إبراز المنافع في تحرير نظم الدرر اللوامع

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

أثناء تدريسي لمتن الدرر اللوامع لابن برّي في أحد المساجد بالعاصمة راودتني فكرة تحرير أوجه هذه المنظومة المباركة ، ولا سيما أنّ المغاربة قديماً وحتّى حديثاً اعتنوا بها حفظاً وشرحاً ورواية ودراية أيّما اعتناء فلم يبق إلاّ الاعتناء بها من جهة تحرير طرقها وعزو كلّ وجه إلى طريقه كما فُعل بالشاطبيّة والطيّبة.

والذي دفعني إلى ذلك هو :
أوّلا : تنوّع الروايات حيث يتضمّن هذا النظم خمس روايات ثلاث منها لورش واثنان لقالون كما سيأتي تفصيله.

ثانيا : وضوح مصادرها وطرقها مّما يُسهّل عليّ إلحاق كلّ وجه بطريقه.

ثالثا : عند تأمّلي لمضمون هذه المنظومة المباركة ظهر لي ما يلي :
- وجود بعض الأوجه التي خرج بها الناظم عن روايات الداني كالبسملة بين السورتين لورش ، وإشباع المدّ المتصل لقالون وكذا المدّ المنفصل في أحد وجهيه.

- الخلط بين روايات الداني مثاله : نحن نعلم أنّ الداني ما روى قصر البدل إلاّ عن أبي الحسن بن غلبون ، وقد ذكر الناظم هذا الوجه وأهمل كلّ الأوجه الأخرى التي قرأ بها الداني على أبي الحسن كتخصيص التوسط في اللين المهموز بياب {شيء} دون {كهيئة} و {سوء} وشبهه ، وتفخيم الراءات المضمومة وترقيق راء {إرم} وغير ذلك.

- عدم التنسيق في اختيار الأوجه حيث نراه يعتمد كثيراً على كتاب التيسير في اختياراته وفي بعض الأحيان يُهمل ما ورد فيه تماماً. كإهماله الصلة في ميم الجمع لقالون مع أنّه هو الوارد في كتابه التيسير ومعلون أنّ هذا الكتاب هو زبدة مرويّات الداني.

رابعا : إظهار من خلال هذا النظم الأوجه التي ذُكرت في التيسير وهي ليست من طريقه وذلك ببيان الأوجه المذكورة في التيسير والتي لم يقرأ بها الداني على ابن خاقان لورش ولا على أبي الفتح لقالون.

فهذه الأسباب الأربعة هي الدافع الذي جعلني أقتنع بضرورة تحرير أوجه هذا النظم المبارك متبعاً في ذلك منهج المحرّرين في الجملة.

بيان مصادر وطرق هذا النظم :
قال ابن برّي :
سلكت في ذاك طريق الداني****إذ كان ذا حفظ وذا إتقان

أشار الناظم إلى أنّه سلك طريق الداني ولم يُحدّد أيّ طريق ، ولم يقتصر على طريق التيسير كما يظنّ البعض لأنّه ذكر في نظمه الكثير من الأوجه التي ليست في التيسير.
فأمّا رواية ورش فهي من طريق أبي يعقوب الأزرق. قال المنتوري : "وروى عنه جماعة كثيرة منهم أبو يعقوب الأزرق بن عمرو بن يسار المدنيّ الأزرق ، وهذه الرواية خاصّة هي التي ذكرها الداني في إيجاز البيان والتلخيص وعليها عوّل في الاقتصاد والتيسير ، وهي التي اشتهر بها العمل ، وأخذ الناس بها في رواية ورش ، وصنّفوا قراءة ورش من طريقها ، وعلى هذا جرى ابن الباذش في الإقناع ، والشاطبيّ في قصيدته ، والناظم في هذا الرجز ، وغيرهم من المصنّفين للحروف."(شرح الدرر 1/68). وأمّا روايات الداني من طريق أبي يعقوب فمن ثلاث طرق : روايته عن ابن خاقان وهي رواية المسندة في التيسير ، وروايته عن أبي الفتح وعن أبي الحسن ابن غلبون.

وأمّا رواية قالون فهي من طريق أبي نشيط. قال المنتوري : " وروى عنه جماعة كثيرة منهم أبو نشيط موسى بن هارون البغدادي ، وهذه هي الرواية المشهورة عن قالون ، التي اعتمد الناس عليها ، وصاروا يأخذون بها في قراءته دون غيرها من الروايات. وقد صنّف الداني فيها كتاباً مُفرداً وعليها عوّل في الاقتصاد والتيسير وعلى هذا جرى ابن الباذش في الإقناع والشاطبيّ في قصيدته والناظم في هذا الرجز ، وغيرهم من المؤلّفين في القراءة."(شرح الدرر 1/72). وأمّا روايات الداني من طريق أبي نشيط فمن طريقين : روايتة عن أبي الفتح وهي الرواية المسندة في التيسير ، وروايته على أبي الحسن بن غلبون. وبالتالي فإنّ كتاب التذكرة لأبي الحسن يُعدّ من مصادر هذه المنظومة في رواية ورش وقالون.
فالمجموع إذن خمس طرق للداني ثلاث منها لورش وثنتان لقالون.

وسأشرع في التحرير في المرة القادمة بدءً بباب البسملة.

أسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
 
باب البسملة بين السورتين

باب البسملة بين السورتين

[FONT=&quot]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم
[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot]قال الناظم : [/FONT]

[FONT=&quot]قالون بين السورتين بسملا ****وورش الوجهان عنه نُقلا[/FONT]
[FONT=&quot]واسكت يسيراً تحظ بالصواب****أو صل له مبيّن الإعراب

[/FONT]
[FONT=&quot]أخبر الناظم في البيت الأوّل أنّ قالون يفصل بين السورتين بالبسملة وجهاً واحداً ، وأنّ لورش[/FONT][FONT=&quot]ٍ[/FONT][FONT=&quot] الوجهان وهما الفصل بين السورتين بالبسملة كقالون ، وترك الفصل بالبسملة. ثمّ ذكر في البيت الثاني كيفيتين في ترك الفصل وهما [/FONT][FONT=&quot]: [/FONT][FONT=&quot] إمّا أن يسكت القارئ له سكتاً يسيراً من غير تنفّس ، أو أن يصل السورة بالسورة مع تبيين الإعراب. وبالتالي يكون لورش على قول الناظم ثلاثة أوجه : البسملة ، والسكت والوصل من غير بسملة.[/FONT]

[FONT=&quot]فأمّا البسملة فإنّها غير ثابتة عن الداني رواية وإنّما نقلها حكاية عن أبي غانم فقال الداني : [/FONT][FONT=&quot]"واختلف عن ورش عنه في [/FONT][FONT=&quot]ذلك ، فقرأت له من طريق أبي يعقوب على ابن خاقان وأبي الفتح وأبي الحسن وغيرهم من بالأسانيد المذكورة بغير تسمية بين السور في جميع القرءان ، وعلى ذلك عامّة أهل الأداء من شيوخ المصريّين الآخذين برواية الأزرق.[/FONT][FONT=&quot]"(جامع البيان ص148). وقال [/FONT][FONT=&quot]: [/FONT][FONT=&quot]"وقد كان أبو غانم المظفر بن أحمد بن أحمد بم حمدان يخالف جماعتهم فيختار الفصل بالتسمية استحساناً منه من غير رواية رواها ولا أداء نقله حد[/FONT][FONT=&quot]ّ[/FONT][FONT=&quot]ثني ب[/FONT][FONT=&quot]ذ[/FONT][FONT=&quot]لك شيخنا أبو الفتح عن عمر بن محمد عنه ، وك[/FONT][FONT=&quot]ذلك رواه عنه محمد بن علي المقرئ وغيره.[/FONT][FONT=&quot]"(جامع البيان ص148). ومن هنا يظهر أن[/FONT][FONT=&quot]ّ البسملة وإن صحّت عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش فإنّها لا تصح رواية عن الداني عنه ولم يقرأ بذلك على شيوخه الثلاثة ، وبالتالي يكون الناظم قد خرج عن طرق الداني في هذه المسألة. ومن تأمّل عبارة الناظم يجد أنّه ضعّف وجه البسملة بقوله [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]واسكت يسيراً تحظ بالصواب****أو صل له مبيّن الإعراب[/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot]فقوله [/FONT][FONT=&quot]تحظ بالصواب راجعة على السكت والوصل كما ذكر الشرّاح مما يدلّ أنّ من أخذ بالبسملة لم يحظ بالصواب ، ولكن لم أجد في الشروح من أشار إلى أنّ الناظم ضعّف البسملة بل عباراتهم تدلّ على إقرارهم للبسملة كوجه صحيح ، [/FONT][FONT=&quot]فعلى كل[/FONT][FONT=&quot]ّ تبيّن بالدليل أنّ البسملة لا تصحّ رواية عن الداني لورش من طريق أبي يعقوب. [/FONT]

[FONT=&quot]وأمّا الوصل فقد ذكره الداني على غير المشهور والمختار بل عبارته هي للتضعيف فيما يظهر بقوله : [/FONT][FONT=&quot]"[/FONT][FONT=&quot]وهذا مذهب-أي الوصل- رُوي لنا عن ابن مجاهد ، وغيره من أهل الأداء[/FONT][FONT=&quot]"[/FONT][FONT=&quot]. قال المنتوري : قال الداني في إيجاز البيان : ولأهل الأداء في مذهب من ترك التسمية مذهبان : أحدهما : أن توصل السورة بالسورة ، ويُبيّن إعرابها من غير سكت بين السورتين ، لعلْم الناس بانقضاء السور وابتدائهنّ ، وهذا مذهب رُوي لنا عن ابن مجاهد ، وغيره من أهل الأداء. المذهب الآخر : أن يسكت بينهما سكتة لطيفة من غير قطع ، ليؤذن بذلك بانقضاء السور وابتدائهنّ ، فيكون ذلك عوضاً من الفصل بينهنّ ، وعلى هذا أكثر شيوخنا ، والجلّة من المتصدّرين ذلك.[/FONT][FONT=&quot]"(شرح الدرر للمنتوري 1/105).[/FONT]

[FONT=&quot]وأمّا السكت فهو مذهب أكثر شيوخ الداني والجلّة من المتصدّرين كما ذكر ، وهو الوجه الذي اختاره للأداء وللإقراء ، والاختيار خلاف التخيير فالأوّل كناية على إعماله والاقتصار عليه في الأداء والإقراء خلافاً للثاني فهو كناية عن إعمال الوجهين جميعاً ، وقد نصّ الداني على اختياره لوجه السكت دون غيره فقال في التيسير : "ويُختار في مذهب ورش وأبي عمرو وابن عامر : السكتُ بين السورتين من غير قطع."(التيسير ص124). قال المنتوري : "قال الداني في كتاب رواية ورش من طريق المصريين : والمختار السكت [/FONT][FONT=&quot]على آخر السورة والابتداء بالثانية من غير قطع شديد. وقال في التمهيد : وهو مذهب أكثر شيوخنا ، وهو اختيار الحذاق من أهل هذه الصنعة. وقال في إيجاز البيان : وعلى هذا المذهب أكثر شيوخنا ، والجلّة من المتصدّرين ، وهو الذي أختار". وقال في التلخيص : وهو الاختيار. وقال في إرشاد المتمسكين : والذي أختار في مذهب أبي يعقوب أن يسكت القارئ على آخر السورة ، من غير وصل ولا فصل..."(شرح الدرر 1/108). [/FONT]

[FONT=&quot]ومن هنا نخلصّ أنّ البسملة لم ترد عن الداني بالرواية عن الشيوخ وإنّما ذكرها على الحكاية. والوصل ثابت عن الداني على غير المشهور والمختار ، والسكت هو الثابت عنه بالرواية عن أكثر شيوخه وهو المختار عنده ، ولأجل ذلك اقتصر صاحب النشر على السكت من طريق الداني ولم يذكر له الوصل والبسملة.[/FONT]

[FONT=&quot]والغريب أنّ الناظم لم يذكر الوجه المختار مع أنّه ترجم للباب بقوله : [/FONT][FONT=&quot](القول في استعمال لفظ البسملة *** والسكت والمختار عند النقله). [/FONT][FONT=&quot]قال المنتوري [/FONT][FONT=&quot]: [/FONT][FONT=&quot]"لكن نسي [/FONT][FONT=&quot]ذكره –أي نسي ذكر وجه المختار- وقيل في ذلك – أي استدراكاً على الناظم- [/FONT][FONT=&quot]:(ولكن السكت هو المختار *** نص[/FONT][FONT=&quot]ّ عليه جلّة أخيارُ[/FONT][FONT=&quot])."(شرح الدرر 1/108).[/FONT]

[FONT=&quot]ومن هنا تظهر ضرورة الاقتصار على وجه السكت بين السورتين لورش من طرق الداني عن أبي يعقوب الأزرق عنه لأنّه[/FONT][FONT=&quot] هو المختار عند الداني واختيار الوجه يستلزم الالتزام به وإعماله في الأداء والإقراء. ويظهر أيضاً أنّ البسملة ليست من طرق الداني وأنّ الوصل ليس بقويّ عنده من جهة الرواية إذ عدم اختيار الداني للوصل يعني أنّه لم يأخذ به في الأداء والإقراء.[/FONT]

[FONT=&quot]لو أخذنا بظاهر قول الناظم [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]واسكت يسيراً تحظ بالصواب[/FONT][FONT=&quot])واعتبرنا أن لفظ الصواب يرجع على السكت لزال الإشكال تماماً ولقلنا أن[/FONT][FONT=&quot]ّ البسملة والوصل إنّما ذكرهما الناظم للحكاية لا للرواية ، وأنّ الصواب في رواية الداني عن شيوخه من هذا الطريق هو السكت. [/FONT][FONT=&quot]وهذا الذي ظهر لي من كلام المجاصي أحد الشراح المعتبرين وهو كون لفظ الصواب يرجع على السكت دون غيره. قال المجاصي : [/FONT][FONT=&quot]"[/FONT][FONT=&quot]قوله واسكت يسيراً أي اجعل سكتة بين السورتين بدلاً من البسملة وهو مذهب أبي يعقوب الأزرق عن ورش وهو المشهور ، ويسيراً نعت لمصدر محذوف أي سكتاً يسيراً وحدّه دون تنفّس. قوله تحظ بالصواب أي تقرب للصواب ، والبا بمعنى اللام أو تقول بالصواب. قوله الصواب أي الصواب في القول واتّباع الرواية المشهورة.[/FONT][FONT=&quot]"انتهى كلامه. فوصف السكت بأن[/FONT][FONT=&quot]ّه المشهور ثمّ فسّر الصواب بأنّه في القول واتّباع الرواية الشهورة. [/FONT][FONT=&quot]وأما الخر[/FONT][FONT=&quot]ّاز والمنتوري وغيرهما فإنّها أرجعا قول الناظم [/FONT][FONT=&quot](تحظ بالصواب) إلى السكت والوصل جميعاً وكلا التفسيرين محتمل ولكنّي[/FONT][FONT=&quot] أميل إلى كلام المجاصي لعدة اسباب :

[/FONT]
[FONT=&quot]الأوّل : أنّ المجاصي من تلاميذ الناظم الذين لازموه كثيراً وأخذوا عنه النظم رواية ودراية وتفهّماً قال المجاصي [/FONT][FONT=&quot]: "وبعد قراءتها على مؤلفها زمانا سماعا وأداء/ ورواية، وتفهما [وشرحا] لمعانيها، نفعه الله [بالعلوم] وكتب لي بذلك رسالة عنها، حرفا حرفا، وترددت إليه مرارا فيما أشكل عليّ منها، [وكان مقربا منا]، ومصلاّه معنا برباط مدينة تازا...."[/FONT][FONT=&quot](نسخة مكتوبة من طرف الشيخ حكيم بن منصور أحد الأعضاء وقد اعتمد في [/FONT][FONT=&quot]ذ[/FONT][FONT=&quot]لك على ثلاث نسخ خطية).[/FONT]

[FONT=&quot]الثاني : أنّ وجه السكت هو الأولى بهذا ا[/FONT][FONT=&quot]لوصف وهو أن يحظى الآخذ به بالصواب لأنّه هو الأشهر والأقوى رواية عن الداني.[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot]الثالث : لعلّه السبب الذي يُفسّر السبب الذي حمل الناظم على عدم ذكر الوجه المختار لأنّه أشار من قبل أن الآخذ بالسكت سيحظى بالصواب وهو كناية على كونه هو المختار.[/FONT]

[FONT=&quot]فنخلص مما سبق أنّ السكت هو الذي ينبغي أن يُقتصر عليه من طريق الداني من رواية أبي يعقوب عن ورش.
[/FONT]

[FONT=&quot]والعلم عند الله تعالى. [/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
 
[FONT=&quot]ومن هنا تظهر ضرورة الاقتصار على وجه السكت بين السورتين لورش من طرق الداني عن أبي يعقوب الأزرق عنه لأنّه[/FONT][FONT=&quot] هو المختار عند الداني واختيار الوجه يستلزم الالتزام به وإعماله في الأداء والإقراء. ويظهر أيضاً أنّ البسملة ليست من طرق الداني وأنّ الوصل ليس بقويّ عنده من جهة الرواية إذ عدم اختيار الداني للوصل يعني أنّه لم يأخذ به في الأداء والإقراء.[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
نعم شيخنا الكريم هذا الكلام يوافق قول الداني في التيسير (وكان الباقون [أي ما عدا ابن كثير وقالون وعاصم والكسائي] فيما قرأنا لهم لا يبسملون بين السور، واصحاب حمزة يصلون آخر السورة بأول الأخرى، ويختار في مذهب ورش وابي عمرو وابن عامر السكت بين السورتين من غير قطع) التيسير ص 17
لكن ذكر الشاطبي أنه لم يرد نص عن ورش وأبي عمرو وابن عامر، بوصل ولا سكت، وإنما هو اختيار أهل الأداء فقال [ولا نص كلا حب وجه ذكرته]
قال الشيخ عبدالفتاح القاضى في الوافي (وكلا حرف ردع وزجر كما سبق، وكأن الناظم يزجر من يعتقد ورود النص عن أحد منهم بوصل أو سكت) الوافي 46
إذا فكيف نلتزم بوجه اختياري وحيد لم يرد له نص وثيق من ورش؟؟
 
النص ليس شرطاً في صحّة الوجه حيث لم يشترط واحد من أهل الأداء ذلك وإنّما ضرورة وجود نصّ تكمل في تقوية الوجه وتوثيقه إن كان الوجه غير مشهور ، أمّا إن ثبت الوجه أداءً واشتهر عند أهل الأداء وتلقّوه بالقبول فلا وجه لردّه ومنعه بدليل أنّ ابن الجزري لم يشترط في نشره ورود النصّ وإلاّ لم يبق في النشر إلاّ جزء ممن يوافق ذلك الشرط.
بل نجد أنّ الداني صرّح بأنّ الآخذين بالبسملة لورش من طريق الأزرق كان استحباياً منهم فقال : "وقد كان أبو غانم المظفر بن أحمد بن أحمد بم حمدان يخالف جماعتهم فيختار الفصل بالتسمية استحساناً منه من غير رواية رواها ولا أداء نقله حدّثني بذلك شيخنا أبو الفتح عن عمر بن محمد عنه ، وكذلك رواه عنه محمد بن علي المقرئ وغيره."(جامع البيان ص148). فقوله : "من غير رواية رواها ولا أداء نقله " دليل على أنّ ثبوت الوجه في الأداء يكفي لأن تكون الرواية صحيحة ولا سيما إن كان مشهوراً كما هو حال وجه السكت.
فالعبرة هو في اشتهار الوجه وثبوته بالأداء والنصّ ، فإن لم يثبت بالنصّ كانت الشهرة كافية لسدّ تلك الثغرة. لذلك كان وجه السكت هو المختار لكونه أشهر وجه في هذا الطريق أو من طريق من لم يفصل بين السورتين بالبسملة عدا حمزة. لذلك قال الشاطبي : وسكتهم المختار دون تنفسّ.
والعلم عند الله تعالى.
 
[FONT=.Helvetica NeueUI]
نص شيخ الجماعة عبد الرحمن القاضي في الفجر وتلميذه مسعود بن جموع في الكفاية على أنه لم يرد نص بالبسملة ولا بالسكت ولا بالوصل عن ورش وأبي عمرو وابن عامر، وعدم ورود النص لا يمنع من الأخذ بالأداء كما قال الشيخ محمد يحيى شريف الجزائري. إنما يؤخذ على الشيخ إلغاؤه الوصل مع صحته بحجة الاختيار.
الصوب العمل بهما جميعا مع تقديم السكت في الردف واختيار السكت عند الإفراد. مع العلم أن مجرد اختيار شيء إثبات لمقابله.
لا يمكن تحرير الدرر اللوامع لسبب بسيط، هو لأنه طريق واحد عن كل واحد من الراويين. يخطئ الناظم فيصوب، أو يجمل فيفصل، أو يقصّر فيكمّل، أو يزيد فينبه، لكنه لا يسمى تحريرا. لأن التحرير المصطلح عليه هو تمييز الطرق عن بعضها البعض. وقد تعرض المنتوري وابن القاضي لهذا الكلام بالتمام، ويظهر ذلك من نقولكم هذه، وما سموه تحريرا. بل عكف الشناقطة على مثل هذا فما سموه إلا الأخذ، اي المختار أو المشهور في منطقة ما أو المقدم أداء على الشيخ.
قُدم لأحد ساداتنا الشناقطة قليل من الأتاي في كأس صغير فقال لمدير الشراب:
إن المصغر لا يصغر ثانيا=فإذا وليت على الكؤوس فأترعِ
كذلك تقول للشيخ الفاضل إن المحرر لا يحرر ثانيا، بل استمر على هذا الشرح فهو واضح وجميل​


[/FONT]
 
شيخنا محمد الحسن بوصو. لقد اختار الداني وجه السكت بمعنى اختاره بين مروياّته ليأخذ به في الأداء والإقراء ، وإلاّ لسمّاه تخييراً. ثانياً : لقد ذكر وجه الوصل ونسبه إلى ابن مجاهد وغيره بصيغة الغائب وأنت أدرى بمقتضى هذه الصيغة. ثالثاً : لم يذكر ابن الجزريّ للداني إلاّ وجه السكت ولم يذكر له لا من قريب ولا من بعيد وجه الوصل والبسملة مع أنّ طرق النشر عن الداني من رواية أبي يعقوب الأزرق هي هي طرق الدرر اللوامع ومع هذا فقد ميّز ابن الجزري بين الطرق الثلاثة للداني في الاسانيد والعزو بمعنى أنّه حرّر هذه الطرق فميّزها من بعض ، وأنتم وللأسف جعلتموها طريقاً واحداً ونفيم أن يخضع هذا الطريق الوحيد إلى التحرير. كلام غريب للغاية.
أتنفي أنّ طريق الداني لأبي يعقوب الأزرق هو من قراءته على شيوخه الثلاثة. أتنفي أنّ كلّ الرواية من هذه الثلاثة مسندة على حدة. أتنفي أنّ هذه الروايات تمتاز فيما بينها في الأوجه والأصول أم أنّ الداني قرأ على مشايخه الثلاثة بنفس الأوجه والأصول.
إن كنت لا تنفي ذلك فكيف تقول كلاماً غير معقول مع كلّ احترامي لفضيلتكم بأن تجعل هذه الطرق الثلاثة طريقاً واحداً لا يحتاج إلى تحرير.
قد تقول قد اختار الناظم طريقاً واحد. الجواب أيمكنك إثبات ذلك. إنّ قصر البدل هو من قراءة الداني على أبي الحسن وتوسطه هو من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد ، والناظم ذكر الوجهين جميعاً ، هذا لوحده يكفي دليلاً أنّ الناظم لم يسلك طريقاً واحداً.

أطلب منك ألاّ تتسرّع في النقد وسأبيّن لكم أنّ هذه المنظومة تخضع للتحرير ما دامت تتضمّن أكثر من طريق ، وعندما سأذكر الأوجه التي تختصّ برواية الداني عن شيوخه الثلاثة ستدرك حينها الهدف الذي حملني على تحرير هذه المنظومة العظيمة.

ولكم منّي كلّ الاحترام والتقدير.
 
[FONT=.Helvetica NeueUI]
طريق الداني اصطلاح مغربي، الغرض منه تمييز قراءات الشيخ والحافظ والإمام، يقابله طريقا مكي وابن شريح، كما تجده في الدر النثير مثلا، ويقابل الدرر في هذا الحصرية.
لكن ما دام الشيخ محمد يحيى شريف الجزائري يصر على أن الداني طريق قسيم لأبي نشيط والحلواني... فإني أرجو منه أن يطلب لي من شيخه، الذي أوصله مقامي الصبر وضبط النفس، أن يذكرني في خلواته وجلواته.​
[/FONT]
 
شيخي لن يمنحك ما تريد لأنّ صرختكم ليست في محلّها ، كيف لا وأنتم تريدون جعل ثلاث طرق في طريق واحدة ، صنيعكم هذا يضرب علم التحريرات من جذوره.
 
باب ميم الجمع

باب ميم الجمع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

قال الناظم :
وكلُها سكنها قالونُ *** مالم يكن من بعدها سكون

أشار الناظم إلى أنّ مذهب قالون هو الإسكان في ميم الجمع وجهاً واحداً خلافاً لورش الذي يصلها إذا وقعت قبل همزة القطع كما ذكر في البيت الذي قبله.

وقد صحّ عن قالون وجهان في ميم الجمع من طريق الداني من رواية أبي نشيط :

الأوّل : الصلة سواء وقعت الميم قبل همزة أم لا وبه قرأ على شيخه أبي الفتح فارس ابن أحمد وهو طريق التيسير.
الثاني : الإسكان وبه قرأ على أبي الحسن ابن غلبون.

وكان الأولى على الناظم أن يذكر له الوجهين لا سيما وأنّ وجه الصلة هو الثابت في كتاب التيسير من قراءة الداني على أبي الفتح ، وكتاب التيسير يُعدّ من زبدة مرويّات الداني رحمه الله تعالى ، ومع ذلك اقتصر الناظم على وجه الإسكان لشهرته. وهذا الصنيع لا حرج عليه في الجملة لأنّ الناظم له أن يختار من مرويّات الداني بعضاً منها لولا أنّه أخذ برواية التيسير في الكثير من الأوجه ولم يأخذ بها في ميم الجمع مما يؤدّي إلى خلط بين رواية الداني عن أبي الحسن وبين روايته عن أبي الفتح.

ففي باب هاء الضمير أخذ الناظم بالروايتين في {يأته} أي الصلة والقصر ، فالصلة من قراءة الداني على أبي الفتح ، والقصر من قراءته على أبي الحسن ، فذكر الوجهين في هذا الموضع آخذاً بالروايتين جميعاً ، وفي المدّ المنفصل أخذ بالروايتين كذلك ، فقصر المنفصل هو من قراءة الداني على أبي الفتح وهو طريق التيسير ، والتوسط من قراءته على أبي الحسن. وأمّا في ميم الجمع فأخذ برواية أبي الحسن وأهمل رواية أبي الفتح ، وهذا الصنيع سيؤدّي حتماً إلى الخلط بين الروايتين إن أخذنا بظاهر النظم ، وذلك أنّ السكون في الميم الجمع هو من رواية الداني عن أبي الحسن هذه الرواية توجب القصر في {يأته} والمدّ في المنفصل. وأمّا الصلة في {يأته} مع القصر في المنفصل فهي من رواية الداني على أبي الفتح وهذه الرواية لا تكون إلاّ مع الصلة في ميم الجمع.

وعليه وجب الاستدراك على الناظم بإضافة وجه الصلة في ميم الجمع لنتحصّل في الأخير على وجهين صحيحين من جهة الرواية وهما :
- قصر المنفصل مع الصلة في هاء {يأته} والصلة في ميم الجمع من التيسير وهو من قراءة الداني على أبي الفتح.
- مد المنفصل مع القصر في الهاء والإسكان في الميم من قراءة الداني على أبي الحسن.

أما الخلط بين الروايتين على ما يظهر في النظم فلا يجوز على سبيل الرواية كما ذكر ابن الجزريّ ، ونحن نعلم أنّ هذه المنظومة المباركة هي للرواية حيث ذكر المنتوري إسناد الناظم إلى الداني والداني قرأ من طريق أبي نشيط بالروايتين ، والروايتان مستقلّتان كلّ على حدة ، فلا يجوز أن نخلط بينهما على سبيل الرواية.

وعلى ماسبق نخلصّ إلى ضرورة إضافة وجه الصلة في ميم الجمع لنصل في الأخير إلى الوجهين الذين قرأ بهما الداني من طريق أبي نشيط وهما :
- قصر المنفصل مع الصلة في {يأته} وفي ميم الجمع وهي رواية الداني على أبي الفتح وهو طريق التيسير
- التوسط مع القصر في {يأته} والإسكان في الميم.وهي رواية الداني على أبي الحسن.

والعلم عند الله تعالى.
 
ردّ على تعقيب أحد المشايخ على الخاص.

ردّ على تعقيب أحد المشايخ على الخاص.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.

لقد أرسل إليّ أحد المشايخ الفضلاء رسالة خاصّة ونبّهني جزاه الله خيراً على ملاحظة هامّة قد تراود الكثير من المشايخ لا سيما ممن ينتمون إلى المدرسة المغربيّة. ونصّ تعقيبه هو كالتالي :

قال الشيخ الفاضل :"أخي الكريم مرادي من هذه الرسالة التنبيه على مسألة تتعلق بالتحريرات وعزو الأوجه إلى أصحاب الطرق عند المغاربة ، فمنهج قراء المغرب وكيفية رؤيتهم للتحريرات مختلفة ومغايرة تماماً للمدرسة المشرقية . فأخي الفاضل كن حذراً في تناول الموضوع ، لاسيما أنك تتبع كيفية تحرير " نظم البرية " على الطريقة المشرقية ، فربما كلفك هذا النهج في التناقض من جهة بناء الفروع على الأصول ، والله تعالى أعلم".

وجواباً على الشيخ الفاضل أقول وبالله التوفيق :

إنّي ولله الحمد لأحبّ المغامرات أن صحّ التعبير لأنّها تمنحني التعبير عن رأيي وعن قناعتي في مسألة من المسائل ، وتمنحني الاستقلاليّة في الرأي مع القناعة إن استدعى الأمر لذلك وذلك أفضل عندي بكثير من مجرّد التقليد من غير أيّ قناعة. وتمنحني أيضاً الاستفادة من تعقيبات أمثال الشيخ الفاضل. ولا أخشى الاعتراضات ولا التعقيبات لأنّني لا أخشى أن أكون مخطئاً بقدر ما أخشى أن تفوتني فائدة ناتجة عن ردود مشايخي الأفاضل. فما أنا إلاّ طالب علم أعرض بضاعتي في السوق وأنتظر المساومة ، ولو كنت في مقام الجهبذ النحرير لبعتها وأنا في الدار.
فإن لم أكن من أهل المغامرات فلا بيع لي ولا ربح ، والخسارة في التجارة ليست عيباً لأنّ الرزق بيد الله يؤتيه من يشاء كما أنّ العلم فضل من الله يؤتيه من يشاء.

أقول للشيخ الفاضل :

كتاب النشر لابن الجزريّ معظمه تحرير وعزو وقد جمع فيه طرق المشارقة والمغاربة وعاملها بنفس المعاملة من جهة النقد والتصحيح والعزو والتحرير وأخضع الجميع إلى بعض التفريعات الأدائيّة من غير تمييز في نحو {ءآلن} و {سوءات} وغيرها وكذا اجتماع البدل مع ذوات الياء لورش في مسائله التبرزيّة ، ولم يخصّ المغاربة بطريقة مغايرة متميّزة عن المشارقة لأنّ القرءان وصلنا بنفس الكيفيّة أي بالأداء المنقول بالتسلسل وبالنقول المكتوبة في السطور سواء كانت مغربية أو مشرقية ، كلّ بحسب ما تلقاه عن شيوخه حتّى تشعبّت الروايات والطرق والمصادر ، فاحتاجت جميعاً إلى التمييز والتحرير فلا فرق بين طريقة المغاربة والمشارقة في التمييز بين الطرق والمصادر وإلحاق كلّ وجه إلى مصدره وطريقه.
بدليل أنّ الشاطبية قصيدة مغربيّة وصاحبها إمام من أئمّة المغاربة ومع ذلك أخضعها صاحب النشر إلى التحرير على طريقته وحكم على بعض أوجهها القليلة أنّها ليست من طرقها. أقول : فإن أخضعت قصيدة الإمام الشاطبي إلى التحرير على طريقة المشارقة إن سلمنا ذلك وهي مغربيّة فلماذا لا تخضع قصيدة ابن برّي إلى ذلك أيضاً.

وأمّا إن كان للمغاربة طريقة خاصّة في التحريرات كما تفضّل الشيخ فأناشده أن يوضّح لي هذه الطريقة وكيف يحصل التعارض والتناقض من جهة بناء الفروع على الأصول. المقام ليس مقام فلسفة بل المقام يحتاج إلى أمثلة ملموسة تُبيّن طرقة المغاربة في التحرير وتنتقد طريقة المشارقة وهذا كلّه على التسليم بوجود طريقتين في التحرير. وإنّي أخشى أن يُقال أنّ طريقة المغاربة هو الخلط بين الطرق وعدم التمييز بينها إذ ذاك لا يُسمّى تحريراً البتّة.

أمّا كتاب إتحاف البريّة فوالله ما اطلعت على الكتاب مطالعة متأنّية منذ سنوات وإنّما عمدتي في التحريرات على كتاب النشر وتقريبه وبدائع البرهان والروض وكتاب الائتلاف ليوسف زادة وكتب الضباع وغيرهم.

وأنا لا أتوجّه بكلامي هذا إلى شيخنا الفاضل لأنّه إن أجاب فسيجيبني على الخاص ، وإنّما أتوجّه بكلامي هذا إلى من وافقه على اعتراضه لأستفيد من جميع الأطراف.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين
 
باب هاء الضمير

باب هاء الضمير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم

قال الناظم :
وصلْ بطه الها لهُ من يأتهِ *** على خلافٍ فيه عن رُواتِهِ

أي صل لقالون الهاء من {يأته مؤمناً} في طه على خلاف عنه ، أي اقرأ له بالوجهين. قال في التيسير : "قالون بخلاف عنه {ومن يأته مؤمناً} باختلاس كسرة الهاء في الوصل." (التيسير ص364). وقال في كتاب رواية أبي نشيط على ما نقله عنه المنتوري : "واختُلِف علينا في صلة الهاء وترك صلتها في قوله تعالى {ومن يأته مؤمنا} فأقرأني في ذلك أبو الفتح بالصلة وأقرأنيه أبو الحسن بالختلاس."(شرح الدرر 1/158).

فنقله للوجهين في التيسير خروج عن الطريق لأنّ طريق التيسير هو من قراءة الداني على أبي الفتح ولم يقرأ الداني على أبي الفتح إلاّ بالصلة ، وبالتالي يكون وجه القصر خارجاً من طريق التيسير وليس خارجاً من مرويّات الداني لأنّه قرأ به على أبي الحسن.

فنخلص مما سبق أنّ الوجهين صحيحان عن الداني وأنّه إن قُرئ من طريق التيسير وجب الاقتصار على وجه الصلة والعلم عند الله تعالى.
 
سيدي محمد يحيى شريف الجزائري، قد قلنا لكم سابقا بأن المحرر لا يحرر لكنكم رأيتم ذلك منا خطئا وخلطا، وأصررتم على أن النقول الكثيرة من مختلف كتب الحافظ التي تبرع بها المنتوري في شرح الدرر لا تكون طريقا واحدا للداني بل طرقا ثلاثة للداني على عدة مشايخه في الأداء. وأرى انكم أيضا حتى في هذه تفرقون بين قراءته وبين روايته وحكايته، وتعتبرون الاختيار ملغيا للثابت، على خلاف موقفكم تماما من ابن الجزري، وهو شيء غير حميد في تناول هذه الأمور. وما ذلك إلا لأنكم تريدون، هنا، تحرير المحرر.
خذ مثلا نقلكم عن المنتوري:
قال الداني في إيجاز البيان : ولأهل الأداء في مذهب من ترك التسمية مذهبان : أحدهما : أن توصل السورة بالسورة ، ويُبيّن إعرابها من غير سكت بين السورتين ، لعلْم الناس بانقضاء السور وابتدائهنّ ، وهذا مذهب رُوي لنا عن ابن مجاهد ، وغيره من أهل الأداء. المذهب الآخر : أن يسكت بينهما سكتة لطيفة من غير قطع ، ليؤذن بذلك بانقضاء السور وابتدائهنّ ، فيكون ذلك عوضاً من الفصل بينهنّ ، وعلى هذا أكثر شيوخنا ، والجلّة من المتصدّرين ذلك."(شرح الدرر للمنتوري 1/105).
حملكم قوله: "وهذا مذهب روي لنا عن ابن مجاهد وغيره من أهل الأداء" على ترك الأقل في قوله: "وعلى ذلك أكثر شيوخنا والجلة من المتصدرين".
على أنه إلى الآن لم يحصل تحرير، وإنما ألغيتم البسملة مع أنها - في السنغال - لا ترد عليه، لأن شيوخنا يعتبرون البيت الثاني بدلا من [الوجهان] أو تفصيلا لكلمة [الوجهان] ولا يبنون ال العهدية هنا على ما سبق لقالون، بل على ما علم من الداني. يكون المعنى: بسمل قالون بين السورتين، ولورش بينهما وجهان، هما: الوصل والسكت، والسكت هو المختار. أما اقتصار ابن الجزري في نقله عن الداني على السكت فلا يمحو الثابت أبدا.
وألغيتم الوصل بين السورتين بدون دليل، وتكلمتم كثيرا حول قصر وصلة {من يأته} فوجدتم الناظم ملتزما بما رواه الداني، فانتهى أمركم إلى نسبة الصلة لأبي الفتح والقصر لأبي الحسن، مع أن الأمر الآن ليس أبا الفتح وأبا الحسن بل الداني فقط. راجع مقدمة الناظم !
 
تريدون تحرير المحرر.
إن كنت تعتبر أنّ القصيدة هي محررة. فلا تعليق لي وأفضل أثبات ذلك عمليا إثناء تحريري للقصيدة.

تأخذون بكلام مشايخ السنغال وتتركون الشروح المعتبرة وقول ابن الجزري في أهمال وجه الوصل. منهجيّة غير منضبطة.

شيخنا الفاضل : دعني أواصل وستغيّر رأيك إن شاء الله تعالى.
إنّ قضيّة إهمال الوصل من طريق الداني كان من باب الأخذ بالعزيمة إذ لم أنكر ثبوت وجه الوصل عن الداني . إذ يُحتمل أن يكون قد قرأ به على أحد الشيوغ الثلاثة ، وهذا الاحتمال جعلني أهمله آخذاً بالعزيمة لا سيما وأنّ الداني قد اختار السكت في الإقراء وهذا يعني أنّ الأداء من طريقه لم يكن إلاّ به ، ويؤكد ذلك أنّ ابن الجزريّ اقتصر عليه من طريق الداني. وطرق ابن الجزري هي هي طرق المنظومة.

وعليه يكون الاقتصار على السكت من باب العزيمة.
 
إنّ قضيّة إهمال الوصل من طريق الداني كان من باب الأخذ بالعزيمة إذ لم أنكر ثبوت وجه الوصل عن الداني . إذ يُحتمل أن يكون قد قرأ به على أحد الشيوغ الثلاثة ، وهذا الاحتمال جعلني أهمله آخذاً بالعزيمة لا سيما وأنّ الداني قد اختار السكت في الإقراء وهذا يعني أنّ الأداء من طريقه لم يكن إلاّ به ، ويؤكد ذلك أنّ ابن الجزريّ اقتصر عليه من طريق الداني. وطرق ابن الجزري هي هي طرق المنظومة
نحن لا نملك إلا أن نعطيكم الفرصة لأسباب، أهمها أننا لانستطيع أن نمنعكم من كتابة ما تريدون، كما لا نملك إلا أن نعطيكم النصيحة بصفتكم أحد الذين اهتموا بالقرآن وأنفقوا فيه أوقاتا كثيرة قراءة ونظرا، فصرف جهودكم إلى ما ينفع أفضل من تحصيل حاصل حصيل محصّل. بإمكانكم أن تستمروا، وبإمكاننا تنبيهكم إلى أنه، لحد الآن، حدث منكم شيئان حيال الدرر: إهمال الثابت في الوصل بين السورتين، وتحصيل الحاصل في قصر وصلة {من يأته} بطه. أهذا هو التحرير ؟
نكرر بأن قصد ابن بري بـ"طريق الداني" هو ما يقابل طريقي ابن شريح ومكي ابن أبي طالب، اي ما قرأه الناظم على ابن حمدون من طريق الداني هذا، ولا يلزمه طريق غير طريق الداني، ولا يلزمه من طريق الداني إلا ما قرأه على ابن حمدون، بغض النظر عن مصدر الداني في ذلك، وذلك عند قوله:
[poem=]حَسَبَمَا قَرَأْتُ بِالْجَمِيعِ=عَنِ ابْنِ حَمْدُونَ أَبِي الرَّبِيعِ
[/poem]ولتحرير القصيدة لا بد من معرفة ما قرأه الناظم على ابن حمدون أبي الربيع من طريق الداني، ودون ذلك غزو أفغانستان.
وبعيدا عن الشغب لنا سؤال حول منهجكم: ما المأخوذ به ؟ الثابث كله مع تقديم المختار أم فقط المختار من الثابت ؟
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَيكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ}
 
حتّى لو سلّمت لكم جدلاً شيخنا الفاضل أنّ مراد الناظم بطريق الداني هو ما يقابل طريق ابن شريح وطريق مكي القيسي. ولكن أليس من التحرير والتدقيق أن نتعرّف على :

- طرق طريق الداني ؟

- ما يختصّ به كلّ طريق من هذه الطريق ؟

- ما أهمله الناظم من هذه الطرق ؟

- ما زاد عليها ؟

أسألك سؤال شيخنا الفاضل ؟ هذه الأسئلة التي طرحتها عليك أهي مهمّة عندك أم لا ؟ أهو تحرير أم لا.

شيخنا الفاضل أجبني على هذا السؤال وهو : إنّ كان هذا النظم يتضمّن قراءة الناظم على شيخه ابن حمدون عن الداني. فإن قرأ الناظم بقصر البدل فتكون روايته عن ابن حمدون عن شيوخه في الإسناد عن الداني عن أبي الحسن ابن غلبون وهذا يقتضي إعمال هذه الرواية في جميع الأحكام وإلاّ لصار تلفيقاً وهو لا يجوز على سبيل الرواية.
وإن قرأ بتوسط البدل بالرواية عن شيخه ابن حمدون عن شيوخه عن الداني فإمّا أن تكون الرواية من قراءة الداني على ابن خاقان أو على فارس ابن أحمد أو من قراءته عليهما جميعاً. ومن تأمّل مضمون النظم يجد مقتضاه مخلوطاً بين قراءة الداني على مشايخه الثلاثة وهذا تلفيق لا يجوز على سبيل الرواية.

وبالتالي فإمّا أن تسلك مسلك المحرّرين في معاملة هذه المنظومة كغيرها وإمّا أن تأخذ بظاهر النظم فتكون بذلك مجيزاً للخلط بين الطرق على سبيل الرواية.

لو افترضنا أنّ لك سنداً بقراءة الإمام نافع من طريق الدرر اللوامع فهل يجوز لك أن تقرأ بقصر البدل مع االتوسط في {كهيئة} و {سَوْء} ؟ فإن قلت هو صحيح لأنّ الناظم قد قرأ به على شيخه ابن حمدون عن الداني بإسناده. أجيبك بأنّ الداني لم يقرأ بقصر البدل إلاّ على أبي الحسن ومذهب أبي الحسن في نحو {كهيئة} و {سَوْء} هو القصر وبه قرأ الداني عليه. أقول فإن صحّ من قراءة الناظم على شيخه فإنّه لا يصحّ ذلك عن الداني رواية لأنّ قصر البدل هو من قراءته على أبي الحسن والتوسط في نحو {كهيئة} من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد ، وبالتالي فلا يصحّ هذا الوجه من طريق هذا النظم فيجب إهماله على سبيل الرواية.
شيخنا الفاضل هذه أدلّة ملموسة واضحة لا يمكنك أن تتفلسف فيها مهما كان أسلوبك راقياً لا يفهمه مثلي.

شيخنا الفاضل طرق الداني معروفة ومعلومة وقراءة الداني على كلّ من مشايخه معلوم ومعروف في الجملة فلماذا لا تريد تحرير هذا النظم ؟ وقد حرّر ابن الجزريّ الشاطبية ونحن قبلنا بهذه التحريرات مع جهلنا بمصادرها ، فلماذا لا تريد أن نحرّر ما عُلم مصدره وطرقه. الجواب لأنّ الأوّل ابن الجزريّ والثاني محمد يحيى شريف وهذا غير مقبول وغير معقول عند شيخنا أبي الحسن. وغير مقبول أن يرد محمد يحيى شريف على العلامة المتولي في مسالة {آلئن} ، وشيخنا الفاضل لا يحبّ الجديد لا سيما من محمد يحيى شريف.

شيخنا لست أسيء الظنّ ولكن تجربتي في الحوارات علمتني الكثير.

سؤال أخير لشيخنا الفاضل : لوكان نظم الدرر اللوامع من مصادر النشر لنافع أيُعامله ابن الجزري معاملة الشاطبية أم سيأخذ بظاهر النظم. وهذا سؤال موجّه لمن يُدرك منهجيّة ابن الجزريّ في العزو.

وفي الأخير أشكر شيخنا الفاضل على النصحية.[FONT=&quot]

[/FONT]
 
في مشاركة لي سابقة قلت بأن من الممكن أن يخطئ الناظم أو يجمل أو يزيد أو ينقص وعلاج ذلك لا يسمى تحريرا بل تصويبا أو تفصيلا أو تنبيها أو استدراكا، وعملكم الجميل هذا شامل لهذا كله ولكم الشكر الجزيل. وإنما اعترضنا عليكم تسمية هذا بالتحريرات. إنها ليست تحريرات ولو سميتها تحريرات. تسميتك الرجل الأمي بالدكتور لن يدكتره أبدا. أظن العبارة واضحة وخالية من الاستفزاز.
أما معادلتا:
قصر البدل = أبا الحسن.
توسط البدل = أبا الفتح أو ابن خاقان.
فمعادلتان بدون مجهول، يحلهما أبلد طلاب فصل ابتدائي عشوائي، في مدرسة غير مرخصة لها بمزاولة التعليم، يقوم عليها سيئ التغذية علميا، في بوادي بوتسوانا.
لا تسلموا لي "جدلا"، بل سلموا لي واقعا بأن طريق الداني في منظومة الدرر يقابل طريقي مكي وابن شريح، والناظم قد حدد طريق الداني بقراءته على ابن حمدون، وطريق الداني شامل لقراءاته الثلاث على مشايحه الثلاثة، لكن من قال بأن ابن حمدون أقرأ ابن بري بالكل أو بمختاره أو بالسائد عنده ؟
وإذا كان ابن بري بهذا القدر من الاتقان والقبول عند ذوي الفن، فلا شك أنه بشر يخطئ، لكنه أودع منظومته قراءته على شيخه المذكور وشكرا له مع التصفيق الحار. وتحرير ذلك يعني أن كلامه غير صحيح، ومن هنا قلنا لكم إن المحرر لا يحرر، ليس [لا يجوز] بل [لا يمكن].
في حوار سابق من تحريراتكم الممتعة حول طرق الأزرق أبحت لكم - جادّاً - نقض أية جزئية خارجة عن الرواية من ابن الجزري أو الإزميري أو المتولي أو غيرهم، وعليه فإن الإنكار على الشيخ العلامة محمد يحيى شريف الجزائري وارد وجدا.
هل نسيتم بأني من أتباع الإزميري، المتهم، بل المدان - في محكمة جكنية - بجريمة معاداة النشر وزعزعة أمن الطرق العام ؟
حرر ابن الجزري الشاطبية ؟ فنعم التحرير وحسُنَ الفعل، وما ذلك إلا لأنه ممكن، أما تحرير الدرر فغير ممكن.
أنا الأن بصدد تقدير قيمة الجائزة التي أرصدها لكم لو حررتم المحرر اي لو قمتم بالمستحيل. ساعدوني في التقدير، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه !
 
شيخنا الفاضل أليس التحرير هو عزو كلّ وجه إلى طريقه. وهل الطريق ينتهي إلى الداني دون الاعتبار بطرقه. إن قال الناظم سلكت في ذاك طريق الداني فما معناه ؟ إذ ذلك لا يخلو من شيئين. أمّا أنّه يقصد طريقاً من طرق الداني أو أنّه يقصد جميع طرق الداني. فإن قصد طريقاً واحداً فإنّ الناظم قد خرج من ذاك الطريق لأنّ نظمه يتضمّن أكثر من طريق وبيان تلك الزيادات يُعدّ من التحريرات. وإمّا إن يقصد جميع الطرق فإنّ الناظم في هذه الحالة قد أهمل الكثير من الأوجه ، والاستدراك عليه يكون من التحريرات أيضاً.
والناظم هو ناقل للرواية وليس مصدراً لها ، والنقلُ عن الداني من طريق الأزرق لا تكون إلاّ من ثلاث طرق لا رابع لها. وهذه الطرق مستقلّة من حيث الرواية ، وحقّ الراوي اللالتزام بها كلّ رواية على حدة ، ولا يجوز له أن يخلط بينها على سبيل الرواية ، وهذا أصل من أصول الرواية لا يجوز مخالفته بأيّ وجه لأنّك لو أدخلت في رواية ما بعض الأوجه التي ليست منها فهو تدليس وكذب. فطريق الداني إمّا أن يكون من روايته على أبي الحسن أو ابن خاقان أو فارس ابن أحمد. فإن كان إسناد الناظم عن الداني من قراءته على ابن خاقان فيجب عليه أن لا يذكر إلاّ ما ورد من هذا الطريق. لأنّ إسناد الداني ليس معلّقاً بل هو مرتبط بقراءته على مشايخه الثلاثة.
وهذه الأصول المتعلّقة بالرواية ليست خاصّة بطرق النشر والشاطبية بل هي عامّة لجميع أيّ طريق مصدره طرقٌ أخرى.

شيخنا الفاضل لو قلنا أنّ طرق الداني هي في حدّ ذاتها طريق واحد بالنسبة لطريق ابن شريح ومكي القيسي لقلنا أنّ طريق أبي نشيط عن قالون هو طريق واحد فيجوز أن نخلط بين الطرق التي تشعبت عنه ، وهذا يقال للحلواني عن قالون ، والأزرق عن ورش والأصبهاني عن ورش. بل يمكن أن يقال ذلك في الرواة بل وفي القراء العشرة لأنّ كلّ من هؤلاء إلاّ وله طرق متشعّبة عنه. فإن قلنا بجواز الخلط بين طرق الداني لقلنا بجوازه في طرق الأزرق وفي طرق رواية ورش وفي روايات قراءة نافع.
وللأسف فإنّ شيخنا الفاضل لم يتفطن إلى خطورة ما يقوله لأنّه لا ينظر إلى أبعد من رأس أنفه إذ إنّه يهدم علم التحريرات من أساسه من حيث لا يشعر.
التحريرات منهجيّة عامّة يخضع لها كلّ رواية تحتوي على مصدر أو أكثر إذ القراءة سنّة متّبعة والإسناد يقتضي هذه المنهجيّة ويُلزمها. ومادام أنّ هذه المنظومة هي للرواية وجب إخضاعها لمنهج التحرير.

أكتفي بهذا القدر.
 
الناظم لم يسلك طريق الداني، على نحو ما ذهبتم إليه، بل ما قرأه على ابن حمدون من طريق الداني. وعليه فإلزامه بالتزام طريق غير وارد. أمامكم احتمالان:
الأول: أنه التزم طريق الداني بطرقه الثلاثة، وعليه فقد قصَّرَ.
الثاني: التزم بطريق واحد، وعليه فقد خَلَطَ.
والصحيح أنه لم يلتزم إلا قراءته على ابن حمدون أبي الربيع بغض النظر عن طريق ورود ذلك للداني.
ولأنكم، يا شيخ محمد يحيى شريف الجزائري، لم تروني تقولون: "وللأسف فإنّ شيخنا الفاضل لم يتفطن إلى خطورة ما يقوله لأنّه لا ينظر إلى أبعد من رأس أنفه" أفيدكم بأني كعامة الأفارقة الزنوج أفطس، وليس من زينتي الشمم.
 
أما الاقتصار على وجه السكت فهو يظهر من قول الناظم :

واسكت يسيراً تحظ بالصواب****أو صل له مبيّن الإعراب

فالذي يظهر من النظم أنّ الاقتصار على السكت هو الصواب وهذا ليس انفراد منّي بل هو تفسير المجاصي تلميذ الناظم وهذا دليل يضاف إلى الأدلّة الأخرى : اختيار الداني للسكت ، واقتصار صاحب النشر له من طريق الداني.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

باب المدود – المتصل والمنفصل-

قال الناظم :
فنافع يُشبِعُ مدّ هُنَّهْ **** للساكن اللازم بعدهنّهْ
كمثل مَحيَايَ مُسَكّناً وما **** جاء كحاد والدوابِ مُدغَماَ
أو همزٍ لِبُعدها والثقلِ **** والخلفُ عن قالونَ في المنفصلِ
نحوُ بما أنزل أو ما أُخفِي **** لعدم الهمزةِ حال الوقف.

ذكر الناظم في البيتين الأوّلين الإشباع في المدّ اللازم ، ثمّ ذكر المدّ المتصل والمنفصل بقوله : "أو همزٍ" أي وكذلك إذا وقع بعدهنّ همزفينبغي الإشباع أيضاً لأنّ الناظم لم يُفرّق بين ما وقع السكون فيه بعد حروف المد واللين وبين ما وقع فيه الهمز بعدهنّ فسوّى بين الجنسين في المرتبة ثمّ ذكر الخلاف في المدّ المنفصل لقالون فأجاز له فيه القصر زيادة على الإشباع. فالحاصل من كلام الناظم أنّ مقدار المد اللازم والمتصل والمنفصل لنافع هو الإشباع ، وفي المدّ المنفصل القصر والإشباع جميعاً لقالون.

وماذكره الناظم من إشباع المدّ المتصل والمنفصل لقالون هو خلاف مذهب الداني في مقدار المد المزيدي في الضربين لأنّ مذهبه في ذلك هو فويق القصر. قال الداني في كتابه التيسير : "وأطولهم مداً في الضربين جميعاً : ورش وحمزة ، ودونهما عاصم ، ودونه ابن عامر والكسائي ، ودوتهما أبو عمرو من طريق أهل العراق ، وقالون من طريق أبي نشيط ، بخلاف عنه."(التيسير 1/147). وقال : "فإن كانت الهمزة أول كلمة ، وحرف المد آخر كلمة أخرى فإنهم يختلفون في زيادة التمكين لحروف المد هناك : فابن كثير وقالون بخلاف عنه ، وأبو شعيب وغيره عن اليزيدي يقصرون حرف المد فلا يزيدونه تمكيناً على ما فيه من المد الذي لا يزثل إليه إلاّ به. وذلك نحو قوله : {بمآ أنزل إليك وما أنزل من قبلك}...."(التيسير ص146).وقال المنتوري نقلاً عن الداني : "وقال –أي الداني- في كتاب رواية أبي نشيط : "وأما إذا انفصلن عنهنّ في كلمتين ، فاختُلف علينا في زيادة التمكين لحروف المدّ واللين في ذلك ، فأقرأني أبو الفتح عن قراءته بغير زيادة لتمكينهنّ ، سِوى التمكين الذي لا يوصل إليهنّ إلاّ به. وأقرأني أبو الحسن عن قراءته بزيادة التمكين لهنّ ، كالزيادة لهنّ في حال اتصالهنّ بالهمزات في كلمة سواء ، من غير تمييز."(شرح الدرر 1/179).
وقال أبو الحسن طاهر ابن غلبون بعد ما ذكر أصحاب القصر في المد المنفصل : "وقرأ الباقون وقالون في رواية أبي نشيط وأبو عمرو في رواية الدوري ، بمد حروف المد واللين هذه ، إذا وقعن قبل الهمزة في هذين الضربين حيث وقعاً مداً واحداً مشبعاً ، غير أنّهم يتفاضلون في المدّ : فأشبعهم مداً ورش وحمزة ، ثم عاصم دون مدهما قليلاً ثم ابن عامر والكسائي دون مد عاصم قليلاً ثم قالون وأبو عمرو دون مد ابن عامر والكسائي قليلاً."(التذكرة 1/107).
وقال ابن الجزري : عند ذكره للمرتبة الثانية وهي فوق القصر قليلاً : " وهي في المنفصل عند صاحب التيسير لأبي عمرو من رواية الدوري وذلك قراءته على أبي الحسن وأبي القاسم الفارسي. ولقالون بخلاف عنه فيه. وبهذه المرتبة قرأ على أبي الحسن من طريق أبي نشيط ..."(النشر 1/222). وقال عند ذكره لمرتبة القصر لقالون : "وهو أحد الوجهين في التيسير والشاطبية وبه قرأ الداني على أبي الفتح فارس ابن أحمد."(النشر 1/321).

فالذي
يظهر من الأقوال المنقولة أنّ المدّ المتصل لقالون من طريق أبي نشيط هو فويق القصر أي ألف ونصف بمعنى ثلاث حركات ، وأمّا المدّ المنفصل فجاز فيه القصر وفويقه. فالقصر هو من قراءة الداني على أبي الفتح (طريق التيسير) ، وفويق القصر هو من قراءته على أبي الحسن بن غلبون ، وهذا على مذهب من أخذ بالمراتب الخمسة في المنفصل أي القصر وفويقه والتوسط وفويقه والإشباع ، وبالمراتب الأربعة في المتصل أي فويق القصر والتوسط وفويق التوسط والإشباع وهو مذهب الداني الذي لا يجوز العدول عنه إلاّ لمن أخذ بالمرتبتين في المتصل وبالمراتب الثلاثة في المنفصل فيكون حينئذ مقدار المدّ المتصل لقالون على هذا المذهب هو التوسط وفي المنفصل القصر والتوسط جميعاً كما هو صنيع الإمام الشاطبيّ عليه رحمة الله وغيره لقول الداني في التيسير : "وهذا كلّه على التقريب من غير إفراط." (التيسير ص147) ، وقوله في جامع البيان : "بل كلّ ذلك قريب بعضه من بعض ، والمشافهة توضّح حقيقته والحكاية تبيّن كيفيّته."(جامع البيان ص187). وقال ابن الجزريّ : "ولا يخفى ما فيها من الاختلاف الشديد في تفاوت المراتب وأنه ما من مرتبة ذكرت لشخص من القراء إلا وذكر له ما يليها وكل ذلك يدل على شدة قرب كل مرتبة ما يليها وإن مثل هذا التفاوت لا يكاد ينضبط. والمنضبط من ذلك غالباً هو القصر المحض والمد المشبع من غير إفراط عرفاً. والتوسط بين ذلك. وهذه المراتب تجري في المنفصل ويجري منها في المتصل الاثنان الأخيران وهما الإشباع والتوسط يستوي في معرفة ذلك أكثر الناس ويشترك في ضبطه غالبيتهم وتحكم المشافهة حقيقته ويبين الأداء كيفيته ولا يكاد تخفى معرفته على أحد وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من أئمتنا قديماً وحديثاً وهو الذي اعتمده الإمام أبو بكر بن مجاهد وأبو القاسم الطرسوسي وصاحبه أبو الطاهر ابن خلف وبه كان يأخذ الإمام أبو القاسم الشاطبي. ولذلك لم يذكر في قصيدته في الضربين تفاوتاً ولا نبه عليه بل جعل ذلك مما تحكمه المشافهه في الأداء وبه أيضاً كان يأخذ الأستاذ أبو الجود غياث بن فارس وهو اختيار الأستاذ المحقق أبي عبد الله محمد بن القصاع الدمشقي وقال هذا الذي ينبغي أن يؤخذ به ولا يكاد يتحقق غيره (قلت) وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالباً وأعول عليه.."(النشر 1/333).

أما ما جنح إليه الناظم من تطويل المتصل والمنفصل لقالون إلى مرتبة الإشباع فغير صحيح لأنّه خلاف المذهبين المذكورين آنفاً لأنّ مذهب الداني لقالون هو فويق القصر وهذه المرتبة قابلة للارتقاء إلى التوسط على مذهب من أخذ بالمرتبتين في المتصل كالشاطبي وغيره ولا يجوز أن ترتقي إلى الإشباع لأنّ ذلك مخالف للمذهبين الذي جرى عليهما العمل وخلاف الروية الثابتة من طريق الداني.

وعلى ما سبق نخلصّ إلى صحّة الوجهين لقالون في المدّ المنفصل كما ذكر الناظم على كلّ من المذهبين في تقدير مراتب المدود ، أي القصر والتوسط على مذهب من أخذ بالمرتب الثلاثة في المنفصل كالشاطبي ، أو القصر وفويقه على مذهب من أخذ بالمراتب الخمسة كالداني. وأمّا المدّ المتصل فيكون بالتوسط لمن أخذ بالمرتبتين كالشاطبي أو بفويق القصر لمن أخذ بالمراتب الأربعة كالداني. وأمّا الإشباع في النوعين على ما ذكر الناظم فلا يصحّ من طريق هذا النظم لقالون.

والعلم عند الله تعالى.
 
وماذكره الناظم من إشباع المدّ المتصل والمنفصل لقالون هو خلاف مذهب الداني في مقدار المد المزيدي في الضربين
سيدي محمد يحيى شريف الجزائري، حفظكم الله ورعاكم.
كنت كتبت أكثر مما يلي ولكني فضلت اختصاره بقولي: إن نظم الدرر لم يتعرض لمقادير المدود، وإنما تعرض لمطلق الزيادة على الطبيعي فقط، راجع الفجر الساطع لسيدنا ومولانا أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي الفاسي
 
كنت كتبت أكثر مما يلي ولكني فضلت اختصاره بقولي: إن نظم الدرر لم يتعرض لمقادير المدود، وإنما تعرض لمطلق الزيادة على الطبيعي فقط، راجع الفجر الساطع لسيدنا ومولانا أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي الفاسي
جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل.
لا أعتقد أنكم ستخالفونني لوقلت لكم أنّ كلام الناظم يحتاج إلى توضيح وتبيين ، وكان اللأولى عليه أن يتعرّض إلى مراتب المدود كما فعل الداني والشاطبي وابن الجزري وغيرهم من متقدّميه ومتأخّريه.
 
نعم لم يذكر الشاطبي المقادير ولكنّ صاحب النشر وغيره ذكروا له المراتب الثلاثة : القصر والتوسط والطول ، وهذا ما فعلته بالنسبة لمنظومة ابن بري ، فالأمر واضح ، والفعل محمود فلا أرى السبب في اعتراضكم على صنيعي هذا.
 
لم أعترض على صنيعه، حاشا وكلاّ ! إنما اعترضت على اعتراضكم عليه. وإذا كان صنيعه محمودا فلما الاعتراض عليه بقولكم
وأمّا الإشباع في النوعين على ما ذكر الناظم فلا يصحّ من طريق هذا النظم لقالون.
مع أنه لم يتعرض لما نسبتم إليه ؟
 
المشكلة تكمل في أنّه لم يتعرّض إلى مقادير المدود وهذا يُفهم منه أنّه سوّى بين اللازم والمتصل والمنفصل لقالون. وهذا الذي فهمه الشراح كالخرّاز والمنتوري وغيرهما خلافاً للمارغني. فكان لزاماً عليّ التنبيه على هذه المسألة حتّي لا يُفهم من كلام الناظم التسوية في مقادير المدود لقالون في الأجناس الثلاثة.
 
باب مدّ البدل

باب مدّ البدل

[FONT=&quot]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.[/FONT]

باب : مدّ البدل

قال الناظم :
وبعدها ثبتت أو تغيّرت *** فاقصر وعن ورش توسط ثبت

قوله : بعدها أي إذا وقعت الحروف المدية الثلاثة بعد الهمزة خلافا ًللمد المتصل والمنفصل. ثبتت أي كانت الهمزة فيه محققة نحو {ءامنوا} و {جاءوا} أو تغيّرت أي تغيّرت بالتسهيل والنقل والإبدال ، فاقصر لورش وقالون مع جواز التوسط لورش.

فأمّا القصر فهو من قراءة الداني على أبي الحسن ابن غلبون. قال الداني : "وقرأت على أبي الحسن بن غلبون في روايته بالإسناد المتقدّم بغير زيادة تمكين لحرف فيما تقدّم سألته عن زيادة التمكين ، وإشباع المدّ فأنكره بعد جوازه."(جامع البيان ص194).
قال أبو الحسن بن غلبون في التذكرة : "لأنّ إشباع المد في هذا كلّه مضغ ولوك وانتهار وتشديد وليس بأفصح اللغات وأمضاها..."(التذكرة 1/108). وهذا المنع لا يختصّ بالإشباع فقط بل يختصّ بالتوسط أيضاً. قال الداني : "سألته عن زيادة التمكين ، وإشباع المدّ فأنكره بعد جوازه."(جامع البيان ص194). قال الشاطبيّ : (وعاداً الاولى وابن غلبون طاهر*** بقصر جميع الباب قال وقوّلا).

وأمّا التوسط فهو من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد وهو ظاهر التيسير بقوله :
"فان أهل الأداء من مشيخة المصريين الآخذين برواية أبي يعقوب عن ورش يزيدون في تمكين حرف المد في ذلك زيادة متوسطة على مقدار التحقيق." قال المالقي في شرحه على التيسير : "ومنهم من أخذ فيه بتمكين وسط وهو دون المدّ الذي قبل الهمزة وهو مذهبه في التيسير وغيره وقراءته على أبي القاسم –أي ابن خاقان- وأبي الفتح."(الدر النثير ص333). قال الجعبريّ : "ولم يذكر في التيسير إلاّ هذا حيث قال : زيادة متوسطة."(كنز المعاني 2/351). وقال ابن القاصح : "ولم يذكر في التيسير غير هذا ، حيث قال زيادة متوسّطة."(سراج القارئ ص35).وقال الفاسي : (ووسطه قوم) يعني لورش أيضاً وهو الذي ذكره صاحب التيسير."(اللآلئ الفريدة 1/227).وقال أبو شامة : "ولم يذكر صاحب التيسير غبره."(إبراز المعاني ص117). وقال أبو العباس الحلبي نحوه في العقد النضيد ، وذكر له التوسط السخاوي أيضاً في فتح الوصيد. قال ابن عبد المؤمن الواسطي : "وأخذ له قوم بالتوسط وممن جزم به الداني.."(الكنز 1/276). ولم ينقل ابن الجزريّ عن الداني من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد إلاّ التوسط كما يظهر في النشر حيث نقل القصر عنه من قراءته على أبي الحسن والتمكين من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد وخصّ التمكين بالتوسط لا غير.

وقد نقل بعض المتأخرين الطول عن الداني من طريق جامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح ، وهو القسطلاني في لطائف الإشارات. قال الأزميري في بدائع البرهان : " وهو –أي الطول- مذهب فارس بن أحمد على ما في لطائف الإشارات ، وكذا يظهر من جامع البيان.". قال المتولي : "وبه قرأ الداني على أبي الفتح وابن خاقان على ما في اللطائف ويظهر من جامع البيان على ما في البدائع."(الروض ص234). أقول : الظاهر من كلام الأزميري أنّ الطول هو من قراءة الداني على أبي الفتح فارس ابن أحمد دون ابن خاقان والدليل على ذلك أنّ الشيخ سلطان المزاحي وهو من شيوخ شيوخ الأزميري خصّ مرتبة الطول بقراءة الداني على أبي الفتح كما يظهر في رسالته المشهورة فيكون الأزميري متبعاً للشيخ سلطان. وسبب تخصصيهم الطول للداني من طريق أبي الفتح دون ابن خاقان لانّ عبارة الداني في التيسير صريحة على التوسط وطريق التيسير هو نفسه طريق ابن خاقان فلم يبق للطول مجال إلاّ من طريق أبي الفتح.
واستدلّ هؤلاء على طول البدل بقول الداني في جامع البيان : "فروى أصحاب أبي يعقوب الأزرق عنه أداءً تمكينهنّ تمكيناً وسطاً بزيادة يسيرة ، وهي كالزيادة التي تزيدها من هذا الطريق في تمطيطهنّ مع تأخّر الهمزة في المتصل والمنفصل مطابقة لمذهبه في التحقيق وتحكمها المشافهة."(جامع البيان ص193).ففهموا من هذا النصّ أنّ تمكين البدل عند الداني هو كتمكينه عند تأخّر الهمزة عن المدّ في المتصل والمنفصل. وهذا الفهم غير سديد لأنّ الداني تحدّث عن الزيادة ولم يتحدّث عن المد ، فذكر في التيسير الزيادة المتوسطة ثمّ فسّرها في جامع البيان بأنّها زيادة يسيرة ثمّ حدّد مقدار تلك الزيادة بأنّها تعدل الزيادة التي تُزاد في المدّ المتصل والمنفصل لورش على مذهبه في التحقيق ، ولا شكّ أنّ هذه الزيادة تقدّر بألف فكذلك تمكين البدل يكون بزيادة ألف إذ لو أراد الإشباع لما قال : "تمكيناً وسطاً بزيادة يسيرة". وقد نقلنا أقوالاً لكثير من الأئمّة نصّوا على أنّ مذهب الداني في التيسير هو التوسط بل حتّى في غير التيسير كما أشار المالقي بقوله : " وهو مذهبه في التيسير وغيره". فلو كان مراد الداني في جامع البيان الإشباع لنصّ على الخلاف في مقدار التمكين ولفرّق بين قراءته على ابن خاقان وبين قراءته على أبي الفتح ولكنّه لم ينقل لا الخلاف في مقدار التمكين ولا التفريق في قراءته على الشيخين ، فدلّ ذلك أنّ مقدار التمكين هو التوسط لا غير وأنّ قراءته على الشيخين هي كذلك. بل أنكر الداني إشباع البدل وهذا الذي حمل الإمام الشاطبيّ على تضعيف طول البدل بقوله : (وقد يُروى لورش مطوّلا) إذ لو كان طول البدل صحيحاً عن الداني لما ضعّفه الشاطبيّ رحمه الله تعالى.

وقد ذهب الإمام القيجاطي ومن تبعه كالمنتوري إلى أنّ الصحيح عن الداني هو الإشباع لا غير وخطّؤوا الآخذين بالتوسط من طريق الداني وغيره مستدلينً بأنّ رواية ورش تقتضي التحقيق والتمطيط ،وأنّه متى وجد السبيل إلى تمطيط حروف المد لم يعدل عن ذلك إلى غيره. وقد نسِي هؤلاء الأئمّة أنّ القصر في البدل صحيح عن الداني من قراءته على أبي الحسن ، وأنّ مقدار التمكين في اللين المهموز في نحو {شيء} هو التوسط مع أنّ رواية ورش تقتضي التحقيق والتمطيط الموجب للإشباع ، ولم يرد الإشباع في نحو {شيء} عن الداني. وقد صحّ التوسط في البدل عن غير الداني كابن بلّيمة والأهوازري والشاطبي والصفراوي ومكي القيسي على غير الراجح. لذا فأنّ توسط البدل صحيح من جهة الرواية عن الداني وغيره ومشهور عند الأئمّة فلا وجه لمنعه بل هو الذي ينبغي أن يُقتصر عليه من طريق الداني عن ابن خاقان وفارس ابن أحمد.

وعليه نخلصّ أنّ القصر والتوسط في البدل ثابتان رواية عن الإمام الداني خلافاً للإشباع وهو الذي أخذ به الناظم عليه رحمة الله تعالى.

والعلم عند الله تعالى
 
إنما خطّأ القيجاطيُّ الدانيَّ نفسَه في شأن تأويل روايته عن المصريين عن ورش بخصوص مد البدل. وقال بأن الرواية لا تحتمل إلا الطول، لكن الداني فسرها ب"زيادة يسيرة" و"متوسطة" وقال ما معناه أنه أحسن الرواية وأساء التأويل.راجع المنتوري والفجر
 
نعم كلامكم صحيح. لذلك قلتُ أنّ القيجاطي خطّأ من أخذ بالتوسط من طريق الداني ،فالمشكلة أنّ القيجاطي خطّأ الداني من جهة التعبير وترتّب عن ذلك تغيير في الأداء مع أنّ الذي تواتر نصاً وأداءً عن الداني هو التوسط ، فأهمل جميع ما نُقل عن الداني في هذه المسألة ولا أعلم واحداً قد سبق القيجاطي إلى هذا القول ، حتّى الذين قالوا بالإشباع من طريقه لم ينكروا التوسط.
وعليه نخلصّ إلى أنّ أهل الأداء اختلفوا عن الداني من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد إلى ثلاثة مذاهب :
الأوّل : التوسط وهو مذهب جمهور الناقلين عن الداني وفي طليعتهم صاحب النشر.
الثاني : التوسط من طريق ابن خاقان والإشباع من طريق أبي الفتح وهو مذهب القسطلاني والشيخ سلطان والأزميري وغيرهم.
الثالث : الإشباع فحسب. وهو مذهب القيجاطي ومن تبعه كالمنتوري.

والصحيح من هذه المذاهب هو الأوّل كما بيّناه آنفاً.

والعلم عند الله تعالى.
 
فالمشكلة أنّ القيجاطي خطّأ الداني من جهة التعبير
في مشاركة نرجو أن تكون الأخيرةَ لعام 1433 نقول للشيخ محمد يحيى شريف الجزائري: كلما كان الكلام واضحا حازما كلما كان مفيدا مريحا.
القيجاطي لم يعترض على الداني من جهة التعبير بل من جهة التفسير. يقول القيجاطي: النص الذي رواه الداني صريح في الطول ولا يوجد ما ينقله إلى التوسط، هذا بغض النظر عما رواه الداني عن ابن خاقان وأبي الفتح رضي الله عنهم. إنه - يصيب أو يخطئ - يناقش رواية الداني المؤسسة للزيادة في مد البدل،من حيث منطوق الرواية وتفسير الداني لها، ويقول بأن منطوق الرواية لا يفيد إلا الطول في البدل لكن الداني فسَّرها تارة بزيادة يسيرة، وتارة بزيادة متوسطة. هذا وأعتقد أن القيجاطي كان يعرف ما روي عن الداني عن أبي الفتح وعن ابن خاقان.
هذه هي المسألة: إنه لا يخطئ من أخذ بالتوسط عن الداني بل يخطّئ الدانيَّ، مصدر التوسط، نفسَه، وكان هذا هو الغرض من تنبيهي السابق.
وأزيد هنا أن قولكم
الثالث : الإشباع فحسب. وهو مذهب القيجاطي ومن تبعه كالمنتوري.
غير محرر، لأن الإشباع الذي عليه القيجاطي ليس هو المروي عن الداني، الإشباع المروي عن الداني مأخوذ من جامع البيان، ومستنبط من قراءته على ابن خاقان، - مع إنكار الداني الشديد للإشباع في مد البدل - والذي عليه القيجاطي مأخوذ من منطوق رواية الداني، وليس من قراءته.
وددنا لو أن الحال تسمح بمناقشة توسط البدل عند الداني وابن بليمة والأهوازي لكن بدا لنا أن نكتفي بهذا القدر في هذه السنة، والعلم عند الله تعالى، كما دأبتم على ختم مشاركاتكم به صادقين.
 
إذا قلنا أنّ القيجاطي خطّأ الداني من جهة التفسير يعني أنّ الداني لم يُحسن التعبير. وإن قلنا أنّه خطّأ الداني في الرواية يعني أنّ الداني أخطأ في نقل الرواية وهذا غريب لأنّه يُستبعد بل يستحيل على إمام مثل الداني أن يُخطي في نقل التوسط عن شيخين اثنين.
لذا فيمكننا الاستغناء عن التلفلسف والتنطّع في العبارات.
بكلّ بساطة لو سألتكم : كيف يُقرئ القيجاطي من طريق الداني لقُلت بالإشباع ، بمعنى أنّه يأخذ بالإشباع من طريقه. وهذا هو المهمّ عندي بغضّ النظر هلّ خطّأ الداني في الرواية أو في التعبير أو التفسير.
فالآخذون عن الداني على ثلاثة اصناف : فمنهم من اقتصر له على التوسط ومنهم من اقتصر له على الطول كالقيجاطي لأنّه يٌقرئ من طريقه به. ومنهم من أخذ له بالوجهين.

لماذا تشير إلى الأُذن اليُمنى باليد اليُسرى ، كان يكفيك أن تشير إليها باليُمنى والسلام. ابتسامة.
 
باب {يواخذ} و {عاداً الاولى} و{آلئن}

باب {يواخذ} و {عاداً الاولى} و{آلئن}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

قال الناظم :
وفي يواخذ الخلاف وقعا *** وعادا الأولى والآن معا

أشار الناظم إلى الخلاف في {يواخذ} حيث ما وقعت وكيف ما جاءت وكذا {عاداً الاولى} في النجم وموضعي {آلئن} في يونس.

أما {يواخذ} فقد نقل المنتوري عن الداني الإجماع على ترك التمكين حيث قال : "أمّا {يواخذ} فلا خلاف في قصره ، نصّ على ذلك الداني في جامع البيان والتلخيص ، وكتاب رواية ورش من طريق المصريّين. وقال في إيجاز البيان : وأجمع أهل الأداء على ترك زيادة التمكين للألف في قوله : {لا يواخذكم} ، و {لاتواخذنا} ، و {لو يواخذ الله} حيث وقع." ثم قال المنتوري : "وإنّما ذكر الناظم –أي ابن بري- في {يواخذ} الخلاف والله أعلم اعتماداً على قول الشاطبيّ في قصيدته : (.....وبعضهم *** يؤاخذكم آلان مستفهماً تلا) فذكر قصر هذا الموضع عن بعضهم ، فدلّ ذلك أنّ فيه خلافاً كالمواضع الأُخر ، وليس فيه خلاف ، بل قصْرُه إجماع كما تقدّم ، ولعلّ الشاطبيّ رحمه الله لمّا رأى الداني لم يذكره في التيسير ، وذكره في غيره ، ظنّ أنّ فيه الخلاف فذكره ، والله أعلم."(شرح الدرر 1/215و216).
وقال ابن الجزريّ : "وقد اتفق أصحاب المد في هذا الباب عن ورش على استثناء كلمة واحدة وأصلين مطردين فالكلمة (يؤاخذ) كيف وقعت نحو: (لا يؤاخذكم الله، لا تؤاخذنا، ولو يؤاخذ الله). نص على استثنائها المهدوي وابن سفيان ومكي وابن شريح وكل من صرح بمد المغير بالبدل. وكون صاحب التيسير لم يذكره في التيسير فإنه اكتفى بذكره في غيره. وكأن الشاطبي رحمه الله ظن بكونه لم يذكره في التيسير أنه داخل في الممدود لورش بمقتضى الإطلاق فقال وبعضهم يؤاخذكم أي وبعض رواة المد قصر يؤاخذ وليس كذلك فإن رواة المد مجمعون على استثناء يؤاخذ فلا خلاف في قصره. قال الداني في إيجازه أجمع أهل الأداء على ترك زيادة التمكين للألف في قوله (لا يؤاخذكم، ولا تؤاخذنا، ولو يؤاخذ) حيث وقع."(النشر 1/340).

وأما {عاداً الاولى} لم يستثنها الداني في التيسير واستثناها في جامع البيان ونقل الخلاف في كتابه : رواية ورش من طريق المصريين. قال الداني في جامع البيان : "إلاّ قوله {لا يواخذكم} و {لا تواخذنا} و {لو يواخذ الله} حيث وقع ، وقوله {آلئن} في الموضعين في يونس ، و {عادا الاولى} في والنجم فإنّه لم يزد في تمكين المدّ في هذه الستّة الأحرف مع عدم الهمز لفظاً..". (جامع البيان ص193). وقد نقل المنتوري عن الداني الخلاف في {عادا الاولى} و {آلئن} فقال : "وقال –أي الداني- في كتاب رواية ورش من طريق المصريين : "وأما قوله {آلئن} في الموضعين و {عادا الاولى} فإنّي آخذ له بزيادة التمكين وتركه."(شرح الدرر 1/218).

ومن هنا يظهر الفرق بين باب {يؤاخذ} وبين {آلئن} و {عادا الاولى} ، ففي {يواخذ} لم ينقل الداني الخلاف فيها وإنّما هو استنباط لمتأخّريه لظاهر التيسير بخلاف {آلئن} و {عادا الاولى} فإنّ الخلاف منقول عن الداني فيهما كما يظهر صريحاً من كلامه.

ففي قوله تعالى : {وأنّه أهلك عاداً الاولى} إلى قوله {فبايّ آلاء ربّك تتمارى} ثلاثة أوجه صحيحة من طريق الداني وهي :
- قصر {عادا الاولى} مع {ءآلاء} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
- قصر {عادا الاولى} مع التوسط في {ءآلاء} من طريق جامع البيان وغيره على وجه استثناء {عادا الاولى}.
- توسطهما من التيسير.

وأما {آلان} فسأفرد لها باباً خاصاً إن شاء الله تعالى.
 
تحرير {آلئن}

تحرير {آلئن}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

وأما {آلان} فإنّها تحتوي على ألفين :

الألف الأولى : وهي همزة الوصل والخلاف فيها عن الداني وغيره يدور بين إبدال همزة الوصل ألفاً أو تسهيلها بين بين. والإبدال يكون مع الإشباع اعتباراً بالأصل أو يكون بالقصر اعتباراً بالحركة العارضة للنقل لمن كان مذهبه النقل. وكذلك اختلفوا فيها من حيث لزوم الإبدال أو جوازه ، فمن رآه لازماً ألحقه بباب {ءامن} إن اعتدّ بالعارض وإلاّ أشبع المدّ تقديماً للأقوى إن اعتدّ بالأصل لأنّ إعمال التوسط والقصر في همزة الوصل المبدلة كان اعتداداً بالعارض بخلاف ما إذا اعتددنا بالأصل وهو سكون اللام قبل النقل للزم الإشباع ولامتنع التوسط والقصر عملاً بأقوى السببين. وأمّا من رأى الإبدال جائزاً أشبع المد وألحقه بباب {آنذرتهم} إن اعتدّ بالأصل ، وإلاّ قصره وألحقه بباب {ءألد}إن اعتدّ بالعارض.
قال ابن الجزريّ : "وأما ورش من طريق الأزرق فله حكم آخر من حيث وقوع كل من الألفين بعد الهمز إلا أن الهمزة الأولى محققة والثانية مغيرة بالنقل. وقد اختلف في إبدال همزة الوصل التي نشأت عنها الألف الأولى وفي تسهيلها بين بين فمنهم من رأى إبدالها لازماً ومنهم من رآه جائزاً ومنهم من رأى تسهيلها لازماً ومنهم من رآه جائزاً وسيأتي تحقيقه في باب الهمزتين من كلمة فعلى القول بلزوم البدل يلتحق بباب المد الواقع بعد همز ويصير حكمها حكم (آمن) فيجري فيها للأزرق المد والتوسط والقصر وعلى القول الآخر بجواز البدل يلتحق باب (آنذرتهم، وآلد) للأزرق عن ورش فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فيقصر مثل (أألد) وعدم الاعتداد به فيمد (كآنذرتهم) ولا يكون من باب (آمن) وشبهه فذلك لا يجري فيها على هذا التقدير توسط. (النشر1/358).

وقال في كتابه الإعلان في مسألة {آلئن} : "وأمّا من كان عنده واجب البدل كما هو مذهب الجمهور من أهل الأداء فلا يجوز أن تُلحق عندهم بباب{ءامن} و {ءازر} إلا على تقدير اعتدادهم بالعارض وذلك بعد أصل لورش ينبغي أن يُعرف وهو أنّ مذهبه أن حرف المد الواقع بعد الهمزة إذا وقع بعده همزة أو ساكن مدَّ لأجل الهمزة والساكن ، لأنّه أقوى فيُلغى الأضعف وهو مدّه لأجل الهمزة قبله ، لأنّ مدّ حرف المدّ للهمزة قبله ضعيف ومدّه للهمزة بعده أو للساكن قويّ ، وإذا اجتمع معنا سببان ضعيف وقويّ رُوعي الأقوى وأُلغي الأضعف ، ولذلك لم يكن لورش في {ءآمين} و {رءآ أيديهم} و {جآءوا أباهم} ونحوه ثلاثة أوجه بل وجه واحد وهو المدّ مراعاة للهمزة والساكن الذي بعد حرف المدّ ، وله إذا وقف على {رءآ} و {جآءوا} الثلاثة الأوجه التي له لزوال الهمزة التي بعدها. فإذا عُلم ذلك ، فإن لم يعتد بالعارض في {ءآلئنِ} وهو نقل الحركة يمدّ لورش مداً مشبعاً من أجل سكون اللام ، لأنّ حركتها عارضة فهي على هذا التقدير مثل {ءآمّين البيت} و {ءآلله أذن} ، وإن اعتددنا بالعارض وإلى ما آل إليه اللفظ يكون فيه ثلاثة أوجه : فيُشبعه من مذهبه الإشباع ، ويوسّطه من مذهبه التوسط ويقصره من مذهبه القصر ، هذا حكم الألف التي قبل اللام."انتهى كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى. (الدرر الحسان في حلّ مشكلات قوله تعالى {آلئن} للرُميلي تحقيق الدكتور ناصر بن محمد بن عثمان المنيع).

كيفية التمييز بين من يرى لزوم الإبدال وبين من يرى جوازه :

الذي مذهبه اللزوم لا يأخذ بوجه التسهيل البتّة بل يقتصر على وجه الإبدال ، وأمّا الآخذين بالوجهين فهم الذي يأخذون بالإبدال على الجواز لا اللزوم. قال ابن الجزريّ في كتاب الإعلان :" فمن كان عنده جائز البدل كصاحب التيسير والشاطبية فلا يجوز أن يُلحق عنده بباب {ءامن} و {ءازر} ، لأنّه واجب البدل بل بباب {ءآنذرتهم} و {ءالد} ، فإنّه جائز البدل لثبوت التسهيل عندهم في قراءة أخرى". (انظر كتاب الدرر الحسان).

مذهب الداني من حيث اللزوم والجواز :

من تأمّل في روايات الداني يجد أنّها تحوي المذهبين جميعاً ، وذلك أنّ الداني ذكر التسهيل والإبدال جميعاً في كتابه التيسير ، وقرأ على أبي الحسن وأبي الفتح بالتسهيل وعلى ابن خاقان بالإبدال كما سيأتي بيانه ، وهذا التنوّع يقتضي الجواز وعدم اللزوم ، بخلاف لو نظرنا إلى مذهب شيخه ابن خاقان لوجدنا أنّ مذهبه اللزوم وهي أحد روايات الداني المشهورة فيكون بذلك جامعاً بين المذهبين. قال الجزريّ في النشر : "وإذا قرئ بالتوسط في الأولى – أي في همزة الوصل على مذهب من ألزم الإبدال - جاز في الثانية وجهان وهما التوسط والقصر ويمتنع المد فيها من أجل التركيب فتوسط الأولى على تقدير لزوم البدل وتوسط الثانية على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها وهذا الوجه طريق أبي القاسم خلف بن خاقان وهو أيضاً في التيسير ويخرج من الشاطبية" ومن هنا يتّضح أنّ قراءة الداني على ابن خاقان هي بالإبدال لا غير ، وبالتالي يكون وجه التسهيل خارجاً من طريق التيسير لأنّ الداني لم يقرأ به على ابن خاقان لكون مذهب هذا الأخير اللزوم في البدل. وأمّا قراءة الداني على الفتح فبالتسهيل لقول الجزريّ : (قلت) وبه –أي بالتسهيل- قرأ الداني على شيخه أبي الفتح وهو مذهب أبي طاهر إسماعيل بن خلف صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار الطرسوسي صاحب المجتبى."(النشر 1/377و378). وأمّا قراءته على أبي الحسن فبالتسهيل أيضاً لقوله أبي الحسن في التذكرة : "فإنّ همزة تُحقّق فيها وتسقط نبرة همزة الوصل في اللفظ وتُمدّ همزة الاستفهام قليلاً ، فتصير في اللفظ همزة واحدة بعدها مدّة للفرق بين الاستفهام والخبر"(التذكرة 1/115) . قال الداني في جامع البيان بعد أن ذكر المذهبين : " فأمّا النصّ بذلك عن المحققين : فحدّثنا ابن غلبون ، قال حدّثنا عليّ ابن محمد ، قال أحمد بن سهل ، قال حدّثنا علي بن محصن ، قال حدّثنا عمرو عن حفص عن عاصم قال {آلذكرين} الحرفان يمدّ الألف فيهما ولا يهمزان {آلله أذن لكم} غير ممدود الألف" (جامع البيان ص217). فقوله "غير ممدوة الألف" دلالة على التسهيل. وقد ذكر صاحب النشر الإبدال من طريق التذكرة وفيه نظر كما يظهر في النصوص المنقولة.

وعليه يكون للداني في الألف الأولى أربعة أوجه :
1- إبدال همزة الوصل مع الإشباع اعتداداً بالأصل سواء على مذهب اللزوم أو الجواز
2- التوسط على اللزوم اعتداداً بالعارض
3- القصر على عدم اللزوم اعتداداً بالعارض
4- التسهيل وبه قرأ الداني على أبي الفتح وأبي الحسن.

أما القصر على اللزوم فهذا ممنوع لأنّ قصر البدل ليس من التيسير ولا من قراءة الداني على ابن خاقان ، وقراءته على أبي الحسن هي بالتسهيل فحسب.


2 -الألف الثانية وهبي ألف البدل التي أشار إليها الناظم بالخلف وذلك أنّ الداني استثناها في جامع البيان ولم يستثنها في التيسير ونقل الخلاف في كتاب رواية ورش من طريق المصريين. قال الداني في جامع البيان : "إلاّ قوله {لا يواخذكم} و {لا تواخذنا} و {لو يواخذ الله} حيث وقع ، وقوله {آلئن} في الموضعين في يونس ، و {عادا الاولى} في والنجم فإنّه لم يزد في تمكين المدّ في هذه الستّة الأحرف مع عدم الهمز لفظاً..". (جامع البيان ص193). وقد نقل المنتوري عن الداني الخلاف في {عادا الاولى} و {آلئن} فقال : "وقال –أي الداني- في كتاب رواية ورش من طريق المصريين : "وأما قوله {آلئن} في الموضعين و {عادا الاولى} فإنّي آخذ له بزيادة التمكين وتركه."(شرح الدرر 1/218).
وعليه جاز القصر في الألف الثانية على توسط البدل من جامع البيان ، فيكون عدد الأوجه في {آلئن} من طريق الداني سبعة أوجه هي كالتالي :

- إبدال الألف الأولى إشباعاً مع التوسط في الثانية.
- كذلك لكن مع قصر الثانية على الاستثناء من جامع البيان
- توسطهما من طريق ابن خاقان
- كذلك لكن مع قصر الثانية من جامع البيان على الاستثناء
- قصرهما اعتداداً بالعارض
- تسهيل همزة الوصل مع التوسط وبه قرأ الداني على أبي الفتح
- التسهيل مع القصر وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
أمّا القصر في الألف الأولى مع مدّ الثانية فلا يستقيم لأنّ الأولى إنما قصرت اعتداداً بالعارض فوجب قصر الثانية لنفس العلة.

فإن سُبقت ببدل كما في قوله تعالى {أثمّ إذا ما وقع آمنتم به آلئن} فإنّ عدد الأوجه يصير ثمانية.

- قصر بدل {آمنتم به} مع تسهيل همزة الوصل وقصر الألف الثانية من {آلئن} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
- توسط بدل{آمنتم به} و عليه :
· إبدال همزة الوصل بالإشباع مع توسط الألف الثانية.
· ومع قصر الثانية على الاستثناء من جامع البيان
· توسط الألف الأولى والثانية من {آلئن}.
· ومع قصر الثانية على الاستثناء من جامع البيان
· قصرهما جميعاً.
· تسهيل همزة الوصل مع التوسط من قراءة الداني على أبي الفتح
· ومع قصر البدل على الاستثناء من جامع البيان.


بقي بعض التنبيهات التي سأشير إليها لاحقاً إن شاء الله تعالى.
 
بيان خطأ من منع التمكين وصلاً في {عاداً الاولى}.

بيان خطأ من منع التمكين وصلاً في {عاداً الاولى}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

بيان خطأ من منع التمكين وصلاً في {عاداً الاولى}.

قال المنتوري : "قال شيخنا –أي القيجاطي- رحمه الله : "واعلم أنّ {عاداًالاولى} في الوصل مقصورة لورش ولا يجوز مدّها لأنّه لمّا حرّك لام التعريف بحركة الهمزة ، واعتدّ بها حين أدغم فيها التنوين ، صارت الحركة كاللازمة فسقط المدّ ، إذ لا يمكن أن تُنوى الهمزة ، إذ الحركة كاللازمة ، وإنّما تُنوى الهمزة ، إذا كانت حركتها الملقاة على قبلها عارضة. قلتُ :-أي المنتوري- : وبالقصر قرأت ذلك في الوصل عليه وعلى غيره ، وبه آخذ ، وعلى القصر لورش في ذلك اقتصر مكي في التنبيه والتبصرة والكشف ، وابن سفيان في الهادي والمهدوي في الهداية وابن عبد الوهاب في المفيد وابن شريح في الكافي والتذكير والمفردات ....."(شرح الدرر 1/219).

يتضح من كلام القيجاطي وتلميذه المنتوري أنّ التمكين في {عاداً الاولى} وصلا يمتنع ، وبالتالي لا يجوز في الواو إلاّ القصر لأنّ لام التعريف تحرّكت بالحركة العارض للنقل مما نتج عنه إدغام التنوين فيها ، والإدغام هنا عارض بالتّبعيّة لعروض حركة اللام التي سبّبت الإدغام. ولمّا كان الاعتداد بالعارض في الإدغام لازماً من جهة الأداء وجب الاعتداد به أيضاً في قصر الواو بالتبعيّة لأنّ حركة اللام صارت كاللازمة وهذا اللزوم يوجب القصر في الواو.

هذا التعليل وجيه من جهة القياس وهو السبب الذي حمل الكثير من الأئمّة على استثناء {عاداً الاولى} من التمكين ، ولكن إسقاط التمكين بهذه العلّة لا يستقيم إنْ صحّت الرواية. لأنّ صحّة الرواية ليست منوطة بصحّة القياس فكم من وجه صحّ من جهة الرواية كان ضعيفاً من جهة القياس بسبب الاعتداد بالعارض مثلاً ، وعليه فلا وجه لمنع التمكين لا سيما وقد صحّ عن الداني في التيسير وعن ابن الفحام وابن بليّمة والهذلي وأبي طاهر وأبي معشر والشاطبيّ وغيرهم ، وهذا من جهة الرواية. أمّا صحّته من جهة القياس فوجيه أيضاً بل هو أوجه لأنّ الاعتداد بالأصل هو الأولى ، وإعماله هنا هو في مراعاة حالة اللام قبل النقل والإدغام فيكون التمكين أقوى من القصر من جهة القياس.

والعلم عند الله تعالى.
 
جزاكم الله خيرا وللفائدة أسوق كلام ابن الجزري في النشر:
قال:
[FONT=&quot] (عَادًا الْأُولَى) فِي سُورَةِ النَّجْمِ، لَمْ يَسْتَثْنِهَا صَاحِبُ "التَّيْسِيرِ" فِيهِ، وَاسْتَثْنَاهَا فِي جَامِعِهِ ، وَنَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِمَا كَحَرْفَيْ ( آلْآنَ ) فِي يُونُسَ. وَنَصَّ عَلَى اسْتِثْنَائِهَا مَكِّيٌّ وَابْنُ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَأَمَّا صَاحِبُ "الْعُنْوَانِ"، وَصَاحِبُ "الْكَامِلِ" ، وَالْأَهْوَازِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَابْنُ بَلِّيمَةَ فَلَمْ يَذْكُرُوا: ( آلْآنَ، وَلَا عَادًا الْأُولَى ) بَلْ وَلَا نَصُّوا عَلَى الْهَمْزِ الْمُغَيَّرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا تَعَرَّضُوا لَهُ بِمِثَالٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْهَمْزَ الْمُحَقَّقَ وَمَثَّلُوا بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُمَدًّا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ آخِرَ الْبَابِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ؛ إِذْ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ بِالتَّلْيِينِ أَوِ الْبَدَلِ أَوِ النَّقْلِ عَارِضٌ، وَالْعَارِضُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْقَاعِدَةِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَمْدُودٍ لِعَدَمِ وُجُودِ هَمْزٍ مُحَقَّقٍ فِي اللَّفْظِ، وَالِاحْتِمَالَانِ مَعْمُولٌ بِهِمَا عِنْدَهُمْ كَمَا تَمَهَّدَ فِي الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ غَيْرَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ عِنْدِي أَقْوَى فِي مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى وَلَا مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ذَكَرَ الْقَصْرَ فِيمَا أَجْمَعَ عَلَى مَدِّهِ مِنَ الْمُتَّصِلِ إِذَا وَقَعَ قَبْلَ الْهَمْزِ الْمُغَيَّرِ، فَهَذَا أَوْلَى. اه.[/FONT]
[FONT=&quot]أما بالنسبة للشاطبي فقوله في الحرز يحتمل الوجهين.
[/FONT]


[FONT=&quot][/FONT][FONT=&quot][/FONT]
 
مناقشةُ : ردّ المتولّي على ابن الجزريّ في إلحاقه الألف الأولى من {ءآلئن} بباب {ءامن}

مناقشةُ : ردّ المتولّي على ابن الجزريّ في إلحاقه الألف الأولى من {ءآلئن} بباب {ءامن}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

قد اعترض المتولّي على ابن الجزريّ في إلحاقه الألف الأولى من {ءآلئن} بباب {ءامن} وشبهه للأزرق فقال رحمه الله تعالى : "ثمّ الآن نقول : لا يخفى أنّ إلحاق الألف الأولى من {آلئن} بباب {ءامن} وشبهه للأزرق فيه نظر لأنّ مدّها لازم وإنّما تغيّر سببه وهو السكون بحركة النقل فوجب حينئذ أن يكون كنظائره من نحو {البغاء إن أردن} في وجه إبداله مدّاً للأزرق و ٍ{الم احسب} و {الم الله} حالة الوصل لغير الساكت وشبه ذلك فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فتُقصر وعدمه فتُمدّ ولا وجه للتوسّط"(الروض ص245).

أقول : فقول المتولي : "لا يخفى أنّ إلحاق الألف الأولى من {آلئن} بباب {ءامن} وشبهه للأزرق فيه نظر". هو في حدّ ذاته يحتاج إلى نظر إذ لا أدري كيف خفيَ هذا الأمر على ابن الجزريّ وعلى جميع من تبعه من المحرّرين الكبار حتّى عصر المتولّي رحمه الله تعالى إذ لم أقف على من سبق المتولي في هذا الاعتراض ولو وُجد لنقله المتولّي نفسُه ليُقوّيَ وِجهة نظره في ذلك.

أمّا قوله : "لأنّ مدّها لازم وإنّما تغيّر سببه وهو السكون بحركة النقل فوجب حينئذ أن يكون كنظائره من نحو {البغاء إن أردن} في وجه إبداله مدّاً للأزرق و{الم احسب} و {الم الله} حالة الوصل لغير الساكت وشبه ذلك فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فتُقصر وعدمه فتُمدّ ولا وجه للتوسّط" . فيُجاب عنه بأنّ الفرق بين {البغاء إن أردن} و {ءآلئن} أنّ الاولى تحتوي على همزتين قطعيّتين يجوز تحقيقهما ويجوز تسهيل الثانية بين بين ، ويجوز إسقاط الاولى أو إبدالها حرف مدّ ويجوز إبدالها أيضاً ياء خالصة مكسورة وهذا يدلّ على أنّ الإبدال ليس لازماً لا عند أهل اللغة ولا عند أهل الأداء لكثرة الوجوه الصحيحة ، خلافاً ل {ءآلئن} فالهمزة الثانية وصْلية عارضة لا يجوز فيها التحقيق ولا الإدخال فإبدالها لازمٌ عند الأكثرين فهي بمثابة لزوم إبدال الثانية الساكنة في {أأمن} باعتبار الأصل فصارت {ءامن} لزوماً ووجوباً كما قال الشاطبيّ (وإبدال أخرى الهمزتين لكلّهم ***إذا سكت عزم كآدم أوهلا). وعليه فلا يصحّ قياس {البغاء إن أردن} ب {ءآلئن} ، وحتّى إن سلمنا أنّه قياس صحيح فلا يجوز أن نردّ به الرواية الصحيحة لقول أبي عمرو الداني : "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر" (جامع البيان ص172). وقد ذكر ابن الجزريّ أنّ مذهب ابن خاقان هو اللزوم في البدل فقال في النشر : "وإذا قرئ بالتوسط في الأولى – أي في همزة الوصل على مذهب من ألزم الإبدال - جاز في الثانية وجهان وهما التوسط والقصر ويمتنع المد فيها من أجل التركيب فتوسط الأولى على تقدير لزوم البدل وتوسط الثانية على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها وهذا الوجه طريق أبي القاسم خلف بن خاقان وهو أيضاً في التيسير ويخرج من الشاطبية". وقال : "واختلفوا في كيفيته فقال كثير منهم تبدل ألفاً خالصة وجعلوا الإبدال لازماً لها كما يلزم إبدال الهمزة إذا وجب تخفيفها في سائر الأحوال. قال الداني هذا قول أكثر النحويين. وهو قياس ما رواه المصريون أداء عن ورش عن نافع يعني في نحو (أأنذرتهم) وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن وبه قرأنا من طريق التذكرة والهادي والهداية والكافي والتبصرة والتجريد والروضة والمستنير والتذكار والإرشادين والغايتين وغير ذلك من جلة المغاربة والمشارقة...".
فلزوم الإبدال يقتضي إلحاق {آلئن} ب {آمن} في حالة الاعتداد بالعارض لأنّ الاعتداد بالعارض يستلزم إهمال الأصل والاعتماد على ما آل إليه اللفظ وهو التسوية بين {آلئن} و {آمن}. بخلاف ما إذا أخذنا بالأصل فإنّه يتعيّن الإشباع عملاً بأقوى السببين.

وأمّا قول المتولّي : وقال في النشر آخر باب المدّ والقصر في عارض الحركة والسكون ما نصّه : "لا يجوز التوسّط فيما تغيّر سبب المدّ فيه ، ويحوز فيما تغيّر فيه سبب القصر نحو {نستعين} في الوقف والفرق بينهما أنّ المدّ في الأوّل هو الأصل ثمّ عرض التغيير في السبب فمدّ على الأصل ، وحيث اعتدّ في العارض قصر إذا كان القصر ضدّاً للمدّ ، والقصر لا يتفاوت ، وأمّا القصر في الثاني فإنّه الأصل ثمّ عرض سبب المدّ حيث اعتُدّ بالعارض مدّاً إلاّ أنّه وإن كان ضدّاً للقصر يتفاوت طولاً وتوسطاً فأمكن التفاوت فيه انتهى كلام ابن الجزري. قال المتولي وأنت ترى أنّ ما نحن بصدده من الأوّل." الروض ص246.
أقول : كلامه رحمه الله ينطبق على المدّ اللازم الذي مُدّ لأجل سكونه وقَصُر لأجل تغيّر سكونه نحو {ألم الله} إذ لا شكّ أنّه لا يجوز فيه التوسط لانعدام سببه إذ السكون بعد المدّ يوجب الطول ، والحركة بعد المدّ توجب القصر فلا مكان للتوسّط هنا. أمّا في {ءآلئن} فالتوسط لم يكن باعتبار تغيّر السكون بحركة النقل وإنّما للزوم البدل بعد تغيّر السكون ، فاختلفا في السبب. ففي {ألم الله} فالمدّ كان لأجل السكون الأصلي ، والقصر لأجل الحركة العارضة للنقل ، وأمّا {ءآلئن} فالتوسط كان لأجل لزوم البدل لا لأجل السكون الأصلي ، فهما جنسان مختلفان لاختلاف سبب تمكينهما ، وبالتالي فكلام ابن الجزري لا يصلح لردّ وجه التوسّط فتأمّل ، بدليل أنّ المتولي نقل كلاماً لابن الجزري في التنبيه العاشر ققال – أي ابن الجزريّ – "(العاشر) تقدم التنبيه على أنه لا يجوز التوسط فيما تغير سبب المد فيه على القاعدة المذكورة ويجوز فيما تغير سبب القصر نحو (نستعين)."وقال قبله في التنبيه الثامن "(الثامن) إذا قرئ (الم) بالوصل جاز لكل من القراءة في الياء من (ميم) المد والقصر باعتبار استصحاب حكم المد والاعتداد بالعارض على القاعدة المذكورة وكذلك يجوز لورش ومن وافقه عن النقل في (الم. أحسب) الوجهان المذكوران بالقاعدة المذكورة. وممن نص على ترك المد إسماعيل بن عبد الله النحاس ومحمد ابن عمر بن خيرون القيرواني عن أصحابهما عن ورش. وقال الحافظ أبو عمرو الداني والوجهان جيدان. وممن نص على الوجهين أيضاً أبو محمد مكي وأبو العباس المهدوي. وقال الأستاذ أبو الحسن طاهر بن غلبون في التذكرة: وكلا القولين حسن غير اني بغير مد قرأت فيهما وبه آخذ (قلت) إنما رجح القصر من أجل أن الساكن ذهب بالحركة. وأما قول أبي عبد الله الفاسي ولو أخذ بالتوسط في ذلك مراعاة لجانبي اللفظ والحكم لكان وجهاً فإنه تفقه وقياس لا يساعده نقل وسيأتي علة منعه والفرق في التنبيه العاشر قريباً والله أعلم.".
أقول : انظر إلى كلام ابن الجزريّ : "وسيأتي علة منعه والفرق في التنبيه العاشر قريباً والله أعلم." وقد نقل المتولي كلام ابن الجزري في التنبيه العاشر لردّ التوسّط في {ءآلئن} مع أنّه كان خاصّاً بالمدّ الذي أُشبع لأجل سكونه وقَصُر لأجل تغيّر سكونه نحو {ألم الله} ، وردّاً على قول أبي عبد الله الفاسي الذي أجاز التوسط في {ألم الله} ، أمّا {آلئن} فالتوسّط لم يكن لهذا السبب كما ذكرنا وإنّما كان للزوم البدل.

وأستغرب كيف يردّ المتولّي كلام ابن الجزري بكلام ابن الجزريّ ، إذ في كلامه الأوّل تأصيل للزوم البدل في {آلئن} وفي كلامه الثاني تأصيل في عدم جواز التوسّط في المدّ الذي بعده ساكن متغيّر ، ولا تناقض بينهما لاختلاف الجنسين لأنّ {آلئن} إنّما مُدّت لأجل لزوم الإبدال لا لأجل سكونها الأصلي ، وإن رأى المتولّي تناقضاً في عبارتي ابن الجزري فعلى أيّ أساس يُقدّم أحدهما على الآخر والقائل للعبارتين واحد. أليس الأولى الجمع بين مضمون العبارتين بدل إلغاء واحدة منهما على حساب الأخرى.

وعليه فلا وجه لمنع وجه التوسّط في {آلئن} على مذهب من وسّط البدل واعتبر البدل لازماً واعتدّ بالعارض ، ولكن مع الأسف لم يعد لهذا الوجه وجود فيما أعلم من وقت المتولّي ، فينبغي إعماله من جديد.

والعلم عند الله تعالى.


 
تحرير اللين المهموز في نحو {شيء} و {سوء} وكذا {سوءات}.

تحرير اللين المهموز في نحو {شيء} و {سوء} وكذا {سوءات}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

قال الناظم :
والواوُ والياءُ متى سكنَتاَ****ما بين فتحةٍ وهمزٍ مُدَّتا
له توسّطاً وفي سوءاتِ **** خلْفٌ لما في العين من فَعْلاتِ

أخبر الناظم أنّ الواو والياء متى سكنتا بين فتح وهمزة بأن يكون قبلهما فتح وبعدهما همزة نحو {سَوْء} ، و{شيء} ، و{سوءة} و{كهيئة} ، و {ييأس} مُكنتا لورش بالتوسط وصلاً ووقفاً. فقوله (له) أي ورش لأنّه كان بصدد بيان مذهبه في مد البدل.

وقد ورد عن الداني مذهبان في اللين المهموز :

الأوّل : التوسط العام في نحو {سوء} ، و {شيء} ، و{سوءة} ، و{كهيئة} ، ة{ييأس} وشبهه وبه قرأ على ابن خاقان وأبي الفتح.

الثاني : التوسط الخاص ب {شيء} و {شيئاً} دون غيرها وهو من قراءته على أبي الحسن. وهذا المذهب أهمله الناظم وكان الأحرى له أن يذكره زيادة على المذهب الأوّل كما ذكر القصر في البدل لأنّه من قراءة الداني على أبي الحسن أيضاً فأخذ ببعض الأوجه من رواية الداني عن أبي الحسن وأهمل بعضاً منها ، وهذا محظور على سبيل الرواية لأنّ قراءة الداني على أبي الحسن مقتصرة على وجه قصر البدل والتوسط في {شيء} و{شيئاً} وبالتالي فإنّ الاختيار متعذّر بخلاف ما إذا ثبت أكثر من وجه في هذه الرواية فإنّ ذلك يُسوّغ اختيار وجه والاقتصار عليه.
ومن هنا يتّضح أنّ الناظم خلط بين قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح وبين قراءة الداني على أبي الحسن ، ولعلّ السبب في ذلك هو اتّباعه للإمام الشاطبيّ لأنّ هذا الأخير لم يُخصّص التمكين ب{شيء} و{شيئاً} لكونه سلك طريق التيسير وأضاف إليه زيادات بينما سلك الناظم طريق الداني ، ففرْقٌ بين اتّباع طريق التيسير واتّباع طريق الداني ، إذ لو سلك الناظم طريق التيسير لكان مصيباً في اقتصاره على التوسط العام لأنّه الموافق لما في التيسير ولقراءة الداني على ابن خاقان بخلاف ما إذا سلك طريق الداني كما فعل لوجب عليه اتّباع رواية الداني عن مشايخه الثلاثة بما فيها روايته على أبي الحسن.

والآن سأذكر النصوص الثابتة في ذلك :

قال أبو عمرو الداني في كتابه التيسير : "ورش يُمكّن الياء من {شيء} و {شيئا} و {كهيئة} و شبهه. وكذلك الواو من {سَوْء} و {سَوْءة} وشبهه ، إذا انفتح ما قبلهما وكانا مع الهمزة في كلمة حاشا : {موئلا} و {الموءودة}"(التيسير ص225). وقال في جامع البيان بعد ما ذكر القصر : "إلاّ ما رواه أصحاب أبي يعقوب الأزرق عنه عن ورش إذا رأته كان يمكن الياء والواو المفتوح ما قبلهما إذا أتت الهمزة بعدهما في كلمة لا غير لأنّ حركتها لا تلقى عليهما فيها تمكيناً وسطاً من غير إسراف لأنّ فيها مع ذلك مدّاً وليناً وإن كان يسيراً ، وقد أخذ بذلك أيضاً بعض اصحابنا الأزهريّين المصريّين ، وبذلك قرأت على ابن خاقان وفارس بن أحمد عن قراءتهما"(جامع البيان ص203). وقال : "وأقرأني أبو الحسن عن قراءته في رواية أبي يعقوب الأزرق بتمكين الياء من {شيء} و {شيئاً} في جميع القرءان لكثرة دورها لا غير ، وما عدا ذلك بغير تمكين حيث وقع."(جامع البيان ص203).

وقال ابن الجزريّ : "وذهب إلى التوسط أبو محمد مكي وأبو عمر والداني وبه قرأ الداني على أبي القاسم خلف بن خاقان وأبي الفتح فارس بن أحمد...."(النشر 1/346).
ثمّ قال : وذهب آخرون إلى زيادة المد في (شيء) فقط كيف أتى مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً وقصر سائر الباب. وهذا مذهب أبي الحسن طاهر بن غلبون وأبي الطاهر صاحب العنوان وأبي القاسم الطرسوسي وأبي علي الحسن بن بليمة صاحب التلخيص وأبي الفضل الخزاعي وغيرهم. واختلف هؤلاء في قدر هذا المد فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط وبه قرأ الداني عليه والطرسوسي وصاحب العنوان يريان أنه الإشباع وبه قرأت من طريقهما"(النشر 1/347).

ومن هنا يتّضح أنّ المذهبين صحيحان عن الداني ، وأنّ الناظم قد اقتصر على مذهب واحد وهو التوسط العام وكان الأحرى له أنّ يذكرهما جميعاً بإثباته للوجهين في نحو {سَوْء} ، و{شيء} ، و{سوءة} و{كهيئة}، و {ييأس} وشبهه فيكون القصر في هذا الجنس من قراءة الداني على ابي الحسن و التوسط من قراءته على ابن خاقان وأبي الفتح خلافاً ل {شيء} و {شيئاً} فأنّهما ممكنتان عنده وجهاً واحداً.

فإذا اجتمع بدل ب{شيء} كما في قوله تعالى {وءاتيناه من كلّ شيء سببا} يصحّ عن الداني وجهان : الأوّل : قصر البدل مع توسط {شيئاً} من طريق أبي الحسن ، الثاني : وتوسطهما من طريق ابن خاقان وأبي الفتح ، وكذا إذا تأخّر البدل عن اللين كما في قوله تعالى {ما ننسخ من آية} إلى قوله تعالى {شيء قدير} فيأتي التوسط في {شيء} مع قصر البدل من طريق أبي الحسن ، وتوسطهما من طريق ابن خاقان وأبي الفتح.

وفي قوله تعالى { أنّي قد جئتكم بآية} إلى قوله { كهيئة الطير} يصحّ عن الداني وجهان : الأوّل : قصر البدل مع القصر في {كهيئة} من طريق أبي الحسن ، وتوسطهما من طريق ابن خاقان وأبي الفتح. وكذا في قوله تعالى {أفلم ييأس الذين آمنوا} فيكون قصرهما من طريق أبي الحسن وتوسطهما من طريق ابن خاقان وأبي الفتح.

أما واو {سوءات} فقد نقل الناظم فيها الخلاف بقوله : (وفي سوءات خلفٌ) ، وهذا الخلاف يُفهم منه أنّ من شيوخ الداني من أجراها مجرى غيرها ومنهم من استثناها. والأمر ليس كذلك لأنّ قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالتمكين لأنّ واو {سوءات} ليست مستثناة عنده عنهما ، وأمّا قراءته على أبي الحسن فهي بالقصر لأنّ التمكين من هذا الطريق لا يكون إلاّ في {شيء} و {شيئاً}فقط وبالتالي فهو في الحقيقة ليس استثناءً. قال ابن الجزري في النشر : "ولم يستثنها أبو عمرو الداني في التيسير ولا في سائر كتبه".
وعليه فنقل الناظم للخلاف في {سوءات} ليس في محلّه لأنّ التمكين في نحو {سوءة} و {كهيئة} هو من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح ولم يرد استثناء {سوءات} في الروايتين. وأمّا قراءة الداني على أبي الحسن فبالقصر لأنّ التمكين في هذه الرواية خاصّ ب {شيء} و{شيئاً}. ولو أخذنا بظاهر النظم لوقعنا في التلفيق والخلط بين روايات الداني وذلك بقصر واو {سوءات} مع توسط البدل وهذا لا يصحّ عن الداني رواية أو بتمكين المدّ في واو {سوءات} من طريق أبي الحسن وهذا لا يصحّ رواية عن الداني أيضاً لأنّ التمكين من هذا الطريق خاصّ ب {شيء} و {شيئاً}.ّ ولعلّ السبب الذي حمل الناظم على نقل الخلاف هو اتّباعه للإمام الشاطبيّ وهذا الأخير إنّما نقل الخلاف لأنّ بعض الرواة الذين هم من مشايخه في الإسناد استثنوا واو {سوءات} ، والدليل على ذلك قول ابن الجزريّ :" فإني لا أعلم أحداً روى الإشباع في هذا الباب إلا وهو يستثني(سوآت)". ولما كان الطول ثابتاً من طرق الشاطبي لزم من ذلك ثبوت الاستثناء من طريقه خلافاً لطرق الداني لأنّ الداني لم يُشر إلى الاستثناء ولم يكن من رواة الطول ، ومن هنا يتّضح أنّ الناظم قد وهم في اتّباع الإمام الشاطبيّ في نقل الخلاف في واو {سوءات} لاختلاف الطرق والمصادر.

وبالتالي فلا يصحّ عن الداني في {سوءات} إلاّ وجهان: الأوّل : قصر الواو مع قصر البدل من طريق أبي الحسن. وتوسطهما من طريقي ابن خاقان وأبي الفتح.

والعلم عند الله تعالى.
 
جزاكم الله شيخنا الفاضل ...
هذا الكلام عن مدود اللين المهموز ، و ماذا عن مدود اللين العارض ، و هل ينطبق عليها ما انطبق على المهموز ... نريد الإفادة خصوصا على ما قطع به الشيخ المحقق الحافظ محمد الإبراهيمي التونسي في كتابه " الحجة في تجويد القرآن "
 
هذا الكلام عن مدود اللين المهموز ، و ماذا عن مدود اللين العارض ، و هل ينطبق عليها ما انطبق على المهموز ... نريد الإفادة خصوصا على ما قطع به الشيخ المحقق الحافظ محمد الإبراهيمي التونسي في كتابه " الحجة في تجويد القرآن "
هذه مسألة متعلّقة بالتجويد ولا تختصّ بقراءة الإمام نافع وتحريراتها من طرق الداني ، وإنّما أكتفي بتحرير المسائل المتعلّقة بقراءة الإمام النفع من طريق نظم الدرر.
والعلم عند الله تعالى.​


 
تحرير عين شورى ومريم.

تحرير عين شورى ومريم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

قال الناظم :

ومُدّ للساكن في الفواتح **** ومدُّ عين عند كلّ راجح

قال المنتوري : "ثبت في رواية الحضرمي والبلفيقي : "عند كلّ" ، وكذا وقفتُ عليه بخطّ الناظم ، وفي رواية المكناسي "عند ورش".."(شرح الدرر 1/236). أي :
ومُدّ للساكن في الفواتح **** ومدُّ عين عند ورش راجح

والظاهر أنّ الرواية الأولى هي المشهورة وقد وقف المنتوري عليها بخطّ الناظم ، وهي التي تتناسب مع كلام الداني في جامع البيان إذ لم يُخصّص الوجهين برواية من الروايات أو بترجيح المدّ لورش. وأمّا على الرواية المكناسي وإن صحّ التخصيص بورش فهو من طريق الهداية للمهدوي والهادي لأبي سفيان والكافي لابن شريح كما ذكر في النشر وليس من طريق الداني وقد وقفت على أقوال كلّ من المهدوي وابن شريح وابن سفيان فوجدتّها موافقة لما نقله في النشر عنهم. ورواية المكناسي تقتضي عدم ترجيح المدّ لقالون أو عدم جواز الوجهين له وهو خلاف مذهب الداني. لذا ينبغي إهمال رواية المكناسي وإن أخذ بها الخراز والمجاصي ممن تتلمذ على يد الناظم وأخذ عليه النظم بالرواية الأولى قبل الاستدراك إذ العبرة ليست في ثبوت الرواية عن تلاميذ الناظم المعتبرين ، وإنّما العبرة في موافقتها لمذهب الداني لأنّ الناظم هو ناقل عن الداني.

أشار الناظم إلى أنّ الإشباع في العين من {كهيعص} و {عسق} هو الراجح على التوسط ومراده بالراجح هنا الأشهر والأقيس كما سيأتي توضيحه وليس المراد أن يكون التوسط مرجوحاً بمعنى ضعيفاً من جهة الرواية.

قال أبو عمرو الداني في جامع البيان : "واختلفوا في الياء إذا زال الكسر وانفتح ما قبلها ، وذلك في العين {كهيعص} و {عسق} فبعضهم يزيد في تمكينه كالزيادة لها إذا انكسر ما قبلها لأجل الساكنين ، هذا مذهب ابن مجاهد فيما حدّثني به الحسن بن علي البصري عن أحمد بن نصر عنه ، وإليه كان يذهب شيخنا أبو الحسن علي بن بشر ، وأبو بكر محمد بن علي وهو قياس من روى عن ورش المدّ في {شيء} و {السوء} وشبههما ، وبعضهم لا يبالغ في زيادة التمكين لها لتغيّر حركة ما قبلها إذ ذلك قد زال عنها كعظم المدّ فيُعطيها من التمكين بقدر ما فيها من اللين لا غير ، هذا كان ذهب شيخنا أبي الحسن ومذهب أبيه ومذهب أبي عليّ الحسن بن سليمان ، وجماعة سواهم، وهو قياس من روى عن ورش القصر في شيء وبابه" ثم قال :"والوجهان من الإشباع والتمكين في ذلك صحيحان جيّدان والأوّل أقيس"(جامع البيان ص206).

وأمّا من التيسير فلم يذكر فيه الداني مذهبه في المسألة فلا ندري بأيّ وجه قرأ على ابن خاقان والذي أميل إليه الأخذ بالوجهين جميعاً من التيسير لقوله في جامع البيان : "والوجهان من الإشباع والتمكين في ذلك صحيحان جيّدان" ، وقد قال ابن المرابط (ت552) في كتابه كتاب التقريب والحرش : "والوجهان صحيحان" وقد سلك طريق التيسير للداني في هذا الكتاب. وقال المالقي : ذكر الداني المذهبين وصحّحهما."(الدر النثير ص330).

ومما يمكن استخلاصه من كلام الداني في جامع البيان :

أوّلاً : أنّه صحّح الوجهين جميعاً مع تقديمه للطول لقوّته في القياس لأنّه من قُبَيْل المدّ اللازم ولكون سبب السكون أقوى من سبب الهمز ، فالقياس يقتضي أن يكون التمكين في عين شورى ومريم أكثر منه في {شيء} و {سَوْء} ونحوه. ولعلّه السبب الذي حمل الإمام الشاطبيّ على تقديم الطول بقوله : (وفي عين الوجهان والطول فُضلا).

ثانياً : إنّ الخلاف عن الداني يدور بين التوسط والإشباع. وقد ذهب القيجاطي إلى أنّ الخلاف يدور بين القصر والتوسط فقال : "وقول الداني في جامع البيان في عين من{كهيعص} و {عسق} : "بعضهم يزيد في تمكينه كالزيادة لها إذا انكسر ما قبلها" يعني أنّه يزيد مداً لا أنّه يُسوّي بين حرف المدّ واللين وحرف اللين ، وقوله – أي الداني- : "وبعضهم لا يبالغ في زيادة التمكين لها."يعني أنّه يقصرها"(شرح الدرر للمنتوري 1/240).
أقول : حمل القيجاطي عبارة الداني الأولى على التوسط والثانية على القصر فيه نظر لأنّ كلام الداني صريح في كون الخلاف يدور بين الإشباع والتوسط لقوله : "وبعضهم لا يبالغ في زيادة التمكين لها" بمعنى يُمكنها من غير مبالغة وهذا يُنافي القصر لأنّ المقصور غير ممكن وكذا قول الداني "والوجهان من الإشباع والتمكين في ذلك صحيحان جيّدان" فذكر الإشباع والتمكين ولا شكّ أنّ التمكين لا يراد به القصر بدليل أنّه قرأ به على أبي الحسن بالتوسط ، وكلام أبي الحسن في تذكرته صريح على التوسط حيث قال "وكذا لا خلاف في تمكين العين من{كهيعص} ومن {حم عسق} يمد الكاف والصاد مداً واحداً ويقصر الهاء والياء ويمكّن العين قليلاً."(التذكرة 1/79). وقال: "و كذلك {كهيعص} تُمدُّ الكاف والصاد مداً واحداً ، وتُقصر الهاء والياء ، وتُمكّن العين قليلاً من أجل الياء الساكنة التي في وسطها ، وكذا {حم عسق} تُقصر الحاء ، وتُمدّ الميم ، وتُمكّن العين قليلاً ، وتُمدّ السين والقاف مداً واحداً ، وكذلك يُفعل بسائر فواتح السور على هذا الاعتبار الذي عرّفتك ، وبه قرأت ، وبه آخذ"(التذكرة ص1/70). وقد ضعّف ابن الجزريّ وجه القصر لورش فقال :"(قلت) القصر في (عين) عن ورش من طريق الأزرق مما انفرد به ابن شريح وهو مما ينافي أصوله إلا عند من لا يرى مد حرف اللين قبل الهمز لأن سبب السكون أقوى من سبب الهمز والله أعلم."(النشر 1/349). ولم يذكر الإمام الشاطبيّ وجه القصر ولا يمكن تفسير ذلك إلاّ لكونه لم يصحْ من طرقه بما فيها طريق الداني.
وأما قول القيجاطي في مرتبة الإشباع التي اشار إليها الداني : "بعضهم يزيد في تمكينه كالزيادة لها إذا انكسر ما قبلها" يعني أنّه يزيد مداً لا أنّه يُسوّي بين حرف المدّ واللين وحرف اللين" ، فيه نظرٌ أيضاً لأنّ مقدار الزيادة تكون بالنسبة لمرتبة القصر ، ونحن نعلم أنّ الزيادة على القصر في الحروف التي انكسر قبلها تقدّر بألفين فيكون المجموع ثلاث ألفات : الألف الأصليّة مع زيادة ألفين وبالتالي يكون التمكين في العين بنفس الزيادة مما يقتضي التسوية بينهما ، وقد قال الشاطبيّ : (وفي عين الوجهان والطول فَُضّلا). فذكر الطول في المرتبة الثانية بدل التوسط إذ لو كان كلام القيجاطي صحيحاً لقدّم الشاطبيّ التوسط أو القصر.
وعلى ما سبق يتّضح من أقوال الداني وأبي الحسن ابن غلبون والشاطبيّ وابن الجزريّ وغيرهم أنّ ما جنح إليه القيجاطي ومن تبعه كالمنتوري مجانب للصواب وأنّ الصحيح عن الداني في المرتبتين هو التوسط والطول إذ هو الموافق لأقوال ناقلي الرواية عنه كالمالقي صاحب الدرّ النثير وابن المرابط في التقريب والحرش وابن عبد المؤمن في كتابه الكنز وابن الجزريّ وشراح الشاطبية وكذا شروح المنظومة التي وقفت عليها عدا شرح المنتوري.

ثالثاً : لم يًصرّح الداني بالوجه الذي قرأ به على ابن خاقان وأبي الفتح بينما صرّح في جامع البيان وغيره بأنّ التوسط هو مذهب شيخه أبي الحسن ، وقد صحّح الوجهين جميعاً ووصفهما بالجيّدين ، وعليه يمكن أن نأخذ بالوجهين له من طريق التيسير أي من طريق ابن خاقان وكذا من طريق أبي الفتح اعتماداً على مطلق عبارته. لأنّ عبارته تحتمل قراءته عليهما بالوجهين أو على أحدهما بالتوسط والآخر بالطول ، بينما لو قلنا بالوجهين فعلى أساس مطلق عبارته إذا إعمال مطلق النصوص أولى من إهماله فيما لم يرد فيه تخصيص ولا قيد. وقد ذكر له الوجهين ممن روى من طريق التيسير كابن المرابط في التقريب والحرش والمالقي فيما يظهر في الدرّ النثير وابن عبد المؤمن في الكنز وابن الجزريّ لقوله : "وهذان الوجهان مختاران لجميع القراء عند المصريين والمغاربة..."(النشر 1/349).

وعليه يكون مذهب الداني من طريق أبي الحسن بالتوسط ومن طريق ابن خاقان وأبي الفتح بالوجهين.

والعلم عند الله تعالى.
 
أين ذكر الشاطبي مقادير المدود ؟
السلام عليكم
ذكره بالنيابة عنه السخاوي في شرحه للشاطبية .
يعني كأن الشاطبي ذكره . والله أعلم
مع أن الشيخ محمد يحيي شريف لم يضع اعترافا بالفرجة إلى الآن "بسمة"
والسلام عليكم
 
تحرير {ألم احسب} و {ألم الله}.

تحرير {ألم احسب} و {ألم الله}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ىله وصحبه وسلم وبعد.

تحرير {ألم الله} و {ألم احسب}.

قال أبو عمرو الداني : "ومن قوله {ألم احسب} في أوّل العنكبوت على رواية ورش عن نافع ، فاختلف أصحابنا في زيادة التمكين للياء في الموضعين ، فقال بعضهم يزاد على تمكينها و يُشبع مطّها ، لأنّ حركة الميم عارضة إذ هي للساكنين في آل عمران ، وحركة الهمزة في العنكبوت ، والعارض غير معتدّ به فكأنّ الميم ساكنة لذلك ، فوجب زيادة التمكين للياء قبلها كما وجب في {ألم ذلك} و {ألم غلبت} وشبههما فعاملوا الأصل وقدّروا السكون وهذا مذهب محمد بن علي وأبي علي الحسن بن سليمان. وقال آخرون : لا يزاد في تمكين الياء في ذلك إلاّ على مقدار ما يوصل به إليها لا غير لأنّ ذلك إنّما كان يحب فيهما مع ظهور سكون الميم ، فلمّا تحرّكت امتنعت الزيادة بعدم موجبها ، فعاملوا اللفظ واعتدّوا بالحركة والمذهبان حسنان بالغان غير أنّ الأوّل أقيس والثاني آثر وعليه عامة أهل الأداء. وقد جاء به منصوصاً إسماعيل النحاس عن أصحابه عن ورش عن نافع فقال في كتاب اللفظ له عنهم : {الم احسب} مقصورة الميم. وكذلك حكى محمد بن خيرون في كتابه عن أصحابه المصريين عن ورش في السورتين قال : "اللام ممدودة والميم مقصورة""(جامع البيان ص207).

وقال في إيجاز البيان فيما نقله عنه المنتوري :"والمذهبان جيّدان" قال المنتوري : "وذكر فيه –أي الداني في إيجاز البيان- أنّ المد أقيس بمذهب ورش وأنّ على القصر عامّة من لقي من الشيوخ ، وأنّه جاء به نصاً عن ورش عن نافع ، إسماعيل النحاس عن أصحابه ومحمد بن خيرون ..."(شرح الدرر 1/244).

قال أبو الحسن بن غلبون شيخ الداني :"وكلا القولين حسن ، غير أنّي بغير مدّ قرأت فيهما وبه آخذ."(التذكرة 1/71).

وقال المنتوري : "وقال –أي الداني- في إرشاد المتمسكين : والمد الممكن عندي أقيس بمذهب ورش إذ كان مذهبه الاعتداد بالعارض ومعاملة الأصل." قال :"ألا ترى أنّه إذا نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ، وكان قبل ذلك الساكن المنقول إليه الحركة ، ساكن آخر قد حذف أو حُرّك من أجله ، لم يَرُدَّ ذلك الساكن مع تحريكه للساكن الثاني بحركة الهمزة ، وذلك نحو قوله {قالوا الان} و {في الارض} و {إذا الارض مدّت} وشبه ذلك ، لم يردّوا الواو ولا الياء ولا الألف في شيء من ذلك مع تحريكه للساكن الموجب لحذف ذلك". قال :-أي الداني- وكذلك {فمن يستمع الآن} و {بل الانسان} وشبهه ، لم يَرُدَّ سكون العين ولا اللام ، مع وجود ما لسببه حُرّك ذلك". قال : "فكان ذلك أدلّ دليل على معاملته للأثل دون العارض... "(شرح الدرر 1/244و245).

أقول وبالله التوفيق :
الذي يظهر من أقوال الداني :

أولاً : أنّه قرأ على جميع شيوخه بالقصر في ميم {ألم الله} و {ألم احسب} لقول المنتوري : "وذكر فيه –أي الداني في إيجاز البيان- أنّ المد أقيس بمذهب ورش وأنّ على القصر عامّة من لقي من الشيوخ".

ثانياً : أنّ وجه القصر هو الثابت بالنصّ عن ورش كما ثبت ذلك من طريق إسماعيل النحاس ومحمد بن خيرون.

ثالثاً : أنّ الإشباع لا يثبت عن الداني رواية وإنّما اعتمد على القياس المحض مستدلاً بأنّ الاعتداد بالأصل هو مذهب ورش : فكما أنّه لم يردّ الواو والياء والألف بعد التحريك في {قالوا الان} و {في الارض} و {إذا الارض مدّت} وشبه ذلك و، كذلك لم يرُدّ سكون العين واللام في {فمن يستمع الآن} و {بل الانسان} وشبهه اعتداداً بالأصل فكذلك وجب الاعتداد بالأصل في {ألم الله} و {ألم احسب} بمدّها مع الإشباع.
فكأنّ الداني قدّم القياس على الأثر في هذه المسألة مع أنّه قال في جامع البيان : "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر."(جامع البيان ص172).

وعلى ما سبق يتّضح أنّ الذي يثبت بالأداء عن الداني هو القصر في الموضعين وأنّه هو الثابت بالنصّ عن ورش من طريق إسماعيل النحاس ومحمد ابن خيرون ، وأنّ الإشباع عن الداني لم يكن إلاّ على الأساس القياس والاجتهاد. وعليه يجب الاقتصار على القصر لورش في {ألم احسب} إذا قرئ بها من طرق الداني ، وكذا بالنسبة ل {ألم الله} لجميع القراء إذا قرئ لهم من طريق الداني بما فيها رواية حفص من طريق الشاطبية لأنّها مسندة عن الداني عن أبي الحسن ابن غلبون وقد نصّ هذا الأخير في تذكرته أنّه قرأ بالقصر.

والعلم عند الله تعالى.
 
الهمزتين المفتوحتين من كلمة نحو {ءأنذرتهم} و {ءأشفقتم}.

الهمزتين المفتوحتين من كلمة نحو {ءأنذرتهم} و {ءأشفقتم}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

الهمزتين المتفقتين بالفتح في كلمة نحو {ءأنذرتهم} و {ءأشفقتم}.

قال الناظم :
فنافعٌ سهّل أخرى الهمزتينْ *** في كِلْمةٍ فهْيَ بذاك بين بينْ
لكنّ في المفتوحتين أُبدلتْ *** عن أهل مصرَ ألفاً ومُكّنت.

أشار الناظم إلى أنّ نافعاً من رواية ورش وقالون سهّل الثانية من الهمزتين المفتوحتين الواقعتين في كلمة نحو {ءأنذرتهم} ، وأخبر أنّ ورشاً اضاف وجهاً ثانياً وهو إبدال الثانية حرف مدّ مع التمكين المشبع.

قال أبو عمرو الداني : "وإنّ الحرميّين وأبا عمرو وهشاماً يسهّلون الثانية منهما وورش يُبدلها ألفاً والقياس أن تكون بين بين"(التيسير ص149). فقوله يُبدلها ألفاً أي من جهة الرواية ، وأمّا تسهيلها فهو القويّ من جهة القياس والعربية لقوله : "والقياس أن تكون بين بين", وعليه فتكون قراءته على ابن خاقان هي بالإبدال لأنّه طريق التيسير ، وأمّا قراءته على أبي الفتح فالذي يظهر هو الإبدال لأنّه ما خصّ التسهيل إلاّ من قراءته على أبي الحسن. قال المنتوري : "وقال –أي الداني- في إيجاز البيان : وهذا – أي التسهيل - قول عامة البغداديين وأهل الشام ممن وصلت إلينا الرواية عنه منهم وهو الوجه السائر في العربية والقياس المطّرد في اللغة."(شرح الدرر 1/259). أقول : أراد الداني بقوله : "ممن وصلت إلينا الرواية عنه منهم" أبا الحسن ابن غلبون لأنّه حلبيّ شاميّ نزيل مصر خلافاً لشيخيه ابن خافان وفارس ابن أحمد الذيْن هما من رواة المصريين عن الأزرق الذي اقتصروا على الإبدال. لذلك قال الداني فيما نقله عنه ابن الجزريّ والمنتوري : "وهو -أي الإبدال- قول عامة المصريين عنه" بما فيهما ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
وقد خصّ يوسف أفندي زادة طريق أبي للفتح بالإبدال في كتابه الائتلاف عند تحرير قوله تعالى {وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين ءآرسلمتم} في سورة آل عمران. وأمّا ما يؤكد أنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالتسهيل لا غير قول أبي الحسن : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام ورويس بتحقيق الهمزة الاولى ، وجعلوا الثانية بين بين ، فصارت كالمدّة في اللفظ في جميع القرءان. وأبو عمرو وقالون والمسيّبي وهشام أطولهم مداً فيها ، لأنّهم يُدخلون بينهما ألفاً.(التذكرة 1/111).

خلاصة المسألة :
يتّضح مما سبق من الأقوال أنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالتسهيل لا غير وأنّ قراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالإبدال وهذا يعني أنّ التسهيل لا يكون إلاّ مع قصر البدل وأنّ الإبدال لا يكون إلاّ مع توسّطه كما في قوله تعالى {وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين ءآرسلمتم} فعلى قصر البدل يأتي التسهيل من طريق أبي الحسن وعلى التوسط يأتي الإبدال من طريقي ابن خاقان وأبي الفتح ، ويمتنع القصر على الإبدال أو التسهيل على التوسط من طريق الداني.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {أؤشهدوا} لقالون.

تحرير {أؤشهدوا} لقالون.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

تحرير {أؤشهدوا} لقالون.

قال الناظم :

ومُدَّ قالونُ لِمَا تسهَّلاَ *** بالخلف في أؤشهدوا ليَفْصِلاَ

قال الداني في التيسير :"وقالون من رواية أبي نشيط ، بخلاف عنه : يدخل قبلها ألفاً والشين ساكنة."(التيسير ص453). قال المنتوري : "وقال –أي الداني - في كتاب رواية أبي نشيط عن قالون : اختُلِف علينا في قوله عزّ وجلّ {أؤشهدوا خلقهم} في الزخرف فقرأته على أبي الفتح بالمد ، طرداً للقياس في نظائره ، وقرأته على أبي الحسن بغير مدّ كورش سواء ، نقضاً لمذهبه في نظائره. وقال في الاقتصاد والتمهيد نحوه."(شرح الدرر 1/269).
وقال أبو الحسن ابن غلبون : "وقرأ النفضّل ونافع {أؤشهدوا}بهمزة مفتوحة بعدها واو مضمومة من غير مد مع إسكان الشين."(التذكرة 2/544). والمراد بالواو المضمومة هو الهمزة المسهّلة لأنّه قال بعد ذلك : "وكذلك قرأ المسيّبي إلاّ أنّه أتى بمدّة بين الهمزة والواو" وهذا يعني أنّ نافعاً قرأ بالتسهيل بين الهمزة والواو من غير إدخال. لذلك قال ابن الجزريّ : "فقرأه المدنيان {أؤشهدوا} بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مضمومة مسهّلة على أصلهما مع إسكان الشين وفصل بينهما بألف أبو جعفر وقالون بخلاف على أصلهما المتقدّم في باب الهمزتين من كلمة."(النشر 2/368).

ومن هنا نُدرك أنّ قراءة الداني على أبي الفتح هي بالإدخال بينما قراءته على أبي الحسن هي بغير إدخال.
ويجدر التنبيه على أنّ الداني ذكر الوجهين في التيسير ، وطريق الداني من التيسير هو من قراءته على أبي الفتح ، وقراءته عليه في {أؤشهدوا} هي بالإدخال لا غير ، وبالتالي يكون وجه عدم الإدخال من التيسير مخالفاً لطريق التيسير فينبغي إهماله.

ففي قوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا أؤشهدوا خلقهم} وجهان :

الأوّل : إسكان ميم الجمع في {هم} مع الإدخال في {أؤشهدوا} من قراءة الداني على أبي الفتح
الثاني : صلة ميم الجمع مع عدم الإدخال في {أؤشهدوا} من قراءة الداني على أبي الحسن.

ويمتنع وجه الصلة مع الإدخال ، وكذا وجه الإسكان مع عدم الإدخال لقالون من رواية أبي نشيط من طرق الداني.

والعلم عند الله تعالى.
 
عودة
أعلى