وقد أهمل الناظم وجه الترقيق مع أنّه من طرق الداني في رواية الأزرق عن ورش وكان ينبغي عليه أن يأخذ به أيضاً لأنّه من طريق أبي الحسن. وقد أخذ بوجه القصر في البدل والفتح في ذوات الياء وكلاهما من طريق أبي الحسن.
والعلم عند الله تعالى.
هل نلزم ابن بري لكل ما روى الداني، أم نلزمه بما روى عن شيخه ابن حمدون، وهل نلزم الشاطبي بما في التيسير ولا نزيد عليه، وهل نلزم ورشا بما روى عن نافع، وهل نلزم حفصا بما روى عن عاصم؟!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير {ذكراً} وأخواتها.
قال الناظم :
وفُخّت في الأعجميّ و (إرمْ) *** وفي التكرّر بفتحٍ أو بضمّ
وقبل مستعلٍ وإن حال ألِفْ *** وبابُ (ستراً) فتحُ كلّهِ عُرِفْ
أشار الناظم بقوله : (وبابُ (ستراً) فتحُ كلّهِ عُرِفْ) أنّ التفخيم هو المعروف وهذا يُفهم منه أنّ الترقيق غير معروف وأنّه اقتصر على التفخيم لعدم اشتهاره وهو يظهر من قول الشاطبيّ : وتفخيمه ذكراً وستراً وبابه ***لدى جلّة الأصحاب أعمر أرحلا. وقول الداني في جامع البيان في التفخيم "وعلى ذلك عامة أهل الأداء من المصريّين وغيرهم"
ولكن لو عددنا الآخذين بوجه الترقيق لاتّضح أنّه مشهور أيضاً إلاّ أنّه لم يبلغ مبلغ شهرة التفخيم إذ الترقيق ثابت عن أبي الحسن في كتابه التذكرة وبه قرأ الداني عليه ، وهو ثابت عن ابن شريح من المغاربة في أحد أوجهه وهو مذهب صاحب العنوان والمجتبى وأبي معشر وغيرهم كما ذكر ابن الجزري عليه رحمة الله في نشره.
قال الداني في التيسير : "ونقض مذهبه مع الكسرة في الضربين في قوله : {الصراط} و {صراط} حيث وقعا و {الفراق} و {فراق بيني} و {الإشراق} و {إعراضاً} و {إعراضهم} و {مدراراً} و {إسراراً} و {ضراراً} و {فراراً} و {الفرارُ} و {إبراهيم} و {إسرائيل} و {عمران} و {إرم ذات العماد} و {إمراً} و {ذكراً} و {ستراً} و {وزراً} و {صهراً} و {حجراً} و {إصرهم} و {إصراً} و {مصر} و {مصراً} و {قطراً} و {فطرت الله} و {وقراً} وما كان من نحو هذا فأخلص الفتح للراء في هذا كلّه من أجل حرف الاستعلاء والعجمة وتكرير الراء مفتوحة ومضمومة." (التيسير ص193).
وقال في جامع البيان : "واختلف شيوخنا أيضاً في الراء إذا لحقها التنوين وحال بينها وبين الكسرة ساكن غير حرف استعلاء نحو قوله : {ذكراً} و {إمراً} و {ستراً} و {وزراً} و {حجراً} و {صهراً} وما أشبهه. فأقرأني أبو الحسن بإمالة الراء بين بين وصلاً ووقفاً لأجل الكسرة وضعف الساكن الحائل بينها وبين الراء. وأقرأنيه ابن خاقان وأبو الفتح بإخلاص الفتح مناقضة للأصل ، وعلى ذلك عامة أهل الأداء من المصريّين وغيرهم.".(جامع البيان ص355).
قال المنتوري : "قال الداني في الإبانة : وقد اختلف شيوخنا المصريون ، فيما لحقه التنوين من الراءات ، إذا حال بين الكسر والراء فيه ساكن نحو : قوله تعالى {ذكرا} و {سترا} و{إمرا} و {وزرا} و{حجرا} و {صهرا} ، وشبه ذلك ، فأقرأني ذلك أبو الحسن ، بإمالة فتحة الراء قليلا ، بين اللفظين في الحالين جميعاً ، قياسا على نظائر ذلك ، مما اتصلت الكسرة والياء بالراء فيه ، نحو قوله تعالى {صابرا} و {طائرا} و {خبيرا} و {بصيرا} ، وشبهه. وقال في الاقتصاد : "وأقرأنيه أبو الحسن بإمالة يسيرة ، طرداً للقياس فيه. وقال في التمهيد وإرشاد المتمسّكين : وبذلك قرأت على أبي الحسن وهو القياس. قال في الإبانة : وأقرأني الخاقاني وفارس ابن أحمد عن قراءتهما الباب كلّه بإخلاص الفتح. وقال في الاقتصاد وإرشاد المتمسّكين نحوه. قال في الاقتصاد : وعليه عامة أصحاب أبي يعقوب الأزرق وغيره من أصحاب ورش. وقال في إرشاد المتمسكين : وهو آثر. وقال في الموضح : فإنّ أبا الحسن حكى لنا إمالة فتحة الراء في ذلك ، من أجل الكسرة ، وأنّ الساكن ليس بحاجز حصين ، قال : وأقرأني ذلك غيره بالفتح ، وعليه عامة أهل الأداء من المصريين وغيرهم ، وذلك على مراد الجمع بين اللغتين."(شرح الدرر 2/578،579).
وقال المنتوري : "وقال الداني في إيجاز البيان :"فكان أبو الحسن يرى إمالة فتحة الراء في ذلك ، طرداً للقياس في نظائره في غير المنوّن ، وكان غيره يرى إخلاص الفتح فيه ، وهو قول عامة المصريين ، وكذا نصّ عليه إسماعيل النحاس في كتابه ، ومحمد بن علي – أي الأذفوي- عن أصحابه ، وبذلك قرأت على ابن خاقان وفارس ابن أحمد عن قراءتهما ، وذلك نقض للأصل المتقدّم المجمع عليه ، والأوّل أقيس وهذا آثر." (شرح الدرر 2/579).
وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : "فأمّا ما حال فيه الساكن فكقوله تعالى {الذكر لتبيّن} ، {وما علّمناه الشعر} و {وزر أخرى} و {غير إخراج} و {إخراجهم} و {إكراههنّ} و {المحراب} ، {وإسرافنا} ، {والإشراق} و {عبرة} ، و{سدرة} و {سرّكم} و {ذو مرّة} و {إسرافاً} و {صهراً} و {ذكراً} وما أشبه هذا : فورش وحده يقرأ هذه الراء من هذه الكسرة في هذين الضربين بين اللفظين ....."(التذكرة 1/222).
أقول : أقوال الداني صريحة في كونه قرأ بالترقيق على أبي الحسن وبالتفخيم على ابن خاقان وأبي الفتح بالتفخيم وهو مذهبه في التيسير.
وعليه كان ينبغي على الناظم أن يذكر الوجهين جميعاً.
ففي قوله تعالى {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباؤكم أو اشدّ ذكرا}
- قصر البدل مع الترقيق وهو من قراءة الداني على أبي الحسن من جامع البيان.
- توسط البدل مع التفخيم من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وابي الفتح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد
تحرير : {سراعا}، و{وذراعاً} ، و{ذراعيه}.
قال الداني في جامع البيان عند ذكره للمواضع التفخيم عن أبي الحسن : "والألف التي بعدها عين نحو قوله {ذراعيه} و {ذراعاً} و {سراعاً} وما أشبهه. وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353).
قال المنتوري :"قال الداني في إيجاز البيان : وزادني أبو الحسن في استثناء ثلاثة أصول مطّردة ، سوى ما تقدّم : الأوّل : إذا كان بعد الراء ألف بعدها همزة نحو قوله تعالى {مراء} و {افتراء} وشبهه ، والثاني : إذا كان بعها عين نحو قوله تعالى{سراعاً} و {ذراعاً} و {ذراعيه}وشيهه ، والثالث : إذا كان بعدها الف التثنيه نحو {طهرا} و {ساحران} و {تنتصران} وشبهه ، فأخلص الفتح للراء في ذلك ، وقال في جامع البيان والتمهيد وإرشاد المتمسّكين والموضح والإبانة نحوه."(شرح الدرر 2/561).
وأما في التيسير فإنّ الداني اقتصر فيه على الترقيق حيث لم يستثن هذه الكلمات من الراءات المرققة ، وهذا الذي يتوافق مع طريق التيسير إذ بالترقيق قرأ على ابن خاقان.
قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "ثانيها {سراعاً} و{ذراعاً} و {ذراعيه} ففخمها من أجل العين صاحب العنوان وشيخه وطاهر بن غلبون وابن شريح وأبو معشر الطبري. وبه قرأ الداني على أبي الحسن ورققها الآخرون من أجل الكسرة وهو الذي في التيسير والتبصرة والهداية والهادي والتجريد والشاطبية. وبه قرأ الداني على فارس والخاقاني وذكر الوجهين ابن بليمة والداني في الجامع."(النشر 2/96).
قال أبو الحسن عند ذكره المواضع التي خالف فيها ورش أصله : "والسادس : إذا وقع بعد هذه الرّاء ألف بعدها عين مفتوحة ، كقوله تعالى {عنهم سراعاً} و {من الأجداث سراعاً} و {سبعون ذراعاً} ، وقد ذهب قوم إلى الأخذ لورش في هذا الموضع بين اللفظين ، وقد قرأت بذلك على بعضهم ، والفتح أجود."(التذكرة ص223و224).
أقول : وإن قرأ أبو الحسن بالوجهين إلاّ أنّه قدّم التفخيم في الأداء وأقرأ الداني به إذ لم يذكر الداني أنّه قرأ عليه بالوجهين ، بل ذكر أنّه قرأ عليه بالتفخيم وعلى غيره بالترقيق.
وعليه فإنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالتفخيم وقراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالترقيق.
وقد أهمل الناظم وجه الترقيق وكان عليه أن يذكر الوجهين في هذه الكلمات الثلاثة.
تحرير : {مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله}.
تحرير : {مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله}.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير : {مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله}.
قال الداني في جامع البيان : "والألف التي بعدها همزة نحو قوله {افتراءً على الله} و {افتراء عليه} و {مرآء ظاهراً} وما أشبهه. والألف التي بعدها عين نحو قوله {ذراعيه} و {ذراعاً} و {سراعاً} وما أشبهه. وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353).
قال المنتوري :"قال الداني في إيجاز البيان : وزادني أبو الحسن في استثناء ثلاثة أصول مطّردة ، سوى ما تقدّم : الأوّل : إذا كان بعد الراء ألف بعدها همزة نحو قوله تعالى {مراء} و {افتراء} وشبهه ، والثاني : إذا كان بعها عين نحو قوله تعالى{سراعاً} و {ذراعاً} و {ذراعيه}وشيهه ، والثالث : إذا كان بعدها الف التثنيه نحو {طهرا} و {ساحران} و {تنتصران} وشبهه ، فأخلص الفتح للراء في ذلك ، وقال في جامع البيان والتمهيد وإرشاد المتمسّكين والموضح والإبانة نحوه."(شرح الدرر 2/561).
وأما في التيسير فإنّ الداني اقتصر فيه على الترقيق حيث لم يستثن هذه الكلمات من الراءات المرققة وهذا الذي يتوافق مع طريق التيسير إذ بالترقيق قرأ على ابن خاقان.
قال ابن الجزريّ : "ثالثها {افتراء على الله} و{افتراء عليه} و {مراء} ففخمها من أجل الهمزة ابن غلبون صاحب التذكرة وابن بليمة صاحب تلخيص العبارات وأبو معشر صاحب التلخيص وبه قرأ الداني على أبي الحسن ورققها الآخرون من أجل الكسرة وذكر الداني الوجهين في جامع البيان."(النشر 2/97).
وقال أبو الحسن ابن غلبون عند ذكره المواضع التي خالف فيها ورش أصله :"والسابع : إذا وقع بعد هذه الراء ألف ، بعدها همزة مفتوحة ، كقوله تعالى : {إلاّ مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله} وما أشبه هذا." ثمّ قال :" وقد ذهب قوم إلى الأخذ لورش في هذا الموضع والموضع الذي قبله بين اللفظين ، وقد قرأت بذلك على بعضهم والفتح أجود فيهما."(التذكر 1/224). أقول : وإن قرأ أبو الحسن بالوجهين إلاّ أنّه قدّم التفخيم في الأداء وأقرأ الداني به إذ لم يذكر الداني أنّه قرأ عليه بالوجهين ، بل ذكر أنّه قرأ عليه بالتفخيم وعلى غيره بالترقيق.
وعليه فإنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالتفخيم وقراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالترقيق.
وقد أهمل الناظم وجه التفخيم وكان عليه أن يذكر الوجهين في هذه الكلمات الثلاثة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير : {ساحران} و {تنتصران} و{طهرا}.
قال الداني في جامع البيان : "وقد خالف أبو الحسن الجماعة من أهل الأداء في الراء التي يليها كسرة لازمة ، ويقع بعدها أحد ثلاثة أحرف : ألف الاثنين ، وسواء كانت حرفاً أو اسماً أو ألف بعدها همزة ، أو ألف بعدها عين ، فكان يُخلص الفتح من أجل ذلك ، فألف الاثنين نحو قوله {تنتصران} و {لساحرانِ} و {طهّرا} وما أشبهه." ثمّ قال : " وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353).
وقال المنتوري :"قال الداني في إيجاز البيان : وزادني أبو الحسن في استثناء ثلاثة أصول مطّردة ، سوى ما تقدّم : الأوّل : إذا كان بعد الراء ألف بعدها همزة نحو قوله تعالى {مراء} و {افتراء} وشبهه ، والثاني : إذا كان بعها عين نحو قوله تعالى{سراعاً} و {ذراعاً} و {ذراعيه}وشيهه ، والثالث : إذا كان بعدها الف التثنيه نحو {طهرا} و {ساحران} و {تنتصران} وشبهه ، فأخلص الفتح للراء في ذلك ، وقال في جامع البيان والتمهيد وإرشاد المتمسّكين والموضح والإبانة نحوه."(شرح الدرر 2/561).
وأما في التيسير فإنّ الداني اقتصر فيه على الترقيق حيث لم يستثن هذه الكلمات من الراءات المرققة وهذا الذي يتوافق مع طريق التيسير إذ بالترقيق قرأ على ابن خاقان.
قال ابن الجزريّ في النشر : "رابعها {ساحران} ، و{تنتصران}، و{طهرا} ففخمها من أجل ألف التثنية أبو معشر الطبري وأبو علي بن بليمة وأبو الحسن بن غلبون وبه قرأ الداني عليه ورققها الآخرون من أجل الكسرة والوجهان جميعاً في جامع البيان."(النشر 2/97).
وقال أبو الحسن عند ذكره المواضع التي خالف فيها ورش أصله :"والثامن: إذا وقع بعد هذه الراء ألف تدلّ على الاثنين ، سواء كانت تلك الألف اسماً أو حرفاً : فالاسم كقوله : {أن طهّرا بيتيَ} و {فلا تنتصران}. والحرف كقوله {سحران}. وقد ذهب قوم إلى الأخذ لورش في هذا الموضع والموضع الذي قبله بين اللفظين ، وقد قرأت بذلك على بعضهم والفتح أجود فيهما."(التذكر 1/224). أقول : وإن قرأ أبو الحسن بالوجهين إلاّ أنّه قدّم التفخيم في الأداء وأقرأ الداني به إذ لم يذكر الداني أنّه قرأ عليه بالوجهين ، بل ذكر أنّه قرأ عليه بالتفخيم وعلى غيره بالترقيق.
وعليه فإنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالتفخيم وقراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالترقيق.
وقد أهمل الناظم وجه التفخيم وكان ينبغي عليه أن يذكر الوجهين في هذه الكلمات الثلاثة.
ففي قوله تعالى : {يُرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} وجهان :
الأول : تفخيم {تنتصران} مع قصر {آلاء} من قراءة الداني على أبي الحسن وهو أحد وجهي جامع البيان.
الثاني : ترقيق {تنتصران} مع توسط {آلاء} من والتيسير والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد
تحرير {وزر أخرى}.
قال الداني : "وأقرأني أبو الفتح {وزر} حيث وقع بإخلاص الفتح وأقرأني ذلك غيره بالإمالة لأجل الكسرة."(جامع البيان ص354).
قال المنتوري :"قال الداني في إرشاد المتمسّكين : وأخذ عليّ أبو الفتح {وزر أخرى}بالفتح حيث وقع. وقال في الموضح : واستثنى لي أيضاً أبو الفتح عن قراءته قوله تعالى {وزر أخرى} حيث وقع ، فأخذه عليّ مفتوحاً. وقال في التمهيد نحوه. وقال في التلخيص :وزادني أبو الفتح أيضاً ، تفخيم الراء من قوله تعالى {وزر أخرى} حيث وقع ، وقد نصّ على ذلك يعض المشيخة ، والقياس الإمالة. وقال في الاقتصاد : "وأخذ عليّ أبو الفتح {وزر أخرى} حيث وقع بالتفخيم ، وأخذ عليّ غيره بإمالة يسيرة. وقال في جامع البيان : وأقرأني أبو الفتح {وزر} حيث وقع بإخلاص الفتح وأقرأني ذلك غيره بالإمالة لأجل الكسرة. وقال في إيجاز البيان : وزادني أيضاً أبو الفتح في الاستثناء ، إخلاص الفتح للراء في قوله تعالى {وزر أخرى} حيث وقع ، وكذلك رواه داود عن ورش ، وبإجراء القياس في ذلك قرأت على غيره."(شرح الدرر 2/562). وقال المنتوري :"وقال في الإبانة : "وزادني أبو الفتح شيخنا عن قراءته أيضاً ، إخلاص فتحة الراء في قوله تعالى {وزر أخرى} حيث وقع."(شرح الدرر ص2/562).
وأمّا في التيسير فذكر القاعدة ولم يستثن {وزر أخرى} من الترقيق.
وقد ذكر أبو الحسن ابن غلبون القاعدة في الترقيق ومثّل ب{ورز أخرى} فقال : "وأمّا ما حال بينهما فيه ساكن فكقوله تعالى :{الذكر لتبيّن} ، {وما علمناه الشعر} ، و{وزر أخرى}...". ثمّ قال : "فورش وحده يقرأ هذه الراء مع هذه الكسرة في هذين الضربين بين اللفظين."(التذكرة 1/222).
أقول : من خلال ما نقلناه من أقوال الداني وغيره يتّضح أنّه قرأ {وزر أخرى} بتفخيم الراء على أبي الفتح وبالترقيق على ابن خاقان وأبي الحسن ، لذا كان ينبغي على الناظم أن يذكر الوجهين جميعاً في {وزر أخرى} خاصّة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير {الإشراق}.
قال الداني في جامع البيان : وقد كان شيخنا أبو الحسن يرى إمالة الراء في قوله {الإشراق} لكون حرف الاستعلاء فيه مكسوراً ، وخالف في ذلك عامة أهل الأداء من المصريين وغيرهم فأخلصوا الفتح للقاف في ذلك حملاً على ما انعقد الإجماع على إخلاص الفتح فيه مع كون حرف الاستعلاء فيه مكسوراً نحو {إلى صراط} و {عن الصراط} و {إلى سواء الصراط} وشبهه ، وبذلك قرأت على ابن خاقان وأبي الفتح عن قرائتهما." (جامع البيان ص353).
قال المنتوري : "قال –أي الداني في إيجاز البيان- وقد كمان شيخنا أبو الحسن يرى ترقيق الراء ، وإمالة فتحتها في قوله تعالى {والاشراق} لانكسار حرف الاستعلاء ، فسألته عن ذلك ، وعارضته بقوله تعالى {إلى صراط مستقيم صراط الله} ، وشبههما مما حرف الاستعلاء فيه مكسور ، وهو يرى فيه إخلاص الفتح ، فأبى إلاّ الترقيق للراء في ذلك وأجاز إخلاص الفتح. وذكر في كتاب الراءات واللامات لورش أنّه عارض شيخه أبا الحسن بتفخيم قوله {إلى صراط} ونظيره ، مما يرى التفخيم فيه ، فلم ينفصل من المعارضة إلاّ أنّه لم يزل على الترقيق. وقال في التمهيد : وقد كان شيخنا أبو الحسن يذهب إلى الترقيق في قوله تعالى {الاشراق} ، ويرى أنّ الحرف المستعلي إذا كان مكسوراً لم يمنع ، فظننت أنّه يرى ذلك في جميع الباب ، فقلت له : ما تقول في الراء في قوله تعالى{إلى صراط مستقيم صراط الله} ، فقال مفخّمة ، فألزمته ذلك في {الإشراق} إذا لا فرق بينهما فالتزمه ، غير أنّه زعم أنّ الصاد المكسورة في قوله تعالى {إلى صراط} تعين على فتح الراء ، وليس في الإشراق ما يعين على الفتح. وقال في الموضح : وكان شيخنا أبو الحسن ، يرى إمالة الراء في قوله تعالى : {والاشراق} لكون حرف الاستعلاء فيه مكسوراً ، فالإمالة والترقيق تحسنان معه ، فعارضته بقوله تعالى {إلى صراط مستقيم} وشبهه ، وألزمته الإمالة فيه بما حكاه ، فقال قد تأكّد الفتح الفتح في {صراط مستقيم} ونظيره لوقوع الراء بين حرفين مطبقين مستعليين ، وهما الصاد قبلها ، والطاء بعدها وليس ذلك في الإشراق. قال الداني : "ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء لقراءة ورش عن نافع من المصريين وغيرهم في إخلاص الفتح للراء في ذلك ، وإنّما قال ذلك شيخنا ، فيما أحسبه قياساً دون أداء لإجماع الكلّ على خلاف ما قاله...."(شرح الدرر 2/574). وقال : "وبذلك – أي بالتفخيم مع الطاء والضاد والقاف - قرأت للجماعة عن ورش ، على أبي الفتح ، وبه قرأت في رواية أبي يعقوب على ابن خاقان وبه آخذ."(شرح الدرر ص575).
قال أبو الحسن : "وأمّا ما حال بينهما فيه ساكن فكقوله تعالى {الذكر لتبيّن} ، {وما علمناه الشعر} و {وزر أخرى} و {غير إخراج} و {إخراجهم} و {إكراههنّ} و {المحراب} و {إسرافنا} و {الإشراق} و {عبرة} و {سدرة} و {سرّكم} و {ذو مرّة} و {إسرافاً} و {صهراً} و {ذكراً} وما أشبه هذا : فورش وحده يقرأ هذه الراء مع هذه الكسرة في هذين الضربين بين اللفظين ........."(التذكرة ص1/221 و222).
قال في النشر : "الثاني عشر منها : (والإشراق). في سورة ص~. رققه صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار من أجل كسر حرف الاستعلاء بعد وهو أحد الوجهين في التذكرة وتلخيص أبي معشر وجامع البيان وبه قرأ على ابن غلبون وهو قياس ترقيق."(النشر 2/98).
أقول :لم يذكر أبو الحسن الوجهين وما أشار إلى التفخيم البتة كما ذكر صاحب النشر ، بل ذكر أبو الحسن {الإشراق} ضمن الكلمات التي ترقّق عنده وجهاً واحداً ، ولم يقرأ عليه الداني إلاّ بالترقيق.
والذي يظهر من أقوال الداني أنّه ضعّف وجه الترقيق ولم يأخذ به لأنّه حسِبَ أنّ أبا الحسن قد انفرد به عن سائر أهل الداء ، والأمر ليس كذلك لأنّه اتّضح في النشر أنّ غير أبي الحسن قد روى هذا الوجه فلا يكون أبو الحسن حينئذ منفرداً به عن غيره. وقد رجعت إلى مصادر النشر التي وقفت عليها وهو كتاب العنوان فلم أجد فيه وجه الترقيق ، وأمّا كتاب المجتبى والجامع لأبي معشر فليسا بحوزتي لأفتّش عن ثبوت الوجه فيهما ، ولكن ثقتي بابن الجزري في نقله الترقيق عن أبي معشر والطرسوسي يمنعني من تضعيف هذا الوجه لا سيما أنني لم أقف على المصدرين.
زيادة على ذلك أنّ الداني احتجّ على شيخه بالقياس ، وحجّة شيخه عندي أقوى لأنّ الراء في {صراط الله} وقعت بين حرفين مطبقين ، ففُخّمت الراء لقوة الحرفين خلافاً ل{الاشراق} فإنّ الراء وقعت بعد حرف مرقق وقبل حرف مفخّم غير مطبق ، فظهر الفرق بين الجنسين وهذا الفرق مانع للقياس ، ولأجل ذلك رُقّقت الراء في {إخراج} ولم ترقّق في غيرها مع أنّ الخاء من حروف الاستعلاء لكنّها من أضعفها ، فكان على الداني أن لا يردّ الرواية بالقياس لأنّه قال عليه رحمة الله تعالى : "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر" (جامع البيان ص172).
ولا شكّ عندي أنّ ابن الجزري قد اطلّع على تضعيف الداني لوجه الترقيق في جامع البيان ، ولا أشكّ أيضاً أنّ صاحب النشر كان كثيراً ما يعتمد على تضعيفات الداني وتصحيحاته ، ونراه في هذه المسألة غير ملتفت إلى مذهب الداني لأنّه على يقين أنّ العلّة التي من أجلها ضعّف الداني وجه الترقيق ليست صحيحة ، وهذا الذي حمله على تصحيح وجه الترقيق ولو مع تضعيف الداني له.
ولم يذكر الناظم هذا الوجه وهو معذور على ذلك لأنّ الداني ضعّفه ، والصحيح عندي أن يؤخذ به من طريق الداني لأنّ الذي حمل الداني على تضعيف وجه الترقيق هو الانفراد والقياس ، وكلاهما غير مسلّم بهما ، لأنّ ّصاحب النشر ذكر للوجه متابعات من طريق أبي معشر وصاحب المجتبى والعنوان ، وأنّ حجّة أبي الحسن من جهة القياس هي أقوى من حجّة الداني.
وعليه فإنّ الوجهين صحيحان عن الداني ، فالترقيق هو من قراءة الداني على أبي الحسن من جامع البيان وأنّ التفخيم هو من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح من التيسير وجامع البيان.
قال في النشر : "الثاني عشر منها : (والإشراق). في سورة ص~. رققه صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار من أجل كسر حرف الاستعلاء بعد وهو أحد الوجهين في التذكرة وتلخيص أبي معشر وجامع البيان وبه قرأ على ابن غلبون وهو قياس ترقيق."(النشر 2/98).
المرجو التأكد من قول ابن الجزري من مخطوطاته، فقد نبه الشيخ محمد شريف على عدم وجود الوجهين في التذكرة، وتلخيص أبي معشر ليس من طرقه طريق الأزرق. والله أعلم
أشار الناظم بأنّه لا بدّ من إبدال همزةِ وصلِ لامِ التعريف إن وقعت بعد همزة الاستفهام وذلك في {آلذكرين} و {آالله} و{آلئن}.
واللافت للانتباه هنا ، أنّ الناظم اقتصر على وجه الإبدال وأهمل وجه التسهيل مع أنّ الداني ذكر الوجهين في التيسير وفي غير التيسير وذكرهما الإمام الشاطبيّ أيضاً.
قال العلامة المارغني : "واقتصر الناظم على الإبدال وكان حقّه أن يذكر التسهيل أيضاً لأنّ الإبدال وإن كان أولى وأرجح من التسهيل كما ذكر الشاطبي لكن أولويّته لا تقتضي الاقتصار عليه بل تقتضي تقديمه على التسهيل أداءً."(نجوم الطوالع ص67).
أقول كلام العلامة المارغني صواب ولكن تعليله للخطأ فيه نظر لأنّ الناظم له أن يختار من مرويات الداني بعض الأوجه بشرط أن لا يقع في الخلط بين الروايات.
وقد تقدّم في باب تحرير {آلئن} أنّ الداني قرأ على ابن خاقان بالإبدال لأنّ مذهب هذا الأخير هو لزوم البدل. وأنّ قراءته على أبي الفتح وأبي الحسن هي بالتسهيل. فأمّا قراءته على أبي الفتح فلأنّ ابن الجزري ذكر في نشره أنّ الداني قرأ بالتسهيل على أبي الفتح. وأما قراءته على أبي الحسن فلأنّ أبا الحسن اقتصر على التسهيل في كتابه التذكرة.
من تأمّل طرق الداني يجد أنّ التسهيل هو الأشهر عنده في الرواية إذ به قرأ على أبي الحسن وأبي الفتح. ولم يذكر الداني أنّ الإبدال مقدّم في الأداء أو أنّه الأشهر أو الأقيس بل ذكر أنّ التسهيل هو الأوجه والأقيس قال الداني في الإيضاح : " وهذا هو الأوجه عندنا في التسهيل هذه الهمزة. وقال في إيجاز البيان : وهو –أي التسهيل- القياس." (شرح الدرر 1/322).
ومن هنا يتّضح أنّ التسهيل هو الأقوى من جهة الرواية والقياس من طريق الداني ، وكون الإمام الشاطبيّ قدّم الإبدال في الأداء لا يعني أنّه المقدّم عند الداني.
وعلى ما سبق من البيان يتّضح أنّ الوجهين صحيحان عن الداني وكان حقّ الناظم أن يذكر وجه التسهيل أيضاً.
ففي تعالى { قل آلذكرين } إلى قوله {نبئوني بعلم إن كنتم صادقين} يكون لورش ثلاثة أوجه.
الأوّل : الإبدال في {آلذكرين} مع توسط {نبئوني} من التيسير وبه قرأ الداني على ابن خاقان
الثاني : التسهيل مع التوسط من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : التسهيل مع القصر من جامع البيان وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
وفي قوله تعالى { أثمّ إذا ما وقع آمنتم به ى آلئن} يكون لقالون وجهان :
الأوّل : قصر المنفصل في {به} مع التسهيل في {آلئن} من التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثاني : توسط المنفصل مع التسهيل من قراءة الداني على أبي الحسن.
ويمتنع الإبدال لقالون من طريق الداني لأنّ الداني لم يقرأ به إلاّ على ابن خاقان وهذا الأخير ليس طريقاً لقالون.
خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق :
- أنّ الوجهين صحيحان عن الداني في رواية ورش ،
- وأنّ وجه الإبدال ممتنع في رواية قالون لأنّ رواية الداني عن قالون هي عن أبي الفتح وأبي الحسن ومذهبهما التسهيل ،
- وأنّ وجه التسهيل لورش لا يصحّ من التيسير لأنّ الداني لم يقرأ به على ابن خاقان.
- وأنّ وجه الإبدال لقالون لا يصحّ من التيسير لأنّ الداني لم يقرأ به على أبي الفتح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
الراءات المضمومة.
قال الداني في التيسير : "وحكم الراء المضمومة مع الكسرة اللازمة والياء الساكنة في مذهبه حكم الراء المفتوحة سواء نحو {يسرّون} و {منذرون}....."(التيسير ص194).
وقد نقل المنتوري عن الداني في كتابه الإبانة أنّه قال : "وقد كان شيخنا أبو الحسن ينكر أن يجعل حكم المضمومة كحكم المفتوحة."(شرح الدرر ص2/527).
قال ابن الجزري في النشر بعد أن ذكر أقسام الراءات المضمومة : "وهذه أقسام المضمومة مستوفاة" فأجمعوا على تفخيمها في كل حال إلا أن تجيء وسطاً أو آخراً بعد كسر أو ياء ساكنة أو حال بين الكسر وبينها ساكن فإن الأزرق عن ورش رققها في ذلك على اختلاف بين الرواة عنه فروى بعضهم تفخيمها في ذلك ولم يجروها مجرى المفتوحة. وهذا مذهب أبي الحسن طاهر بن غلبون صاحب التذكرة وأبي طاهر إسماعيل بن خلف صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار صاحب المجتبى وغيرهم وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن. وروى جمهورهم ترقيقها وهو الذي في التيسير والهادي والكافي والتلخيصين والهداية والتبصرة والتجريد والشاطبية وغيرها وبه قرأ الداني على شيخه الخاقاني وأبي الفتح."(النشر 2/99).
قال أبو الحسن بن غلبون : " اعلم أنّ ورشاً كان يقرأ الراء المفتوحة بين اللفظين إذا وقع قبلها ياء ساكنة أو كسرة فقط."(التذكرةص219). أقول : فخرج بقوله :"كان يقرأ الراء المفتوحة بين اللفظين" الراء المضمومة ، والتي ما أشار إلى ترقيقها البتة.
وعلى ما سبق من الأقوال يتّضح أنّ قراءة الداني على أبي الحسن في الراءات المضمومة هو بالتفخيم وأنّ قراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالترقيق ، وبالتالي كان على الناظم أن يذكر الوجهين جميعاً في الراءات المضمومة.
ففي قوله تعالى {يا أيّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} وجهان من طريق الداني.
- قصر البدل في {آمنوا} مع التفخيم في {اصبروا وصابروا} من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
- توسط البدل مع الترقيق من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
وفي قوله تعالى {إنّ الذي يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتيهم إن في صدورهم إلاّ كبرٌ} وجهان:
- قصر البدل في {آيات} مع الفتح في {أتاهم} والتفخيم في {كبرٌ} من جامع البيان وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
- التوسط مع التقليل والترقيق من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
باب اللامات.
قال ابن الجزريّ : "وروى بعضهم ترقيقها مع الطاء عنه كالجماعة وهو الذي في العنوان والمجتبي والتذكرة وإرشاد ابن غلبون وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن بن غلبون"(النشر 2/112).
قال الداني في التيسير : " واعلم أنّ ورشاً كان يُغلّظ اللام إذا تحرّكت بالفتح ، ووليها من قبلها صادٌ أو ظاءٌ أو طاءٌ ، وتحرّكت هذه الحروف الثلاثة بالفتح أو سُكّنت لا غير."(التيسير ص197).
وقال في جامع البيان : "هذه قراءتي – أي بتغليظ اللام مع الحروف الثلاثة- له من الطريق المذكور على ابن خاقان وأبي الفتح عن قراءتهما. وقرأت له على ابن غلبون بتغليظ اللام وتفخيمها مع الصاد والظاء المعجمة وترقيقها مع الطاء."(جامع البيان ص361).
قال المنتوري :" قال في إيجاز البيان : وبالتغليظ للام مع الثلاثة الأحرف ، قرأت على فارس بن أحمد وابن خاقان ، وسألت عن ذلك فارساً فأخبرني به عن قراءته." وقال : "قال في إيجاز البيان: "وكان أبو الحسن يروي عن قراءته ، تغليظ اللام مع الصاد والظاء لا غير." وقال :"وقال في الإبانة : وقرأت على أبي الحسن بن غلبون ، عن قراءته على أصحاب أبي بكر بن سيف عنه بالتفخيم للام مع الصاد والظاء المعجمة لا غير."(شرح الدرر 2/611).
قال أبو الحسن في كتابه التذكرة : "اعلم أن ورشا كان يفخم اللام المفتوحة إذا وقعت بعد الصاد أو الظاء لا غير ، وسواء كانت الصاد أو الظاء مفتوحتين أو ساكنتين فقط ...."(التذكرة ص246).
وعلى ما سبق من البيان يتّضح جلياً أنّ التغليظ للام من رواية الداني عن أبي الحسن تختصّ بالصاد والظاء لا غير أي بترقيق اللام مع الطاء في نحو {الطلاق} ، و{طلقتم} ، و {بطل} ، بينما روايته عن ابن خاقان وأبي الفتح تكون بالتغليظ مع الحروف الثلاثة بما فيها الطاء ، وعليه كان ينبغي على الناظم أن يذكر الخلاف في اللام الواقعة بعد الطاء في نحو {الطلاق} ، و{طلقتم} ، و {بطل}.
ففي قوله تعالى : {الطلاق مرتان} .. إلى قوله تعالى : {آتيتموهن شيئا} وجهان من طريق الداني وهي كالتالي :
الأوّل : ترقيق اللام مع قصر البدل من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثاني : تغليظ اللام مع توسط البدل من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
وكلا الوجهين يلزمان منهما التوسط في {شيئا} كما هو معلوم.
وفي قوله تعالى { أثمّ إذا ما وقع آمنتم به ى آلئن} يكون لقالون وجهان :
الأوّل : قصر المنفصل في {به} مع التسهيل في {آلئن} من التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثاني : توسط المنفصل مع التسهيل من قراءة الداني على أبي الحسن.
ويمتنع الإبدال لقالون من طريق الداني لأنّ الداني لم يقرأ به إلاّ على ابن خاقان وهذا الأخير ليس طريقاً لقالون.
الأوّل : قصر المنفصل في {به} مع التسهيل في {آلئن} مع الصلة في ميم الجمع من التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثاني : توسط المنفصل مع التسهيل مع إسكان ميم الجمع من قراءة الداني على أبي الحسن.
الأوّل : قصر المنفصل في {به} مع التسهيل في {آلئن} مع الصلة في ميم الجمع من التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثاني : توسط المنفصل مع التسهيل مع إسكان ميم الجمع من قراءة الداني على أبي الحسن.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير {فصالاً} و {يصالحا} و {طال}.
لم يذكر الداني في تيسيره وابن غلبون في تذكرته حكم ما فُصل بالألف بين الأحرف الثلاثة واللام فيكون الحكم عندهما الترقيق لا غير. وأمّا في جامع البيان فإنّه ذكر الوجهين وقدّم التغليظ فقال : "فإن حال بين الصاد والطاء وبين اللام ألف نحو قوله : {فصالا} و {أن يصالحا} و {أفطال} وشبهه فالترقيق لأجل الفاصل الذي فصل بينه وبين اللام ، والتغليظ لأجل قوّة المستعلي والتغليظ أوجه."(جامع البيان ص362).
قال ابن الجزريّ : "واختلفوا فيما إذا حال بين الحرف وبين اللام فيه ألف وذلك في ثلاثة مواضع: موضعان مع الصاد وهما {فصالاً}، و{يصالحا} وموضع مع الطاء وهو {طال} في طه ، {أفطال عليكم العهد} وفي الأنبياء {حتى طال عليهم العمر} وفي الحديد {فطال عليهم الأمد} فروى كثير منهم ترقيقها من أجل الفاصل بينهما وهو الذي في التيسير والعنوان والتذكرة وتلخيص ابن بليمة والتبصرة وأحد الوجهين في الهداية والهادي والتجريد من قراءته على عبد الباقي وفي الكافي وتلخيص أبي معشر. وروى الآخرون تغليظها اعتداداً بقوة الحرف المستعلى وهو الأقوى قياساً والأقرب إلى مذهب رواة التفخيم. وهو اختيار الداني في غير التيسير. وقال في الجامع: إنه الأوجه. وقال صاحب الكافي: إنه أشهر. وقال أبو معشر الطبري: إنه أقيس. والوجهان جميعاً في الشاطبية والتجريد والكافي والتلخيص وجامع البيان إلا أن صاحب التجريد أجرى الوجهين مع الصاد وقطع بالترقيق مع الطاء على أصله."(النشر 2/113 و 114).
أقول : أشار الداني إلى الوجهين في جامع البيان من غير عزوِ كلّ وجه إلى مشايخه الثلاثة وحتّى فيما نقله المنتوري عنه لم أجد عزواً في ذلك وبالتالي يصعب تحرير المسألة.
وسأحاول بحول الله تعالى تحريرها فأقول وبالله التوفيق.
لم يذكر الداني حكم ما فُصل بالألف بين الأحرف الثلاثة واللام في كتابه التيسير والتعريف وقد أسند الرواية في هذين الكتابين إلى ابن خاقان وهذا ما يجعلنا نأخذ له من طريق ابن خاقان بالترقيق لا غير.
وأمّا روايته عن أبي الحسن فبالترقيق لأنّ أبا الحسن لم يشر إلى هذا الجنس في كتابه التذكرة وبالتالي فإنّ حكمه هو الترقيق من طريقه ، فتكون قراءة الداني عليه بالترقيق لا غير.
وأمّا روايته عن أبي الفتح فلم أقف عليها صراحة ، وهذا ما حملني على أن أعتمد على المتابعات في ذلك ، حيث أسند كلٌ من صاحب التجريد وتلخيص العبارات رواية الأزرق عن عبد الباقي عن والده أبي الفتح فارس ابن أحمد شيخ الداني ، ومعلوم أنّ مذهب ابن الفحام عن عبد الباقي وكذا ابن بليمة هو الترقيق. قال ابن الفحام : "فإن حالت الألف بين الصاد واللام المفتوحة فقرأت على عبد الباقي بالترقيق ، وعلى الجماعة بالتفخيم نحو {فصالاً} و{يصّالحا}".(التجريد ص181). وأمّا ابن بليمة فلم يذكر هذه المسألة أصلاً فيكون مذهبه الترقيق وهو ما يظهر في النشر.
أقول : فإن كانت رواية ابن بليمة وابن الفحام كليهما عن عبد الباقي عن أبي الفتح بالترقيق لا غير دلّ ذلك أنّ مذهب أبي الفتح هو الترقيق ، وبذلك تكون قراءة الداني عليه.
ويجدر التنبيه على أنّ رواية الترقيق هي الأشهر ، وأنّ المسكوت عنهم في النشر هم صاحب الإرشاد والمجتبى والكامل ، ومذهب هؤلاء هو الترقيق على قول كبار المحررين وبالتالي فلا يوجد من اقتصر على وجه التغليظ إذ كلّ من روى التغليظ إلاّ وذكر معه الترقيق ، فاتّضح أنّ وجه الترقيق هو المقدّم في الأداء ولا عبرة بقوّة وجه التغليظ من جهة القياس.
خلاصة المسألة : نخلص مما سبق من البيان أنّ قراءة الداني على مشايخه الثلاثة هي بالترقيق لا غير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
لم أذكر كلام الناظم في باب اللامات سهواً ، وها أنا أذكره استدراكاً. قال الناظم: غلّظ ورش فتحة اللام يلي *** طاءَ وظاءَ ولصاد مهملِ إذا أتَيْنَ مُتحرّكاتِ *** بالفتحِ قبلُ أو مُسكّناتِ والخُلفُ في طالَ وفي فصلاَ *** وفي ذوات الياء إن أمالا.
أشار الناظم إلى تغليظ اللام المفتوحة إذا أتت بعد الطاء والظاء والصاد سواء سُكّنت أم فتحت. نحو {الطلاق} و {مطْلع} و {ظلموا} و {أظلم} و{الصلاة} و {وسيصلون}. وقد ذكرنا أنّ الترقيق اللام مع الطاء صحيح من رواية الداني عن أبي الحسن فكان على الناظم أن يذكر الخلاف في ذلك. ثمّ أشار إلى الخلف في {طال} و {فصالا} وذكرنا أنّ رواية الداني عن مشايخه الثلاثة هي بالترقيق على الصحيح.
وأمّا قوله : (وفي ذوات الياء إن أمالا).
فالمراد من كلامه أنّ الخلف يقع كذلك في اللام الواقعة قبل الألف المنقلبة عن الياء في حالة إمالتها لا غير ، وهذا يقتضى أنّه لا خلاف في تغليظها إن قُرئت ذوات الياء بالفتح ، وقد وقع ذلك في سبعة مواضع : {مصلّى} حال الوقف في البقرة و{يصلاها} بالإسراء والليل و {ويُصلّى سعيراً} بالانشقاق و {يصلى النار} و {تصلى ناراً حامية} بالغاشية و {سيصلى} في المسد.
وأمّا إن وقعت في رؤوس الآي وذلك في ثلاثة مواضع : {فلا صدّق ولا صلّى} بالقيامة ، و {وذكر اسم ربّه فصلّى} بالأعلى و {عبداً إذا صلّى} بالعلق ، فإنّها ترقّق وجهاً واحداً لقول الناظم فيما بعد. وفي رؤوس الآي خذ بالترقيق *** تَتَبْعَ وتَتْبع سبيل التحقيق.
فقوله : (تَتْبَعَ) : لتتبع رؤوس الآي بعضها بعضاً فتتناسب كلها ويكون جميعها على نسق واحد في التقليل. قال الداني في جامع البيان :"فتكون بين بين لأجل الألف المنقلبة عن الياء بعدها حملاً على ما قبل ذلك وما بعده من رؤوس الفواصل ، وإتباعاً له ليأتي الجميع بلفظ واحد ولا يختلف".
وقوله : (وتَتْبِع سبيل التحقيق) : أي القول الراجح والمختار والمعوّل عليه وهو الترقيق بناء على ما قدّمه في باب الإمالة من أنّ رؤوس الآي دون هاء تُمال لا غير.
ومن هنا يتّضح أنّ مذهب الناظم في هذه المسألة هو الوجهان فيما وقعت فيه اللام في غير رؤوس الآي ، والترقيق وجهاً واحداً فيما إذا وقعت في رؤوس الآي.
والآن نبيّن مذهب الداني في المسألة فأقول وبالله التوفيق.
قال الداني في التيسير : "فإن وقعت اللام مع الصاد في كلمة هي رأس آية في سورة أواخر آيها على الياء نحو {ولا صلّى} و {فصلّى}احتملت التغليظ والترقيق ، والترقيق أقيس لتأتي الآي بلفظ واحد."(التيسير ص197). وأمّا التي لا تقع في رؤوس الآي فإنّها مغلّظة لقوله : "اعلم أنّ ورشاً كان يُغلّظ اللام إذا تحرّكت بالفتح ، ووليها من قبلها صاد أوظاء أو طاء ، وتحرّكت هذه الحروف الثلاثة بالفتح أو سُكّنت لا غير. فالصاد نحو قوله عزّ وجلّ : {الصلاة} و {مصلّى}و {فيُصلب} و {فصلّى} وشبهه." (التيسير ص197). وقال في جامع البيان : فإن وقعت هذه اللام مع الصاد آخر فاصلة في سورة أو آخر فواصلها على ألف منقلبة من الياء ، وجملة ذلك ثلاثة مواضع : في القيامة {فلا صدّق ولا صلّى} وفي سبّح {وذكر اسم ربّه فصلّى} وفي العلق {عبداً إذا صلّى} ففيها على مذهب أبي يعقوب وأبي الأزهر وجهان : التغليظ لكونها مفتوحة قد وليها صاد مفتوحة طرداً لمذهبهما في نحو ذلك. والثاني : الترقيق ، فتكون بين بين لأجل الألف المنقلبة عن الياء بعدها حملاً على ما قبل ذلك وما بعده من رؤوس الفواصل ، وإتباعاً له ليأتي الجميع بلفظ واحد ولا يختلف. والوجهان صحيحان ، غير أنّ الثاني أقيس. فإن أتت اللام وقبلها صاد وبعدها ألف منقلبة عن الياء في غير فاصلة ، وجملة ذلك خمسة مواضع : في سبحان {يصلاها مذموماً} ، وفي الانشقاق {ويصلّى سعيراً} ، وفي الغاشية { تصلى ناراً حامية} ، وفي الليل {لا يصلاها إلاّ الأشقى} ، وفي المسد {سيصلى ناراً} و كذا قوله {من مقال إبراهيم مصلّى} عند الوقف خاصّة لأنّه منوّن و {الذي يصلى النار} لأنّ الألف تذهب في الوصل على مذهبهما ففي هذه اللام وجهان : التغليظ والترقيق ، فالتغليظ على ما أصّلاه في اللام مع الصاد ، والترقيق على قولهما في إمالة الألف المنقلبة من الياء وما قبلها ، والأقيس ههنا التغليظ بخلاف ما هو فيما قبله لعدم الإتباع والتشاكل الذيْن حسّنا الترقيق وقرّباه ههنا."(جامع البيان ص361).
ولم يشر أبو الحسن في كتابه التذكرة إلى اللام الواقعة قبل الألف الممالة مطلقاً فيكون مذهبه التغليظ مطلقا وهذا ما يتوافق مع ظاهر النشر.
أقول : مذهب الداني في التيسير هو تغليظ اللام الواقعة في غير رؤوس الآي والوجهان فيما وقع في رؤوس الآي من السور المعروفة مع تقديم الترقيق لقوّته في القياس ، وأمّا في جامع البيان فأجري الوجهين جميعاً في كلّ من الجنسين إلاّ أنّه قدّم التقليل في رؤوس الآي وقدّم التغليظ في غير رؤوس الآي.
فيكون عدد الأوجه في التيسير اثنان : الأوّل : تغليظ اللام في غير رؤوس الآي وترقيقها في رؤوس الآي. الثاني : وتغليظهما وهو أضعف الوجهين.
وفي جامع البيان أربعة أوجه وهي : الأوّل : الترقيق المطلق أي ترقيق الواقعة في رؤوس الآي وفي غير رؤوس الآي الثاني : التغليظ الواقعة في غير رؤوس الآي وترقيق ما وقع فيها الثالث : التغليظ المطلق وهو ضعيف لأنّ الشاطبيّ ذكر أنّ في رؤوس الآي ترقيقها اعتلى على تقخيمها. الرابع :ترقيق الواقعة في غير رؤوس الآي وتغليظ الواقعة فيها وهو أضعفها من جهة القياس إذ لا يُعقل أن تغلّظ في روؤس الآي وترٌقق في غيرها لأنّ رؤوس الآي أولى بالترقيق من غيرها.
والإشكال يكمن في كون الداني لم ينسب أيّ وجه من هذه الأوجه الأربعة إلى مشايخه حتّى نتمكّن من تحرير المسألة ، وفي هذه الحالة نضطر إلى إعمال القرائن المناسبة. فرواية الداني عن ابن خاقان على ما يظهر في التيسير هو التغليظ في غير رؤوس الآي، والوجهان في رؤوس الآي مع تقديم الترقيق. وأما روايته على أبي الحسن فبالتغليظ مطلقاً وقد بحثت في كتاب التذكرة في باب اللامات وباب الفتح والإمالة لعلّي أجد مثالاً على التقليل في نحو {تصلى} فلم أجد ، ومن هنا يظهر أنّ الداني قرأ عليه بالتغليظ المطلق. وأمّا قراءته على أبي الفتح فالذي يظهر من مذهب ابن بليمة وابن الفحام عن عبد الباقي عن أبي الفتح هو التقليل في رؤوس الآي وغيرها. قال ابن بليمة : "وكلّ ما امتنعت فيه الإمالة في حال الوصل لأجل ساكن أو تنوين كقوله {مصلّى} و {مسمّى} و {النصارى المسيح} و {موسى الكتاب} وشبه هذا ، فالإمالة فيه سائغة في الوقف لعدم العلّة."(تلخيص العبارات ص48) ، قأثبت الإمالة في الوقف على {مصلّى} دون استثناء ورش من ذلك ، دلّ أنّها مقلّلة في الوقف وهي ليست برأس الآية. أمّا إن كانت رأس آية فإنّها مرقّقة من باب أولى قال ابن بليمة : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها (ها ألف) فإنّه أخالص الفتح فيه."(تلخيص العبارات ص46). وأما ابن الفحام فقال :"وقرأت على الجماعة في المشدد بعد الصاد نحو {مصلّى} بالتفخيم ، وقرأت على عبد الباقي بالترقيق ، فإن كانت اللام المشددة رأس آية نحو : {مصلّى} و {ولا صلّى} فالاختيار الترقيق فاعرفه."(التجريد ص181) ، وعليه فإنّ رواية أبي الفتح على ما يظهر في تلخيص العبارات والتجريد هو التقليل مطلقاً وبالتالي تكون رواية الداني عن أبي الحسن على هذا الاساس بالتقليل المطلق.
وعلى ما سبق يمكن تحرير الأوجه الأربعة التي يتضمّنها جامع البيان بما يلي :
الأوّل : الترقيق المطلق أي ترقيق الواقعة في رؤوس الآي وفي غير رؤوس الآي وهي رواية الداني عن أبي الفتح. الثاني : التغليظ الواقعة في غير رؤوس الآي وترقيق ما وقع فيها وهذه الرواية في التيسير عن ابن خاقان. الثالث : التغليظ المطلق وهو رواية الداني عن أبي الحسن والثاني في التيسير عن ابن خاقان على غير الأرجح. الرابع :ترقيق اللام الواقعة في غير رؤوس الآي وتغليظ الواقعة فيها و وهذا لا يظهر من رواية الداني عن مشايخه الثلاثة وهو أضعفها من جهة الرواية ومن جهة القياس إذ لا يُعقل أن تغلّظ في رؤوس الآي وترٌقق في غيرها لأنّ رؤوس الآي أولى بالترقيق من غيرها. لذا ينبغي إهمال هذا الوجه.
خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ الصحيح من مذهب الداني الأوجه الثلاثة الأولى ، وقد أهمل الناظم الوجه الثالث وما كان ينبغي له لأنّه من رواية الداني عن أبي الحسن. والعلم عند الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
اللام التي تسكن في الوقف نحو {فصل} و {بطل}.
قال الناظم :
وفي الذي يسكن عند الوقفِ *** فغلّظنّ واترك سبيل الخلفِ
وفي رؤوس الأي خذ بالترقيقِ *** تَتْبعْ و تَتّبِعْ سبيل التحقيقِ
أي : والخلف كذلك في اللام المفتوحة التي تسكن في الوقف نحو {فصل} و {بطل}، ثمّ أمر تغليظ اللام والعدول عن إجراء الوجهين في الحالات الثلاثة التي ذكر فيها الخلاف وهي {طال} وأخواتها ، والتي تقع قبل الألف الممالة ، والتي تسكن في الوقف ، فرجّح التغليظ بعد أن ذكر الوجهين. واستثنى من هذا الترجيح اللام التي تقع قبل الألف الممالة في رؤوس الآي حيث ذكر فيها الترقيق وجهاً واحداً كما مرّ.
ففي اللام التي تسكن عند الوقف ، قال الداني في التيسير : "وكذلك إن وقعت اللام طرفاً ، ووليتها الثلاثة الأحرفُ ، فالوقف عليها يحتمل التغليظ والترقيق ، والتغليظ أقيس ، بناء على الوصل."(التيسير ص197). وقال في جامع البيان فقال : "فإن وقعت اللام مع الثلاثة الأحرف المذكورة الجالبة لتغليظها وتفخيم اللفظ بها طرداً في الكلمة نحو قوله {يوصل} و {فصل} وما أشبهه ، ووقف على ذلك احتمل وجهين أيضاً في الوقف التغليظ والترقيق ، فالتغليظ لكون سكونها عارضاً إذ هو للوقف فقط ، فعوملت لذلك معاملة المتحرّكة المفتوحة ، والترقيق لكونها ساكنة لأنّ ما سكن للوقف ماللازم ، فعوملت كذلك معاملة الساكتة في كلّ حال. والأوّل أوجه."(جامع البيان ص362).
قال أبو الحسن ابن غلبون : "اعلم أنّ ورشاً كان يُفخّم اللام المفتوحة فقط ، إذا وقعت...."(التذكرة ص246). أقول : خصّ أبو الحسن التغليظ باللام المفتوحة ولم يستثن التي تسكن وقفاً ولم ينقل عنه الداني في جامعه التغليظ ، فيكون مذهب أبي الحسن على عموم عبارته في التذكرة هو الترقيق.
وأما مذهب أبي الفتح فليس ظاهراً من أقوال الداني ولكنّي أستأنس بمذهب ابن بليمة وابن الفحام من روايتهما عن عبد الباقي عن أبي الفتح. فأمّا ابن بليمة فمذهبه الترقيق لقوله : وكلّ ما وصله بالتفخيم أو الترقيق فهو يقف كما يصل إلاّ أن تكون اللام طرفاً مفتوحة فهو يُرقّق."(تلخيص العبارات ص53). وأما ابن الفحام فقال : "ووقف الجميع كما يصلون إلاّ أن تكون مفتوحة متطرّفة."(التجريد ص 182).قال ابن القاضي : "وقطع الصقلي –أي ابن الفحام - والحصري بالترقيق..."(الفجر الساطع 3/425). ومن هنا يتّضح أنّ كلاً منهما روى الترقيق بالنصّ الصريح الذي يفيد القطع وهذا ما يجعلنا نأخذ بالترقيق من طريق أبي الفتح.
وأمّا مذهب ابن خاقان على ما يظهر في التيسير هو الوجهان مع تقديم التغليظ وهذا فيه نظر لقول الداني في التيسير : "فالوقف عليها يحتمل التغليظ والترقيق" ولقوله في الجامع : "ووقف على ذلك احتمل وجهين أيضاً في الوقف التغليظ والترقيق". فالذي يُلفت النظر أنّه ذكر الوجهين على سبيل الاحتمال والقياس المحض بدليل أنّه لم يذكر قراءته بالوجهين على مشايخه الثلاثة أو على بعضهم أو واحد منهم وكذا بالنسبة للتغليظ.
وقد ذكر مكّي القيسي الوجهين في الكشف حيث قال : "فتقف لورش على {فصل} بالتفخيم لأنّ الوقف عارض ، فتجريها لورش في الوقف مجرى حالها في الوصل فهو قياس. وإن شئت وقفت بالترقيق لأنّها سُكّنت."(الكشف 1/222). ثمّ قال : "وهذا على قياس ما ذكرنا في باب الراءات فابن عليه."(الكشف 1/222).
فالملاحظ : أنّ الذين ذكروا الوجهين اعتمدوا على القياس المحض ولم يذكروا تلاوتهم بهما ، ولم أقف على من اقتصر على وجه التغليظ نصاً بينما وقفت على من اقتصر على الترقيق بالنصّ كما يظهر من كلام ابن بليمة وابن الفحام وغيرهم كابن شريح حيث قال : "وكلّ ما ذكرته من تفخيم اللام أو ترقيقها فالوصل والوقف فيه سواء إلاّ أن تقع طرفاً مفتوحة فهي بين اللفظين في الوقف نحو {أن يوصل} و {بطل} وشبهه..."(الكافي ص71). وقال المهدوي : "وعلّة ما ذكرناه من الوقف على اللام المفتوحة بالترقيق إذا كانت في طرف الكلمة نحو {يوصل} و {وأنّ الفضل} أنّ التفخيم إنّما وجب فيها حين انفتحت ، وإذا وقفت عليها سكنت ، إذ الفتحة تذهب في الوقف ، ولا رَوْم في المفتوح فرجع حكمها إلى حكم الساكنة."(شرح الهداية ص134).
خلاصة المسألة :
نخلص من أقوال الأئمّة الذي وقفنا عليهم من رجال النشر أنّ الذاكرين للوجهين كان على أساس الاجتهاد والاحتمال كما ظهر صريحاً من أقوال الداني ومكي. وأمّا وجه الترقيق لصاحب الكافي والهداية والتجريد وتلخيص العبارات فكان على أساس أقوالهم الصريحة المنقولة في كتبهم ، وأمّا الذين ذكر لهم ابن الجزري وجه التغليظ وهم صاحب العنوان والمجتبى والتذكرة والإرشاد والتبصرة والكامل ، فليس في أقوالهم ما يدلّ عليه فيما اطلعت عليه بل هو مجرّد اجتهاد من ابن الجزريّ الذي جعل التغليظ هو الأصل والترقيق هو الفرع الموجب للدليل ، وهذا القياس غير صحيح لأنّ الأصل في التغليظ هو الفتح في اللام ، والسكون مانع له فكان ينبغي أن يكون التغليظ مع السكون العارض للوقف هو الفرع الموجب للدليل ، ولا دليل على ذلك لمن ذكر لهم صاحب النشر التغليظ. وعلى ما سبق فإنّ الترقيق هو مذهب جميع شيوخ الداني على الصحيح فيما يظهر وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
تحرير {محياي}
قال الداني في التيسير : "{ومحيايْ} سكّنها نافع بخلاف عن ورش. والذي أقرأني به ابن خاقان عن أصحابه عنه بالإسكان وبه آخذ."(التيسير ص286).
وقال في جامع البيان : “فأمّا الاختلاف الذي جاء عن ورش في {محياي} فإنّ أحمد بن صالح روى عنه أنّه فتحها ، وقال حدّثنا محمد بن علي عن أبن مجاهد عن أصحابه عن ورش عن نافع أنّه فتح ياء {محياي} بعد إسكانها ، وبذلك قرأت على أبي الفتح في رواية أبي يعقوب الأزرق عنه من قراءته على المصريّين ، وبه كان يأخذ أبو غانم المظفر بن أحمد صاحب أبي جعفر أحمد بن هلال ومن أخذ عنه فيما بلغني. وروى الأصبهاني عن أصحابه عنه أنّه فتحها ، قال عنه في سورة البقرة حين ذكر ها مع {هداي} وقال ههنا عنه أنّه أسكنها وهو الصحيح من قوليه ، وبذلك قرأت على الخاقاني خلف بن إبراهيم عن قراءته على إسماعيل النحاس عن أبي يعقوب عنه ، وبذلك أقرأني ابن غلبون أيضاً عن قراءته على أصحاب أبي بكر بن سيف عن أبي بكر بن يوسف عن أبي يعقوب..."(جامع البيان ص508).
قال أبو الحسن في كتابه التذكرة : "فقرأ نافع بإسكان الياء في {محيايْ} وفتح ياء{مماتيَ}."(التذكرة 2/388).
الذي يظهر من هذه الأقوال أنّ رواية الداني عن ابن خاقان وأبي الحسن هي بالإسكان وأنّ روايته على أبي الفتح هي بالفتح. وقد نقل المنتوري الكثير من أقوال الداني الدالّة على ذلك فأستغني عن تلك النقول بما في جامع البيان قصد الإيجاز والاختصار.
ويجدر التنبيه إلى أنّ رواية الفتح هي مجرّد اختيار لورش ولم يثبت بالرواية عنه عن نافع. قال المنتوري : "وقال في التلخيص : والصحيح عنه في الرواية والأداء إسكان الياء ، وبذلك قرأت على خلف بن إبراهيم –أي ابن خاقان- عن قراءته ، وبه قرأت أيضاً على أبي الحسن ، وقرأته على أبي الفتح بفتح الياء ، قال : والفتح اختيار من ورش وروايته عن نافع الإسكان. وقال في التبيين نحوه. وقال في الاقتصاد : وقد اختلف أهل الأداء عن ورش في فتح الياء وإسكانها من قوله تعالى {ومحياي} ، والمشهور عنه الإسكان ، وبه قرأت على أبي القاسم –أي ابن خاقان- ، وحكى لي ذلك عن قراءته على أصحاب النحاس عن أبي يعقوب عنه ، وبالإسكان آخذ ، وهو الذي رواه ورش عن نافع ، وإنّما اختار الفتح من نفسه قياساً على نظائر ذلك"(شرح الدرر 2/736).
وقال الداني في إرشاد المتمسكين : "وهو –أي الفتح- اختيار ورش ، وروايته عن نافع الإسكان". وقال : "وهو –أي الفتح- عندي وهم ، لأنّ فتحها اختيار من ورش ، وكان ممّا أقرأ باختياره ، ولم يُبيّنه للقارئ فيحملُه عنه ، ويظنّ أنّه يرويه عن نافع ، وقد نقل عنه غير حرف على هذا الوجه."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/736).
وقال الداني في إيجاز البيان :"وأوجه الروايتين وأولاهما بالصحّة ، رواية من روى الإسكان ، إذ هو الذي رواه ورش عن نافع دون غيره ، وهو الذي ثبت نقله منصوصاً عن ورش دون غيره ، وهو الذي ثبت نقله برواية من يجب الوقوف عند ما رواه ، ويلزم المصير إلى ما أدّاه ، والقول بما حكاه ، دون غيره من قياس ونظر ، قال : وأيضاً فإنّ الرواية والنصّ عن ورش ، إنّما يدلان على أنّ الفتح للياء اختيار منه ، وقد كان له اختيار يأخذ به ، يخالف فيه ما رواه عن نافع ، وربّما لم يُبيّنه للقارئ فيحمله عنه."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/738).
قال ابن شريح في الكافي : "قرأ نافع {محياي} بإسكان الياء وفتحها الباقون. ورُوي عن ورش أنّه كان يأخذ بفتحها وروايته الإسكان وبالوجهين قرأت له."(الكافي ص107).
قال ابن الباذش في باب : "ما خالف به الرواة أئمتهم" ، بعد أن سرد النصوص في {محياي} : "والذي يؤخذ به من طريق المصريين جميعاً الفتح في الباب إلاّ في {محياي}، فالأخذ فيه بالسكان وبالفتح موافقة للرواية عن نافع ، والاختيار ورش ، على أنّ أهل مصر أكثر ما يأخذون لورش بالإسكان في {محياي} ، ولا يراعون اختياره."(الإقناع 1/567).
والغريب في المسألة أنّ ابن الجزري صحّح الوجهين في نشره مع إدراكه بأنّ وجه الفتح هو اختيار لورش دون رواية عن نافع ، قال في النشر : "والوجهان صحيحان عن ورش من طريق الأزرق إلا أن روايته عن نافع بالإسكان واختياره لنفسه الفتح كما نص عليه غير واحد من أصحابه. وقيل بل لأنه روى عن نافع أنه أولاً كان يقرأ (ومحياي) ساكنة الياء ثم رجع إلى تحريكها وروى ذلك الحمراوي عن أبي الأزهر عن ورش.". أقول تصحيحه للوجهين فيه نظر لسببين :
الأوّل : إن صحّ وجه فتح الياء عن ورش فإنّه لا يصحّ عنه عن نافع ، لأنّ الرواية بالفتحة موقوفة على ورش لا يجوز إسنادها إلى نافع إذ القراءة سنة متّبعة يأخذها الآخر عن الأوّل كما هو معلوم.
الثاني : إن كان تصحيحه لوجه الفتح على أساس ما نقله الحمراوي عن أبي الأزهر عن ورش ، فقد قال ابن الباش عن هذا الخبر : "وقد استبعد هذا الخبر أبو سهل ، وصمّم على ردّه أبو عمرو ، وقال في جامع البيان والطبقات وغيرهما : هو غلط من الحمرواوي والصحيح وقفه على ورش." ."(الإقناع 1/567). قال أبو عمرو الداني في كتابه التبيين رداً على الحمراوي : "فخبرٌ باطل. قال : وقد ثبت عندنا بطلانه من جهتين : إحداهما أنّه -مع شذوذه وانفراده- معارض لسائر الأخبار المتقدّمة التي رواها من تقوم به الحجة. قال : والجهة الثانية : أنّ نافعاً لو كان قد زال عن الإسكان إلى الفتح -كما زعم الحمراوي في روايته- لما فات ذلك ، ولما غاب معرفته عن سائر من روى عنه ، ممن لم يزل مشاهداً له ، ومواظباً لمجلسه ، من أهل بلده وغيرهم ، من لدن تصدّره إلى وقف وفاته ، كإسحاق المسيبي وابن جماز وإسماعيل وقالون ونظرائهم ، ولرَوَوْا ذلك عنه ، أو رواه بعضهم ، إذ كان مُحالاً أن يُغيّر شيئاً من اختياره ، ويزول عنه إلى غيره ، وهم بالحضرة بين يديه ومعه.."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/741).
وهذا الذي حمل الداني في تيسيره على الأخذ بوجه الإسكان بقوله بعد أن نقل الخلاف : "والذي أقرأني به ابن خاقان عن أصحابه عنه بالإسكان وبه آخذ."(التيسير ص286).
خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ رواية فتح الياء في {محياي} لا تصحّ عن ورش عن نافع لذا ينبغي الاقتصار على وجه الإسكان لورش من جميع الطرق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
تحرير {كتابيه إنّي} و {ماليه هلك}.
قال الناظم :
.......وفي (كتابيهْ) *** خُلفٌ ويجري في ادّغام (ماليهْ)
أشار الناظم إلى ورود الخلاف في {كتابيه انّي} من حيث النقل وعدمه وأنّه يجري مع الخلاف الوارد في {ماليه هلك} من حيث الإدغام والإظهار بحيث من نقل همزة {كتابيه انّي} أدغم الهاء في {ماليه هلك} ومن حقّق همزة {كتابيه انّي} أظهر الهاء في {ماليه هلك}.
فأمّا {كتابيه إنّي}. قال الداني في التيسير : "واستثنى أصحاب أبي يعقوب الأزرق من ذلك حرفاً واحداً في الحاقّة وهو قوله تعالى {كتابيه إنّي} فسكنوا الهاء وحقّقوا الهمزة بعدها على مراد القطع والاستئناف. وبذلك قرأت على مشيخة المصريّين وبه آخذ."(التيسير ص157). وقال في جامع البيان :"فروى أبو يعقوب عنه أداءً أنّه سكن الهاء وحقّق الهمزة بعدها على مراد القطع والاستئناف. وبذلك قرأت من طريقه على الخاقاني وأبي الفتح وابن غلبون عن قراءتهم ، وعلى ذلك عامّة أهل الأداء من المصريّين."(جامع البيان ص268).
قال أبو الحسن عند ذكره لمستثنيات النقل : "والموضع الثاني : هاء السكت ، وهو موضع واحد في الحاقة {كتابيه إنّي ظننت} لأنّه ينوي بها الوقف وانقطاع الهمزة عنها."(التذكرة ص1/124).
قال ابن الجزريّ : " فرروى الجمهور عنه إسكان الهاء وتحقيق الهمزة على مراد القطع والاستئناف من أجل أنهاء هاء السكت وهذا الذي قطع به غير واحد من الأئمة من طريق الأزرق ولم يذكر في التيسير غيره وذكره في غيره وقال إنه قرأ بالتحقيق من طريقه على الخاقاني وأبي الفتح وابن غلبون."(النشر1/409).
وأما {ماليه هلك} فإنّ بعض الأئمّة المتقدّمين جعل علاقة وثيقة بين {ماليه هلك}وبين {كتابيه إنّي} ، وهذه العلاقة تتمثّل في التسوية هاء السكت في الموضعين من حيث معاملتها كبقيّة الهاءات الاصليّة أو معاملتها معاملة الهاء العارضة التي لا تثبت إلاّ للوقف. فمن عاملها معاملة الأصليّة أدغم هاء {ماليه} في الهاء التي بعدها و نقل حركة الهمزة إلى هاء قبله مع حذف الهمزة في {كتابيه إنّي } ، ومن عاملها معاملة الهاء العارضة أظهر {ماليه } وحقّق هاء {كتابيه}.
وكان إعمالهم لهذا القياس نتيجة عدم ثبوت النصّ عندهم في إدغام {ماليه هلك} وهذا قد يُفهم منه شيئين اثنين :
الأوّل : أنّها مدغمة لأنّ الأصل في المتماثلين الصغير الإدغام إذا سكن المدغم. ولا شكّ أنّ هاء السكت مع الهاء التي بعدها من المتماثلين لاتحادهما مخرجاً وصفة.
الثاني : أنّها مظهرة لأنّها هاء سكت ووجودها لا يكون إلاّ في الوقف ، وإظهارها معلوم في اللغة مشهور في الرواية لا تحتاج إلى توضيح وبيان.
لما كان كلا الاحتمالين له اعتبار لعدم ورود نصّ صريح في هذه المصادر ، كان الأحرى الاعتماد على قياس هاء {ماليه} بهاء {كتابيه} ، فمن حقّق هاء {كتابيه إنّي} أظهر هاء {ماليه هلك} ، ومن نقل الحركة في {كتابيه إنّي} أدغم {ماليه هلك} ، وهذا القياس صحيح لا غبار عليه قال به الكثير من الأئمّة المعتبرين. قال أبو عمرو الداني : "فمن روى التحقيق لزمه بأن يقف على الهاء في قوله {ماليه هلك} وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع لأنّه واصل بنيّة الوقف فيمتنع بذلك من أن تُدغم في الهاء التي بعدها ، ومن روى الإلقاء لزمه أن يصلها ويُدغمها في الهاء التي بعدها لأنّها عنده كالحرف اللازم الأصلي."(جامع البيان ص268). وقال مكي القيسي : " ويلزم من إلقاء الحركة أن يُدغم {ماليه هلك} لأنّه قد أجراها مجرى الأصل حين ألقى عليه الحركة."(التبصرة ص310). وقال ابن شريح : "ويلزم من نقل الحركة إليها أن يُدغمها في قوله تعالى {ماليه هلك} لأنّه قد جعلها كالأصلي.."(الكافي ص54). وقال ابن الباذش : "ومن أخذ له في ذلك بغير نقل أخذ له في هذا بالإظهار ، وهو الوجه ، وكلاهما معمول به ، هذا مأخذ المقرئين."(الإقناع 1/169).
ولما كان مذهب الداني في {ماليه هلك} غير معلوم على وجه الخصوص ، ومعلوم من جهة القياس بقوله "فمن روى التحقيق لزمه بأن يقف على الهاء في قوله {ماليه هلك} وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع لأنّه واصل بنيّة الوقف فيمتنع بذلك من أن تُدغم في الهاء التي بعدها ، ومن روى الإلقاء لزمه أن يصلها ويُدغمها في الهاء التي بعدها لأنّها عنده كالحرف اللازم الأصلي."(جامع البيان ص268) ، أخذنا له بوجه الإظهار في {ماليه هلك} لأنّ مذهبه في {كتابيه إنّي} هو التحقيق إذ به قرأ على جميع شيوخه كما سبق توضيح ذلك.
وقد ذكر أبو الحسن في كتابه التذكرة ما يدلّ على أنّ مذهبه في {ماليه هلك} هو الإظهار فقال : "وينبغي لمن أثبت هذه الهاء ونحوها في الوصل أن يقف عليها في حال وصله وقفة يسيرة ثمّ يصل ، وذلك أنّ هذه الهاء إنّما جيء بها لبيان الحركة التي قبلها في حال الوقف ، وإنّما أثبتها هؤلاء في الوصل اتّباعاً للمصحف لأنّها ثابتة فيه على نيّة الوقف ، وإذا وُقف عليها وقفة يسيرة ثمّ وصل كان في ذلك اتّباع للمصحف في إثباتها واتّباع للمعنى الذي جيء بها من أجله وهو الوقف من غير إخلال."(التذكرة 2/274). ولا شكّ أنّ الوقفة اليسير التي اشار إليها أبو الحسن تقتضي إثبات الهاء وإظهارها.
وعليه فإنّ الصحيح في مذهب الداني هو التحقيق في {كتابيه إنّي} مع الإظهار في {ماليه هلك} وجهاً واحداً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير {ن والقلم} لورش.
قال الناظم :
ونُونَ نُونَ مع يَسِينا *** أظهِرْ ، وخُلفُ ورشِهِم بنونا
أمر الناظم بالإظهار في {يس و القرءان} و {ن والقلم} في الروايتين عن نافع ثم استدرك بذكر الخلاف عن ورش في {ن والقلم} ، فيكون لقالون الإظهار فيهما ولورش الإظهار في {يس و القرءان} والوجهان في {ن والقلم}.
قال أبو عمرو الداني في التيسير : "ورش وأبو بكر وابن عامر والكسائي : يُدغمون نون الهجاء في الواو ويُبقون الغنة. وكذلك في {ن والقلم} غير أنّ عامّة أهل الأداء من المصريّين يأخذون في مذهب ورش هناك بالبيان."(التيسير ص427). وقال في جامع البيان : "وروى الحلواني وأبو سليمان عنه {يس والقرءان} بالإدغام و {ن والقلم} بالإظهار ، وكذلك روى أبو يعقوب الأزرق ويونس بن عبد الأعلى عن ورش من قراءتي."(جامع البيان ص685).
قال أبو الحسن بن غلبون : "وأظهر ابن كثير وأبوعمرو وحمزة وحفص والأعشى ونافع سوى ورش النون من {يس} ومن {ن} عند الواو التي بعدها ، وأدغمها الباقون."(التذكرة ص1/511). أقول : الذي يظهر في التذكرة الإدغام في {ن والقلم} خلافاً لظاهر النشر الذي أشار فيه صاحبه إلى الإظهار. والإدغام هو الصحيح من التذكرة إذ به قرأ الداني على أبي الحسن.
قال المنتوري : "قال الداني في إرشاد المتمسّكين : وأما {ن والقلم} فاختلف عن ورش في إدغامها فروى أكثر المصريين عن أبي يعقوب عنه الإظهار نصاً وبذلك قرأت على أبي الفتح وأخبرني به أبو القاسم ، وكذلك روى يونس عن ورش. قال –أي الداني- : وروى بعضهم عن أبي يعقوب الإدغام قياساً وبذلك قرأت على أبي الحسن. قلت :-أي المنتوري- وقد وقفت على الإدغام في ذلك لأبي الحسن بن غلبون في كتاب التذكرة. وقال الداني في إيجاز البيان : واختلف عنه في إظهار النون عند الواو وفي إدغامها في قوله تعالى {ن والقلم} فقرأت ذلك على أبي الحسن بالإدغام قياساً على نظائره وقرأت على غيره بالإظهار. وقال – أي الداني- في التلخيص نحوه. وذكر في المفصح وجامع البيان والتمهيد والتعريف والموجز عن أبي يعقوب عن ورش الإظهار خاصّة وقال في التلخيص وهو المشهور عنه عند أهل الأداء من شيوخ المصريين..."انتهى كلام المنتوري. (شرح الدرر1/419).
ومن هنا يتّضح أنّ الوجهين صحيحان في {ن والقلم} لورش من طريق الداني كما ذكر الناظم ، فرواية الإدغام هي من قراءة الداني على أبي الحسن ، ورواية الإظهار هي من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح ، وهي الرواية التي ينبغي الاقتصار عليها من طريق التيسير.
تحرير {ن والقلم} لورش.
قال الناظم :
ونُونَ نُونَ مع يَسِينا *** أظهِرْ ، وخُلفُ ورشِهِم بنونا
أمر الناظم بالإظهار في {يس و القرءان} و {ن والقلم} في الروايتين عن نافع ثم استدرك بذكر الخلاف عن ورش في {ن والقلم} ، فيكون لقالون الإظهار فيهما ولورش الإظهار في {يس و القرءان} والوجهان في {ن والقلم}.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فلأن الخطأ هنا لا يتعلق بالتحريرات رغبت في تصويب ما يلي:
أولا: فيما يتعلق بالبيت فلا يستقيم معناه إلا ببدئه بـ[وعنه] فيكون:
[poem=]وعنه نون نون مع ياسينا=أظهر وخلف ورشهم بنونا
[/poem](انظر شرح الدرر للمنتوري ص 418، والفجر جـ3، ص 106)
وعنه لا يعود على نافع وإنما يعود على قالون لأنه آخر مذكور في البيت الذي قبله، وهو:
[poem=]واركب ويلهث والخلاف فيهما=عن ابن مينا والكثير أدغما
[/poem]ثانيا: بناء على ما سبق فلم يذكر الناظم لورش في {يس والقرآن} إلا الإدغام، وخلافه في {ن والقلم} (انظر شرح الدرر للمنتوري ص 418، والفجر جـ3، ص 106)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير {إلى ربّيَ إنّ لي عنده} لقالون.
قال الناظم : ......وفي إلى **** ربّي بفصّلتْ خلافٌ فُصّلا
أشار الناظم إلى ورود الخلاف عن قالون في الياء من {ولئن رجعتُ إلى ربّيَ إنّ لي عنده} في فصلت من حيث الفتح والإسكان.
قال الداني في التيسير : "{إلى ربّيَ إنّ } فتحها ناقع باختلاف عن قالون ، وأبو عمرو."(التيسير ص448). وقال في جامع البيان : "وقرأتها على أبي الفتح في رواية قالون من طريق الحلواني والشحام وأبي نشيط بالوجهين."(جامع البيان ص710). وقال في كتاب رواية أبي نشيط : "وأقرأني أبو الفتح وأبو الحسن عن قراءتهما {إلى ربّيَ إنّ لي عنده} في فصلت بالفتح والإسكان جميعاً."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/734).
قال أبو الحسن بن غلبون :"وقد قرأت له بالوجهين جميعاً وبهما آخذ."(التذكرة2/540).
وعليه يتضح جلياً أنّ قراءة الداني على أبي الحسن وأبي الفتح هي بالوجهين جميعاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
تحرير {التلاق} و{التناد} لقالون.
قال الناظم : ...........وفي التناد *** مع التلاق خلفُ عيسى بادِ
أشار الناظم إلى الخلف في {التلاق} و{التناد} لقالون من حيث الحذف والإثبات في الياء الزائدة.
قال الداني في التيسير :"واختُلِف عن قالون في اثنتين وهما : {التلاق} و {التناد} في غافر."(التيسير 220). وقال في جامع البيان :"وقرأتهما أنا على أبي الفتح في رواية إسماعيل والمسيّبي وقالون من طرقهم على قراءته على عبد الباقي بن الحسن عن أصحابه بالوجهين بالإثبات والحذف ، وعن قراءته عبى عبد الله بن الحسين عن أصحابه بالحذف لا غير."(جامع البيان ص706). وطريق أبي الفتح عن عبد الباقي هي طريق الداني في تيسيره وجامعه ، وهذه هي الرواية التي ثبت فيها الوجهان ،والتي أشار إليها الداني بقوله :" وقرأتهما أنا على أبي الفتح في رواية إسماعيل والمسيّبي وقالون من طرقهم على قراءته على عبد الباقي بن الحسين".
قال المنتوري : "وقال في كتاب رواية أبي نشيط : وقد خيّرني فارس ابن أحمد بين الإثبات والحذف في قوله تعالى في غافر :{التلاق} و{التناد} فقرأت ذلك عليه بالوجهين جميعاً". وقال في التمهيد نحوه وذكر فيه أنّه قرأ على أبي الحسن بالحذف". وقال المنتوري :"وقال في التبيين : فقرأتهما على فارس بالوجهين بالإثبات والحذف ، وقرأتهما على أبي الحسن وغيره بالحذف لا غير."(شرح الدرر 2/754و755).
ولم يذكر أبو الحسن في كتابه التذكرة إلاّ الحذف.
وعليه يتضح أنّ قراءة الداني على أبي الفتح هي بالوجهين وأنّ قراءته على أبي الحسن هي بالحذف.
ففي قوله تعالى {لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون} ثلاثة أوجه وهي :
الأول : حذف الياء في {التلاق} مع إسكان الميم في {هم} من قراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : ومع الصلة في الميم من التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : إثبات الياء في {التلاق} مع صلة الميم من التيسير أيضاً وبه قرأ الداني أيضاً على أبي الفتح.
وفي قوله تعالى {و يا قوم إنيَ أخاف عليكم يوم التناد يوم تولّون مدبرين مالكم من الله من عاصم} ثلاثة أوجه وهي :
الأوّل : إسكان الميم في {عليكم} مع الحذف في {التناد} من قراءة الداني على ابي الحسن.
الثاني : الصلة مع الحذف من التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : الصلة مع الإثبات من التيسير أيضاً وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد
تحرير : (أرأيت) وشبهه لورش.
قال الناظم :
وأرأيت و هأنتم سَهَّلاَ *** عنه وبعضهم لورش أبدلاَ
أشار الناظم إلى التسهيل في {هأنتم} ونحو {أرأيت} لنافع وأضاف وجه الإبدال زيادة على التسهيل لورش. فيكون لقالون التسهيل فيهما لا غير ، ولورش الوجهان : التسهيل والإبدال.
قال الداني في التيسير : "نافع {أرايتكم} و {أرايتم} و {أرايت} و {أفرايت} يُسهل الهمزة التي بعد الراء.(التيسير ص275). وقال في جامع البيان لنافع :"بتسهيل الهمزة الثانية التي بعد الراء ، فتكون بين الهمزة والألف"(جامع البيان ص389). وأمّا الإبدال فهو من كتاب إيجاز البيان وأرشاد المتمسّكين على ما ذكر المنتوري ، إلاّ أنّه لم يذكر على من قرأ برواية الإبدال لنُدرك مدى صحّتها وإنّما أشار إلى الخلاف على الحكاية إذ لو كان للرواية لذكره في التيسير وجامع البيان. قال الداني في إيجاز البيان : "وهذا الوجه –أي التسهيل- أقيس في العربية ، وأليق بمذاهب القرأة."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/819).
فقراءته على أبي الحسن هي بالتسهيل كما يظهر في التذكرة حيث يقول أبو الحسن بن غلبون : "وقرأ نافع {قل أرأيتكم} و {أرأيتم} و {أرأيت} و {أرأيتك} وما أشبه هذا ، ممّا قبل الراء همزة وبعدها همزة : بهمز الأولى وجعل الثانية بين الهمزة والألف ، فتكون كالمدّة في اللفظ حيث وقع"(التذكرة 2/323).
وأمّا قراءته على أبي الفتح وابن خاقان فبالتسهيل أيضاً لأنّ الداني اقتصر عليه في التيسير وجامع البيان. وقد اقتصر كلّ من صاحب التجريد وتلخيص العبارات على التسهيل من روايتهما عن عبد الباقي عن أبي الفتح وهذا يؤكّد أنّ رواية أبي الفتح هي بالتسهيل لا غير ، قال ابن بليمة : "قرأ نافع {أرأيت} كيف تصرّف بتسهيل الهمزة الثانية"(تلخيص العبارات ص87) ، وقال ابن الفحام : "قرأ نافع {أرأيتكم} و{أَرأيت} و{أرأيتم} بتسهيل الهمزة الثانية إذا كان استفهاماً في جميع القرءان."(التجريد ص217).
ومن هنا يتّضح أنّ وجه الإبدال لا يصحّ عن الداني وإنّما ذكره الناظم اتّباعاً للإمام الشاطبيّ عليهما رحمة الله ، قال المنتوري : "وتبع الناظم الشاطبي في ذكر الوجهين عن ورش في {أرأيت} و {هأنتم}."(شرح الدرر 2/819).
وعليه ينبغي الاقتصار على وجه التسهيل من طرق الداني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
تحرير {هأنتم} :
قال الناظم :
وأرأيت و هأنتم سَهَّلاَ *** عنه وبعضهم لورش أبدلاَ
أشار الناظم إلى التسهيل في {هأنتم} ونحو {أرأيت} لنافع وأضاف وجه الإبدال زيادة على التسهيل لورش. فيكون لقالون التسهيل فيهما لا غير ، ولورش الوجهان : التسهيل والإبدال.
قد تعرضنا لحكم {أرأيت} من قبل والآن جاء دور {هأنتم} فأقول وبالله التوفيق.
قال الداني في التيسير : " نافع وأبو عمرو {هأنتم} حيث وقع بالمد من غير همز وورش أقلّ مداً"(التيسير ص252).
ومراده بغير همز أي تسهيل الهمزة بإلغاء نبرتها وهو الثابت عن قالون وأبي عمرو إلاّ أنّهم يُثبتون المدّ ، وورش أقلّ منهم أي بحذف المدّ إذ ما كان دون القصر لقالون والبصري لا يُفسّر إلاّ بالحذف ، فيكون لورش التسهيل مع الحذف ولقالون التسهيل مع الإثبات.
ولم يذكر الناظم هذا الفرق بين الروايتين أي الحذف لورش والإثبات لقالون. لذلك قال المنتوري عليه رحمة الله : "واعلم أنّ الناظم ذكر في همز {هأنتم} عن قالون التسهيل وعن ورش التسهيل والبدل ، وسقط له ذكر كيفية روايتيْهما في ألف {هأنتم} ، وقيل في ذلك : (وعنه ها أنتم رواه بالألفْ *** قالون والعكس لورش قد عُرفْ). الذي يؤخذ من هذين البيتين أنّ قالون روى عن نافع {هأنتم} بالألف ، وأنّ المعروف لورش عكس ذلك وهو {هأنتم} بغير ألف. وقد ذكر الشاطبي مذاهب القراء السبعة في {هأنتم}في بيت واحد..."(شرح الدرر 2/822).
أقول : لقد أهمل الناظم حكم الألف من حيث الإثبات والحذف واستدرك عليه المنتوري باتّباعه للإمام الشاطبيّ والداني في تيسيره. لكن من تأمّل أقوال الداني في غير التيسير يتّضح له أنّه لم يُذكر الحذف لورش وإنّما ذكر له التسهيل من غير إشارة إلى حذف أو إثبات. قال الداني في إيجاز البيان : " وقال آخرون جعلها بين الهمزة والألف ، فهي في الزنة محقّقة." وقال : "يسهلها على مذاق الهمز" وفي جامع البيان : "يسهلها على مذاق الهمز لو كان فيها". وقال في التلخيص : وقرأ {هأنتم} حيث وقع بتسهيل الهمزة فتكون بين بين." (ينظر شرح الدرر للمنتوري 2/820). وقد فسّر القيجاطي مراد الداني من قوله "يسهلها على مذاق الهمز" فقال : "معنى هذا الكلام ، أنّ ورشاً يسهلها بين بين."(نفس المصدر).
وعلى هذا الأساس يكون التسهيل مع الحذف من طريق التيسير ومع الإثبات في غير التيسير ، وبعبارة أوضح تكون قراءة الداني على ابن خاقان هي بالتسهيل مع الحذف وقراءته على أبي الحسن وأبي الفتح هي بالتسهيل مع الإثبات.
فأمّا قراءته على أبي الحسن بالإثبات فهي على أساس ما هو مذكور في كتاب التذكرة حيث يقول صاحبها : " وقرأ نافع وأبو عمرو بالمد من غير همز "(التذكرة 2/289) ، فلم يفرّق بين ورش وقالون في كيفية التسهيل وما أشار إلى الحذف لورش.
وأمّا قراءته على أبي الفتح بالإثبات فليس لي دليل صريح إلاّ بالاعتماد على ما ثبت عن أبي الفتح من طريق التجريد والتلخيص عن عبد الباقي عنه. قال ابن الفحام :" وقرأ بألف بين الهاء والهمزة من بقي – أي من غير قنبل- وسهّل الهمزة نافع وأبو عمرو وحققها من بقي."(التجريد ص203) ، وقال ابن بليمة : "وقرأ نافع وأبو عمرو بتسهيل الهمزة وألف ممدودة بين الهاء والهمزة."(تلخيص العبارات ص76). فذكرا التسهيل لنافع وما أشارا إلى الحذف لورش.
وعليه نخلص أنّ رواية الداني عن ابن خاقان من التيسير هي بالتسهيل مع الحذف وأنّ روايته عن أبي الحسن وأبي الفتح فهي بالتسهيل مع الإثبات
وأما الإبدال فلا يصح رواية عن الداني وإنما ذكره في غير التيسير على سبيل الحكاية لا الرواية فقال : "وأمّا ما حكاه النحاس عن أبي يعقوب وما رواه أحمد بن صالح عنه من أنّه يمدّ فوجهه أن يكونا يرويان عنه إبدال الهمزة ألفاً خالصة كرواية عامة أصحاب أبي يعقوب الأزرق عنه ذلك في الاستفهام نحو {ءأنذرتهم} وبابه ، وإذا أبدلت إبدالاً صحيحاً لم يُجعل بين بين على القياس"(جامع البيان ص452) ، وقد ذكره الناظم لورش اتّباعاً للإمام الشاطبيّ عليه رحمة الله.
ففي قوله تعالى {هأنتم أولاء } إلى قوله تعالى{قالوا ءامنا} ثلاثة أوجه لورش وهي كالتالي :
- التسهيل مع الحذف في {هأنتم} والتوسط في {ءامنا} من التيسير وبه قرأ الداني على ابن خاقان.
- التسهيل مع الإثبات والقصر في البدل من قراءة الداني على أبي الحسن.
- التسهيل مع الإثبات والتوسط في البدل من قراءة الداني على أبي الفتح.
وأما قالون فله ثلاثة أوجه أيضاً وهي :
-التسهيل مع الإثبات قصراً في {هأنتم} والصلة في ميمات الجمع مع قصرها وقصر المنفصل في {قالوا ءامنا} من قراءة الداني على أبي الفتح من التيسير.
-التسهيل مع الإثبات قصراً في{هأنتم} لتغيّر الهمز بالتسهيل ، والإسكان في ميمات الجمع والتوسط في المنفصل من قراءة الداني على أبي الحسن.
-التسهيل مع الإثبات توسطاً في {هأنتم} والإسكان في ميمات الجمع والتوسط في المنفصل من قراءة الداني على أبي الحسن.
قال الداني في التيسير : " نافع وأبو عمرو {هأنتم} حيث وقع بالمد من غير همز وورش أقلّ مداً"(التيسير ص252).
ومراده بغير همز أي تسهيل الهمزة بإلغاء نبرتها وهو الثابت عن قالون وأبي عمرو إلاّ أنّهم يُثبتون المدّ ، وورش أقلّ منهم أي بحذف المدّ إذ ما كان دون القصر لقالون والبصري لا يُفسّر إلاّ بالحذف ، فيكون لورش التسهيل مع الحذف ولقالون التسهيل مع الإثبات.
قال المالقي: وقوله: وورش أقل مدا، يعني أقل مدا من قالون وأبي عمرو، وسبب ذلك أنه ليس في قراءة ورش إلا همزة بين بين خاصة. والحافظ يسمي همزة بين بين مدا مسامحة لما فيها من شبه الألف، وكذلك فعل غيره.
تحرير {أنا} الواقعة قبل الهمزة المكسورة في {أنا إلا نذير} لقالون.
تحرير {أنا} الواقعة قبل الهمزة المكسورة في {أنا إلا نذير} لقالون.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
تحرير {أنا} الواقعة قبل الهمزة المكسورة في {أنا إلا نذير} لقالون.
قال الناظم :
وأنا إلاّ مَدَّهُ بخلفِ *** وكلّهم يمدّه في الوقفِ
أي مدّ قالون {أنا إلاّ} في قوله تعالى {إن أنا إلاّ نذير} في الأعراف والشعراء ، و {وما أنا إلاّ نذير} في الأحقاف بخلف عنه أي بالحذف والإثبات جميعاً.
قال الداني في جامع البيان : "وقرأت أنا ذلك في رواية أبي نشيط على أبي الفتح بالوجهين بالإثبات والحذف ، وحكى لي ذلك عن قراءته."(جامع البيان ص427).
واقتصر الداني في كتابه التيسير على الإثبات فقال : "وروى أبو نشيط عن قالون إثباتها مع الهمزة المكسورة في قوله {إن أنا إلاّ نذير} ، و {وما أنا إلاّ نذير}."(التيسير ص241).
وأما قراءة الداني على أبي الحسن فبالحذف. قال الداني في التمهيد :"وقرأت عليه –أي على أبي الحسن- بالحذف ، وقرأت على أبي الفتح في رواية أبي نشيط بالحذف والإثبات جميعاً وحكى ذلك عن قراءته."(ينظر شرح الدرر للمنتوري 2/771). قال أبو الحسن ابن غلبون : "والمشهور عن نافع حذف الألف في هذه الثلاثة مواضع في الوصل وبه قرأتُ."(التذكرة 2/273).
أقول : الذي يظهر من هذه الأقوال أنّ قراءة الداني على أبي الفتح هي بالوجهين أي بالحذف والإثبات وأنّ قراءته على أبي الحسن هي بالحذف ، فتكون رواية الحذف عن الداني هي المشهورة لثبوتها عنده من طريق أبي الفتح وأبي الحسن جميعاً ويؤكّد ذلك ثلاثة أمور : أوّلها : أنّ أبا الحسن أشار إلى شهرة وجه الحذف في كتابه التذكرة لقوله : "والمشهور عن نافع حذف الألف" ، ثنيها أنّ الإثبات خاصّ بطريق أبي نشيط دون غيره عن نافع لقول الداني التيسير "وروى أبو نشيط عن قالون إثباتها" وبالتالي تكون رواية الحذف عن قالون هي الأشهر ، ثالثاً : وإن صحّ الوجهان عن أبي الفتح إلاّ أنّ المشهور عنه هو الحذف لأنّ ابن بليمة وابن الفحام اقتصرا على الحذف من روايتهما عن عبد الباقي عن أبي الفتح.
لذا كان الأولى على الداني أن يقتصر على وجه الحذف من طريق التيسير لأنّه الأشهر في الرواية.
ففي قوله تعالى {ولآ أدري ما يُفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليّ ومآ أنا إلا نذير مبين} ثلاثة أوجه لقالون من طريق الداني.
الأول : قصر المنفصل في {ولآ أدري} و {ويوحى إلي} مع الصلة {بكم إن} و الحذف في {أنا إلا} من قراءة الداني على أبي الفتح.
الثاني : كذلك لكن مع الإثبات في {أنا إلا} من طريق التيسير وبه قرأ الداني كذلك على أبي الفتح.
الثالث : توسط المنفصلين مع إسكان ميم الجمع والحذف من قراءة الداني على أبي الحسن.
الأول : قصر المنفصل في {ولآ أدري} و {ويوحى إلي} مع الصلة {بكم إن} و الحذف في {أنا إلا} من قراءة الداني على أبي الفتح.
الثاني : كذلك لكن مع الإثبات في {أنا إلا} من طريق التيسير وبه قرأ الداني كذلك على أبي الفتح.
الثالث : توسط المنفصلين مع إسكان ميم الجمع والحذف من قراءة الداني على أبي الحسن.
الأول : قصر المنفصل في {ولآ أدري} و {ويوحى إلي} و {ما أنا} مع الصلة {بكم إن} و الحذف في {أنا إلا} من قراءة الداني على أبي الفتح.
وفي الوجه الثالث تصبح المدود المنفصلة ثلاثة: {ولآ أدري} و {ويوحى إلي} و {ما أنا}.
لا يصح المد في {أنا إلا} لأنّ المد في المنفصل هو من رواية الداني عن أبي الحسن وفي هذه الرواية لا يصحّ إلاّ الحدف في {إنا إلا}، وبالتالي يجوزالحذف والإثبات إلا مع قصر المنفصل من طريق أبي الفتح ، ولا يكون الإثبات إلاّ مع القصر. أما على توسط المنفصل فلا يجوز في {أنا إلا} إلا الحذف.
وفي قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. خمسة أوجه من طريق الداني:
الأول: قصر المد المنفصل: {لا أملك} مع الإبدال في {السوء إن} مع الحذف في {أنا}. قراءة الداني على أبي الفتح.
الثاني: قصر المد المنفصل: {لا أملك} مع التسهيل في {السوء إن} مع الحذف في {أنا}. قراءة الداني على أبي الفتح.
الثالث: قصر المد المنفصل: {لا أملك} مع الإبدال في {السوء إن} مع الإثبات في {أنا}. قراءة الداني على أبي الفتح.
الرابع: قصر المد المنفصل: {لا أملك} مع التسهيل في {السوء إن} مع الإثبات في {أنا}. قراءة الداني على أبي الفتح.
الخامس: توسط المد المنفصل: {لا أملك} مع الإبدال في {السوء إن} مع الحذف في {أنا}. قراءة الداني على أبي الحسن.
هل هذه التحريرات صحيحة يا شيخ محمد شريف بارك الله فيكم.
نعم هي صحيحة مائة بالمائة.
إذ الأوجه الأربعة التي ذكرتَها لأبي الفتج ناتجة عن وجهي التسهيل والإبدال في {بالسوء إن} مع الوجهين في {أنا إلا} من حيث الحذف والإثبات وكلّ ذلك مع قصر المنفصل.
وأما أبو الحسن فليس له إلاّ الإبدال في {بالسوء إن} والحذف في {أنا إلا} ومذهبه التوسط في المنفصل
فيكون المجموع خمسة أوجه كلّها صحيحة لقالون من طريق الداني.
فبارك الله فيكم.
في قوله تعالى : {وأنّه أهلك عاداً الاولى} إلى قوله {فبايّ آلاء ربّك تتمارى} ثلاثة أوجه صحيحة من طريق الداني وهي : [/FONT] - قصر {عادا الاولى} مع {ءآلاء} وبه قرأ الداني على أبي الحسن. - قصر {عادا الاولى} مع التوسط في {ءآلاء} من طريق جامع البيان وغيره على وجه استثناء {عادا الاولى}. - توسطهما من التيسير. [/RIGHT]
قصر {عادا الاولى} مع {ءآلاء} مع الفتح في فغشاها وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
قصر {عادا الاولى} مع التوسط في {ءآلاء} ومع التقليل في فغشاها من طريق جامع البيان وغيره على وجه استثناء {عادا الاولى}.
توسطهما من التيسير مع التقليل في فغشاها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
تحرير {تأمنّا}
قال الناظم :
................... ***.............بالإشمام
ونون تأمنا وبالإخفاء *** أخذه له أولوا الأداء.
أشار الناظم إلى الوجهين في {تأمنا} أي الإشمام والإخفاء ثمّ ذكر أنّ الإخفاء هو المأخوذ به عند أهل الأداء ، وعليه عوّل الداني فقال في التيسير : "وهذا –يعني الإخفاء- قول عامة أئمّتنا وهو الصواب لتأكيد دلالته وصحته في القياس."(التيسير ص320). وقال في جامع البيان :"وإلى القول بالإخفاء دون الإدغام ذهب أكثر العلماء من القراء والنحويين ، وهو الذي أختاره وأقول به."(جامع البيان ص536).
وفي كلام الداني نظر لأنّه حمل عبارة المتقدّمين بالإشمام على الإخفاء ، لذلك قال بأنّه قول عامة أئمّتنا وقال بأنّه مذهب أكثر العلماء من القراء والنحويين. بل عبارته في التمهيد تدلّ أنّ الخلاف عنده في {تامنا} وهو خلاف عبارة وليس خلافاً حقيقياً بقوله : "وإنّما عبّر عنه القراء بالإشمام على طريق الاتّساع والمسامحة وهو عند الكوفيين الإخفاء بعينه."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/809). قال المنتوري :"لمّا منع الداني من الإشمام في {تأمنّا} تأوّل قول القائلين به ، وزعم أنّهم أرادوا بالإشمام الإخفاء ، ولا يستقيم له هذا التأويل ، لأنّهم يقولون بالإشمام والإدغام ، ولا يكون الإدغام مع الإخفاء فبطل تأويله."(شرح الدرر 2/809). وقد سرد المنتوري النصوص التي استدلّ بها الداني على الإخفاء ونقل معها ردود القيجاطي عليه مبيّنا أنّ المراد منها هو الإشمام ، فمن أراد الاطلاع على ذلك بالتفصيل فعليه بشرح الدرر للمنتوري رحمه الله تعالى.
واقتصار الداني على وجه الإخفاء حمل الإمام الشاطبيّ على تقديم وجه الإخفاء بقوله : (وتأمننا للكل يُخفى مفصّلا *** وأدغم مع إشمامه البعض عنهم). قال أبو شامة في شرحه على الحرز :"ومال صاحب التيسير إلى الإخفاء ، وأكثرهم على نفيه."(إبراز المنافع ص532).
وحتّى لا نطيل في المسألة ، فإنّني لا اعتمد على اختيار الداني لأنّه عمد على حمل كلّ ما عُبِرَ عنه بالإشمام على الإخفاء بدليل أنّه نسب الإخفاء إلى شيخه أبي الحسن ابن غلبون وذلك خلاف ما في التذكرة كما سيأتي ، وعلى هذا الأساس فإنّي سأعتمد بحول الله تعالى في تحرير هذه المسألة على مصادر الداني في الرواية بمعرفة مذهب مشايخه الثلاثة في {تأمنّا}.
فأما مذهب أبي الحسن بن غلبون فقال في كتابه التذكرة :"وقرأ الأعشى {مالك لا تأمنّا} بتشديد النون وفتحها من غير إشمام شيء من الضمّ ، وقرأ الباقون بتشديد النون وفتحها ، وإشمام النون الأولى الساكنة المدغمة شيئاً من الضمّ في حال ادّغامها ، ثمّ فتحوا النون الثانية."(التذكرة 2/378).
وأمّا مذهب ابن خاقان فقال الداني في كتاب البيان عن قراءة القراء :"حدثنا خلف بن إبراهيم قال : نا أحمد بن محمد قال : نا على بن عبد العزيز قال : نا أبو عبيد قال : كان نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي يقرؤونها {تأمنا} يُشمونها الرفعَ ، قال أبو عبيد : وكذلك هي عندنا ، لأنّها وإن كانت مدغمة فلا بد من الرفع ، ليدلّ به على التعريف بأنّ الأصل {تأمنُنا} فكُتبت على الإدغام."(ينظر شرح الدرر للمنتوري 2/805). أقول : خلف بن إبراهيم هو ابن خاقان وروى بالتحديث عن أبي عبيد : الإشمام في {تأمنا}. وهذا دليل على أنّ مذهب ابن خاقان هو الإشمام لأنّه ولو روى ذلك بالتحديث ، فإنّه لم يرد ما يناقض هذه الرواية من جهة الأداء.
وأما مذهب أبي الفتح فلم أقف على نصّ صريح يبيّن مذهبه إلاّ أنّ رواية ابن بليمة وابن الفحام عن عبد الباقي عنه تبين بأنّ مذهبه هو الإشمام .قال ابن بليمة : "ولا خلاف بين القراء في إشمام النون الساكنة من {تأمنا} مع التشديد وبفتح الثانية."(تلخيص العبارات ص105). وقال ابن الفحام :"واتّفقت الجماعة على إشمام النون الأولى الضمّ من قوله في يوسف {لا تأمنا}."(التجريد ص140).
وعلى ما سبق نخلص بأنّ الصحيح من رواية الداني عن شيوخه الثلاثة هو الإشمام لا غير.
والعلم عند الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
تحرير {نعمّا} وأخواتها لقالون.
قال الناظم :
واختلسَ العينَ لدى نعِمَّا *** وفي النساء لا تعَدّوا ثَمَا
وها يَهَدّي ثمَّ خا يَخَصِّمون *** إذْ أصلُ ما اختلسَ في الكلّ السكون
اقتصر الناظم على وجه اختلاس في عين {نعمّا} في البقرة و النساء ، و{ولا تعَدّوا} في النساء كذلك ، وهاء {أمن لا يهَدّي} في يونس ، والخاء في {وهم يخَصّمون} في يس ، وذلك اتّباعاً للإمام الشاطبيّ عليه رحمة الله بقوله في {نعمّا} : (وإخفاء كسر العين صيغَ به حُلاَ). مع أنّ الداني ذكر الوجهين في التيسير فقال : "وقالون ، وأبو بكر ، وأبو عمرو : بكسر النون وإخفاء حركة العين. ويجوز إسكانها. وبذلك ورد النصّ عنهم ، والأوّل أقيس."(التيسير ص245). وقال في التعريف :"وقرأ الباقون باختلاس حركتها ، والنصّ عنهم بالإسكان."(التعريف ص 78). والباقون هنا مراده الرواة عن نافع الذين روى لهم الداني في كتابه التعريف غير ورش.
وقال في جامع البيان : "وقرأ نافع في رواية إسماعيل والمسيّبي وقالون وعاصم في رواية المفضل وحمّاد وأبي بكر من غير رواية الأعشى ويحيى الجعفي وأبي عمرو بكسر النون وإسكان العين وتشديد الميم في السورتين ، هكذا الرواية عنهم في الكتب بإسكان العين وهو حائز مسموع." ثم قال : "غير أنّ قوماً من أهل الأداء يأبون ذلك لتحقيقه الجمع بين الساكنين ، فيأخذون بإخفاء حركة العين لأنّ المخفى حركته بمنزلة المتحرّك ، فيمتنع الجمع بين الساكنين بذلك ، والإسكان آثر والإخفاء أقيس."(جامع البيان ص343).
قال ابن الجزري : "واختلف عن أبي عمرو وقالون وأبي بكر فروى عنهم المغاربة قاطبة إخفاء كسرة العين ليس إلا، يريدون الاختلاس فراراً من الجمع بين الساكنين وروى عنهم العراقيون والمشرقيون قاطبة الإسكان ولا يبالون من الجمع بين الساكنين لصحته رواية ووروده لغة.."(النشر 2/235 و236).
الذي يظهر من هذه النصوص أنّ مذهب المغاربة بما فيهم الداني هو الاختلاس ، وذكر في التيسير وجامع البيان وجه الإسكان وقال هو الآثر أي هو الذي ورد به النصّ والمذكور في الكتب كما ذكر في الجامع ، وهذا يدلّ أنّ الوجهين صحيحان عنه من جهة الرواية ، يبقى الإشكال في معرفة على من قرأ بالإسكان من شيوخه وعلى من قرأ منهم بالاختلاس.
فأمّا قراءته على أبي الحسن هي بالاختلاس لقول ابن غلبون في التذكرة : "وقرأ أبو عمرو والمفضّل ويحيى ورجال نافع سورى ورش {نعما هي}بكسر النون وإخفاء حركة العين ، وكذا في النساء."(2/277).
وأما قراءته على أبي الفتح فبالوجهين لسببين :
الأوّل : عملاً بعموم كلام الداني في التيسير.
الثاني : ثبوت الوجهين عن أبي الفتح : فوجه الإسكان هو من رواية ابن الفحام عن عبد الباقي عنه. قال ابن الفحام : "وقرأ أبو عمرو وقالون وأبو بكر بكسر النون وسكون العين."(التحريد ص200). وأمّا وجه الاختلاس فقد رواه عنه ابن بليمة عن عبد الباقي عنه. قال ابن بليمة : "قرأ الأبوان وقالون {فنعما هي} بكسر النون وإخفاء حركة العين ، وكذلك في النساء."(تلخيص العبارات ص72).
وعلى ما سبق يتبيّن أنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالاختلاس وقراءته على أبي الفتح هي بالوجهين.
ففي قوله تعالى {فنعما هي} إلى قوله تعالى {ونكفر عنكم من سيّئاتكم}. ثلاثة أوجه وهي :
الأوّل : الاختلاس مع الإسكان في ميم الجمع من قراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : الاختلاس مع الصلة من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : الإسكان مع الصلة من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
ففي قوله تعالى {فنعما هي} إلى قوله تعالى {ونكفر عنكم من سيّئاتكم}. ثلاثة أوجه وهي :
الأوّل : الاختلاس مع قصر {سيئاتكم} من قراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : الاختلاس مع التوسط من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
الثالث : الإسكان مع التوسط من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
ويمتنع الإسكان مع قصر البدل من طريق الداني .
وفي قوله تعالى{أمّن لا يهَدّي إلآ أن يُهدى} ثلاثة أوجه كذلك وهي :
الأوّل : الاختلاس مع الفتح في {يُهدى} من قراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : الاختلاس مع التقليل من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
الثالث : الإسكان مع التقليل من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
ويمتنع الإسكان مع الفتح من طريق الداني .
الحمد لله الذي بتوفيقه تتم الصالحات، وأسأله - سبحانه - أن يحرر رقبتكم من النار بما حررت أناملكم السويات،
والآن يمكني - وأرجو ذلك من إخواني - أن أجمع ما كتبتموه، وأطالعه كله مستفيدا ومتعلما، أدام الله توفيقكم يا شيخ محمد.
جزاكم الله خيراً أخي الشيخ آيت عمران على هذا التعليق.
فيا حبّذا لو قام أحد الإخوة الأفاضل تفضُّلاً منه عليّ بجمع هذه التحريرات على شكل جدولين :
الأوّل لورش على النحو التالي :
I مواضع الخلاف I قراءة الداني على ابن خاقان I قراءته على أبي الحسن I قراءته على أبي الفتح I
الثاني لقالون على النحو التالي :
I موضع الخلاف I قراءة الداني على أبي الفتح I قراءته على أبي الحسن I
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم
تحرير {فما آتان الله} وقفاً لقالون.
قال الناظم :
لكنّه وقفَ في آتانِ *** قالونٌ بالإثباتِ والإسكانِ
قال الداني في التيسير : "{فما آتان الله} : أثبتها مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف : قالون ، وحفص ، وأبو عمرو بخلاف عنهم ، أعني في الوقف."(التيسير ص399).
وقال في جامع البيان :"وحذفها في الوقف نافع في غير رواية ورش ، وكذلك حكى لي فارس بن أحمد عن قراءته في جميع الطرق عن نافع."(جامع البيان ص659و660),
قال المنتوري : "وذكر في الاقتصاد أنّه قرأ على أبي الحسن – يعني ابن غلبون- بإثبات الياء في الوقف ، ومفهومه أنّه قرأ على غيره بحذفها في الوقف.". وقال المنتوري : "وذكر الداني في التمهيد أنّه قرأ لقالون بإثباتها في الوقف ، وأنّ فارساً قال له عن قراءته بالحذف."(شرح الدرر 2/758).
قال أبو الحسن :"{فما آتان الله} أثبتها في الوقف البصريان وحفص ورجال نافع سوى ورش وحذفها الآخرون."(التذكرة 2/480).
أقول : يتّضح من هذه الأقوال أنّ قراءة الداني على أبي الفتح هي بالحذف وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه في التيسير لأنّ طريق التيسير يختصّ برواية الداني عن أبي الفتح ، بينما قرأ بالإثبات على أبي الحسن ابن غلبون ، والوجهان صحيحان من طريق الداني من رواية أبي نشيط عن قالون.
ففي قوله تعالى {فآ آتان الله خيرٌ ممآ آتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون} وجهان :
الأوّل : قصر المدين مع الحذف وقفاً في {آتان} مع الصلة في ميم الجمع من طريق التيسير وهي من رواية الداني عن أبي الفتح.
الثاني : توسط المدّين مع الإثبات وقفاً في {فمآ آتان الله} والإسكان في ميم الجمع من رواية الداني على أبي الحسن بن غلبون.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم.
المسألة الأولى : {الداع إذا دعان}.
فأمّا {الداع إذا دعان} فإنّه وإن ثبت وجه الإثبات لقالون إلاّ أنّه لا يصحّ عن الداني.
قال الداني في التيسير : "{الداع إذا دعان} أثبتها في الوصل ورش وأبو عمرو."(التيسير ص248). وقال في جامع البيان :"وروى أحمد بن صالح عن قالون أنّه يُسقط الياء منها. وكذلك روى عنه القاضي وأبو نشيط والشحّام فيما قرأته."(جامع البيان ص442).
أقول : أهمل الداني وجه الإثبات في التيسير وأخبر في جامعه أنّه قرأ بالحذف ، وهذا يدلّ أنّ الإثبات وإن صحّ عن قالون إلاّ أنّ الداني لم يقرأ ولم يأخذ به.
وأمّا ثبوته في الشاطبيّة فهذا لا يعني أنّه صحيح عن الداني لأنّ طرق الإمام الشاطبي ليست مقتصرة على طرق الداني ، بل أشار الإمام الشاطبيّ إلى أنّ الإثبات لم يأخذ به الأئمّة الغرّ بقوله :
ومع دعوة الداعي دعاني حلا جنا *** وليسا لقالون عن الغرّ سبّلا
فكأنّه أشار إلى الإمام الداني الذي لم يأخذ به وإلاّ فقد أخذ به الإمام الكبير أبو العلاء الهمذاني وغيره.
وعلى ما سبق فإنّ المعلوم والصحيح من مذهب الداني هو الحذف في {الداع إذا دعان}.
المسألة الثانية : {لأهب}.
وأمّا الإبدال في {لأهب} لقالون فقد ذكره الداني في التيسير وجامع البيان من طريق الحلواني لا غير ، بل صرّح في جامعه أنّه قرأ من طريق أبي نشيط بالهمزة.
قال في التيسير :"ورش وأبوعمرو {ليهب لك} بالياء. وكذلك روى الحلواني عن قالون."(التيسير ص357). وقال في جامع البيان :"حرف : قرأ نافع في رواية ورش ، وفي رواية الحلواني وسالم بن هرون عن قالون ، وأبو عمرو {ليهب لك} بالياء المفتوحة بعد اللام على الإخبار عن الغائب." وقال : "وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة على إخبار المتكلّم ، وكذلك روى المسيبي عن نافع وأحمد بن صالح عن قالون عنه وابن جبير عن أصحابه ، وبذلك قرأت في رواية القاضي وأبي نشيط والشحام عن قالون."(جامع البيان ص616).
ومن هنا يتّضح أنّ الإبدال في {لأهب} لا يصحّ عن الداني لقالون من طريق أبي نشيط.
وثبوته في الشاطبيّة لا يعني ثبوته عن الداني كما هو معلوم.