل هو الذي قدم المال اللازم لترجمة الموسوعة الطبية الضخمة (1274) الرازي وهي معروفة بأسم "كتاب الحاوي" إلى اللغة اللاتينية على يد العالم اليهودي فرج بن سالم الجرجنتي.
وكانت جميع التراجم اللاتينية السالفة الذكر لعلوم اليونان وفلسفتهم مقولة من التراجم العربية- وكان منها ما هو ترجمة عربية للترجمة السريانية للأصل الذي يكتفه الغموض. ولم تكن هذه التراجم خالية من الدقة إلى الحد الذي اتهمها به روجر بيكن؛ ولكن ما من شك في ان الحاجة كانت منذ ذلك الوقت ماسة إلى تراجم من الأصل مباشرة. وكان من بين اقدم هذه التراجم الأصلية ترجمة كتب أرسطو على يد جيمس الذي لا نعرف عنه اكثر من انه "كاتب من البندقية" قبل عام 1128. وفي عام 1154 ترجم يوجين "أمير" بالرم كتاب بطليموس في "البصريات"، ثم اشترك في عام 1160 في ترجمة لاتينية لكتاب المجسطي من اللغة اليونانية مباشرة. وكان ارستيس من اهل قطانيا قد ترجم في الوقت عينة (1156؟) كتاب حياة الفلاسفة لديوجنيز ليرتيوس وكتاب مينون وفيدون لأفلاطون. ولم يؤثر استيلاء الصليبيين على القسطنطينية في الترجمة بالقدر الذي كان يحق لنا ان نتوقعه...وقد أحدثت هذه التراجم كلها في أوربا اللاتينية ثورة عظيمة الخطر، ذلك ان تدفق النصوص العلمية من بلاد الإسلام واليونان كان له اعمق الأثر في استثارة العلماء الذين بدءوا يستيقظون من سباتهم؛ وكان لا بد ان تحدث تطورات جديدة في النحو وفقه اللغة، ووسعت نطاق المناهج الدراسية، وأسهمت بنصيب في نشأة الجامعات ونمائها في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وكان عجز المترجمين أن يجدوا مفردات لاتينية تؤدي المعاني التي يريدون نقلها إلى تلك اللغة هو الذي أدى إلى دخول كثير من الألفاظ العربية في اللغات الأوربية؛ ولم يكن هذا اكثر من حادث عارض في أعمال الترجمة، ولكن أهم من هذا أن الجبر، وعلامة الصفر والنظام العشري في الحساب قد دخلت كلها في بلاد الغرب المسيحية بفضل هذه التراجم، وان الطب من ناحيته النظرية والعلمية تقدم تقدماً عظيماً بفضل ما قام به العلماء المترجمون اليونان، واللاتين، والعرب، واليهود، وان ما كان لعلم الهيئة اليوناني والعربي من شأن خطير قد احدث، وكان لا بد ان يحدث، توسعاً في علوم الدين، وفي تعديل أفكار العلماء عن الإله، وكان ذلك إِرهاصاً بتغيير في هذه الناحية أوسع مدى جاء بعد عهد كوبرنيق. وان في إشارات روجر بيكن المتكررة لابن رشد، وابن سينا، والفارابي لدليلاً على ما كان لهؤلاء العلماء من تأثير وحافز جديد. وفي ذلك يقول روجر بيكن نفسه: "لقد جاءت إلينا الفلسفة من العرب"(25)، وسنرى إن الذي دعا تومس أكوناس لتأليف كتابه الجامع في اللاهوت هو ان يحول دون تسرب التفاسير العربية لأرسطو إلى علوم الدين المسيحية. وهكذا رد الإسلام إلى أوربا ما أخذه عن اليونان بطريق بلاد الشام؛ وكما أن هذه العلوم كانت بداية ذلك العصر العظيم عصر العلوم والفلسفة العربية، كذلك أثارت هذه التراجم عقل أوربا وحفزته إلى البحث والتفكير، وأرغمته على أن يشيد ذلك الصرح العقلي الخطير صرح الفلسفة المدرسية، وان ينقض ذلك الصرح الفخم حجراً بعد حجر، فينهار بذلك نظام العصور الوسطى الفلسفي في القرن الرابع عشر، وتبدأ الفلسفة الحديثة في غمرة التحمس العظيم أثناء عصر النهضة.
قصة الحضارة ج17 ص15-22)
 
اخطر النصوص لديورانت(2)
ثورة الاسلام في اوروبا عظيمة الخطر، عن طريق الترجمات وغيرها
قال ديورانت
:"وقد أحدثت هذه التراجم كلها في أوربا اللاتينية ثورة عظيمة الخطر، ذلك ان تدفق النصوص العلمية من بلاد الإسلام واليونان كان له اعمق الأثر في استثارة العلماء الذين بدءوا يستيقظون من سباتهم؛ وكان لا بد ان تحدث تطورات جديدة في النحو وفقه اللغة، ووسعت نطاق المناهج الدراسية، وأسهمت بنصيب في نشأة الجامعات ونمائها في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وكان عجز المترجمين أن يجدوا مفردات لاتينية تؤدي المعاني التي يريدون نقلها إلى تلك اللغة هو الذي أدى إلى دخول كثير من الألفاظ العربية في اللغات الأوربية؛ ولم يكن هذا اكثر من حادث عارض في أعمال الترجمة، ولكن أهم من هذا أن الجبر، وعلامة الصفر والنظام العشري في الحساب قد دخلت كلها في بلاد الغرب المسيحية بفضل هذه التراجم، وان الطب من ناحيته النظرية والعلمية تقدم تقدماً عظيماً بفضل ما قام به العلماء المترجمون اليونان، واللاتين، والعرب، واليهود، وان ما كان لعلم الهيئة اليوناني والعربي من شأن خطير قد احدث، وكان لا بد ان يحدث، توسعاً في علوم الدين، وفي تعديل أفكار العلماء عن الإله، وكان ذلك إِرهاصاً بتغيير في هذه الناحية أوسع مدى جاء بعد عهد كوبرنيق. وان في إشارات روجر بيكن المتكررة لابن رشد، وابن سينا، والفارابي لدليلاً على ما كان لهؤلاء العلماء من تأثير وحافز جديد. وفي ذلك يقول روجر بيكن نفسه: "لقد جاءت إلينا الفلسفة من العرب"(25)، وسنرى إن الذي دعا تومس أكوناس لتأليف كتابه الجامع في اللاهوت هو ان يحول دون تسرب التفاسير العربية لأرسطو إلى علوم الدين المسيحية. وهكذا رد الإسلام إلى أوربا ما أخذه عن اليونان بطريق بلاد الشام؛ وكما أن هذه العلوم كانت بداية ذلك العصر العظيم عصر العلوم والفلسفة العربية، كذلك أثارت هذه التراجم عقل أوربا وحفزته إلى البحث والتفكير، وأرغمته على أن يشيد ذلك الصرح العقلي الخطير صرح الفلسفة المدرسية، وان ينقض ذلك الصرح الفخم حجراً بعد حجر، فينهار بذلك نظام العصور الوسطى الفلسفي في القرن الرابع عشر، وتبدأ الفلسفة الحديثة في غمرة التحمس العظيم أثناء عصر النهضة.
قصة الحضارة ج17 ص21-22)
 
انتقال العلم من اسبانيا المسلمة الى جنوب فرنسا(الطب كمثال)
:"رجم يوسف قمجي (1105؟- 1190؟) في نربونة كتاب (المرشد إلى واجبات القلب) تأليف الفيلسوف اليهودي بهية إلى تلك اللغة. وكان يوسف هذا والد أبناء من جلة العلماء، ولكن أعلى منهم كعبا في شؤون الترجمة أبناء يهوذا بن شاؤل بن طبون (1120؟- 1190؟)؛ وكان هو أيضاً قد هاجر من بلاد الأندلس الإسلامية إلى جنوب فرنسا؛ وهو وإن كان من أكثر أطباء عصره نجاحا في مهنته كان له من النشاط ما استطاع به ترجمة المؤلفات اليهودية العبرية لسعديه جاؤن"
قصة الحضارة ج17 ص15
تعليق
ذهب الى جنوب فرنسا طبيبا تعلم طبه من الاسلام
 
موسى بن طبون اليهودي ينقل علوم المسلمين
"وترجم موسى بن طبون كتاب العناصر لإقليدس من اللغة العربية أيضا، وترجم كتاب القانون الصغير لابن سينا، وكتاب الترياق للرازي، وثلاثة من مؤلفات ابن ميمون، وشروح ابن رشد القصيرة لأرسطو.
قصة الحضارة ج17 ص16)
 
يعقوب بن طبون حفيد صمويل اليهودي ونقل العلم الاسلامي
-------
هنا ترى وجود فريدريك الثاني في حياة يعقوب وهو بسبيل نقله لعلوم الاسلام الكونية والطبية
----
:"وتزعم يعقوب بن طبون حفيد صمويل حركة الكفاح من أجل ابن ميمون في منبلييه، واشتهر بنبوغه في علم الفلك، ولكنه مع هذا ترجم عدداً من الرسائل العربية إلى اللغة العبرية، كما ترجم بعضها إلى اللغة اليونانية. وتزوجت ابنة صمويل عالما أوسع شهرة من أبيها هو يعقوب أناضولي. وقد ولد يعقوب هذا في مرسيلية حوالي عام 1194 ودعاه فردريك الثاني لتدريس اللغة العبرية في جامعة نابلي، وفيها ترجم إلى اللغة العبرية شروح ابن رشد الكبرى. وكان لهذه الشروح أبلغ الأثر في الفلسفة اليهودية. وكانت ترجمة كتاب المنصوري للرازي على يد الطبيب الفيلسوف ثم طب (1264) في مرسيلية حافزاً قوياً إلى النهضة الطبية عند العبرانيين.
قصة الحضارة ج17 ص16
 
الهجرة الثقافية!!!
والتعبير لديورانت
قال ديورانت:"وتمثل لنا ترجمة كتاب كليلة ودمنة لبيدبا الطرق الملتوية التي كانت تسير فيها الهجرة الثقافية: فقد ترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية من ترجمة أسبانية لترجمة لاتينية لترجمة عبرية"
قصة الحضارة ج17 ص16
تعليق
هذه الهجرة الثقافية انتقل بها كافة العلوم وليس كليلة ودمنة وبطرق مختلفة منها لولبية الترجمات من اللغات!
قال ديورانت في نفس الصفحة
وترجمت إلى اللغة اللاتينية كثر من التراجم العبرية للكتب العربية من ذلك أن كتاب التيسير لابن زهر ترجم إلى اللاتينية في بدوا (1280)
 
صب تيار الثروة الفكرية الإسلامية في اوروبا صبا
:"أما التيار الرئيس الذي صب به تيار الثروة الفكرية الإسلامية في العالم الغربي فكان عن طريق ترجمة الكتب العربية إلى اللغة اللاتينية.فقد ترجم قسطنطنين الأفريقي حوالي عام 1060 إلى اللغة اللاتينية كتاب الاختبار للرازي وكتب اسحق يوديوس في الطب، وترجمة حنين العربية لأمثال أبقراط وشرح جالينوس. وجمع ريمند (1130؟) المستنير المتسامح كبير أساقفة طليطلة بعد استردادها من المسلمين طائفة من المترجمين برياسة دمنيكو جند يسلفى وعهد إليهم ترجمة الكتب العربية في العلوم الطبيعية والفلسفية. وكان معظم هؤلاء المترجمين من اليهود الذين يعرفون اللغات العربية، والعبرية، والأسبانية، بالإضافة إلى اللاتينية في بعض الأحيان، وكان اكثر هذه الفئة نشاطاً أحد اليهود المتنصرين يدعى حنا الأسباني (أو "الأشبيلي") وقد حور الفلاسفة المدرسيون كنيته العربية وهي ابن داود فسموه أفنديث Avendeath. وقد ترجم حنا هذا مكتبة حقق من مؤلفات ابن سينا، والغزالي، والفارابي،... والخوارزمي عن أولها العربية أو عن تراجمها اليهودية. وأدخل بترجمته لكتاب الخوارزمي الأرقام الهندية- العربية في بلاد الغرب. ولا يقل هذا الكتاب أثراً عن ترجمته لكتاب مدسوس على أرسطو في الفلسفة والأسرار الخفية يدعى Secretum Secretorum وهو كتاب يدل على سعة انتشاره بقاء مائتي نسخة مخطوطة منه. وكانت بعض الكتب تترجم من العربية إلى اللاتينية مباشرة، وبعضها يترجم إلى اللغة القشتالية ثم يترجمها غنديسلوى إلى اللاتينية. وبهذه الطريقة حول العالمان كتاب حكور حاتم فأصبح Fon Vitae أو ينبوع الحياة وبه أصبح ابن جبيرول (Avicebron) من أشهر الفلاسفة في محيط الفلسفة الكلامية.
قصة الحضارة ج17 ص17
 
ريمند (1130؟) كبير أساقفة طليطلة ناقل العلم الاسلامي الى اوروبا)ومترجم ومستفيد
الكنيسة تنقل
قال ديورانت:"
وجمع ريمند (1130؟) المستنير المتسامح كبير أساقفة طليطلة بعد استردادها من المسلمين طائفة من المترجمين برياسة دمنيكو جند يسلفى وعهد إليهم ترجمة الكتب العربية في العلوم الطبيعية والفلسفية. وكان معظم هؤلاء المترجمين من اليهود الذين يعرفون اللغات العربية، والعبرية، والأسبانية، بالإضافة إلى اللاتينية في بعض الأحيان، وكان اكثر هذه الفئة نشاطاً أحد اليهود المتنصرين يدعى حنا الأسباني (أو "الأشبيلي") وقد حور الفلاسفة المدرسيون كنيته العربية وهي ابن داود فسموه أفنديث Avendeath. وقد ترجم حنا هذا مكتبة حقق من مؤلفات ابن سينا، والغزالي، والفارابي،... والخوارزمي عن أولها العربية أو عن تراجمها اليهودية. وأدخل بترجمته لكتاب الخوارزمي الأرقام الهندية- العربية في بلاد الغرب. ولا يقل هذا الكتاب أثراً عن ترجمته لكتاب مدسوس على أرسطو في الفلسفة والأسرار الخفية يدعى Secretum Secretorum وهو كتاب يدل على سعة انتشاره بقاء مائتي نسخة مخطوطة منه. وكانت بعض الكتب تترجم من العربية إلى اللاتينية مباشرة، وبعضها يترجم إلى اللغة القشتالية ثم يترجمها غنديسلوى إلى اللاتينية. وبهذه الطريقة حول العالمان كتاب حكور حاتم فأصبح Fon Vitae أو ينبوع الحياة وبه أصبح ابن جبيرول (Avicebron) من أشهر الفلاسفة في محيط الفلسفة الكلامية.
قصة الحضارة ج17 ص17
 
قسطنطنين الأفريقي
ناقل كبير علوم المسلمين
-اهتم بهذا الرجل وتتبع النصوص عنه
قال ديورانت:"أما التيار الرئيس الذي صب به تيار الثروة الفكرية الإسلامية في العالم الغربي فكان عن طريق ترجمة الكتب العربية إلى اللغة اللاتينية.فقد ترجم قسطنطنين الأفريقي حوالي عام 1060 إلى اللغة اللاتينية كتاب الاختبار للرازي وكتب اسحق يوديوس في الطب، وترجمة حنين العربية لأمثال أبقراط وشرح جالينوس.
قصة الحضارة ج17 ص17
 
حنا الأسباني (أو "الأشبيلي") اوصل العلم واستفاد الغرب
:"وكان معظم هؤلاء المترجمين من اليهود الذين يعرفون اللغات العربية، والعبرية، والأسبانية، بالإضافة إلى اللاتينية في بعض الأحيان، وكان اكثر هذه الفئة نشاطاً أحد اليهود المتنصرين يدعى حنا الأسباني (أو "الأشبيلي") وقد حور الفلاسفة المدرسيون كنيته العربية وهي ابن داود فسموه أفنديث Avendeath. وقد ترجم حنا هذا مكتبة حقق من مؤلفات ابن سينا، والغزالي، والفارابي،... والخوارزمي عن أولها العربية أو عن تراجمها اليهودية. وأدخل بترجمته لكتاب الخوارزمي الأرقام الهندية- العربية في بلاد الغرب. ولا يقل هذا الكتاب أثراً عن ترجمته لكتاب مدسوس على أرسطو في الفلسفة والأسرار الخفية يدعى Secretum Secretorum وهو كتاب يدل على سعة انتشاره بقاء مائتي نسخة مخطوطة منه. وكانت بعض الكتب تترجم من العربية إلى اللاتينية مباشرة، وبعضها يترجم إلى اللغة القشتالية ثم يترجمها غنديسلوى إلى اللاتينية. وبهذه الطريقة حول العالمان كتاب حكور حاتم فأصبح Fon Vitae أو ينبوع الحياة وبه أصبح ابن جبيرول (Avicebron) من أشهر الفلاسفة في محيط الفلسفة الكلامية.
قصة الحضارة ج17 ص17
 
ناقل آخر للعلم الاسلامي الى اوروبا)
وهو عالما من باث Bath يدى أبلار
وكانت هناك روافد أخرى تغذى هذا التيار اللاتيني العربي. من ذلك أن عالما من باث Bath يدى أبلار تعلم العربية في إنطاكية، وطرسوس، وطليطلة ثم نقل كتاب إقليدس من العربية إلى اللاتينية (1120) فكانت هذه الترجمة أول ترجمة لاتينية لهذا الكتاب؛ وهو الذي أدخل حساب المثلثات من بلاد المسلمين إلى الغرب بترجمته ازياج الخوارزمي (1126)
قصة الحضارة ج17 ص18
 
ناقل آخر: بطرس الموقر رئيس دير كلوني
:"وفي عام 1141 قام بطرس الموقر رئيس دير كلوني هو وثلاثة من العلماء المسيحيين يساعدهم أحد علماء العرب بترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية. ودخل علم الكيمياء والكيمياء الكاذبة العالم اللاتيني بترجمة ربرت من أهل تشتر أحد الكتب الكتب العربية في عام 1144. وبعد عام من ذلك الوقت قام رجل يدعى أفلاطون التيقولى بترجمة رسالة هيورها مشيحه العظيمة الشأن لمؤلفها إبراهام بارحيا.
قصة الحضارة ج17 ص18
 
رجل يدعى حرار من أهل كريمونا(ناقل ايضاالعلم الاسلامي الى اوروبا))
(وتفحص كلام ديورانت على المعانة من آخرين في النقل والترجمة
قال:"كان أعظم المترجمون على بكرة أبيهم رجلا يدعى حرار من أهل كريمونا، ذلك أنه لما قدم هذا الرجل إلى طليطلة حوالي 1165 أعجب بثروة العرب في العلوم والفلسفة فصمم على أن يترجم خير ما في هذه الثروة إلى اللغة اللاتينية، وقضى في هذا العمل التسع السنين الباقية من حياته؛ فتعلم اللغة العربية واستعان كما يبدو بمسيحي من أهل المدينة وبآخر يهودي(24).
وليس من المعقول أن يكون هو الذي ترجم الكتب الواحد والسبعين من غير أن يعاونه فيها أحد. ومهما يكن من شيء فإن الغرب مدين له بالتراجم اللاتينية للتراجم العربية لكتب أرسطو في التحليلات، وفي السموات والأرض، والكون والفساد، والمتيورولوجيا؛ وبطائفة من الشروح لإسكندر الفروديسي، والعناصر والفروض لإقليدس، وقياس الدائرة لأرخميدس، والمخروطات لأبلونيوس البرجاوي، وأحد عشر كتاب معزوة إلى جالينوس وعدة مؤلفات في الفلك يونانية الأصل، وأربعة مجلدات يونانية- عربية في الطبيعة، وأحد عشر كتاباً في الطب عند العرب، من بينها أكبر كتب الرازي وابن سينا والفارابي وثلاثة من كتب الكندي، وكتابان لإسحاق إسرائيلي، وأربعة عشر كتاباً في الرياضة والهيئة عند العرب، وثلاث مجموعات من الأزياج الفلكية، وسبعة مؤلفات عربية في الهندسة والفلك؛ وقصارى القول أن ليس في التاريخ كله رجل أغنى بمفرده ثقافة لأخرى كما فعل جرار هذا. ولا يضارع جرار في عمله هذا إلا عمل حنين بن اسحاق، وعمل "بيت الحكمة" الذي أنشأه الميمون، وهما اللذان صبا العلوم والفلسفة اليونانية في القالب العربي.
 
مملكة كاملة تنقل وفردريك الثاني ناقل العلم الاسلامي الى اوروبا)ومستفيد ومفيد
:"ويلي أسبانيا في مجد الثقافات على هذا النحو مملكة الصقليتين النورمانية. ذلك ان حكام النورمان لم يكادوا يفتحون الجزيرة (1091) حتى استخدموا مترجمين ليقوموا بترجمة المؤلفات العربية واليونانية في الرياضة والهيئة المنتشرة في بالرم إلى اللغة اللاتينية. وواصل فردريك الثاني هذا العمل في فوجيا Foggia واستقدم إلى بلاطه للقيام به وبغيره من الأعمال عقلاً من اعجب العقول وأكثرها نشاطاً في أوائل القرن الثالث عشر ونعني بصاحب هذا العقل ميخائيل اسكت. وقد اشتق اسم هذا الرجل من موطنه الأصلي في إسكتلندة؛ وتراه في طليطلة عام 1217 وفي بولونيا عام 1220، وفي روما من 1224 إلى 1227، ثم تراه بعدئذ في فوجيا أو نابلي. وكان أول ما ترجمه كتاب الأجسام الكروية للبطروحي وهو نقد كتاب بطليموس. واعجب اسكت لما يمتاز به تفكير أرسطو من حرية واتساع في الأفق فترجم إلى اللغة اللاتينية الترجمة العربية لكتاب تاريخ الحيوان لأرسطو بما فيه "أجزاء الحيوان" و "توالد الحيوان"، وتعزو إليه رواية غير محققة تراجم كتب "ما وراء الطبيعة"، و "الطبيعة" و"النفس"، و "والسموات"، ولعله ترجم كذلك كتاب "الأخلاق". ووصلت تراجم ميخائيل لكتب أرسطو إلى البرتس مجنس وروجربيكن، وكان لها اثر كبير في الحركة العلمية في القرن الثالث عشر
قصة الحضارة ج17 ص19
 
شارل صاحب أنجو(ناقل العلم الاسلامي الى اوروبا)) والعالم اليهودي موسى من أهل سلرنو
جنوب ايطاليا ينقل ويتأثر
سلرنو تشتهر والنصوص عنها قادمة ان شاء الله
قال ديورانت:"وواصل شارل صاحب أنجو مناصرة الترجمة في جنوبي إيطاليا، وعمد له في هذا العالم اليهودي موسى من أهل سلرنو، واكبر الظن أن شارل هو الذي قدم المال اللازم لترجمة الموسوعة الطبية الضخمة (1274) الرازي وهي معروفة بأسم "كتاب الحاوي" إلى اللغة اللاتينية على يد العالم اليهودي فرج بن سالم الجرجنتي.
وكانت جميع التراجم اللاتينية السالفة الذكر لعلوم اليونان وفلسفتهم مقولة من التراجم العربية- وكان منها ما هو ترجمة عربية للترجمة السريانية للأصل الذي يكتفه الغموض. ولم تكن هذه التراجم خالية من الدقة إلى الحد الذي اتهمها به روجر بيكن؛ ولكن ما من شك في ان الحاجة كانت منذ ذلك الوقت ماسة إلى تراجم من الأصل مباشرة.
قصة الحضارة ج17 ص19020)
 
ميخائيل اسكت(ناقل العلم الاسلامي الى اوروبا)
"ويلي أسبانيا في مجد الثقافات على هذا النحو مملكة الصقليتين النورمانية. ذلك ان حكام النورمان لم يكادوا يفتحون الجزيرة (1091) حتى استخدموا مترجمين ليقوموا بترجمة المؤلفات العربية واليونانية في الرياضة والهيئة المنتشرة في بالرم إلى اللغة اللاتينية. وواصل فردريك الثاني هذا العمل في فوجيا Foggia واستقدم إلى بلاطه للقيام به وبغيره من الأعمال عقلاً من اعجب العقول وأكثرها نشاطاً في أوائل القرن الثالث عشر ونعني بصاحب هذا العقل ميخائيل اسكت. وقد اشتق اسم هذا الرجل من موطنه الأصلي في إسكتلندة؛ وتراه في طليطلة عام 1217 وفي بولونيا عام 1220، وفي روما من 1224 إلى 1227، ثم تراه بعدئذ في فوجيا أو نابلي. وكان أول ما ترجمه كتاب الأجسام الكروية للبطروحي وهو نقد كتاب بطليموس. واعجب اسكت لما يمتاز به تفكير أرسطو من حرية واتساع في الأفق فترجم إلى اللغة اللاتينية الترجمة العربية لكتاب تاريخ الحيوان لأرسطو بما فيه "أجزاء الحيوان" و "توالد الحيوان"، وتعزو إليه رواية غير محققة تراجم كتب "ما وراء الطبيعة"، و "الطبيعة" و"النفس"، و "والسموات"، ولعله ترجم كذلك كتاب "الأخلاق". ووصلت تراجم ميخائيل لكتب أرسطو إلى البرتس مجنس وروجربيكن، وكان لها اثر كبير في الحركة العلمية في القرن الثالث عشر،
قصة الحضارة ج17 ص19
 
اعتراض الكنيسة في عصور اوروبا المظلمة على العلوم الجديدة والمدارس الجديدة
"وأدخلت الثورة الاقتصادية شيئاً من التغير في ميدان التعليم، فقد أحست المدن التي تعيش بالعمل في التجارة والصناعة بحاجتها إلى موظفين ذوى تدريب عملي؛ ولهذا أنشأت، رغم معارضة قوية من جانب الكنيسة، مدارس زمنية يعلم فيها مدرسون ألمانيون نظير أجور يتقاضونها من آباء التلاميذ. وكان الأجر السنوي في المدرسة العامة التي في مرتبة المدارس الثانوية بأكسفورد نحو أربعة بنسات أو خمسة (4.5 دولار امريكي)؛ وقد أحصى فلاني Villani في عام 1483 تسعة آلاف ولد وبنت في مدارس الكنائس بفلورنس، و1100 في ست من مدارس "المِعَدات" التي تهيؤهم للاشتغال بالأعمال التجارية والمالية، و475 تلميذاً في المدارس الثانوية. ونشأت المدارس الزمنية في فلاندرز في القرن الثاني عشر؛ ولم يحل النص الثاني من القرن الثالث عشر حتى كانت هذه الحركة قد انتشرت في لوبك Lübeck ومدن البحر البلطي"(قصة الحضارة ج17 ص27).
 
في النص التالي يبدو ان الميل للقانون المدني ضد قوانين الكنيسة المقدسة من الباباوات على الرغم من زمنيتها وقسوتها وباباويتها كان عاصفا بالكنيسة ويأتي ذلك متزامنا مع التأثيرات القوية للعقل الاسلامي –الإجتهادي!-والعلم الاسلامي وترجمات الكتب العربية لفقهاء وعلماء ومنهم ابن رشد مثال
قال ديورانت"وبدأ بإرنريوس العصر الذهبي في التشريع أثناء العصور الوسطى، وأقبل الرجال على بولونيا من جميع بلاد أوربا اللاتينية ليتلقوا فيها علم القانون الذي عاد وقتئذ إلى شبابه، وطبق جراتيان تلميذ أرنريوس الأساليب الجديدة على التشريع الكنسي، ونشر (1139) المجموعة الأولى من القانون الكنسي. وجاء بعد أرنريوس "العلماء الأربعة"- بلجارس Bulgarus، ومرتينس Martinus، وياقوبس Jacobus، وهوجو Hugo- بسلسلة من التأويلات الشائعة الصيت لتطبيق دستور جستنيان على المشاكل التشريعية في القرن الثاني عشر، وافلحوا في إدخال القانون الروماني إلى ميدان مطرد الاتساع. وجمع أكرسيوس Accursius الاكبر (1185؟- 1260)، أعظم "الشراح " في بداية القرن الثالث عشر، أعماله هو وأعمالهم في شروح عامة أصبحت هي المرجع المعتمد الذي استعان به الملوك والعامة على تخطيط سلطان القانون الإقطاعي، ومحاربة سلطان البابوات. وبذلت البابوية كل ما تستطيع من الجهد لتعطيل حركة بعث القانون الذي يجعل الدين عملاً من أعمال الدولة وخادماً لها، ولكن الدراسة الجيدة غذت النزعة العقلية وحركة التحول إلى الناحية الدنيوية اللتين قامتا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وكانت هي المعبرة عنهما، وأوجدت طبقة من المحامين أخذت تتضاعف على مر الأيام وتجد في تخفيض نصيب الكنيسة في الحكم وتوسيع سلطان الدولة. ووصل الأمر إلى حد شكا معه القديس برنار من أن محاكم أوربا تدوي بشرائع جستنيان، ولم تعد تسمه قوانين الله(42). وكان انتشار فقه القانون الجديد حافزاً إلى خلق روح الاحترام للقانون، والشغف باتباع العقل لا يقل عن تراجم الكتب العربية واليونانية، وكان هذا الشغف هو الذي أوجد الفلسفة المدرسية الكلامية وقوض بعدئذ أركانها"(قصة الحضارة ج17 ص30)
 
وفي وقت كانت العلوم الطبية والفلكية والقانونية الفقهية والكونية تدرس في جامعات وكليات حواضر الاسلام في الغرب(لم نقل انها علمانية بل هذا ه إسلامنا علمه الدنيوي المادي جزء من ديننا ) كانت الكنيسة تقاوم انشاء الجامعات المدنية غير الكنسية ، لكن الضغط الزاحف من كل اتجاه كان يصب في غير اغراضها فقامت الجامعات وسميت بالعلمانية وهي المتأثة بالنموذج الإسلامي القائم في أوروبا نفسها(الأندلس وغيرها) قال ديورانت " ولما أصبحت بولونيا جزءاً من الولايات البابوية في عام 1506 صار تعيين الأساتذة من اختصاص السلطات الكنسية.
بيد أن جامعة بولونيا انطبعت في القرن الثالث عشر بروح علمانية تكاد تكون معادية للكنسية، وقلما نجد في غيرها من المراكز التعليمية الاوربية، وجرى غيرها من جامعات إيطاليا على هذا النسق وان لم تبلغ فيه ما بلغته جامعة بولونيا، فبيننا كانت كلية أصول الدين أهم الكليات في هذه الجامعات الاخرى، لم يكن في بولونيا كلية دينية على الإطلاق قبل عام 1364، بل حل القانون الكنسي فيها محل علم اللاهوت؛ وحتى علم البيان نفسه قد اتخذ صورة القانون، بل أن فن الكتابة نفسه أضحى- في جامعات بولونيا، وباريس، وأورليان، ومنبلييه، وتور،... فن كتابة الوثائق القانونية، أو التجارية والمالية، أو الرسمية، وكانت درجات جامعية خاصة تمنح في هذا الفن(17). وكان من الأقوال الشائعة اقرب ما يمكن الحصول عليه من تعليم إلى الأحوال الواقعية هو الذي يتلقاه الطلاب في بولونيا؛ وترى أحد القصص المتداولة أن أحد علماء التربية الباريسيين نقض في بولونيا ما علمه في باريس، ثم عاد إلى باريس فنقص ما علمه في بولونيا(18). وتزعمت بولونيا في القرن الثاني عشر الحركة العقلية في اوربا، فلما كان القرن الثالث عشر تركت تعليمها يجمد حتى أضحى فلسفة القانون مدرسية كلامية آسنة، وحتى أضحى الشروح الأكورسية نصاً مقدساً لا يكاد يقبل التغيير، ويعطل تكييف القانون تكييفاً تقدمياً يوائم سير الحياة؛ ومن اجل هذا انتقلت روح البحث إلى ميادين أوسع حرية من ميدان القانون.
وانتشرت الجامعات في جميع أنحاء إيطاليا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. ونشأت بعضها من جامعة بولونيا بهجرة الأساتذة والطلاب من هذه الجامعة"(قصة الحضارة ج17 ص32-33)
 
جامعات ايطاليا
وهل تتأسس الجامعات من فراغ علمي أم لابد ان تكون هناك علوم بحاجة لنشرها، هل كانت غير علوم المسلمين في الطب وغيره؟
قال ديورانت:"وانتشرت الجامعات في جميع أنحاء إيطاليا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. ونشأت بعضها من جامعة بولونيا بهجرة الأساتذة والطلاب من هذه الجامعة؛ من ذلك أن بليوس غادرها في عام 1182 لينشئ مدرسة في مودينا؛ وأن يقوبس ده مندرا Jacobus de Mandra خرج منها إلى رجيو إميليا Reggio Emilia في عام 1188 واخذ معه تلاميذه؛ ونشأ من هجرة أخرى حدثت في اغلب الظن من بولونيا عام 1204 مدرسة عامة أو اتحاد مؤلف من عدة كليات في فيسنزا؛ وفي عام 1215 غادر رفريدس Roffredus جامعة بولونيا ليفتتح مدرسة للحقوق في أرزو Arezzo؛ وفي عام 1222 وسع عدد كبير من المدرسين والطلاب الذين غادروا بولونيا مدرسة قديمة كانت في بدوا، فأضيفت كليات للطب والآداب إلى مدرسة الحقوق التي كانت في هذه المدينة؛ وبعثت اليها مدينة البندقية بطلابها، وأسهمت فيما كانت تؤديه المدينة من مرتبات للأساتذة، وبذلك أصبحت بدوا في القرن الرابع عشر من أنشط مراكز التفكير الأوربي. وفي عام 1224 أسس فردريك الثاني جامعة نابلي ليمنع طلاب إيطاليا الجنوبية من الهجرة جماعات إلى الشمال. ولعل هذا السبب عينة مضافاً إلى الدبلوماسية الكنسية هو الذي حمل أونسيت الرابع على إنشاء جامعة بلاط روما التي تبعت البلاط البابوي في هجراته ومنها هجرته إلى أفنيون نفسها، وفي عام 1303 أسس بنيفاس الثامن جامعة روما التي بلغت مجدها في أيام نقولاس الخامس وليو العاشر، وأحرزت لقب سبنزا Sapienza (العاقلة) في عهد بولس الثالث. وبدأت سينا جامعة بلديتها في عام 1246، وبياسنزا في عام 1248؛ وقبل أن يختتم القرن الثالث عشر وجدت مدارس القانون، والآداب، والطب أيضاً أحياناً، في كل مدينة كبرى بإيطاليا. .(قصة الحضارة ج17 ص33)
 
جامعات أسبانيا
التي ورثت علم ثمانية قرون اسلامية!(لاحظ ان كل هذه المعلومات عرضها ديورانت في باب(انتقال المعارف)!
وفي النص التالي هذا المقطع نستبق بعرضه:" . وما من شك في ان هذه المدرسة قد أفادت خيراً كثيراً لان أحد خريجيها ريمند مارتن Raymond Martin (حوالي عام 1260) اظهر علماً واسعاً بجميع كبار الفلاسفة ورجال الدين المسلمين"
قال ديورانت "وكانت جامعات أسبانيا فذة في نوعها، فقد أنشأها الملوك وبسطوا حمايتهم عليها، فكانت تخدمهم وتخضع لأشراف حكوماتهم. فأنشأت قشتلة جامعة ملكية في بالنسية (Palencia) (1208)، ثم أنشأت جامعة أخرى في بلد الوليد (1304)؛ وأنشأت ليون Leon جامعة في سلمنقة (1227) وأنشأت جزائر البليار جامعة في بالما (1280)، وأنشأت قطلونية جامعة في لريدا (1300). وكانت الجامعات الأسبانية تقبل إشراف الكنيسة عليها والمعونة المالية منها رغم صلتها بالملوك؛ ومنها ما نشأ من مدارس الكتدرائيات كجامعة بالنسية. وخص سان فرنندو وألفنسو الحكيم جامعة سلمنقة بأموال كثيرة في القرن الثالث عشر، وسرعان ما ساوت هذه الجامعات تعلم اللغة اللاتينية، والعلوم الرياضية، والفلك، وعلوم الدين، والقانون؛ ومنها ما كان يعلم الطب، واللغة العبرية، أو اليونانية. وافتتح راهب دمنيكي في عام 1250 مدرسة للدراسات الشرقية في طليطلة لتدريس اللغتين العربية والعبرية. وما من شك في ان هذه المدرسة قد أفادت خيراً كثيراً لان أحد خريجيها ريمند مارتن Raymond Martin (حوالي عام 1260) اظهر علماً واسعاً بجميع كبار الفلاسفة ورجال الدين المسلمين. وكذلك كان للدراسات العلمية مكاان بارز في جامعة أشبيلية التي أنشاها ألفنسو الحكيم في عام 1254. وأنشأ الملك الشاعر دنيز Diniz في لشبونة جامعة للبرتغال عام "1290.(قصة الحضارة ج17 ص34)
 
جامعات فرنسا (1) وانتقال العلوم والمعارف!
لاشك أن العلم يحتاج المال لدعمه لكن من أين انتقلت المعارف، وأين ضخ بيكون وغيره ممن تأثر بعلوم المسلمين علمه؟ ثم ماشأن طلاب أوروبا كلها –ستجدهم بعد قليل في باريس وقد كان مثلهم في اسبانيا المسلمة ثم المسيحية!!-مع الوسيط الألماني وبيكون وغيره؟ وياتُرى من علم بيكون علوم المسلمين؟ وهل هناك مناطق آخرى غير باريس وصلها العلم الإسلامي(كنا قد قدمنا نصا عن جنوب فرنسا لكن تعالوا المزيد نرى بعد قليل
قال ديورانت "كانت فرنسا بلا ريب الزعيمة العقلية لأوربا في العصور الوسطى خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، فقد أصبحت لمدارس كتدرائياتها منذ بداية القرن الحادي عشر شهرة دولية عظيمة؛ وإذا كانت هذه المدارس قد نمت وازدهرت حتى أضحت جامعة عظيمة في باريس لا في شارتر، أولاؤن، أوريمس، فأكبر الظن إن سبب هذا هو إن تجارة السين الرابحة والأعمال المالية التي توجد عادةً في العاصمة قد جاءت إلى تلك المدينة بالثراء الذي يغري العقول وإنها كانت تقدم المال الذي يحتاجه العلم والفلسفة والفن.
وأول من عرف من المعلمين في مدرسة كتدرائية نتردام هو وليم الشامبووي William of Champeaux (1070- 1121)، وكانت محاضراته التي تقلى في أبهاء نتردام مثار الحركة العقلية التي نشأت منها جامعة باريس، ولما خرج أبلاد من بريطانيا (حوالي عام 1103) ووجه إلى وليم قياساً منطقياً أفعمه وقضى على سمعته، وبدأ اشهر المحاضرات في التاريخ الفرنسي، هرع الطلاب من كل صوب ليستمعوا إليه؛ فازداد عدد طلاب باريس وتضاعف عدد المدرسين. وكان الأستاذ (magister) في عالم التربية بباريس في القرن الثاني عشر رجلاً أجاز له رئيس كتدرائية نتردام أن يدرس. وكانت جامعة باريس في ذلك الوقت قد خطت خطوات سريعة لا نستطيع تتبعها، فارتقت من مدرسة كنيسة المدينة ونالت وحدتها الأولى من هذا المصدر الوحيد مصدر الإجازة التعليمية. وكانت هذه الإجازة تعطى عادةً بالمجان لكل من قضى وقتاً كافياً تلميذاً لأستاذ مرخص بشرط أن يوافق هذا الأستاذ على طلبه؛ وكان من التهم التي وجهت إلا أبلار إنه أشتغل بمهنة التدريس دون أن يقضي فترة التلمذة المعتمدة من أستاذ.
وكان إدراك فن التدريس على هذا النحور، أي الأستاذ المعلم والصبي المتعلم، من الأصول التي قامت عليها الجامعة. ولما إن تضاعف عدد الأساتذة أنشأ والهم بطبيعة الحال نقابة طائفية. وظل لفظ (جامعة Univiresitas) يطبق منذ قرون على كل هيئة من عدة أفراد بما في ذلك النقابات الطائفية. وفي عام 1214 وصف ماثيو باريس "زمالة الصفوة المختارة من المدرسين" في باريس بأنها منظمة قائمة من زمن بعيد. ولنا أن نفترض، وإن كنا لا نستطيع أن نبرهن، أن (الجامعة) اتخذت حوالي عام 1170 صورة نقابة طائفية للمدرسين لا اتحاداً لعدة كليات، فلما كان عام 1210 أصدر البابا إنوسنت الثالث -وكان هو نفسه من خريجي جامعة باريس- مرسوماً اعترف فيه بقوانين نقابة المدرسين المدونة واعتمدها، ثم أصدر هذا البابا نفسه مرسوماً آخر خول فيه النقابة تختار مندوباً عنها يمثلها في المحكمة البابوية.
وقبل أن ينتصف القرن الثالث عشر انقسم مدرسو جامعة باريس إلى أربع (سلطات) أو كليات كما نسميها الآن (Faculties) : اللاهوت، والقانون الكنسى، والطب، و(الفنون). ولم يكن للقانون المدني بعد عام 1219 مكان في جامعة باريس بعكس ما كانت عليه الحال في جامعة بولونيا. وكان المنهج يبدأ بالفنون السمعية، ثم يرقى إلى الفلسفة وينتهي بعلوم الدين. وكان طلبة الفنون Arts (وكانوا يسمون Artlstae أي فنانين) هم المقاتلين عندنا (الطلاب) الذين لا يزالون في الجامعة، وإذ كانوا هم يؤلفون الجزء الأكبر من المتعلمين في باريس فقد انقسموا -لتبادل المعونة ولأغراض الألفة والاختلاط- إلى أربع أمم Nations حسب مسقط رأسهم natio أو أصلهم: (فرنسا) (أي المملكة الضيقة الخاضعة خضوعاً مباشراً للملك الفرنسي) وبكاردي Picardy، ونورمندية، وإنجلترا؛ وضم طلاب جنوبي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى الطلبة الفرنساويي المولد، وضم طلبة الأراضي الوطيئة إلى (بكاردي) وطلبة أوربا الوسطى الشرقية إلى (إنجلترا)، وكان الطلاب الذين جاءوا من ألمانيا من الكثرة بحيث تأخرت تلك البلاد عن إنشاء جامعات بها حتى عام 1347... ولسنا نسمع عن وجود أبنية خاصة بالجامعات، ويلوح إن المحاضرات كانت تلقى أثناء القرن الثاني عشر في أروقة نتردام، وسان جنفبيف، وسان فكتور، وغيرها من الأبنية الدينية، ولكننا نجد في القرن الثالث عشر مدرسين يستأجرون حجرات خاصة لفصولهم. وكان المدرسون -الذين أصبحوا يسمون أيضاً أساتذة Professores، ومعنى هذا اللفظ اللاتيني (المعلنون)- رجال دين مترهبين يفقدون مناصبهم إذا تزوجوا. وكانت طريق التعليم هي المحاضرات، وأكبر السبب في هذا أنه لم يكن في مقدور كل تلميذ أن يبتاع الكتب التي تجب عليه دراستها، أو يحصل على نسخ منها من دور الكتب. وكان الطلاب يجلسون على الطوار أو على الأرض ويدونون كثيراً من المذكرات. وكان العبء الملقى على ذاكرتهم شديداً أضطرهم إلى ابتكار عدة أساليب لمساعدة الذاكرة تتخذ في العادة شكل أبيات شعرية مثقلة بالمعنى بغيضة الصورة. وكانت لوائح الجامعة تحرم على المدرس أن يقرأ محاضرته للطلاب، بل كان يطلب إليه أن يتكلم ارتجالاً، بل كان يحرم عليه أيضاً أن يُقطع الكلام. ... وفي عام 1257 وهب ربرت ده سربون Robert de Sorbon قس القديس لويس (بيت السربون) المال اللازم لإيواء ستة عشر طالباً من طلبة علوم الدين، وأضيفت إلى ذلك هبات لغير هؤلاء من لويس وغيره من المحسنين حتى ارتفع عدد من تشملهم إلى ستة وثلاثين؛ ومن هذا البيت نشأت كلية السربونوأصبحت السربون في القرن السادس عشر الكلية الدينية في الجامعة، ثم أغلقتها الثورة في عام 1792، وأعادها بعدئذ نابليون، وهي الآن مركز لتدريس مناهج عامة في العلوم والأدب في جامعة باريس... وكان من بين مساكن الطلاب في باريس مسكنان مخصصان للطلاب المبتدئين الجدد في طائفتي الرهبان الدمنيك أو الفرنسيس، وكان الرهبان الدمنيك من بداية أمرهم يهتمون بالتعليم ويتخذونه وسيلة لمقاومة الإلحاد. وقد أنشئوا لهم مدارس على نظام خاص بهم أشهرها كلها المدرسة العامة Studium generale في كولوني، وكانت لهم معاهد أخرى من نوعها في بولونيا، وأكسفورد. وأصبح كثيرون من الإخوان أساتذة في هذه المدارس، يعلمون في الأروقة الخاصة بطائفتهم. وفي عام 1232 انضم ألكسندر الهاليسي Alexander of Hales وهو من أقدر المدرسين في باريس إلى طائفة الرهبان الفرنسيس، وواصل تدريس مناهجه للجمهور في دير الكردلير Cordeliers، وأخذ عدد الإخوان الذين يدرسون في باريس يزداد عاماً بعد عام، كما أخذ عدد من يستمعون إليهم من غير الرهبان يتضاعف، حتى شكا المدرسون من غير رجال الدين إنهم قد تركوا جالسين أمام مكاتبهم (كالطيور المنفردة في أعلى البيوت)، وأجاب الرهبان عن ذلك بأن المدرسين غير الرهبان يسرفون في الطعام والشراب، فأضحوا لذلك كسالى بلداء(51). وحدث في عام 1253 أن قتل طالب في شجار بأحد الشوارع، فأعتقل ولاة الأمور في المدينة عدداً من الطلاب، وأعرضوا عن احتجاجهم وطلبهم أن يحاكموا أمام أساتذة الجامعة أو الأسقف، وأمر رهبان الدمنيك، وواحداً من الرهبان الفرنسيس، وهم من جمعية المدرسين، لم يطيعوا أمر الامتناع عن إلقاء المحاضرات، فقررت الجمعية وقف عضويتهم فيها، غير إنهم لجأوا إلى الإسكندر الرابع فأمر أساتذة الجامعة (1255) بإعادتهم إلى عضوية الجمعية. وأراد المدرسون أن يتجنبوا إطاعة الأمر فتفرقوا، وحرمهم البابا من الدين واعتدى الطلاب والغوغاء على الرهبان في الشوارع؛ ودام الجدل ست وستين تراضى الطرفان بعدها: فقبل الأساتذة، بعد أن نظموا من جديد، المدرسين الرهبان، وأقسم هؤلاء أن يطيعوا من ذلك الوقت قوانين (الجامعة). ولكن كلية الفنون حرمت جميع الرهبان حرماناً دائماً من عضويتها. وناصبت جامعة باريس البابوية العداء بعد أن كانت محل عطفهم، وناصرت الملوك في نزاعهم مع البابوات، وأضحت في مستقبل الأيام مركز حركة (غالية) تسمى لفصل الكنيسة الفرنسية عن روما.
ولم يكن لأي معهد علمي منذ أيام أرسطو من النفوذ ما كان لجامعة باريس، فقد ظلت ثلاثة قرون لا تجتذب إليها أكبر عدد من الطلاب فحسب، بل تجتذب فوق ذلك أعظم مجموعة من الرجال ذوي العقلية الفذة. فأبلار، وحنا السلزبري، وألبرتس مجنس، وسيجر البرابنتي، وتومس أكوناس، وبونافنتورا Bonaventura، وروجربيكن، وذنزاسكوتس، ووليم الأكامي William of Occam -هؤلاء يكادون يكونون هم تاريخ الفلسفة من 1100 إلى 1400. وما من شك في إنه كان في باريس مدرسون أفذاذ هم الذي أخرجوا أولئك الرجال العظام، ونشروا من المتعة العقلية ما لا يوجد إلا في ذرى التاريخ البشري. يضاف إلى هذا إن جامعة باريس كانت خلال هذه القرون ذات سلطان قوي في الدين والدولة، فقد كانت لساناً قوياً يعبر عن الرأي العام، وكانت في القرن الرابع عشر من أعظم مراكز التفكير الحر، وفي القرن الخامس عشر حصناً منيعاً للدين القويم والمحافظة على القديم. ولا يمكن القول بأنها (لم تضطلع بدور حقير) في الحكم على جان دارك. (قصة الحضارة ج17 ص36-43)
 
جامعات فرنسا (2) جامعة منبلييه وانتقال العلوم والمعارف
المدينة الأكثر قربا وتأثرا بعلوم الاندلس وغيرها، بل فيها أهل الإسلام وعلومهم!
وتأثير سلرنو العابر والقريب! (ويالها من جامعة كان فيها أكبر تأثير سلامي على الإطلاق، بعد أسبانيا)
يقول ديورانت "وكانت أشهر الجامعات الفرنسية القائمة في خارج باريس هي جامعة منبلييه. لقد كانت هذه المدينة، بفضل وقوعها على شاطئ البحر المتوسط في منتصف المسافة بين مرسيليا وإسبانيا، تستمع بمزيج وثاب من الدم الفرنسي، واليوناني، والإسباني، ومن ثقافة هذه الأجناس؛ وكان من أهلها عدد من النجار الإيطاليين وبقية من الجالية الإسلامية المغربية التي كانت في وقت ما تحكم المدينة. وكانت تجارتها رائجة ناشطة. وأنشأت منبلييه في وقت غير معروف مدرسة للطب ما لبثت أن فاقت مدرسة سلرنو، ولسنا نعلم علم اليقين أكان إنشاؤها أثراً من آثار طب سلرنو، أم طب العرب، أم اليهود. وأضيفت إلى هذه المدرسة مدارس للقانون وعلوم الدين، و(الفنون)، واكتسبت منبلييه بفضل تقارب هذه الكليات وتعاونها شهرة علمية واسعة، وإن كانت كل واحدة منها كلية مستقلة. وأضمحل شأن الجامعة في القرن الرابع عشر، ولكن مدرسة الطب انتعشت في عصر النهضة، وقام فيها عام 1537 أستاذ يدعى فرانسوا بليه يلقى سلسلة من المحاضرات عن أبقراط باللغة اليونانية. (قصة الحضارة ج17 ص43)
 
جامعات إنجلترا
وتأثير العلم الإسلامي على وليم الدرهامي كبير أساقفة رون Rouen وأسقف لنكولن ومن ثم على روجر بيكون!!
يقول ديورانت
:"نشأت أكسفورد، كما نشأت بسبورس المماثلة لها في إسمها، لتكوين معبراً للماشية؛ ذلك بأن نهر التايمز يضيق عند هذه النقطة ويقل غوره. وبنى حصن عندها في 912، ونشأت سوق، وعقد الملكان كنوت Cnut وهرلد Harold جمعيات هناك قبل أن تنشأ الجامعة بزمن طويل. ويبدو إن مدارس نشأت في أكسفورد في أيام كنوت، ولكننا لا نسمع بوجود مدرسة كتدرائية بها. ونسمع حوالي عام 117 عن وجود (أستاذ في أسكنفورد)، Oxenford. وفي عام 1133 جاء من باريس ربرت بلن Robert Pullen، وهو رجل من رجال الدين، وأخذ يحاضر في اللاهوت في أكسفورد(52). وخطت المدرسة خطوات لا يعرف التاريخ عنها شيئاً الآن، أضحت بعدها مدرسة أكسفورد في القرن الثاني عشر مدرسة عامة أي جامعة -(و لا يعرف أحد متى تم ذلك) (53). وفي عام 1209، كما يقدر ذلك أحد كتاب ذلك العصر، كان في أكسفورد ثلاث آلاف طال ومدرس(54). وكان فيها كما كان في جامعة باريس أربع كليات: كلية الفنون، وكلية اللاهوت، وكلية الطب، وكلية قانون الكنيسة... وبدأت الكليات في أكسفورد كما بدأت في باريس وكمبردج أروقة محبوسة عليها الأموال لفقراء الطلاب، وأصبحت في زمن مبكر، بالإضافة إلى غرضها الأول قاعات للمحاضرات؛ فكان المدرسون يسكنون فيها مع الطلاب، ولم ينقص القرن الثالث عشر حتى كانت القاعات هي الأقسام المادية والتعليمية التي تكونت منها الجامعة... وفي عام 1280 أنشأت قاعة الجامعة- وهي الآن كلية الجامعة University College بهبة من وليم الدرهامي كبير أساقفة رون Rouen. ويتبين الإنسان كيف بدأت هذه الكليات الشهيرة بداية متواضعة إذا اطلع على شروط تأسيسها... وأصبح في عام 1235، وهو لا يزال مديراً لجامعة أكسفورد، أسقف لنكولن، وأشرف في منصبه هذا على إتمام الكتدرائية العظيمة. وأبدى نشاطاً عظيماً في تشجيع دراسة اللغة اليونانية وأرسطو، واسهم في الجهود العقلية الجبارة التي بذلت في القرن الثالث عشر للتوفيق بين فلسفة أرسطو والدين المسيحي، وكتب شروحاً لكتاب الطبيعة لأرسطو، والتحليلات، ولخص علوم زمانه في موسوعة علمية، وعلى على إصلاح التقويم. وكان يفهم المبادئ التي يقوم عليها المجهر والمرقب، وفتح أبواباً كثيرة لروجر بيكن في الرياضيات والعلوم الطبيعية؛ واكبر الظن انه هو الذي عرف بيكن بالخصائص المكبرة للعدسات(56).ويبدو أن كثير من الآراء التي نعززها إلى بيكن - في فن المنظور، وقوس قزح، والمد والجزر، والتقويم، والاعتماد على التجارب العلمية- قد أشار بها عليه جروستستي، ونخص منها بالذكر الفكرة القائلة أن العلوم كلها يجب أن تعتمد على الرياضيات، لان القوى كلها أثناء انتقالها في الفضاء تتبع أشكالاً وقواعد هندسية(57). وكتب شعراً فرنسياً ورسالة في الزراعة، وكان رجل قانون وطبيباً، كما كان عالماً في الدين وفي العلوم الطبيعية، وقد شجع دراسة اللغة العبرية، وكان يهدف بذلك إلى هداية اليهود إلى الدين االمسيحي، وكان في هذه الأثناء يعاملهم معاملة المسيحي الكثير التسامح، ويحميهم قدر ما يستطيع من حقد الجماهير واعتدائهم. وكان فوق هذا كله مصلحاً اجتماعياً نشيطاً، يدين على الدوام بالولاء للكنيسة، ولكنه جرؤ على ان يعرض على البابا أنوسنت الرابع في (1250) مذكرة مكتوبة يعزو فيها عيوب الكنيسة إلى محكمة الكرسي البابوي(58). وانشأ في أكسفورد أول (صندوق) يقرض الطلاب المال بغير فائدة(59). وقصارى القول انه هو أول واحد من ألف من ذوي العقول النابهة الذين أوجدوا بأعمالهم الجليلة هيبة أكسفورد العالية ومكانتها العظيمة في عالم العلم والعقل. (قصة الحضارة ج17 ص44-48)
 
وكان طلاب جامعة باريس يحشرون أولاً في الجزيرة التي تقوم عليها كتدرائية نتردام؛ وكانت هذه الجزيرة هي الحي اللاتيني الأصلي، وكان سبب تسميتها بذلك الاسم أن الطلاب كان يراد منهم أن يتكلموا باللغة اللاتينية - حتى في حديث غير المدرسي- وهي قاعدة كثيراً ما كانت تخرق، وحتى حين اتسعت رقعة الحي اللاتيني حتى شملت الطرف الغربي من الضاحية الممتدة في جنوب نهر السين، كان عدد الطلاب فيها من الكثيرة بحيث لم يكن من المستطاع السيطرة عليهم، فكانت المشاحنات كثيرة بين الطالب والطالب، وبين الطالب والأستاذ، وبين الطالب والشخص من أهل البلدة، وبين الراهب وغير الراهب. هذا في باريس، وفي أكسفورد كان ناقوس سانت ماري يدعو الطلاب، وناقوس سانت مارتن يدعو أهل البلدة، إلى حرب متقطعة بين بلدة وبلدة، وقد حدث شغب في أكسفورد (1928) وقعت فيه على الممتلكات أضرار قيمتها 3000 جنيه (150.000 دولار)(20). وإصدار موظف في باريس (1269) أعلاناً ضد الطلاب الذين (يرتكبون بالنهار والليل فضائع تؤدي إلى إصابة الكثيرين بالجروح وإلى قتلهم، ويخطفون النساء، ويفسقون بالعذارى، ويسطون على البيوت)، ويرتكبون (مراراً وتكراراً حوادث السرقة وغيرها من الفظائع)(71). وربما كان طلاب أكسفورد اقل
انهماكا في الشهوات الجنسية من طلبة باريس، ولكن حوادث القتل كانت كثيرة فيها، وتنفيذ العقاب في القاتل كان نادراً؛ فقلما كان القاتل يطارد إذا غادر البلدة، وكان الرجل في أكسفورد يرى أن حسب القاتل عقاباً له على جرمه أن يضطر إلى الانتقال إلى كيمبردج
قصة الحضارة ج17 ص52)
 
طلاب باريس العصور الوسطى والعاهراتقال ديورانت:"
وقد وصف الراهب جك دة فترى Jaque de Virty طلبة جامعة باريس في عام 1230 بأنهم: (فاسقون أكثر من سائر أبناء الشعب؛ فهم لا يرون الفسق إثماً؛ وكانت العاهرات يسحبن الطلاب إلى المواخير صحباً يكاد يكون قوة واقتداراً، ويفعلن ذلك علناً في شوارع المدينة، فإذا امتنع الطلاب عن الدخول اتهمتهم العاهرات باللواط وكانت هذه الرذيلة البشعة (اللواط) تملأ المدينة إلى حد كان يعد معه من علامات النبل أن يكون للشخص غلام أو اكثر. وكان يوجد في المنزل الواحد حجرات للدرس في الطابق العلوي وماخور في اسفل منه؛ فكان الأساتذة يحاضرون في الطبقة العليا، والعاهرات يمارسن حرفتهن الدنيئة في الطبقة السفلى؛ وكانت مناقشات الفلاسفة تسمع في البيت الواحد مختلطة ومشاحنات العاهرات والقوادين(67).
هذا وصف يحمل في طياته المغالاة الواجبة؛ وكل ما يحق لنا أن نستنتجه منه أن لفظي طالب الدين والقديس لم يكونا مترادفين في باريس . ويواصل جاك وصفه فيقول أن كل (أمة) من الطلاب كانت لديها صفات محببة لها تصف بها (الأمم) الأخرى؛ فالإنجليز كانوا يوصفون بأنهم يكثرون من الشراب وان لهم ذيولا؛ والفرنسيون كانوا مزهوين مخنثين؛ والألمان كانوا صخابين، (بذيئين إذا شربوا)؛ والفلمنكيون كانوا بدلاً نهمين (ليّنين كالزبد)؛ وكانوا كلهم (كثيراً ما ينتقلون بهذا الاختيار من الألفاظ إلى اللكمات
قصة الضارة ج17 ص51-52)
 
الماء القذر في اوروبا بعد منتصف القرن الثالث عشر:"وإذ كان شرب الماء غير مأمون العاقبة وقتئذ، لان أوربا لم تكن قد عرفت الشاي، أو القهوة، أو الدخان، فان الطلاب كانوا يوفقون بين حاجتهم من جهة، وبين مطالب أرسطو والحجرات غير المدفأة من جهة أخرى، بالخمر والجعة
قصة الحضارة ج17 ص52-53)
 
اجتياح الغرب بالعلم الاسلامي
موجات الكتب العربية والإسلامية
تجتاح العالم المسيحي..
وهل ليس لذلك أي تأُثير؟
بل كان لها التأثير العظيم
يقول ديورانت
"وقد جاءت الموجات المتتابعة من الكتب العربية واليونانية والإسلامية من أفكار جديدة تتحدى الأفكار المسيحية وتختلف عنها اختلافاً يهدد باكتساح لاهوت العالم المسيحي كله إذا لم تنشئ المسيحية لها فلسفة مناهضة لهما".
قصة الحضارة -> عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> مدرسة شارتر ج17 ص93)
 
وليم الكوشي (1080؟- 1154):" كان رجلاً ملماً بكتب أبقراط، ولكريشيوس، وحنين بن أسحق، وقسطنطين الأفريقي"(قصة الحضارة،ج17 ص94، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> مدرسة شارتر)
 
أرسطو في باريس عنوان وضعه ديورانت في مجلد عصر الايمان في الفصل الثاني من (مغامرات العقل)(ج17 ص100)
وعلى منواله يمكنني أن أضع عناوين لعلماء العرب في باريس ولندن ومدريد وفلورنسيا وصقلية وروما وهلم جرا
 
العلم الإسلامي يزلزل المسيحية الأوروبية بأفكار وعلوم كونية وصدمات من غزو التفكير الأجنبي
يقول ديورانت :" ولكن ليس من حقنا أن نغالي في تقدير اثر المفكرين اليوناني في ازدهار الفلسفة أثناء تلك الفترة من الزمن. ذلك أن انتشار لتعليم، وما كان للجدل والحياة الذهنية من قوة حيوية في المدارس والجامعات خلال القرن الثاني عشر، والحافز القوي الذي كان لرجال من أمثال روسلان، ووليم الشمبوكسي، وأبلار، ووليم الكنشيسي، ويوحنا السلزبري؛ وأتساع آفاق الفكر بتأثير الحروب الصليبية، وازدياد علم الأوربيين بالحياة الإسلامية والتفكير الإسلامي في الشرق والغرب - كل هذا من شأنه أن يخلق رجالاً على شاكلة أكوناس ولو ظل أرسطو مجهولاً. والحق أن منشأ الجد الذي اتصف به أكوناس لم يكن حب أرسطو بل خشية ابن رشد. ذلك أن الفلاسفة العرب واليهود اخذوا منذ القرن الثاني عشر يؤثرون في التفكير المسيحي في أسبانيا؛ فقد دخل الكندي، والفارابي، والغزالي، وأبن سينا، وان جبيرول، وابن رشد، وابن ميمون أوربا اللاتينية من نفس الابواب التي دخلها منه افلاطون، وأرسطو، وأبقراط، وجالينوس، وأقليدس، وبطليموس.
وكان غزو التفكير الأجنبي على هذا النحو من أقوى الصدمات الذهنية للعقل الغربي الذي لم ينضج بعد، فلا عجب والحالة هذه إذا قوبل في بادئ الأمر بالعمل على قمعه أو تأخيره؛بل أن علينا أن نعجب من قوة التكييف المدهشة التي مكنت الجديد من امتصاص المعارف القديمة- الجديدة"(قصة الحضارة ج17 ص101-102، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> أرسطو في باريس)
 
الكنسية تحرم قراءة الكتب العربية والإسلامية -وليس بالطبع كتب الفلسفة فقط!-وهي التي أنقذت أوروبا من جهالاتها.
:" وظنت الكنيسة أن تسرب الأفكار العربية - اليونانية إلى جنوبي فرنسا أدى إلى تحلل الطبقات المتعلمة من الاستمساك بالدين القويم، واضعف من عزمها على مقاومة الحاد الألبجنسيين. ولهذا اجتمع مجلس كنسى في باريس عام 1210 وأدان أملريك وداود وحرم قراءة كتب أرسطو فيما (بعد الطبيعة والفلسفة الطبيعية) كما حرم قراءة (شروحها). وإذ كان هذا التحريم قد كرره مندوب من قبل البابا في عام 1215 فان لنا أن نفترض أن مرسوم عام 1210 قد أغرى الناس بقراءة هذه المؤلفات التي لولا هذا التحريم لكانت عندهم ممقوتة. وأجاز مجلس لاتران الرابع قراءة كتابي أرسطو في المنطق والأخلاق ولكنه حرم غيرهما من كتبه. وفي عام 1231 عفا جريجوري التاسع عن الأساتذة والعلماء الذين عصوا هذه المراسيم، ولكنه، جدد المراسيم (إلى اجل مؤقت حتى تبحث هذه الكتب وتطهر بما فيها). ويبدو أن الثلاثة الأساتذة الباريسيين الذين عينوا للقيام بمهمة تطهير كتب أرسطو قد تركوا هذا العمل. ولم تنفذ مراسيم التحريم زمناً طويلاً، لان كتابي الطبيعة وما وراء الطبيعة (الفيزيقا والمتافيزيقا) وغيرهما من كتب أرسطو كانا يقرأن في جامعة باريس عام 1222(19). وأعاد أربان الرابع أمر التحريم في عام 1263؛ ولكن يبدو أن تومس أكوناس أكد له أن كتب أرسطو يمكن ان تطهر، ولم يعمل أربان على تنفيذ تحريمه. وانتهى الأمر في عام 1266، إلى أن كان مبعوثو أربان الخامس في باريس يطلبون إلى جميع الطلاب المتقدمين لنيل درجة في الآداب دراسة جميع مؤلفات أرسطو دراسة وافية شاملة(20).
وأحدثت المشكلة التي واجهت العالم المسيحي اللاتيني في الربع الأول من القرن الثالث عشر أزمة كبرى في تاريخ الدين المسيحي. ذلك أن التعطش إلى الفلسفة الجديدة كان وقتئذ حمى ذهنية لا يمكن السيطرة عليها؛ ولهذا لم تواصل الكنيسة جهودها لفرض هذه السيطرة، بل إنها بدلاً من هذا وجهت قواها لحصار الغزاة وامتصاصهم فيها، فاخذ رهبانها الأوفياء يدرسون هذا اليوناني المدهش الذي قلب ثلاثة أديان رأساً على عقب؛ حتى أن الرهبان الفرنسيس وهم الذين يفضلون أوغسطين على أرسطو، رحبوا بالاسكندر الهاليس الذي بذل أول الجهود للتوفيق بين (الفيلسوف) والمسيحية. وبذل الرهبان الدمنيكيون كان تشجيع مستطاع لألبرتس مجنس وتومس أكوناس في هذا المشروع عينه؛ ولما أن انم هؤلاء الرجال الثلاثة عملهم بدا أن أرسطو لم يعد خطراً على المسيحية"( قصة الحضارة ج17 ص102-103، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> أرسطو في باريس)
 
النموذج الكنسي يتساقط بالنموذج الإسلامي في العلم والقيم(ابن رشد-صلاح الدين، نموذجا)
"ولقد لاحظنا من قبل وجود نزعة عدم الإيمان بين أقلية ضئيلة من سكان أوربا، وزادت هذه الأقلية في القرن الثالث عشر على اثر اتصال الأوربيين بالمسلمين عن طريق الحروب الصليبية وتراجم الكتب العربية. ولما تبين الأوربيون وجود دين آخر، اخرج رجالاً عظاماً أمثال صلاح الدين والمندي، وفلاسفة مثل ابن سينا وابن رشد، كان ذلك في حد ذاته كشفاً اضطربت له نفوسهم؛ ذلك أن مقارنة الأديان لا تنفع الدين أي نفع. ومن الشواهد على هذا ما نقله ألفنسوا الحكيمAlfonso the wise، (1252- 1284) عن انتشار عدم الاعتقاد بالخلود بين مسيحي أسبانيا(21)؛ وليس ببعيد أن تكون آراء ابن رشد قد تسربت إلى الشعب نفسه. وكان في جنوبي فرنسا في القرن الثالث عشر جماعة من أصحاب النزعة العقلية القائلين بان الله بعد ان خلق العالم تركه تسيره القوانين الطبيعية؛ وكانوا يعتقدون أن المعجزات مستحيلة، وان الصلاة لا
تستطيع تغيير مسلك العناصر، وان الأنواع الجديدة لم تخلق خلقاً خاصاً وإنما وجدت بالتطور الطبيعي.). وكان بعض أصحاب التفكير الحر-وبعض القساوسة أنفسهم - ينكرون تحول العشاء الرباني إلى جسم المسيح(23). واخذ أحد المدرسين في أكسفورد يشكو قائلاً (انه ليس ثمة ما هو أشبه بالوثنية من القربان عند المذبح)(24). ويقول أَلان الليليAlain of Lille (1114- 1203) أن كثيرين من المسيحيين الزائفين في وقتنا هذا ينكرون البعث لان الروح تفنى مع الجسم)؛ وهم يؤيدون اعتقادهم بأقوال أَبيفور ولكريشيوس. ويعتنقون مذهب الجوهر الفرد، ويخرجون من هذا إلى أن خير ما يفعله الإنسان هو ان يستمتع بالحياة على ظهر الأرض(25).
ويبدو إن انتشار الصناعة في حواضر فلاندرز قد عمل على نشر الإلحاد "( قصة الحضارة ج17 ص104، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> أرسطو في باريس)
 
فرديريك الثاني -أتذكرونه؟!-الذي تأثرت امبراطوريته بالعلم الإسلامي واهتم به اهتماما كبيرا مااحدث خلخلة في الفكر السائد عموما
وازدهر التفكير الديني الحر في جنوبي إيطاليا الذي كان يحكمه فردريك الثاني، حيث شب القديس تومس، وحيث أعلن الكردنال أبلديني صديق فردريك جهرة اعتناقه المذهب المادي( قصة الحضارة ج17 ص104-105، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> أرسطو في باريس)
 
الطراز العصري بين الطبقات المتعلمة
قال ديورانت:"وكادت آراء ابن رشد حوالي عام 1240 تصبح الطراز العصري بين الطبقات المتعلمة من غير رجال الدين في إيطاليا"( قصة الحضارة ج17 ص104-105، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> أرسطو في باريس)
لكن يبدو أن آراء ابن رشد حورت مع نزعة التشكك في المسيحية وتحت ضربات العلوم السببية التجريبية الإسلامية الزاحفة بقوة ومن كل اتجاه ومن ذلك زعموا ان ابن رشد انكر الجنة والنار وان الكون يعمل بالاسباب بدون الله خالق الكون
 
ابن رشد محرَفا في جامعة يبدو الفرنسية
لكنه على كل حال كان حاضرا بنصف حقائقه
يكفي وصول فكرة الإيمان بالأسباب ورفض خرافات المسيحية واهانة الباباوية
:"وكانت جامعة بدوا في أواخر القرن الثالث عشر، وطول القرنين الرابع عشر والخامس عشر مركزاً مضطرباً لفلسفة ابن رشد. ونذكر من الشواهد الدالة على هذا الاضطراب أن بطرس الأباويPeter of abano (حوالي 1250- 1316) أستاذ الطب في جامعة باريس ثم أستاذ الفلسفة في جامعة يدوا، الف كتاباً يراد به التوفيق بين النظريات الطبية والفلسفية. وقد اكتسب مكانة ملحوظة في تاريخ العلوم الطبيعية لأنه قال في دروسه أن المخ هو مصدر الأعصاب وان القلب مصدر الأوعية الدموية. ولأنه قدر طول السنة تقديراً مدهشاً في وقته وهو 365 يوما، وست ساعات وأربع دقائق(34). وكان لثقته بالفلسفة يرجع العلل كلها تقريباً لقوة النجوم وحركتها، وكاد يبعد الله عن حكم العالم(35). واتهمه رجال محاكم التفتيش بالإلحاد؛ غير أن المركيز أزودستAzzo d'Este والبابا هونوريوس الرابع كانا من بين مرضاه فبسطا حمايتهما عليه. ثم اتهم مرة أخرى في عام 1315، ونجا هذه المرة من المحاكمة بان مات ميتة طبيعية. وحكم قضاة التفتيش بان تحرق جثته في ميدان الحريق، ولكن أصدقاءه أخفوا رفاته إخفاء محكما اضطرت المحكمة أن تنفذ حكمها بحرق صورة له(36).
ووجد تومس أكوناس بعد انتقاله من إيطاليا إلى باريسان فلسفة ابن رشد قد استحوذت من زمن بعيد على جزء كبير من الجامعة، ويؤيد هذا ما لاحظه وليم الأوفرني في عام 1240 من أن في الجامعة (كثيرين من الرجال يلتهمون هذه النتائج (من فلسفة ابن رشد) من غير تمحيص)؛ وان تومس نفسه وجد فلسفة أبن رشد منتشرة بين شباب الجامعة(37). ولعل ما نقله تومس عن هؤلاء قد روع البابا أسكندر الرابع (1256) فكلف ألبرتس مجنس أن يكتب رسالة في وحدة العقل ضد فلسفة ابن رشد. ولما جاء تومس ليدرس في باريس (1252- 1261، 1269- 1276) كانت حركة الفلسفة الرشدية قد بلغت ذروتها؛ وقد درس زعيمها في فرنسا سيجر البرابنتيSiger of Barbant في هذه الجامعة من 1266 إلى 1276. وظلت فلسفة ابن رشد والكثلكة تتخذان من جامعة باريس ميداناً لاقتتالهما جيلا من الزمان. وكان سيجر (1235؟- 1281) وهو قس من غير رجال الدين الاديرة متجراً في العالم؛ وحتى الأجزاء القليلة الباقية من مؤلفاته تنقل عن الكندي، والفارابي، والغزالي، وأبن سينا، وابن باجة، وأبن جبروئيل، وأبن ميمون. ويقول سيجر في سلسلة من الشروح والتعليقات على أرسطو، وفي مقالة جدلية ضد رجلي الفلسفة الذائعة الصيت، ألبرت وتومس، يقول سيجر في هذه وتلك أن ألبرت وتومس يفسران الفلسفة تفسيراً خاطئاً وان ابن رشد يفسرها تفسيراً صحيحاً(39). وهو يستخلص ما يستخلصه ابن رشد من أن العالم أزلي، وان القانون الطبيعي لا يتبدل، وان نفس النوع وحدها هي التي تبقى بعد موت الفرد. ويقول سيجر أن الله هو العلة النهائية، لا العلة الفعلية، للأشياء- وهو هدف الخليقة لا علتها... ويبدو أن مدرسة ابن رشد الفلسفية ظلت تعلم كما كانت تعلم من قبل، وشاهد ذلك أن الأسقف اصدر في عام 1277 ثبتاً بتسع عشرة ومائتي مسألة قرر رسمياً إنها تسم القائلين بها بالإلحاد. وهذه المسائل، على حد قول
الأسقف، كان يعلمها سيجر أو بؤيثوس الداشياويBoethius of Dacia أو غيرهما من
أساتذة جامعة باريس ومنهم القديس تومس نفسه. وكانت هذه المسائل التسع عشرة والمائتين تشمل التي حكم عليها في عام 1269 وغيرها من المسائل الشبيهة بالأقوال الآتية:
إن عملية الخلق مستحيلة... إن الجسم إذا فسد (بالموت) لا يمكن أن يقوم بعدئذ بوصف كونه الجسم نفسه... أن من واجب الفيلسوف ألا يؤمن ببعث في المستقبل، لان هذا لا يمكن ان يمحصه العقل... أن أقوال علماء الدين قائمة على الطرافات... أن علوم الدين لا تضيف شيئاً ما إلى معلوماتنا... أن الدين المسيحي يقف في سبيل العلم... أن الإنسان يحصل على السعادة في هذه الحياة لا في غيرها... أن العقلاء في هذه الأرض هم الفلاسفة وحدهم... انه ليس ثمة حالة افضل من أن يجد الإنسان فراغاً في دراسة الفلسفة وأدانت محكمة التفتيش سيجر في شهر أكتوبر من عام 1277؛ وقضى سنيه الأخيرة في إيطاليا سجيناً بأمر المحكمة الرومانية حتى اغتاله مختال نصف مجنون في أرفيتوOrvieto.( قصة الحضارة ج17 ص106-109، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> أرسطو في باريس)
 
قال ديورانت عن حضور العلم الاسلامي والفلسفة المنقولة ماكان منها صحيحا أو خاطئا
الشباب ثمل بخمر الفلسفة القوي
"لم يكن الحكم على هذه القضايا الإلحادية يكفي لصد هذه الهجوم الشديد على الدين المسيحي. ذلك أن الشباب ثمن بخمر الفلسفة القوي"( قصة الحضارة ج17 ص110، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> أرسطو في باريس)
تعليق ولما لاتقول ارتوى ايضا بالعلم الإسلامي
 
نص مدهش
من فكك المسيحية وجعل أصول العلم الاسلامي يحل محلها تدريجيا وهل في ذلك انتقام من شعوب اوروبا ام رحمة بها مهداة؟
يقول ديورانت
"ولم تكن هذه البذور التي نبتت منها النهضة والاستنارة هي "انتقام الوثنية" من المسيحية فحسب، بل كانت فوق ذلك انتقاماً للإسلام على غير علم منه. فقد غزت المسيحية بلاد فلسطين، وأخرجت المسلمين من أسبانيا كلها تقريباً، فنقلوا علومهم وفلسفتهم إلى أوربا الغربية، وكانت هذه العلوم والفلسفة قوة من القوى العاملة على تفكك المسيحية وتفرقها، وكان ابن سينا وابن رشد، كما كان أرسطو، هما
اللذين بثّا جراثيم النزعة العقلية في أوربا المسيحية. (قصة الحضارة ج17 ص156)
مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> خلفاء تومس) -> كيف استقبلت فلسفة تومس
 
توماس الأكويني (1)
حمل الكثير من عناصر العلم الاسلامي كما حمله من قبله وإن خالطه بما عنده من عقائد ومادخله من افكار واخطاء
تومس الأكوينى متأثر هو واساتذته بعلوم المسلمين
قال ديورانت
"تومس أكوناس (أو تومس الأكوينى) كان تومس، كما كان ألبرت، من أسرة شريفة، ولكنه تخلى عن الثراء لينال جنة الخلد؛ فقد كان والده الكونت لاندلف الأكوينيCount Landulf من النبلاء الألمان، وابن عم بربرسا، ومن أبرز الشخصيات في البلاط الاكويني لفردريك الثاني الزنديق. كذلك كانت أمه من سلالة أمراء صقلية النورمان. ومع أن تومس ايطالي المولد فقد كان من ناحيتي أبيه وأمه ينتمي الى اصل شمالي أهم ما يجري في عرقه هو الدم التيوتوني؛ ولم يكن فيه شيء من الظرف الطليان وخبثهم، بل شب على ضخامة الجسم الالمانية، فكان كبير الرأس، عريض الوجه، أشقر الشعر، هادئاً بجده الذهني، وكان أصدقاؤه يلقبونه (ثور صقيلة الأبكم العظيم) ولقد ولد في عام 1225 بقصر أبيه في ركاسكاRoccosecca ، على بعد ثلاثة أميال من أكوينو وفي منتصف الطريق بين نابلي وروما. وكان دير جبل كسينا قريباً من مسقط رأسه، وفيه تلقى تومس تعليمه المبكر، ولما بلغ الرابعة عشر من عمره بدأ دراسته في جامعة نابلي واستمرت هذه الدراسة خمس سنين؛ وكان في هذه الجامعة ميخائيل اسكت يترجم مؤلفات ابن رشد إلى اللغة اللاتينية؛ ويعقوب الأناضولي يترجم مؤلفات هذا الفيلسوف إلى اللغة العبرية؛ وبطرس الايرلندي أحد أساتذة تومس الشديد التحمس لأرسطو. وكانت هذه الجامعة تموج بالمؤثرات اليونانية والعربية، والعبرية، تصطدم فيها بالأفكار المسيحية... وكان ألبرت الأكبر أحد معلميه في جامعة باريس (1254)، فلما نقل ألبرت إلى جامعة كولوني تبعه تومس إليها، وظل يدرس معه فيها حتى عام 1252. وكان تومس يبدو غبياً في بعض الأحيان، ولكن ألبرت كان يدافع عنه ويتنبأ بعظمته(55). ثم عاد بعدئذ إلى باريس واخذ يدرس فيها بعد أن نال درجة البكالوريوس في علوم الدين، وحذا في هذا الوقت حذو أستاذه فبدأ سلسلة من المؤلفات يعرف فيها فلسفة أرسطو في ثياب مسيحية. وغادر باريس في عام 1259 ليدرس في المعهد الذي أقامه الديوان البابوي تارة في أناني وتارة في آرفيتو وطوراً في فيتربو. والتقى في الديوان البابوي بوليم موربيكWilliam Moerbeke وطلب إليه أن يصدر ترجمة لاتينية لمؤلفات أرسطو من اللغة اليونانية مباشرة.
وكان سيجر برابانت وقتئذ يتزعم في جامعة باريس ثورة تدعو إلى فلسفة ابن رشد، فأرسل تومس ليقاوم هذه الدعوة؛ ولما وصل إلى باريس نقل مركز المعركة إلى معسكر العدو برسالته في وحدة العقل ضد فلسفة ابن رشد (1270)... ولم تكن الحرب في ميدان واحد، لان تومس لم يكن مضطراً في هذه الفترة الثانية من اشتغاله بالتدريس أن يقاوم فلسفة ابن رشد وحدها، بل كان عليه فوق ذلك أن يصد هجمات زملائه الرهبان، الذين لم يكونوا يثقون بالعقل... دعى مرة للعشاء مع جماعة من رجال الدين على مائدة لويس التاسع، فترك العنان للتفكير وهو جالس إلى المائدة حتى نسى نفسه، ثم ضرب المائدة فجأة بقبضته وصاح قائلاً: (هذه هي الحجة الدامغة ضد المانويين!). وانبه رئيس ديره على عمله هذا وقال له: انك جالس إلى مائدة ملك فرنسا، ولكن لويس اظهر من الرقة والمجاملة ما هو خليق بملك مثله... وجرى على عادة زمانه وزاد عليها، فكان يعترف بصراحة بما يأخذه عن غيره، فهو يقتبس من ابن سينا، والغزالي، وأبن رشد، واسحق اسرائيلي، وابن جبيرول، وابن ميمون؛ وما من شك في أن أي طالب لا يستطيع فهم فلسفة القرن الثالث عشر المدرسية من غير أن يدرس ما سبقها من فلسفات المسلمين واليهود. ولا يشارك تومس وليم الأوفرني في تقديره لابن جبيرول، ولكنه عظيم الاجلال (للرابي ميسيزRabbi Moyses ) كما يسمى موسى بن ميمون، ويقول بما قال به هذا الفيلسوف من انه يمكن التوفيق بين العقل والدين، ولكنه يوافقه أيضاً على ان بعض أسرار الدين بعيدة عن متناول العقل؛ وينقل الحجج المؤيدة لهذا البعد من كتاب دلالة الحائرين(63). وهو يتفق مع ابن ميمون في أن مقدور العقل البشري ان يثبت وجود الله، ولكنه ليس في مقدوره ان يسموا لمعرفة صفاته، وهو يتتبع خطى ابن ميمون خطوة خطوة في بحث أزلية العالم . ويسترشد في المنطق وما بعد الطبيعة بأرسطو ويكاد ينقل عنه في كل صفحة من كتبه، ولكنه لا يتردد في أن يخالفه حينما يحيد الفيلسوف عن العقائد المسيحية؛ وبعد أن يعترف بان التثليث، والتجسد، والافتداء، ويوم الحساب لا يمكن إثباتها عن طريق العقل، يتقبل حكم العقل في جميع المسائل الأخرى قبولا كاملاً لا تردد فيه، ارتاع له اتباع أوغسطين. وكان ينزع الى مبادئ الصوفية في اعترافه بان بعض العقائد المسيحية فوق متناول العقل البشري، ويشاركهم في الشوق الى الاتحاد مع الله؛ ولكنه كان من جماعة (العقليين) لانه يفضل العقل على (القلب) بوصفه أداة توصل الى الحقيقة... وقد كتب شروحاً على أحكام بطرس لمبارد، وعلى أناجيل أشعيا، وايوب، وبولس؛ وعلى كتاب تيماوس لافلاطون، وعلى مؤلفات بؤيثيوس والمؤلفات المدسوسة على ديونيسيوس، وعلى مكتب أرغنون، وفي السماء والارض، والسكون والفساد، والأفلاك، والطبيعة، وما وراء الطبيعة"( قصة الحضارة ج17 ص116-125، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس)
لكنه على كل حال كان يدافع عن المسيحية والثالوث ويقول:" ويجب على العلماء والفلاسفة، كما يجب على الفلاحين ان ينحنوا أمام قرارات الكنيسة؛ ومن واجبنا أن نهتدي بهديها في كل شيء(76)؛ لأنها هي المكان الذي أودع فيه الله الحكمة الإلهية؛ وقد أعطى البابا (الحق في ان يصدر أحكاماً نهائية في شؤون الدين حتى يأخذها الناس جميعاً بالإيمان لا يتزعزع)) (77). وبغير هذا لا مفر من الفوضى العقلية، والأخلاقية، والاجتماعية. "( قصة الحضارة ج17 ص127، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس-> المنطق)
وينقل ديورانت بعض افكاره ومنها"وليس في مقدورنا كذلك أن نعرف هل خلق العالم في وقت بعينه، وبذلك يكون قد خلق من لاشيء، أو هل هو أزلي كما يظن أرسطو وابن رشد؟ ومن رأيه أن الحجج التي يدلى بها رجال الدين ليثبتوا بها خلق العالم في زمن بعينه حجج واهية يجب رفضها (حتى لا تبدو العقيدة السمحة بأنها قائمة على أسانيد منطقية جوفاء)... والملائكة في رأيه هم أرقى طبقات الخلق، وهم عقول بلا أجسام، غير قابلين للفساد، مخلدون. وهم رسل الله في حكم العالم بهم تترك الأجرام السماوية وبهم تهتدي(86)؛ ولكل إنسان ملك يحرسه وكبار الملائكة يعنون بجماعات كبيرة كم الناس. وإذ كان من الملائكة عقولاً بلا مادة فان بمقدورهم أن ينتقلوا من أحد أطراف العالم إلى الطرف الآخر من غير أن يتجاوزا ما بينهما من فضاء. ويملأ تومس ثلاثاً وتسعين صفحة في طبقات الملائكة، وحركاتهم، وحبهم، وعلمهم، وارادتهم، وكلامهم، وعاداتهم - وهذا هو اكثر أجزاء الخلاصة الطويلة تكلماً واكثر استعصاء على التنفيذ.
وكما أن هناك ملائكة فكذلك يوجد عفاريت، وهم أبالسة صغار يأتمرون بأمر الشيطان؛ وليس هؤلاء مجرد خيالات تخلقها عقول، العوام بل هم كائنات حقيقية يسيبون ما لا حصر له من الأذى؛ وفي وسعهم أن يجعلوا الرجل عاجزاً عن القيام بالوظيفة الجنسية بأن يثيروا فيه كره المرأة(87)، ويقومون بضروب مختلفة من السحر؛ فقد يرقد العفريت تحت الرجل، ويتلقى منيه، ويحمله مسرعاً في الفضاء؛ ويجامع أمرأة، فتحمل من منى رجل غائب(88). وفي وسع العفاريت أن يمكنوا السحرة من أن يتنبئوا بالحوادث التي لا تعتمد على إرادة الإنسان الحرة. وفي وسعهم أن يبلغوا الناس معلومات بأن يطيعوها في خيالهم، أو بأن يظهروا أمام عيونهم، أو يتحدثوا لهم بصوت مسموع؛ وقد يتعاونون مع الساحرات، ويساعدونهن على إيذاء الأطفال، عن طريق الحسد(89).
وكان تومس يعتقد بصدقى التنجيم في كثير من الأمور، شأنه في ذلك شأن كثيرين من معاصريه، وكثيرين من معاصرينا نحن:
يجب أن نربط بين حركات الأجسام... على هذه الأرض وحركات الأجرام السماوية وهي علتها... وثمة طريقتان يستطاع بهما تفسير قدرة المنجمين في كثير من الأحيان على التنبؤ بالحقائق برصد النجوم: أولاهما إن عدداً كبيراً من الناس يسيرون وراء انفعالاتهم الجسمية، وبذلك تتجه أعمالهم في معظم الأحيان حسب ميل الأجرام السماوية، على حين إن هناك قلة منهم -وهم العقلاء وحدهم- يهدؤون ميولهم بعقولهم... وثانيتهما ناشئة من تدخل العفاريت(90).
بيد إن (أعمال البشر لا تخضع لفعل الأجرام السماوية إلا خضوعاً عارضاً وبطريق غير مباشر) (91)؛ وفيها مجال كبير لحرية الآدميين.( قصة الحضارة ج17 ص131-133) عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> اللاهوت)
وبينما كان أفلاطون، وأوغسطين، والرهبان الفرنسيس يظنون إن النفس سجينة في الجسم، ويقولون إن الإنسان هو النفس لا غير، كان تومس جريئاً في قبول فكرة أرسطو، وهو يعرف الإنسان - بل يعرف الشخصية نفسها- بأنه مزيج من الجسم والنفس ومن المادة والصورة(95). فالنفس وهي الطاقة الداخلية التي تبعث الحياة، وتخلق الصورة، توجد في كل جزء من أجزاء الجسم كاملة غير قابلة للانقسام(96) وهي ترتبط بالجسم بألف طريقة. فهي بوصفها نفساً نباتية تعتمد على الطعام، وبوصفها نفساً حاسة تعتمد على الإحساس، وبوصفها نفساً عاقلة تحتاج إلى الصور التي تنتج أو تتركب من الاحساسات. وحتى المقدرة العقلية والمدركات الأخلاقية تعتمد على وجود جسم سليم إلى حد معقول. فالجلد السميك يدل على النفس عديمة الإحساس(97)؛ وللأحلام، والانفعالات، والأمراض العقلية، والأمزجة أسس في وظائف الأعضاء(98). ويتحدث تومس في بعض الأحيان كما لو كان الجسم والنفس حقيقة واحدة موحدة، أي الطاقة الداخلية والصورة الخارجية لكل لا يتجزأ. ومع هذا فقد كان يبدو له واضحاً كل الوضوح ان النفس العاقلة- المجردة، المعممة، المستدلة، المصورة للكون،- حقيقة غير جسمية؛ وإننا مهما حاولنا، وعلى الرغم من ميلنا الى التفكير في جميع الأشياء بمصطلحات مادية، لا نستطيع ان نجد شيئاً مادياً في الإدراك؛ فهو حقيقة تختلف كل الاختلاف عن جميع الأشياء المادية أو المكانية؛ ويجب ان نصف هذه النفس العاقلة بأنها روحية، شيء يبعثه فينا الله وهو القوة النفسية القائمة وراء كل الظواهر المادية... ولهذا فلا حرج علينا إذا اعتقدنا إن هذه القوة الروحية الموجودة فينا تبقى بعد موت الجسم؛ ولكن النفس التي تفارق الجسم على هذا النحو ليست ذات شخصية؛ فهي لا تقدر ان تحس أو تريد، أو تفكر، بل هي طيف لا قوة له ولا يستطيع أن يقوم بعمل بغير الجسم (قصة الحضارة ج17 ص 134،عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> علم النفس)
يحكي ديورانت عقيدة تومس الاكويني المسيحية انه كان يؤمن بعقيدة وراثة الخطئية المسيحية وقد بنى صورة عن المرأة محقرة لها كما كتب" وقد عصى الإنسان الله بسبب خطأ حواء في الحكم على ما هو خير، وهو يحمل الآن في كل جيل وزر هذه الخطيئة الأولى . وإذا ما سأل إنسان عند هذه النقطة لم خلق الله، الذي يعرف كل شيء قبل حدوثه، رجلاً وامرأة قدر عليهما أن يكونا مشغوفين بالمعرفة، وخلق جيلاً قدر عليه ان يكون ملوثاً بهذا الأثم الموروث، أجابه تومس ان المستحيل على أي مخلوق بمقتضى قوانين ما وراء الطبيعة ان يكون كاملاً، وان حرية الإنسان في أن يأثم هي الثمن الذي يجب عليه ان يؤديه نظير حريته في الاختيار. وإذ سلب الإنسان حرية الإرادة واصبح مجرد آلة ذات حركة ذاتية لا تسمو على الخير والشر بل تنحط دونهما، ولا تكون لها كرامة اكثر من إنها آلة. وإذا كان تومس قد انغمس في عقيدة الخطيئة الاولى، وانغمس في مبادئ أرسطو، وفي الخوف من النساء واعتزلهن اعتزالاً ناشئاً من حياة الأديرة، فقد كان لابد من ان يكون سيئ الظن بالنساء، وان يتحدث عنهن حديث الرجال، وليس عليه في هذا لوم. وهو يحذو حذو أرسطو في أنانيته البالغة الخطورة حين يظن أن الطبيعة كبطارقة العصور الوسطى ترغب على الدوام في ان تخرج ذكوراً، وان المرأة مخلوق عاجز عارض، او انها ذكر أخطائه التوفيق(mas occasisnatum)، وأكبر الظن - على حد قوله - إنها نتيجة لضعف قوة التلقيح عند الأب، أو لعامل آخر خارجي مثل ربح جنوبية رطبة(111). وكان يظن بالاعتماد على آراء أرسطو وبعض معاصريه في علم الأحياء إن المرأة ليس لها إلا المادة المنفعلة في الذرية، أما الرجل فهو الذي يعطى الصورة الفاعلة؛ وان المرأة هي انتصار المادة على الصورة؛ وهي من ثم اضعف الأوعية في الجسم، والعقل، والإرادة. . وشأنها مع الإنسان شأن الحواس مع العقل. وفيها تسود الشهوة الجنسية؛ أما الإنسان فهو المعبر عن العنصر الأكثر ثباتاً. والرجل والمرأة كلاهما صوراً في صورة الله، ولكن الرجل أشبه به من المرأة. والرجل هو مبدأ المرأة وغايتها، كما أن الله هو مبدأ الكون وغايته، وهي تحتاج الى الرجل في كل شيء، أما هو فلا يحتاج إلا للتناسل؛ والرجل قادر علىان يؤدي جميع الواجبات احسن من أداء المرأة - لا يستثنى من هذا العناية بالبيت(112)، فهي لا تصلح لان تشغل أي منصب هام في الكنيسة او الدولة؛ وهي جزء من الرجل وان شئت الدقة الحرفية فهي ضلع من ضلوعه(113)؛ وعليها أن تنظر إلى الرجل نظرتها إلى سيدها الطبيعي، وان تقبل ارشاده، وتخضع لتقويمه وتأديبه، وبهذه الطريقة تؤدي رسالتها وتحظى بسعادتها. هذا هو ما يقوله تومس عن المرأة
(قصة الحضارة ج17 ص138-139، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> علم الأخلاق)
يضيف ديورانت من عقائد تومس الأكويني "ويجب الا يسمح لغير المؤمنين بأن يكون لهم السيطرة أو السلطان على المؤمنين(118)؛ ويمكن التسامح بوجه خاص مع اليهود لان شعائرهم ترمز إلى شعائر الدين المسيحي قبل ظهوره، فتشهد بذلك على صحة هذا الدين(119). ويجب الا يرغم اليهود غير المعمدين على اعتناق الدين المسيحي(120)، ولكن الملحدين- وهم الذين تخلو عن إيمانهم بعقائد الكنيسة- يجوز إرغامهم دون ان يكون ذلك حرج على من يرغمهم(121). ويجب أن لا يعد أي إنسان ملحداً إلا إذا أصر على خطئه بعد أن تبينه له سلطة كهنويته؛ والذين يرجعون عن إلحادهم يمكن أن يسمح لهم بالتفكير عن ذنوبهم، بل يمكن فوق ذلك أن تعادلهم كرامتهم الأولى؛ فإذا عادوا إلى إلحادهم(جاز أن يسمح لهم بالتفكير عن ذنوبهم، ولكنهم لا ينجون من الآم الموت) (قصة الحضارة ج17 ص140، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> علم الأخلاق)
 
توماس الأكويني (2)
ويبدو تأثر الأكويني بعلم السياسة الإسلامية، ولاشك أنه قد أخذها من فقه ابن رشد ، قال ديورانت :"كتب تومس في الفلسفة السياسية ثلاث مرات: في شرحه لكتاب السياسة لأرسطو، وفي الخلاصة في اللاهوت، وفي رسالة قصيرة تسمى: في حكم الأمراءDe regimine principum ويبدو لأول ولهة أن تومس يعيد أقوال أرسطو، ولكننا إذا واصلنا القراءة أدهشتنا كثرة ما في كتاباته من أفكار أصلية قاطعة.
فهو يقول إن التنظيم الاجتماعي أداة أوجدها الإنسان بدلاً من أعضاء الجسم للحصول على مطالبه والدفاع عن نفسه، وان المجتمع والدولة قد وجدا للفرد، ولم يوجد الفرد للمجتمع والدولة، وان السيادة تأتي من عند الله وهي حق للشعب؛ ولكن الشعب كثير العدد، مشتت، متقلب، جاهل، وهو لذلك عاجز أن يمارس حقوق السيادة بنفسه وبحكمة؛ ولهذا فانه يكل هذه السيادة إلى أمير أو زعيم آخر. وتوكيل الشعب من ينوب عنه على هذا النحو يستطاع إلغاؤه على الدوام، و(لا يحتفظ الأمير بسلطة التشريع إلا من حيث هو ممثل لإرادة الشعب) (123).
ويمكن أن ينيب الشعب عنه في ممارسة سيادته عدداً كبيراً من الناس أو عدداً قليلاً منهم أو فرداً واحداً. وتصلح الديمقراطية، والأرستقراطية، والملكية إذا صلحت القوانين وحسن تنفيذها. ويمكن القول بوجه عام أن خير أنواع الحكومات هو الحكومة الملكية الدستورية، لأنها تمكن للوحدة، والاستمرار، والاستقرار. (وحكم الجماهير) كما يقول هوميروس (على يد الفرد خير من حكمهم على أيدي الكثيرين) (124). غير أن الأمير أو الملك يجب أن يختاره الشعب من أية طبقة حرة من السكان(125)؛ وإذا استبد الملك وجب خلعه بعمل منظم يقوم بع الشعب(126)، ويجب أن يظل على الدوام خادم القانون لا سيده.
والقانون ثلاثة أنواع: قانون طبيعي مثل (القوانين الطبيعية للكون)؛ والهي كالقوانين الواردة في الكتاب المقدس، وبشري أو وضعي كالقوانين التي تسنها الدولة. وقد اصبح النوع الثالث منها ضرورياً بسبب ما في طباع الناس من انفعالات، وبسبب قيام الدولة. ومن اجل هذا كان آباء الكنيسة يعتقدون ان الملكية الفردية تتعارض مع الشريعتين الطبيعية والإلهية، وإنها نتيجة لنزعة الإنسان في ارتكاب الآثام. لكن تومس لا يعترف بان الملكية تتعارض مع القوانين الطبيعية؛ فهو يبحث عن حجج الشيوعيين في أيامه ويرد عليهم كما يرد أرسطو بأنه إذا كان كل واحد من الناس يملك كل شيء فان أحداً من الناس لا يعنى بأي شيء(127). غير أن الملكية الفردية - في رأيه - وديعة عامة، (فالإنسان يجب إلا يمتلك الأشياء الخارجية على إنها ملكه الخاص بل على إنها ملك عام، وبذلك يكون على استعداد لان ينقلها الى غيره من الناس إذا ما احتاجوا إليها)(128). وإذا ما اشتهى الإنسان الكثير الزائد من الثروة، أو سعى إلى اكثر مما يحتاجه منها لحفظ مركزه في الحياة، كان طامعاً أثيما(129). (وكل ما يمتلكه بعض الناس اكثر من حاجتهم إنما يقصد به حسب القانون الطبيعي مساعدة الفقراء) و (إذا لم يوجد علاج آخر فان من حق الإنسان أن يسد حاجته من ملك غيره، بالاستيلاء عليه سراً أو جهراً)" (قصة الحضارة ج17 ص 141-142،عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> علم السياسة
الرق عند الأكويني هو اخضاع السذج للعقلاء فلابد منه!!
"ولم يكن أرقى من أهل زمانه في نظرته الى الاسترقاق، فقد كان الفقهاء السوفسطائيون، والراقيون، والرومان، يعلمون ان الناس (بطبيعتهم) أحرار؛ وكان آباء الكنيسة يوافقون على الرق ويفسرونه كما يفسرون الملك بأنه ناشئ من نزعة الإنسان الآثمة التي كسبها نتيجة لسقوط آدم. وبرر أرسطو صديق الأقوياء الرق بزعمه ان نتيجة عدم المساواة الطبيعية في الإنسان، وحاول تومس أن يوفق بين هذه الآراء المتعارضة: فقال أنه لم يكن ثمة رق في حالة البراءة، أما سقوط آدم فقد وجد أن من الخير إخضاع السذج للعقلاء، لان من لهم أجسام قوية وعقول ضعيفة فقد أريد لهم بحكم الطبيعة أن يكونوا أرقاء(133). لكن العبد ليس ملكاً لسيده إلا بجسمه لا بروحه (قصة الحضارة ج17 ص143، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> علم السياسة)
دعم تومس الأكويني لسلطة البابوية
:"وبدا لتومس انه ما دامت المسائل الاقتصادية والسياسية في آخر الأمر مسائل اخلاقية، فان من العدل أن يوضع الدين في مرتبة أعلى من مرتبة السياسة والصناعة، وان تخضع الدولة في مسائل الأخلاق لرقابة الكنيسة وإرشادها. وكلما سمت أغراض السلطة ازداد نبلها؛ ويجب أن يخضع ملوك الأرض، الذين يهدون الناس إلى السعادة الدنيوية، لسلطان البابا الذي يهدي الناس إلى السعادة الأبدية. على انه يجب أن تبقى الدولة صاحبة السلطان في الشئون الدنيوية، غير أن من حق البابا في هذه الشئون نفسها أن يتدخل إذا خالف الحكام قواعد الأخلاق الصالحة أو تسببوا في الأضرار بشعوبهم إضراراً كان يستطاع تجنبه. ولهذا فمن حق البابا أن يعاقب الملك المسيء أو يعفي رعاياه من يمين الولاء له؛ وفوق هذا فان من واجب الدولة إن تحمي الدين، وتؤيد الكنيسة، وتنفذ قراراتها" قصة الحضارة ج17 ص 143،144،عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> الدين
يكرر عقيدة أوغسطين والكنيسة
" وحقائق التاريخ الكبرى تنبئ إن الإنسان قد ارتكب جرماً لا حد له بعصيان الله، فاستحق بهذا العصيان عقاباً لا حد له، وان الله الابن قد اصبح إنساناً وقاسى العار والموت، وانه قد خلق رصيداً من البركة المنجية يستطيع الإنسان أن ينجو به رغم خطيئته الاولى؛ والله يهب من يشاء من هذه البركة ما يشاء؛ وليس في مقدورنا ان نتبين أسباب اختياره، ولكن (ما من أحد من الناس قد بلغ من الجنون حداً يقول معه إن الجدارة هي سبب الاختبار الإلهي)(135). وتتردد عقيد بولس وأوغسطين الرهيبة في أقوال تومس الرفيق الظريف:
(من الخير أن يسير الله الإنسان بقضائه وقدره، لان الأشياء جميعاً خاضعة لمشيئته... وإذا كان الناس قد هيئوا للحياة السرمدية بمشيئة الله، فان من مشيئة الله أيضاً أن يسمح لبعضهم أن يعجزوا عن بلوغ هذه الغاية، وهذا هو ما يسمى (الشقاء)... وإذا كان قضاء الله وقدره يشمل إرادته في أن يهب البركة والمجد، فان الشقاء أيضاً يشمل إرادته في أن يسمح لشخص ما ان يقع في الخطيئة، وان يعاقب على تلك الخطيئة بعذاب الجحيم.. (اختارنا فيه قبل تأسيس العالم)( قصة الحضارة ج17 ص 144،عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> الدين)
الكنيسة تتهم تومس الأكويني
"فقد حدث في عام 1277 أن اصدر أسقف باريس بإيعاز البابا يوحنا الحادي والعشرين مرسوماً باعتبار 219 قضية من قضايا تومس خروجا على الدين... وبعد أيام قلائل من صدور هذا المرسوم اقنع ربرت كلواردبي Robert Kilwardby أحد كبار الرهبان الدمنيك أساتذة جامعة أكسفورد بان ينددوا ببعض عقائد تومس ومنها وحدة النفس والجسد في الإنسان.
وكان قد مضى على وفاة تومس في ذلك الوقت ثلاث سنين... ودخل راهب فرنسيسي يدعى وليم ده لا مارWilliam de la Mare في المعركة برسالة سماها:Correctorium fratris Thomae يقول فيها ان تومس على حق في 118 نقطة، فقام راهب فرنسيسي آخر يدعى يوحنا بكنهام، كبير أساقفة كنتر برى يندد رسمياً بفلسفة تومس وينادي بالعودة الى بونا فنتورا والقديس فرانسس. وانضم دانتي الى المتنازعين فصاغ من فلسفة تومس فلسفة معدلة كانت الإطار العام الذي وضع فيه الملهاة المقدسة، واختار تومس ليقوده على السلم الموصل إلى أعلى سماء. ودامت الحرب مائة عام اقنع بعدها الرهبان الدمنيك البابا يوحنا الثاني والعشرين ان تومس من القديسين، وكان تقديسه (1323) انتصاراً لفلسفته. ووجد المتصوفة من ذلك الوقت في كتاب الخلاصة(140). اعمق واوضح عرض للحياة الصوفية الفكرية. ولما عقد مجلس ترنت (1545- 1563) وضع كتاب الخلاصة على المذبح إلى جانب الكتاب المقدس وكتاب القوانين الكنسية(141). وفرض إجناتيوس ليولاIgnatius Loyola على اليسوعيين أن يعلموا فلسفة تومس، وقرر البابا ليو الثالث عشر في عام 1879، والبابا بندكت الخامس عشر في عام 1921 أن تكون مؤلفات تومس الفلسفة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية، وان لم يعلنا أن هذه المؤلفات سليمة من الأخطاء؛ وهذه الفلسفة تدرس الان في جميع كليات الروم الكاثوليكية؛ وقد كسبت لها انتصاراً جدداً في وقتنا الحاضر، وان كان لها نقاد من بين علماء الدين الكاثوليك، وهي الآن من أقوى أنظمة التفكير الفلسفي تأثيراً وأبقاها على الزمن، لا تقل في ذلك عن الأفلاطونية والأرسطوطيلية... ولم يكن يستكشف أن يأخذ العلم عن المسلمين واليهود، ويعامل فلاسفتهم باحترام صادر عن وثوقه بنفسه. وإنا لنجد في نظامه الفلسفي قدراً كبيراً من السخف والأباطيل التي نجد مثلها في جميع الفلسفات التي لا تتفق مع فلسفتنا؛ وان من اعجب الأشياء أن يكتب هذا الرجل المتواضع بمثل ما كتب من الطول عن الطريقة التي يعرف بها الملائكة ما يعرفون، وعما كان عليه الإنسان قبل سقوطه، وعما كان يؤول إليه أمر الجنس البشري لولا رغبة حواء في المعرفة. ولعلنا نخطئ إذ نفكر فيه على انه فيلسوف، فقد كان هو نفسه أميناً إذ سمى مؤلفه كتاباً في علم الدين، ولم يدع انه يسير وراء العقل الى حيث يقوده، ويعترف انه يبدأ بنتائجه، وهو عمل يسمه معظم الفلاسفة بأنه خيانة للفلسفة وان كانت كثرتهم تفعله... ولم يفلح في التوفيق بين أرسطو والمسيحية، ولكنه وهو يحاول هذا التوفيق كسب للعقل نصراً مؤزراً سيدوم على مدى الأيام، فقد قاد العقل أسيراً إلى قلعة الدين؛ ولكنه قضى بانتصاره على عصر الإيمان.(قصة الحضارة ج17 ص146-149، مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> كيف استقبلت فلسفة تومس)
"ولم تكن هذه البذور التي نبتت منها النهضة والاستنارة هي "انتقام الوثنية" من المسيحية فحسب، بل كانت فوق ذلك انتقاماً للإسلام على غير علم منه. فقد غزت المسيحية بلاد فلسطين، وأخرجت المسلمين من أسبانيا كلها تقريباً، فنقلوا علومهم وفلسفتهم إلى أوربا الغربية، وكانت هذه العلوم والفلسفة قوة من القوى العاملة على تفكك المسيحية وتفرقها، وكان ابن سينا وابن رشد، كما كان أرسطو، هما اللذين بثّا جراثيم النزعة العقلية في أوربا المسيحية. (قصة الحضارة ج17 ص156) مجلد عصر الإيمان -> المسيحية في عنفوانها -> مغامرات العقل -> فلسفة تومس -> كيف استقبلت فلسفة تومس
 
عودة
أعلى