"ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي
من المسيح الدجال"؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: "الشرك الخفي،
يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته
لما يرى من نظر رجل" ( 1 ).
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر؛ الرياء؛
يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " ( 2 ).
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"من صلى يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك" ( 3 ).
`````````````````````` 1-أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب الزهد، باب الرياء والسمعة.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2607.
2- أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/ 248، 249.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ح1555.
3- أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 126.
والطبراني في الكبير 7/ 337.
والحاكم في المستدرك 4/ 329، وصححه،
كلهم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
"من سمّع سمّع الله به،
ومن يرائي يرائي الله به" ( 1 ).
`````````````````````` 1-صحيح البخاري، كتاب الرقائق، باب الرياء والسمعة -وهذا لفظه،
وكتاب الأحكام، باب: من شاق شق الله عليه.
وصحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله.
ثالثا: متى ينقلب حكم الرياء والسمعة من شرك أصغر إلى شرك أكبر
يدخل الرياء والسمعة تحت حكم الشرك الأكبر بأحد ثلاثة أمور:
1-أن يرائي الإنسان، أو يُسمّع بأصل إيمانه؛ يُظهر أمام الناس أنه مؤمن ليعصم دمه وماله.
2- أن يغلب الرياء أو السمعة على أعمال الإنسان.
3- أن يغلب على أعماله إرادة الدنيا؛ بحيث لا يريد بها وجه الله.
رابعا: حكم العبادة إذا اتصل بها رياء أو سمعة
إذا كان قصد العابد بعبادته مراءاة الناس من الأصل؛
فهذا مبطل للعبادة.
أما إذا طرأ الرياء أو السمعة أثناء العبادة؛
فلا يخلو حال العبادة
من أن يكون أولها مرتبطا بآخرها
-كالصلاة مثلا، فتبطل جميع العبادة
إذا لم يدافع الرياء أو السمعة وسكن إليهما،
أما إذا لم يكن أول العبادة مرتبطا بآخرها
-كالصدقة مثلا بمائة ريال؛
خمسون منها دخله الرياء- فيبطل منها ما خالطه الرياء أو السمعة ( 1 ).
```````````````````` 1- انظر فتاوى العقيدة للشيخ ابن عثيمين ص200-201.
ثالثا: إرادة الإنسان بعمله الدنيا من أنواع الشرك الأصغر:
أولا: المراد بهذا النوع
هو أن يعمل الإنسان أعمالا صالحة مما يبتغي بها وجه الله عز وجل، يريد بها وجه الله عز وجل؛ ولكن خالط إرادته ونيته شيئا آخر، كإرادة الدنيا، إما لقصد المال أو الجاه؛ كالذي يجاهد، أو يتعلم العلم ليأخذ مالا، أو ليحتل منصبا؛ أو يتعلم القرآن، أو يواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد، أو نحو ذلك من الأعمال( 1 ).
```````````````````` 1-انظر بعض أنواع الشرك الأصغر للدكتور عواد بن عبد الله المعتق ص31.
فأخبر سبحانه وتعالى أن من كانت الدنيا همه وطلبته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء( 1 ).
2- ومن السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله! رجل يريد الجهاد، وهو يبتغي عرضا من أعراض الدنيا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أجرَ له ". فأعاد عليه ثلاثا،
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا أجرَ له "( 2 ).
```````````````````` 1 -انظر تفسير ابن كثير 2/ 439.
2 -أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 290،
والحاكم في المستدرك 2/ 85 وصححه،
وأبو داود في السنن، كتاب الجهاد، باب في من يغزو ويلتمس الدنيا.
وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 478.
ثالثا: الفرق بين الرياء والسمعة وبين إرادة الإنسان بعمله الدنيا
العامل بهذه الأنواع يعمل العمل الصالح مما يبتغي به وجه الله؛ ولكن المرائي أو المسمّع يريد رؤية الناس أو سماعهم، ويقصد من ذلك أن يمدحوه ويعظموه، ويطمع أن ينال الجلالة في أعينهم.
أما من كان يريد بعمله الدنيا فهو يعمل لأجل الدراهم، أو لشيء من متاع الدنيا،
فهو أعقل من الأول، وإن كان كلاهما خاسرا -والعياذ بالله( 1 ).
```````````````````` 1 -انظر: تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص534-535.
وبعض أنواع الشرك الأصغر للدكتور المعتق ص31.
1- قسم يريدون بأعمالهم الدنيا فقط،
ولا إرادة لديهم لله،
ولا همَّ لهم لله،
ولا طلب للآخرة.
وهذا رياء محض،
وهو شرك أكبر يقع فيه المنافقون ( 1 ).
2- قسم يريدون بأعمالهم الله عز وجل، ولكن يخالط إرادتهم ونيتهم شيئا آخر؛ كإرادة الناس -مثل يسير الرياء والسمعة، أو إرادة المال، أو المتاع مثل من يعمل العمل أمام ولي المرأة ليوافق على زواجه منها، أو يحفظ القرآن من أجل أن يعين إماما في المسجد.
وهذا من الشرك الأصغر ( 2 )، وفاعله قد صار بإرادته لهذه الأشياء عبدا لها،
وينطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة( 3 )، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض" ( 4 ).
3- قسم يعمل بطاعة الله مخلصا له في ذلك؛ ولكنه على عمل يكفره كفرا يُخرجه من الإسلام( 5 ).
```````````````````` 1 -تقدمت الإشارة إلى هذا النوع ص120 من هذا الكتاب.
2 -وهو هذا النوع الذي بين أيدينا.
3 - القطيفة هي الخميلة، وهي ثوب له خمل من أي شيء كان.
والخميصة هي ثوب خز أو صوف معلم.
"انظر: فتح الباري لابن حجر 11/ 254.
وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان ص539".
4 - صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال.
5 - انظر هذا القسم مع بقية الأقسام في: تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص536-538.
وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص540-541.
وبعض أنواع الشرك الأصغر للمعتق ص34.
رابعا: الاستسقاء بالأنواء "النجوم" من أنواع الشرك الأصغر
أولا: المراد بالاستسقاء بالأنواء:
الاستسقاء: طلب السقيا، والمراد نسبة مجيء المطر إلى الأنواء.
والأنواء: جمع، مفرده نوء. والأنواء هي منازل النجوم، وهي ثمان وعشرون منزلة، ينزل كل ثلاث عشرة ليلة منزلة منها. وسمي نوءا -من ناء ينوء نوءا، إذا نهض وطلع- لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب - مع طلوع الفجر - ناء -نهض وطلع- أخرى فيمقابلها في المشرق، فتنقضي جميعا مع انقضاء السنة؛ "28×13=364" ( 1 ) .
وقد كانت العرب في الجاهلية تزعم أنه مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر، وينسبون نزوله إليها، فيقولون: مطرنا بنوء كذا( 2 ).
```````````````````` 1 - انظر: الدين الخالص لصديق حسن خان 2/ 129.
وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص452.
وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص451.
ما روي عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛
فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحـمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب،
وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"( 2 ).
```````````````````` 1 -أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، كتاب التفسير، باب: ومن سورة الواقعة، وقال: حسن غريب صحيح. وأحمد في المسند 1/ 108، 131.
2 - صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة،
باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم.
وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من يقول مطرنا بالنوء.
ثالثا: متى يكون الاستسقاء بالأنواء شركا أكبر، ومتى يكون شركا أصغر؟
المسألة فيها تفصيل:
1-من اعتقد أن للنجم تأثيرا -بدون مشيئة الله، فينسب المطر إلى النجم نسبة إيجاد واختراع ؛ فهذا من الشرك الأكبر.
2-من اعتقد أن للنجم تأثيرا -بمشيئة الله، والله جعل هذا النجم سببا لنزول المطر، وأجرى العادة بوجود المطر عند ظهور ذلك النجم؛ فهذا محرم -على الصحيح، وهو شرك أصغر.
يقول الشيخ صديق حسن خان رحـمه الله:
من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا،
فلا يخلو؛ إما أن يعتقد أن له تاثيرا في نزول المطر،
فهذا شرك كفر "أي أكبر"،
وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية؛
كاعتقادهم أن دعاء الميت والغائب
يجلب لهم نفعا ويدفع عنهم ضرا.
أما إذا قال مطرنا بنوء كذا مثلا،
مع اعتقاد أن المؤثر هو الله وحده؛
لكنه أجرى العادة بوجود المطر
عند سقوط ذلك النجم،
فالصحيح أنه يحرم" ( 1 )،
وهو شرك أصغر ( 2 )؛
لأنه نسب نعمة الله إلى غيره،
ولأنالله لم يجعل النوء سببا لإنزال المطر فيه، وإنما هو فضل منه
عز وجل ورحـمة ،
يحبسه إذا شاء،
وينزله إذا شاء ( 3 ).
```````````````````` 1 - الدين الخالص لصديق حسن خان 2/ 12-130، وانظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص455-456. وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص454-455. والمجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 2/ 139-140.
2 - انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص455.
3 - انظر فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص459.
ثانيا: حكمه، مع الأدلة: هو محرم، وهو شرك أصغر -أصغر في مقابل الأكبر؛ وإلا فهو ليس بصغير؛ إذا هو أكبر من بقية الكبائر.
وقد حذَّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم لسد الطرق الموصلة إلى الشرك، ولحماية جناب التوحيد، فيجب على العبد التسليم والإذعان.
وقد دلت الأدلة الكثيرة على تحريمه،
وعلى أنه من الشرك، ومن تلك:
1- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم،
من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" ( 1 ).
2- جاء رجل إلى عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما-،
فقال: احلف بالكعبة؛ فقال:
أحلف برب الكعبة،
فإن عمر كان يحلف بأبيه،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا تحلف بأبيك،
فإنه من حلف بغير الله
فقد أشرك" ( 2 ).
```````````````````` 1- صحيح البخاري، كتاب الأيمان، باب لا تحلفوا بآبائكم.
2- أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 69، 86. وأبو داود في السنن، كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء. والترمذي في الجامع الصحيح، كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، وحسنه. والحاكم في المستدرك 1/ 18، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين.
العلماء مجمعون على أن اليمين لا تنعقد إلا إذا حلف الإنسان بالله عز وجل، أو بأسمائه وصفاته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما الحلف بغير الله؛ من الملائكة، والأنبياء، والمشايخ، والملوك، وغيرهم، فإنه منهي عنه، غير منعقد باتفاق الأئمة فمن حلف بشيخه، أو بتربته، أو بحياته، أو بحقه على الله، أو بالملوك، أو بنعمة السلطان، أو بالسيف، أو بالكعبة، أو بأبيه، أو تربة أبيه، أو نحو ذلك، كان منهيا عن ذلك، ولم تنعقد يمينه باتفاق المسلمين( 1 ).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
اعلم أن اليمين لا تنعقد إلا بأسماء الله وصفاته، فلا يجوز القَسَم بمخلوق ( 2 ).
```````````````````` 1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 506.
إذا قام بقلب الحالف تعظيم من حَلَفَ به من المخلوقات مثل تعظيم الله عز وجل ( 1 ).
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
فإن قام بقلبه تعظيم لمن حلف به من المخلوقات مثل تعظيم الله، فهو شرك أكبر؛ فإن كان جاهلا عُلّم، فإن أصر فهو والعالم ابتداء سواء، كل منهما يكون مشركا شركا أكبر( 2 ).
قول ما شاء الله وشئت،
ولولا الله وأنت،
ونحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر.
تمهيد:
من الشرك في الألفاظ:
قول الرجل:
ما شاء الله وشئت،
ولولا الله وأنت،
وما لي إلا الله وأنت،
وأنا متوكل على الله وعليك،
وحسبي الله وأنت،
ونحو ذلك من الألفاظ التي تجري على ألسنة الناس، وفيها تسوية
بين الخالق والمخلوق.
أولا: حكمه :
هذا الأمر لا يجوز استعماله،
ولا التهاون في النطق فيه؛
لأنه نوع من أنوع الشرك الأصغر؛ إذ حرف الواو يقتضي التشريك؛
فحين تقول:
جاء أحمد وعلي تكون قد سويت
بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم
-وهو المجيء؛
لأن الواو وضعت لمطلق الجمع،
وهي لا تفيد ترتيبا ولا تعقيبا،
ووجودها فيه تسوية بين الخالق والمخلوق.
ومعلوم أن التسوية بين الخالق والمخلوق شرك،
والله عز وجل ذكر أن من أسباب ضلال المشركين كونهم يسوون الأنداد برب العالمين،
قد دلت الأدلة الكثيرة على تحريم هذا النوع،
وعلى أنه من الشرك، ومن تلك:
1- قول الله عز وجل:
{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[البقرة: من الآية22] .
فسرها حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس
-رضي الله عنهما- بقوله: الأنداد هو الشرك،
أخفى من دبيب النمل على صفا سوداء
في ظلمة الليل.
وهوأن تقول:
والله، وحياتك يا فلان، وحياتي،
وتقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا القط في الدار لأتى اللصوص،
وقول الرجل:
ما شاء الله وشئت،
وقول الرجل:
لولا الله وفلان، هذا كله شرك"( 1 ).
2- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء وشئت. قال: "أجعلتني لله ندًا، بل ما شاء الله وحده"( 2 ).
3- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت؛
ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شئت" ( 3 ).
4- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان؛
ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان" ( 4 ).
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله معلقا على هذا الحديث:
هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة كقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم}
[التكوير: 28] ؛
فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض.
فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيهما أفحش!
يتبين لك أن قائلها أولى بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة،
وأنه إذا كان قد جعل لله ندا بها؛ فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء -بل لعله أن يكون له من أعدائه- ندًا لرب العالمين "( 5 ).
````````````````````` 1 - رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس بإسناد جيد.
"انظر فتح القدير للشوكاني 1/ 52.
وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان ص587.
2 -أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 214،
وقال أحمد شاكر رحمه الله 3/ 253: إسناده صحيح.
3 - أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب الكفارات،
باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت.
وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 362.
4 -أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/ 384، 394، 398.
وأبو داود في السنن، كتاب الأدب، باب لا يقال خبثت نفسي
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 940.
5 - الجواب الكافي لابن القيم ص239-240.
وانظر الدين الخالص لصديق حسن خان 1/ 312.
أفضل سبيل للوقاية من هذا الشرك، وعدم الوقوع فيه، هو التزام ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من استبدال الواو بـ "ثم"؛ فنعدل عن الواو التي تقتضي تسوية المخلوق بالخالق، إلى"ثم" التي تقتضي الترتيب والتراخي؛
فمثلا: إذا قلنا: ما شاء وشئت -وعطفنا بالواو، اقتضى ذلك التسوية بين مشيئة الله ومشيئة المخلوق.
أما إذا قلنا: ما شاء الله ثم شئت -وعطفنا بـ "ثم"- فإنه يقتضي تقديم مشيئة الله عز وجل، وأنها فوق مشيئة المخلوق ( 1 ).
فإذا عطفنا مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق عز وجل بـ "ثم"، فرّقنا بين المشيئتين، وقدمنا مشيئة الخالق سبحانه وتعالى على مشيئة خلقه.
كذا الحوادث: نسندها إلى الله عز وجل أولا، ثم إلى المخلوق؛
فمثلا إذا أردنا أن نقول: لولا وجود فلان لحصل كذا
نقول: لولا الله، ثم وجود فلان لحصل كذا،
مع الاعتقاد بأن الأسباب ليست مستقلة بذاتها في التأثير؛ وإنما يكون تأثيرها بقدرة الله ومشيئته( 2 ).
```````````````````` 1- انظر دعوة التوحيد للشيخ محمد خليل هراس ص65، وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ص595.
الرقى لغة جمع رقية، وهي العوذة. أو ما يعرف عند العامة بـ "العزيمة"، أو "التعويذة" التي يرقى بها صاحب الآفة -كالحمى والصرع، وتقرأ على المريض أو اللديغ أملاً في شفائه ( 1 ).
ولا يبعد المعنى الشرعي للرقية عن المعنى اللغوي كثيرا؛
فالرقية شرعا: ما يقرأ على المريض من الآيات القرآنية، أو الأدعية المشروعة، أو غيرها من الأدعية المباحة المجربة ( 2 ).
```````````````````` 1-انظر من كتب اللغة: المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده 6/ 309.
ولسان العرب لابن منظور 13/ 332.
وتاج العروس للزبيدي 10/ 154.
2 - انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 182، 328، 10/ 195.
دلت الأدلة الكثيرة على جواز الرقى إذا تحققت فيها الشروط السابقة.
[ ومنها ]
1- إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه عرضوا عليه رقاهم؛
فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرُقى ما لم يكن فيه شرك" ( 1 ).
وعن جابر ابن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى،
فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله: إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أرى بأسا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل" ( 2 ).
ملاحظة:
لا يتنافى التداوي بالرقى؛ من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التوكل؛
لأن الله جل جلاله جعل الرقى سببا لدفع مكروهات كثيرة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم،
وقد تواتر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للرقية بنفسه، وغيره، وأمره بها، وإقراره لصحابته على فعلها ( 3 ).
فالرقية مشروعة وهي من الأدوية الناجعة النافعة بإذن الله،
إذا انضم إليها صدق القصد من جهة العليل، وقوة التوجه إلى الله من جهة المداوي، مع قوة القلب بالتقوى والتوكل على من يذهب البأس ( 4 ).
`````````````````````` 1 - صحيح مسلم، كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
2 - صحيح مسلم، كتاب السلم، باب استحباب الرقية من العين والحمة والنملة.
3 -انظر الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة
للدكتور علي العلياني ص33.
ويدخل في الرقى البدعية : ما فقد شرطا من شروط الرقية الشرعية، ومن ذلك :
3- ويدخل في هذا:
ما كان بعبارات محرمة؛ كالسب، والشتم، واللعن؛ فإن الله لم يجعل دواء أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيما حرمه عليها،
يقول صلى الله عليه وسلم:
"إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكم داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام" ( 1 )،
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث( 2 ).
4- ألا تكون الرقية على هيئة محرم؛ كأن يتقصد فعلها حال كونه جنبا، أو في مقبرة، أو حمام، أو وهو كاشف لعورته، أو غير ذلك.
5- ألا يظن الراقي، أو المرقي أن الرقية تستقل بالشفاء، أو دفع المكروه وحدها.
فإذا اعتقد أنها تؤثر بذاتها، فهذا هو الشرك الأكبر؛ لأن الشافي هو الله وحده.
``````````````````````
1 - سنن أبي داود، كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة.
2 - مسند أحمد 2/ 305.
وسنن أبي داود، كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة.
وجامع الترمذي، كتاب الطب، باب من قتل نفسه بسم أو غيره.
وسنن ابن ماجه، كتاب الطب، باب النهي عن الدواء الخبيث.
وصححه الألباني "انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 733.
وصحيح سنن ابن ماجه 2/ 255".
تعليق التمائم من باب شرك الأسباب،
وهذا قد يكون أكبر،
وقد يكون أصغر،
حسب حال صاحبه،
ولذلك ينظر في حال المتعلق،
وفي حال المعلق.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحـمه الله تعالى عن التمائم:
قد تكون شركا أكبر إذا اعتقد معلق التميمة أنها تحفظه، أو تكشف عنه المرض، أو تدفع عنه الضرر، دون إذن الله ومشيئته( 1 )،
ويقول رحـمه الله في موضع آخر:
والصواب أن تعليق التمائم ليس من الاستهزاء بالدين، بل من الشرك الأصغر، ومن التشبه بالجاهلية،
وقد يكون شركا أكبر على حسب ما يقوم بقلب صاحب التعليق من اعتقاد النفع فيها، وأنها تنفع وتضر دون الله عز وجل، وما أشبه هذا الاعتقاد،
أما إذا اعتقد أنها سبب للسلامة من العين أو الجن ونحو ذلك، فهذا من الشرك الأصغر؛
لأن الله سبحانه لم يجعلها سببا، بل نهى عنها وحذر، وبيّن أنها شرك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لما يقوم بقلب صاحبها من الالتفات إليها، والتعلق بها ( 2 ).
فتعليق التمائم مع اعتقاد أنها سبب للسلامة من الشر الواقع أو المتوقع: شرك أصغر.
وتعليق التمائم مع اعتقاد أنها تنفع وتضر دون إذن الله ومشيئته: شرك أكبر.
`````````````````````` 1 - مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 2/ 384.
2 - قاله رحمه الله معلقا على حواشي الشيخ حامد الفقي
2- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من تعلق تميمة فقد أشرك"( 1 ).
3- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن الرقى والتمائم والتولة( 2 )شرك " ( 3 ).
4- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من تعلق شيئا وُكل إليه " ( 4 ).
```````````````````` 1- أخرجه أحمد في المسند 4/ 156،
والحاكم في المستدرك 4/ 219.
ورواة أحمد ثقات، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 103،
وصححه الألباني "السلسلة الصحيحة رقم 492".
2- التولة: شيء تصنعه المرأة، تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر.
"الدين الخالص 2/ 238".
3 - أخرجه أحمد في المسند 1/ 381.
والحاكم في المستدرك 4/ 217، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
ووافقه الذهبي.
وأبو داود وابن ماجه في السنن، كلاهما في كتاب الطب، باب في تعليق التمائم.
وصححه الألباني "السلسلة الصحيحة رقم331".
4- أخرجه أحمد في المسند 4/ 310-311.
والترمذي في الجامع الصحيح، كتاب الطب،
باب ما جاء في كراهية التعليق.
وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 208.
أدلة من قال بتحريم هذا النوع [ المختلَف فيه ]( 1 ):
1- عموم النهي الوارد في التمائم،
دون تخصيص نوع منها؛
فقد جاء المنع من تعليق التمائم دون تفصيل.
ولو كان تعليق التمائم مشروعا،
لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما بين الرقية وأذن فيها بقوله:
" لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك "( 2 ).
2- إن القول بجواز تعليق التمائم المختلف فيها
قد يعطل سنة الرقية المتفق عليها.
3- إن القول بتعليق التمائم متردد بين الجواز والتحريم.
وما كان كذلك فالأولى اجتنابه درءا للمفاسد،
واتقاء للشبهات.
4- تعليق التمائم وسيلة مفضية إلى الشرك؛
فقد يعتقد معلقها أنه لولا التمائم لحصل له كذا وكذا
فيحصل فيها تعلق القلب،
فيفضي إلى اعتقاد أنها مؤثرة بذاتها.
وهذا شرك.
وسد الذرائع واجب،
ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ( 3 ).
5- يؤدي تعليقها إلى حمل القرآن ممن لا يفقه معناه، ولا يعرف منزلته، فلا يوقره، وقد يعرض آيات القرآن للامتهان؛ سيما إذا دخل إلى دورات المياه، أو الأماكن القذرة.
وقد تبقى عليه وهو جنب، كما أنها قد تعلق على الأطفال مع تلبسهم بالنجاسة.
6- إن غالب من يتعاطاها صناعة واستعمالا لا يُعرفون بصحة الإيمان، ولا بصلاح العمل.
7- إن عمل التمائم قد صار نوعا من أنواع الاتجار
بكتاب الله ودينه القويم؛
ففي القول بجوازها فتح الباب
أمام الدجالين والمشعوذين لعمل التمائم الشركية،
والاتجار بها بـحجة أنها من القرآن الكريم.
والقول بالمنع من تعليق التمائم هو الراجح والله أعلم، لما تقدم ( 4 ).
وعلى هذا القول عدد كبير من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين.
قال إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي "ت96هـ": كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن ( 5 ).
ومراده من قوله "كانوا": أي أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهم من سادات التابعين ( 6 ).
```````````````````` 1-انظر التمائم في ميزان العقيدة للدكتور علي العلياني ص46-50.
2 - تقدم تخريج هذا الحديث ص138، ح"1".
3-انظر معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي 1/ 382.
4 - انظر المجموع الثمين من فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/ 58.
5 - المصنف لابن أبي شيبة 7/ 374.
6 - انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص176-177.
وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص174.
التطير والطيرة: هي التشاؤم، وهو مصدر من تطير يتطير تطيرا وطيرة.
يقول الحافظ ابن حجر رحـمه الله:
وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير، فيعتمدها؛ فجاء الشرع بالنهي عن ذلك ( 1 ).
ولم يقتصر التطير على الطيور والحيوانات، بل انسحب هذا الاعتقاد على غير الطير؛
فلقد كانوا يتشاءمون ببعض الأشهر؛ كشهر صفر الذي كان يمتنع بعضهم عن الزواج فيه أو السفر.
كذلك كانوا يتشاءمون من المرضى، فيمتنعون عن مجالستهم، أو مؤاكلتهم.
وكذا كانوا يتشاءمون بذي العاهة؛ كالأعرج، والأعور، وغيرهما.
```````````````````` 1 - انظر: فتح الباري لابن حجر 10/ 212. وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص424.
الطيرة سوء ظن بالله عز وجل،
وصرف شيء من حقوقه عز وجل لغيره، وتعلق للقلوب بمخلوق
لا ينفع ولا يضر.
والفأل حسن الظن بالله سبحانه وتعالى،
والرسول صلى الله عليه وسلم
"إنما كان يعجبه الفأل؛
لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق،
والتفاؤل حسن ظن به عز وجل،
والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى
على كل حال" ( 1 ).
ثالثا: حكم الطيرة:
الطيرة محرمة شرعا، وهي من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد، لما فيها من سوء الظن بالله، وتعلق القلوب بغيره، وصرف شيء من حقوقه لغيره.
وتنقلب إلى شرك أكبر إذا اعتقد أن هذه الأشياء التي تطيَّر بها فاعلة بنفسها، أو سبب مؤثر في جلب النفع ودفع الضر. وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: " الطيرة شرك ".
``````````````````` 1- فتح الباري لابن حجر 10/ 215.
وانظر: حياة الحيوان الكبرى للدميري 2/ 98.
وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص434-435.
والأسئلة والأجوبة في العقيدة للأطرم ص65.
الطيرة التي في الأفعال والأقوال تكون من بعض المؤمنين؛
فقد يقع في نفس الإنسان شيء من التطير،
ولكن الله يذهبه بالتوكل عليه.
فالتطير أمر قد يقع من الإنسان،
كما قال ذلك الصحابي
لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومنا أناس يتطيرون.
قال صلى الله عليه وسلم:
"ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه؛
فلا يصدنكم" ( 1 )؛
فأخبر صلى الله عليه وسلم
أن تأذي الإنسان وتشاؤمه بالطيرة
إنما هو في نفسه وعقيدته،
لا في المتطير به، فوهمه وخوفه وإشراكه
هو الذي يطيره ويصده ( 2 ).
والطيرة هي ما أمضاك، أو ردك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطيرة عن حاجته، فقد أشرك "،
قالوا: فما كفارة ذلك؟
قال: " أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك "( 3 ).
وهذا من العلاج ؛
فإن الإنسان إذا قال ذلك،
وأعرض عما وقع في قلبه،
ولم يلتفت إليه،
كفّر الله عنه ما وقع في قلبه ابتداءا،
لزواله عن قلبه بهذا الدعاء المتضمن للاعتماد على الله وحده،
والإعراض عما سواه ( 4 ).
فعلاج هذا التطير الذي يقع في نفس الإنسان، يكون بصدق التوكل على الله عز وجل، واعتقاد أنه وحده هو النافع والضار.
ويضاف إلى صدق الالتجاء:
الدعاء الذي علمناه الرؤوف بنا، الحريص علينا صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم: " اللهم لا خير إلا خيرك ".
وكذلك الدعاء الآخر:
"فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت،
ولا يدفع السيئات إلا أنت،
ولا حول ولا قوة إلا بك"( 5 )؛
ففيه نفي تعليق القلب بغير الله
في جلب نفع أو دفع ضر،
وهذا هو التوحيد،
وهو دعاء مناسب لمن وقع في قلبه شيء من الطيرة،
وتصريح بأنها لا تجلب نفعا،
ولا تدفع ضرا ( 6 ).
``````````````````` 1 - صحيح مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان.
2 - انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص430.
3 - أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 220.
والطبراني في المعجم الكبير 5/ 105.
وصححه الألباني السلسلة الصحيحة رقم 1065.
4 - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص441.
5- أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة.
وإسناده ضعيف كما ذكر الألباني في ضعيف الجامع رقم199.
6- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص438.
حمى جنابالتوحيد من كل ما ينقضه، أو ينقصه، وحذر أمته من المساس به، وسد كل طريق يؤدي إلى نقيضه، أو يخدش كماله،
وشبه حرصه على أمته بقوله: "إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل الرجل يحجزهن، ويغلبنه، فيتقحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، تقحمون فيها "( 1 )؛
فهو الرحيم بأمته صلى الله عليه وسلم، الرؤوف بهم، الحريص على وقايتهم من سبل الغواية، وحمايتهم من كل ما يكون سببا في هلاكهم.
ولكن بعض هذه الأمة عصت نبيها
بفعل بعض مانهاها عنه
وحذرها منه،
واتبعت خطوات الشيطان
الذي زين لهم الباطل ودعاهم إليه،
وكانت من نتيجة هذا العصيان:
الوقوع في نقيض التوحيد ( 2 )،
أو فيما ينقص من كماله ( 3 ).
ولا ريب أن هؤلاء قبل أن يقعوا فيما وقعوا فيه،
كانوا قد سلكوا وسائل حُذّروا من سلوكها،
وطرقا كان قد طلُب منهم أن لا يطرقوها.
ومعرفة هذه الوسائل من الأمور المعينة على تجنبها.
``````````````````` 1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي.
وصحيح مسلم، كتاب الفضائل،
باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيره مما يضرهم.
2- نواقض التوحيد هي:
الأمور التي إذا وجدت عند العبد خرج من دين الله بالكلية،
وأصبح بسببها كافرا، أو مرتدا عن دين الإسلام.
وهي كثيرة، تجتمع في الشرك الأكبر والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر. "انظر مذكرة العقيدة الإسلامية
للدكتور عبد الله بن جبرين ص61".
3 - منقصات التوحيد هي:
الأمور التي تنافي كمال التوحيد، ولا تنقضه بالكلية؛
فإذا وجدت عند المسلم نقص توحيده، ولم يخرج من دين الإسلام.
وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر،
أو الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر.
وعلى رأس هذه المعاصي: الشرك الأصغر،
والكفر الأصغر، والنفاق الأصغر. "انظر المرجع السابق".
إنما أدخلنا التوسل في الوسائل المنافية للتوحيد أو لكماله، لأن التوسل إلى الله بذات أو جاه أحد مخلوقاته محذور من وجهين:
أحدهما أنه أقسم على الله في دعائه بأحد مخلوقاته، ولا يجوز الحلف بغير الله عز وجل كما تقدم ( 1 ).
والمحذور الثاني أنه اعتقد أن لأحد على الله حقا، وليس للعباد حق على الله إلا ما أوجبه عز وجل على نفسه من نصرة المؤمنين، وإنجاء الموحدين، وإثابة المطيعين، واستجابة دعاء الداعين ( 2 ).
``````````````````` 1-انظر ص133-134 من هذا الكتاب.
2 - انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي 1/ 294-296.
"أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"( 3 ).
2- التوسل بالأعمال الصالحة.
ودليل ذلك من كتاب الله، قوله عز وجل:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[البقرة: 127] ،
ومن السنة:
قصة النفر الثلاثة الذين توسلوا بأعمالهم الصالحة؛
من بر الوالدين، وترك الفواحش، وأداء الحقوق، فاستجاب الله عز وجل لهم( 4 ).
3- التوسل بدعاء الغير:
ودليل ذلك قوله عز وجل حكاية عن أبناء يعقوب عليه السلام:
3 - أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 391،
وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند رقم3712: إسناده صحيح.
وصححه الألباني "السلسلة الصحيحة رقم199".
4 - أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.
"صحيح البخاري، كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرا فترك أجره.
وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قصة أصاب الغار الثلاثة".
5 - أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين؛ "صحيح البخاري،
كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره.
وصحيح مسلم، كتاب الإيمان،
باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب".
التوسل بدعاء الغير، ومثلنا له بصنيع الصحابة رضي الله عنه، وتوسلهم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا النوع هو الذي أسيء فهمه؛ فظن المخالفون للكتاب والسنة أن المراد التوسل بشخصه صلى الله عليه وسلم.
مع أن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يتوسلون بدعائه -عليه الصلاة والسلام- حال حياته؛
كما فعل ذاك الأعرابي الذي دخل عليه وهو يخطب، فسأله الدعاء ( 1 )؛
وكذلك الصحابي الذي سأله أن يدعو الله أن يجعله ممن يدخلون الجنة بغير حساب ( 2 )، وغير ذلك.
وهذا التوسل إنما يكون في حياته صلى الله عليه وسلم،
أما بعد موته، فلا يجوز.
من أجل هذا لما أجدب الناس في عهد عمر رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم؛
بل استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكان مما قاله: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" ( 3 ).
فسقاهم الله عز جل.
وهذا توسل من الصحابة رضي الله عنهم بدعاء العباس رضي الله عنه، لا بذاته حال حياته،
وهو شبيه بتوسلهم بدعاء نبيهم صلى الله عليه وسلم في حياته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحـمه الله: وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة رضي الله عنه، فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته( 4 ).
``````````````````` 1 - صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة. وصحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء.
2- تقدم تخريجه .
3 - صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء،
باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا.
4 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص80-181.
وهذا يوضحه توسل عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما التوسل بدعائه وشفاعته -كما قال عمر، فإنه توسل بدعائه لا بذاته.
ولهذا عدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمه العباس.
ولو كان التوسل بذاته، لكان هذا أولى من التوسل بالعباس؛ فلما عدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس، علم أن ما كان يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما ( 1 ).
هذا عن القيد الأول.
أما الثاني:
فهو خاص بالمتوسل به، وهو النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته؛ فلا بد أن يقوم بعمل ما. وهذا يؤكد أن التوسل ليس بذاته، وإنما هو بدعائه وتضرعه إلى الله.
ويوضح ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما توسل الأعرابي بدعائه وهو على المنبر: رفع يديه، وقال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا"( 2 ).
``````````````````` 1 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص82.
لا كما فهم من خالف قوله الكتاب والسنة: أنه توسل بالشخص أو الذات أو الجاه، لا بالدعاء،
فأحدثوا عبادة لم ترد في النصوص الشرعية، فسُمي ما أحدثوه بدعة، وأُطلق على التوسل الذي أحدثوه: "التوسل البدعي".
وقد تمسك هؤلاء بأدلة من تأملها وجد أنها حجة عليهم، لا لهم. ومن هذه:
حديث استسقاء عمر بالعباس، وقد تقدم أنه نص في أن التوسل بدعاء الشخص، يكون حال حياته، لا بعد مماته،
بدليل عدول الصحابةرضي الله عنه، وهم أفضل الأمة عن التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى التوسل بعمه العباس رضي الله عنه ( 1 ).
ومنها حديث الأعمى الذي سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أن يدعو الله له أن يعافيه،
فعلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به
بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين
-كوسيلة بين يدي الدعاء ( 2 ).
وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي
صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته، ودعائه المستجاب،
وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق؛
فإنه صلى الله عليه وسلم بدعائه لهذا الأعمى،
رد الله عز وجل عليه بصره، لا بتوسل الأعمى بذاته صلى الله عليه وسلم وجاهه.
ولو كان السر في دعاء الأعمى وحده وتوسله
بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه دون دعائه؛ لكان كل من دعا بهذا الدعاء من العميان مخلصا،
يعافى من وقته أو بعد حين.
`````````````````` 1- انظر ما تقدم في هذه الصفحة والتي قبلها. وانظر كتاب التوسل حكمه وأقسامه ص45-57.
2-أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 138. والترمذي في جامعه، كتاب الدعوات، باب 119، وقال: حسن صحيح غريب،
والحاكم في المستدرك 1/ 519، وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وكذلك لو كان كل أعمى توسل به ولم يدع له الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة، أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى. فعدلوهم عن هذا إلى هذا -مع أنهم السابقون الأولون؛ المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛
فإنهم أعلم منا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما يشرع من الدعاء وما ينفع، وما لم يشرع ولا ينفع وما يكون أنفع من غيره،
وهم في وقت ضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات، وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق ممكن -دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه( 1 ).
واستدلال المخالفين بحديث الأعمى على جواز التوسل بالذات أو الجاه مردود لما يلي:
1- إن الأعمى إنما جاء طالبا الدعاء؛ فالمسألة من بدايتها توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
2- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء، وهو صلى الله عليه وسلم لا يخلف وعده أبدا. وقد دعا له كما وعده.
3- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم الأعمى دعاء يدعو به، وفيه قوله: "اللهم فشفعه فيَّ، وشفعني فيه". والشفاعة هي الدعاء.
"فشفعه فيَّ": أي شفع نبيك صلى الله عليه وسلم فيَّ، أي اقبل دعاءه لي بأن ترد علي بصري.
"وشفعني فيه"؛ أي اقبل دعائي في أن تقبل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لي ( 2 ).
وثمة أدلة أخرى استدلوا بها، كلها في مصاف الموضوعات، التي لا تنهض بها الحُجة( 3 ).
`````````````````` 1 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 326.
2 - انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/ 287-387.
والتوصل إلى حقيقة التوسل للرفاعي ص229-232،
والتوسل حكمه وأقسامه ص59-66.
3- انظر: مجمموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 142-368،
وكذلك: ما جمعه علي بن حسين أبو لوز من شبهاتهم في كتاب:
التوسل حكمه وأقسامه ص79-103.
اتخاذ القبور مساجد، والبناء عليها، والصلاة إليها من الوسائل المفضية إلى الشرك
تمهيد:
ذكرنا فيما مضى أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان حريصا على حـماية جناب التوحيد( 1 ).
ومن مظاهر حرصه صلى الله عليه وسلم، تلك الأحاديث الكثيرة التي قالها يحذّر أمته عن سلوك الطرق التي تفضي إلى الشرك من اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها، أو الصلاة إليها.
ويمكن تصنيف هذه الأحاديث وفق الموضوعات التالية:
أولا- أحاديث تنهى عن اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها: ومنها:
1- ما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور؛
فقال صلى الله عليه وسلم:
"أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله"( 2 ).
ويلاحظ الوعيد في هذا الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "أولئك شرار الخلق عند الله"،
وهذا الوعيد يتناول من اتخذ قبور الأنبياء مساجد،
ومعنى اتخاذها مساجد: أي بناء المساجد عليها( 3 ).
ومعلوم أن الفتنة بالقبور كالفتنة بالأصنام، أو أشد.
`````````````````` 1 - انظر ص151 من هذا الكتاب.
2 - صحيح البخاري، كتاب الصلاة،
باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد؟
[من الأحاديث التي تنهى عن اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها]
2- ما روته أم المؤمنين عائشة،
وابن عباس رضي الله عنه قالا:
لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم
طفق يطرح خميصة له على وجهه،
فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه؛
فقال وهو كذلك:
"لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
يحذّر ما صنعوا.
قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك لأُبرز قبره
غير أنه خشي أن يُتخذ مسجدا( 1 )؛
أي: لولا نهيه صلى الله عليه وسلم
عن اتخاذ المساجد على القبور
لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم،
ولم يتخذ عليه الحائل.
فلعن - عليه الصلاة والسلام -
في هذا الحديث من كان قبلنا، وأنكر عليهم.
وإنكاره صنيعهم هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أنهم يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لهم.
والثاني:
أنهم يجوزون الصلاة في مدافن الأنبياء والسجود في مقابرهم، والتوجه إليها حالة الصلاة نظرا منهم بذلك إلى عبادة الله، والمبالغة في تعظيم الأنبياء.
والأول هو الشرك الجلي،
والثاني الخفي؛
فلذلك استحقوا اللعن ( 2 ).
`````````````````` 1 -صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب 55. وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة،
باب النهي عن بناء المساجد على القبور.
2 -تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص327.
[من الأحاديث التي تنهى عن اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها] 3- ما رواه جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول:
"ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، إني أنهاكم عن ذلك"( 1 ).
ولهذا النهي منه صلى الله عليه وسلم "بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبرة صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين، فتتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وتحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من جهة الشمال، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره"( 2 ).
`````````````````` 1 -صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة،
باب النهي عن بناء المساجد على القبور.
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه ( 1 ).
ويلاحظ النهي عن البناء على القبور في هذه الأحاديث، واللعن على ذلك؛
"فهذا التحذير منه صلى الله عليه وسلم، واللعن عن مشابهة أهل الكتاب في بناء المساجد على قبر الرجل الصالح صريح في النهي عن المشابهة في هذا، ودليل على الحذر من جنس أعمالهم؛ حيث لا يؤمن في سائر أعمالهم أن تكن من هذا الجنس،
ثم من المعلوم ما قد ابتلي به كثير من هذه الأمة؛ من بناء المساجد على القبور، واتخاذ القبور مساجد بلا بناء. وكلا الأمرين محرم، ملعون فاعله بالمستفيض من السنة"( 2 ).
`````````````````` 1 - صحيح مسلم، كتاب الجنائز،
باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه.
5- ما رواه أبو الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته" ( 1 )؛
ففي قوله: "أن لا تدع تمثالا إلا طمسته": الأمر بتغييير صور ذوات الأرواح ( 2 ).
وقوله: "ولا قبرا مشرفا إلا سويته": أي لا يرفع القبر على الأرض رفعا كثيرا، ولا يُسنَّم، بل يرفع نحو شبر، ويُسطَّح ( 3 ).
قال العلامة محمد بن علي الشوكاني رحـمه الله:
"اعلم أنه اتفق الناس سابقهم ولاحقهم، وأولهم وآخرهم، من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت: أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها، واشتد وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاعلها"( 4 ).
`````````````````` 1 - صحيح مسلم، كتاب الجنائز،
باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه.
2- انظر شرح النووي على صحيح مسلم 7- 36.
3- أضواء البيان للشنقيطي 3/ 177-178
شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكاني ص17..