1- دعاء المسألة ،
وهو طلب ما ينفع ، أو طلب دفع ما يضر ،
بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة ،
ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة .
كالدعاء بالمغفرة والرحمة ، والهداية والتوفيق ،
والفوز بالجنة ، والنجاة من النار،
وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا ،
وحسنة في الآخرة ... إلخ .
2- دعاء العبادة ،
والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى ،
بأي نوع من أنواع العبادات ،
القلبية أو البدنية أو المالية ،
كالخوف من الله ومحبة رجائه والتوكل عليه ،
والصلاة والصيام والحج ،
وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ،
والزكاة والصدقة والجهاد في سبيل الله ،
والدعوة إلى الله ،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..... إلخ .
فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى .
والغالب أن كلمة (الدعاء) الواردة في آيات القرآن الكريم
يراد بها المعنيان معاً ؛ لأنهما متلازمان ،
فكل سائل يسأل الله بلسانه فهو عابد له ،
فإن الدعاء عبادة ،
وكل عابد يصلي لله أو يصوم أو يحج
فهو يفعل ذلك يريد من الله تعالى الثواب
والفوز بالجنة والنجاة من العقاب .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء ،
والنهي عن دعاء غير الله ، والثناء على الداعين ،
يتناول دعاء المسألة ، ودعاء العبادة" انتهى .
"القواعد الحسان" (رقم/51) .
وقد يكون أحد نوعي الدعاء
أظهر قصدا من النوع الآخر في بعض الآيات .
وعلى هذا فقوله :
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ)
يتناول نوعي الدُّعاء ... وبكل منهما فُسِّرت الآية .
قيل : أُعطيه إذا سألني ، وقيل : أُثيبه إذا عبدني ، والقولان متلازمان .
وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما ، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ؛ بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعاً .
فتأمَّله ؛ فإنّه موضوعٌ عظيمُ النّفع ، وقلَّ ما يُفطن له ، وأكثر آيات القرآن دالَّةٌ على معنيين فصاعداً ، فهي من هذا القبيل .
ومن ذلك قوله تعالى : (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) الفرقان/77 أي : دعاؤكم إياه ، وقيل : دعاؤه إياكم إلى عبادته ، فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول ، ومحل الأول مضافاً إلى الفاعل ، وهو الأرجح من القولين .
وعلى هذا ؛ فالمراد به نوعا الدُّعاء ؛ وهو في دعاء العبادة أَظهر ؛ أَي : ما يعبأُ بكم لولا أَنّكم تَرْجُونَه ، وعبادته تستلزم مسأَلَته ؛ فالنّوعان داخلان فيه .
ومن ذلك قوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60 ، فالدُّعاء يتضمن النّوعين ، وهو في دعاء العبادة أظهر ؛
ولهذا أعقبه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) الآية ، ويفسَّر الدُّعاء في الآية بهذا وهذا .
وروى الترمذي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول على المنبر : إنَّ الدُّعاء هو العبادة ، ثمّ قرأ قوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية ،
قال الترمذي : حديث حسنٌ صحيحٌ .
وأمَّا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية ، الحج/73 ،
وهو سببُ النّزول ، قالوا : كان النّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو ربه فيقول مرَّةً : يا الله . ومرَّةً : يا رحمن . فظنَّ المشركون أنَّه يدعو إلهين ، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ .
فالإنسان إذا آمن بأن الله عز وجل هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المعطي، المانع، الضار، النافع، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، فلا بد أن ينتهي به الأمر إلى أنه المعبود بحق وحده، لا شريك له؛
فيخضع قلبه له محبة، وإنابة، وذلا، وخوفا، وخشية، وتوكلا؛
إذ كيف يعبد، أو يخاف، أو يحب محبة عبادة، أو يتوكل على مخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
هي "أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا. فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم، عُبدت" ( 1 )، كما قال الحبر ابن عباس رضي الله عنهما.
فالشرك طارئ على البشرية، وأول ما وقع في قوم نوح عليه السلام، بعد ألف سنة من آدم عليه السلام.
```````````````````` 1 - صحيح البخاري، كتاب التفسير،
باب: {وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} .
فأنواع التوحيد إذًا ثلاثة. وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة في آية واحدة من كتاب الله عز وجل؛ في قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[مريم: 66] .
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله موضحا ذلك:
"فقوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} هذا توحيد الربوبية.
وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} هذا توحيد الألوهية.
وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} هذا توحيد الأسماء والصفات؛
أي: لا تعلم له سميا؛ أي: مساميا يضاهيه ويماثله عز وجل" ( 1 ).
هو الاعتقاد والاعتراف والإقرار الجازم بأن الله وحده رب كل شيء ومالكه، وخالق كل شيء ورازقه، وأنه المحيي والمميت، والنافع والضار، المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، ليس له في ذلك شريك ( 1 ).
````````````````````` 1 - انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ص33.
هل يكفي توحيد الربوبية وحده ؟ وهل يُدخل صاحبه في الإسلام ؟ لا يكفي توحيد الربوبية وحده، ولا يُدخل صاحبه في الإسلام، ولذلك قاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أقرَّ به، وصرف العبادة لغير الله.
توحيد الإلهية، أو العبادة: هو توحيد عملي؛ فيه أمر بفعل يصرف لواحد؛ وهو الله سبحانه وتعالى،
أو نهي عن فعل يترك لأجل واحد، هو الله عز وجل؛ فهو توحيد في الطلب والقصد، أو توحيد إرادي طلبي، فيه دعوة إلى عبادة الله وحده، وخلع ما يُعبد من دونه( 1 ).
```````````````````` 1-انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص42-43.
عرف العلماء توحيد "الألوهية" بأنه "إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، قولا وعملا، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله تعالى كائنا من كان"( 1 ).
```````````````````` 1- أعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص51.
وانظر المجموع الثمين للشيخ ابن عثيمين / 11.
هذا التوحيد هو الذي أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل الكفار عليه ( 1 )؛
يقول صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" ( 2 ).
و"لا إله إلا الله" هو معنى توحيد الألوهية، كما سيأتي.
```````````````````` 1- انظر المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 2/ 11-12.
2- صحيح مسلم، كتاب الإيمان،
باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فلا إله إلا الله" اشتملت على نفي وإثبات؛ فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى؛ فكل ما سواه من الملائكة، والأنبياء، فضلا عن غيرهم؛ فليس بإله، ولا له من العبادة شيء.
وأثبتت الإلهية لله وحده؛ بمعنى أن العبد لا يأله غيره؛ أي لا يقصده بشيء من التأله؛ وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة؛ كالدعاء، والذبح، والنذر، وغير ذلك ( 1 ).
فالنفي إذن: نفي الإلهية واستحقاق العبادة عن كل ما سوى الله عز وجل.
والإثبات: إثبات الإلهية واستحقاق العبادة لله عز وجل وحده، لا شريك له( 2 ).
" إن الله حرم على النار
من قاللا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " ( 2 ).
4- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أسعد الناس بشفاعتي
من قاللا إله إلا الله خالصًا من قلبه" ( 3 ).
``````````````````````
1- انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما
للشيخ ابن جبرين ص83-84.
2- صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت،
وكتاب الرقاق، باب العمل الذي أبتغي به وجه الله.
3 - صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار.
وأن كل المعبودات سوى الله باطلة، وجدت نتيجة جهل المشركين وضلالهم؛
فمن أقرهم على شركهم، أو شك في بطلان ما هم عليه؛ فليس بموحد، ولو قال لا إله إلا الله، ولو لم يعبد غير الله ( 1 ).
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحـمه الله عن الكفر بما يعبد من دون الله:
"وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله؛ فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال؛ بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله.
فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه"( 2 ).
```````````````````` 1- انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما
للشيخ ابن جبرين ص78.
من جعل وسائط وشفعاء بينه وبين الله، يدعوهم مع الله، أو من دون الله، أو يسألهم الشفاعة، أو يتوكل عليهم ( 1 ).
المراد بهذا الناقض:
أن يجعل العبد لنفسه واسطة بينه وبين الله عز وجل، فيما لا يقدر إلا الله ،
أو فيما لا يشرع ولا يجوز للعبد أن يجعله واسطة؛ كطلب الرحمة والمغفرة، و دخول الجنة، و طلب الشفاء، و الرزق من غير الله سبحانه وتعالى؛ فهذا من الشرك الأكبر ( 2 ).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحـمه الله عن هذا الناقض:
فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار؛ مثل أن يسالهم غفران الذنوب، و هداية القلوب، و تفريج الكروب، و سد الفاقات؛ فهو كافر بإجـماع المسلمين( 3 ).
لأن الثمرة التي يريد أن يصل إليها من يجيز جعل الوسائط بين العبد وربه، هو إثبات الاستغاثة والاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله. وهذا هو الشرك بعينه( 4 ).
```````````````````` 1- سيأتي الحديث عن هذا الناقض مفصلا في الباب الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
2 - انظر تيسير ذي الجلال والإكرام بشرح نواقض الإسلام
لسعد بن محمد القحطاني ص44.