هوامش على كتاب:إثبات تواتر القراءن دون الحاجة إلى اللهجات والقياس في القراءات

إنضم
14/06/2010
المشاركات
159
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ،وبعد :فهذه هوامش على كتاب [إثبات تواتر القرءان دون الحاجة إلى اللهجات والقياس في القراءات] جعلتها على شكل وقفات والتزمت فيها بالمنهجية التالية:
1 - تجنبت فيها أسلوب الردود الذي يتسم عادة بالتجريج والنقد من أجل النقد
2 - التزمت فيها بنقل كلام المؤلف في المسائل التي أردت التعليق عليها
3 - علقت على المسائل حسب ورودها في كلام المؤلف، وربما كررت التعليق عليها بسب تكرر ورودها في كلامه، وربما أحلت عليها تفاديا للتكرار
4 - حصرت كلامي فيها في مسائل القراءات والقياس واللهجات وما يتصل بذلك، وأعرضت عما سوى ذلك،
هذا وقد وقفت في هذا الملتقى على بعض الردود التي نقدت الكتاب من زوايا مختلفة،ولعل هذه الهوامش وتلك الردود تزيل غبار الشبهات التي أثارها المؤلف حول بعض المسائل،والله تعلى نسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه،إنه سميع مجيب
الوقفة الأولى:
قال المؤلف ((الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد فإن القرءان المتواتر جملة وتفصيلا دون الحاجة إلى خلاف اللهجات كالإدغام والتسهيل بأنواعه ونوعي الإمالة والإشمام والروم، وكذلك دون الحاجة إلى الخلاف اللغوي والذي لا علاقة له بالمعنى كوجهي يحسب، وهو وهي المسبوقة بواو أو فاء أو لام ونحوها، ومثل الفتح والإسكان في ياءات الإضافة المختلف فيها، والحذف والإثبات في الزوائد المختلف فيها، ومثل وجهي (الملائكة اسجدوا) والتأنيث والتذكير والخطاب والغيب وغالب الجمع والإفراد، ومثل وجهي (القدس) و(أكل) و(خطوات) ومثل تعدد اللغات في جبريل وميكال، وكذلك تواتر القرءان في كل خلاف معنوي، وفي كل زيادات في المبنى وتركها، كل على حدة مثل وجهي و(صى) و(فتنوا) النحل (وأرجلكم) و(يطهرن) و(ترجعون) بمعنى البعث، ومثل زيادة (هو) قبل الغني في الحديد وكقراءات (وأن يظهر في الأرض الفساد) وشبهه.
أقول لو تركنا جميع لهجات القسم الأول واكتفينا بالأصل الذي أثبتنا تواتره كما سيأتي قريبا، وكذلك لو اكتفينا بأحد وجهي الخلاف اللغوي الذي لا علاقة له بالمعنى في القسم الثاني لتم انقراض كثير من الروايات والقراءات ولما تأثر تواتر القرءان الذي يجب أن يتمسك بخلافه المعنوي كما هو القسم الثالث، وأن تتعدد بحسبه المصاحف والتلاوة،إن القضاء على الخلاف في القسم الأول ضروري لأنه خطوة ومشاركة في إنقاذ آية(ولقد يسرنا القرءان للذكر) المكررة في القمر بدل هذه اللهجات التي قلبت المعادلة وجعلت التمسك بها عائقا أمام إتقانالقرءان والتفرغ لخلافه المعنوي، وإن القضاء على الخلاف في القسم الثاني غير ضروري لكنه مشاركة في التيسير ولعلهما المقصودان بقول ابن الجزري النشر ("1/32" فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة ...إلخ)).هـ
أقول: هذه هي المقدمة التي بدأ بها المؤلف كتابه، وقد رأيت أن انقلها برمتها ليقف القارئ على منهجه في العرض والاستدلال، أما ماورد في هذه المقدمة ، فيجاب عنه من أوجه:
الوجه الأول: أن اللهجات العربية ،جزء من اللغة التي نزل بها القرآن،فلا يمكن أن تنفصل عنها،لأن العلاقة بينهما علاقة تلازم، وقد نص علماء القراءات على هذا المعنى،حين اشترطوا في صحة القراءة أن يصح سندها وتوافق الرسم ولو احتمالا، وتوافق اللغة ولو بوجه،سواء أكان أفصح أم فصيحا ،مجمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لايضر مثله ،إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوام([1] )،ولعل هذا هو السر في أن المؤلف ألغى هذه الأركان،لاشتمالها على هذا الركن ، لأن القضاء على اللهجات لايمكن الوصول إليه إلا بهذه الطريقة التي سيذكر المؤلف أنها إحدى نتائج تحقيقاته،ثم إن هذه اللهجات أقرب إلى اللغة التي نزل بها القرآن من كثير من الكلمات التي يسميها العلماء بالْمًعَرَّبِ، ك(مشكاة) و(قسطاس) و(إستبرق) فالأولى كلمة هندية ،والثانية كلمة رومية، والثالثة كلمة فارسية([2])، ولم ينقل عن أحد من المتقدمين أنه هم بتصفية القرآن من هذه الكلمات التي ترجع في أصولها إلى لغات العجم ،أفلا يسع المؤلف ما وسع غيره من المتقدمين والمتأخرين ؟
الوجه الثاني:أن تصفية القرءان من اللهجات أمر غيرممكن،لوجود كلمات كثيرة من القرآن لم تقرأ إلا بهذه الأوجه، التي يحلو للمؤلف ان يسميها ب"اللهجات،"ومن أمثلة ذلك:
1 - ((آلذكرين)) في الانعام و((آلله)) في يونس والنمل و((الآن)) في موضعي يونس ،فقد اتفق القراء العشرة على قراءة الهمزة الثانية من هذه الكلمات الثلاث في مواضعها الستة بوجهين،أحدهما تسهيلها بين بين، وثانيهما إبدالها ألفا مع المد الطويل،ولم يقرأ أحد منهم بتحقيقها كما سيأتي
2 - :إجماع القراء على الادغام في مواطن كثيرة،منها ما أشار إليه الشاطبي بقوله:
ولا خلف في الادغام إذ ذل ظالم وقد تيمت دعد وسيما تبتلا
وقامت تريه دمية طيب وصفها وقل بل وهل:راها لبيب ويعقلا
ومنها (يدرككم) و(واضرب بعصاك) وماكان مثله مما سكن فيه أول المثلين في كلمة واحدة أو في كلمتين وهو كثير في القرآن، ومنها إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء بغير غنة،وإدغامهما في حروف (ينمو) بغنة، ومنها:الإدغام في(الضالين) و( صواف)ونحوه،ويشملكثيرا من كلمات القرآن ،فهذا كله يدلك على أن تواتر القرآن لاينفك عن هذه اللهجات، وإلا فقل لي فيكف يتأتى أداء هذه الألفاظ التي لم تنطق بها العرب إلابهذه الكيفية، ولم ينقل فيها عن أحد من القراء غير ما ذكر
الوجه الثالث: أن هذه النظرية غير قابلة للتطبيق،وقد ظهر ذلك بشكل واضح في خاتمة الكتاب ا حين اقترح المؤلف أن تعتمد رواية حفص في الإقراء، لقلة اللهجات فيها، فلم يلبث أن اصطدم بالتسهيل في ((أأعجمي))، والروم والاشمام في((تأمنا))([3]) فاختار التحقيق في ((أأعجمي)) موافقة لبعض القراء، واختار الادغام في ((تأمنا)) موافقة لأبي جعفر،فوقع فيما فر منه،لأن لإدغام صنو الروم والاشمام، ولأنه يلزم على الادغام في (تأمتا) تحقيق الهمزة لحفص،ولا يخفي ما في ذلك،لأن الجمع بين التحقيق والإدغام المحض لم يقرأ به أحد من العشرة من الطرق المشهورة المقروء بها،فلم يبق من سبيل إلا أن يقول بجواز القراءة بالإ ظهار،وتلك ثالثة الأثافي،لأن الإظهار لم يقرأ به في المتواتر .
الوجه الرابع:أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقِرُّ قراءات أصحابه للقرءان على اختلاف لهجاتهم، وما أقره لا يمكن إلا أن يكون وحيا منزلا من عند الله، فقدتواترر فيما تواتر من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم أقرأ هشام ابن حكيم سورة الفرقان على وجه لم يقرئ عليه عمر ابن الخطاب ، فسمع عمر قراءة هشام فأنكرها، فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ يا هشام ) فقرأ، فقال (هكذا أنزلت)، ثم قال (اقرأ ياعمر) فقرأ (فقال هكذا أنزلت)([4])
واماقوله:((وكذلك دون الحاجة إلى الخلاف اللغوي والذي لا علاقة له بالمعنى كوجهي يحسب، وهو وهي المسبوقة بواو أو فاء أو لام ونحوها)) فسيأتي الجواب عنه.
وأما قوله(( إن القضاء على الخلاف في القسم الأول ضروري لأنه خطوة ومشاركة في إنقاذ آية(ولقد يسرنا القرءان للذكر) المكررة في القمر بدل هذه اللهجات التي قلبت المعادلة وجعلت التمسك بها عائقا أمام إتقان القرءان والتفرغ لخلافه المعنوي، وإن القضاء على الخلاف في القسم الثاني غير ضروري لكنه مشاركة في التيسير )).
فيجاب عنه بأن اختلاف الأوجه ليس بالأمر الذي يعكر على علي قاعدة التيسير التي أشارت إليها الآية، وذلك أن الله تعلي جعل في طبائع البشر نوعا من التباين في العقل والإدراك والفهم، وهذا الاختلاف لا يناسبه إلا كثرة الأوجه وتعدد الروايات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في حد ذاته مظهر من مظاهر التيسير، وسياتي مزيد بيان لهذه المسالة

[1] انظر: النشر 1/13 وإتحاف فضلاء البشر، ص.18.

[2] انظر المعرب فيما وقع في القرآن من المعرب:للإمام السيوطي ص:27

[3] من المعاني اللطيفة أن لقاريء حين يلفظ بهذه الكلمة ،تضظرب شفتاه، نوع اضطراب، فكأنه يحكي حال إخوة يوسف حين قالوا لأبيهم ماقالوا .

[4] الحديث رواه البخاري في كتاب التفسير باب( لقد جاء كم رسول من أنفسكم ) 8/194، وفي كتاب الجهاد: باب قول الله عز وجل( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)6/26، وفي كتاب المغازي، باب: غزوة أحد وقول الله( وإذ غدوت من أهلك..)9/400،وفي كتاب التفسير، باب ( فمنهم من قضي نحبه..)8/377، وفي باب جمع القرآن 9/626،وفي باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم،8/637، وفي كتاب الأحكام باب:يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا،13/195، وفي كتاب التوحيد: باب : وكان عرشه على الماء 13/414، ورواه مسلم في الصحيح 6/98، ومالك في الموطا1/406.
 
هوامش على كتاب:إثبات تواتر القراءن دون الحاجة إلى اللهجات والقياس في القراءات




الوقفة الثانية
وأما قوله ((إن الجمود والانحطاط في علم القراءات بدأ مبكرا جدا بمنعطفين اثنين: أولهما: تمسك القراء بعد جيل التابعين بلغات العرب ولهجاتها، التي وسعتها الأحرف السبعة المنزلة تخفيفا على العرب الأميين، ولا يخفى انقراض الذين احتج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه أنهم لا يطيقون القراءة بلغة قريش وحدها، إذ لم يمض جيل الصحابة فضلا عن التابعين حتى لم يعد في الجزيرة قبيلة متقوقعة لا تعرف غير لغتها إذ وقع الاختلاط ونفر الرجال إلى الجهاد خارج الجزيرة، وتأثر جميع العرب بالعجم مما يعني تأثر العرب بعضهم ببعض قبل ذلك، وبعد انقراض جيل الصحابة لم يعد من قبائل العرب من لا يستطيع غير تخفيف الهمزة أو غير الإدغام الكبير أو غير قراءة نحو (حيل ، سيق، قيل) بإشمام أوائلها الضم، أو غير قراءة ذوات الياء بالإمالة الخ، وكم رأينا من القراء والمتعلمين العرب من لا يطيق التفرقة بين قسمي الإمالة ولا النطق ببين بين ولا الروم والإشمام منذ انقراض جيل التابعين إلى يومنا هذا، قال القاضي أبو العلاء في غايته ومن لم يمل عنه يعني عن أبي عمرو فعلى على اختلاف حركة فائها وأواخر الآي في السور اليائيات وما جاورها من الواويات فإنه يقرأ جميع ذلك بين الفتح والكسر، وإلى الفتح أقرب، قال ومن صعب عليه اللفظ بذلك عدل إلى التفخيم لأنه الأصل انتهى من النشر2/54. قلت يعني التفخيم الفتح الخالص وهو صريح فيما ذهبنا إليه من ضرورة قراءة القرءان باللغة الفصحى الخالية من اللهجات)).ه،فنجمل الكلام عليه فيما يلي:
أما قوله(( إن الجمود والانحطاط في علم القراءات بدأ مبكرا جدا بمنعطفين اثنين الخ..))
فيجاب عنه بأن تمسك القراء بعد جيل الصحابة والتابعين بلغات العرب ولهجاتها ليس دليلا على الجمود والانحطاط في علم القراءات،لأن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، فلا مجال فيها لرأي ولا اجتهاد،فعلي المؤلف أن يبحث عن دليل يستدل به على إثبات هذه الصفة التي لايستساغ إطلاقها على علم من أقرب العلوم صلة بكتاب الله تعلى.
وأماتقيد رخصة تعدد الأوجه بالعرب الأميين،فهو أمرليس بلازم، وإن كان الذين عاصروا نزول القرءان من العرب مقصودون بالتيسير بدرجة أولى، إلا أن التيسير يشمل غيرهم ممن لم يلحقوا بهم من الأمم ، فأيهما أقرب إلى التيسير؟ أن يحمل الناس عربا وعجما على وجه واحد من أوجه القراءة؟ أو تترك لهم حرية الاختيار في القراءة بما صح من القراءات التي تمسك بها جيل التابعين الذين تلقوها تلقيا عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟وشاهد ذلك أن شعوبا كثيرة تشارك عرب الجاهلية في صفة الأمية، وتلك الشعوب مشمولة بشريعة القرءان ومتعبدة بتلاوة حروفه، وقد يكون منها من لا يستطيع غير تسهيل الهمز بالمعنى العام للتسهيل،أولا يستطيع غير الإدغام أو نحو ذلك الأوجه التي تواترت بها القراءة،زد على ذلك أن اللهجات العربية فيها تداخل مع لغات الشعوب المجاورة لبلاد العرب، وبذلك تكون قاعدة التيسير أعم من أن تكون خاصة بالعرب الأميين.
وأما التسهيل البيني، والروم والإشمام والتفريق بين نوعي الإمالة ، فليس من أمهات المستحيل،ولا يمكن أن يكون كذلك، لأنه من الأوجه التي تواترت بها القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولأنه،داخل في حيز قوله تعلى(ولقد يسرنا القرآن للذكر) .
وإما القراء والمتعلمون العرب الذين رءاهم المؤلف واستدل بعدم قدرتهم على تحقيق تلك الصيغ ،فليسوا حجة على قراءات التنزيل، والشيء الذي نؤكده هنا أنه ليس بين معرفة ذلك وعدمها إلا رياضة اللسان والتلقي عن أهل الشأن، ،ولا يزال يوجد في هذه الدنيا أناس كُثرٌ يحكمون النطق بتلك الصيغ كما أنزلت من عند الله ، وسيبقى وجود مثل هؤلاء في مختلف الأعصار والأمصار إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن ذلك من لوازم حفظ القرءان الذي تكفل الله به ، وقد تشرفنا بلقاء بعض هؤلاء في هذه الصحراء القصوى وفي المدينة المنورة، وبلغنا خبرهم في المغرب و مصر والشام والعراق واليمن.
وأما استدل المؤلف بكلام أبي العلاء،ففيه نظر،لأن، كلامه مستل من سياق خاص،كما يعلم من الوقوف عليه، وتوضيح ذلك أن أبا العلاء كان يتحدث عن اختلاف الرواة عن أبي عمرو البصري في الفتح والإمالة، حيث قال قبل الكلام الذي نقله المؤلف (أمال أبو عمرو غير السوسي والقطيعي)[1]، ثم أورد الكلام المذكور، ثم قال بعده (ووافقه أبو بكر والقطان)[2]، ثم قال عقب ذلك (فمن صعب عليه اللفظ بذلك مال إلى التفخيم ،لأنه الأصل)[3]، فهذا هو كلام أبي العلاء في سياقه العام، وهو كما ترى بيان للأوجه التي نقلها الرواة عن أبي عمرو، ومعناه أنهم رووا عنه الفتح والإمالة جميعا ، فإذا صعب على أحدهم هذا الوجه ،عدل عنه إلى غيره،لأنه تلقى الفتح والإمالة جمعا ، وأما المعنى الذي لأجله ساق ابن الجزري كلام أبي العلاء ،فهو مغاير كل المغايرة لما أراده المؤلف، فإنه قال بعد نقله للكلام المذكور (وأشار الحافظ أبو العلاء إلى الجمع بين الروايتين في غايته...إلخ)[4]، ثم قال بعد ذلك( وكل من الفتح وبين بين صحيح ثابت عن أبي عمرو من الروايتين المذكورتين، قرأت به وبه آخذ)[5]، وعلى هذا فاستدلال المؤلف بكلام أبي العلاء استدلال في غير محله،لأنه مبني على نقل غير صحيح، فاذا تقرر ذلك،فاعلم أن الإمالة لغة عربية فصحيحة تواتر بها القرءان الكريم،ونقها الأئمة الثقاة، قال أبو القاسم الهذلي(.. وما من أحد من القراء إلا ورويت عنه إمالة قلت أو كثرت)[6]، وقال ابن الجزري:(..والإمالة لغة فاشية في قبائل العرب، كهوازن وبكر بن وائل، وسعد ابن بكر وغيرها، وهي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرءان، وكتب الصحابة المصحف على وفقها، نحو موسى وعيسى وشبهه مما كتبوه بالياء على لغة الإمالة([7])

[1] انظر:غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار لأبي العلاء الهمذاني 1/291.

[2] المصدر السابق 1/291

[3] المصدر السابق 1/291

[4] انظر:النشر 2/54

[5] المصدر السابق 2/54

[6]انظر الكامل(مخطوط) ورقة 160

[7] انظر: منجد المقرئين ص:60
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((3))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((3))

الوقفةالثالثة:

وأما قوله((وأما ثاني المنعطفين فقد بدأ مع نهاية القرن الثاني عقب قراء الأمصار، إذ خلفتهم أجيال قال عنها بن الجزري في النشر1/9: فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية، ومنهم المقصر على وصف من هذه الأوصاف،وكثر بينهم لذلك الاختلاف وقل الضبط واتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق([1]).انتهى بلفظه)).هـ
فيجاب عنه بأن كلام ابن الجزري وارد في سياق خاص،وهو أنه كان يتحدث عن قراء الأمصار من الصحابة والتابعين وغيرهم، ثم قال( ..ثم إن هؤلاء المذكورين كثروا و تفرقوا في البلاد وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم ،عرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ..) ثم عقب على ذلك بقوله (فقام جهابذة علماء الأمة وصناديد الائمة، فبالغوا في الاجتهاد،وبينوا الحق المراد، وجمعوا الحروف والقراءات ،وعزوا الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ، والصحيح والفاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها ، ونحن نشير إليها ونعول كما عولوا عليها) ثم ذكر الأركان الثلاثة وأفاض في الحديث عنها بما ينبغي الوقوف عليه.
وأما قوله (( وخلص بعد ذلك ابن الجزري الى أن هذا كان السبب في تأصيل أصول وأركان القراءات التي هي صحة السند وموافقة وجه من النحو والرسم،واعتبار خلو القراءة من أحد هذه الأركان الثلاثة عند أئمة التدوين منذ القرن الثالث دليلا قويا لوصفها بالشذوذ، أي: عن أداء المصاحف العثمانية))هـ.
فيجاب عنه بأنه كلام وارد في سياق الحديث عن نشأة علم القراءات،ومراحل تطوره،أما الأركان الثلاثة، فسيأتي الحديث عنها.
وأما قوله:(( قلت وإنما كانت هذه الأركان ميزانا وضعه المصنفون الأوائل الذين كانوا يجمعون ما وصل إليهم من القراءات، ولقد كانت هذه الأركان لحفظ القراءات والروايات وضابطا لقبول انشطارها وتعدده))هـ.
فيجاب عنه بأن تنويه القراء بهذه الاركان واشتهارها في كتبهم، لا يعني أنهم وضعوها من عند أنفسهم، بل هي محل إجماع ممن سبقهم،كما سيأتي بيانه، وأول من ذكرها –فيما رأيت- أبو عبيد :القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ ، فيما نقل عنه ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء([2])، ثم اشتهرت بعد ذلك في كتب القراء والمصنفين، فقد ذكرها ابن جرير الطبري([3]) المتوفى سنة :310 هـ ،ومكي بن أبي طالب الموفى سنة 437هـ ،والمهدوي المتوفى سنة 330 هـ ،والداني المتوفى سنة 444هـ، وأبو شامة 665هـ، والكواشي 680هـ، وإليها أشارابن الجزري في الطيبة بقوله:
وكل ما وافق وجها نحوي = وكان للرسم احتمالا يحـوي
وصح إسنادا هو القرآن = فـــهذه الثــــــــــــــــــــــــلاثـة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبتي = شذوذ، لو أنه في السبــعة
وقال في النشر في معرض حديثه عنها ( ..هذا هو الصحيح عن الأئمة المحققين من السلف والخلف)([4]) ،وهو كما قال رحمه الله تعالى- فإن هذه الأركان تستند إلى أساس متين، فأما موافقة القراءة للرسم فمحل إجماع من الصحابة ، وأما موافقة القراءة لوجه من أوجه اللغة، فأمر أوضح من أن يستدل عليه، وأما صحة السند فأمرها مشهور معروف يكفي من الاستدلال عليه الإشارة إلى قصة خزيمة ابن ثابت الذي شهد على آية لم توجد عند غيره فقبل الصحابة شهادته ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين في قصة معروفة ، فأثبت الصحابة الآية بذلك([5].)
وأما قوله(( ..إذ كانوا يكتفون بصحة السند إلى أحد أئمة المصنفين وأئمة القراءات ،))هـ.
فيجاب عنه، بأنهم إنما فعلوا ذلك،لأن صحة أسانيد الأئمة والمصنفين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، محل إجماع،لاتفاق أهل الأمصار على قراءة أولئك الأئمة،واشتهارهم بالعدالة وانتصابهم للإقراء .
وأما قوله(( ولا يستطيع أحد رفع كل خلاف من قبيل اللهجات في القراءات الى النبي(ص) ([6]) إلا أن يكون جاهلا يهرف بما لايعرف، أما القرآن فهو متواتر حرفا حرفا وفي كل كلمة منه وحتى في تفردات القراء والرواة مثل تفرد حفص في تحريك همزة دأبا وفي تنوين من كل في هود والفلاح وتفرد ابن عامر الشامي في قراءته آية الأنعام وكذلك زين ونحوه اذ جميع تفردات القراء في الفرش وفي ماليس من قبيل اللهجات هي تفردات لهم من طرقنا فقط إذ وافقهم كثير من معاصريهم ومن قبلهم في قراءتها كذلك ))هـ
فنجمل الكلام عليه فيما يلي:
فأما قوله (ولا يستطيع احد رفع كل خلاف من قبيل اللهجات) فهو إلزام غير لازم ،لأنه لايستطيع أحد أيضا رفع كل خلاف ليس من قبيل اللهجات،لاتساع دائر الخلاف،وإنما يُستطاع ذلك فيما كان من قبيل الخلاف الواقع في القراءات السبع والعشر من الطرق المشهورة المقروء بها اليوم،سواء أكان من قبيل اللهجات أو غيرها،فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر لاشك فيه.
وأما قوله(.. إذ جميع تفردات القراء في الفرش وفي ما ليس من قبيل اللهجات..) فهو قيد غير مسلم،لأنه تخصيص بغير مخصص، ولأن تفردات القراء فيما كان من قبيل اللهجات،هي تفردات لهم من الطرق المقروء بها اليوم، وإلا فقد وافقهم عليها كثير من القراء من طبقهم، بل ومن طبقة شيوخهم وشيوخ شيوخهم، لأن كثيرا من القراءات التي تنسب إلى هؤلاء القراء ،هي قراءات لبعض الصحابة والتابعين،وإنما اشتهرت نسبتها الى هؤلاء القراء بسبب اشتهارهم بالإقراء وإجماع الأمة على قرائتهم، قال ابن الجزري(..إن قراءة كل أهل بلد متواترة بالنسبة إليهم،ونسبتها إلى إمام من أئمة القراءة اصطلاحية،وإلا فكل أهل بلد كانوا يقرءونها،أخذوها أمما عن أمم،ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل بلده،لم يوافقه علي ذلك احد،لأن كل قراءة نسبت إلى قارئ من هؤلاء،كان قرائها زمان قارئها وقبله أكثر من قرائها في هذا الزمان وإضعافهم،ولو لم يكن انفراد القراء متواترا،لكان بعض القرآن غير متواتر)([7]) .
وأما قوله (( ولقد كان نسخ هذه الأركان الثلاثة إحدى نتائج تحقيقاتي )) فهو كلام فيه نظر،لأن (نسخ)[8] هذه الأركان أمر مقطوع باستحالته،لأنها في حكم اليقينيات التي لايتطرق إليها الشك ،لإجماع المسلمين عليها من عهد الصحابة إلى يوم الناس هذا، ولكي ندرك حقيقة هذه الأركان، لابد أن نعرف المراد بها عند العلماء:
صحة السند:
أما صحة السند فالمراد بها:أن تكون القراءة عن عدل ضابط عن مثله من أول السند إلى أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من غير شذوذ ولا علة قادحة ،ويكون ذلك مشهورا عند أئمة القراءة([9])
موافقة العربية:
وأما موافقة القراءة للغة،فالمرد بها أن توفق القراءة وجها من أوجه اللغة سواء أكان أفصح أم فصيحا ،مجمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لايضر مثله ،اذا كانت القراءة مما شاع وذاع ،وتلقاه الأمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوام([10])،والسر في ذلك أن القرءان نزل بلغة العرب، وهي من أوسع اللغات وأكثرها مفردات ، ومن هنا لم يلتفت أهل العلم إلى إنكار بعض النحويين لبعض القراءات المتواترة، كقراءة حمزة (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) بخفض الأرحام، وقراءة قنبل (إنه من يتقي ويصبر) بإثبات الياء مع الجازم، فلم يكن لإنكار هؤلاء النحاة أثر، فكأنما ذهبت به الريح أو طارت به عنقاء مغرب ، وما يقال عن اعتراض بعض النحاة على بعض القراءات بحجة مخالفتها للقياس النحوي، يقال عن اعتراض المؤلف على بعض حيثيات هذا الركن بحجة تصفية القرءان من اللهجات، إلا أن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن القرءان حجة على اللغة ،وليست اللغة حجة على القرءان، وقد عجب الإمام الفخر الرازي من صنيع بعض النحاة الذي يثبتون اللغة بشعر مجهول القائل ثم ينسون أن إثباتها بالقرءان أولى([11])، ولو أدرك الفخر الرازي زمانا، لعجب ممن يريد أن يعلم العرب صناعة القول ويلقنهم أساليب الفصاحة وضروب البيان، وحق للعرب أن ينشدوا قول شاعرهم الحكيم:
فهل يستطيع الضب أن يرشد القطا = وهل يستوي الخِرِّيتُ والمتحير([12])
موافقة الرسم:
وأما موافقة الرسم، فالمراد بها موافقة القراءة لأحد المصاحف العثمانية ،ولو احتمالا، والسر في ذلك أن الرسم العثماني استوعب كل ما تواتر نقله من القراءات ،لأنه كتب بدون تشكيل ولا تنقيط، وكان مما عزز مكانته في النفوس أنه محل إجماع من الصحابة ،ومن الأمثلة التي توضح مدى استيعاب الرسم العثماني للقراءات المتواترة، قوله تعالى ( فتبينوا) في النساء و الحجرات،فقد قرأ حمزة والكسائي بثاء مثلثة بعدها باء موحدة، فتاء مثناة فوقية ، من التثبت،وقراها الباقون بباء موحدة بعدها ياء مثناة تحتية، فنون موحدة من فوق، من التبين، وقوله تعلى(ليحصنكم من بأسكم) قرأها شعبة بالنون، وقرأها ابن عامر وحفص بالتاء، وقرأها الباقون بالياء، وقوله تعلى(والله يقص الحق) قرأها أبو عمرو وابن عامر وحمرة والكسائي بإسكان القاف، وبعدها ضاد معجمة مكسورة مخففة من القضاء، وقرأها الباقون بضم القاف وإهمال الضاد وضمها وتشديدها ، من القصص،هذا ولم تقتصر مرونة الرسم على القراءات المتواترة بل تجاوزتها لتشمل كثيرا من القراءات والشاذة، فمن ذلك قوله تعلي(لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغنيه)فقد قرأها الأعمش بفتح الراء وإهمال العين ساكنة،وقوله تعلى (وادَّكَّرَ بعد أُمَّةٍ) فقد قرأها الحسن بهمزة مفتوحة بعدها ميم مخففة فهاء منونة،من الأَمَهِ،وهو النسيان ([13]) ،ولم تقصر هذه المرونة على فرش الحروف، وإنما تجاوزه ليستوعب كثيرا من جزئيات أصول القراءة كالإمالة وهيئة الأداء والوقف ونحوذلك .
والخلاصة أن نفي هذه الأركان يلزم منه نفي تواتر القرآن،لأنها بمثابة المقياس الذي يقاس به التواتر،وتعرف به صحة القراءة،فأقل مايقال عن هذه الآراء والاجتهادات أنها خدمة مجانية للمستشرقين([14]) الذين يسعون إلى التشكيك في القرءان والطعن في نقله، ليتسنى لهم التشكيك في دين الله جملة وتفصيلا.



[1] أشار الدكتور السالم الجكني في تحقيقه للنشر إلى أن هذا النص من كلام أبي شامة ، وأحال عليه في المرشد الوجيز وفي وإبراز المعاني، انظر: تحقيق النشر ص:360 ،وهو كما قال حفظه الله .

[2] انظر الإيضاح الوقف والابتداء 1/311 .

[3] انظر الإبانة عن معاني القراءات ص.40.

[4] انظر النشر 1/9.

[5] انظر صحيح البخاري بشرح ابن حجر 9/ 19. كتاب الجهاد الباب رقم 12 الحديث رقم 808 وكتاب التفسير الحديث رقم 4883

[6] كذا في الأصل .

[7] انظر: منجد المقرئين ص:207 - 210

[8] النسخ في اللغة:الإزالة والنقل والتحويل،يقال نسخت الشمس الظل والريح الأثر،و نسختُ الكتاب ،ونسخت النحل أي :نقلت خليتها إلى خلية أخرى، وفي اصطلاح الأصوليين: هو رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ عنه، فانظر أي هذه المعاني أراد المؤلف.

[9] انظر النشر 1/58.

[10] انظر النشر 1/13 وإتحاف فضلاء البشر، ص.18.

[11] انظر تفسير الرازي 3 /193.

[12] يقال: أحير من ضب وأهدى من القطا،والخريت: الماهر بالطرق والمسالك.

[13] ووجه قراءة الجماعة أن الأمة بمعنى الزمن ،أي تذكر بعد زمن،أوبعد نسيان.

[14] زعم المستشرق (جولدسهير) في كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي) أن القراءات ليست عن رواية ونقل، وإنما هي اجتهاد من القراء ليرضوا مقاصدهم واذواقهم، وزعم المستشرق الألماني آثر جفري أن قراءات القرءان تطورت على الأيام وزاد فيها المسلمون شيئا كثيرا، وزعم المستشرق (كازا نوفا ) أن الجمع العثماني للقرءان مجرد أسطورة نسجت على عهد الأمويين للإشادة بعثمان الذي تربطهم به علاقة القرابة والرحم، انظر:(الاختيار في القراءات والرسم والضبط) محمد بلوالي ص:.34
 
الأخ احمد بن محمد فال
السلام عليكم
اطلعت على كلامك وأشكره لك وسأناقشه إكراما لك وإلا لتركته لأنك تنقض قولي بما اعترضت عليه وكان الأولى نقضه بجديد ومثال ذلك ما يلي :
وأما قوله (( ولقد كان نسخ هذه الأركان الثلاثة إحدى نتائج تحقيقاتي )) فهو كلام فيه نظر،لأن (نسخ)[8] هذه الأركان أمر مقطوع باستحالته،لأنها في حكم اليقينيات التي لايتطرق إليها الشك ،لإجماع المسلمين عليها من عهد الصحابة إلى يوم الناس هذا، اهـ ثم استشهدت بشرح ابن الجزري للأركان الثلاثة .
وأقول جوابا لكنك تعلم يقينا أن الداني رحمه الله فمن بعده من مصنفي طرق الرواة لم يوظفوها بل لم يوظفوا منها ركنا واحدا في حرف واحد من أحرف الخلاف بل تضمنت كتب المصنفين من طرق الرواة لا سيما أمهات النشر أحرف الخلاف نصا وأداء مجتمعين وإلا فنصا منصوصا في أحرف الخلاف وهو قليل معلوم حصرته حصرا وسأنثره نثرا أعني القسم الثالث الذي قرأ به مكي في تبصرته والقسم الأخير الذي قرأ به الداني في جامعه وهو الذي قاسوه على نظائره مما لم يقرأوا به ولم يجدوه منصوصا فيما سبقهم من كتب أئمة القراءات .
كما هو صريح كلامهما التالي :

ما أشار مكي ابن أبي طالب رحمه الله في آخر كتابه التبصرة حين قال : "فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود ، وقسم قرأت به وأخذته لفظا أو سماعا وهو غير موجود في الكتب وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل اهـ بلفظه وهو كذلك في التبصرة .
وما أشار إليه الداني رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه جامع البيان (1/101) إذ قال ما نصه "ولا أعدو في شيء مما أرسمه في كتابي هذا مما قرأته لفظا ، أو أخذته أداء ، أو سمعته قراءة ، أو رويته عرضا أو سألت عنه إماما ، أو ذاكرت به متصدرا ، أو أجيز لي أو كتب به إليّ أو أذن لي في روايته أو بلغني عن شيخ متقدم ومقرئ متصدر بإسناد عرفته ، وطريق ميزته أو بحثت عنه عند عدم النص والرواية فيه ، فأبحث بنظيره وأجريت له حكم شبيهه" اهـ بلفظه محل الغرض منه .
أخي أحمد بن محمد فال
مرة أخرى أشكرك على نقاشك بحثي ولأن الشكر عمل فإليك النقاش التالي :
الحسن بن ماديك
 
الرد على أحمد بن محمد فال

الأخ أحمد بن محمد فال
يابن بلدي كنت أتمنى لو تعرفت عليك لأستفيد منك أكثر .
إن النسخة التي ناقشت من بحثي " إثبات تواتر القرآن دون الحاجة إلى اللهجات والقياس في القراءات " نسخة قديمة جدا مضى عليها أكثر من عقد ، وقد أصبحت بحثا أكثر عمقا في ( 26 ) صفحة غير أني لم أنقض جزئية واحدة من البحث الأول .
وأقول : في كلامك تدليس كبير بدليل :
1. أني أقرّ في بحثي وفي نفسي بأن القرآن نزل بلهجات العرب كالإمالة بنوعيها والإدغام بنوعيه وتسهيل الهمز كالنقل وبين بين وإسقاط الهمز ولهجات التخفيف وعلى غير قياس من المسموع في كلام العرب ...وإنما أثبتّ تواتر القرآن بلسان عربي مبين خال من تلك اللهجات .
2. أن الربط بين الأركان الثلاثة وبين تلك اللهجات فلسفة إذ لم يقل بها غيرك قبلك بل لم يوظف تلك الأركان الثلاثة أحد من مصنفي طرق الرواة ابتداء بابن مجاهد (ت 324 هـ ) وانتهاء بابن الجزري ( ت 833 هـ ) وإلا فهات حرفا واحدا من أحرف الخلاف من الأصول ( مظنة اللهجات ) أو من الفرش توقف عنه أحد المصنفين من طرق الرواة حتى عرضه على الأركان الثلاثة ولئن جئت به لتجدنّي أول الشاكرين لك
3. أن قولك " إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوام ولعل هذا هو السر في أن المؤلف ألغى هذه الأركان،لاشتمالها على هذا الركن " اهـ إنما هو تقوّل عليّ وافتراء منك بأني أنكر الإسناد الصحيح وأطعن في الأصل الأعظم والركن والأقوم هكذا توهم الناس ، بتقوّل منك يرده أمران أولاهما أني قررت بدل الأركان الثلاثة ركنان هما (1) الأداء المتصل بشرطه ( 2) تحرير الأداء من القياس .فلا يجتمع القول بالأداء المتصل بشرطه مع القول بإنكار صحة السند فاعلم ، وثانيهما أن جميع بحوثي في القراءات تعني هدفا واحدا معلن غير مخفي هو إعادة الأمة إلى الأداء بالمصاحف العثمانية أي إلى خمس أو ست روايات بها وأبشرك بأن هذا الأداء موجود منصوص في هذه القراءات المتوفرة ويتبقى منها كثير من القياس لا نحتاجه لإثبات تواتر القرآن وإنما تحتاجه الروايات عن القراء تماما كما قال المحقق ابن الجزري في نشره ( 1/13 )وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم " اهـ ولكن لن يستطيع هذا المعترض عليّ إثبات أن اشتراط التواتر ينتفي معه كثير من القرآن المنزل على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن القرآن متواتر قبل نشأة القراءات وقبل أن يولد القراء السبعة وغيرهم وسيظل متواترا لو انقرضت القراءات جميعها .
4. أن قولك : "ثم إن هذه اللهجات أقرب إلى اللغة التي نزل بها القرآن من كثير من الكلمات التي يسميها العلماء بالْمًعَرَّبِ، ك(مشكاة) و(قسطاس) و(إستبرق) فالأولى كلمة هندية ،والثانية كلمة رومية، والثالثة كلمة فارسية ولم ينقل عن أحد من المتقدمين أنه هم بتصفية القرآن من هذه الكلمات التي ترجع في أصولها إلى لغات العجم " اهـ بلفظك ليعني تقوّلا أكبر مما سبق ولعنة الله على من قال أو دعا إلى بتصفية القرآن من بعض كلماته مثل  إستبرق  و  كمشكاة  و  قسطاس  ومتى يفهم هذا التقول مما أعلنته من تواتر الفتح في ذوات الياء وأن ذلك التواتر لا يعني الطعن في الإمالة فيها ، وإنما جهرت بالسوء من القول لما ظلمت بالقذف بأني أدعو إلى حذف كلمات من القرآن كـ إستبرق وكمشكاة وكقسطاس ومرة أخررى أقول :  ألا لعنة الله على الكاذبين 
5. قولك : " أن هذه النظرية غير قابلة للتطبيق،وقد ظهر ذلك بشكل واضح في خاتمة الكتاب حين اقترح المؤلف أن تعتمد رواية حفص في الإقراء، لقلة اللهجات فيها، فلم يلبث أن اصطدم بالتسهيل في ((أأعجمي))، والروم والاشمام في((تأمنا )) فاختار التحقيق في ((أأعجمي)) موافقة لبعض القراء، واختار الادغام في ((تأمنا)) موافقة لأبي جعفر،فوقع فيما فر منه،لأن لإدغام صنو الروم والاشمام، ولأنه يلزم على الادغام في (تأمتا) تحقيق الهمزة لحفص،ولا يخفي ما في ذلك،لأن الجمع بين التحقيق والإدغام المحض لم يقرأ به أحد من العشرة من الطرق المشهورة المقروء بها،فلم يبق من سبيل إلا أن يقول بجواز القراءة بالإ ظهار،وتلك ثالثة الأثافي،لأن الإظهار لم يقرأ به في المتواتر" اهـ وأقول بل هي الأصلح لأن الأعجمي الذي يحفظ القرآن برواية  يا صالح ائتنا  بإسقاط الهمزة الساكنة ومد الحاء قبلها بواو في اللفظ فتاء مكسورة لن يتمكن من المعنى حتى يتعلم أنه النداء لصالح الرسول سألته ثمود أن يأتيهم بالعذاب الذي توعدهم به إن هم كذّبوه وأنهم استعجلوا ذلك العذاب لفرط تكذيبهم وهكذا قلبت تلك اللهجات ـ التي تواتر القرآن بلسان عربي مبين ـ الأمر من تيسير القرآن للذكر إلى ما تمناه الشيطان إبليس حين قال  لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم  ولقد كانت قريش وهم من القبائل العربية الناطقة بلهجة تسهيل الهمز ترسل الأطفال حين يولدون على البادية ليتعلموا اللسان العربي المبين تماما كما تربى محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم في بني سعد منذ ولادته إلى أن تعلم من اللسان العربي المبين .
6. أن قولك : " ولأنه يلزم على الادغام في (تأمتا) تحقيق الهمزة لحفص،ولا يخفي ما في ذلك،لأن الجمع بين التحقيق والإدغام المحض لم يقرأ به أحد من العشرة من الطرق المشهورة المقروء بها،فلم يبق من سبيل إلا أن يقول بجواز القراءة بالإظهار،وتلك ثالثة الأثافي،لأن الإظهار لم يقرأ به في المتوتر " اهـ وهو كلام لا علاقة له بتحرير طرق القراءات ولا بدراية الروايات ولعله أقرب إلى كلام المثقفين وليت المعترض أحمد بن محمد فال يكشف عمن هو وما هو باسمه ونسبه المعروف المعلوم وعلمه ودرايته لإزالة الشك باليقين ، هكذا أفهم من محاولته أكثر من مرة إلزامي بتصورات تصورها في نفسه وتأويلات شطط أوّل بها كلامي ولا يسعها .
7. أن قولك : "والخلاصة أن نفي هذه الأركان يلزم منه نفي تواتر القرآن،لأنها بمثابة المقياس الذي يقاس به التواتر،وتعرف به صحة القراءة،فأقل مايقال عن هذه الآراء والاجتهادات أنها خدمة مجانية للمستشرقين الذين يسعون إلى التشكيك في القرءان والطعن في نقله، ليتسنى لهم التشكيك في دين الله جملة وتفصيلا " اهـ وهو بيت القصيد لأن القرآن متواتر جملة وتفصيلا منذ نزل إلى آخر الأمة أما القراءات فليست كذلك إذ منها القياس ومنها الموضوع والوهم والضعف وانفرادات الرواة ، وليس شيء من ذلك متواتر ، وأحيل إليك الراءات التي رققها مكي في التبصرة للأزرق ولم تقرأ قبله إلا بالتفخيم ، كيف تقول بتواتر ترقيقها للأزرق في القرون الأربعة قبل مكي بن أبي طالب رحمه الله .
إن دعواك في الخلاصة : إن آرائي واجتهاداتي خدمة للمستشرقين لتضليل وتدليس لا أجد له مثلا إلا كالذي ينكر نبوة موسى ورسالته حتى لا يوافق اليهود القائلين بذلك ، وهكذا ـ حسب مذهبك ـ لتتوقف البحوث والتحريرات حتى لا تخالف المألوف إذ كل ما خالف المألوف عند الجامدين هو في خدمة المستشرقين ، ولقد ابتليت الأمة قبل اجتياح المغول وبعده بهذا المألوف فلم تزدد إلا انحطاطا وتمزقا وقهقرى ، فهلا جربتم إصلاح الأمة بمثل ما صلح به أولها وإنما صلح أولها بتلاوة القرآن كما أنزل وكذلك سيتلوه النبي عيسى ابن مريم حين ينزل إلى الأرض ولن يتعلم رواية ورش ولا خلاد ولا غيرها من الروايات ليتأتى له قراءة القرآن .
أخي ابن بلدي وإكراما لك وإنصافا لآرائك وأنت تعلم أنك المصيب وأني المخطئ القريب من المستشرقين فهذه دعوتي ـ أخذا بالمباهلة في القرآن والسنة ـ فأمّن عليها :
اللهم ربنا جرّد واسلب أقربنا نحن الاثنين إلى المستشرقين ـ وأبعدنا عن الهدى الذي جاء به النبي الأمي  ـ من الإيمان والقرآن وأمته على الكفر مزّقه قبل ذلك في الدنيا شرّ ممزق بالجذام .
طالب العلم
الحسن ولد ماديك
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((4))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((4))

الوقفة الرابعة:

...ولا يخفى أن نظرية اللهجات جزء من مؤامرة تستهدف القرآن ولغته، ومن المؤسف حقا أن ينجح هؤلاء في الترويج لهذه النظرية عن طريق بعض الكتاب الكبار من أمثال الدكتور طه حسين،الذي خصص كتابا كاملا لهذا الغرض، استهله بالتشكيك في أصول اللغة العربية ،وثنى باتهام الرواة بوضع الشعر الجاهلي، وثلث بالطعن في قراءات القرآن ،فاسمع إلى ما قاله بهذا الخصوص ((..وهنا وقفة لابد منها،ذلك أن قوما من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبي( صلى الله عليه وسلم)([1]) نزل بها جبريل على قلبه،فمنكرها كافر بغير شك ولا ريبة،ولم يوفقوا لدليل يستدلون به على ما يقون سوى ما روي في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام"أنزل القرآن على سبعة أحرف"، والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير،وليس منكرها كافرا ولا فاسقا ولا مغتمزا في دينه،وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها، ثم قال بعد كلام طويل: وإنما هم قوم آخرون أضافوا إلى الوحي ماليس منه، واستنزلوا من السماء شيئا لم ينزل منها.)[2] ،فما كان أجدر المؤلف ،وهو الحافظ لكتاب الله، العالم باختلاف ألفاظ الوحي ألا يكون طرفا في حرب تشن على القرآن ولغته بإيعاز من دوائر الاستشراف العالمية.
قوله ((ونخلص إلى إعلان حقائق مرة تتلخص في إثبات الجمود والانحطاط في علم القراءات وفي إثبات الشذوذ والضعف والوهم فيها وفي تضمنها للقياس الذي هو قراءة القرءان بما لم ينزل به جبريل على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم قال في النشر 1/17-18 أما إذا كان القياس على إجماع انعقد أو على أصله يعتمد (فيصار) إليه عند عدم النص وغموض وجه الأداء، فإنه مما يسوغ قبوله ولا ينبغي رده لاسيما فيما تدعوا إليه الضرورة وتمس الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعين على قوة التصحيح بل قد لا يسمى ما كان كذلك قياسا على الوجه الاصطلاحي إذ هو في الحقيقة نسبة جزئي إلى كلي كمثل اختير في تخفيف بعض الهمزات لأهل الأداء وفي إثبات البسملة وعدمها ببعض القراء ونقل (كتابيه إني) وإدغام (ماليه هلك) قياسا عليه وكذلك قياس (قال رجلان –وقال رجل) على (قال رب) في الإدغام كما ذكره الثاني وغيره ونحوه مما لا يخالف نصا ولا يرد إجماعا ولا أصلا مع أنه قليل جدا كما ستراه مبينا بعد إن شاء الله تعالى، وإلى ذلك أشار مكي ابن أبي طالب رحمه الله تعالى في آخر كتابه التبصرة حيث قال: فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود وقسم قرأت به وأخذته لفظا (أو) سماعا وهو غير موجود في الكتب، وقسم لم أقر به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل) انتهى بلفظه وهو كذلك في التبصرة...)) هـ
فيجاب عنه بمايلي:
أماالحقائق المرة التي خلص إليها المؤلف فسيأتي الجواب عنها بالتفصيل.
وأماما ستدل به المؤلف من كلام ابن الجزري، فهو استدلال في غير محله،لأن كلام ابن الجزري وارد في سياق الحديث عما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية،ولهذا قال في آخره:(..قلت وقد زل بسبب ذلك قوم أطلقوا قياس ما لا يروى على ما روي، وما له وجه ضعيف على ما له وجه قوي، كأخذ بعض الأغنياء بإظهار الميم المقلوبة من النون والتنوين، وقطع بعض القراء برقيق الراء الساكنة قبل الكسرة والياء، وإجازة بعض من بلغنا عنهم ترقيق لام الجلالة تبعا لترقيق الراء من "لذكروا الله ...")([3])
فهذا من تمام كلام ابن الجزري الذي لم ينقله المؤلف،ولو أنه فعل لكان الكلام واردا في سياقه واضحا في دلالته.
أما القياس الذي قال فيه المؤلف ما قال ،فنجمل الحديث عنه فيما يلي فنقول: يؤخذ من كلام ابن الجزري وغيره من علماء القراءات،أن القياس ينقسم الي قسمين:
القسم الأول:القياس المطلق:وهو قياس ما لايروي علي مايروي،وما له وجه ضعيف علي ما له وجه قوي،وهو مردود، غير مقبول عند أئمة القراءة([4]).
القسم الثاني:القياس المقيد، وهوما كان عن إجماع انعقد،أوعن أصل يعتمد عليه، فيصار إليه عند عدم النص،أوغموض وجه الأداء،وهو مما يسوغ قبوله ولا ينبغي رده([5])، قال الداني في الاحتجاج لهذا القسم (..وكثير مما ذكرنا في كتابنا هذا، من إحكام الراءات واللامات، النص فيه معدوم عن الأئمة،وإنما بينا ذالك وشرحناه،ولخصنا جليه وخفيه،قياسا علي الأصول التي ورد النص فيها،وحملا عليها،لحاجتنا إليه،واضطرارنا إلي معرفة حقيقته،والقياس على الأصول،وحمل الفروع عليها، سائغ في سائر الأحكام وغيرها عند الجميع، وقد أذن الله عز وجل بذلك في قوله (لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، ولا يلتفت إلى من غلظ، وبعد إدراك تمييز ذلك عن فهمه، من منتحلي القراءات، فأنكر ما حددناه وبيناه،وحكمنا عليه بالقياس ،والاستنباط الواضح ،لعدم وجود أكثر ذالك مصنفا في كتب من تقدم من علماءنا،ومن تأخر من مشايخنا،إذ ذالك غير لازم في ذالك، ولا قادح فيه)([6]).
وقال أيضا: (أغفل يحي بن آدم ذكر مذهب أبي بكر عن عاصم في الهمز،ثم ذكر في والطور:(ولا تأثيم) فقال عنه بالهمز،قال الداني فحكم علمائنا علي أن مذهبه تحقيق الهمز في سائر القرآن،قياسا علي ذالك الحرف وحده) هـ من التمهيد بنقل المنتوري([7]).
وقال مكي في الكشف(...وهذا إنما أخذ سماعا وقياسا على ما سمع، ونصه قليل غير موجود في الكتب بل كل القراء أغفل الكلام على كثير مما ذكرنا، فلم يبين كيف هو؟ لا بالتفخيم ولا بالترقيق، لكن القياس علي ما نصوا عليه يوجب ما ذكرنا من الأحكام في الراءات)([8]).
وقال الإمام القيجاطي([9]) (واعلم أن القياس في أوجه القراءات ليس متروكا بإطلاق،بل لابد منه عند الاضطرار والحاجة إليه،فيما لم يرد فيه نص صريح عن بعض القراء،او عن جملتهم،فان كان له اصل ثابت عند القراء يرجع إليه،فان الشيوخ من أهل الأداء متفقون علي رده إليه،وذالك كثير في باب الراءات واللامات،وقد نص الحافظ أبو عمرو،والشيخ أبو محمد مكي وغيرهما من شيوخ أهل الأداء،علي جواز استعماله،وان كان له أصلان عند القراء فيختلف الشيوخ من أهل الأداء علي أي الأصلين يحمل) ثم مثل لذالك بأمثلة ينبغي الوقوف عليها(1) .
وقال ابن عبد الوهاب القرطبي([10]) في المفتاح :(قرا نافع وابو عمرو وحفص"فما آتاني الله"،بفتح الياء في الوصل والباقون بإسكانها،وسألت الأهواز([11]) رحمه الله في جامع دمشق عن الوقف عليها فقال لي:سالت شيوخي في بغداد والبصرة وخراسان عما سألتني عنه،فلم يتحصل لي منهم في ذالك شي ء،إلا أنهم قالوا يلزم من فتح الياء أن يقف بياء،دون رواية في ذالك،وهو القياس([12]) فهذه النقول قاضية بأن القياس الجزئي مبني علي أسس متينة لاتزعزها عواصف الشبه، فالأولى بطالب العلم أن يحمل كلام الأئمة علي أحسن محامله، فهم أتقي لله من أن يقولوا علي الله بغير علم، ولله در القائل:
وإذا لم تر الهلال فسلم = لأناسٍ رأوه بالأبصــــــــار
وأما ما نقله المؤلف من كلام مكي ، فلا يخرج عما ذُكِر من معنى القياس عند القراء، وتمام كلامه المذكور:( وقد نبهت على كثير منه في مواضع مضت) ([13])
وأماالقسم الثالث من الأقسام التي ذكرها مكي لايخرج عن ما تقدم توجيه وجه القياس فيه،وقد وجهه الجعبري بكلام حسن قال فيه(...َبَّيَنا عند قوله- يعني الشاطبي- واقتس لتنضلا- الجمع بين الامر بالقياس والنهي عنه،وقول الداني في آخر كتاب الراءات:"النص في ذلك معدوم،وإنما بيناه على الأصول المتقدمة،وقول مكي:"أكثر هذا الباب قياس،وبعضه اخذ سماعا"، من قبيل المأمور به لا المنهي،ومعناه عدم النص على عينه،فحمل على نظيره الممثل به بعد ثبوت الرواية في المراد الأصل،لاأنها عملا بمجرد القياس وفتحا لباب الرأي،ولقد كانا على غاية من الدين والتمسك بالأثر،وحقق ذلك ماقاله الداني في أرجوزته([14])، فإياك أن تحمل كلامهما على هذا، فتنتظم في واو)ويقولون هو من عند الله)،([15]) هـ كلامه، وسيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة .


[1] ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل، وهي زيادة لازمة.

[2] انظر كتاب: (في الأدب الجاهلي )، ص:95-97 ،الطبعة الثامنة عشرة، دار المعرف،ويشار هنا إلى أن هذا النص لايوجد في كل طبعات الكتاب،ولعل ذلك عائد إلى الانتقادات الواسعة التي قوبل بها الكتاب إبان صدوره،

[3] انظر:النشر 1/18، يشير ابن الجزري بهذا الكلام إلى الإمام القيجاطي الذي كان يرى ترقيق لام الجلالة الواقعة بعد الراء المرققة لورش في نحو (ولذكر الله) بناء على أن حكم الحركة الممالة كحكم الكسرة ،وهذا القياس مبني على ما روي عن أبي عمرو والكسائي من ترقيق لام الجلالة الواقعة بعد الفتح والضم، قال القيجاطي وبه قرأت من طريقه -يعني ألأهوازي- قال: وإنما ذكرت ذلك ،وإن كان مما لا يؤخذ من طريق الداني ،ليأنس بذلك من لم تغبر قدماه في هذا العلم ،وليس عنده منه إلا الدعاوى، فيزول عنه ما يستبعده من ترقيق اللام بعد الحركة الممالة، وأما المقرئ العالم بوجوه المقاييس ،إذا تقرر عنده أن حكم الحركة الممالة حكم الكسرة سواء فلا يخالف في وجوب ترقيق اللام من اسم الجلالة بعدها لورش ، انظر شرح المنتوري على الدرر ، ص.668

[4] انظر: النشر 1/17-18

[5] انظر:النشر 1/17-18

[6] انظر:شرح المنتوري على الدرر اللوامع 2/637 .

[7] انظر:شرح المنتوري على الدرر اللوامع 2/637

[8] انظر:الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها 1/218

[9] هو محمد بن محمد بن علي الكناني القيجاطي الأندلسي،قرأ على ابن الفخار وابن مرزوق، وقرأ عليه المنتوري وهو عمدته،وهو صاحب التكملة المفيده لحافظ القصيدة،توفي سنة811هـ

[10] هو عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب، الأنصاري القرطبي،أخذ عن ألأهوازي وابن نفيس، من تصانيفه المفتاح في القراءات السبع، ،توفي سنة461، انظر :الغاية 1/482

[11] هو الحسن بن علي بن يزداد،ابو علي الأهوازي، من تصانيفه الوجيز والموجز والإيضاح توفي بدمشق سنة446،انظر: الغاية 1/220_221

[12] انظر: شرح المنتوري على الدر 2/641،وانظر المفتاح ص165 وفيه (.. وسالت عنها أبا علي المالكي،في جامع مصر،فقال لي روي حفص عن عاصم الوقف عليها بالياء)

[13] انظر التبصرة ص:42

[14]) لعله يقصد قول الداني في المنبهة:
فلا طريق لقياس ونظر= فيما أتى به أداءٌ أو أثر


[15] انظر:كنز المعاني في شرح حرز المعاني،(مخطوط) ورقة:238
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((4))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((4))


الوقفة الرابعة:
......ولا يخفى أن نظرية اللهجات جزء من مؤامرة تستهدف القرآن ولغته، ومن المؤسف حقا أن ينجح هؤلاء في الترويج لهذه النظرية عن طريق بعض الكتاب الكبار من أمثال الدكتور طه حسين،الذي خصص كتابا كاملا لهذا الغرض، استهله بالتشكيك في أصول اللغة العربية ،وثنى باتهام الرواة بوضع الشعر الجاهلي، وثلث بالطعن في قراءات القرآن ،فاسمع إلى ما قاله بهذا الخصوص ((..وهنا وقفة لابد منها،ذلك أن قوما من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبي، نزل بها جبريل على قلبه،فمنكرها كافر بغير شك ولا ريبة،ولم يوفقوا لدليل يستدلون به على ما يقون سوى ما روي في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام"أنزل القرآن على سبعة أحرف"، والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير،وليس منكرها كافرا ولا فاسقا ولا مغتمزا في دينه،وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها، ثم قال بعد كلام طويل: وإنما هم قوم آخرون أضافوا إلى الوحي ماليس منه، واستنزلوا من السماء شيئا لم ينزل منها.)([1]) .
قوله ((ونخلص إلى إعلان حقائق مرة تتلخص في إثبات الجمود والانحطاط في علم القراءات وفي إثبات الشذوذ والضعف والوهم فيها وفي تضمنها للقياس الذي هو قراءة القرءان بما لم ينزل به جبريل على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم قال في النشر 1/17-18، أما إذا كان القياس على إجماع انعقد أو على أصله يعتمد (فيصار) إليه عند عدم النص وغموض وجه الأداء، فإنه مما يسوغ قبوله ولا ينبغي رده لاسيما فيما تدعوا إليه الضرورة وتمس الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعين على قوة التصحيح بل قد لا يسمى ما كان كذلك قياسا على الوجه الاصطلاحي إذ هو في الحقيقة نسبة جزئي إلى كلي كمثل اختير في تخفيف بعض الهمزات لأهل الأداء وفي إثبات البسملة وعدمها ببعض القراء ونقل (كتابيه إني) وإدغام (ماليه هلك) قياسا عليه وكذلك قياس (قال رجلان وقال رجل) على (قال رب) في الإدغام كما ذكره الثاني وغيره ونحوه مما لا يخالف نصا ولا يرد إجماعا ولا أصلا مع أنه قليل جدا كما ستراه مبينا بعد إن شاء الله تعالى، وإلى ذلك أشار مكي ابن أبي طالب رحمه الله تعالى في آخر كتابه التبصرة حيث قال: فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود وقسم قرأت به وأخذته لفظا (أو) سماعا وهو غير موجود في الكتب، وقسم لم أقر به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل) انتهى بلفظه وهو كذلك في التبصرة...)) هـ
فيجاب عنه بمايلي:
أماالحقائق المرة التي خلص إليها المؤلف فسيأتي الجواب عنها بالتفصيل.
وأماما ستدل به المؤلف من كلام ابن الجزري، فهو استدلال في غير محله،لأن كلام ابن الجزري وارد في سياق الحديث عما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية،ولهذا قال في آخره:(..قلت وقد زل بسبب ذلك قوم أطلقوا قياس ما لا يروى على ما روي، وما له وجه ضعيف على ما له وجه قوي، كأخذ بعض الأغنياء بإظهار الميم المقلوبة من النون والتنوين، وقطع بعض القراء برقيق الراء الساكنة قبل الكسرة والياء، وإجازة بعض من بلغنا عنهم ترقيق لام الجلالة تبعا لترقيق الراء من "لذكروا الله ...")([2])
فهذا من تمام كلام ابن الجزري الذي لم ينقله المؤلف،ولو أنه فعل لكان الكلام واردا في سياقه واضحا في دلالته.
أما القياس الذي قال فيه المؤلف ما قال ،فنجمل الحديث عنه فيما يلي فنقول: يؤخذ من كلام ابن الجزري وغيره من علماء القراءات،أن القياس ينقسم الي قسمين:
القسم الأول:القياس المطلق:وهو قياس ما لايروي علي مايروي،وما له وجه ضعيف علي ما له وجه قوي،وهو مردود، غير مقبول عند أئمة القراءة([3]).
القسم الثاني:القياس المقيد، وهوما كان عن إجماع انعقد،أوعن أصل يعتمد عليه، فيصار إليه عند عدم النص،أوغموض وجه الأداء،وهو مما يسوغ قبوله ولا ينبغي رده([4])، قال الداني في الاحتجاج لهذا القسم (..وكثير مما ذكرنا في كتابنا هذا، من إحكام الراءات واللامات، النص فيه معدوم عن الأئمة،وإنما بينا ذالك وشرحناه،ولخصنا جليه وخفيه،قياسا علي الأصول التي ورد النص فيها،وحملا عليها،لحاجتنا إليه،واضطرارنا إلي معرفة حقيقته،والقياس على الأصول،وحمل الفروع عليها، سائغ في سائر الأحكام وغيرها عند الجميع، وقد أذن الله عز وجل بذلك في قوله (لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، ولا يلتفت إلى من غلظ، وبعد إدراك تمييز ذلك عن فهمه، من منتحلي القراءات، فأنكر ما حددناه وبيناه،وحكمنا عليه بالقياس ،والاستنباط الواضح ،لعدم وجود أكثر ذالك مصنفا في كتب من تقدم من علماءنا،ومن تأخر من مشايخنا،إذ ذالك غير لازم في ذالك، ولا قادح فيه)([5]).
وقال أيضا: (...أغفل يحي بن آدم ذكر مذهب أبي بكر عن عاصم في الهمز،ثم ذكر في والطور:(ولا تأثيم) فقال عنه بالهمز،قال الداني فحكم علمائنا علي أن مذهبه تحقيق الهمز في سائر القرآن،قياسا علي ذالك الحرف وحده) هـ من التمهيد بنقل المنتوري([6]).
وقال مكي في الكشف(...وهذا إنما أخذ سماعا وقياسا على ما سمع، ونصه قليل غير موجود في الكتب بل كل القراء أغفل الكلام على كثير مما ذكرنا، فلم يبين كيف هو؟ لا بالتفخيم ولا بالترقيق، لكن القياس علي ما نصوا عليه يوجب ما ذكرنا من الأحكام في الراءات)([7]).
وقال الإمام القيجاطي([8]) (واعلم أن القياس في أوجه القراءات ليس متروكا بإطلاق،بل لابد منه عند الاضطرار والحاجة إليه،فيما لم يرد فيه نص صريح عن بعض القراء،او عن جملتهم،فان كان له اصل ثابت عند القراء يرجع إليه،فان الشيوخ من أهل الأداء متفقون علي رده إليه،وذالك كثير في باب الراءات واللامات،وقد نص الحافظ أبو عمرو،والشيخ أبو محمد مكي وغيرهما من شيوخ أهل الأداء،علي جواز استعماله،وان كان له أصلان عند القراء فيختلف الشيوخ من أهل الأداء علي أي الأصلين يحمل) ثم مثل لذالك بأمثلة ينبغي الوقوف عليها(1) .
وقال ابن عبد الوهاب القرطبي([9]) في المفتاح :(قرا نافع وابو عمرو وحفص"فما آتاني الله"،بفتح الياء في الوصل والباقون بإسكانها،وسألت الأهواز([10]) رحمه الله في جامع دمشق عن الوقف عليها فقال لي:سالت شيوخي في بغداد والبصرة وخراسان عما سألتني عنه،فلم يتحصل لي منهم في ذالك شي ء،إلا أنهم قالوا يلزم من فتح الياء أن يقف بياء،دون رواية في ذالك،وهو القياس([11]).
فهذه النقول قاضية بأن القياس الجزئي مبني علي أسس متينة لاتزعزها عواصف الشبه، فالأولى بطالب العلم أن يحمل كلام الأئمة علي أحسن محامله، فهم أتقي لله من أن يقولوا علي الله بغير علم، ولله در القائل:
وإذا لم تر الهلال فسلم = لأنـــــــــــاسٍ رأوه بالأبصــــــــار
وأما ما نقله المؤلف من كلام مكي ، فلا يخرج عما ذُكِر من معنى القياس عند القراء، وتمام كلامه المذكور:( وقد نبهت على كثير منه في مواضع مضت) ([12])
والقسم الثالث من الأقسام التي ذكرها مكي لايخرج عن ما تقدم توجيه وجه القياس فيه،وقد وجهه الجعبري بكلام حسن قال فيه(...َبَّيَنا عند قوله- يعني الشاطبي- واقتس لتنضلا- الجمع بين الأ مر بالقياس والنهي عنه،وقول الداني في آخر كتاب الراءات:(النص في ذلك معدوم،وإنما بنيناه على الأصول المتقدمة)،وقول مكي:(أكثر هذا الباب قياس،وبعضه اخذ سماعا)، من قبيل المأمور به لا المنهي،ومعناه عدم النص على عينه،فحمل على نظيره الممثل به بعد ثبوت الرواية في المراد الأصل،لاأنها عملا بمجرد القياس وفتحا لباب الرأي،ولقد كانا على غاية من الدين والتمسك بالأثر،وحقق ذلك ماقاله الداني في أرجوزته([13])، فإياك أن تحمل كلامهما على هذا، فتنتظم في واو)ويقولون هو من عند الله) ([14]) هـ كلامه، وسيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة . ه
قوله((قلت: وأعجب العجب أن هذا القياس قد تم اعتماده منذ القرن الثالث للهجرة بسبب التمسك باللهجات العربية والمحافظة على أداء متميز لهذه الرواية أو تلك، كالذي قاله ابن الجزري حينما أعلن أن مبرر القياس المقيد هو غموض وجه الأداء، ويعني به يقينا أداء تفرد به راو أو قارئ عن سائر القراء، وإلا فإن روايات الجماعة وأداءهم أقرب إلي الاعتبار والتمسك به لذلك الراوي الذي تفرد عنهم بقاعدة من القواعد حافظت على لهجة عربية، ألا ترى ابن الجزري مثل بإدغام (قال رجلان- وقال رجل) قياسا علي إدغام (قال رب) المنصوص المروي ، فلما ذا لم يعتمد لأبي عمرو موافقة لسائر القراء العشرة وغيرهم وهو الرواية والنص عن الجميع ومنهم أبو عمرو نفسه من طرق أخرى ، ومتى كانت المحافظة على هذه اللهجة أو القاعدة مما تدعو إليه الضرورة وتمس إليه الحاجة، وأي ضرورة تؤدي إلي قراءة أحرف من القرءان بصيغة هي من إنشاء البشر رغم توفر الأداء المضبوط الذي نزل به جبريل علي قلب رسول الله ، هل من ضرورة في نقل (كتابيه إني ) لورش محافظة على قاعدة عليها مدار روايته، وهي نقل حركة الهمز المحقق إلي الساكن قبلها، إن الأمانة العلمية لتلزم بقراءة هذا الحرف لورش بالسكت والقطع موافقة لجميع القراء والرواة الذين رووها كذلك أداء)هـ
فيجاب عنه بما يلي
أما إطلاقه القياس من غير تقيد، فهو غير سديد، لما تقدم من أن القراء يقسمون القياس الى قياس مقبول وقياس مردود.
أما قوله(( ..بسبب التمسك باللهجات العربية والمحافظة على أداء متميز لهذه الرواية أو تلك..)) فيجاب عنه بأن ذلك لم يكن هو السبب في تمسك القراء باللهجات العربية،والمحافظة على أداء متميز لهذه الرواية أو تلك،وإنما نشأ ذلك عن عوامل أخرى،يمكن إرجاعها إلى تعدد طبقات الرواة الذين نقلوا هذه القراءات، بالإضافة إلى طبيعة اللغة العربية التي هي وعاء القرءان، ومن قال إن ذلك كان مقصدا من مقاصد المصنفين من أجل أن يثبتوا تواتر القرءان، فقد أبعد النجعة،لأن قضية تواتر القرآن لم تكن مطروحة عند المسلمين في يوم من الأيام،و الدليل على ذلك أن هنالك حروفا كثيرة خالف فيها الرواة والقراء أصولهم المطردة التي ميزت قراءة كل واحد منهم،لا لشيء إلا لأن القراءة سنة متبعة، فقد خالف الأزرق قاعدته في النقل في( أو ءاباءنا) في الصافات والواقعة، فقرأ بتحقيق الهمزة فيهما،وخالف هشام قاعدته في أبدال ألف إبراهيم ياءا في (فقد آتينا آل إبراهيم) في أول النساء،وفي مواضع في سورة الأنعام وبراءة والعنكبوت،كما هو مذكور في محله،وخالف البزي قاعدته في تشديد التاء في الوصل في(ولا تفرقوا فيه كبر) في الشورى،وخالف نافع قاعدته في باب (يحزن) في موضع الأنبياء.
أما ما ذكره من قياس(قال رجلان،وقال رجل) علي(قال رب) في الإدغام، ففيه نظر من حيث النقل والاستدلال، أما النقل،ففيه قصور،وهاك كلام الداني كما جاء في جامع البيان قال الداني[[ فإن تحركت اللام بالفتح وسكن ما قبلها لم يدغمها ،وذلك نحو قوله تعلي (فعصوا رسول ربهم) وما أشبهه، إلا اللام من قوله (قال) حيث وقعت، فإنه يدغمها في الراء نحو( قال رب) وما أشبهه، وروى ذلك عن اليزيدي ابنه وابن شعيب وقياس ذلك (قال رجلان) في المائدة (وقال رجل) في المؤمن، ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء في إدغامهما]]([15])، وهذه الفقرة الاخيرة من تمام كلام الداني الذي يذكره المؤلف، وهي من الأهمية بمكان لدلالتها على أن إطلاق لفظ القياس هنا فيه تجوز،وأن معناه عدم النص على عينه،فحمل على نظيره المُمَثَّل به بعد ثبوت الرواية في المراد الأصل،كما تقدم في كلام الجعبري .
وأما الاستدلال،فان قوله [ ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء في إدغامهما ] فإنه دليل علي أن المراد بالقياس، قياس مذهبه في الرواية ،لأن اتفاق أهل الأداء على إدغامهما يستحيل أن يكون عن غير رواية،وحسبك دليلا على ذلك ما تعلمه من سعة رواية الإمام الداني وعلو كعبه في علم القراءات،فقد أسند في جامع البيان رواية السوسي من ستة عشر طريقا، ثم قال عقب ذلك: [وقد عرضت أنا حروف الإدغام حرفا حرفا من أول القرءان إلى آخره على أبي الحسن يعني طاهر ابن غلبون- وأخذت عنه أصولها وفروعها وعللها ووجوهها، وعرضتها أيضا على أبي الفتح حرفا حرفا من أول القرءان إلى آخره مرتين بعد أن قرأت القرءان كله بها عليه في رواية الذين ذكرتهم من الرواة عن اليزيدي وشجاع وعبد الوارث والحمد لله وحده]([16]).
ومما يدل على ثبوت الإدغام في الحرفين أداءا أنه لم يخل كتاب من كتب القراءات المعتبرة من النص عليه، فقد نص عليه أبو القاسم الهذلي الكامل([17]) ، وأبو علي المالكي الروضة([18] )و هو ظاهر كلام ابن سوار في المستنير، فإنه لم يستثن من هذا اللفظ شيئا([19]) و كذلك فعل القلانسي في الكفاية([20]) ، وقد نص ابن الجزري علي أن جميع ما في الكفاية والإرشاد ([21]) هو من تلاوة القلانسي علي الإمام أبي علي المعروف بغلام الهراس([22]).
أما (كتابيه إني) فأمرها أوضح من أن يكون قياسا،فنقل حركتها ثابت عن ورش نصا وأداء ، قال الداني (( .. روى عبد الصمد عنه-يعني عن ورش- أنه ألقى حركة الهمزة على الهاء وحركها بها على مراد الوصل، طردا لمذهبه في سائر السواكن، ذكر ذلك عبد الصمد في كتابه المصنف في الاختلاف بين نافع وحمزة، وبذلك قرأت في روايته من طريق محمد ابن سعيد ألأنماطي، وعبد الجبار بن محمد،وفي رواية الباقين من أصحاب ورش: يونس وداوود وأحمد ابن صالح، وأبي بكر الأصفهاني) ([23])ومثله في التعريف([24])والمفردات([25]) .
ونص الجعبري على أن النقل في (كتابيه إني) وقال إنه من طريق ابن هلال عن الأزرق،ولفظه:.(..بل الوجهان انشعبا من طريق الأزرق، فالنقل عن ابن هلال عنه، وتركه عن ابن سيف عنه)([26])، وهذا يدل علي أن الأخذ للأزرق بالنقل في هذا الحرف أمر قائم على الرواية الثابتة عن الأزرق وغيره من رواة ورش.
وأما قوله (( إن الأمانة لتلزم بقراءة هذا الحرف لورش بالسكت والقطع موافقة لجمعيع القراء والرواة.. )) فيجاب عنه، بأنه تعميم في غير محله،لما تقدم من اتفاق جمهور رواة ورش علي النقل في هذه الكلمة،ولصحة الرواية بذلك عن ابن جماز من رواية العمري عن أصحابه عن أبي جعفر،كما في النشر([27])
فهذا يدلك علي أن منهج أئمة القراءات في التعامل مع هذه النصوص، لايخرج عن نطاق الرواية،وسيأتي مزيد بيان لهذه المسالة في مناقشة الأمثلة التي ادعي فيها القياس.

[1] ) انظر كتاب: (في الأدب الجاهلي )، ص:95-97 ،الطبعة الثامنة عشرة، دار المعرف،ويشار هنا إلى أن هذا النص لايوجد في أغلب طبعات الكتاب،ولعل ذلك عائد إلى الانتقادات الواسعة التي قوبل بها الكتاب إبان صدوره،

[2]) انظر:النشر 1/18، يشير ابن الجزري بالفقرة الأخير إلى الإمام القيجاطي الذي كان يرى ترقيق لام الجلالة الواقعة بعد الراء المرققة لورش في نحو (ولذكر الله) بناء على أن حكم الحركة الممالة كحكم الكسرة ،وهذا القياس مبني على ما روي عن أبي عمرو والكسائي من ترقيق لام الجلالة الواقعة بعد الفتح والضم، قال القيجاطي وبه قرأت من طريقه -يعني ألأهوازي- قال: وإنما ذكرت ذلك ،وإن كان مما لا يؤخذ به من طريق الداني ،ليأنس بذلك من لم تغبر قدماه في هذا العلم ،وليس عنده منه إلا الدعاوى، فيزول عنه ما يستبعده من ترقيق اللام بعد الحركة الممالة، وأما المقرئ العالم بوجوه المقاييس ،إذا تقرر عنده أن حكم الحركة الممالة حكم الكسرة سواء فلا يخالف في وجوب ترقيق اللام من اسم الجلالة بعدها لورش ، انظر شرح المنتوري على الدرر ، ص.668

[3] انظر: النشر 1/17-18

[4] انظر:النشر 1/17-18

[5] انظر:شرح المنتوري على الدرر اللوامع 2/637 .

[6] انظر:شرح المنتوري على الدرر اللوامع 2/637

[7] انظر:الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها 1/218

[8] هو محمد بن محمد بن علي الكناني القيجاطي الأندلسي،قرأ على ابن الفخار وابن مرزوق، وقرأ عليه المنتوري وهو عمدته،وهو صاحب التكملة المفيده لحافظ القصيدة،توفي سنة811هـ

[9] هو عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب، الأنصاري القرطبي،أخذ عن ألأهوازي وابن نفيس، من تصانيفه المفتاح في القراءات السبع، ،توفي سنة461، انظر :الغاية 1/482

[10] هو الحسن بن علي بن يزداد،ابو علي الأهوازي، من تصانيفه الوجيز والموجز والإيضاح توفي بدمشق سنة446،انظر: الغاية 1/220_221

[11] انظر: شرح المنتوري على الدر 2/641،وانظر المفتاح ص165 وفيه (.. وسالت عنها أبا علي المالكي،في جامع مصر،فقال لي روي حفص عن عاصم الوقف عليها بالياء)

[12] انظر التبصرة ص:42

[13]) لعله يقصد قول الداني في المنبهة:
فلا طريق لقياس ونظر= فيما أتى به أداءٌ أو أثر

[14] انظر:كنز المعاني في شرح حرز المعاني،(مخطوط) ورقة:238

[15] انظر جامع البيان ، ورقة 72

[16] انظر المصدر السابق ورقة 42-46

[17] انظرالكامل القراءات العشر والأربعين الزائدة عايها (مخطوط) ورقة206_214

[18] انظر الروضة في القراءات الإحدي عشرة1/285

[19] انظر المستنير1/437

[20] الكفاية الكبري في القراءات العشر 145

[21] لم يذكر القلانسي لإدغام الكبير في الإرشاد ، لعدم وجود رواية السوسي في الإرشاد

[22] هو أبو علي الحسن بن القاسم، الواسطي، الشهير بغلام الهراس، شيخ العراق،والجول بالآفاق،ولد:سة أربع وأربعين ثلاثمائة،،وتوفي:سنة:468هـ،انظر: غاية النهاية:1/229

[23] انظر جامع البيان(مخطوط) ورقة114

[24] انظر التعريف في اختلاف الرواة عن نافع ص:59

[25] انظر المفردات السبع ص: 13

[26][26] انظر كنز المعاني( مخطوط) ورقة 2/489

[27] انظرالنشر1/49
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((5))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((5))

الوقفة الخامسة
وأما قوله(( ...ذلك أن القراءات ورواياتها منذ عصور التدوين في القرن الثالث إلى يومنا هذا، ليست كل واحدة منها هكذا نزلت من عند الله وليست كل رواية منها قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو قرأ بها أحد من الصحابة، بل لا يقول هذا القول إلا من لا يعرف حقيقة ما يقول، إن القراءات التي بين أيدينا هي اختيارات لمن نسبت إليهم من بين سيل من الروايات تلقوها عن شيوخهم من تابعي التابعين أو التابعين، ولتقريب ذلك إلى العوام فإن قراءة نافع هي اختياراته من بين ما تلقى من الروايات عن سبعين من التابعين منهم : أبو جعفر القارئ وعبد الرحمن بن هرمز ...))هـ
فيجاب عنه بمــايلي:
أما قوله (إن القراءات التي بين أيدينا اختيارات لمن نسبت إليهم)، فهو كلام لاغبار عليه، لكن ينبغي أن يضاف إليه أن هذه الإختيارات مبنية علي أسس قوية منها:
1 - ثبوت الرواية واشتهار رواتها بالديانة والإتقان،ولهذا قال نافع) ... فنظرت إلي ما اجتمع عليه اثنان فأخذته،وما شذ فيه واحد تركته)([1]) ، ومن أوضح الأمثلة على ذلك وأشدها تأثيرا في النفوس ماوراه أبو القاسم الهذلي بسنده عن سليم،قال: رآني حمزة أبكي، فقال :وما يبكيك ياسليم ؟فقلت إن النحويين يعيبون عليك قراءتك( به والأرحام) و(بمصرخي)،فقال : ياسليم،قرأت علي الأعمش وقرأ الأعمش علي يحي بن وثاب وقرأ يحي علي زر بن حبيش وقرأ زر علي ابن مسعود وقرأ ابن مسعود علي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن جبريل عن الله تعلي، فهل للنحويين سندا مثل هذا([2]).
2 - موافقة الرسم،ولذالك خالف نافع قاعدته المطرة في الإستفهام المكرر في موضعي النمل والروم،فقرأ فيهما بالإخبار،قال الداني في إيجاز البيان فيما نقله المنتوري( .. والعلة في مناقضته لأصله فيهما إن الثاني من الاستفهامين لما رسم في هتين السورتين في جميع المصاحف بياء بعد الهمزة ورسم الأول فيهما بغير ياء دل ذلك على كون الثاني استفهاما والأول خبرا فاتبع الرسم فيهما وترك مذهبه المطرد في نظائرهما من أجل ذلك) ([3]) ،والى هذا المعنى يشير في ابن بري في الدرر اللوامع بقوله:
فصل والاستفهام إن تكررا = فصـــــــــــــــــــــــــير الثاني منه خبرا
واعكسه في النمل وفوق الروم = لكتبه بالياء في المرسوم
وقال مكي في الإبانة(.. قرأ أهل كل مصر من قرائتهم التي كانوا عليها بما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم ما خالف خط المصحف) ([4]) وقال نافع( .. قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم سهل جزل،لانمضغ ولا نلوك، ننبر ولا ننتهر،نسهل ولا نشدد،نقرأ علي أفصح اللغات وأمضاها)([5])، ومعلوم إن نافعا فرأ علي سبعين من تابعي أهل المدينة ،سمي منهم ابن هرمز وشيبة بن نصاح ويزيد بن رومان ويزيد بن القعقاع و مسلم ابن جندب،وأخذ هؤلاء عن ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وأخذ هؤلاء عن أبي بن كعب وأخذ أبي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم،فهذه النقول تدل على أن أسس الاختيار عند القراء مبنية على الأركان الثلاثة التي تقدم الكلام عليها.
[[[ وأما قوله ((ومن أمثلة اختيارات المصنفين المضحكة ما اختاره الداني في القرن الخامس للهجرة في كتابه التيسير للأزرق عن ورش عن نافع، إذ ضمنه هذه الطريقة من قراءته على شيخه خلف ابن خاقان على أحمد ابن أسامة على النحاس على الأزرق، لكنه في كتابه التيسير اختار للأزرق في بعض حروف الخلاف غير هذا الأداء، كاختياره له الفتح فيما لا راء فيه من سورتي والنازعات والشمس فيما كان من الفواصل على لفظ (ها) من ذوات الياء، وتلك قراءة الداني على شيخه أبي الحسن طاهر ابن غلبون، واختيار الداني المذكور، ومذهبه المؤلف مضحك لأنه وافق الرواية وهي الفتح الخالص كما هي طريق الأصبهاني عن ورش ورواية قالون وقراءة المكي والشامي وعاصم وأبي جعفر ويعقوب،وهو مضحك كذلك لأنه يبين لنا كيفية انشطار الروايات، وتعددها وهو ما يسمى بتركيب الطرق، وهو رغم ما فيه من العيوب قد لا يعترض عليه ما دام دورانه في فلك الرواية، وإنما يعترض عليه من حيث إمكانية تعدده حتى تصبح الروايات بالآلاف مما يقلب الأمر بالأحرف السبعة من السهولة إلى التكلف، ومن اليسر إلى العسر، ومما يخالف الكلية العامة المكررة في سورة القمر "ولقد يسرنا القرءان للذكر))هـ
فيجاب عنه بأن صف اختيار الداني بأنه مضحك، وصف لاينطبق على موصوفه، لأنه لايعرف في اختيارات الداني شيء يثير الضحك، أويكدر صفو الرواية، فالاختيار المذكور مذهب مشهور عند أهل النقل، أخذ به للأزرق جماعة من أئمة القراءات،منهم ابن سفيان القيرواني والمهدوي ومكي وابن شريح وابن بليمة وعبد المنعم ابن غلبون وابنه طاهر ([6]) ويلاحظ أن من بين هؤلاء من هو من طبقة شيوخ الداني، كعبد المنعم ابن غلبون وابن سفيان ، وبذالك تكون نسبة هذا الاختيار إلي الداني نسبة غير دققيقة.
وأما ما اعتراضه بان ذالك يؤدي إلى تكثير الطرق وقلب كلية التيسير، فهو اعتراض في غير محله،لأن كثرة الأوجه وتنوعها نوع من أنواع التيسير، كما تقدم بيانه.
وأما قوله ((وأما اختيارات المصنفين المبكية، فمنها اختيار ابن مجاهد في بداية القرن الرابع (إمالة الباري) في سورة الحشر لدوري الكسائي قياسا على إمالة حرفي البقرة (بارئكم) فهذا اختيار مبك حقا، لأنه قراءة حرف من كتاب الله بما لم ينزل به جبريل من عند الله على محمد (صلى الله عليه وسلم ) إذ قرأها جميع القراء بالفتح الخالص، وإنما ألحقها ابن مجاهد بأحرف اختص الدوري عن الكسائي وتفرد بإمالتها قال في النشر 2/39 وقال الداني في جامعه لم يذكر أحد عن (الباري) نصا وإنما ألحقه بالحرفين اللذين في البقرة ابن مجاهد قياسا عليهما، سمعت أبا الفتح يقول ذلك انتهى..)هـ.
فنجمل الكلام عليه فيما يلي:
أولا: إذا وضعنا كلا م الداني في سياقه وتأملنا فحواه فسوف نجد أنه لا يدل على النتيجة التي توصل إليها المؤلف،وهذا هو كلام الداني كما جاء في جامع البيان، قال الداني [[فصل: اختلفوا في إمالة الألف الواقعة قبل راء مكسورة وهي عين الفعل وكسرتها كسرة بناء في إخلاص فتحها وذلك يرد في خمسة أصول وحرف واحد لا غير، فالأصل الأول قوله تعالى في سورة البقرة (إلى بارئكم) و( وعند بارئكم) وفي الحشر (البارئ المصور) في الثلاثة ،أمال ذلك الكسائي في غير رواية أبي الحارث ونصير، فيما قرأت به، ولم يأت عنه بالإمالة نصا في (بارئكم) غير رواية أبي عمر([7] )من رواية الحلواني عنه، وغير قتيبة، ولم يذكر أحد عنه (الباري) نصا، إنما ألحقه بالحرفين اللذين بالبقرة ابن مجاهد قياسا عليهما، سمعت أبا الفتح يقول ذلك، واخبرنا ابن جعفر قال أخبرنا أبو طاهر قال قرأت على أبى عثمان([8]) (بارئكم) بالإمالة وعلى أبي بكر([9]) بالفتح،قال وكان أبو بكر يقرئ الناس بعدي (بارئكم) بالإمالة، وروايته التي ألحقها في كتابه"[10]" (البارئ المصور) بالإمالة([11]).]] اهـ
ثانيا: يظهر للمتأمل أن النفي منصب على نفي إمالته(الباري) نصا ،أما إمالتها أداءا، فهو أمر واضح من كلام الداني، فانه قول [أمال ذلك الكسائي في غير رواية أبي الحارث ونصير، فيما قرأت به] ويشهد لذلك ما نقله عن الفارسي عن أبي طاهر عن أبي عثمان،من قوله[وكان يقرئ بارئكم بالفتح والباري بالإمالة] وقوله[وروايته التي ألحقها في كتابه(الباري) بالإمالة] فهذا كله يدل على أن ابن مجاهد إنما ألحق(لباري) بالحرفين المذكورين من أجل رواية رواها وأداء نقله،وهو الأقرب إلى مراد الداني وشيخه أبي الفتح، وهو الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الأئمة ،المشهود لهم بالعلم والورع وكثرة الرواية([12])، ولو فرضنا أن ابن مجاهد قاسها على الحرفين المذكورين،فالمراد بالقياس فيها، إنما هو إجراء حكمهما فيها بجامع اطراد النقل في الجميع، كما تقدم النص عليه في كلام الجعبري وغيره،
ثالثا: هذه التوجيهات التي ذكرناها هي التي يجب أن يحمل عليها عمل ابن مجاهد، لو لم لم تثبت إمالة (البارئ ) أداء عن الدروي ، فكيف وقد ثبت ذلك عنه وعن وغيره ، قال ابن غلبون في التذكرة (... وأمال رجال الكسائي سوى أبى الحارث (بارئكم والبارئ المصور)[13]، ومعلوم ابن غلبون روى قراءة الكسائي في تذكرته، من رواية الدوري ونصير وقتيبة ،وقد نص على إمالة (البارئ ) جمع من الأئمة منهم:
1- أبو معشر الطبري في التلخيص([14])، وفيه قراءة الكسائي من روايتي الدوري ونصير، ونص أيضا علي إمالتها لابن ذكوان([15])
2 - ابن سوار في المستنير،ولفظه( روي ابن فرح والولي عن صاحبيه والمنقي فيما ذكره عنه أبو الحسن الخياط عن الدوري عن الكسائي (الباري) بالإمالة،([16])
3 - أبو علي المالكي في الروضة،ولفظه" وتفرد الدوري عن الكسائي في رواية زيد بن أبي بلال والوراق و بكار الضرير بإمالتها في قوله تعلى (الباري المصور) ([17])
4 - سبط الخياط في المبهج، ولفظه( ..وروى ابن فرح عن الدوري عن الكسائي ومحمد بن موسى عن ابن ذكوان من طريق المطوعي ( الباري) بإمالة فتحة الياء([18])
5 - أبو العز القلانسي في إرشاده وكفايته، ولفظه في الإرشاد(.. وروى بكار عن الدوري عن الكسائي إمالة (الباري)([19]) ولفظه في الكفاية (.. وروى ابن فرح عن الكسائي (الباري) بالإمالة) .([20])
6 - أبو الفضل الخزاعي في المنتهى،ولفظه(.. وأمال علي غير الليث والغساني عن أبي عمر والشذائي عن نصير وابو سليمن والشموني طريق ابن الصلت والجعفي (بارئكم) فيهما،وزاد أبو عمر طريق البلخي وابن بدر وأبي الزعراء (الباري المصور)([21])
7- أبو العلاء الهمذاني في الغاية، ولفظه( ووافقه- يعني المُطرِّز([22]) - ابن فرح عن الدوري في قوله (الباري المصور)([23])
تنبيه:
طريق أبي عثمان الضرير المذكورة في النص السابق، أسندها الداني في جامع البيان عن عبد العزيز بن جعفر الفارسي عن أبي طاهر ابن أبي هاشم عن أبي عثمان عن الدوري عن الكسائي،([24])، وأسندها ابن الجزري في النشر من ست طرق عنه عن الدوري([25]) .











[1] انظر الابابة ص:38

[2] انظر الكامل (مخطوط) ورقة :61

[3] انظر شرح المنتوري على الدرر اللوامع 1/231

[4] انظر شرح المنتوري على الدرر اللوامع 1/231

[5] انظر التذكرة في القراءات الثمان لابن غلبون1/107

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=106514#_ftnref6 3 انظر:النشر2/48

[7] الدوري .

[8] هو: سعيد بن عبد الرحيم البغدادي الضرير مقرئ معروف ضابط حاذق عرض على الدوري، وهو من كبار أصحابه ، عرض عليه أبو طاهر وغيره ، توفي بعد 310 هـ ، انظر الغاية 1/360، وعبد العزيز المذكور في الإسناد هو الفارسي ،أحد شيوخ الداني، وأبو طاهر هو عبد الواحد ابن أبي هاشم. تلميذ ابن مجاهد.

[9] أبو بكر: هو بن مجاهد،واسمه أحمد ابن موسى،

[10] يعني كتاب السبعة لابن مجاهد

[11] انظر/جامع البيان (مخطوط) ورقة 141،وفي النسخة المطبوعة من جامع البيان: ما لفظه(.. قال ورأيته قد الحق في كتابه (الباري المصور) بالإمالة ) ، 2/731

[12] للتوسع في ذلك ينظر كتاب السبعة، فقد ذكر فيه روايات وطرقا كثيرة عن كل واحد من القراء السبعة ،فذكر لنافع خمسا وعشرين رواية من خمسة عشر طريقا ، وذكر لابن كثير عشرة طرق مدارها على ثلاث روايات وهكذا.

[13] انظر:التذكرة في القراءات الثمان لأبي الحسن طاهر ابن غلبون 1/242 243.

[14] انظر التخليص في القراءات الثمان لأبي معشر، ص.179.

[15] انظر التلخيص ص:179

[16] انظر المستنير 2/482

[17] انظر:الروضة في القراءات الإحدى عشرة 1/370

[18] انظر:المبهج في القراءات السبع المتمة بقراءة ابن محيصن والاعمش و ويعقوب وخلف 3/68

[19] انظر:إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر ص 209

[20] انظر:الكفاية الكبرى في القراءات العشر ص 393

[21] انظر:المنتهى في أداء القراءات الخمسة عشر وطرقها( مخطوط) ورقة :102

[22] هو عبد الله بن أحمد ،ابوبكر المطرز اسند القراءة عن قتيبة وجماعة من أصحاب الكسائي ،انطر ترجمته في غاية النهاية 1/407

[23] انظر:غاية الاختصار في قراءات العشرة ائمة المصار 1/319

[24]انظر:جامع البيان 1/383

[25] انظر: النشر 1/170.


 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((6))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((6))


الوقفة السادسة
· وأما قوله (( ومن ذلك البحث في أصل ألف (تترا) وألف (كلتا) لمعرفة صحة إمالتها لغة، لإقحامها في القراءات))هـ.
فيجاب عنه بأن البحث في أصل ألفي (تترا) و(كلتا) بحث لغوي أدائي، وثيق الصلة بالقراءات،لايحتاج إلى أن يقحم فيها،إلا تكون اللغة التي نزل بها القرآن لغة غير لغة العرب، أو تكون (تترا) و(كلتا) غير واردتين في نص الذكر الحكيم، أما تترا ،فالكلام فيها إنما هو على علي قراءة من نونها- وهو ابن كثير وأبو عمرو – فيجوز أن تكون ألفها بدلا من التنوين، ويجوز أن تكون للإ لحاق، فعلي الأول لاتجوز إمالتها في الوقف لأبي عمرو،وعلي الثاني تجوز إمالتها له،لأنها كالأصلية المنقلبة عن ياء، قال الداني [[... والقراء وأهل الأداء علي الأول،وبه قرأت وبه آخذ،وهو مذهب ابن مجاهد وأبي طاهر ابن أبي هاشم وسائر المتصدرين]]([1]) ،نص الازميري على الوجهين من لإرشاد وغاية أبي العلاء([2])،وهو قال رحمه الله،وحسبك بنقل أبي العز القلانسي، فكيف وقد انضم إليه نقل أبي العلاء الهمذاني ([3]).
واماكلتا فقد اختلف في ألفها أيضا،فقيل إنها للتأنيث،وقيل إنها للتثنية،فعلي الأول تمال لحمزة والكسائي وتقلل لأبي عمرو وورش بخلفه،وعلي الثاني لايكون فيها تقليل ولا إمالة،والفتح مذهب أكثر أهل الأداء،والإمالة مذهب طائفة منهم،قال في النشر[[... نص علي إمالتها للأصحاب العراقيون قاطبة،كأبي العز، وأ بن سوار، وبن فارس، وسبط الخياط وغيرهم،ونص علي الفتح غير واحد،وحكي الإجماع عليه أبو عبد الله ابن شريح وغيره،ثم قال والوجهان جيدان ،لكني إلي الفتح أجنح ،فقد جاء به منصوصا عن الكسائي سورة بن المبارك]] ([4]).
واماقوله ((ان عملية إفراد الروايات هي التي جعلت المصنفين يتتبعون كل قاعدة لغوية او لهجة عربية من الأحرف السبعة وردت في في بعض كلمات القرآن رواية،فيقرؤن بها سائر نظائرها،كما ستأتي، ولا يعتبر العدول الى صحيح الروايات بدل رواية عسر أو شق أو خفي أدائها من القياس بل هو الرواية والنص والداء الواجب اتباعه، إن القياس ثمرة لتجذير المغايرة بين الروايات والقراءات حتى أصبحت بتعددها كأنها كلها منزلة من عند الله وهو قول في منتهى السقوط والافتراء، لأن القرءان غير القراءات ولأن القرءان متواتر جملة وتفصيلا، والقراءات ليست كذلك، إذ تضمنت الضعيف والشاذ والوهم والوضع الذي منه القياس، ولإثبات ذلك فإن أئمة القراءات أنفسهم يعترفون بهذه الحقيقة كاملة قال أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز: فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ انتهى من النشر 10/1)) هـ
فيجاب عنه بما بما يلي:
أما قوله(..لأن القرآن غير القراءات)فسيأتي الحديث عنه ضمن الكلام على الخلاف في تغاير القرآن والقراءات.
وإما الاستدلال بكلام أبي شامة فيه نظر،لأن المؤلف تصرف في نقله،وإليك نص كلام أبي شامة كما جاء في النشر [[... فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة، وأن هكذا أنزلت إلا إذا دخلت في ذلك الضابط وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم، بل إن نقلت عن غيره من القراء، فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا عمن نسبت إليه، فإن القراءات السبع المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة أو غيرهم منقسمة إلي المجمع عليه والشاذ ،غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم]]([5]).
فهذا هو كلام أبي شامة كما نقله ابن الجزري في النشر ،والناظر فيه يدرك أ ن المؤلف حذف بعضه،فافسد المعنى الذي أراده أبو شامة، وأحال المعنى الذي لأجله سيق الكلام في النشر، فهو وارد في سياق الحديث عن الأركان الثلاثة، وبيان أنها مقياس لصحة القراءة سواء كانت هذه القراءة منقولة عن الأئمة السبعة أم كانت منقولة عن غيرهم ، ولم يصب المؤلف حين وجه كلام أبي شامة إلى الروايات المشهوة عن الأئمة السبعة التي استجمعت الأركان الثلاثة، والتي حواها الحرز وأصله،وللتأكيد على ذلك أسوق لك هنا كلام أبي شامة كما سطره في المرشد الوجيز ،قال رحمه الله:[[ فصل أن هذه القراءات الصحيحة المعتبرة المجمع عليها قد انتهت إلي السبعة القراء المتقدم ذكرهم،واشتهر نقلها عنهم، لتقديمهم لذالك،وإجماع الناس عليهم،فاشتهروا بها كما اشتهر في كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة أقتدي بهم، وعول فيها عليهم،ونحن وان قلنا إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت،وعنهم نقلت،فلسنا ممن يقول إن جميع ما روي عنهم يكون بهذه الصفة،بل قد روي عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف وشاذ بخروجه عن الضابط المذكور باختلال بعض الأركان الثلاثة، ولهذا يري كتب المصنفين في القراءات السبع مختلفة في ذالك،ففي بعضها ذكر ما سقط في غيرها،والصحيح باللإعتبار الذي ذكرناه موجود في جميعها أن شاء الله ]] ([6]) ثم قال:[[ فلا: ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزي إلي واحد من هؤلاء الأئمة السبع]] إلي آخر كلامه الذي نقلناه عن ابن الجزري آنفا.
واماقوله (( .. وقال عمرو بن الحاجب والسبعة المتواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه انتهى من النشر 1/13)) هـ
فيجاب عنه بأنه مشتمل على زيادة لاتصح نسبتها لابن الحاجب،كما نص عليه المحققون،والكلام في ذلك مشهور في كتب الأصول، وهذه الزيادة هي قوله[[ فيما ليس من قبيل الأداء كالمد الإمالة وتخفيف الهمز]]،ومن المباحث المتعلق بهذه المسالة أن هذه الفقرة لاتوجد في أصل مختصر ابن الحاجب،المعروف ب(( منتهي الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل)) ولفظه في الأصل [[ مسألة والقراءات السبع متواترة لنا،ولو لم تكن متواترة لكان بعض القرءان غير متواتر كماك ومالك ونحوهما،وتخصيص أحدهما تحكم لاستوائهما]] ([7])وإنما وردت هذه الزيادة في المختصر، وهذا يدل على اضطرابها، لأن الأصل مظنة الزيادة والتفصيل، وليس العكس، وهاهنا مسائل يجب ذكرها في هذا المقام.
المسألة الأولى: اتفق المحققون علي تواتر القراءات السبع، ولم يستثنوا منها شيئا،لا مدا ولا غيره، وهذا القول هو الذي صدر به ابن السبكي كلامه، ثم حكي قول ابن الحاجب بصيغة التضعيف،فقال: [[وقيل]]([8])،وهذا المعنى هو الذي يدل عليه كلام ابن الجزري الذي لم يذكره المؤلف، واكتفى بنقل ما قبله وما بعده ونصه [[..وهو- يعني ابن الحاجب- وإن أصاب في تفرقته بين الخلافين،في ذ لك كما ذكرناه، فهو واهم في تفرقته بين الحالتين نقله وقطعه بتواتر الاختلاف اللفظي دون الأدائي ،بل هما في نقلهما واحد، وإذا ثبت تواتر ذالك، كان تواتر هذا من باب أولي، اذ اللفظ لايقوم إلا به،ولا يصح إلا بوجوده، وقد نص علي تواتر ذالك كله أئمة الأصول كالقاضي أبي بكر ابن الطيب الباقلاني، في كتابه الانتصار وغيره،ولا نعلم أحدا تقدم ابن الحاجب إلي ذالك]] ([9])،فهذا من تمام كلام ابن الجزري الذي لم يذكره المؤلف .
وقد نص البناني في حاشيته على شرح المَحَلِّى على جمع الجوامع على أن هذا القول ضعيف، وأن ابن الحاجب وأبا شامة ليس لهما فيه سلف([10])
المسألة الثانية: من جملة الردود على التي رد بها العلماء كلام ابن الحاجب أن إطلاق عدم تواتر المد والإمالة لا يصح، للإ تفاق علي تواتر أصلهما،ولأن القراءة تتواتر عند قوم ،ولا تتواتر عند آخرين، قال البناني [[ ..ولا يضر كون أسانيد القراء آحاد إذ لا يمنع تخصيصها في جماعة مجيئها عن غيرهم ،بل هو الواقع فقد تلقاها عن أهل كل بلد بقراءة إمامهم الجم الغفير عن مثلهم وهلم جرا، وإنما نسبت إلى الأئمة المذكورين ورواتهم المذكورين في أسانيدهم لتصديهم لضبط حروفها وحفظ شيوخهم الكمل ليها، وإنما لم يمثل الشارح –يعني المحلي- على كون القراءات متواترة للعلم بذلك وظهوره للكل]] ([11])،وقال في موضع آخر[[..إن أريد بالتواتر ما كان من قبيل الأداء تواتره باعتبار أصله، كأن يراد تواتر المد من غير نظر لمقداره، وتواتر الإمالة كذلك، فالوجه خلاف ما قال ابن الحاجب، للعلم بتواتر ذلك، وإن أريد تواتر الخصوصيات الزائدة على الأصل، فالوجه ما قاله ابن الحاجب، ثم قال: ينبغي أن يكون الكلام في مقدارها يعني الإمالة- وكذلك الأمر بالنسبة للمد]]([12])، وقال الزركشي بعد أن نقل كلام ابن الحاجب [[..والحق أن المد والإمالة لا شك في تواتر القدر المشترك بينهما، وهو المد من حيث هو مد والإمالة من حيث هي إمالة، ثم ذكر اختلاف القراء في تقدير المد ثم قال: فعلم بهذا أن المد متواتر والاختلاف والنظر إنما هو في كيفيته والتلفظ به]]([13]).
المسألة الثالثة: تقدم نقل اتفاق العلماء علي تواتر القراءات السبع، وهذه نبذة من كلامهم في ذالك ، يستدل بها على غيرها، قال القاضي أبو بكر ابن الطيب الباقلاني [[..جميع ما قرأ به قراء الأمصار مما اشتهر عنهم واستفاض نقله، ولم يدخل في حكم الشذوذ رأوه سائغا- يعني العلماء- جائزا من همز ومد وإدغام وتشديد وحذف وإمالة، أو ترك ذلك كله، أو شيء منه، أو تقديم، أو تأخير، فإنه كله منزل من عند الله تعالى وهو مما وقفه الرسول صلى الله عليه وسلم على صحته وخير بينه وبين غيره وصوب جميع القراء به]] ([14])، وسئل ابن السبكي عن زيادته على ابن الحاجب (قيل) المقتضية لاختياره أن ما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة متواتر، فأجاب في كتابه منع الموانع على جمع الجوامع [[ اعلم أن السبعة متواترة والمد متواتر، والإمالة متواترة، كل ذلك بَيِّنٌ لا شك فيه، وقول ابن الحاجب فيما كان من قبيل الأداء صحيح لو تجرد من قوله، كالمد والإمالة، لكن تمثيله له بهما أو جب فساده ،كما سنوضحه بعد، ولذلك قلنا (قيل) ليتبين أن القول بأن المد والإمالة والتخفيف غير متواتر ضعيف عندنا، بل هي متواترة... فإذا عرفت ذلك ،فكلامنا قاض بتواتر السبع ومن السبع مطلق المد والإمالة وتخفيف الهمز بلا شك]]([15]).
المسألة الرابعة: للعلماء في الفرق بين القرءان والقراءات مذهبان: أحدهما: أن القرءان والقراءات شيء واحد، والثاني أن بينهما فرقا، وهو مذهب مكي الزركشي على اختلاف بينهما في وجه التفرقة([16])، فذهب مكي إلى أن التفرقة بين الاثنين إنما تكون على أساس النقل عن الثقاة وموافقة الرسم والشيوع في العربية، فما توفرت فيه الشروط الثلاثة فهو قرءان وقراءة، وما اختل فيه شرط ،فهو قراءة، وليس قرءانا، وذهب الزركشي إلى التفرقة بينهما من وجه آخر فقال [[..اعلم أن القرءان والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرءان هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كيفية الحروف أو هيئتها من تحقيق وتسهيل وغيرهما]]([17])، وقد مال الإمام السخاوي إلى قول مكي فقال [[..وهو المختار عندهم ]]([18])، قال ابن لب([19]) الغرناطي [[..وذلك أن من قرأ القرءان من فاتحة الكتاب إلى خاتمه، فقد قرأ حرفا واحدا من الأحرف المشهورة، أي أنه جمع القرءان كله، وقد بقي عيه قرءان كثير من الأحرف الباقية]] ([20])، وذهب بعض أهل العلم إلى أن القرءان والقراءات حقيقتان متداخلان متوافقتان بالنظر إلى القراءات المتواترة،وحقيقتان متغايرتان بالنظر إلى القراءات الشاذة،وعليه فالقراءات المتواترة، قراءات وقرآن،والقراءات الشاذة قراءات وليست قرآنا.
وأما قوله: ((قال أبو الحسن علي ابن عبد الكافي السبكي وهكذا التفصيل في شواذ السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا، انتهى من النشر 1/44))هـ
فيجاب عنه بان المؤلف، تصرف في نقل كلام السبكي، ووضعه في سياق مغاير، وهذا نص كلام السبكي كما نقله ابن الجزري في النشر[[.وقال الإمام العلامة شيخ الشافعية والمحقق للعلوم الشرعية،أبو الحسن على بن عبد الكافي السبكي في شرح المنهاج في صفة الصلاة فرع: قالوا –يعني أصحابنا الفقهاء- تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بالقراءات السبع، ولا تجوز بالشاذ، وظاهر هذا الكلام يوهم أن غير السبع المشهورة من الشواذ، وقد نقل البغوي في أول تفسيره الاتفاق على القراءة بقراءة يعقوب وأبي جعفر مع السبع المشهورة، قال: وهذا هو القول الصواب، واعلم أن الخارج عن السبع المشهورة على قسمين منه ما خالف رسم المصحف فهذا لا شك فيه أنه لا تجوز قراءته لا في الصلاة ولا في غيرها، ومنه ما لم يخالف رسم المصحف ولم تشتهر القراءة به وإنما ورد من طريق غريبة لا يعول عليها، وهذا يظهر المنع من القراءة به أيضا، ومنه ما اشتهرت عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما وحديثا، فهذا لا وجه لمنعه، ومن ذلك قراءة يعقوب وغيره، قال: والبغوي أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه مقرئ فقيه، جامع للعلوم، قال وهكذا التفصيل في شواذ السبعة فإن عنه شيئا كثيرا شاذا]]([21]).
وأما مناسبة إيراد ابن الجزري لكلام السبكي، فهي أنه كان يتحدث عن اعتراض بعض علماء القراءات على الاقتصار على هؤلاء السبعة، وترك من عداهم ممن هو في رتبتهم أو فوقهم، وعلاقة ذلك بالأركان الثلاثة، فنقل كلام الكواشي، حيث قال [[..ومتى فقد واحد من هذه الثلاثة المذكورة في القراءة، فاحكم بأنها شاذة، ثم قال: وقال الإمام العلامة المحقق شيخ الشافعي الخ ..]] ،فهذا هو السياق الذي أورد فيه ابن الجز ي كلام السبكي ،وبه يتضح أن قوله [[وهكذا...]] يرجع إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في كلامه، فمصب التفصيل المذكور ،إنما هو على الروايات التي لم تشتهر عن الأئمة السبعة ،شهرة الروايات التي بأيدي الناس اليوم، وسياق الكلام لا يدل على أن في القراءات السبع التي يقرأ بها الآن شيء شاذ، فكل ما هنالك أن ثمة كلمات يسيرة ادعي فيها أنها مخالفة لقاعدة نحوية ،وليس ذلك بشيء ترد من أجله القراءات المتواترة التي نقلتها أمم لاتحصى ،وقرأت بها أجيال لاتستقصى .
وأما قوله (( واتسع الخلق بإكثار المدونين من الروايات والقراءات ... ثم قال: قال: ابن الجزري (1/35) ولا زال الناس يؤلفون في كثير القراءات وقليلها ويرون شاذها وصحيحها بحسب ما وصل إليه أو صح لديه ولا ينكر أحد عليهم بل هم في ذلك متبعون سبيل السلف ...))هـ
فيجاب عنه بأنه وارد في سياق خاص، وهو الحديث عن الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات التي يقرأ بها في الأمصار، هل هي جميع الأحرف السبعة ،أم بعضها، حيث قال [[.. فإن هذه المسألة تنبني على الفصل المتقدم، فإن من عنده أنه لا يجوز للأمة ترك شيء من الأحرف السبعة، يدعي أنها مستمرة النقل في التواتر إلى اليوم، وإلا لكانت الأمة جميعها عصاة مخطئين في ترك ما تواتر منها... ثم قال وأنت ترى ما في هذا القول ،فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة والثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهورا في الأعصار الأولي قل من كثر ونزر من بحر، وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أولئك المتقدمين من السبعة وغيرهم كانوا أمما لا تحصى وطوائف لا تستقصى، والذين أخذوا عنهم أكثر وهلم جرا..]] ([22]) ثم ذكر أوائل المؤلفين في القراءات، وأشار إلى مناهجهم في التأليف وذكر أسماء مؤلفاتهم،فهذا هو سياق كلام ابن الجزري، وهو كما رأيت يوضح المعنى الذي قصده ابن الجزري من الفقرة التي نقلها المؤلف.

[1] انظر:جامع البيان1/762

[2] انظر :إتحاف البررة بما سكت عنه نشر العشرة ص:148

[3] انظر: الإرشاد ص:150،وغاية الاختصار :1/330 ،و2/584

[4] انظر النشر2/60 وينظر الإرشاد لأبي العز القلانسي :78

[5] انظر النشر 1/10.

[6] انظر:المرشد الوجيز إلي علوم تتعلق بالكتاب العزيز 174_175

[7] انظر منتهي الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل ص:32، وانظر مختصره، المعروف بمختصر المنتهي 1/21ثم قارن بينهما يظهر لك الاختلاف بين المختصر وأصله .

[8] انظر:جمع الجوامع بشرح المحلى 1/131.

[9] انظر:النشر1/14

[10] انظر:حاشية البناني على شرح المحلي 1/131.

[11] انظر:حاشية البناني على شرح المحلي 1/131

[12]انظر: حاشية البناني على شرح المحلي 1/132

[13] انظر:البرهان في علوم القرءان ، 1/225

[14] انظر:مختصر الانتصار لنقل القرءان، ص.85 وانظر منجد المقرئين ، ص.62.

[15] انظر:منجد المقرئين ، ص.62.

[16] انظر:الإبانة عن معاني القراءات لمكي ، ص.57-58، والنشر 1/9.

[17]انظر: البرهان في علوم القرءان 1/318.

[18] انظر:جمال القراء وكمال الاقراء 2/440.

[19] هو فرج بن قاسم بن لب ، أبو سعيد التغلبي الغرناطي، الشهير بابن لب، اخذ عن القيجاطي وأبي حيان ، وعنه أبو إسحاق الشاطبي وابن جزي وابن الخطيب ،من مؤلفاته رسالة في تواتر القراءات سمها:فتح الباب ورفع الحجاب بتعقب ما وقع في تواتر القرآت من سؤال وجواب، أوردها الونشريسي في المعيار، توفي ابن لب سنة 782 هـ

[20] انظر:المعيار المغرب الونشرييسي 12/105.

[21] انظر النشر: 1/44 ،ومنجد المقرئين ، ص.49، وقد بحث عن كلام السبكي في شرحه على منهاج البيضاوي في أصول الفقه المسمى بالإبهاج، والذي أكمله ولده عبد الوهاب، فلم أجده فيه،وذكر لي بعض فقهاء الشافعية أن للسبكي شرحا على منهاج النووي في الفقه يسمى الابتهاج،ثم وقفت بعد ذلك على كلام للقسطلاني في "لطائف الإشارات" قال[.. كذا قال الإمام السبكي في منهاج النووي في صفة الصلاة] ،انظر: اللطائف:ص75.

[22] انظر: النشر 1/33
 
جزاكم الله خير الجزاء على هذه الدرر النفيسة ، وتلك الردود العلمية القيمة التي استفدنا منها كثيراً.
 
وما اشد عجبي منك لزمت الصمت حين كنت راغبا ترجوني بعض المخطوطات في موريتانيا ولما اخبرتك بانشغالي في هذه الفترة بدات تحاول التربص بي والتعاطف مع من خالفني ولتعلموا اني لا ابالي لو خالفني المعاصرون جميعا فما بالك بمن لا يفقه ما يقول وانما يستنسخ وينقل نقلا وبمن يرقص على ايقاع جهد غيره
 
توضيح لابد منه

توضيح لابد منه

لعل الأستاذ الحسن يقصد شخصا آخر،لأني لم يسبق لي أن طلبت منه مثل هذا الطلب ،و قبل أن أترك هذا "المربع "،أود أن أشير إلى أن قصدي بهذه الهومش إنما هو النصح لكتاب الله تعلى ولقراء المسلمين عامتهم، ولن أقبل أن أجر الى الردود،والردود المضادة،ولا أقول إن الصواب محنصر في هذه الملاحظات والخطأ منحصر في غيرها،ولكن أقول ما قال الشاطبي:
وسلم لإحدى الحسنيين إصابة= والأخرى اجتهاد رام صوبا،فأمحلا
 
[FONT=&quot]الأخ أحمد بن محمد فال [/FONT]​
[FONT=&quot]السلام عليكم [/FONT]​
[FONT=&quot]يبدو أن لك خلقا حسنا ، وأسلوبا رزينا ، ولكني لم أتعرف عليك ، وأحسب اسمك مستعارا أو لم تنتسب إلى أسرتك كالمعلوم في مجتمعاتنا .[/FONT]​
[FONT=&quot]ولكن لا شك عندي أنك تستنسخ من الأمهات وتفسرها تفسيرا يسع كلا توظيفه لنفسه ، وكنت أردت أن أسألك أسئلة في تحرير طرق القراءات وأسئلة فنية في النشر فإن أجبت عنها فلا رجل أعز منك ولأنت بغيتي وشيخي ولأنا أول من يعتر فلك بذلك وأكون لك من الشاكرين وإن لم تفعل فلن أضيع الوقت في الدوران حول المربع إذ قد خالفت عن وعي ودراية ما تستشهد به من كلام الأولين ولم تأت بجديد من عندك فأقف معه متأملا لعله يفيدني أو يهديني ، وإنما منعني من ذلك أني لم أتعرف عليك ولم أدر ما تحصيلك ، فإن كنت من المتخصصين في القراءات فلتخبرني مشكورا لأسألك أسئلة أنتقيها من عوائص النشر والتيسير والحرز وجامع البيان وغيرها فإن أجبت على نصفها أعلنت على الملإ عدولي عن بحث إثبات تواتر القرآن وتراجعت عن نشر كتابي ـ قيد الإنشاء ـ تيسير طرق النشر من أصوله إلى الرواة ، وكان من قبل تحت عنوان المستدرك على السلاسل الذهبية ، ولا يخفى عليك أن الدكتور أيمن رشدي سويد قد اتصل بي هاتفيا وأخبرني باحترامه استدراكاتي أي أنها ليست كالذي تصور به أنت بحوثي .[/FONT]​
[FONT=&quot]أخي أحمد بن محمد فال : [/FONT]​
[FONT=&quot]لست على استعداد لتضييع بعض الوقت على حساب كتابي تيسير طرق النشر من أصوله إلى الرواة إلا إن كنت على استعداد للتعامل مع أسئلة ثلاثة لا أكثر من النشر الذي تدافع عنه .[/FONT]​
[FONT=&quot]وأما أنت أيها الدكتور الكفراوي فقد وجب عنك الإمساك [/FONT]​
[FONT=&quot]الحسن بن ماديك [/FONT]​
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((7))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((7))

الوقفة السابعة:
وأماقوله ((ولعلنا على مضض تجرعنا اعتراف أئمة القراءات والمصنفين منهم بتسرب الشذوذ والوهم والضعف إلى القراءات عموما دونما استثناء للسبع والعشر وغيرهما))هـ
فيجاب عنه بأن يقال لعلنا استسغنا كلام أئمة القراءات والمصنفين حين وضع في سياقه،وعرفنا أنهم لايقولون بتسرب الشذوذ والوهم والضعف إلى القراءات عموما دونما استثناء للسبع والعشر وغيرهما.
واماقوله ((ولا يعني تضمن القراءات للشذوذ أنها متواترة فيما لا شذوذ فيه ، فهيهات أن يكون الأمر كذلك، إذ اعترف أئمة القراءات بعدم تواترها ودافعوا عن هذه الحقيقة بدافع الدفاع عن تعدد الروايات والقراءات لا غير ))هـ.
فيجاب عنه بأنه فهو مبني على ما تقدم، وقد تقدم الكلام على ذلك،وأما إنكاره لتواتر مالاشوذ فيه من قراءات، فهو من جنس كلامه السابق،وسيعود المؤلف الى تكرار هذا الكلام كلما تعرض لذكر القراءات.
وأما قوله ((قال المحقق ابن الجزري في النشر 1/13 وقد شرط بعض المتأخرين في هذا الركن التواتر ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به القرآن وهذا مما لا يخفى ما في،ه فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي وجب قبوله وقطع بكونه قرآن سواء وافق الرسم أو خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم انتهى))هـ، فهو كلام يفهم في سياقه،وسياقه أ ن ابن الجزري كان يتحدث عن الأركان الثلاثة التي يشترط توفرها في القراءة الصحيحة، فقال[[..وقولنا وصح سندها،إنما نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله،كذا حتي تنتهي،وتكون مع ذالك مشهورة عند أئمة هذا الشأن، الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط،أو مما شذ بها بعضهم..]]، وكلامه هذا وارد في الاحتجاج لمذهبه الجديد في الاكتفاء بصحة السند دون الحاجة الى التواتر،ولذالك قال عقبه [[..وفد كنت قبل أجنح إلي هذا القول ثم ظهر لي فساده]] وبذلك يتبين لك أن المؤلف تصرف في كلام ابن الجزري،فحذف بعضه ووضعه في سياق مغاير.
واماقوله ((ثم قال-يعني ابن الجزري- نقلا عن أبي شامة في مرشده وقد شاع على ألسنة جماعة من المتأخرين وغيرهم من المقلدين، أن القراءات السبع كلها متواترة في كل فرد مما روي عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا والقطع بأنها كلها منزلة من عند الله واجب، ونحن بهذا نقول لكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه فرق من غير نكير له مع أنه شاع وذاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها انتهى. ثم نقل عن الجعبري قوله الشرط واحد وهو صحة النقل ويلزم الآخران، فهذا ضابط يعرف به ما هو من الأحرف السبعة وغيرها)) هـ
فيجاب عنه بأنه كلام متصل بما سبق،فاستدلال المؤلف به هنا استدلال في غير محله،لأنه سيق مساق الاحتجاج للمذهب السابق، وقد أورده في منجد المقرئين، في معرض رده على أبي شامة فقال[[..وهذا الكلام يمكن أن يكون مدسوسا عليه،أو أنه قاله لأن كتابه هذا من أول ما ألف من الكتب، ثم قال: وهذا يحدث لكثير من المؤلفين، ثم عقب علي ذلك بقوله: قلت ونحن يشهد الله أنا لانفصد إسقاط الإمام أبي شامة،اذ الجواد قد يعثر،ولا نجهل قدره،بل الحق أحق أن يتبع،ولكن نقصد التنبيه علي هذه الزلة المزلة،ليحذر منها من لامعرفة له بأقوال الناس،ولا اطلاع له علي أحوال الأئمة،ثم قال:هذا كلام من لم يدر ما يقول،حاشا الإمام أبا شامة منه،وأنا من فرط اعتقادي فيه،أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شيء،ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه،أو إنه إنما ألف هذا الكتاب أول مرة،كما يقع لكثير من المؤلفين،وإلا فهو في غيره من مصنفاته، كشرحه للشاطبة بالغ في الإنتصاروالتوجيه لقراءة حمزة والأرحام بالخفض،والفصل بين المتضايفين،..وهذا الكلام مباين لما تقدم ،وليس منه في شيء،وهو الألق بمثله رحمه الله،ثم قال:ثم لم يكتف الإمام أبو شامة حتي قال: فذلك محمول علي قلة ضبط الرواة،لا والله، بل كله محمول علي كثرة الجهل ممن لايعرف لها أوجها وشواهد صحيحة تخرج عليها ،كما سنبينه إن شاء الله في الكتاب الذي وعدنا به آنفا،اذ هي ثابتة مستفاضة، ورواتها أئمة ثقات،وإن كان ذالك محمولا علي قلة ضبطهم،فليت شعري أكان الدين قد هان علي أهله حتي يجيء شخص في ذلك الصدر يدخل في القراءة بقلة ضبطه ما ليس منها فيسمع منه ويؤخذ عنه ويقرأ به في الصلوات وغيرها ويذكره الأئمة في كتبهم ويقرؤن به ويستفاض ولم ينزل كذالك،إلي زمانا، هذا ويمنع أحد من أئمة الدين القراءة به،مع أن اٌلإجماع منعقد علي أن من زاد حركة أو حرفا في القرآن،او نقص من تلقاء نفسه مصرا يكفر،والله جل وعلا تولي حفظه]] ([1]) .
وهاهنا مسألتان لابد من ذكرهما في هذا المقام::
المسألة الأولى: تقدم أن التواتر لايقدح فيه اختلاف الرواة ، فقد تتواتر القراءة عند قوم، ولا تتواتر عند قوم آخرين، قال ابن عرفة [[..أما وجه القراءة فلا يشترط فيه التواتر بحال، فقد قال أئمة العربية إن قراءة حمزة (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) ضعيفة، وكذا قراءة قالون (محياي) بسكون الياء ضعيفة جدا]]([2])،وقد تقدم هذا المعنى منصوصا في كلام جماعة من الأئمة.
المسألة الثانية ما ذكره أبو شامة من اشتراط اتفاق طرق النقل،لم يسبقه إليه احد، ولذلك اختلفوا في العدد الذي يتحقق به التواتر اختلافا كثيرا، خلصوا منه إلى نتيجة مؤداها أنه ما يحصل به العلم، والعلم حاصل لا محالة بهذه الروايات التي اختلف فيها الرواة عن أئمة القراءات، قال الإمام ابن لب الغرناطي [[... وهاهنا وجه خفي ينبغي التَّنَبه له، وهو أن تواتر القراءات السبع إنما هو خصوص في القراء والأقطار ،وليس تواتر عموم،كالعلم في البلاد النائية ،والقرون الخالية، وإنما ذلك كتواتر أشياء من الصنائع عند (أهل) كل صناعة فلا يعرف تواتر ذلك غيرهم، كذلك قراءة نافع تواترت بالمدينة وأحوازها عن قرائها وعن من ينقل إليه ذلك في البلاد النائية، إن نقلت إليها، وقراءة ابن كثير بمكة ،وأما أبو عمرو بالبصرة وابن عامر بالشام والكوفيون بالكوفة وفي كل مصر من هذه الأمصار الخمسة وما يرجع إليه من البلاد عالم كثير من القراء ،قد علموا تواتر تلك القراءة هنالك وحملوها كذلك]] ([3])









[1] انظر:منجد المقرئين ، ص.65-67.

[2] انظر: المعيار المغرب للونشريسي 12/73.

[3] انظر: المصدر السابق:12/103.
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((8))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((8))

الوقفة الثامنة:
وأماقوله ((.. كيف فات على أئمة القراءات والمصنفين أن القرءان متواتر جملة وتفصيلا حرفا حرفا وكلمة كلمة دون الحاجة إلى تعدد الروايات والقراءات ودون ضرورة التمسك بالروايات ظنا منهم أن القرءان لا يصح حفظه ولا تواتره دونها، ولإثبات تواتر القرءان دون الحاجة إلى اللهجات فإليكم الدليل: البسملة بين السورتين عند الابتداء من أول كل سورة سوى براءة لجميع القراء وهي بين السورتين إلا أن تكون الثانية براءة لقالون والمكي وعاصم والكسائي وأبي جعفر ،هكذا وقع التواتر دون الحاجة إلى السكت والصلة بين السورتين، ولا يخفى انتفاء الرواية في تخصيص الأربع الزهر، الصراط كيف وقع بالصاد للمدنين والبري وأبي عمرو والشامي وعاصم والكسائي وخلف وروح، وبالسين بقنبل ورويس، هكذا وقع التواتر دون الحاجة إلى إشمام حمزة بل دون الحاجة الى السين أيضا،صلة ميم الجمع قبل متحرك تركها للبصريين والشامي والكوفيين،وترك صلتها قبل همزة القطع خاصة للعشرة إلا ورشا....أصدق ،تصدية، يصدفون، فاصدع ،قصد،يصدر، بالصاد الخالصة لأهل الحرمين وأبي عمرو والشامي و وعاصم وروح، ولا حاجة الى إشمام غيرهم.... الصيطرون،مصيطر بترك الإشمام للعشرة الاحمزة، ولا فرق بين قرائتي السين والصاد المتواترتين،الإدغام الكبير في أكثر من ألف وثلاثمائة كلمة إظهاره للعشرة،إلا وجها عن أبيعمرو،.....تأمنا تواترت بالإدغام الكبير(المحض)عند أبي جعفر، ولا حاجة إلى الروم والإشمام عند غيره.....الهمزتان من كلمة : تحقيق الثانية لابن عامر والكوفيون وروح،وترك ألف الإدخال قبل الفتح والكسر لورش والمكي و ابن ذكوان والكوفيين ويعقوب،ولهشام في وجه وترك ألف الإدخال قبل الضم لورش والمكي وابن ذكوان والكوفيين ويعقوب،ووافقهم قالون وهشام وأبو عمرو في وجه عنهم..... الهمز المفرد الساكن حققه:المكي وهشام وحفص وحمزة ويعقوب ووافقهم غيرهم في بعض الكلمات ..... لام بل وهل إظهاره لأهل الحرمين وابن ذكوان وعاصم وخلف ويعقوب...))هـ
فيجاب عنه بما يلي:
أما قوله ((...كيف فات على أئمة القراءات والمصنفين أن القرءان متواتر جملة وتفصيلا حرفا حرفا وكلمة كلمة دون الحاجة إلى تعدد الروايات والقراءات ودون ضرورة التمسك بالروايات ظنا منهم أن القرءان لا يصح حفظه ولا تواتره دونها)هـ
فيجاب عنه بأن الأئمة والمصنفين لم يجعلوا تعدد الروايات شرطا لتواتر القرءان،وإنما تمسكوا بما تواتر من القراءات ، لأنها كيفيات تؤدي بها ألفاظ القرءان،فاذا تواترت تلك الكيفيات فهي قرءان،ثم إن الأئمة حين نصوا على تواتر القراءات لم يكونوا يقصدون كل القراءات، لعلمهم أن من القراءات ماهو شاذ ،ولكنهم كانوا يقصدون القراءات السبع والعشر برواياتها المشهورة التي انحصرت في هذه الأزمنة في طرق الشاطبية والتيسير والدرة والتحبير وطيبة النشر .
واماقوله((تأمنا تواترت بالإدغام الكبير( المحض)عند أبي جعفر، ولا حاجة الى الروم والاشمام عند غيره)) فيجاب عنه بأنه لافرق بين الإدغام المحض والروم والإشمام،لأن الكل لهجات،ولأن أبا جعفر يبدل الهمزة ألفا، والابدال صنو الروم والإشمام والإدغام المحض، وقد تقدم أن الجمع بين التحقيق والإدغام المحض لم يقرأ به أحد من العشرة من الطرق القرءوء بها، ولذلك لم يعول في الطيبة على ما انفرد به ابن مهران عن قالون من الإدغام المحض في هذا الحرف،ومعلوم أن مذهبه تحقيق الهمز، ،وقد تقدم أيضا اتفاق القراء على ادغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء إدغاما محضا،واتفاقأكثرهم على إدغامهما بغنة في حروف (ينمو).
واما قوله((..الهمزتان من كلمة :تحقيق الثانية لابن عامر والكوفيون وروح،وترك ألف الإدخال قبل الفتح والكسر الخ.. )) فيجاب عنه،بان الأمر ليس على الاطلاقه، لاتفاق العشرة على ترك التحقيق في الهمزة الثانية في (آلذكرين)معا و( وآلله)معا و(والآن) معا،حيث قرأ الجميع في هذه المواضع الستة بوجهين،أحدهما: التسهيل وثانيهما الإبدال، ولاتفاق الكل أيضا على إبدال الهمزة الساكنة بعد همزة حرف مد من جنس حركة ما قبلها نحو (أوتوا) و(وءادم)و (إيلافهم) وهو كثير في القرءان، وإليه الإشارة بقول الشاطبي
وإبدال أخرى الهمزتين لكلهم=إذا سكنت عزمٌ كآدم أوهلا
وما يقال في(آلذكرين) وبابه يقال في(ماليه هلك) في سورة الحاقة،فقد اتفق القراء على قراءتها بوجهين:أحدهما: السكت، ويعبر عنه بالإظهار ، وثانيها :الإدغام،ولم يقرأ فيها بغير ذلك.
واما قوله(لام بل وهل اظهاره لأهل الحرمين و ابن ذكوان وعاصم وخلف ويعقوب) فيجاب عنه بأن ذلك ليس على إطلاقه،لاتفاق الكل على الإدغام في(هل لكم مما ملكت)و(بل ربكم)و(بل لاتكرمون) ولاتفاقهم على الإدغام في( إذ ظلموا)و( قداجيبت دعوتكما)و( فآمنت طائفة)و(قل ربي) واتفاقهم على ادغام أول المثلين الساكن،سواء كان في كلمة أو في كلمتين نحو(كانت تأتيهم) و(أينما يوجهه) وهو كثير في القرآن، أضف إلي ذلك أن هذا المسلك يترتب عليه إبعاد كثير من القراءات المتواترة التي عرض لها المؤلف أثناء سرده لحروف الخلاف،والتي كان يقول فيها ( ولا حاجة إلى ..) ولا يخفى أيضا ما فيه من التلفيق والتركيب بين الأوجه،وهو أمر عابه المؤلف على القراء،واعتبره من تناقضاتهم، وهذا كله يدلك على أن تواتر القرءان دون الحاجة الى اللهجات أمر غير ممكن.
والخلاصة:أن هذه اللهجات جزء من كيان اللغة التي نزل بها القرءان، فالذي يريد أن يفصلها عن أصلها، كالذي يريد أن يفني المحيط الأطلسي غرفا،أو يفني رمل عالجعدا،ومن أوضح الأمثلة على ذلك أن لغة أكثر العرب تحديد الفعل مع التثنية والجمع ،إلا ما ورد في لهجة حكاها البصريون عن طيء،ونسبها بعضهم الى أزد شنوءة،من إثبات ضميري الجمع والتثنية مع الفعل،وهي لهجة غيرها أولى منها عند النحاة ([1])،ومع ذلك تواترت بها القراءة عند الائمة العشرة في قوله تعلى (فعموا وصموا كثير منهم)في سورة المائدة، ،وقوله( وأسروا النجوي الذين ظلموا) في سورة الأنبياء ،أما تجريد الفعل ، الذي هو لغة جمهور العرب،فلم يقرأ به في هاتين الآيتين الكريمتين.














[1] اشتهرت هذه اللهجة في كتب النحو بلغة ( أكلوني البراغيث)، وفيها كلام مشهور في كتب التفسير،وإليها الإشارة بقول ابن مالك
وجرد الفعل إذا ما اسندا = لاثنين أو جمع ،كفاز الشهدا
وقد يقال سعدا وسعـدوا = والفعل للظاهر بعد سنـد
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((8))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((8))

الوقفة الثامنة ((مكرر))
وقع في الوقفة الثامنة بعض الخطاء المتعلقة بكتابة بعض الكلمات، منها(تحديد) والصواب(تجريد) وسياق الكلام(والخلاصة:أن هذه اللهجات جزء من كيان اللغة التي نزل بها القرءان، فالذي يريد أن يفصلها عن أصلها، كالذي يريد أن يفني المحيط الأطلسي غرفا،أو يفني رمل عالج ٍعدًّا ،ومن أوضح الأمثلة على ذلك أن لغة أكثر العرب تجريد الفعل مع التثنية والجمع ،إلا ما ورد في لهجة حكاها البصريون عن طيء،ونسبها بعضهم الى أزد شنوءة،من إثبات ضميري الجمع والتثنية مع الفعل،وهي لهجة غيرها أولى منها عند النحاة ([1])،ومع ذلك تواترت بها القراءة عند الائمة العشرة في قوله تعلى (فعموا وصموا كثير منهم)في سورة المائدة، ،وقوله( وأسروا النجوي الذين ظلموا) في سورة الأنبياء ،أما تجريد الفعل ، الذي هو لغة جمهور العرب،فلم يقرأ به في هاتين الآيتين الكريمتين.





[1] اشتهرت هذه اللهجة في كتب النحو بلغة ( أكلوني البراغيث)، وفيها كلام مشهور في كتب التفسير،وإليها الإشارة بقول ابن مالك
وجرد الفعل إذا ما اسندا = لاثنين أو جمع ،كفاز الشهدا
وقد يقال سعدا وسعـدوا = والفعل للظاهر بعد سنـد
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((9))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((9))

الوقفة التاسعة
وأما قوله ((ولقد بلغ الجمود والانحطاط أن وقع القراء ومصنفوهم في ثلاث تناقضات أولها أنهم منعوا أو عابوا خلط الروايات الصحيحة الثابتة في القراءة وهو ما نسميه بتركيب الطرق وعدم التحرير وفي نفس الوقت يجيزون القراءة بالقياس الذي هو قراءة القرءان بما لم ينزل به جبريل من عند الله)) هـ ،فيجاب عنه بما يلي:
أما القياس الذي وصفه بأنه قراءة القرءان بما لم ينزل به جبريل من عند الله،ففيه تفصيل،وهو أن إطلاق القياس من غير تقيد،ليس بسيد، لما تقدم من تقسيم القياس الى قياس مقبول وقياس مردود،وأما قراءة القرآن بما لم ينزل به جبريل من عند الله، فهو أمر لا يتصور وقوعه من عوام المسلمين،فضلا عن غيرهم ،وذلك لما أودع الله تعالى في القلوب من إجلال القرءان وتعظيمه.
وأما قوله ((واما ثاني المتناقضات فهو قضية ابن مقسم المقرئ النحوي في القرن الرابع الذي اجمع القراء والفقهاء على منعه من القراءة بما يوافق اللغة والرسم دون التقيد بالأداء والنقل وحوكم فتاب ورجع عن رأيه، قال ابن الجزري تعليقا على قضيته في النشر 1/18 ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه انتهى. لكن الذي حاوله ابن مقسم هو نفسه ما يسمونه بالقياس المقيد سواء بسواء، إذ هو موافق للغة والرسم فاقد لشرط الأداء والنقل لا ينقصه من وجه التشبيه اعتماد القراء على قاعدة أو لهجة عربية اعتمدها أحد الرواة في بعض الأحرف دون سائر نظائره، فقاس القراء والمصنفون سائر النظائر على بعض الأحرف المروية))ه،فيجاب عنه بما يلي:
أما استدلال المؤلف بقضية بابن مقسم،فهو استدلال في غير محله،لأن ابن مقسم كان يرى جواز القراءة بما لم ينقل لبتة،فلا وجه لتشبيه عمله بالقياس الجزئي،الذي لا يخرج عن القراءات المتواترة التي استكملت الشروط الثلاثة، وأما وجه اعتراض القراء والفقهاء على عمل ابن مقسم فهو أنه فاقد لركن من أهم الأركان التي يجب توفرها في القراءة الصحيحة، وهو النقل، ومما ينبغي أن يشار إليه هنا أن الفرق بين مذهب ابن مقسم،ومذهب ابن شنبوذ الآتي ذكره ،أن ابن مقسم يرى جواز القراءة بكل ما وافق الرسم والعربية،وإن لم يصح سنده،وابن شنبوذ يرى جواز القراءة بما وافق النقل و العربية وان خالف الرسم، قال ابن الجزري في ترجمة ابن مقسم [[..وهذا غير ما كان ينحوه ابن شنبوذ، فانه كان يعتمد علي السند ،وان خالف المصحف،وهذا يعتمد علي المصحف،وان خالف النقل،واتفقا علي موافقة العربية]]([1])
قوله ((وأعجب العجب أن المحقق ابن الجزري نفسه قال في كتابه منجد المقرئين ، ص.17 أما ما وافق المعنى والرسم أو أحدهما من غير نقل فلا تسمى شاذة بل مكذوبة يكفر متعمدها انتهى، وقال في النشر 1/293 عن القراءات ليست بالقياس دون الأثر، وقال أيضا في 2/263 وهل يحل لمسلم القراءة بما يجد في الكتابة من غير نقل انتهى وقال الشاطبي "وما للقياس في القراءة مدخل" انتهى، ولقد كرر مكي وابن الجزري وغيرهما من المصنفين أنما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف أنه لا يقبل ولا يقرأ به، ولا يخفى أن هذا القسم أقوى من القياس الذي يجب رده وعدم قبوله وحرمة القراءة به لأنه أضعف مما صح نقله عن الآحاد))ه.
فيجاب عنه بما يلي:
أما ما نقله المؤلف من كلام ابن الجزري ،فيجاب عنه بأن المؤلف صرف الكلام عن ظاهره بوضعه في سياق مغاير،وبيان لك أن السياق العام الذي يدور فيه النص هو الحديث عن القراءة الشاذة من حيث جواز القراءة بها في الصلاة وعدمه،حيث قال ابن الجزري [[...وقد حكي الإمام أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين علي أنه لاتجوز القراءة بالشاذ،وأنه لايجوز أن يصلي خلف من يقرأ بها،ثم قال:[[ وأما ما وافق المعني والرسم الخ]] ثم عقب على بعد ذالك بقوله [[ وأجاب الإمامان الحافظ أبو عمرو بن الصلاح،وأبو عمرو بن الحاجب عن السؤال الذي ورد دمشق من العجم في حدود الأربعين وستمائة، وهو هل تجوز القراءة بالشاذ ،ثم ذكر إجابة ابن الصلاح وابن الحاجب ]]([2])
وأما ما ذكره من كلام أئمة القراءات كابن الجزري،والشاطبي،ومكي،فهو كلام يراد به الاستدلال على أن هذا القسم أقوي من القياس الجزئي ، وهو استدلال في عير محله،لأن مصب كلام هؤلاء الأئمة علي القياس الاصطلاحي،ولأن القياس الجزئي لايخرج عن حدود القراءات المتواترة التي استجمعت الأركان الثلاثة، وقد تقدم كلام ابن الجزري في التفريق بين القياس الاصطلاحي، والقياس الجزئي، ونضيف هاهنا كلمة نفيسة للإمام القيجاطي لها تعلق بهذه المسألة، قال رحمه الله تعلي. [[ .. فإن قال القائل: ما لخصته في هذه المسألة من وجوب ترقيق اللام مع الفتحة والضمة الممالتين إنما هو قياس، وليس بمنصوص عليه في كتب الأئمة، وقد قال الشاطبي في قصيدته وهو إمام من أئمة هذه الصنعة:


وما لقياس في القراءة مدخل = فدونك ما فيه الرضا متكفلا


فيقال له في الجواب: لله در الشاطبي لقد أحسن كل الإحسان في إتقان تلك المسألة التي تكلم عليها في نظمه، إلا أن تلك المقالة منه مزلة للجهال يضعونها في غير موضعها ،ويستشهدون بها في غير محلها، قال: والمعنى الذي أراد الشاطبي رحمه الله متفق عليه بين أئمة هذا الشأن، وهو أن اللفظ القرءاني إذا وردت فيه قراءة صحيحة ثابتة عن الأئمة الذين يلزمونا قبول قولهم والأخذ بروايتهم، فلا يجوز لنا أن نترك ما رووه إلي غيره مما لا يثبت عنهم، وإن كان في أعلى درجات الفصاحة، وعلى أتم وجوه المقاييس، وكذلك إذا كان بقاؤه على أصله جائزا ولم يرد ما يقتضي خروجه عنه، فالبقاء على الأصل لا زم، ولا يعدل عنه إلى الفروع إلا بدليل، فإن لم يرد فيه نص عن الأئمة، فأهل الأداء من( المتحققين)([3]) متفقون على رده إلى أصول القراء وما تقتضيه مقاييس اللغة...]] ([4]).
واماقوله ((ونتساءل هل تعني الرواية عن أبي عمرو بإدغام (ولتات طائفة) ضرورة ومبررا لإدغام (وآت ذا القربى) ،قياسا عليها كما في النشر 1/279 مع انعدام الرواية بإدغامها،وتوفر الرواية لدى أبي عمرو نفسه كجميع القراء بإظهارها))ه،فيجاب عنه بأن هذا النقل فيه نظر،لأن لفظ القياس لم يرد في كلام ابن الجزري ،وإنما عبر بلفظ (ألحق)، والتعبير الذي استخدمه المؤلف يوحي بان هذه العبارة من كلام ابن الجزري، وما هي من كلامه،ثم إن كلامه هذا وارد في سياق الحديث عن موانع الإدغام المختلف فيها،حيث قال[[...وفي المتجانسين (ولتات طائفة) ألحق به (وآت ذا القربى) لقوة الكسرة..]]([5]) ثم عقب على ذلك بقوله [[.. فأكثرهم على الاعتداد به مانعاً مطلقاً، وهو مذهب أبي بكر بن مجاهد وأصحابه ،وبعضهم لم يعتد به مطلقاً ،وهو مذهب ابن شنبوذ وأبي بكر الداجوني، والمشهور الاعتداد به في المتقاربين وإجراء الوجهين في غيره ،ما لم يكن مفتوحاً بعد ساكن، ولهذا كان الخلاف في (يؤت سعة) ضعيفاً ،وفي غيره قوياً ...]] ثم قال بخصوص الحرف المذكور [[...واختلف في (وآت ذي القربى)في الموضعين، لكونهما من المجزوم ،أو مما حكمه حكم المجزوم،فكان ابن مجاهد وأصحابه وابن المنادي وكثير من البغداديين يأخذونه بالإظهار من أجل النقص وقلة الحروف، وكان ابن شنبوذ وأصحابه وأبو بكر الداجوني ومن تبعهم يأخذونه بالإدغام للتقارب وقوة الكسر، وبالوجهين قرأ الداني وبهما أخذ والشاطبي وأكثر المقرئين]] ([6])،فهذا هو كلام ابن الجزري في سياقه العام،وهو صريح في أن الإدغام في هذا الحرف إنما كان عن رواية ونقل،وهذا هو الذي ينسجم مع كلام الداني الذي سيأتي قريبا.
واما قوله((مع انعدام الرواية بإدغامها،وتوفر الرواية لدى أبي عمرو نفسه كجميع القراء بإظهارها))ه ،ففيه نظر، لثبوت إدغامها من رواية شجاع عن أبي عمرو ،كما سيأتي ،وقد نص الازميري على إدغامها للسوسي من التذكرة والمبهج([7]) ،وقال الداني في جامع البيان[[..وأما قوله في سبحان، والروم (وآت ذا القربى حقه) فابن مجاهد وابن المنادي لا يريان الإدغام فيه، لقلة حروف الكلمة ،واعتلال آخره، وأبو الحسن ابن شنبوذ وأبو بكر الداجوني وغيرهما من أهل الأداء يرون الإدغام لقوة كسرة التاء، وبالوجهين قرأته]] ([8])، وقد نص على إدغام هذا الحرف جماعة من الائمة منهم:
1 - الخزاعي في المنتهى،ولفظه [[..ويدغم الصواف([9]) (وآت ذالقربي) و)خلقت طينا)..]]([10])
2 - الهذلي في الكامل،ولفظه [[...ويدغم الصواف (فآت ذالقربي حقه)و(خلقت طيينا)...]]([11]).
وقد أسند كل من الخزاعي والهذلي إدغام هذا لحرف من رواية شجاج عن أبي عمرو من طريق الصواف.
وأماقوله((وأما ثالث التناقضات فهي قضية ابن شنبوذ المتوفى سنة 228 هـ الذي كان يرى جواز القراءة بما صح سنده وإن خالف الرسم، فعد معاصروه ومنهم ابن مجاهد المتوفى 324هـ الذي اشترك مع الوزير في محاكمته ذلك من الشذوذ، وأعجب من ذلك أن ابن مجاهد في سبعته قد اعتمد القياس)) ه ،فيجاب عنه بأن ابن شنبوذ رحمه الله قد رجع الى مذهب الجماعة ،وأشهد على ذلك الفقهاء والقراء، قال أبو شامة [[...فكتب عليه – يعني ابن شنبوذ- الوزير أبو علي محضرا بما سمع من لفظه صورته: [[...يقول محمد بن أحمد بن أيوب ،المعروف بابن شنبوذ، قد كنت أقرأ حروفا تخالف ما في مصحف عثمان المجمع عليه، الذي اتفق أصحاب رسول الله صلي الله علي وسلم علي تلاوته، ثم بان لي أن ذالك خطأ،فأنا منه تائب،وعنه مقلع،وإلي الله عز وجل منه بريء ،إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافه،ولا يقرأ بغير ما فيه.....]] قال وفيه[[..يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ:إن ما في هذه الرقعة صحيح،وهو قولي واعتقادي،وأشهد الله عز وجل،وسائر من حضر علي نفسي بذالك، فمتى خالفت ذلك، أو بان مني غيره،فأمير المؤمنين أطال الله بقائه في حل من دمي،وذلك في يوم الأحد لسبع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة]] .([12]) وقد ذكر ابن الجزري الحروف التي خالف فيها ابن شنبوذ الإجماع ،فذكر فمنها: (فامضوا إلي ذكر الله)،و(وتجعلون شكر كم أنكم تكذبون) و(كل سفينة صالحة غصبا)و (كالصوف المنفوش) ([13])
وأما قوله ((إن ابن مجاهد قد أعتمد القياس في سبعته)) فهو قول لادليل عليه ،ويكفي في رده ، قول ابن مجاهد نفسه حين تكلم عن إمالة لفظ (الغار) و(بخارجين) فقال[[ ..ولو كانت القراءة قياسا إذن لزم من أمال(في الغار)و(بخارجين) أن يميل(بطارد المؤمنين)و(الغارمين).....]] ([14]

















[1] انظر غاية النهاية 2 /124

[2] انظر منجد المقرئين ص :17_18

[3] كذا في النسخة المطبوعة ولعله،من المتقدمين

[4] انظر شرح المنتوري على الدرر اللوامع 2/634.

[5] انظر: النشر 1/279

[6]انظر: النشر 1/279

[7] انظر إتحاف البررة ص 136

[8] انظر:جامع البيان 1/450

[9] هو الحسن بن الحسين، ابو علي الصواف البغدادي، شيخ ماهر عارف بالفن،قرأ علي أبي حمدون،ومحمد بن غالب، ،والدوري و غيرهم، أسند عنه الخزاعي والهذلي، روايةشجاع عن أبي عمرو، توفي310

[10] انظر: المنتهي في القراءات في القراءات الخمسة عشر(مخطوط)ورقة84

[11] انظر:الكامل(مخطوط) ورقة :201

[12] انظر: المرشد الوجيز 189_191، و غاية النهاية: 2/55_56

[13] انظر:غاية النهاية: 2/55

[14] انظر:السبعة : ص 149
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((10))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((10))

الوقفة العاشرة
وأما قوله((... وإليك يا أخي المسلم نماذج من القياس، فمنه قول ابن الجزري في النشر 2/122 وشذ مكي فأجاز الروم والإشمام في ميم الجمع لمن وصلها قياسا على هاء الضمير وانتصر لذلك وقواه، وهو قياس غير صحيح أهـ وهو في التبصرة لمكي، ص.171...))ه ،فيجاب عنه بأن القول بجواز الوقف بالروم والإشمام على ميم الجمع قول انفرد به مكي ولم يوافقه عليه أحد من أهل العلم بالقراءات،قال الداني[[..وخالف في ذلك – يعني مكيا- الإجماع وأتي بخطإ من القول لايغيب عن الأصاغر من منتحلي مذاهب القراء،فضلا عن الأكابر]] ([1]) ،وقال المنتوري في شرح الدرر [[..وكان حق الناظم ألا يذكر الإشارة إلي ميم الجميع ،لأن ذلك شيء قاله مكي وقاسه علي غيره، ولم يتابعه عليه أحد من العلماء، لظهور فساد قياسه، قال :وقال ابن شريح اتفق القراء علي أن ميم الجميع ساكنة في الوقف من غير روم ولا إشمام ، ثم حكي عن الداني في كتاب الاقتصاد الإجماع علي الوقوف علي ميم الجميع بالسكون لا غير]] ([2]).


وهو كما قال:رحمه الله، فإن القراء مطبقون على عدم جواز الروم والإشمام في ميم الجمع، وعلي ذلك جري عملهم في كل الأعصار والأمصار،وهو الذي به الأخذ([3])، وعليه فإنه من غير الإنصاف أن يحتج على قوم بقول لايقولون به،ومذهب لايأخذون به،فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

وأما قوله((ومنه أكثر ما حواه باب المد من الإشباع لجميع القراء، ومن الإشباع والتوسط للأزرق خاصة في مد البدل.)) ه ،فيجاب عنه بما يلي:
أماقوله((ومنه أكثر ما حواه باب المد من الإشباع لجميع القراء)) هـ ففيه نظر،لأن التعميم في مقام البحث لايصلح دليلا،ولأن المشهور من مذاهب أهل الأداء أن القراء متفاوتون في المد .
وأما إشباع ورش وتوسطه في مد البدل ،فنجمل الكلام عليه فيما يلي:
أما الإشباع في مد البدل فقد ثبت عن ورش من طريق الأزرق ومتواتر نقله عن مشيخة المصريين من أصحابه،ولا يقدح في تواتره إنكار من أنكره ممن لم تتصل له روايته ،لأن من حفظ حجة علي من لم يحفظ، والقول بأنه من باب القياس دعوى لادليل عليها ، فقد وردت به الرواية عن ورش نصا وأداءا، وألف مكي([4]) وابن سفيان في الرد علي من تأول النصوص الواردة عنه في إشباعه، قال المنتوري بعد أن نقل كلام الداني في تأويل الزيادة فيه بأنها يسيرة،ٌوأن ذالك محل إجماع، قال [[..قلت:لايوجد إجماع علي ما ذكر.بل أكثر المصنفين للحروف حملوا الرواية علي ظاهرها،ونصوا في كتبهم علي المد في (ءامن) وبابه لورش،والي هذا ذهب الإمام أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن شنبوذ،والشيخ أبو الفضل محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي،والإمام محمد بن علي الأذفوي،والإمام أبو الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي،والشيخ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني،والمقرئ أبوعيد الله محمد ابن سفيان الفقيه،والشيخ أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي،ولأهوازي،وعبد الوهاب القرطبي،وابن شريح،وابن البياز اللواتي،وأبو علي المالقي،وابن الفحام،وأبو الطاهر إسماعيل ابن خلف العمراني،وأبو محمد اليابري الإشبيلي،وأبو بكر محمد بن معاذ اللخمي،وأبو محمد بن المهلب الثقفي،وابن الباذش،وابن عتيق القرطبي،وأبو إسحاق لخولاني،وأبو حيان،والحصري في قصيدته:
وإن تتقدم همزة نحو ءامنوا = وأوحي فأمدد ليس مدك بالنكر
...ثم قال بعد كلام طويل،وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي، يأخذ لورش من طريق للداني بالمد المشبع،كالمد مع الهمزات اذا تأخرت،وبذالك قرأت عليه،وبه آخذ،وقلت له تأخذ لورش من طريق الداني بالمد المشبع وهو قد أنكره ورد علي من اخذ به؟ فقال لي :روي لنا الداني المد عن ورش وظاهره الإشباع وتأوله بزيادة،قال في بعض كتبه يسيرة،وقال في آخر متوسطة،علي مذهبه في التحقيق،فنحن ناجذ بروايته لا بتأويله،لأن التأويل إخراج للرواية عن ظاهرها،ومخالف لما حملها عليه غيره من المصنفين[[([5])، والرواية التي أشار إليها المنتوري هي ما ذكره الداني في جامع البيان في معرض حديثه عن زيادة المد في هذا النوع حين فقال[[..فأما النص فان جميع أصحاب ورش من أبي يعقوب وأبي الأزهر وداود وغيرهم أطلقوا المد، وعبروا عنه عن نافع في كتبهم التي سمعوها،وأصولهم التي دونوها، في نحو قوله ("وأوذوا)" و("فادرءوا")و("ردما ءاتونى")و("قال ءاتونى")و("وكل ءاتوه")و(غير ءاسن")و"(فئاتاهم الله ثواب الدنيا)،و("لإيلاف قريش إيلافهم...]] ([6]) ، وممن اشتهر عنه إنكار ذالك طاهر بن غلبون، حتي قال الشاطبي
.........وابن غلبون طاهر= بقصر جميع الباب قال وقولا
وعبارته في التذكرة ليست صريحة في ذلك، فغاية ما فيها أ نه تأول هذه النصوص ، فحملها علي القصر ، حيث قال ، بعد أن نقل عن نافع أنه قال(( ....[[ قراءتنا قراءة أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم سهل جزل لانمضغ ولا نلوك ننبر ولا ننتهر نسهل ولا نشدد نقرا علي أفصح اللغات وأمضاها..]] ))،ثم قال :((...فهذا يؤيد لك ما عرفناك من ترك الإفراط في المد والإسراف فيه،وأن نافعا لم يكن يري إشباع المد في حروف المد وللين بعد الهمزة كقوله(ءامن) و(ءاخر)و(وءامن الرسول) وما أشبه هذا،كما يذهب اليه بعض منتحلي قراءة ورش،لإن إشباع المد في هذا كله مضغ ولوك وانتهار وتشديد وليس بأفصح اللغات ولا امضها،وقد نفي نافع أن تكون قراءته كذالك،فدل هذا منه علي أن قراءته في هذه الحروف الواقعة بعد الهمز ة إنما كانت بمدهن قليلا بمقدار ما يتبين ما في هن من المد واللين لاغير كسائر القراء،ثم قال: هذا مع ما يؤدي إليه إشباع المد ههنا في كثير منه الي إحالة المعني،فيخرج اللفظ بذلك من الخبر إلي الاستخبار...))([7]) ،وقد سبقه إلي إنكار ذلك الإنطاكي،([8])، فتأول قصره بما يفهم من كلام مكي في كتاب (تمكين المد في "آتي" و"آمن"و"آدم) حين قال [[...وقد بلغني أن بعض المعترضين نسب هذا الاعتراض إلي الإنطاكي،وقد كان الإنطاكي أجل قدرا من هذا الاعتراض،فان كان قد وقع به ذلك،أوسمع منه،فإنما أراد التقريب علي المبتدئين]] ([9]) ثم عقب على ذ لك بكلام في غاية الحسن قال فيه[[... فان قلت إن ترك المد نقل إلينا قراءة، قيل لك:لسنا نطعن علي ما نقل الثقاة ،ولا نتكلم فيما رووا إلا بالجميل، لكنا نقول إن المد قد نقل قراءة ونصا في الكتب،وترك المد نقل قراءة لاغير، وليس عليه نص في كتاب أحد، والرواية إذا أتت بالنص في الكتب والقراءة كانت أقوي وأولي من رواية لم تنقل في كتاب ولا صحبها نص...]] ([10])،وقال أيضا،[[...فهذا كتاب أبي يعقوب الأزرق وداوود بن أبي طيبة وأبي غانم وابن مجاهد وابن أشتة وأبي طاهر وابن غلبون يعني عبد المنعم- ،رحمة الله عليهم وغيرهم من القراء ليس في كتاب أحد منهم نص أن ورشا لا يمد آدم وآمن وأتى، وأكثرها النص عليها أنه كان يمد هذه الأشياء، حتى قيل في بعض هذه الكتب إنه كان يمده مدا بالغا....]]([11]) ثم قال [[...فأجتهد أيها المعترض في تصحيح روايتك واطلبها من مظانها، فذالك أولي من الاعتراض علي ما لم تبلغ إلي علمه، فقد نصحتك أن تطلب نص روايتك،وأن تدع الاعتراض،وأن تقرأ كما علمت،وتقول في روايتك :كذا قرأت،ولا تعترض بغير علم علي ما ثبت عن الثقاة،واستقام وجهه في كلام العرب،واشتهرت روا يته بالأمصار،فقد كان هذا المد في سائر الأمصار مجمعا عليه نحو مائة سنة،في بلدلك وغيره،حتي رجعت أنت وأشباهك إلي ترك المد،وبقي سائر الأمصار علي ما كانوا عليه...]] ([12])،وقال في الكشف[[...وإنما رواه المصريون عن ورش، لكنه كثير الاستعمال في المغرب به يتأدبون، وبه يقرؤون في محاريبهم، وبه يدرسون...]]([13]) ، وقال الهذلي في الكامل[[...نحو ءادم وءامن وءاثر وءاتى،فروى أبو عمرو إسماعيل بن عمرو بن راشد الحداد شيخنا رحمه الله عن غزوان بن محمد المازني وعراك ويحيى بن مطير ويعقوب الهوري،وعن أبي عدي القروي عن ورش مد ذلك مدا مشبعا مفرطا فيه،وهو قول أبي الحسين عن أبي محمد المصري ومحمد بن سفيان القروي...]]([14]).
وأما التوسط فأمره أشهر من أن يكون قياسا،فقد نص عليه كثير من الأئمة ،وهوا لذي في التيسير وجامع البيان وغيرهما من كتب الداني، وبه أخذ ابن بري في الدرر اللوامع،وهو الذي عليه عمل عامة أهل المغرب مع صحة نقله واتصال الأداء به ،فقد تواترت على نقله أجيال لاتحصى وأمم لاتستقصى من أهل افريقية والمغرب ،وعليه العمل في تلك الأمصار من أمد بعيد.
ومما يلحق بهذا الباب ، مد اللين وتوسيطه،فهو أيضا مما صحت به الرواية عن ورش نصا وأداء ،قال مكي [[...ويقال لهذا المعترض إن كنت نفيت مد (سيىء)و(سوء) نظرا، فقد أريناك وجه النظر ونص سيبويه،وإن كنت نفيته رواية ،فعليك بكتب المتقدمين من أصحاب ورش فانك تجد مدهما منصوصا، في كل كتاب لأصحاب ورش ،علي أننا لسنا ننكر علي من ترك مده،برواية نقلها،إذ قد وقع في بعض الكتب ترك مده عن ورش،ولا كننا نفضل مده ،لأن عليه الجماعة من الأمصار،وعليه نص أكثر الكتب من كتب المتقدمين،وإنما ننكر علي من روي رواية ما،ثم أخذ يعيب ويعترض علي كل من خالف روايته،فليس هذا حق العلم ولا وجه الإنصاف،فعليك بما رويت ونقلت،فلزمه وذب عنه،واحبس لسانك عن الطعن علي ما لم ترو، فليس كل العلم وصل إليك،ولا كل الروايات ضبطها حفظك،ولا أتاك عن نبي ولا صاحب أن القرآن نزل بروايتك،ونص علي قراءتك.]]([15]).
واماقوله (( ومنه كثير من الإدغام الكثير لأبي عمرو)) فيجاب عنه بأنه تعميم لايصلح في مقام البحث والاستدلال،والحق الذي لامرية فيه أن ذلك ليس عن قياس،وإنما هو عن رواية ونقل ، فقد عقدا لإمام الداني في كتابه :الإدغام الكبير بابا ذكر أسماء من روي عنه الإدغام الكبير من الصحابة التابعين،ثم أسند بعض وجوه الإدغام الكبير عن الأئمة السبعة من طرق كثيرة،([16])،وأسنده في جامع البيان عن جماعة من رواة أبي عمرو،ونص علي كثير من مسائله، وقال ابن الجزري [[والإدغام الكبير اشتهر به أبو عمرو وليس بمنفرد به بل قد ورد عن الحسن البصري، وابن محيصن، والأعمش، وطلحة ابن مصرف، وعيسى ابن عمر... ويعقوب وغيرهم..]]([17]) وقال النويري في شرحه على طيبة النشر [[... وكل من القراء قرأ به اتفاقا في مثل (ولا الضالين) و(صواف) ،أو اختلافا في مثل (مكني) و(تأمننا)...]] ([18])، فهذا وغيره يدلك على أن هذا الباب جار على أصول الرواية وقواعد النقل، وقد تقدمت أمثلة منه ادعي فيها القياس،وقد بينا هنالك أن الأمر ليس كذلك .
وأماقوله ((ومنه إمالة الدوري عن الكسائي (البارئ)، في الحشر قياسا على حرفي البقرة قاسه ابن مجاهد))هـ،فقد تقدم الكلام عليه قبل.
وأما قوله((ومنه ما حواه بابا الوقف على الهمز وعلى هاء التأنيث)) هـ،فيجاب عنه بما يلي:
أما الوقف على الهمز،فهو مما ثبتت به القراءة،وصحت به الرواية، ونقله الأئمة الثقات ودونوه في كتبهم، فإطلاق القياس فيه ليس بسديد، وقد اشتهر ذلك عن حمزة،مع أنه غير منفرد به، فقد وافقه هشام في الوقف علي الهمز المتطرف،ووافقه سلام الطويل وغيره في الباب كله، كما نقل الإمام أبو القاسم الهذلي في الكامل ([19])،وقد ذكر الداني في جامع البيان أسماء الرواة الذين نقلوا هذا الباب،وأطال القول في ذالك بما ينبغي الوقوف عليه،([20])،ثم إن كثيرا من أوجه الوقف علي الهمز مقروء بها في الوصل لورش والسوسي وأبي جعفر وغيرهم،وهو من أوضح الأدلة على أن ذلك إنما كان عن رواية ونقل، قال ابن الجزري بعد أن ذكر أشياء لها تعلق بالوقف علي الهمز[[...والقصد أن تخفيف الهمز ليس بمنكر ولا غريب، فما أحد من القراء إلا وقد ورد عنه تخفيف الهمز إما عموما وإما خصوصا... وقد أفرد له علماء العربية أنواعا تخصه، فقسموا تخفيفه إلى واجب وجائز، وكل ذلك أو غالبه وردت به القراءة، وصحت به الرواية، إذ من المحال أن يصح في القراءة ما لا يسوغ في العربية بل قد يسوغ في العربية ما لا يصح في القراءة، لأن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، ومما صح في القراءة وشاع في العربية الوقف بتخفيف الهمز، وإن كان مما يحقق في الوصل...]]([21])
وأما الوقف على هاء التأنيث، ففيه تفصيل، فإما أن يقصد به الوقف على هاء التأنيث التي رسمت تاء نحو (رحمت ربك) و(جنت نعيم ) بالواقعة،وإما أن يقصد به الوقف على هاء التأنيث التي تكون في الوصل تاء آخر الاسم نحو: (نعمة) و(حاجة)، فإن قصد القسم الأول،فالقراء فيه علي مذهبين:فمنهم من وقف عليه بالهاء،و منهم من وقف عليه بالتاء،قال ابن الجزري[[...فوقف علي هذه المواضع بالهاء خلافا للرسم ابن كثير وابو عمرو والكسائي ويعقوب،هذا هو الذي قرأنا به ،ونأخذ به،وهو مقتضي نصوصهم ونصوص أئمتنا المحققين عنهم،وقياس ما ثبت نصا عنهم،وإن كان أكثر المؤلفين لم يتعرضوا لذلك،فيقتضي عدم ذكرهم له ولكثير من هذا الباب أن تكون الجماعة كلهم فيه علي الرسم فلا يكون فيه خلاف( في) الوقف عليه بالتاء ،فان من حفظ حجة علي من لم يحفظ،وغاية من لم يذكر ذلك السكوت ولا حجة فيه]] ([22]
والغاية التي يرمي إليها ابن الجزري هي أن الوقف علي ذلك بالهاء هو مقتضي النصوص الواردة عن هؤلاء الأئمة،لإن ابن كثير لم يرد عنه شيء في الوقف علي مرسوم الخط أصلا,وأبو عمرو والكسائي، إنما ورد النص عنهما في بعض جزئيات هذا الأصل، كما في جامع البيان،ولهذا قال الداني[[... وقياسها سائر نظائرها من المرسوم بالتاء،ثم قال :وذلك قياس مذهب بن كثير،وذكر النص عنه أنه وقف علي(من ثمرات من أكمامها) بالهاء، وهي مما رسم بالتاء...]]([23])، فدل ذالك علي أن المراد هنا إنما هو القياس الجزئي الذي تقدم الكلام عليه.
وأما إن قصد القسم الثاني: فإن الكسائي يقف عليه بالإمالة على تفصيل مذكور في محله،والوقف على هاء التأنيث بالإمالة روايةالأعشي عن شعبة قال الداني [[... ولم يأت عنهما - يعني الكسائي والأعشى- نص بتخصيص شيء من ذلك، وبإطلاق القياس في ذلك في جميع القرءان قرأت لهما على أبي الفتح عن قراءته وهو مذهب أبي مزاحم الخاقاني)([24])، وذهب بعض أهل الأداء الي استثناء بعض جزئيات هذا الأصل بناءا على رواية رووها،وأداء نقلوه، وقد ألمح إلي ذاك الداني حين فقال [[ ....والمذهبان جيدان صحيحان،ولا شك أن ابن مجاهد وابن المنادى وأحمد بن نصر وأبا طاهر مع وفور معرفتهم، وتمكنهم من علم صناعتهم، بنوا ذلك على أصل وثيق من رواية وأداء،فيجب المصير إليه، ويلزم الوقوف عنده، وكذلك اختاروه وعملوا به وحكموا بموجبه..]]([25]) وقد نص جماعة من أهل الأداء على أن الكسائي غير منفرد بهذا الباب،فقد وافقه جماعة من القراء، بعضهم من طبقته ،وبعضهم من طرقة شيوخه،قال الهذلي في معرض حديثه عن بعض جزئيات هذا الباب[[...فهذه كلها يميلها حمزة والكسائي وخلف ومحمد العبسي وطلحة والأعمش وابن برزة وابن الصبح وابن نوح وابن أحمد الزاهد وابو زيد واللؤلؤي عن عباس وأقية والخريبي وابن هارون وابن عقيل كلهم عن أبي عمرو، والأعشى طريق الرفاعي وحماد والخياط وابن غالب عن الأعشى والقواس والقزاز عن حفص، الداجوني وابن عنبة عن ابن عامر وابو سليمان عن قالون، والنحاس والطائي عن ورش، وابن بشار عن إسماعيل، والمسيبي عن أبيه، وحماد بن بحر و ابنا اويس والقورسي عن أبي جعفر، وابو بقرة وكردم عن نافع ..ثم قال واختيار اليزيدي وعباس وأبي عبيد بين اللفظين...]] ([26])،فهذا كله يدل على أن الرواية شاملة لكل ما أخذ فيه بالقياس الجزئي، وقد نبه على ذلك مكي وغيره، وإلا فكيف اتفق نقل هؤلاء جمعا على إخلاف طبقاتهم وبلدانهم على هذا الأصل،ثم إن إمالة هاء التأنيث عند الوقف لغة فاشية في قبائل العرب،وقد روي أن الكسائي سئل لم تميل ما قبل هاء التأنيث، قال :هذه طباع العربية، قال الداني :يعني بذلك أنها لغة أهل الكوفة، قال: وهي باقية فيهم إلى الآن، وهم أبناء العرب، يقولون :أخذته أخذه وضربته ضربه، قال ابن الجزري وهي لغة الناس اليوم يعني في وقته- والجارية على ألسنتهم في أكثر البلاد شرقا وغربا شاما ومصرا، لا يحسنون غيرها ولا ينطقون سواها. ([27]) وما تزال ءاثار هذه اللغة باقية في عامية أهل الشام الى اليوم.

















[1] انظر: فتح الوصيد في شرح القصيد للسخاوي 2/521

[2] انظر:المصدر السابق 1/144، ،وأشار إلى قول ابن بري:

وكــلهم يقف بالإسكان= وفـــي الإشارة لــــــــــــــهم قـــــــــــــــولان


وتركها أظهر في القياس=وهو الذي ارتضاه جــل الناس



([2])وإليه الإشارة بقال الادوعيشيالشنقيطي في احمراره على الدرر اللوامع:


(فقوله أظهر في القيــاس = نعــــم صحيح دونمـــــــ التباس)


(لأجل ذاك هو ما به العمل = في غربنا،وحوضنا نلت الأمل)

وقوله في (حوضنا) مراده ب(الحوض): منطقة من بلاد شنقيط مشهورة بإقراء القرآن.
[4] من أشهر مؤلفات مكي في هذا الباب،وجوه اللبس التي لبَّس بها أصحاب الإنطاكي في المد لورش،و رسالة:"(مكين المد في ءاتى وءامن وءادم وشبهه) وهي مطبوعة متداولة،وسوف ننقل منها ما يناسب المقام.
[5] انظر:شرح المنتوري علي الدرر اللوامع1/197_198

[6] انظر:جامع البيان : 2 /485

[7] انظر:التذكرة :1 /150

[8] هو علي بن محمد بن إسماعيل الإنطاكي،أبو الحسن التميمي،نزيل الأندلس،توفي بقرطبة سنة377 ، الغاية:1/564_565

[9] انظر: رسالة تمكين المد في آمن ص:32

[10] انظر: رسالة :تمكين المد في أتى و آ من وآدم وشبهه، ص: 78

[11] انظر: المصدر السابق ص.49، وهو في منجد المقرئين ص.57.

[12] انظر:المصدر السابق ص.49

[13] انظر:الكشف 1/142.

[14] انظر: الكامل (مخطوط) ورقة:268

[15] انظر:المصدر السابق ص: 268

[16] انظر:الإدغام الكبير ، ص:36 وما بعدها

[17] انظر:النشر: 1/274-275

[18] شرح الطيبة :1/123

[19] انظر: الكامل ورقة :272

[20] انظر:جامع البيان 2/601

[21]انظر: النشر 1/429

[22] النشر 1/97

[23] انظر:جامع البيان2/799

[24] انظر:جامع البيان : 2/763

[25] انظر:جامع البيان : 2/768

[26] انظر:الكامل ورقة 186

[27] انظر:النشر 2/82
 
هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((11))

هوامش على كتاب اثبات تواتر القرآن دون الحاجة الى اللهجات..((11))

الوقفة الحادية عشرة
وأماقوله ((..ومنه الوقف بالروم والإشمام بدل السكون)) هـ،ففيه نظر،لورود النص الأداء بالوقف بالروم والإشمام ،فقد جاء النص بذلك عن أبي عمرو والكوفيين وقالون وهشام وعن بقية القراء، فقال الداني في جامع البيان[[.. وقد جاءت الرواية بعد بالإشارة إلى حركات آخر الكلم عند الوقف عن أبي عمرو والكوفيين عاصم وحمزة والكسائي]]([1])، ثم ساق الرواية بذلك ،وذكر أن النص ورد بترك ذلك عن نافع وابن كثير وابن عامر، وورد استعماله_يعني عنهم_، ثم ساق الرواية بذلك عن الحلواني عن هشام أنه كان يشم الإعراب في مثل (قال الله) وأن أبا نشيط روى عن قالون عن نافع أنه كان يقف على (شطره، حوله ، عظامه)، وشبه ذلك بإشمام الضم([2])، وذكر في إيجاز البيان أن إسحاق المسيبي روي ذالك منصوصا عن نافع، فقال [[...واعلم أن الرواية عنه يعني نافعا- معدومة من طريق ورش وغيره من الناقلين عنهم غير إسحاق ابن محمد المسيبي ،فإنه روى ذلك عنه منصوصا ،فوجب استعمال ما رواه إذ المصير إلى خلاف ذلك بغير دليل من رواية لا يسع أحدا...]] هـ ([3])،ومع ذلك كله فإن الوقف بالروم والإشمام ليس شيئا لازما في القراءة ،إذ الأصل في الوقف السكون،كما قال في الدرر اللوامع:

قف بالسكون فهو أصل الوقف=دون إشارة لشكل الحرف
وإن تشأ وقـــفت للإمام= مبينا بالــروم والإشمــام

وإنما أخذ أهل الأداء بالروم والإشمام صيانة لألفاظ الذكر الحكيم من التغير بسبب اختلاف حركات الإعراب، لأن الناظر يري في حالة الإشمام شكل الحركة التي تثبت للحرف في الوصل ،والسامع يسمع في حالة الروم صوتها فيعرف شكلها في الوصل،وقد كان بعض مشايخنا ينبهوننا علي هذا المعني،ويأمروننا بالوقف بالروم والإشمام على بعض الألفاظ التي لايدرك لأول وهلة هل هي بالرفع،أم بالخفض، وكان بعضهم يؤكد علي ذالك في نحو قوله تعلى(في لوح محفوظ) ليتبين القارئ شكل حركته في الوصل،لاختلاف القراء فيه وصلا.
وأما قوله ((ومنه ترقيق الراء في وزر أخرى وزرك ذكرك حذركم الإشراق للأزرق))هـ، فيجاب عنه بأنهجار على قاعدة القياس الجزئي الذي تقدم الكلام عليه.
وأما قوله(( ومنه أكثر ما جاء في هذا الباب كما قال مكي في التبصرة: أكثر هذا الباب إنما هو قياسا وبعضه أخذ سماعا))هـ ،فيجاب عنه بما تقدم من كلام الجعبري وغيره من أئمة القراءات،والتحقيق أن الرواية شاملة لذلك كله،لأن المتقدمين لم يعنوا بتفاصيل المسائل،فربما تركوا النص على بعض الجزئيات لكونها داخلة في الأصول المطردة، كما قال ابن سفيان في الهادي في باب الراءات [[..إن مصنفي الكتب إنما ذكروا من هذه الأبواب الحروف اليسيرة،ولم يتقصوا جميع أصولها،وما علمت أحدا سبقني لجمعها.....]]([4])، و السبب الذي جعل المصنفين يقتصرون على ذكر بعض جزئيات هذه الأبواب،هو أن علم القراءات علم نقلي أساسه الرواية،وقد ألح إلى هذا المعنى الخاقاني في رائيته فقال:
وقد بقيت أشياء بعد لطيفة = يلقنها باغي التلاوة بالأجر
ومما يشهد لهذا المعنى ما ذكره الداني في مفردة يعقوب حين قال[[...وروى لي فارس عن قراءته (إن يردن الرحمن) بالياء في الوقف،وهو قياس ما أصَّلَه لي أبو الحسن عن قراءته،غير أنه أغفل ذكر هذا الحرف في التمثيل في هذه السورة.]] ([5])
وأماقوله ((ومنه الوقف بهاء السكت على العالمين موفون والذين وشبهه ليعقوب فهو في آلاف الكلمات))هـ، :فيجاب عنه بأنإطلاق القياس في ذلك دعوى لادليل عليها، والصواب أن الوقف بهاء السكت على العالمين وبابه،مما ثبتت به الرواية عن يعقوب، وقرأ به الأئمة جيلا بعد جيل، ولولا ذاك لما ذكره الأئمة الموثوق بعلمهم،وسطروه في كتبهم،نعم هنالك حروف يسيرة ادعي فيها القياس ،وهي عند التحقيق لاتخرج عن حدود الرواية، وقد وافق يعقوب في بعض جزئيات هذا الباب البزي،فوقف بهاء السكت علي ما الاستفهامية المجرورة بحرف جر في(عم ، فيم ، بم ، لم ، مم) على خلاف مذكور في محله، قال ابن الجزري [[...وبالوجهين آخذ ليعقوب في الأحرف الخمسة لثبوتها عندي عنه من روايتيه ، وأما البزي فقطع له بالهاء في الأحرف الخمسة صاحب التيسير والتبصرة والتذكرة والكافي ...]] ([6]) ،ومن جزئيات هذا الأصل سبع كلمات اتفق القراء على الوقف عليها بهاء السكت، واختلفوا في إثباتها وصلا على خلاف بينهم، وهي (يتسنه) في البقرة و(اقتده) في الأنعام، و(كتابيه) معا بالحاقة، و(حسابيه )فيها، و(ماليه) و(سلطانيه) بالحاقة أيضا، و(ماهيه) بالقارعة([7])، وقد أورد الداني في مفردة يعقوب مسائل هذا الباب،ولم يحك فيها خلافا،إلا في حرفين،قال فيهما:[[...ولم يرو لي أبو الحسن، من ذلك الا حرفين (عم) و(مم) من أجل الإدغام، لاغير....]] ([8]) ثم [[... وقرأت بها –يعني قراء يعقوب -- القرآن كله من أوله الى آخره في جامع الفسطاط على شيخنا أبي الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون]]ثم قال: [[..وكان قد انفرد بالإمامة في هذه القراءة، أضبطَ لها وحَسُنَ بيَانُه بأصولها وفروعها ومعرفته بجليها وخفيها، مع علو إسناده فيها واشتهار إمامة من عنه أخذها وأداها...]]([9]) ،ثم أسندها أيضا عن أبي الفتح، فقال [[...وكان من أضبط أهل زمانه بهذه القراءة وغيرها من القراءات..]]([10]) .
وأماقوله((ومنه الا خفاء والاختلاس في نعما هي في البقرة والنساء لقالون وأبي عمرو وشعبة)) ه،ففيه نظر، لأن عبارة ابن الجزري غير صريحة في ذلك، فإنه قال[[...فروي عنهم المغاربة قاطبة إخفاء كسرة العين ليس إلا...]]([11]) ومع ذلك فإن المراد بالقياس ،إنما هو القياس الجزئي،الذي لايخرج عن حدود الرواية،ثم إن الإخفاء في هذا الحرف،هو أحد الوجهين في (تأمنا)بيوسف ، وبه قرأ أبو عمرو وقالون وابن جماز في (يهدي)في يونس في أحد الوجهين عنهم، قال ابن الجزري[[..وبذالك ورد النص عنه_يعني أبا عمرو_ من طرق كثيرة من رواية اليزيدي وغيره،قال ابن رومي([12]): قال العباس([13]) : قرأته علي أبي عمرو خمسين مرة،فيقول قاربت و لم تصنع شيئا،قال ابن رومي فقلت للعباس:خذه علي أنت علي لفظ أبي عمرو، فقلته مرة واحدة، فقال أصبت،هكذا كان أبو عمرو يقوله،وكذا روي ابن فرح عن الدوري وابن حبش عن السوسي أداءا، وهي رواية شجاع عن أبي عمرو..]]([14])،وهو أحد الوجهين عن قالون و أبي عمرو في(يخصمون)في يسن،قال ابن الجزري[[..وقطع له الشاطبي بالاختلاس في فتحة الخاء،وعليه اكثر المغاربة وهو الذي في التذكرة لابن غلبون نصا.]]([15]) وذكره ابن سوار عن جماعة من رواة أبي عمرو في حرف يسن،([16])،وبه قرأ الدوري في (بارئكم )وبابه،قال الداني في التهذيب[[.. وكذا قرأت في (بارئكم) من طريق أهل العراق_يعني بالاختلاس_،وهي رواية سيبويه عن أبي عمرو،وهو اختيار بن مجاهد]] ([17]وأماقوله (( وليت الأمر اقتصر على هذا التقول وقراءة كلمات من القرءان بما لم ينزل به جبريل على خاتم الأنبياء، بل تجاوزه إلى القياس على القياس مثل قولهم بتحرير الأوجه كحالات (آلان) المستفهم بها الخمس، للأزرق وأن له في الحالة الأولى سبعة أوجه وفي الثانية تسعة أوجه وفي الثالثة والخامسة ثلاثة عشر وجها وفي الرابعة سبعة وعشرون وجها، وهذه الفلسفة أو القياس يتوفر في مآت كلمات من القرءان في كل رواية وقراءة، والعجيب أن هذه الأوجه وتحصيلها من الضرب يكثر في باب المد والإمالة...)) ه،فهو من جنس الكلام الذي دأب المؤلف علي تكراره، والجديد فيه هذه المرة هو انخفاض درجة حرارة الكلمات ،وعلى كل حال، فالمسالة فيها تفصيل نجمله فيما يلي:
أما تعدد الأوجه في(الآن) فليس من عمل القراء،وإنما هو شيء نشأ عن كثرة الطرق وتشعبها،وهو مقتضي طرق الأزرق الخمسة وثلاثين المذكورة في النشر([18])،وحسبك أن ابن الجزري ذكر في النشر جميع أوجه (الآن) وطرقها وتقديراتها،وما يجوز منها وما يمتنع،وذكر أن له فيها إملاء قديما لم يبلغ فيه التحقيق الذي بلغه فيها في النشر ([19]
ومما ينبغي أن يشار إليه هنا أن من أسباب تعددا لأوجه في بعض الكلمات القرآنية كثرة الطرق، وطبيعة لغة العرب التي هي وعاء القرءان،إضافة الى الرسم العثماني، قال المهدوي [[... فإن قال قائل ما سبب هذا الاختلاف الذي كثر بين المقرأة في ألفاظ القران ؟ قيل له سببه تفضيل الله عز وجل القرءان على سائر الكتب المنزلة فيما سلف من الأزمان كما فضل الرسول به بالخوض في الشفاعة والإرسال الى الجماعة مما كان على عهده من العرب والعجم ومن بعدهم من الأمم.. ثم قال فإن احتمل رسم كلمة أن تقرأ علي وجوه،والخط محتمل لها،كالوجوه المروية في (أرجئه)و(عذاب بيس)و(وعبد الطاغوت) وما أشبه ذالك،قرءوا بجميعها إذ هي غير خارجة عن الرسم...]]([20]) ،ونقل ابن لب الغرناطي عن الداني أنه قال:[[....إن في قوله تعالى (عذاب بيس) من القراءات أربعة عشر وجها، قال: وأربعة منها في قراءة أئمة العامة، وعشرة شواذ، والخط يحتملها كلها،قال وكذلك في قوله تعالى (وعبد الطاغوت) ثمانية عشر وجها، ثلاثة منها جائزة في العربية، ولم يقرأ بها والخط يحتملها، والخمسة عشر قراءات منها اثنتان قرأ بهما أئمة العامة، والسائر في الشواذ،والخط في مثل ذلك يحتمل أوجها متعددة منها قراءة ،ومنها غير ذلك....]]([21])، فإذا كان ذلك كذلك، فإن عمل أئمة القراءة كان مقتصرا علي بيان الأوجه الصحيحة ،والتنبيه الأوجه الضعيفة التي لاتجوز القراءة بها، قال الفراء في معنى قوله تعالى[[ .... (يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه) قال :وفيه وجه آخر لم يقرأ به أحد ،وذلك أن كسر اللام من (لمن) فتكون اللام بمنزلة إلى ،كما قال (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا) ،وأنت قائل في الكلام دعوت إلى فلان ودعوت لفلان بمعنى واحد ولولا كراهة خلاف الآثار والإجماع لكان وجها من القراءة.....]]([22]). وقال أبو علي النوري وهو يحدث عن منهجه في غيث النفع [[... ماشيا في جميع ذلك على طريق المحققينكالشيخ العلامة أبي الخير محمد بن محمد بن محمد ابن الجزري الحافظ رحمه الله من تحرير الطرق وعدم القراءة بما شذ، وبمالا يوجد لا كما يفعله كثير من المتساهلين القارئين بما يقتضيه الضرب الحسابي، فإن ذلك غير مخلص عند الله عز وجل، وكان شيخنا يحذرنا من ذلك كثيرا وأظن أنه اخذ علي عهدا بذلك حرصا منه رحمه الله علي إتقان كتاب الله..]] ([23]).












[1] انظر:جامع البيان 2/826

[2] انظر: المصدر السابق :2/828

[3] انظر:شرح المنتوري على الدرر اللوامع 2/695.

[4]انظر:شرح المنتوري علي الدرر اللوامع 2/640

[5]انظر مفردة يعقوب،للإمام الداني، تحقيق حاتم الضامن ،ص: 81

[6] انظر: النشر 2/134

[7] انظر:إتحاف فضلاء البشر ، ص.105.

[8] انظر:مفردة يعقوب ص: 38

[9] المصدر السابق ص : 20

[10] انظر:المصدر السابق ص:21

[11] انظر:لنشر1 /177

[12] هومحمد بن عمر بن رومي البصري، أخذ عن العباس بن الفضل واليزيدي ،وهومن أجل أصحابهما، انظر الغاية 2/218

[13] هو ابن الفضل استاذ حاذق ،من اكابر اصحاب ابي عمرو الغاية 1/353

[14]انظر: النشر1/213وهو قي جامع البيان3/1180

[15] انظر:النشر1/1265

[16] انظر:المستنير 2/392

[17] انظر التهذيب لما انفرد به كل واحد من القراء السبعة ، ص : 90

[18]النظر:لنشر 1/279

[19]ا انظر:لنشر 1/88_90

[20] انظر: (بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات وكثرة الطرق)،ص:29

[21] انظر:المعيار المعرب في فتاوى أهل افريقية والأندلس والمغرب :للونشريسي 12/81،والكلام المذكور من رسالة ( فتح الباب ورفع الحجاب بتعقب ما وقع في تواتر القراءات من سؤال وجواب) لابن لب المذكور. وهي رسالة جليلة أودعها علما كثيرا.


[22] انظر:معاني القرءان للفراء 2/290

[23]انظر:غيث النفع في القراءات السبع، ص:9
 
عودة
أعلى