إبراز المنافع في تحرير نظم الدرر اللوامع

الهمزتين المتفقتين في الحركة من كلمتين نحو {جآء أحد} و {السماء إن} و{أولياء أولئك}

الهمزتين المتفقتين في الحركة من كلمتين نحو {جآء أحد} و {السماء إن} و{أولياء أولئك}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

قال ابن بري :
كجاء أمرنا وورش سهّلا ***** أخراهما وقيل لا بل أبدلا
وسّهل الأخرى بذات الكسر ***** نحو من السماء إن للمصر
وأبدلن ياءً خفيف الكسر من ***** على البغاء إن وهؤلاء إن
ثمّ قال :
وسهّل الأخرى إذا ما انضمّتا **** ورش عن قالون عكس ذا أتى
وقيل بل أبدل الأخرى ورشنا **** مدّا لدى المكسورتين وهنا

أشار الناظم إلى أنّ ورشاً حقّق الأولى وسهّل الثانية بين بين في المتفقتين في الحركة من كلمتين في الأنواع الثلاثة ، وله وجه آخر وهو إبدال الثانية حرف مدّ من جنس حركة الهمزة الأولى ، وخصّ {هؤلاء إن كنتم صادقين} في البقرة و{على البغاء إن أردن } في النور بإبدال الثانية منهما ياء خالصة مكسورة ، بالإضافة إلى وجه التسهيل وإبدال الثانية ياء مدية.

ففي المفتوحتين يقول الداني في التيسير : "فإذا اتّفقا بالفتح ، نحو قوله تعالى{جاء أحد} و {شاء أنشره} وشبهه : فورش وقنبل يجعلان الثانية كالمدّة.... "(التيسير ص151). ). وقال في إيجاز البيان :" : فقال بعضهم يُبدلها ألفاً ، فتحصل في ذلك في اللفظ مدّتان ، مدّة قبل الهمزة المحقّقة ، ومدّة بعدها ، إلاّ أنّ المدّة الثانية في التقدير فيما كان بعدها ، كشطر المدّة الأولى ، وهذا قول عامّة المصريّين ، أعني البدل.."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 1/285). وقال الداني في جامع البيان "فأمّا على رواية أبي يعقوب الأزرق عنه فإنّها تُشبع لأنّهم رووا عنه عن ورش أداءً إبدالها حرفاً خالصاً ، فهي ألف محضة ، فهي في حال البدل أشبع منها في حالة التليين."(جامع البيان ص218).

وفي المكسورتين يقول في التيسير : "اعلم أنّهما إذا اتّفقا بالكسر نحو {هؤلاء إن كنتم}و{من النساء إلا} وشبهه : فقنبل وورش يجعلان الثانية كالياء الساكنة." (التيسير ص151). وقال في جامع البيان في المكسورتين :"وروي المصريّون أداءً عن أبي يعقوب عن ورش إبدالها ياء ساكنة ، فعلى ذلك يزاد في تمكينها لكونها حرف مدّ وسكون ما بعدها ، والبدل على غير قياس."(جامع البيان ص220).

وفي المضمومتين وقع في موضع واحد في القرءان الكريم وهو قوله تعالى {أولياء أولئك}. قال الداني في التيسير : "فورش وقنبل يجعلان الثانية كالواو الساكنة."(التيسير ص152). وقال في جامع البيان : "وروى المصريّون عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش أداءً إبدالها واواً ساكنة ، وذلك على غير قياس."(جامع البيان ص224).

أقول : اقتصر الداني على وجه التسهيل في كتابه التيسير حيث قال في المفتوحتين "كالمدة" وفي المكسورتين : "كالياء الساكنة" وفي المضمومتين "كالواو الساكنة" وهذه العبارات هي كنايات عن تسهيل الثانية بين بين في الأنواع الثلاثة ، كما يظهر في النشر والدرّ النثير للمالقي ، واقتصر في جامع البيان على وجه إبدال الثانية حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها في الأنواع الثلاثة. وذكر أنّ الإبدال هو مذهب المصريّين عن أبي يعقوب الأزرق فقال في المفتوحتين : " وهذا قول عامّة المصريّين ، أعني البدل" وفي المكسورتين : "وروي المصريّون أداءً عن أبي يعقوب عن ورش إبدالها ياء ساكنة" وفي المضمومتين : "وروى المصريّون عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش أداءً إبدالها واوً ساكنة".
فمراد الداني بالمصريين يحتمل معنيان : فإمّا أن يكون مراده من ذلك جميع من أخذ برواية أبي يعقوب الأزرق المصريّ الراوي عن ورش وذلك في مقابل رواة الشام والعراق كالأصبهاني وعبد الصمد وغيرهما وهذا يستحيل لتواتر وجه التسهيل عن أبي يعقوب الأزرق ولقول الداني "وروى المصريون أداءً عن أبي يعقوب الأزرق" وهذا يدلّ أنّ رواية أبي يعقوب تشمل المصريّين وغيرهم وإلاّ لما احتاج إلى تقييد روايته بالمصريّين ، وإمّا أن يكون مراده : بالمصريين ذوي الأصول المصريّة كابن خاقان وذلك في مقابل أبي الحسن الحلبيّ وأبي الفتح الحمصي وكلاهما نزلاء مصر ، وهذا المعنى هو الصواب عندي لأنّه يتوافق مع ما في التذكرة لأبي الحسن بن غلبون إذ مذهبه التسهيل بقوله في الهمزتين المفتوحتين من كلمتين :"فقرأ قنبل وورش ورويس بهمز الأولى وجعلوا الثانية بين بين" (التذكرة ص116) وقال نحوه في المضمومتين والمكسورتين. وأمّا أبو الفتح فقد ذكر الداني أنّه قرأ عليه بالتسهيل في المكسورتين بقوله : "وروى أبو بكر بن سيف عنه أنّه أجراهما كسائر نظائرهما ، وقد قرأت بذلك أيضاً على أبي الفتح وأبي الحسن ، وأكثر مشيخة المصريّين على الأوّل."(جامع البيان ص221).

وعليه تكون رواية الداني عن ابن خاقان بالإبدال وعن أبي الحسن وأبي الفتح بتسهيل الثانية بين بين.

وأما {هؤلاء إن } في البقرة و{والبغاء إن} في النور فقد ورد روى ورش إبدالها ياء خالصة مكسورة. قال الداني في جامع البيان :" واستثنى لنا الخاقاني وأبو الفتح وأبو الحسن في روايته عن ورش من جميع الباب موضعين وهما في البقرة : {هؤلاء إن كنتم} وفي النور {على البغاء إن أردن} فرووهما عن قراءتهم بخلاف الترجمتين المتقدّمتين بتحقيق الهمزة الأولى ، وجعل الثانية ياء مكسورة محضة الكسرة. " ثم قال : "وروى أبو بكر بن سيف عنه أنّه أجراهما كسائر نظائرهما ، وقد قرأت بذلك أيضاً على أبي الفتح وأبي الحسن ، وأكثر مشيخة المصريّين على الأوّل." (جامع البيان ص221). وقال في التيسير : "وأخذ عليّ ابنُ خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة في البقرة ، في قوله عزّ وجلّ {هؤلاء إن كنتم} ، وفي النور {على البغاء إن أردن} فقط. وذلك مشهور عن ورش في الأداء من غير نصّ."(التيسير ص151). وهذا يدلّ أنّ الداني لم يقرأ على ابن خاقان في الموضعين إلاّ بإبدال الثانية ياء خالصة مكسورة لسببين : الأوّل : قوله : "وأخذ عليّ ابنُ خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة" وقوله في الجامع :" واستثنى لنا الخاقاني وأبو الفتح وأبو الحسن" ثمّ ذكر أنّه قرأ في الموضعين كسائر الباب على أبي الحسن وأبي الفتح دون ابن خاقان بقوله : " وروى أبو بكر بن سيف عنه أنّه أجراهما كسائر نظائرهما ، وقد قرأت بذلك أيضاً على أبي الفتح وأبي الحسن " وهذا يدلّ أنّ قراءته على أبي الفتح وأبي الحسن في الموضعين بالتسهيل في الثانية أو إبدالها ياء مكسورة خلافاً لقراءته على ابن خاقان فإنّها لا تكون في الموضعين إلاّ مبدلة من الياء المكسورة وهو الذي ينبغي أن يُقتصر عليه في التيسير في الموضعين. قال المالقي رحمه الله :"فاعلم أنّه إنّما أسند قراءته برواية ورش في التيسير عن ابن خاقان لا غير ، وابن خاقان هو الذي استثنى له هذين الموضعين فعلى هذا ليس في التيسير في هذين الموضعين في قراءة ورش إلاّ البدل."(الدرّ النثيرص 362) ثمّ قال "وظاهر مذهبه في التيسير الأخذ بجعلها ياء مكسورة في الموضعين ، والله أعلم."(الدرّ النثير ص363).
وصنيع المالقي في هذه المسألة هو عين التحرير للطرق الذي ندندن حوله ، وهذا يدلّ أنّ من المتقدّمين على ابن الجزري من سلك طريقة أهل التحرير.

فنخلص مما سبق أنّ قراءة الداني في الأنواع الثلاثة على ابن خاقان هي بإبدال الثانية حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها فتُبدل ألفاً في المفتوحتين وياءً في المكسورتين و واوً في المضمومتين وهذا الذي ينبغي أن يؤخذ به من طريق التيسير. وأمّا قراءته على أبي الحسن وأبي الفتح فهي بتسهيل الثانية بين بين أي بين الهمزة والألف في المفتوحتين وبين الهمزة والواو في المضمومتين وبين الهمزة والياء في المكسورتين. وأمّا في {هؤلاء إن} في البقرة و {على البغاء إن } في النور فقراءة الداني على ابن خاقان هي بإبدال الثانية ياء مكسورة وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه في التيسير خلافاً لقراءته على أبي الحسن وأبي الفتح فإنّها تكون بالوجهين : أحدها كقراءته على ابن خاقان ، وثانيها تسهيلها بين الهمزة والياء.

في قوله تعالى {فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} خمسة أوجه من طرق الداني وهي كالتالي :
الأوّل : قصر {أنبئوني} مع التسهيل الثانية بين بين في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثاني : كذلك لكن مع إبدال الثانية ياء مكسورة في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثالث : توسط {أنبئوني} مع إبدال الثانية ياء مكسورة في {هؤلاء إن} من التيسير على الصحيح وبه قرأ الداني على ابن خاقان.
الرابع : توسط {أنبئوني} مع التسهيل الثانية بين بين في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الخامس : توسط {أنبئوني} مع إبدال الثانية ياء مكسورة في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
وعليه جازت الأوجه الثلاثة في {هؤلاء إن} على توسط البدل ، وامتنع إبدال الثانية ياء مديّة على القصر.

وفي قوله تعالى {على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} خمسة أوجه من طرق الداني وهي كالتالي :
الأوّل : تسهيل الثانية بين الهمزة والياء في {البغاء إن} مع الفتح في {الدنيا} وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
الثاني : كذلك لكن مع التقليل وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : إبدال الثانية ياء مكسورة في {البغاء إن} مع الفتح في{الدنيا} وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
الرابع : كذلك لكن مع التقليل وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الخامس : إبدال الثانية ياءً مديّة في {البغاء إن} مع التقليل في{الدنيا} من التيسير وبه قرأ الداني على ابن خاقان. والإبدال يكون مع الإشباع والقصر لتغيّر السبب.

والعلم عند الله تعالى.
 
ولكن يا شيخي الكريم، علماء التحريرات يذكرون أن إبدال الهمزة ياء مكسورة في الموضعين هو لمن قرأ باقي الباب بتسهيل الثانية بين بين، ولا أذكر الآن البيت الذي ذكر فيه هذا التحرير العلامة المتولي، وأظن أن صاحب النشر أيضا أشار إلى ذلك، أرجو أن تزيلوا هذا الإشكال، بارك الله فيكم.
 
لا أذكر الآن البيت الذي ذكر فيه هذا التحرير العلامة المتولي، وأظن أن صاحب النشر أيضا أشار إلى ذلك، أرجو أن تزيلوا هذا الإشكال، بارك الله فيكم.
أخي الحبيب مرحباً بك وأنا سعيد جداً بطرح هذه التساؤلات ولكن في نظري الطرح لا يكون ب : "لا أذكر" و "أظنّ"
وأريد أن أشير أنّ الطريقة التي سلكتها هو الرجوع إلى المصادر والأسانيد لاستخراج الأوجه وتحريرها بطريقة ومنهجيّة واضحة مع محاولتي في كلّ مرّة أن تكون منضبطة وغير متناقضة ، فإن كان الاعتراض في الطريقة والمنهجيّة فعلى العين والرأس وأمّا إن تعلّق الأمر بجزئيات المسائل وفروعها فلا يمكن ، إذ لو بدأت بنقل نقول المحررين في كلّ مسألة ومناقشتها ونقدها لطال البحث ولملّ الناس منها لا سيما وأنّ انتقاد التحريرات في هذا الوقت بالذات صار : مودة العصر فلا أريد أن أزيد الطين بلّة.



 
آسف شيخي الكريم على استعمال "لا أذكر" و"أظن" لأني كتبت السؤال بعيدا عن مكتبتي، فلم أرد الجزم بما ذكرت، وعلى كل شكرا لكم على ردكم، وأرجو لكم التوفيق لمواصلة ما بدأتم، والله الموفق.
 
إستدراك على باب الهمزتين المفتوحتين من كلمة

إستدراك على باب الهمزتين المفتوحتين من كلمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

لقد ذكرت في خلاصة المسألة أنّ ورشاً قرأ في نحو
{آنذرتهم} بالإبدال من طريق ابن خاقان وأبي الفتح وبالتسهيل من طريق أبي الحسن لأننّي كنت أظنّ أنّ أبا الفتح هو مصريّ من ذوي الأصول المصرية فجعلته من عامّة الرواة المصريين الذين نقلوا الإبدال ، وعند اطلاعي على ترجمته وجدتّ أنّه حمصيّ شاميّ نزيل مصر.

قال أبو عمرو الداني عن الإبدال في كتابه الاقتصاد
: " وهي رواية أكثر المصريين عنه" وقال في إرشاد المتمسّكين : "وهو قول شيوخ المصريين ، وذلك ضعيف في القياس ، غير أنّي به قرأت عليهم" ، وقال في إيجاز البيان : "وهو الموجود في ألفاظ عامة المصريين ، لأنّهم يشبعون المد في ذلك جيّداً" (يُنظر شرح الدرر للمنتوري 1/258).

وأما عن التسهيل فقال الداني في إيجاز البيان : "وهذا – أي التسهيل - قول عامة البغداديين وأهل الشام ممن وصلت إلينا الرواية عنه منهم وهو الوجه السائر في العربية والقياس المطّرد في اللغة."(يُنظر شرح الدرر 1/259).

أقول : أراد الداني بقوله في التسهيل : "وهذا قول عامة البغداديين وأهل الشام من وصلت إلينا الرواية عنه منهم" : أبا الحسن ابن غلبون وأبا الفتح لأنّ الأوّل حلبّي والثاني حمصيّ فكلاهما من الشام ومذهب عامة أهل الشام وبغداد التسهيل لا غير ويؤكّد ذلك اقتصار أبي الحسن على وجه التسهيل في التذكرة وبقوله : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام ورويس بتحقيق الهمزة الاولى ، وجعلوا الثانية بين بين ، فصارت كالمدّة في اللفظ في جميع القرءان. وأبو عمرو وقالون والمسيّبي وهشام أطولهم مداً فيها ، لأنّهم يُدخلون بينهما ألفاً.(التذكرة 1/111). وقد ذكر يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف وجه التسهيل لأبي الفتح.
وأمّا الإبدال فهو مذهب عامّة المصريين بما فيهم ابن خاقان لأنّه من الرواة المصريين من ذوي الأصول المصرية.

وعليه فإنّه يتّضح من الأقوال المنقولة عن الداني وغيره أنّ وجه التسهيل هو من قراءة الداني على أبي الحسن وأبي الفتح وأنّ وجه الإبدال هو من قراءته على ابن خاقان.وبالتالي يكون التسهيل مع قصر البدل وتوسطه ، ويكون الإبدال مع التوسّط لا غير كما في قوله تعالى {وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين ءآرسلمتم} فعلى قصر البدل يأتي التسهيل من طريق أبي الحسن وعلى التوسط يأتي الإبدال من طريق ابن خاقان والتسهيل من طرق أبي الفتح ، ويمتنع القصر على الإبدال.

ويجدر التنبيه على أنّ وجه التسهيل ليس من طريق التيسير ولو ذكره الداني فيه لأنّ طريق التيسير يختصّ بقراءة الداني على ابن خاقان ، وقراءته عليه هي بالإبدال كما ذكرنا ، فيجب الاقتصار على وجه الإبدال من طريق التيسير.

[FONT=&quot]والعلم عند الله تعالى.
[/FONT]
 
بيان حكم {جاء آل} من طرق الداني.

بيان حكم {جاء آل} من طرق الداني.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد :

قال أبو عمرو الداني في جامع البيان : "فإن قيل فهل يُبدل ورش الهمزة الثانية في هذين الموضعين ألفاً على رواية المصريّين كما يُبدلها من طريقهم في سائر الباب ؟ قلت : قد اختلف أصحابنا في ذلك فقال بعضهم : لا يُبدلها فيهما لأنّ بعدها ألفا ، فيجتمع ألفان واجتماعهما متعذّر ، فوجب لذلك أن يكون بين بين لا غير ، لأنّ همزة بين بين في زنة المتحرّكة ، وقال آخرون يُبدلها فيهما كسائر الباب ، ثم فيها بعد البدل وجهان : أحدهما : أن تُحذف للساكنين ، إذ هي أولاهما ، ويزاد في المدّ ، دلالة على أنّها هي المليّنة دون الأولى. والثاني : أن لا تُحذف ويُزاد في المد ، فتفصل تلك الزيادة بين الساكنين ، وتمنع من اجتماعهما وبالله التوفيق."(جامع البيان ص220). وقال في الإيضاح نحوه. وقال في إيجاز البيان : "ولا ينبغي أن تجعل الهمزة المسهّلة قبلها في ذلك مبدلة ، من قِبَلِ أنّه يلزم حينئذ حذفها لاجتماع ألفين في قول أكثر النحويين ، بل تُجعل بين بين ، فتمتنع حينئذ من الحذف ، لأنّها في حيّز المتحرّك" قال : "وهذا مذهب الحذاق من أهل الأداء."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 1/286).
وقال المنتوري : "وذكر –أي الداني- في التلخيص أنّ إبدالها هنا ممتنع لما يلزم من حذف الألف للساكنين."(شرح الدرر 1/286).

الذي يظهر من قوال الداني أنّه منع الإبدال في {جاء آل} في كتابه إيجاز البيان والتلخيص ولم يمنعه في التيسير وجامع البيان بل ظاهر جامع البيان جواز الوجهين حيث به استدلّ ابن الجزريّ في النشر على جوازهما. ولم يمنع وجه الإبدال في {جاء آل} من اشتهر بالرواية عن الداني كالإمام الشاطبيّ وابن بري وابن الجزريّ وكذا المالقي وصاحب الكنز وغيرهم ، وإنّما ضعّفه بعض المغاربة استناداً على بعض أقوال الداني كالخراز في شرحه على الدرر وابن المرابط في كتابه التقريب والحرش وغيرهما.

والآن أعود لمناقشة كلام الداني في إيجاز البيان والتلخيص وهو قوله : "ولا ينبغي أن تجعل الهمزة المسهّلة قبلها في ذلك مبدلة ، من قِبَلِ أنّه يلزم حينئذ حذفها لاجتماع ألفين في قول أكثر النحويين ، بل تُجعل بين بين" وقوله : " إبدالها هنا ممتنع لما يلزم من حذف الألف للساكنين" فأقول وبالله التوفيق :

أوّلاً : لم يمنع الداني الإبدال في كتابه التيسير ولا في جامع البيان بل أثبت الوجهين جميعاً في الجامع ، ومعلوم أنّ أهمّ كتب الرواية للداني هو التيسير وجامع البيان ، لذلك م يشتهر كثيراً منع الإبدال في {جاء آل} من طرق الداني.

ثانياً : لم يعتمد الداني في منعه لوجه الإبدال على الرواية بل حكى الخلاف في جامعه ، ثمّ منعه على أساس قياس محض لا عن نقل ورواية ، لأنّ المنع يقتضي ثبوت نصوص تستثني {جاء آل} من الإبدال.

ثالثاً : المغاربة أنسهم لم يمنعوا هذا الوجه مطلقاً من طريقه بل ضعّفوه وقدّموا وجه التسهيل عليه كما صنع ابن المرابط والخراز وكذا الإمام المارغني في كتابه النجوم الطوالع وهذا التقديم في نظري غير مسلّم به من طريق الداني لأنّ الإبدال في الهمزتين لم يرد إلاّ عن ابن خاقان كما سبق بيانه ، والتسهيل لا يكون إلاّ عن أبي الحسن وأبي الفتح ، والرواية تقتضي التمييز بين هذه الروايات الثلاثة ولا مجال لتقديم التسهيل على الإبدال لأنّ ذلك بقتضي أن نقرأ بالتسهيل من طريق ابن خاقان وهذا خلاف الرواية. لذا فمن قرأ للداني من طريق ابن خاقان لزم عليه الإبدال مطلقاً ومن قرأ له من طريقي أبي الفتح وأبي الحسن لزم عليه التسهيل ولا مجال لتقديم وجه على آخر. بخلاف ما إذا قرئ من طريق الشاطبية فحينئذ جاز إجراء الوجهين جميعاً مع تقديم وجه التسهيل لقوّته في القياس ولشهرته كذلك عن الداني في الرواية ، فيكون المارغني مصيباً في تقديم وجه التسهيل من طريق الشاطبيّة.

وعليه فإنّ الصحيح في المسألة لزوم الإبدال في {جاء آل} في رواية الداني عن ابن خاقان ، ويمتنع في روايته عن أبي الحسن وأبي الفتح لأنّهما لا يُبدلان الثانية مطلقاً لا في {جاء آل} ولا في غيره.

والعلم عند الله تعالى.
 
إستدراك على تحرير الآية {البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}

إستدراك على تحرير الآية {البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}

قلتُ :
وفي قوله تعالى على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا خمسة أوجه من طرق الداني وهي كالتالي :
الأوّل : تسهيل الثانية بين الهمزة والياء في البغاء إن مع الفتح في الدنيا وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
الثاني : كذلك لكن مع التقليل وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : إبدال الثانية ياء مكسورة في البغاء إن مع الفتح فيالدنيا وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
الرابع : كذلك لكن مع التقليل وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الخامس : إبدال الثانية ياءً مديّة في البغاء إن مع التقليل فيالدنيا من التيسير وبه قرأ الداني على ابن خاقان. والإبدال يكون مع الإشباع والقصر لتغيّر السبب.

فالوجه الخامس ممتنع لأنّ ابن خاقان ليس له في {هؤلاء إن} في البقرة و {البغاء إن} في النور إلاّ إبدال الثانية ياء مكسورة.
فتصير الأوجه أربعة وهي :
الأوّل : تسهيل الثانية بين الهمزة والياء في {البغاء إن} مع الفتح في الدنيا وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
الثاني : كذلك لكن مع التقليل وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : إبدال الثانية ياء مكسورة {في البغاء إن} مع الفتح في الدنيا وبه قرأ الداني على ابي الحسن.
الرابع : كذلك لكن مع التقليل وبه قرأ الداني على أبي الفتح وابن خاقان.

وأما في {هؤلاء إن} فقلتُ :
في قوله تعالى فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين خمسة أوجه من طرق الداني وهي كالتالي :
الأوّل : قصر أنبئوني مع التسهيل الثانية بين بين في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثاني : كذلك لكن مع إبدال الثانية ياء مكسورة في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثالث : توسط أنبئوني مع إبدال الثانية ياء مكسورة في {هؤلاء إن} من التيسير على الصحيح وبه قرأ الداني على ابن خاقان.
الرابع : توسط أنبئوني مع التسهيل الثانية بين بين في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الخامس : توسط أنبئوني مع إبدال الثانية ياء مكسورة {في هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الفتح.

فذكرت خمسة أوجه والصحيح أنّها أربعة لأنّ الوجه الثالث هو نفسه الخامس فتصير الأوجه أربعة وهي كالتالي :

الأوّل : قصر أنبئوني مع التسهيل الثانية بين بين في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثاني : كذلك لكن مع إبدال الثانية ياء مكسورة في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثالث : توسط أنبئوني مع إبدال الثانية ياء مكسورة في {هؤلاء إن} من التيسير على الصحيح وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
الرابع : توسط أنبئوني مع التسهيل الثانية بين بين في {هؤلاء إن} وبه قرأ الداني على أبي الفتح.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {بالسوء إلاّ} لقالون.

تحرير {بالسوء إلاّ} لقالون.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

قال الناظم : وفي حرفي الأحزاب بالتحقيق **** والخلف في بالسوء في الصديق

قوله : (والخلف في بالسوء في الصديق).
إشارة منه إلى أنّ قالون روى الوجهين في {بالسوء إلاّ} في سورة الصديق أي سورة يوسف عليه السلام. الأوّل : إبدال الهمزة الأولى واواً مكسورة ثمّ إدغام الواو الساكنة التي قبلها فيها فيصير النطق بواو مشددة مكسورة مكان الهمزة الأولى أي : {بالسوِّ إلاّ}. الثاني : تسهيل الأولى وتحقيق الثانية على أصله في الهمزتين المكسورتين.

قال الداني في التيسير : "قالون والبزي {بالسوِّ إلاّ} بواو مشددة بدلاً من الهمزة في حال الوصل ، وتحقيق همزة {إلاَ}."(التيسير ص322).

وقال في جامع البيان :"قرأ نافع في غير رواية ورش وابن كثير في رواية البزي وابن فليح {بالسوء إلا ما رحم ربي} بتسهيل الهمزة الأولى وقلبها واواً مكسورة وإدغام الواو الساكنة التي قبلها فيها ، وتحقيق تحقيق الهمزة الثانية على أصلها في الهمزتين المكسورتين من كلمتين ، ولم يجعلا الهمزة الأولى ههنا بين الهمزة والياء كما جعلاها في سائر الباب" ثم قال : "وقد كان بعض أهل الأداء يأخذ في قراءة نافع وابن كثير من الطرق المذكورة في هذا الموضع ، يجعل الهمزة بين الهمزة والياء قياساً على جعلها بعد الألف كذلك وذلك خروج عن قياس التسهيل ، وعدول عن مذهب القراء."(جامع البيان ص567).

وقال في المفردات :"قرأ {بالسوء إلا ما رحم ربي} بواو مشددة بدلا من الهمزة حال الوصل ، فإذا وقف ردّ الهمزة."(المفردات ص104).

وقال في التعريف :"وقد رُوي عن قالون أنّه يخفّف الأولى على حركتها ، فيجعلها بين الهمزة والياء ، وذلك على غير قياس." قال :"ولم أقرأ بذلك."(ينظر شرح الدرر للمنتوري 1/296).

قال المنتوري : "وذكر في التيسير والتمهيد وكتاب رواية أبي نشيط ، وكتاب التذكّر لتراجم القراء الإبدال والإدغام خاصّة."(ينظر شرح الدرر للمنتوري 1/296)."

وذكر المنتوري أنّ الداني ذكر الوجهين في الاقتصاد والإيضاح ."(ينظر شرح الدرر للمنتوري 1/296).

قال أبو الحسن ابن غلبون : "وخالف قالون أصله في الهمزتين المكسورتين من كلمتين في قوله {بالسوء إلا ما} فرُوي عنه أنه همز الثانية ونحا بالأولى نحو الياء على أصله ، وروي عنه أنه همز الثانية ، وقلب الأولى واواً ثم أدغم الواو التي قبلها فيها ، فقرأ بواو واحدة مشددة مكسورة بعدها همزة وهو المشهور وبه قرأت"(التذكرة 1/380).

قال ابن الجزري : "أما {بالسوء إلا} فأبدل الهمزة الأولى منهما واواً وأدغم الواو التي قبلها فيها الجمهور من المغاربة وسائر العراقيين عن قالون والبزي وهذا هو المختار رواية مع صحته في القياس. وقال الحافظ أبو عمرو الداني في مفرداته هذا الذي لا يجوز في التسهيل غيره. (قلت) وهذا عجيب منه فإن ذلك إنما يكون إذا كانت الواو زائدة كما سيأتي في باب وقف حمزة وإنما الأصل في تسهيل هذه الهمزة هو النقل لوقوع الواو قبلها أصلية عين الفعل كما سيأتي."(النشر 1/383).
أقول : ما نقله ابن الجزري عن الداني فيه نظر لأنّ ذلك مخالف لعبارة الداني في المفردات كما سبق نقل عبارته ، وإنّما تلكم العبارة التي أشار إليها ابن الجزري تختصّ برواية البزّي وليس بروية قالون ، حيث التبس عليه الأمر لأنّ البزي يوافق قالون في الباب الهمزتين من كلمتين. (يُنظر المفردات ص193). وقد أشار إلى ذلك شيخنا السالم الجكني حفظه الله في تحقيقه على النشر.

أقول : من تأمّل أقوال الإمام أبي عمرو الداني يتّضح له أنّ روايته تقتصر على وجه الإبدال مع الإدغام في {بالسوء إلاّ} كما هو صريح في التيسير وجامع البيان والمفردات وكذا في التمهيد وكتاب رواية أبي نشيط على ما ذكر المنتوري بل صرّح في جامع البيان بأنّ القراءة بوجه التسهيل خروج عن قياس التسهيل وعدول عن مذهب القراء. وصرّح أيضاً في كتابه التعريف بأنّه لم يقرأ بوجه التسهيل. وأمّا ذكره للوجهين في الاقتصاد والإيضاح على ما نقله عنه المنتوري فهو للحكاية وليس للرواية لأنّه لم يقرأ بوجه التسهيل بل أسقطه وضعّفه. وقد ذكر أبو الحسن الوجهين في كتابه التذكرة ثمّ صرّح بأنّه قرأ بوجه الإبدال مع الإدغام.

وعليه فإنّ الصحيح في مذهب الداني هو الاقتصار على وجه الإبدال مع الإدغام أي {بالسوّ إلاّ} وامتناع وجه التسهيل في رواية قالون.

ولعلّ السبب الذي حمل الناظم على ذكر الوجهين هو اتّباعه للإمام الشاطبيّ رحمه الله ، وما كان ينبغي للناظم أن يفعل ذلك لأنّ الشاطبيّ زاد طرقاً على طرق الداني بينما اقتصر هو على طرق الداني فاختلفا في الطرق والمصادر.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {يشاء إلى} ونحوه.

تحرير {يشاء إلى} ونحوه.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير {يشاء إلى} ونحوه.

قال الناظم :
وإن أتتْ بالكسرِ بعد الضمِّ **** فالخلفُ فيها بين أهلِ العلْمِ
فمَذهبُ الأخفَشِ والفرّاءِ **** إبدالها واواً لدى الأداءِ
ومَذهبُ الخليلِ ثمّ سيبويهْ **** تسهيلها كالياء والبعض عليهْ

أشار الناظم إلى أنّ أهل الأداء اختلفوا في الهمزتين المختلفتين في الحركة من كلمتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة في نحو {يشاء إلى} فمنهم من أبدل الثانية واواً خالصة مكسورة وهو مذهب الأخفش والفراء من أهل اللغة ، ومنهم من سهّل الثانية بين بين وهو مذهب الخليل وسيبويه من أهل اللغة.

قال أبو عمرو الداني في التيسير : "والمكسورة المضموم ما قبلها تُسهّل على وجهين : تُبدل واواً مكسورة على حركة ما قبلها ، وتُجعل بين الهمزة والياء على حركتها"(التيسير ص153).

وقال في جامع البيان عند إيراده للوجهين وانتهاءه من ذكر وجه الإبدال : "وبذلك –أي بالإبدال- قرأت على أكثر شيوخي ، وقد قرأت بالمذهب الأوّل –أي بالتسهيل- على فارس ابن أحمد في مذهب أهل الحرمين وأبي عمرو وهو أوجه في القياس والثاني أكثر في النقل."(جامع البيان ص227).

وقد ذكر ابن الجزري في نشره أنّ الداني قرأ بالإبدال على عامة شيوخه ونقل المنتوري عن الداني نحوه فقال المنتوري : "وقال –أي الداني- في الإيضاح : وبه –أي بالإبدال- قرأت أنا على عامّة شيوخي من أهل العراق والشام ومصر : أبي القاسم الفارسي ، وأبي الفتح الحمصي ، وأبي الحسن الحلبي ، وأبي القاسم الخاقاني وغيرهم."(شرح الدرر ص313).

وأمّا التسهيل فقد أخبر الداني في جامعه أنّه قرأ به على أبي الفتح ولم يذكر معه أحد من شيوخه ، وقال في الاقتصاد : "وبه –أي بالتسهيل- قرأت على فارس ابن أحمد عن قراءته."(انظر شرح الدرر 1/315) ، وعليه يتّضح أنّ وجه الإبدال هو من قراءة الداني على مشايخه الثلاثة وأنّ وجه التسهيل هو من قراءته على أبي الفتح وبالتالي يكون وجه التسهيل من التيسير خارجاً من طريق ابن خاقان.


قد يقول القائل قد ذكر أبو الحسن في كتابه التذكرة الوجهين فيحتمل أن يكون الداني قد قرأ عليه بهما ؟ الجواب : نعم هو احتمال وارد ولكنّه ليس لازماً ، فقد يختار أبو الحسن واجهاً للإقراء به دون سواه ، والداني لم يُصرّح بأنّه قرأ بالتسهيل على أبي الحسن وصرّح بأنّه قرأ به على أبي الفتح ولم يذكر معه أحد ، فلو قرأ به على أبي الحسن لذكره مع أبي الفتح.

قال أبو الحسن : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو ورويس بهمز الأولى وجعلوا الثانية بين بين ، فصارت كالياء المختلسة وهو الجيّد وهو مذهب الخليل وسيبويه الذي لا يجوز عندهما غيره .." ثمّ قال : "وقد ذهب قوم كثير من المقرئين إلى أنّ هذه الهمزة المليّنة في هذا الضرب تُجعل واواً مكسورة وهو يجوز على مذهب الأخفش" قال : "وقد قرأت بذلك– أي بالإبدال - على بعضهم وهو أسهل على اللسان من القول الأوّل."(التذكرة 1/118).

أقول : الذي يتّضح من الأقوال المنقولة أنّ الداني قرأ بالإبدال على جميع شيوخه وقرأ بالتسهيل على أبي الفتح ، وبالتالي تكون قراءته على أبي الفتح بالوجهين جميعاً.

ففي قوله تعالى { وتلك حجّتنآ ءاتيناهآ إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إنّ ربّك حكيم عليم}.
يكون للداني في رواية قالون ثلاثة أوجه وهي :
الأوّل والثاني : قصر المنفصل (حجّتنآ ءاتيناهآ) مع الوجهين في {يشاء إن} من التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثالث : توسط المنفصل مع الإبدال من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.

وأمّا في رواية ورش فيكون له ثلاثة أوجه ايضاً وهي :
الأوّل : قصر البدل {آتيناها} مع الإبدال من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثاني : توسط البدل مع الإبدال من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح
الثالث : توسط البدل مع التسهيل من جامع البيان وبه قرأ الداني على ابي الفتح.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {يلهث ذلك} و {اركب معنا} لقالون.

تحرير {يلهث ذلك} و {اركب معنا} لقالون.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

تحرير {يلهث ذلك} و {اركب معنا} لقالون.

قال الناظم :
واركبْ ويَلهثْ وتالخلاف فيهما *** عن ابن مينىً والكثيرُ أدغما.

بعد أن ذكر الناظم الإظهار لورش في {اركب معنا} في هود و{يلهث ذلك} في الأعراف أشار إلى أنّ قالون الملقّب بابن مينى روى الوجهين فيهما جميعاً أي الإدغام والإظهار ، وأشار إلى أنّ الرواية المشهورة هي بالإدغام بقوله : "والكثير أدغما".

قال الداني في التيسير : "وأظهر ابن كثير وورش وهشام {يلهث ذلك} واختُلف فيه عن قالون. وأدغم ذلك الباقون."(التيسير ص172). وقال : "وأظهر ورش وابن عامر وحمزة {يا بنيّ اركب معنا} ، واختُلف فيه عن قالون.."(التيسير ص173).

وقال في جامع البيان :"وأما {يا بنيّ اركب معنا} ، فأظهر الباء عند ميم فيه نافع في رواية المسيّبي وقالون من طريق الحلواني وأبي سليمان وأبي نشيط من قراءتي على أبي الفتح.."(جامع البيان ص287).وقال في {يلهث ذلك} : ونافع في رواية إسماعيل وقالون لخلاف عنه . وأقرأني أبو الفتح لهما من طريق عبد الباقي عن أصحابه عنهما بالإظهار ، ومن طريق عبد الله بن الحسين عن شيوخه عنهما بالإدغام ، وبذلك قرأت على أبي الحسن في رواية قالون."(جامع البيان ص288). وطريق أبي الفتح عن عبد الباقي هو الطريق الذي أسنده الداني عن أبي الفتح من طريق أبي نشيط عن قالون في التيسير وجامع البيان.

قال المنتوري : "وذكر الداني في التيسير الوجهين عن قالون فيهما ، وذكر في كتاب رواية أبي نشيط أنّه قرأ على أبي الفتح بالإظهار وعلى أبي الحسن بالإدغام. وقال في جامع البيان والاقتصاد والتمهيد والتعريف نحوه."(شرح الدرر 1/415).

قال أبو الحسن : "والسادس : قوله {يلهث ذلك} أظهر الثاء عند الذال ابن كثير وورش وهشام ، وأدغمها الباقون."(التذكرة 1/186). وقال :"وقرأ ورش وابن عامر وحمزة ويعقوب والأعشى بإظهار الباء عند الميم من {اركب معنا}، وأدغمها الباقون."(التذكرة 2/371).

وقال ابن الجزري في {اركب معنا}: "وأما قالون فقطع له بالإدغام في التبصرة والهداية والكافي والتلخيص والهادي والتجريد والتذكرة وبه قرأ الداني على أبي الحسن. وقطع له بالإظهار في الإرشاد والكفاية الكبرى. وبه قرأ الداني على أبي الفتح."(النشر 2/11 و12). وقال في {يلهث ذلك} عند تعرّضه لوجه الإدغام : وبه قرأ الداني على أبي الحسن من جميع طرقه عن قالون." وقال عند ذكره لوجه الإظهار : "وبه قرأ الداني على أبي الفتح من قراءته على عبد الباقي."(النشر 2/14).

فمن خلال الأقاويل المنقولة يتّضح جلياً أنّ الداني قرأ {اركب معنا} و {يلهث ذلك} فيهما بالإظهار على أبي الفتح والإدغام على أبي الحسن.
وعليه يكون وجه الإدغام في التيسير خارجاً عن طريقه لأنّ طريق التيسير يختصّ برواية الداني عن أبي الفتح وهو لم يقرأ عليه إلاّ بالإظهار وبالتالي ينبغي الاقتصار على وجه الإظهار لقالون من التيسير.

ففي قوله تعالى : { ولكنّه أخلد إلى الأرض } إلى قوله تعالى {لعلّهم يتفكّرون} جميعها ثمانية أوجه لا يصحّ منها عن قالون إلاّ وجهان من طرق الداني :
الأوّل : قصر {ولكنّه أخلد} مع الإظهار في {يلهث ذلك} والصلة في {لعلهم} من طريق التيسير وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثاني : توسط المنفصل مع الإدغام وإسكان ميم الجمع من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.

والعلم عند الله تعالى.
 
.
[/FONT] قال الناظم :
وإن أتتْ بالكسرِ بعد الضمِّ **** فالخلفُ فيها بين أهلِ العلْمِ
فمَذهبُ الأخفَشِ والفرّاءِ **** إبدالها واواً لدى الأداءِ
ومَذهبُ الخليلِ ثمّ سيبويهْ **** تسهيلها كالياء والبعض عليهْ

أشار الناظم إلى أنّ أهل الأداء اختلفوا في الهمزتين المختلفتين في الحركة من كلمتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة في نحو {يشاء إلى} فمنهم من أبدل الثانية واواً خالصة مكسورة وهو مذهب الأخفش والفراء من أهل اللغة ، ومنهم من سهّل الثانية بين بين وهو مذهب الخليل وسيبويه من أهل اللغة.
[poem=]وإن أتت بالكسر بعد الضم=فالخلف فيها بين أهل العلم
فمذهب الأخفش والقراء=إبدالها واوا لدى الأداء
ومذهب الخليل ثم سيبويه=تسهيلها كالياء والبعض عليه
[/poem]فمذهب الأخفش والقراء جمع قارئ، وليس الفراء
 
فمن خلال الأقاويل المنقولة يتّضح جلياً أنّ الداني قرأ {اركب معنا} و {يلهث ذلك} فيهما بالإظهار على أبي الفتح والإدغام على أبي الحسن.
وعليه يكون وجه الإدغام في التيسير خارجاً عن طريقه لأنّ طريق التيسير يختصّ برواية الداني عن أبي الفتح وهو لم يقرأ عليه إلاّ بالإظهار وبالتالي ينبغي الاقتصار على وجه الإظهار لقالون من التيسير.
الإشكال هنا ليس في نسبة الإدغام إلى أبي الحسن والإظهار إلى أبي الفتح، وخروج الإدغام من طريق التيسير لكونه من طريق أبي الحسن، وهو غير مسند فيه. وإنما في قول الداني : وقرأت بها القرآن كله على شيخي أبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى بن عمران، المقرئ، الضرير. وقال لي: قرأت بها على أبي الحسن عبد الباقي بن الحسن، المقرئ. وقال: قرأت على إبراهيم بن عمر، المقرئ. وقال قرأت على أبي الحسين أحمد بن عثمن بن جعفر بن بويان. وقال: قرأت على أبي بكر أحمد بن محمد بن الأشعث. وقال: قرأت على أبي نشيط محمد بن هرون. وقال: قرأت على قالون. وقال: قرأت على نافع.
وهذه طريق ابن بويان الذي أسند له الداني الإظهار حيثما ذكر رواية قالون في الكلمتين، والحال أنه لم يُرْوَ عن ابن بويان عن ابن الأشعث عن أبي نشيط عن قالون في {اركب معنا} و{يلهث ذلك}إلا الإدغام.
قال ابن القاضي في الفجر جـ3، ص 101، سطور 1-2: قال أبو جعفر: رواية ابن بويان عن أبي نشيط بالإدغام فيهما، ورواية غيره عنه الإظهار فيهما
 
[poem=]وإن أتت بالكسر بعد الضم=فالخلف فيها بين أهل العلم
فمذهب الأخفش والقراء=إبدالها واوا لدى الأداء
ومذهب الخليل ثم سيبويه=تسهيلها كالياء والبعض عليه
[/poem]فمذهب الأخفش والقراء جمع قارئ، وليس الفراء
ينظر الفجر الساطع 2/ 403 فقد وردت على الصواب (رغم تحقيق الكتاب)، وتحرفت في شرح المنتوري.
 
وهي على الصواب أيضا في شرح المارغني، قال: فمذهب القراء يعني أكثرهم، لا كلهم بدليل ما ذكره في البيت بعد التي تبدل واوا مكسورة.
 
وهو على الصواب في مخطوط المنتوري (مخطوطة المكتبة الحسنية 1096، اللوحتان 162-163)
 
سيدي سمير عمر، جزاكم الله خيرا على هذا التتبع.
إنها [القراء] في كل الروايات، وحسب كل الشراح، وهو الذي يقتضيه سياق تقسيمه لأهل اللغة والقراء. إذ المعنى: القراء والنحاة مختلفون في نوع تغيير الهمزة الثانية من نحو {يشاء إلى}. فمذهب أكثر القراء ومعهم الأخفش من النحويين الإبدال واوا خالصا، ومذهب جمهور النحويين، وعلى رأسهم الخليل وسيبويه، ومعهم قليل من القراء التسهيل كالياء.
وقد تم تصحيح اللفظة عند إعراب البيت في نص طبعة شرح المنتوري.
 
قال ابن القاضي في الفجر جـ3، ص 101، سطور 1-2: قال أبو جعفر: رواية ابن بويان عن أبي نشيط بالإدغام فيهما، ورواية غيره عنه الإظهار فيهما
جزاكم الله خيراً شيخنا محمد الحسن على هذا التنبيه.
فأبو جعفر هو ابن الباذش ، وسأرجع إلى كتاب الإقناع وشرح الدرر للمنتوري وغيرها لأتأكّد من كلام ابن الباذش. وكذا كلّ من تابع الداني من طريق عبد الباقي عن ابن بويان في الرواية.

 
وعبارة ابن الباذش في الإقناع عن {يلهث ذلك} في باب الثاء عند الذال ص 364، سطور 10-11:
أظهره ابن كثير وورش وهشام، واختلف عن قالون، فروى عنه ابن بويان الإدغام، وروى غيره الإظهار
وقال صـ 363 عن {يعذب من يشاء} و{اركب معنا} في باب الباء عند الميم سطور 14-15:
قال أبو حعفر: رواية ابن بويان عن أبي نشيط بالإدغام فيهما، ورواية غيره عنه الإظهارُ فيهما
 
لإشكال هنا ليس في نسبة الإدغام إلى أبي الحسن والإظهار إلى أبي الفتح، وخروج الإدغام من طريق التيسير لكونه من طريق أبي الحسن، وهو غير مسند فيه. وإنما في قول الداني : وقرأت بها القرآن كله على شيخي أبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى بن عمران، المقرئ، الضرير. وقال لي: قرأت بها على أبي الحسن عبد الباقي بن الحسن، المقرئ. وقال: قرأت على إبراهيم بن عمر، المقرئ. وقال قرأت على أبي الحسين أحمد بن عثمن بن جعفر بن بويان. وقال: قرأت على أبي بكر أحمد بن محمد بن الأشعث. وقال: قرأت على أبي نشيط محمد بن هرون. وقال: قرأت على قالون. وقال: قرأت على نافع.
وهذه طريق ابن بويان الذي أسند له الداني الإظهار حيثما ذكر رواية قالون في الكلمتين، والحال أنه لم يُرْوَ عن ابن بويان عن ابن الأشعث عن أبي نشيط عن قالون في اركب معنا ويلهث ذلكإلا الإدغام.
قال ابن القاضي في الفجر جـ3، ص 101، سطور 1-2: قال أبو جعفر: رواية ابن بويان عن أبي نشيط بالإدغام فيهما، ورواية غيره عنه الإظهار فيهما

قال ابن الباذش في {يعذب من يشاء} و {اركب معنا} :" رواية ابن بويان عن أبي نشيط بالإدغام فيهما ورواية غيره عنه الإظهار فيهما."(الإقناع 1/263).

قال ابن الجزري : "والأكثرون على تخصيص الإدغام بطريق أبي نشيط والإظهار بالحلواني، وممن نص على ذلك الحائظ أبو العلاء وسبط الخياط في كفايته وعكس ذلك في المبهج فجعل الإدغام للحلواني والوجهان عن قالون صحيحان. وهما في التيسير والشاطبية والإعلان."(النشر 2/12).

أقول : وممن نصّ على هذا التخصيص من المتأخرين ابن الباذش كما يظهر من كلامه ، وهذا مذهب الأكثرين كما نصّ على ذلك ابن الجزري وهذا يدلّ أنّ بعض أهل الأداء لم يأخذوا بهذا التخصيص كالداني والشاطبي وصاحب الكفاية الكبرى والمبهج وابن مهران صاحب الغاية على ما وجدتّ في كتبهم. وقد أخذ ابن الجزري بالمذهبين معاً ولم يقتصر على وجه الإدغام من طريق ابن بويان لأنّ وجه الإظهار رواه غير واحد من طريق ابن بويان فيكون صحيحاً على شرط ابن الجزري في النشر.

والعلم عند الله تعالى.
 
هذه وَأَمَّا قَالُونُ فَقَطَعَ لَهُ بِالْإِدْغَامِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَالْهِدَايَةِ ، وَالْكَافِي ، وَالتَّلْخِيصِ ،وَالْهَادِي ، وَالتَّجْرِيدِ ، وَالتَّذْكِرَةِ ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ . وَقَطَعَ لَهُ بِالْإِظْهَارِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْكِفَايَةِ الْكُبْرَى . وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَخْصِيصِ الْإِدْغَامِ بِطَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ وَالْإِظْهَارِ بِالْحُلْوَانِيِّ ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَسِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ . وَعَكَسَ ذَلِكَ فِي الْمُبْهِجِ فَجَعَلَ الْإِدْغَامَ لِلْحُلْوَانِيِّ، وَالْوَجْهَانِ عَنْ قَالُونَ صَحِيحَانِ . وَهُمَا فِي التَّيْسِيرِ ، وَالشَّاطِبِيَّةِ ، وَالْإِعْلَانِ عبارة ابن الجزري في النشر كاملة.
عند النظر نرى أنه في ما يخص أبا نشيط عن ابن الأشعث عن قالون لم يختلف كلام ابن الجزري عن كلام ابن الباذش، كل واحد منهما أثبت له الوجهين، وزاد ابن الباذش أن الإدغام هو رواية ابن بويان عن ابن الأشعث عنه في {اركب معنا} و{يلهث ذلك} والإظهار هو رواية القزاز عن ابن الأشعث عنه،
لتوضيح محل الإشكال أكثر نلاحظ ما يلي: التوزع حصل مرتين.
الأولى: توزع أكثري أغلبي عند قالون، وهو الذي ذكره ابن الجزري وفُهم من ابن الباذش،
الثانية: توزع تام عند أبي نشيط؛ الإدغام لابن بويان عن ابن الأشعث عنه، والإظهار للقزاز عن ابن الأشعث عنه، وهو ما لم يتعرض له ابن الجزري وتعرض له ابن الباذش.
النتيجة: ما ذكره ابن الباذش موافق لما ذكره ابن الجزري وزائد عليه. بل يكاد ابن الجزري نفسه يخصص الإدغام لكل طرق أبي نشيط، - وليس ابن بويان - وذلك حيث أفرد صاحبَ المبهج بالرواية العاكسة.
 
الثانية: توزع تام عند أبي نشيط؛ الإدغام لابن بويان عن ابن الأشعث عنه، والإظهار للقزاز عن ابن الأشعث عنه، وهو ما لم يتعرض له ابن الجزري وتعرض له ابن الباذش.
النتيجة: ما ذكره ابن الباذش موافق لما ذكره ابن الجزري وزائد عليه. بل يكاد ابن الجزري نفسه يخصص الإدغام لكل طرق أبي نشيط، - وليس ابن بويان - وذلك حيث أفرد صاحبَ المبهج بالرواية العاكسة.

كلامكم مبنيّ على الاحتمال أكثر منه على اليقين لعدّة أسباب :

أوّلاً : لا يمكن الاعتماد على كلام ابن الباذش للقول بأنّ الإدغام هو خاصّ بابن بويان لا سيما وقد وقفنا على بعض من روى الإظهار من طريق ابن بويان وهم متقدّمون على ابن الباذش.

ثانياً : لم أقف على من تابع ابن الباذش على قوله هذا ، اللهمّ إلاّ المتأخرين الناقلين عنه. حيث لم يقل بذلك الداني ولا ابن الجزري ولا غيرهما على ما وقفت عليه مع اعترافكم وبأنّ ابن الجزري لم يتعرّض لذلك التخصيص وتعرض له ابن الباذش والغريب أنّكم وصلتم بأنّ النتيجة ابن الجزري وابن الباذش واحدة مع أنّ ابن الجزري نفسه نقل الإظهار عن الداني من طريق ابن بويان ولم يعترض على ذلك ولم يخصص الإدغام من طريق ابن بويان كما صنع ابن الباذش.

ثالثاً : الإظهار من طريق ابن بويان هو مذهب الداني والشاطبي وصاحب الكفاية الكبرى والمبهج وابن مهران صاحب الغاية على ما وقف عليه العبد الضعيف وهذا لا يخالف ما في النشر لأنّ ابن الجزري لم يذكر العزو على سبيل الحصر. خمسة من الأئمة نقلوا الإظهار من طريق ابن بويان ، وحتّى من باب الاحتياط سأهمل الشاطبي من القضية لأنّه تابع للداني في الجملة. فيصير العدد أربعة من الأئمّة الذين نقلوا الإظهار عن ابن بويان وهم جميعاً متقدّمون على ابن الباذش. والغريب أنّ الباذش يروي القراءات السبع عن الداني ومكي القيسيي ، ورواية الداني واضحة كالشمس فهو يروى الإظهار عن أبي الفتح من طريق ابن بويان ، فكيف يقول بن الباذش هذا القول من غير أن يعترض على الداني ؟

خامسا ً : دليلكم الوحيد في المسألة هو ابن الباذش ، وانفرادات الأئمّة في الأقوال يجب أن تؤخذ بحذر لأنّهم ينقلون الاتفاق ويؤصّلون بعض الأمور على حسب ما وصلهم من الروايات والأقاويل ، فكم من وجه نقل فيه الداني اتفاقاً وقد رواه بخلافه أئمّة من أهل الأقطار الأخرى كالعراق وغيرهم.

سادساً : لم أقف على قول واحد من أقوال المحررين الكبار كالأزميري والمتولي وغيرهما يخصّص الإدغام بطريق ابن بويان.

سابعاً : ثبوت الإظهار من هذا الطريق مشهور نقله غير واحد من الأئمّة فهو على شرط النشر.

فلا كلامكم يا شيخنا يوافق ظاهر النشر ولا مصادره ولا أقوال المحررين الكبار.

والعلم عند الله تعالى.
 
أولا: في مشاركتي الأولى في هذه الصفحة بينت وضوح قول الداني بقراءته بالإظهار تبيينا لا أراني أستطيع غيره. فقد قلت:
وهذه طريق ابن بويان الذي أسند له الداني الإظهار حيثما ذكر رواية قالون في الكلمتين،
ونكرر: الداني قرأ الكلمتين على أبي الفتح بالإظهار، وعلى أبي الحسن بالإدغام، وبهما كان يأخذ. أظن هذا واضحا في أني لا أنفي الإظهار عن ابن بويان.
ثانيا: لا يوجد فيما كتبته ما يعني أن الداني انفرد عن ابن بويان بالإظهار او تابعه آخر أو آخرون، ولا ما يعني تخطئة أحد، إنه مجرد إشكال.
ثالثا: أنا لم آت بشيء حتى يكون احتمالات، وكيف تكون مجرد النقول احتمالات ؟ كيف ؟ أرجو التوضيح !
رابعا: ابن الباذش المتأخر عن الداني الذي رأى ما رأيته من نصوص الداني - وكان بها حفيا - هو الذي قال بأن طريق ابن بويان هو الإدغام، والإظهار طريق غيره.
خامسا: الإشكال ليس في متابعة الداني على الإظهار عن ابن بويان، بل في:
كيف ساغ لابن الباذش أن يعرف ما للداني من الإظهار المسند إلى ابن بويان ثم يقول بأنه إنما روي عنه الإدغام خاصة ؟
 
ثالثاً : الإظهار من طريق ابن بويان هو مذهب الداني والشاطبي وصاحب الكفاية الكبرى والمبهج وابن مهران صاحب الغاية على ما وقف عليه العبد الضعيف وهذا لا يخالف ما في النشر لأنّ ابن الجزري لم يذكر العزو على سبيل الحصر. خمسة من الأئمة نقلوا الإظهار من طريق ابن بويان ، وحتّى من باب الاحتياط سأهمل الشاطبي من القضية لأنّه تابع للداني في الجملة. فيصير العدد أربعة من الأئمّة الذين نقلوا الإظهار عن ابن بويان وهم جميعاً متقدّمون على ابن الباذش. والغريب أنّ الباذش يروي القراءات السبع عن الداني ومكي القيسيي ، ورواية الداني واضحة كالشمس فهو يروى الإظهار عن أبي الفتح من طريق ابن بويان ، فكيف يقول بن الباذش هذا القول من غير أن يعترض على الداني ؟ .
أولا:كل طرق ابن بويان الثلاث والعشرين على إدغام {يلهث ذلك} و{اركب معنا} قولا واحدا قاطعا، ولم يقطع له بالإظهار إلا أبو العز وحده.
ثانيا: للتوضيح أكثر نقوم بعملية الفرز التالية:
1- أجمع المغاربة، باستثناء الداني عن أبي الفتح، على إدغام {يلهث ذلك} و{اركب معنا} عن ابن بويان، ونص منهم ابن الباذش على أن الإظهار لم يرد عنه.
2- أجمع المشارقة، باستثناء أبي العز، على إدغام {يلهث ذلك} و{اركب معنا} عن ابن بويان، ونص منهم أبو العلاء على أن الإظهار لم يرد عنه.
3- لم يقطع له بالإظهار في {يلهث ذلك} و{اركب معنا} إلا أبو العز، ولم نقف بعد على ما في غاية ابن مهران.
4- لم يرو له بوجهين في {يلهث ذلك} و{اركب معنا} من المشارقة والمغاربة إلا الداني.
5- اختلف كلام سبط الخياط في المبهج عن كلامه في الكفاية. فوجب تركهما إلى أن يتضح السابق من اللاحق منهما.
6- لو لم يرد نص من ابن الباذش المغربي ومن أبي العلاء المشرقي على أن رواية ابويان هو الإدغام فقط في الكلمتين لما كان هناك إشكال، ولكنه ورد هذا النص عنهما.
 
هذا إجماع مدّعى وإنّما هو قول ابن الباذش من المغاربة وأبو العلاء من المشارقة وهذا القولان لا يستلزمان الإجماع لأنّ الأئمّة يذكرون ما وصلهم من الروايات ، قد أوافقكم على ذلك لوثبت نص عن ابن بويان يذكر اقتصاره فيه على وجه الإدغام لكان حجة على من أخذ له بوجه الإظهار.

فأما مذهب الداني والشاطبي ومن أخذ الرواية من طريقيهما هو مبطل للاتفاق الذي ذكره ابن الباذش والإجماع المدّعى.

وأما من المشارقة فقال صاحب المبهج : "وأما {اركب معنا} فأدغم الباء في الميم ابن كثير إلا ربيعة عن البزي من طريق أبي الفرج الشنبوذي ، وورش و الحلواني وإسماعيل القاضي ، وأبو عمران الشحام وأحمد بن قالون وأهل البصرة والكسائي وعاصم إلاّ العليمي والدوري ، وترك جميعاً عن حمزة ، والإسكندراني عن ابن ذكوان والباقون بالإظهار."(المبهج1/230). أما ابن مهران فقد راجعت كلامه فوجدته يقول بالإدغام. ولكنه قال في المبسوط :"حدثني أبو علي الصفار المقرئ ، قال اختلف في هذا الحرف رجلان عند ابن مجاهد فسألاه فقال لا يُظهره إلا حمزة ، وهذا غلط منه وإنما وهمَ فيه لأنه لم يكن قرأ لعاصم وابن عامر ونافع إلا برواية إسماعيل وأراه لم يكن رآه مروياً منصوصاً بالإظهار إلا لحمزة فقدّر أنّه لسائر القراء بالإدغام وليس كذلك بل قرأه بالإظهار عاصم وابن عامر وحمزة وخلف ونافع برواية قالون ويعقوب إظهاراً خفياً غير مشبع. انتهى كلامه. نقلته من هامش كتاب الغاية الذي حققه محمد غياث الجنباز. وأما صاحب الكفاية الكبرى فقال : "قرأ ابن كثير في رواية البزي من طريق هبة الله عن أبي ربيعة وابن فرح من طريق النهرواني عنه ، والخُزاعي عن ابن فليح زالزينبي من طريق المالكي وابن شنبود وابن مجاهد عن قنبل وورش والمسيبي من طريق الحمامي وإسماعيل إلا زيداً عنه وأهل البصرة وعاصم في رواية حفص من طريق عمر وعبيد عنه وأبان وجبلة عن المفضل من طريق ابن يزداد عنه ، ويحيى عن أبي بكر وابن سعدان والدوري عن سُليم والعبسي والكسائي : {اركب معنا} بالإدغام."(الكفاية ص192).

أكتفي بهذه النقول عن التعليق.
 
كلمة "مدعى" خشنة بعض الشيء.
الإجماع الموصوف على الإدغام وليس على التخصيص.
على كلٍّ حصل أنه لم يقطع بإظهر الكلمتين عن ابن بويان غير أبو العز والداني عن أبي الفتح، وأجمعت باقي الطرق بمن فيهم الداني عن أبي الحسن على الإدغام عنه.
وابن الباذش المغربي يوافق أبا العلاء المشرقي في حكم قاطع هكذا مجانا ؟
 
باب الفتح والإمالة

باب الفتح والإمالة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

قال الناظم

الخلف في أراكهم وما *** لا راءَ فيه كاليتامى ورمى
وفي الذي رُسم بالياء عدا *** حتّى زكى منكم إلى على لدى
إلاّ رؤوس الآي دون هاءِ *** وحرفِ ذكراها لأجل الراءِ

أشار الناظم إلى أنّ ورشاً له من حيث الفتح والإمالة الوجهان في {أراكهم} وكذا ذوات الياء التي لا راء فيها نحو {اليتامى} و {رمى} وكذا التي تُرسم بالياء نحو {أنى} و {بلى}.
ثمّ استثنى من هذا الخلاف : {على} و {إلى} و {زكى منكم} و {حتّى} و {لدى}.
وما كان من رؤوس الآي عدا التي تنتهي بالهاء في سورتي الشمس والنازعات نحو {ضحاها} و {طحاها} فإنّ الخلاف فيها باق خلا {ذكراها} فلا خلاف في إمالتها لأجل الراء.

الشاهد أنّ الخلاف لورش في ذوات الياء يختصّ بأصلين وبكلمة.
فالأصل الأوّل هو ذوات الياء التي لا راء فيها ، والأصل الثاني : يختص بالتي تقع في رؤوس الآي وآخرها هاء في سورتي الشمس والنازعات.
وأما الكلمة فهي {ولو أراكهم}.

ولنبدأ بالأصل الأوّل :
وهو ذوات الياء التي لا راء فيها ولم تقع في رؤوس الآي نحو {يتامى} {رمى} {الهدى} {قضى}.

قال أبو عمرو الداني : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء ألف...... "(التيسير ص178). وقال في جامع البيان :" وأقرأني ابن غلبون عن قراءته في رواية أبي يعقوب عن ورش ما كان ذلك في راء اسماً كان أو فعلا نحو {الذكرى} و {البشرى} و {العسرى} و {اليسرى} و {ذكرى} و {يتوارى} و {قد نرى} و {أراكهم} وما أشبهه. أو وقع في فاصلة في سورة فواصلها على ياء نحو والنجم ، و عبس وما أشبههما بين اللفظين ما عدا ذلك أخلص الفتح"(جامع البيان ص 311). وقال :"وأقرأني ابن خاقان زأبو الفتح عن قراءتهما في روايته عن ورش الباب كله بين اللفظين."(جامع البيان ص311).

قال المنتوري : "قال الداني في إيجاز البيان : فاختلف أهل الأداء عنه في هذا الفصل ، فقرأته على أبي الحسن عن قراءته بإخلاص الفتح في ذلك كلّه. وقال في الموضح وجامع البيان والتمهيد والتلخيص نحوه"(شرح الدرر 1/462). وقال : قال الداني في إيجاز البيان : "وقرأته على أبي القاسم وأبي الفتح وغيرهما بالإمالة اليسيرة. وقال في التلخيص : وبذلك قرأت على ابن خاقان وأبي الفتح. وقال في التمهيد وأرشاد المتمسكين نحوه."(شرح الدرر 1/463).

فالذي يظهر من هذه الأقوال أنّ للداني مذهبان : الأوّل : التقليل وبه قرأ على أبي القاسم ابن خاقان وأبي الفتح فارس ابن أحمد. الثاني : الفتح وبه قرأ على أبي الحسن ابن غلبون.

ففي قوله تعالى : {فآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل} وجهان :
- القصر في {فآت} مع الفتح في {القربى} من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
- التوسط مع التقليل من التيسير والجامع وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.

وأمّا الأصل الثاني
وهو وقوع ذوات الياء قبل الهاء في أواخر سورتي الشمس والنازعات حيث ذكر الناظم الخلاف بقوله : (إلا رؤوس الآي دون هاء) أي إلا رؤوس الآي فإنّها تقلّل وجهاً واحداً عدا التي اتصلت بها الهاء فإنّها تبقى على الخلاف.

قال الداني في جامع البيان : "وأقرأني ابن غلبون عن قراءته في رواية أبي يعقوب عن ورش ما كان ذلك فيه راء اسماً كان أو فعلاً ، نحو {الذكرى} و {البشرى} و{العسرى} ...." ثم قال : أو وقع فاصلة في سورة فواصلها على ياء نحو {والنجم} و {عبس} وما أشبههما بين اللفظين ما عدا ذلك بإخلاص الفتح. وكذا إن ألحق الفواصل كناية مؤنث كفواصل {والشمس} وبعض فواصل {والنازعات} إلاّ قوله {من ذكراها} فإنّه لم يخلص فتحته من أجل الراء التي قبل ألف التأنيث فيه ، وأقرأني ابن خاقان وأبو الفتح عن قراءتهما في روايته عن ورش الباب كلّه بين اللفظين.."(جامع البيان ص311). وقال الداني في إيجاز البيان : "وبالأول قرأت على أبي الحسن – أي الفتح- وقرأت على الخاقاني وعلى أبي الفتح ذلك بين بين كسائر الفواصل التي لا كناية مؤنث بعد الألف المنقلبة عن الياء فيها طرداً لمذهبه في جميع ذوات الياء. وقال في الموضع : "فأقرأني ذلك أبو الحسن عن قراءته بإخلاص الفتح وكذلك رواه نصاً عن ورش أحمد بن صالح ، وأقرأنيه أبو القاسم وأبو الفتح عن قراءتهما بإمالة بين بين..."(يُنظر شرح الدرر 1/468و469).

أقول : الذي يظهر من أقوال الداني أنّ الفتح هو من قراءة الداني على أبي الحسن وأنّ التقليل هو من قراءته على أبن خاقان و أبي الفتح.

أمّا قول الداني في التيسير : "قرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء ألف فإنّه أخلص الفتح فيه على خلاف بين أهل الأداء في ذلك"(التيسير ص179). فخلاف طريق التيسير لأنّه قرأ على ابن خاقان بالتقليل كما هو صريح في جامع البيان وغيره ومع ذلك ذكر الفتح فخرج بذلك عن طريق التيسير. قال ابن الجزريّ : "والذي عول عليه الداني في التيسير هو الفتح كما صرح به أول السور مع أن اعتماده في التيسير على قراءته على أبي القاسم الخاقاني في رواية ورش وأسندها في التيسير من طريقه ولكنه اعتمد في هذا الفصل على قراءته على أبي الحسن."(النشر 2/49). قال المنتوري : قال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي رضي الله عنه : "ما وقع للداني في التيسير من أنّ ورشاً يفتح ذوات الياء في رؤوس الآي إذا كان بعدها هاء في سورتي الشمس والنازعات عدا {ذكراها} فتخليط لا يعضده نظر ولا نقل."(شرح الدرر 1/466).
ومن هنا يتّضح أنّ إعمال وجه الفتح من التيسير خروج عن طريق ابن خاقان لذا ينبغي الاقتصار على وجه التقليل في رؤوس الآي التي تتصل بالهاء في {الشمس} و { النازعات} من طريق التيسير.

وهذا نموذج واضح يدل على مدى اهتمام ابن الجزري والقيجاطي بتحرير الطرق إذ يظهر ذلك في اعتراض ابن الجزري على صنيع الداني في الخلط بين طريقين مستقلّين ، بل وصف القيجاطي هذا الصنيع بالتخليط. والقيجاطي هذا عالم جليل متقدّم على ابن الجزريّ.

وسأتعرض في المرة القادمة إلى {أراكهم} إن شاء الله تعالى.
 
تحرير {ولو اراكهم}.

تحرير {ولو اراكهم}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

قال الناظم : والخلف في أراكهم وما *** لا راء فيه كاليتامى ورمى.

أشار الناظم إلى أنّ ورشاً روى الفتح والتقليل جميهاً في {أراكهم}.
قال الداني في جامع البيان : "واختلف أهل الأداء المصريين عن أبي يعقوب عنه في قوله في الأنفال {ولو أراكهم} فروى بعضهم أنّه أخلص الفتح في اللراء وما بعدها فيه وعلى ذلك عامة أصحاب ابن هلال وأصحاب أبي الحسن النحاس وبذلك أقرأني أبو الفتح عن قراءته" ثم قال : "وروى آخرون عنه أنّه قرأ الراء وما بعدها بين اللفظين وبذلك أقرأني ابن خاقان وابن غلبون عن قراءتهما وهو القياس".(الجامع ص312). وقال في كتاب الراءات واللامات لورش : "وأقرأني أبو الفتح عن قراءته {ولو أراكهم} في الأنفال بإخلاص الفتح ، وكذلك رواه أصحاب ابن هلال عنه."(شرح الدرر 1/460). وقال في إيجاز البيان :"وقرأته على أبي القاسم وأبي الحسن بين اللفظين ، قياسا على سائر الباب ، وقال في الموضح نحوه وقال في كتاب الراءات واللامات لورش : وأقرأنيه بن خاقان وابن غلبون بالإمالة وهو القياس." وقال في التمهيد :"وبذلك –أي بالتقليل- قرأت على ابن خاقان وأبي الحسن عن قراءتهما."(شرح الدرر 1/461). وأما في التيسير فلم يستثن {أراكهم} من التقليل فيكون مذهبه في التيسير هو التقليل وهو الموافق للطريق أي لقراءة الداني على ابن خاقان.
ومن هنا يتّضح أنّ قراءة الداني على أبي الفتح هي بالفتح وقراءته على ابن خاقان وأبي الحسن هي بالتقليل.

وقد ثبتت نصوص عن الأئمّة مفادها أنّ ورشاً لم يقرأ على نافع بالتقليل في {ولو أراكهم} وإنّما قراءته عليه هي بالفتح. قال ابن الباذش : "قال النحاس عن الأزرق عنه : أنّه روى عن نافع {ولو أراكهم} في الأنفال بالفتح ، واختار من عند نفسه الترقيق."(الإقناع 1/567). وقال ابن الفحام : "وخالف أصله في {ولو أراكهم} فرقّق وروايته التفخيم".(التجريد ص179). وقال مكي القيسي : "خلا {ولو أراكهمِ} في الأنفال فإنّ ورشاً روى عن نافع الفتح فيه ، وكان يختار بين اللفظين"(التبصرة ص389). وقال المالقي : "فحصل من هذا كلّه أنّهم يختارون له بين اللفظين وهو خلاف روايته عن نافع." (الدرّ النثير 367). وقال المنتوري نقلاً عن الداني في كتابه الإبانة : "وقال إسماعيل النحاس في كتاب اللفظ : { ولو أراكهم} مفتوحة لأبي يعقوب."(شرح الدرر 1/460). وقال الداني في جامع البيان : "وعلى ذلك –أي الفتح- عامّة أصحاب ابن هلال ، وأصحاب أبي الحسن النحاس."(جامع البيان ص 312(.

أقول : إن اعتبرنا بهذه النصوص يلزم من ذلك إهمال وجه التقليل والاقتصار على الفتح لأنّ وجه التقليل لم يثبت بالرواية عن ورش عن نافع ، ولعلّه السبب الذي حمل النحاس على إهمال وجه التقليل ، وهو إدراكه بأنّه مجرّد اختيار لورش من غير رواية ، ولأجل ذلك اقتصر في الرواية على وجه الفتح كما نقل الداني عنه ذلك فقال : في كتابه الإبانة : "وقال إسماعيل النحاس في كتاب اللفظ : {ولو أراكهم} مفتوحة لأبي يعقوب."(شرح الدرر 1/460). وقال الداني في جامع البيان : "وعلى ذلك –أي الفتح- عامّة أصحاب ابن هلال ، وأصحاب أبي الحسن النحاس."(جامع البيان ص ص312).
ومع وجود هذه النصوص نجد أنّ الكثير من أهل الأداء نقلوا وجه التقليل لورش من طريق النحاس كابن خاقان وصاحب الهداية والمجتبى والكامل ولتلخيص والتجريد. بل نجد من روى التقليل من طريق ابن هلال عن النحاس كصاحب الهداية والمجتبى والكامل مع أنّ الداني قال في جامع البيان : "وعلى ذلك –أي الفتح- عامّة أصحاب ابن هلال ، وأصحاب أبي الحسن النحاس."(جامع البيان ص312).
فالذين نقلوا التقليل لورش من غير طريق النحاس كطريق ابن سيف عن الأزرق عن ورش له مبرّر وهو أنّ ورشاً اختار التقليل وأقرأ به فوصل إلى الرواة بالأداء بغضّ النظر عن صحّته عنه عن نافع من جهة الرواية ، وأمّا الذي لا أجد له مبرّراً : الذين رووا التقليل عن النحاس أو عن ابن هلال عن النحاس مع أنّهما من رواة الفتح لا غير ، وهذا الخلل لا أفسّرُه إلا بالقياس الذي كان مصدره من ورش عليه رحمة الله ثمّ تسرّب إلى رواته فنقوا عنه التقليل أداءً أو تبنّوْهُ اختياراً لقوّته في القياس. فمنهم من كان متّبعاً للأداء فنقل التقليل عنه كأبي يعقوب الأزرق وابن سيف ومنهم من استبعد وجه التقليل واقتصر على الفتح كالنحاس ، وهذا الصنيع هو عين صنيع المحرّرين لأنّ النحاس صنع مالم يصنعه أبو يعقوب الأزرق.
قد يقول القائل لعلّ أبا يعقوب أقرأ النحاس بالفتح فكان ذلك سبباً في اقتصار النحاس عليه في الرواية ، فيُجاب عن ذلك بأنّ ذلك يتنافى مع اختيار ورش لوجه التقليل كما دلّت النصوص عليه.

والأدهى في المسألة هو قول الداني في التلخيص : "وقد اختلف أهل الأداء عنه في موضع واحد من الأفعال ، وهو قوله تعالى في الأنفال : {ولو أراكهم كثيراً} فعامّة المصريين على إخلاص الفتح فيه أداءً عن مشيختهم."(شرح الدرر 1/460).

أقول : فإن قُصِد بعبارة "عامة المصريين" رواية أبي يعقوب وذلك في مقابل رواة الشام والعراق كالأصبهاني وعبد الصمد ، فكيف ينقل أكثر الرواة عن الأزرق وجه التقليل ؟ وإن كان المقصود بالرواة المصريين ابن خاقان دون ابن غلبون الحلبيّ الشامي وأبي الفتح الحمصيّ الشامي فكيف ينقل ابن خاقان وجه التقليل وهو مصريّ وعن النحاس ؟

وعلى ما سبق من البيان يتّضح أنّ وجه التقليل لا يصحّ رواية عن ورش عن نافع وبالتالي ينبغي إهماله والاقتصار على وجه الفتح من جميع الطرق.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {والجار} و{جبارين}.

تحرير {والجار} و{جبارين}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ىله وصحبه وسلّم وبعد

أوّلاً : تحرير {والجار}.

قال الناظم :
والألفات اللائي قبل الراءِ *** مخفوضة في آخر الأسماءِ
كالدار والأبرار والفجارِ *** والجار لكن فيه خلف جارِ

بعد ما ذكر الناظم حكم الراءات المخفوضة الواقعة في آخر الأسماء ، أشار إلى ورود الخلاف في موضعي {والجار} في قوله تعالى في سورة النساء {والجار ذي القربي والجار الجنب}.

قال الداني في التيسير : "وأما قوله عزّ وجلّ : {والجار} و {جبارين} فإنّ ورشاً يقرؤهما أيضاً بين بين على اختلاف بين أهل الأداء عنه في ذلك وبالأوّل قرأت وبه آخذ."(التيسير ص182). وقال في جامع البيان : وقرأ نافع في رواية ورش من غير طريق الأصبهاني جميع ما تقدم بين اللفظين ، واستثنى لي فارس ابن أحمد عن قراءته في رواية أبي يعقوب الأزرق عنه الأبصار خاصة نحو {لأولي الأبصار} و {يذهب بالأبصار} وشبهه من لفظه حيث وقع ، فأخذ ذلك عليّ بإخلاص الفتح ، واستثنى ابن غلبون عن قراءته {وجار} في الموضعين و {جبارين} في المكانين فأخذ ذلك عليّ بالفتح. وقرأت له ذلك كلّه على ابن خاقان بين بين كنظائره."(جامع البيان ص324). وقال في التلخيص :"فأقرأني ذلك أبو الحسن بإخلاص الفتح وأقرأنيه غيره بين بين وهو القياس وبه آخذ."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/478). قال ابن الجزري : "وأما في جامع البيان فإنه نص على أنه قرأه بين بين على ابن خاقان وكذلك على أبي الفتح فارس بن أحمد وقرأه بالفتح علي أبي الحسن بن غلبون."(النشر 2/57).
قال أبو الحسن بن غلبون : " وأمّا قوله في النساء {والجار ذي القربى والجار الجنب} فأمالهما الأعشى ورجال الكسائي سوى أبي الحارث وفتحهما الباقون."(التذكرة ص1/214).

وعلى ما سبق من الأقوال يتّضح أنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالفتح وأنّ قراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالتقليل ، وهو الذي ينبغي أن يُقتصر عليه في التيسير.

ففي قوله تعالى : {واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي لابقربى} وجهان وهما :
الأوّل : توسط {شيئا} مع الفتح في {القربى واليتامى} والفتح في {والجار} من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثاني : توسط {شيئا} مع التقليل في {القربى واليتامى} والتقليل في {والجار} من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
ومن هنا يظهر أنّ مذهب الداني هو التسوية بين {الجار} و ذوات الياء.


ثانياً : تحرير {جبّارين}

قال الناظم :
والكافرين مع كافرينا *** بالياء والخلف بجبارينا

بعد ما ذكر الناظم حكم {الكافرين} أشار إلى الخُلف في {جبارين} في موضعين : الأوّل في المائدة وهو قوله تعالى {قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبارين} ، والثاني في الشعراء في قوله تعالى {بطشتم جبارين}.

قال الداني في التيسير : "وأما قوله عزّ وجلّ : {والجار} و {جبارين} فإنّ ورشاً يقرؤهما أيضاً بين بين على اختلاف بين أهل الأداء عنه في ذلك وبالأوّل قرأت وبه آخذ."(التيسير ص182). وقال في جامع البيان : وقرأ نافع في رواية ورش من غير طريق الأصبهاني جميع ما تقدم بين اللفظين ، واستثنى لي فارس ابن أحمد عن قراءته في رواية أبي يعقوب الأزرق عنه الأبصار خاصة نحو {لأولي الأبصار} و {يذهب بالأبصار} وشبهه من لفظه حيث وقع ، فأخذ ذلك عليّ بإخلاص الفتح ، واستثنى ابن غلبون عن قراءته {وجار} في الموضعين و {جبارين} في المكانين فأخذ ذلك عليّ بالفتح. وقرأت له ذلك كلّه على ابن خاقان بين بين كنظائره."(جامع البيان ص324). وقال في إيجاز البيان : "فقرأته على أبي الحسن بإخلاص الفتح وعلى غيره بغير إخلاص بين بين."(يُنظر شرح الدرر للمنتوري 2/481). قال المنتوري : "وذكر –أي الداني- في الاقتصاد والتمهيد وإرشاد المتمسّكين أنّه قرأه على أبي الحسن بالفتح ، وعلى ابن خاقان وأبي الفتح بين اللفظين."(شرح الدرر 2/482). قال ابن الجزري : "وبه – أي بالتقليل- قرأ على شيخه الخاقاني وفارس وقرأ بفتحه على أبي الحسن ابن غلبون."(النشر 2/59).
قال أبو الحسن ابن غلبون : "وأمّا قوله تعالى {جبارين} في المائدة والشعراء : فأمالهما الأعشى ورجال الكسائي سوى أبي الحارث وفتحهما الباقون."(التذكرة ص1/214).

وعلى ما سبق من الأقوال يتّضح أنّ قراءة الداني على أبي الحسن هي بالفتح وأنّ قراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالتقليل ، وهو الذي ينبغي أن يُقتصر عليه في التيسير.

ففي قوله تعالى {قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبّارين} وجهان من طرق الداني وهي :
الأوّل : فتح {موسى} مع الفتح في {جبّارين} من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
الثاني : تقليل {موسى} و {جبارين} من التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وفارس بن أحمد.
ومن هنا يظهر أيضاً أنّ مذهب الداني هو التسوية بين {جبارين} و ذوات الياء.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {التوراة} لقالون.

تحرير {التوراة} لقالون.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.

قال الناظم :
واقرأْ لقالون جميع الباب بالفتح سِوى *** هار لقالون فَمَحْضَهَا روى
وقد حكى قوم من الرواة *** تقليل ها يا عنه وتوراةِ

أشار الناظم إلى أنّ قالون فتحَ جميع ما أماله وقلّله ورش سوى {هار} في هود فأمالها إمالة محضة من غير خلاف ، وقلّل الهاء والياء من {كهيعص} وكذا الراء من {التوراة} بخلاف عنه فيهما.

أوّلاً : {التوراة}:
قال الداني في التيسير :"قرأ أبو عمرو ، وابن ذكوان ، والكسائي : {التوراة} بالإمالة في جميع القرءان. ونافع ، وحمزة بين اللفظين. والباقون بالفتح وقد قرأت لقالون كذلك."(التيسير ص249).
قال المنتوري :"وذكر – أي الداني- في الاقتصاد أنّ قالون قرأها بين اللفظين ، قال : وقرأت على أبي الفتح لقالون بالتفخيم ، وقرأت على غيره بما قدّمته." وقال أيضا : "وقال –أي الداني- في كتاب رواية أبي نشيط : واختلف علينا في أصل مطّرد من ذلك ، وهو ما جاء من لفظ {التوراة}، في جميع القرءان ، فأقرأني أبو الفتح ذلك بإخلاص الفتح ، وأقرأنيه أبو الحسن بين بين. وقال في الموضح والتمهيد نحوه."(شرح الدرر2/497).
وقال الداني في جامع البيان :"وقرأت في رواية الأربعة عن نافع على أبي الفتح من قراءته على عبد الله بن الحسين عن ابن مجاهد وغيره بين الفتح والإمالة" ثم قال :"وبذلك قرأت أيضاً على أبي الحسن في رواية قالون من طريق أبي نشيط والحلواني ، وقرأت على أبي الفتح عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن المقرئ عن أصحابه في رواية إسماعيل والمسيّبي وقالون بإخلاص الفتح."(جامع البيان ص445).
قال أبو الحسن بن غلبون :"فأمالها النحويان وابن ذكوان ، وقرأ حمزة ورجال نافع سوى المسيّبي بين اللفظين وفتحها الباقون."(التذكرة 1/210).

أقول : الذي يظهر من أقوال الداني أنّه قرأ على أبي الحسن بالتقليل وعلى أبي الفتح بالوجهين. فقرأ بالتقليل على أبي الفتح عن عبد الله بن الحسين ، وقرأ بالفتح على أبي الفتح عن عبد الباقي. ورواية أبي الفتح عن عبد الباقي هي التي اسندها الداني في تيسيره وجامعه. فيكون الرواية المعتمدة عن أبي الفتح هو الفتح في {التوراة} ، وهو الوجه الذي اقتصر عليه الداني عن أبي الفتح في الاقتصاد وكتاب رواية أبي نشيط والموضح والتمهيد وغيرها. وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه في التيسير لأنّ رواية الداني في التيسير هي من قراءته على ابي الفتح عن عبد الباقي.

ففي قوله تعالى {قل فأتوا بالتوراة فاتلوهآ إن كنتم صادقين}. وجهان :
الأوّل : الفتح في {التوراة} مع قصر المنفصل وصلة ميم الجمع من طريق التيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
الثاني : التقليل مع التوسط والإسكان وهي رواية الداني عن أبي الحسن.

والعلم عند الله تعالى.
 
الثاني : التقليل مع التوسط والإسكان وهي رواية الداني عن أبي الحسن
وإن كان لا بد لكم من الخروج عن التيسير كان الأولى بكم ذكر التقليل عن أبي الفتح عن السامري من طريق الحلواني بدلاً أو مع تقليل أبي الحسن
 
الناظم قد سلك طريق أبي نشيط وليس طريق الحلواني وقد بيّنت ذلك في البداية. وبيّنتُ أنّ رواية الأزرق عن الداني تنحصر في مشايخه الثلاثة وأنّ رواية الداني عن أبي نشيط تنحصر في أبي الفتح وأبي الحسن.
 
الناظم لم يشرح نظمه ، ولكنّ الشراح هم الذين قالوا بذلك راجع الشروح كالمنتوري وغيره.
 
الناظم لم يشرح نظمه ، ولكنّ الشراح هم الذين قالوا بذلك راجع الشروح كالمنتوري وغيره.
راجعت كافة الشروح المتوفرة لديّ ووجدتها أجمعت على أن المراد بطريق الداني في منظومة "الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع" لعلي بن بري التازي، هو كل ما رواه الداني وأخذ به في الإقراء، أو نص عليه في كتبه ورجحه أو عمل به، سواء انتهى سنده فيه إلى ابن سيف أو إلى النحاس عن الأزرق عن ورش، أو انتهى إلى ابن بويان أو إلى القزاز عن الأشعث عن أبي نشيط، أو انتهى إلى ابن أبي مهران أو إلى جعفر بن محمد عن الحلواني.
أما طريق أبي نشيط فهو طريق أبي نشيط وليس طريق الداني. وطريق الداني طريق الداني وليس طريق أبي نشيط.
قال المنتوري في شرح الدرر اللوامع ص 78 من المحقق، سطور 09-10،عند قول الناظم:
[poem=]سلكت في ذاك طريق الداني=إذ كان ذا حفظ وذا إتقان
[/poem]أخبر أنه سلك في هذا النظم طريق الداني دون غيره من الطرق، كطريق مكي وابن شريح والأهوازي وغيرهم.
ونقل عبد الرحمن بن القاضي نص المنتوري في الفجر جـ1، ص 331، سطور 06-07، وزاد والمهدوي بعد ابن شريح.
قال محمد الحسن بوصو: وكنت قلت لكم هذا الكلام في المشاركة الثامنة من هذا الموضوع، بتاريخ 10/06/2012، ونصه: طريق الداني اصطلاح مغربي، الغرض منه تمييز قراءات الشيخ والحافظ والإمام، يقابله طريقا مكي وابن شريح، كما تجده في الدر النثير مثلا، ويقابل الدرر في هذا الحصرية.
لكن ما دام الشيخ محمد يحيى شريف الجزائري يصر على أن الداني طريق قسيم لأبي نشيط والحلواني... فإني أرجو منه أن يطلب لي من شيخه، الذي أوصله مقامي الصبر وضبط النفس، أن يذكرني في خلواته وجلواته.
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هو كل ما رواه الداني وأخذ به في الإقراء، أو نص عليه في كتبه ورجحه أو عمل به، سواء انتهى سنده فيه إلى ابن سيف أو إلى النحاس عن الأزرق عن ورش، أو انتهى إلى ابن بويان أو إلى القزاز عن الأشعث عن أبي نشيط، أو انتهى إلى ابن أبي مهران أو إلى جعفر بن محمد عن الحلواني.

أفهم من كلامكم أنّ مراد الناظم بقوله : " سكت في ذاك طريق الداني" أي كلّ الروايات الثابتة عن ورش وقالون عن الداني بالتلاوة. فورش من طريق عبد الصمد ، والأزرق ، وأحمد بن صالح ، ويونس ، والأصبهاني. وقالون من طريق أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق ، وطريق الحلواني ، وأبي علي الشحام ، وأبي نشيط ، وأحمد بن صالح.

فإن كان الجواب : بكلّ الطرق فأقول هذا يستحيل. وإن كان الجواب : ببعض الطرق ، فسؤالي : ما هي وعلى أيّ أساس.
أترك لكم الإجابة.

أمّا بالنسبة لي فإنّي على يقين بأنّ الطرق التي أرادها الناظم هي طريق الأزرق وطريق أبي نشيط إذ عندي مستند في ذلك وهو قول المنتوري عن ورش :"وروى عنه –أي ورش- جماعة كثيرة منهم أبو يعقوب الأزرق بن عمرو بن يسار المدنيّ الأزرق ، وهذه الرواية خاصّة هي التي ذكرها الداني في إيجاز البيان والتلخيص وعليها عوّل في الاقتصاد والتيسير ، وهي التي اشتهر بها العمل ، وأخذ الناس بها في رواية ورش ، وصنّفوا قراءة ورش من طريقها ، وعلى هذا جرى ابن الباذش في الإقناع ، والشاطبيّ في قصيدته ، والناظم في هذا الرجز ، وغيرهم من المصنّفين للحروف."(شرح الدرر 1/68)
قال المنتوري عن قالون : " وروى عنه جماعة كثيرة منهم أبو نشيط موسى بن هارون البغدادي ، وهذه هي الرواية المشهورة عن قالون ، التي اعتمد الناس عليها ، وصاروا يأخذون بها في قراءته دون غيرها من الروايات. وقد صنّف الداني فيها كتاباً مُفرداً وعليها عوّل في الاقتصاد والتيسير وعلى هذا جرى ابن الباذش في الإقناع والشاطبيّ في قصيدته والناظم في هذا الرجز ، وغيرهم من المؤلّفين في القراءة."(شرح الدرر 1/72).

أقول لشيخنا : إن كان كلام المنتوري لم يكفكم فإنّه قد كفاني وزيادة إذ المنتوري إمام من أئمّة المغاربة الذين لهم دراية فائقة بأقوال الداني وشرح نظم الدرر ، وكتابه هذا أفضل الشروح على الإطلاق فيما أعلم يحتوي على مادّة علميّة وتراث عظيم للإمام الداني ، وحتّى الإمام ابن القاضي الذي يُقال عن شرحه أنّه أفضل الشروح على الإطلاق فمادّته الأوّلية هو شرح المنتوري حيث كان ينقل عن الداني بواسطته ، إلاّ أنّه امتاز عن شرح المنتوري نقوله الكثيرة عن المتأخرين وفي طليعتهم صاحب النشر.
وقال العلامة المارغني في النجوم الطوالع : "تنبيه : قد ذكر الناظم أنّه سلك في رجزه طريق الداني ولم يذكر طريق قالون وطريق ورش الذين سلكهما الداني مع أنّه لا بدّ من معرفتهما لأنّ من قرأ بمضمن كتاب يلزمه أن يعرف طرقه ليسلم من التركيب أي تخليط الطرق. فرواية قالون من طريق أبي نشيط محمد ابن هارون ، ورواية ورش من طريق أبي يعقوب يوسف الأزرق المصري ونظمتها في بيت من الرجز فقلت : طريق قالونٍ أبو نشيط ***وأزرقاً طريق ورشٍ فانقلا."(النجوم الطوالع ص20).

وقد خصّ الداني معظم مؤلّفاته في رواية ورش بطريق أبي يعقوب ككتاب (إيجاز البيان) و(التلخيص) وكذا بطريق أبي نشيط بالنسبة لرواية قالون ككتاب : (كتاب رواية أبي نشيط) وهما الطريقان الذيْن عوّل عليهما في التيسير والاقتصاد وهي التي اشتهر بهما العمل من طريق الداني ، وأخذ الناس بهما – أي طريق الأزرق وطريق أبي نشيط- ، والمؤلّفين للحروف من طريق الداني كابن الباذش في الإقناع والإمام الشاطبي وابن المرابط وصاحب الكنز وغيرهم ، وقد سلك الناظم مسلكهم إذ كان كثير الاتّباع في نظمه للإمام الشاطبيّ كما أشار إلى ذلك المنتوري غير ما مرّة ، ولأجل ذلك كان المنتوري كثيراً ما يستشهد بأبيات الإمام الشاطبيّ في شرحه على الدرر.

أمّا قولكم يا سيّدي :
وإن كان لا بد لكم من الخروج عن التيسير كان الأولى بكم ذكر التقليل عن أبي الفتح عن السامري من طريق الحلواني بدلاً أو مع تقليل أبي الحسن.
فسأبيّن لكم إن شاء الله تعالى بمثال واحد أنّ رواية الداني عن أبي الفتح عن السامري من طريق الحلواني ليست من طرق الدرر اللوامع.
قال ابن الجزري : "وانفرد الداني عن أبي الفتح من طريق الحلواني عن قالون بتحقيق الأولى وتسهيل الهمزة الثانية من المضمومتبن والمكسورتين وبذلك قرأ أبو جعفر ورويس من غير طريق أبي الطيب والأصبهاني عن ورش في الأقسام الثلاثة."(النشر /384).
قال أبو عمرو الداني في الهمزتين المتفقتين من كلمتين :"وأقرأني أبو الفتح عن قراءته في رواية الحلواني عن قالون في الباب كلّه كمذهب قنبل ومن وافقه."(جامع البيان ص221).
أقول لسيّدي الفاضل إن كانت رواية الداني عن أبي الفتح عن السامري من طريق الحلواني من طرق الدرر فلماذا لم يذكر ابن بري وجه تحقيق الأولى وتسهيل الثانية لقالون في نظمه. ؟
أترك لكم الإجابة ؟
 
ليس في المنظومة بكاملها ما يحدد أبا نشيط كطريق، وليس في صنيع سلفنا من القراء المغاربة ما يخرج أبا الحسن بن غلبون ولا خلف ابن خاقان من طريق الداني في رواية قالون.
إن قراءات الداني التي حصلها في رحلته التي دامت ألفا وبضعة أيام مشمولة كلها في [طريق الداني] بغض النظر عن شيخه الذي أخذ عنه.
يا سيدي ! إنما التزم الناظم بطريق الداني، وليس بطريق أبي الفتح.....
وليس من شك في أن أكثر ما ذكره عن قالون كان من طريق أبي نشيط لكنه لم يشترط ذلك ولم يلتزمه.
وليس من شك أيضا في أنه لم يشترط في رواية ورش طريق الأزرق لكنه لم يخرج عنه ولا مرة.
بماذا التزم إذن ؟ التزم بقراءته روايتي ورش وقالون على ابن حمدون من طريق الداني كما نص عليه واضحا جليا.
قال المنتوري في شرح الدرر ص 84-85، ونقله عنه ابن القاضي باختصار في الفجر ص 336-337
"وها أنا أذكر إسناد الناظم في قراءة نافع من الروايتين على ابن حمدون:
حدثني شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي، رضي الله عنه، عن القاضي أبي البركات محمد بن محمد بن الحاج البلفيقي، عن الأستاذ أبي الحسن بن بري، قال: قرأت القرآن الكريم برواية ورش وقالون على نحو ما نظمته في هذا الرجز على سيدي الشيخ الفقيه الخطيب الحاج المقرئ المتقن أبي الربيع سليمان بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن حمدون الشريشي، رحمه الله، جمعا بين الطريقين المذكورين، وقر أ أبو الربيع المذكور على الشيخ المقرئ الراوية أبي بكر محمد بن موسى بن فحلون السكسكي...."
قال محمد الحسن بوصو:
معنى قول الناظم [قرأت القرآن الكريم برواية ورش وقالون على نحو ما نظمته في هذا الرجز]: هذا الذي نظمته من روايتي ورش وقالون هو الذي قرأته على ابن حمدون، وهو طريق الداني الذي عنيته في رجزي هذا. وهو، كما ترى، جماع روايات الداني عن كافة شيوخه في روايتي ورش وقالون، لم يميز فيه الناظم طريق النحاس من طريق ابن سيف، ولا طريق الحلواني من طريق أبي نشيط، ولا طريق ابن بويان من طريق القزاز. ويكفي ثبوته عن الداني ليكون من طريق الداني.
وما الحاجة إلى قول المارغني وغيره بعد قول الناظم هذا ؟
تنبيه: ورش وقالون في هذا الرجز جزء من طريق الداني للناظم في القراءات السبع، قاله ابن القاضي في الفجر جـ01 ص 336 سطور 03-07.
أما كون الأخذ والرواية في المغرب بطريق الأزرق عن ورش، وبطريق أبي نشيط عن قالون فمما لاشك فيه، ولا يجوز لعالم عاقل إنكاره، وهما اللذان عناهما المنتوري والمارغني. لكن ما الأخذ وما الرواية في مصطلح القوم ؟
أنا لا أعتبر ذكر عبد الصمد ويونس بن عبد الأعلى وغيرهما إلا من باب محاولة إغراق السمكة، وإلا فالناظم قد حدد طريقي ورش وقالون في مقدمة المنظومة.
 
يا شيخنا
لا نختلف في كون الناظم أراد طريق الداني دون مكي وابن شريح.

واتفقنا الآن أنّه أراد طريق الأزرق وأبي نشيط.
الآن السؤال : من أيّ طريق؟
إنّ الداني أسند روايته عن الأزرق قراءةً من طريق ابن خاقان وأبي الفتح وأبي الحسن. وأسند روايته عن أبي نشيط قراءةً من طريقي أبي الفتح وأبي الحسن.
والمشكلة أنّ الإسناد الذي ذكره المنتوري ينتهي إلى الداني نفسه أي أنّ الإسناد معلّق ، ولو ذكره إلى نافع لزال الإشكال ولاتّضحت الطرق وروايات الداني بشكل دقيق.
ولما كان ظاهر النظم يتضمّن جميع الطرق لورش حيث ذكر قصر البدل وهو طريق أبي الحسن ، والإبدال في الهمزتين وهوطريق ابن خاقان ، وتسهيل الثانية منهما من طريق أبي الفتح ، دلّ أنّ ما تضمّنته المنظومة هو عبارة عن خليط بين الطرق الثلاثة للداني ، وهذا في حدّ ذاته يستلزم التحرير بالضرورة.
وما قيل لورش يُقال لقالون ، لأنّ الناظم اقتصر على الإسكان في ميم الجمع وهو خلاف طريق أبي الفتح المسند في التيسير ، أي التزم بالإسكان الذي هو طريق أبي الحسن ،ونراه في باب المدود يذكر القصر في المنفصل ، وفي باب الإمالة يذكر وجه الفتح في {التوراة} ، وذلك خلاف رواية أبي الحسن فوقع الناظم في الخلط بين الطريقين ، ولا يمكن أن يكون من طريق واحدة ، وهذا يحتاج إلى تحرير وبيان.
أمّا قراءة الناظم على ابن حمدون فلا تهمّني بقدر ما يُهمّني المصدر. لأنّ إسناد الناظم ينتهي حتما إلى أبي الحسن أو إلى أبي الفتح أو إلى ابن خاقان ، والخلط ممنوع على سبيل الرواية ، فوجب توضيح الأوجه وتحريرها بحسب الطرق.
وأنا لست حاكما على النظم حاش لله ، وإنّما أقول بضرورة تحريره ، وهذا الذي أنا بصدده الآن.
 
الاتفاق على أن المراد بطريق الداني ما قابل طريقي مكي وابن شريح تقدمٌ ملموس في هذا الحوار، وأشكرك على ذلك من كل قلبي. والاتفاق على أن طرق الداني في روايتي ورش وقالون في الدرر اللوامع غير متمايزة تقدمٌ آخر محمود، وأدعو الله لك على كفاية مؤنة الجدل العقيم.
بقي هل صنيعه جيد ؟ هل لا بد من تحريره ؟ بل هل يمكن تحريره أصلا ؟
نقول صنيعه جيد لأنه هكذا قرأ. ولا داعي إلى تحريره، فمن أراد طريق أبي الحسن مثلا فله ذلك لكن من غير الدرر اللوامع، أما الدرر فلا يمكن تحريره إلا إذا تعمدنا ترك بعض قراءته وأخذ بعض قراءته بحجة أن شيخه ضعيف في التفريق بين الطرق أو مبتدع في خلطها.إذ لا يمكن تحرير الدرر من دون الطعن في ابن بري أو في شيخه.
 
إذ لا يمكن تحرير الدرر من دون الطعن في ابن بري أو في شيخه.
ليتكم لم تقولوا هذه العبارة.
فابن الجزري ما أراد الطعن في الإمام الشاطبيّ عندما حرّر قصيدته.
والحررون الكبار ما أرادوا الطعن في ابن الجزريّ عندما حرّروا الطيّبة.

ولقد تناقشنا في هذا الموضوع من قبل في الملتقى ، وعند حضوركم إلى الجزائر ، ولا أدري لماذا تعودون إليه من جديد ؟

لعلّكم تريدون إغراق السمكة.

بسمة.

/
 
لأن الشاطبي وابن الجزري قد حددا طرقهما فلذلك ساغ تحرير طرقهما من دون الطعن فيهما، أما ابن بري فلم يحدد طرقه ولذلك لا يمكن تحرير طرق منظومته إلا بالطعن فيه أو بشيخه.
أما أننا ناقشنا الموضوع هنا وفي شيراتون-الجزائر فصحيح، وقد كنت عزمت على ترك الموضوع لكن الرغبة في الثواب أعادني إلى الحوار من باب النصح للمسلمين.
وأخيرا السمكة لا تغرق أبدا.
 
لأن الشاطبي وابن الجزري قد حددا طرقهما فلذلك ساغ تحرير طرقهما من دون الطعن فيهما
وأين حدّد الشاطبيّ طرقه ؟
وحتّى لو حدّد ابن الجزريّ طرقه فهل يعن هذا أنّ كتاب النشر لا يخضع للتحرير.؟

ما الذي جرى لكم يا شيخنا ؟
 
الشاطبية نسخة من التيسير منظومة، طرق التيسير طرقها. وعليه فقد تحددت طرقها بتحدد طرق التيسير، وابن الجزري حدد طرقه في صدر النشر لذلك ساغ تحرير الشاطبية والتيسير والنشر بتمييز بعض طرقها من البعض، وتخطئتهم وإخراج بعض مذكوراتهم من طرق كتبهم.
أما ابن بري فإنما حدد قراءته وشيخه والداني، فكل ما قرأ به على ابن حمدون وثبت عن الداني فهو مقصوده، ولا يخرجه عن طريقه إلا خارج عن طريقه.
ربما أُصبت في عقلي لكن هذا رأيي
 
تحرير {كهيعص} لقالون.

تحرير {كهيعص} لقالون.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم.

تحرير {كهيعص} لقالون.

قال الداني : "ونافع الهاء والياء بين بين".(التيسير ص356). وقال في جامع البيان :"وقرأت في رواية الجمع عن نافع ما خلا الأصبهانيّ الهاء والياء بين بين. حكى لي ذلك أبو الفتح عن قراءته على عبدالله بن الحسين عن أصحابه ، وحكاه لي أيضاً أبو الحسن عن قراءته في روايته قالون وورش ، وابن خاقان عن قراءته في رواية ورش ، وحكى لي أبو الفتح عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن عن أصحابه في رواية الأربعة عن نافع بإخلاص الفتح للهاء والياء."(جامع البيان ص613).
قال المنتوري : "وذكر في جامع البيان أنّه قرأ لقالون في رواية أبي نشيط الهاء والياء بين بين ، وأنّ أبا الحسن وابن خاقان حكيا له عن قراءتهما ، وأنّ أبا الفتح حكى له ذلك عن قراءته على عبد الله بن الحسين. وقال فيه في التعريف : وحكى لي أبو الفتح عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن عن أصحابه بإخلاص الفتح للهاء والياء."(شرح الدرر 2/495).
وقال أبو الحسن بن غلبون : "قرأ نافع {كهيعص} الهاء والياء بين الإمالة والفتح"(التذكرة 1/423).

قال ابن الجزري : "وقطع له أيضاً بالفتح صاحب التجريد وبه قرأ الداني على أبي الفتح فارس بن أحمد عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن يعني من طريق أبي نشيط وهي طريق التيسير ولم يذكره فيه فهو من المواضع التي خرج فيها عن طرقه.."(النشر 2/67).

من خلال ما نقلناه من الأقوال يتّضح أنّ قراءة الداني لقالون على أبي الحسن ابن غلبون هي بالتقليل وأنّ قراءته على أبي الفتح هي بالوجهين أي بالفتح والتقليل جميعاً ، فالتقليل هو من طريق أبي الفتح عن عبد الله بن الحسين وهو غير ثابت لا في التيسير ولا في جامع البيان ، والفتح هو من طريق أبي الفتح عن عبد الباقي وهو طريق الداني في التيسير وجامع البيان أي قراءة الداني على أبي الفتح عن عبد الباقي.

وعليه وجب الاقتصار على وجه الفتح من طريق أبي الفتح وبالضرورة من طريق التيسير لأنّ التقليل من التيسير خروج عن الرواية المسندة فيه كما قال ابن الجزريّ :" ولم يذكره فيه فهو من المواضع التي خرج فيها عن طرقه ".
وبالتالي فإنّ الوجهين صحيحان عن الداني من طريق الدرر اللوامع ، وحُقّ للناظم أن يذكر الوجهين وألاّ يقتصر على ما في التيسير. فيكون الفتح من طريق التيسير وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح عن عبد الباقي ، والتقليل من قراءة الداني على أبي الحسن.

ويُستفاد من هذه المسألة أنّ ابن الجزري حكم على وجه التقليل لقالون بأنّه خارج من طريق التيسير. أليس هذا عين التحرير ؟ ألم يفعل ذلك أيضاً لورش في نحو {ضحاها} و {تلاها} ونحوهما في الشمس والنازعات عندما حكم بأنّ وجه الفتح خروج من طريق التيسير.
 
ويُستفاد من هذه المسألة أنّ ابن الجزري حكم على وجه التقليل لقالون بأنّه خارج من طريق التيسير. أليس هذا عين التحرير ؟ ألم يفعل ذلك أيضاً لورش في نحو {ضحاها} و {تلاها} ونحوهما في الشمس والنازعات عندما حكم بأنّ وجه الفتح خروج من طريق التيسير.
لكنه لم يقل خارج الدرر
 
لكنه لم يقل خارج الدرر
وهل قُلتُ أنّه خارج الدرر ؟
بل هو من قراءة الداني على أبي الحسن.

ألم تقرأ قولي :
وبالتالي فإنّ الوجهين صحيحان عن الداني من طريق الدرر اللوامع ، وحُقّ للناظم أن يذكر الوجهين وألاّ يقتصر على ما في التيسير.
 
تحرير {حيران}

تحرير {حيران}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.

قال الناظم :
والسيْرَ والطّيْرَ وفي حيرانا *** خُلفٌ لهُ حمْلاً على عمرانا.

أشار الناظم إلى ورود الخلاف في {حيران} من حيث التفخيم والترقيق.

قال الداني في التيسير: "وأمّا ما وليت الراء فيه الياء ، وسواء انفتح ما قبلها أو انكسر فذلك نحو قوله عزّ وجلّ : {الخيرات} و {حيران} و {الخير} و {الطير} ....."(التيسير ص192).
وقال في جامع البيان : "فأقرأني ابن خاقان {حيران} بإخلاص الفتح لامتناعه من الصرف بكون مؤنّثة حيرى ، وكذلك نصّ عليه إسماعيل النحاس في كتابه في الأداء ، وكذلك رواه أيضاً عامّة أصحاب أبي جعفر أحمد بن هلال عنه ، وأقرأنيه غيره بإمالة الراء قياساً على نظائره."(جامع البيان ص354).
قال المنتوري :"قال الداني في الاقتصاد : وأخذ عليّ ابن خاقان {حيران} في الأنعام بإخلاص الفتح ، وأخذ عليّ ذلك غيره بإمالة يسيرة. وقال في التمهيد وإرشاد المتمسّكين : وقد أخذ عليّ ابن قاسم –وهو ابن خاقان- عن قراءته {حيران} به بالفتح."(شرح الدرر 1/547). وقال في إيجاز البيان : "وزادني ابن خاقان في الاستثناء إخلاص الفتخ للراء في قوله {حيران له أصحاب}في الأنعام." (يُنظر شرح الدرر 2/547).

أقول : الذي يتّضح من هذه الأقوال أنّ قراءة الداني على ابن خاقان هي بالتفخيم وأنّ قراءته على أبي الحسن وأبي الفتح هي بالترقيق, ويجدر التنبيه إلى أنّ الترقيق من التيسير خروج من طريقه إذ قرأ الداني بالتفخيم على ابن خاقان وهو روايته من التيسير ، لذا ينبغي أن يُقرأ بالتفخيم من طريق التيسير اتباعاً للرواية.
قال ابن الجزري : "وقطع به –أي الترقيق- في التيسير فخرج عن طريقه فيه." ونظراً لوجود سقط في النسخة المطبوعة في النشر اعتمدتّ على النسخة التي قام بتحقيقها شيخنا السالم الجكنيّ حفظه الله تعالى.(منهج ابن الجزريّ في كتابه النشر مع تحقيق قسم الأصول ص1429و1430).
 
تحرير {إرم}.

تحرير {إرم}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

قال الناظم :

وفُخّت في الأعجميّ و (إرمْ) *** وفي التكرّر بفتحٍ أو بضمّ
وقبل مستعلٍ وإن حال ألِفْ *** وبابُ (ستراً) فتحُ كلّهِ عُرِفْ

أشار الناظم إلى أنّ ورشاً فخّم الراء في الأسماء الأعجميّة في {إبراهيم} و {إسرائيل} و {عمران} وفي {إرم} ، وفي المكرر بالفتح نحو {مدراراً} و {إسراراً} أو بضم في {الفرارُ} ، وإذا وقعت قبل مستعل وإن حال بين الراء وبين المستعلي ألف نحو {الصراط} و {فراق بيني} و {الإشراق} و {إعراضاً} و {إعراضهم} ، وباب {سترا} وهو الذي يُعرف بأخوات {ذكراً}.

فأمّا {إرم} :
فقال الداني : في التيسير : "ونقض مذهبه مع الكسرة في ضربين في قوله : {الصراط} و {صراط} حيث وقعا و {الفراق} و {فراق بيني} و {الإشراق} و {إعراضاً} و {إعراضهم} و {مدراراً} و {إسراراً} و {ضراراً} و {فراراً} و {الفرارُ} و {إبراهيم} و {إسرائيل} و {عمران} و {إرم ذات العماد} ..."(التيسير ص193).
وقال الداني في جامع البيان :"وأقرأني ابن غلبون {إرم ذات} بإمالة الراء لأجل الكسرة ، وأقرأنيه غيره بإخلاص فتحها..."(جامع البيان ص254).
قال المنتوري : "ثم قال في التلخيص : كان شيخنا أبو الحسن يرى إمالة الراء في {إرم} ، والقياس إخلاص الفتح لها. وقال في الإبانة نحوه." وقال المنتوري :"قال الداني في الموضح : وقد اختلف أصحابنا في قوله تعالى :"{إرم ذات العماد} فكان أبو الحسن يرى إمالة الراء فيه للكسرة التي وليته وكان غيره يرى فتح الراء فيه حملاً على الأسماء الأعجمية ، التي فتح الراء فيها إجماع ، إذا كان هذا الاسم قد اكتنفه فرعان أيضاً وهما العجمة والتأنيث ، لذلك منع الصرف ، فحكمه كحكمها سواء ، فوجب استعمال الفتح فيه كاستعماله فيها ، وبذلك قرأت على ابن خاقان ، وأبي الفتح وغيرهما وبه آخذ. وقال في أيجاز البيان : وقد كان بعض أهل الأداء ، يرى إخلاص الفتح للراء في قوله تعالى :"{إرم ذات العماد} إذ كان إسماً أعجمياً معرفة مؤنّثاً ، ولذلك منع من الصرف ، فوجب أن يكون حكمه كحكم الأسماء المتقدّمة. وبذلك قرأت على أكثر شيوخي ، وكان أبو الحسن شيخنا يرى إمالة الراء في ذلك ، لأجل كسرة الهمزة ، وبذلك قرأت عليه ، والأوّل أقيس ، وعليه الجمهور من أهل الأداء من أصحاب ابن هلال ، وابن سيف وغيرهم."(شرح الدرر 2/570،571).
قال المنتوري : "وعلى الفتح في ذلك اقتصر الداني في الاقتصاد والتيسير والتمهيد والتعريف وإرشاد المتمسّكين والموجز وكتاب رواية ورش من طريق المصريين."(شرح الدرر 2/571).

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "أولها {إرم ذات العماد} في الفجر. ذهب إلى ترقيقها من أجل الكسرة قبلها أبو الحسن بن غلبون وأبو الطاهر صاحب العنوان وعبد الجبار صاحب المجتبى ومكي. وبه قرأ الداني على شيخه ابن غلبون."(النشر 2/97).

من خلال ما نقلناه من الأقوال يتّضح أنّ الداني قرأ بالترقيق في {إرم} على أبي الحسن ابن غلبون ، وقرأ بالتفخيم على ابن خاقان وأبي الفتح.
وقد أهمل الناظم وجه الترقيق مع أنّه من طرق الداني في رواية الأزرق عن ورش وكان ينبغي عليه أن يأخذ به أيضاً لأنّه من طريق أبي الحسن. وقد أخذ بوجه القصر في البدل والفتح في ذوات الياء وكلاهما من طريق أبي الحسن.

والعلم عند الله تعالى.
 
عودة
أعلى