من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه.
المراد بهذا الناقض:
من اعتقد أن هناك دينا أحسن من الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو هديا أكمل من هديه صلى الله عليه وسلم، أو حكما أفضل من الحكم الذي أتى به من عند ربه عز وجل، فقد كفر؛
لأنه كذَّب ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛
"من اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع؛ إما مطلقا، أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال؛ فلا ريب أنه كفر؛
لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان، وصرف نحالة الأفكار، على حُكم الحكيم الحميد"( 2 ).
````````````````````` 1 - تقدم تخريجه ص 5. 2 -رسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم ص14.
وهو أيضا من صفات المنافقين الذين قال الله عز وجل عنهم:
{وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُون}
[التوبة: من الآية 54] .
فمن أبغض وكره ما شرعه الله عز وجل، أو أبغض وكره التكاليف الشرعية -من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها- وتمنى أن الله لم يكلف بها؛ فهذا لا شك في كفره؛ لأن في صنيعه تركا للقبول والانقياد والتسليم التي تقدم الحديث عن أنها من شروط لا إله إلا الله( 1 ).
ولذلك كفَّر العلماء من اتصف بهذه الصفة، وقالوا: "تكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع" ( 2 ).
فهؤلاء، كرهوا ما أنزل الله من القرآن -وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم- فلم يقبلوه، بل أبغضوه، ورفضوه فأحبط الله أعمالهم، والأعمال لا تحبط إلا بالكفر الذي يناقض الإيمان.
الناقض السادس [ من نواقض الإسلام ] من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثوابه، أو عقابه.
المراد بهذا الناقض:
منتجرأ بكلام فيه غض من دين الله، أو تنقص له، أو استهزاء به، أو تنقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو استهزاء به، كفر بإجـماع علماء المسلمين ( 1 ).
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله-:
ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك؛ فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر - ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء - إجـماعا ( 2 ).
ويقول الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله :
اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأبالله، أو رسوله، أو كتابه، فهو كافر، وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء ( 3 ).
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
فإن الاستهزاء بالله ورسوله كفر مخرج عن الدين؛
لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله ، وتعظيم دينه ، ورسله.
والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة"( 4 ).
```````````````````` 1 - انظر الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص513.
2 - تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان ص617.
وانظر: روضة الطالبين للنووي 10/ 64-65. والروضة الندية شرح الدرر البهية لصديق حسن خان 2/ 293.
وفتاوى العقيدة لابن عثيمين ص193.
3 - الدرر السنية في الأجوبة النجدية -لعدد من العلماء- 10/ 428.
4 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن سعدي 3/ 259.
فائدة: سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحـمه الله:
هل تنطبق الآيتان السابقتان على الذين يسخرون ويستهزئون بالذين يعفون لحاهم، ويلتزمون بدين الله؟
فأجاب رحـمه الله :
"هؤلاء الذين يسخرون بالذين يلتزمون بدين الله، المنفذين لأوامره، إذا كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع، فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر.
أما إذا كانوا يستهزئون بهم، يعنون أشخاصهم - بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة في الثياب واللحية؛ فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه، بغض النظر عن عمله وفعله.
لكن يجب على كل إنسان أن يحذر من الاستهزاء بأهل العلم، أو الاستهزاء بأهل الدين الذين يتمسكون بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " ( 1 ).
المقصود من مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين:
أن يتخذ البعض الكفار والمشركين أولياء، فيكونوا لهم أنصارا وأعوانا ضد المسلمين، وينضمون إليهم، ويذبون عنهم بالمال والسنان والبيان؛ فهذا كـفر يناقض الإسلام.
والله عز وجل نهانا في آيات كثيرة أن نتخذ الكفار والمشركين أولياء، ومن معاني هذه الولاية التي نهينا أن نصرفها لهم: المحبة، والمودة الدينية، والنصرة، والتأييد على المسلمين ( 1 ).
أي لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار
ظهرا وأنصارا توالونهم على دينهم،
وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين
وتدلونهم على عوراتهم؛
فإنه من يفعل ذلك فقد برئ من الله، وبرئ الله منه
بارتداده عن دينه،
ودخوله في الكفر؛
إلا أن تكونوا في سلطانهم،
فتخافونهم على أنفسكم،
فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم،
وتضمروا لهم العدواة،
ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر،
ولا تعينوهم على مسلم بفعل ( 2 ).
أي لا تتخذوا أيها المؤمنون اليهود والنصارى أولياء،
ومن يفعل ذلك منكم فإنه منهم؛
لأن "التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم والتولي القليل يدعو إلى الكثير،
ثم يتدرج شيئا فشيئا،
حتى يكون العد منهم" ( 3 ).
``````````````````` 1- انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 160-161. 2-انظر جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير الطبري 3/ 227. 3-تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي 2/ 304.
من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج
عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما وسع الخضر عليه السلام
الخروج عن شريعة موسى عليه السلام
المراد بهذا الناقض:
يعتقد البعض أن بالإمكان الخروج عن شريعة نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم
ومخالفته، والاستغناء عن متابعته
في عموم أحواله أو بعضها، زاعمين أن في قصة الخضر عليه السلام حجة لهم ( 1 ).
ولا ريب أن هذا الاعتقاد كفر مخرج عن الملة.
يقول الشيخ موسى بن أحمد المقدسي:
من اعتقد أن لأحد طريق إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم،
أولا يجب عليه اتباعه،
أو أن له أو لغيره خروجا عن اتباعه
وأخذ ما بعث به،
أو قال:
أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن،
أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة،
أو قال:
إن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعته
كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى،
أو أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم
أكمل من هديه، فهو كافر"( 2 ).
``````````````````` 1-انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 422.
ختم شيخ الإسلام
محمد بن عبد الوهاب رحـمه الله
مبحث النواقض بقوله:
ولا فرق في جميع هذه النواقض
بين الهازل، والجاد، والخائف، إلا المكره.
وكلها من أعظم يكون خطرا،
ومن أكثر ما يكون وقوعا،
فينبغي للمسلم أن يحذرها،
ويخاف منها على نفسه. نعوذ بالله
من موجبات غضبه، وأليم عقابه،
وصلى الله على محمد.
وكلامه - رحـمه الله -
بعدم التفريق بين الهازل والجاد في محله،
ويمكنك إدراكه إذا تأملت في سبب نزول الآية
{ لا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ؛
كفروا بسبب كلمة
قالوها على وجه المزاح واللعب. نسأل الله أن يعصمنا بالتقوى
إنه سميــع مجيب.
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ،
من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة( 1 ).
وهي تتضمن غاية الذل الله تعالى ، بغاية المحبة له عز وجل ؛
فمن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدا له،
ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن له عابد؛
كما قد يحب ولده وصديقه ( 2 ).
فالعبادة -إذًا-
تتضمن غاية الحب، مع غاية الذل،
كذا عرفها العلامة ابن القيم بقوله:
وعبادة الرحمن غاية حبه ...
مع ذل عابده، هما قطبان( 3 ).
فهي في مفهومها العام تعني:
" التذلل لله محبة وتعظيما،
بفعل أوامره، واجتناب نواهيه،
على الوجه الذي جاءت به شرائعه " ( 4 ).
والله عز وجل أحب إلى عبده المؤمن من كل شيء، وأعظم عنده من كل شيء.
````````````````````` 1 -انظر العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص23. 2 - انظر المصدر نفسه ص33-34. 3 - انظر النونية لابن القيم -الهراس- 1/ 95.
4 - المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين 2/ 25.
2- عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن ناسا قالوا:
يا رسول اللهّ!
ذهب أهل الدثور بالأجور،
يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم،
ويتصدقون بفضول أموالهم.
قال صلى الله عليه وسلم:
"أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به:
إن بكل تسبيحة صدقة،
وكل تكبيرة صدقة،
وكل تحميدة صدقة،
وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة،
وفي بضع أحدكم صدقة".
قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته،
ويكون له فيها أجر؟
قال صلى الله عليه وسلم:
"أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليها فيها وزر؛
فكذلك إذا وضعها في الحلال،
كان له أجر"( 1 )
وهكذا تتسع دائرة العبادة
بقدر امتداد النية المقرونة بالعمل،
حتى تشمل حياة المسلم كلها،
في يقظته ومنامة،
وفي صمته وكلامه،
وفي سعيه لمعاشه ومعاده،
ما دام العمل موافقا لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما دامت نيته ابتغاء وجه الله عز وجل.
`````````````````` 1 - صحيح مسلم، كتاب الزكاة،
باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف.
فالله عز وجل عند ظن عبده.
وعلى العبد أن يحسن الظن بربه
كي لا يصيبه القنوط من رحمة الله،
ولا اليأس من روحه عز وجل؛
فيبقى متطلعًا لما عند الله من الثواب العظيم، راغـبًا في نيل ما ادخره لعباده المؤمنين
من النعيم المقيم.
`````````````````````` 1 -انظر المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية
للدكتور إبراهيم البريكان ص140.
2 - صحيح البخاري، كتاب التوحيد،
باب قول الله تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} .
3 -صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها،
باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت.
ولكي يكون المسلم على حذر من الوقوع في أي منهما،
وحتى لا يحكم بالشرك على من لم يقع فيه؛
فلا بد له من معرفة الفرق بين النوعين،
ومن هذه الفروق ( 1 ):
1-الأكبر كفر، والأصغر أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر.
2-الأكبر يخرج صاحبه من الملة، والأصغر لا يخرجه،
وهو يتنافى
مع كمال التوحيد.
3-الأكبر محبط للأعمال كلها، والأصغر يحبط ما خالط أصله،
أو غلب على العمل.
4-الأكبر موجب للخلود في النار؛
فصاحبه إن مات عليه،
فهو خالد مخلد في النار أبدا، والأصغر لا يوجب ذلك،
فإن دخلها فهو كسائر مرتكبي الكبائر.
5-الأكبر يُحل النفوس والأموال، والأصغر لا يُحل ذلك.
6-الأكبر لا يغفر لصاحبه إن مات عليه، والأصغر يدخل صاحبه تحت الموازنة؛
فإن حصل معه حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة،
وإلا دخل النار،
ومآله الخروج منها.
`````````````````````` 1 -انظر هذه الفروق في الكتب التالية:
شرح نواقض التوحيد لحسن عواجي ص26.
والأسئلة والأجوبة في العقيدة للشيخ صالح الأطرم ص30.
والمجموع الثمين للشيخ ابن عثيمين 2/ 23-33،
والإخلاص والشرك الأصغر لعبد العزيز العبد اللطيف ص34-38،
وبعض أنواع الشرك الأصغر للدكتور عواد المعتق ص14-15،
والدين الخالص لصديق حسن خان 1/ 338.
هو دعاء غير الله؛ من الأنبياء، والأولياء، وغيرهم، فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛
فمن دعا، أو استغاث ( 1 )، أو استعان ( 2 )، أو استعاذ بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله؛
من طلب رزق، أو شفاء مريض، أو إحياء ميت، أو غير ذلك؛ فقد أشرك مع الله غيره، سواء أكان ذلك الغير نبيا، أو وليا، أو جنيا، أو غير ذلك من المخلوقات ( 3 ) .
يقول العلامة ابن القيم مُعدّدا أنواع الشرك الأكبر:
"ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى، و الاستغاثة بهم، و التوجه إليهم. وهذا أصل شرك العالم؛
فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا؛ فضلًا عمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته"( 4 ) .
````````````````````` 1 - استغاث: أي طلب الغوث؛ وهو إزالة الشدة. والفرق بينها وبين الدعاء؛
أن الاستغاثة تكون من المكروب،
والدعاء يكون من المكروب وغيره.
"انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان ص214".
2 - الاستعانة: طلب العون. وقد تكون في جلب منفعة، أو دفع مضرة.
3 - انظر: تيسير ذي الجلال والإكرام للقحطاني ص26،
وبيان الشرك ووسائله عند علماء الحنابلة
لمحمد بن عبد الرحمن الخميس ص14.
والآن، وبعد أن عرفنا نوعي الدعاء، نقول: إن شرك الدعاء يقع في هذين النوعين؛ إما شرك في المسألة والطلب، أو شرك في العبادة والثناء.
````````````````````` 1 - انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية 2/ 778.
وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص223.
2- انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/ 778.
إذا توجه الإنسان بواحد من هذين النوعين لأحد غير الله عز وجل؛ فقد أشرك.
فيقع الشرك في النوع الأول؛ دعاء العبادة؛ إذا صرف العبد شيئا من العبادة لغير الله عز وجل،
يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
"فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفرا مخرجا عن الملة؛
فلو ركع إنسان، أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود، لكان مشركا خارجا عن الإسلام( 1 ).
ويقول الإمام أحـمد بن علي المقريزي:
فالشرك به في الأفعال: كالسجود لغيره سبحانه،
والطواف بغير البيت المحرم،
وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره ( 2 ).
لأن ذلك من خصائص الألوهية؛
فمن سجد لغيره عز وجل،
أو صرف له لونا من ألوان العبادة فقد جعله لله ندًا ( 3 )،
كذا لو ذبح لغير الله تعظيما له،
وتقربا إليه، فقد أشرك شركا أكبر؛
لأن الذبح عبادة أمر الله عز وجل بها في قوله:
{فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَر}
[الكوثر: 2] ( 4 )
``````````````````` 1- فتاوى العقيدة لابن عثيمين ص398. 2-تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص58-59. 3 - انظر المصدر نفسه ص73.
4 - انظر المجموع الثمين من فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/ 148-149.
من أنواع الشرك في الألوهية والتعبد: ثانيا: شرك الشفاعة
هذا اللون من الشرك نتيجة لازمة لشرك العبادة -أحد نوعي شرك الدعاء؛
فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله عز وجل؛ فهو إنما يفعل ذلك كي يشفع له هذا الغير عند الله عز وجل، في التجاوز عن الذنوب والسيئات، أو في تحقيق الآمال، ونيل الرغبات، ظنًا منه أن الأصنام، أو الأولياء، أو غيرهم يملكون الشفاعة.
كيف يقع شرك الشفاعة ؟
يقع هذا الشرك إذا اتخذ العبد من دون الله أندادًا، فصرف لهم نوعا من أنواع العبادة، أو كلها،
وتوجه بهم، وتقرَّب بعبادتهم إلى الله، زاعمًا أن معبوداته هذه تشفع له عند الله، وتقرّبه منه زلفى.
هو أن ينوي العبد ويريد ويقصد بعمله جملة وتفصيلا غير الله عز وجل.
أو هو العمل الصالح للدنيا فقط. أو هو الذي يعمل العمل من غير إيمان، أو كان غرضه وهدفه الحياة الدنيا فقط ( 1 )؛
فمن كان غرضه الدنيا لا غير، لا يريد إلا إياها، ولا يحب ولا يبغض إلا من أجلها، ولا يوالي ولا يعادي إلا عليها؛ فليس له في الدنيا إلا ما قُدّر له وهو في الآخرة من أهل النار.
هو أن ينوي العبد ويريد ويقصد بعمله جملة وتفصيلا غير الله عز وجل.
أو هو العمل الصالح للدنيا فقط. أو هو الذي يعمل العمل من غير إيمان، أو كان غرضه وهدفه الحياة الدنيا فقط ( 1 )؛
فمن كان غرضه الدنيا لا غير، لا يريد إلا إياها، ولا يحب ولا يبغض إلا من أجلها، ولا يوالي ولا يعادي إلا عليها؛ فليس له في الدنيا إلا ما قُدّر له وهو في الآخرة من أهل النار.
مساواة غير الله بالله في التشريع والحكم ( 1 ). أو طاعة العلماء والأمراء في المعصية، مع استحلال ذلك( 2 )؛
فكل من أطاع مخلوقا في تحريم الحلال، أو تحليل الحرام؛ فهو مشرك شرك طاعة.
يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
إن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم ( 3 ).
```````````````````` 1 - انظر المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص155.
2 - انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص553. وبيان الشرك ووسائله عند علماء الحنابلة للخميس ص15.
فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لسنا نعبدهم!
قال صلى الله عليه وسلم: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه"؟
قال عدي: بلى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فتلك عبادتهم " ( 2 ).
3- قول الله عز وجل:
{فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيمًا}
[النساء: 65] ؛
فنفى عز وجل الإيمان
عن المعرضين عن الاحتكام إلى شرعه،
وأقسم بنفسه سبحانه وتعالى
أنه لن يؤمن أحد حتى يحكم بما جاء به الرسول
صلى الله عليه وسلم،
وحتى ينتفي عن صدره الضيق والحرج من ذلك.( 3 ).
``````````````````` 1 -انظر جامع البيان للطبري 6/ 354.
2 - أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، كتاب التفسير،
باب: ومن سورة التوبة. وحسَّنه.
3 -انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص567.
1- الطاعة في تحكيم القوانين الوضعية بدلا من الشريعة الإسلامية، والاحتكام إليها.
2- الطاعة في تحليل ما عُلم تحريمه من دين الإسلام بالضرورة؛ مثل الربا، والزنا، والتبرج، والسفور، والقمار، ونحو ذلك من سائر المعاملات المنصوص على تحريمها، ولا مجال للاجتهاد فيها.
3- الطاعة في تحريم ما أحل الله وأباحه؛ مثل أكل اللحوم، وتعدد الزوجات، والملكية الفردية، وغير ذلك.
وعن هذه الأمثلة يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله؛ فكل تشريــع من غيره باطل،
والعمل به بدل تشريع الله - عند من يعتقد أنه مثله، أو خير منه -، كفر بواح، لا نزاع فيه"( 1 ).
خاتمة لهذا النوع:
علماء الأمة الإسلامية اتفقوا
على أن الحكم لله عز وجل وحده ؛
لأنه المالك للخلق وحده ؛
فله الحكم والأمر فيهم بما شاء.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله:
"أما استحقاق نفوذ الحكم؛
فليس إلا لمن له الخلق والأمر.
فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه، ولا مالك إلا الخالق عز وجل،
فلا حكم ولا أمر إلا له.
أما النبي صلى الله عليه وسلم، والسلطان،
والسيد، والأب، والزوج،
فإذا أمروا وأوجبوا، لم يجب شيء بإيجابهم،
بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم؛
لولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا،
كان للموجب عليه أن يقلب عليه الإيجاب؛
إذا ليس أحدهما أولى من الآخر.
فإذًا: الواجب طاعة الله تعالى ، وطاعة من أوجب الله طاعته( 2 ).
سبق أن ذكرنا أن العبادة تقوم على ثلاثة أركان،
أحدها المحبة ( 1 ).
وهي محبة العبودية التي تستلزم الذل لله،
والخضوع له، وتعظيمه،
و طاعته، وإيثاره على غيره عز وجل.
وهذه المحبة هي المحبة الواجبة؛
إذ المحبة ثلاثة أنواع:
أولا: أنواع المحبة:
المحبة ثلاثة أنواع:
1- محبة واجبة:
وهي التي سبقت الإشارة إليها؛
محبة طاعة الله، والانقياد له ( 2 )؛
وهي محبة العبودية
المستلزمة للذل والخضوع، وكمال الطاعة،
وإيثار المحبوب على غيره؛
فهذه المحبة خالصة لله، لا يجوز أن يُشرك معه فيها أحد( 3 ).
2- محبة محرمة، أو شركية:
وهي صرف تلك المحبة الواجبة لله عز وجل، إلى غيره؛
فمن أحب غير الله حب ذل وخضوع،
فقدم طاعته على طاعة الله،
وآثر محابه على محاب الله، فقد جعله ندا لله.
وعنها يقول شيخ الإسلام
محمد بن عبد الوهاب رحـمه الله:
إن من اتخذ ندا تساوي محبته محبة الله،
فهو الشرك الأكبر ( 4 ).
وهذه المحبة: قليلها وكثيرها ينافي محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم( 5 ).
3- محبة طبيعية، أو جِبلية:
وهذه مباحة، ما لم تصل إلى تعظيم المحبوب إلى الحد الذي لا يليق إلا بالله عز وجل.
ومن أمثلة هذه المحبة: حب الإنسان لوطنه، والوالد لولده، والزوج لزوجه، وذي المال لماله، وغير ذلك.
يعترض بعض الواقعين في هذا النوع من الشرك: بأنهم يحبون الله حبا شديدا، ربما أشد من حبهم لأندادهم ، فأين الشرك في ذلك؟.
وعلى شبهتهم هذه
رد العلامة ابن القيم رحـمه الله بقوله:
وترى المشرك يكذّب حاله وعمله قوله؛
فإنه يقول:
لا نحبهم كحب الله، ولا نسويهم بالله،
ثم يغضب لهم ولحرماتهم إذا انتهكت أعظم مما يغضب لله،
ويستبشر بذكرهم، ويتبشبش به،
سيما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم؛ من إغاثة اللهفان، وكشف الكربات، وقضاء الحاجات،
وأنهم الباب بين الله وبين عباده؛ فإنك ترى المشرك يفرح ،
ويُسر، ويحن قلبه،
وتهيج منه لواعج التعظيم والخضوع لهم والموالاة،
وإذا ذكرت له الله وحده،
وجرّدت توحيده، لحقته وحشة، وضيق، وحرج ، ورماك بنقص الإلهية التي له،
وربما عاداك ( 1 ).
وهو الخوف مما يخاف منه طبعا؛
كالخوف من السبع، كالأسد ونحوه،
والعدو المبغت، وغير ذلك، مع اعتقاد أن النفع والضر
بيد الله وحده.
وهذا الخوف مباح، وهو غير مذموم.
وقد وقع لموسى عليه السلام،
يقول تعالى حاكيا عنه:
{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ
قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
[القصص: 21] .
``````````````````` 1 - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان ص69-70.
2 -انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص489.
والإرشاد للفوزان ص67.
وسمي اعتقاديا لأن محله القلب وهو: الخوف من غير الله أن يؤثر فيه، أو يصيبه بما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ من مرض، أو منع رزق، أو إصابة بفقر، أو نحو ذلك .....،
كما قال الله عن قوم هود عليه السلام إنهم قالوا له: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}
[هود: 54]( 1 ).
وهذا الخوف هو الخوف الشركي؛ فمن وقع فيه وقع في الشرك الأكبر.
ما منعك إذ رأيت المنكر أن لا تغيره؟
فيقول: رب خشية الناس؛
فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى"( 2 ).
خاتمة :
أنواع الشرك في الألوهية كثيرة تتعلق بعبادته عز وجل ومعاملته؛
فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله عز وجل؛ فقد وقع في هذا النوع من أنواع الشرك،
سواء أكانت العبادة المصروفة لغير الله: نذرا، أوذبـحًا، أو سجودا، أو حبا، أو ذلًا، أو توكلا، أو رجاء، أوخوفًا، أو دعاء، أو غير ذلك.
``````````````````` 1 -انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص488. والأسئلة والأجوبة في العقيدة للشيخ صالح الأطرم ص39. والإرشاد للشيخ صالح الفوزان ص66.
2 -أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/ 27، 29، 77، وابن ماجه في السنن، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم 1814.
وانظر فتح المجيد ص489.
يعرف الشرك الأصغر بأنه: مساواة غير الله بالله في هيئة الفعل وأقوال اللسان.
أو: كل ما أطلق عليه الشرع وصف الشرك، لكنه لا يخرج من الملة ( 1 ).
يقول الشيخ عبد الرحـمن بن سعدي رحـمه الله:
وأما الشرك الأصغر؛ فهو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها إلى الشرك؛ كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة؛ وكالحلف بغير الله، وكيسير الرياء، ونحو ذلك ( 2 ).
`````````````````` 1- انظر: المجموع الثمين من فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/ 27. والإخلاص والشرك الأصغر لعبد العزيز العبد اللطيف ص30.
2- انظر القول السديد شرح كتاب التوحيد لابن سعدي ص24.