هل في القرآن بيان لكل شيء ... ( ما معنى العموم ) ...

إنضم
24/04/2003
المشاركات
1,398
مستوى التفاعل
6
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ..
فلا شك أن القرآن العظيم كتاب معجز أفحم الفصحاء والبلغاء ، ولا زال العالم يشهد من إعجازه ما يبهر الألباب ويذعن القلوب لرب الأرباب ..
وقد كان يدور في النفس منذ وقت مسألة الإعجاز العلمي واحتواء القرآن للمخترعات ولكل شيء فأحببت المشاركة في هذه المسألة بالنظر في أدلتها من القرآن بشكل مختصر من خلال النظر في أقوال المفسرين ، اسأل الله تعالى أن يجعله بحثاً مفيداً ..
مسألة:
ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى: (لكل شيء) وَ (من شيء) العمومُ من غير تخصيص:
قال السيوطي (ت: 911هـ):"وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها"(1).
ثم ذكر بعد ذلك العلوم التي اشتمل عليها القرآن فذكر من ذلك: علم عجائب المخلوقات وملكوت السماوات والأرض وعيون أخبار الأمم السالفة والسيرة النبوية وبدء خلق الإنسان إلى موته وكيفية الموت وما يحدث بعد ذلك وأشراط الساعة الكبرى وأن القرآن اشتمل على أسمائه تعالى الحسنى وأن فيه تصديق كل حديث ورد عن النبي(2).
ونقل عن المرسي (ت: 655هـ) قوله:"جَمَعَ القرآنُ علومَ الأولين والآخرين ، بحيث لم يُحِط بها علماً ـ حقيقة ـ إلا المتكلمُ به ، ثم رسولُ الله e ، خلا ما استأثر به سبحانه، ثم وَرِثَ عنه معظمَ ذلك ساداتُ الصحابة وأعلامُهم..."( 3).
ثم ذكر المرسي (ت: 655هـ) ما أُخِذَ من القرآن من العلوم الإسلامية ثم قال:"هذه الفنون التي أخذتها المِلّة الإسلامية منه، وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك"( 4).
وأكثر عبارات المفسرين على أن المقصود هو العموم الذي أريد به الخصوص( 5) ويكون المراد: أن في القرآن بيانٌ لكل شيءٍ من أمور الدين أو لما لمثله تجيء الشرائع: وإليك بعض أقوال المفسرين في ذلك:
§ قال ابن عطية (ت: 481هـ) في آية الأنعام:"على القول بأنه قرآن: خاصٌ في الأشياء التي فيها منافع للمخاطبين وطرائق هدايتهم"( 6).
§ وقال أيضاً:"وقوله: (لكل شيء): مما نحتاج في الشرع ولا بُدَّ منه في المِلَّة، كالحلال والحرام والدعاء إلى الله والتخويف من عذابه، وهذا حصر ما اقتضته عبارات المفسرين"( 7).
§ وقال ابن الجوزي(ت: 597هـ):"فأما قوله تعالى: (لكل شيء): فقال العلماء بالمعاني: يعني: لكل شيء من أمور الدين، إما بالنص عليه، أو بالإحالة على ما يوجب العلم، مثل بيان رسول الله e أو إجماع المسلمين"( 8).
§ وقال ابن جزي الكلبي (ت: 741هـ) في آية الأنعام:"وقيل: هو القرآن. والكلام على هذا خاص. أي: ما فرطنا فيه من شيء فيه هدايتكم والبيان لكم"( 9).
§ وقال أبو حيان (ت: 745هـ) في معنى القول بأنه القرآن في آية الأنعام:"يكون من العام الذي يراد به الخاص فالمعنى: من شيء يدعو إلى معرفة الله وتكاليفه"(10 ).
§ وقال ابن القيم (ت: 752هـ) في آية الأنعام:"فقالت طائفة: المراد به القرآن وهذا من العام المراد به الخاص أي: ما فرطنا فيه من شيء يحتاجون إلى ذكره وبيانه"( 11).
§ وقال الآلوسي( ) (ت: 1270هـ):"والمراد من (كل شيء): على ما ذهب إليه جمع: ما يتعلق بأمور الدين أي بياناً بليغاً لكل شيء يتعلق بذلك"( 12).
§ وقال الشيخ السعدي (ت: 1376هـ) في تفسير هذه الآية:"وقوله: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ) [النحل: 89]: في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مُبين فيه، أتمَّ تبيين، بألفاظ واضحة، ومعانٍ جلية"( 13).
§ وقال ابن عاشور (ت: 1393هـ):"لا شك أن المراد أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع"( 14).
ومن هذه النقولات المطولة يتبين أن المراد بشمولية القرآن؛ شموليته لما يحتاجه الناس في أمور دينهم وما يقيم شؤون حياتهم كما أراد الله تعالى وذلك كبيان إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدني، وتبيين الحقوق، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول e، وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية، ووصف أحوال الأمم، وأسباب فلاحها وخسارها، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم، وفي خلال ذلك كله أسرار ونكت من أصول العلوم والمعارف ( 15).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) الإكليل: 1 / 253.
(2 ) انظر: الإكليل: 1 / 253 ـ281.
(3 ) الإكليل: 1 / 243.
(4 ) الإكليل: 1 / 247. ثم ذكر المرسي بعد ذلك ما في القرآن من أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة والحدادة والبناء والنجارة والغزل والنسج والفلاحة وغيرها. الإكليل: 1 / 247 ـ 253. ويظهر مما ذكره من الأمثلة أن مقصوده بالاحتواء مجرد الذكر ، فإذا ذُكر شيء له تعلق بعلم اعتبر ذلك احتواء لذلك العلم .
(5 ) قال شيخ الإسلام: " وليس استعمال العام وإرادة الخاص ببدع في الكلام؛ بل هو غالب كثير". مجموع الفتاوى: 21 / 552.
(6 ) المحرر الوجيز: 620. باختصار.
(7 ) المحرر الوجيز: 1111.
(8 ) زاد المسير: 790.
(9 ) كتاب التسهيل لعلوم التنزيل: 2 / 8.
(10 ) البحر المحيط: 4 / 126.
(11 ) شفاء العليل: (75)، وبدائع التفسير: 2 / 147.
(12 ) روح المعاني: 7 / 452.
(13 ) تيسير الكريم الرحمن: 3 / 52.
(14 ) التحرير والتنوير: 7 / 253.
(15 ) التحرير والتنوير: 7 / 253.
 
قال الإمام الخطابي رحمه الله : ( أخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانَه الكتابُ ، إلا أن البيان على ضربين : بيان جَلِيّ تناوله الذكر نصاً وبيان خفِيّ اشتمل عليه معنى التلاوة ضمناً ، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله سبحانه : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ، فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان .).

وقد بحثت على عجل عن موضع هذا النقل فلم أجد مكانه؛ فلعل أحد الباحثين يدلني عليه مشكوراً.
 
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ..

من أصدق الآيات على بيان ذلك قوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) سورة النحل ( 89 )

وتأمَّل قوله ( تبياناً ) ولِمَ لَمْ يقل بياناً ؟
والقاعدة تقول : الزيادة في المبنى زيادة في المعنى .

فمن تتبع هذه المفردة القرآنية العجيبة ومدلولاتها سيجد حتماً علماً جمَّاً وفوائد نفيسة للغاية .

وأما استدلال بعض العلماء من السابقين أو من المتأخرين بقوله تعالى :
( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) سورة الأنعام ( 38 )

بأن المراد بالكتاب القرآن ؛ فغير سديد ؛ لأن السياق فيصلٌ في المسألة وهو على أصح أقوال المحققين من أهل العلم أنه اللوح المحفوظ وليس القرآن .

وانظر :

تفسير ابن جرير الطبري (11 / 344)
والقرطبي (6 / 420)
والبغوي في التفسير ( 2 / 95 )
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بغية المرتاد (327) وقال : على أصح القولين لدلالة السياق عليه .
وفي درء التعارض (9 / 39)
وكذا تلميذه ابن قيم الجوزية رحمه الله في شفاء الغليل (40 ) ذكر القولين ثم رجح اللوح المحفوظ قال: (( وكان هذا القول أظهر في الآية والسياق يدل عليه ))
والشوكاني في فتح القدير (1 / 114)
والعلامة الشنقيطي رحمه الله في العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1 / 191)
واختاره شيخنا العلامة الدكتور صلاح الخالدي نفع الله بعلمه في كتابه الماتع : تصويبات في فهم بعض الآيات (165)


والله أعلم
 
آية النحل ...

آية النحل ...

الأخ أبو العالية ... بالنسبة لآية النحل ..
فقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على شمولية القرآن لكل شيء.
وذلك مبني على أن المراد بالكتاب هنا: القرآن، وهو محل خلاف بين المفسرين.
وممن مال إلى أن المقصود بالكتاب هنا القرآنُ:
ابنُ عطية (ت: 542هـ) حيث قال: "والكتاب: القرآن. وهو الذي يقتضيه نظامُ المعنى في هذه الآيات" [المحرر الوجيز: ( 620 ].
وقال أبو حيان (ت: 745هـ): "وهو الذي يقتضيه سياق الآية" [ البحر المحيط: ( 4 / 126 )].
وقال عنه الرازي (ت: 606هـ): "وهذا أظهر، لأن الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد انصرف إلى المعهود السابق، والمعهودُ السابقُ من الكتاب عند المسلمين هو القرآن، فوجب أن يكون المراد من الكتاب في هذه الآية القرآن" [التفسير الكبير: ( 12 / 215 ) ].

واستظهر ابنُ القيم أن المراد اللوح المحفوظ قال: "وقالت طائفة: المراد بالكتاب في الآية: اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه كل شيء وهذا إحدى الروايتين عن ابن عباس وكأن هذا القول أظهر في الآية، والسياق يدل عليه"، وقال أيضاً:"فهو أظهر القولين والله أعلم". انظر: شفاء العليل: (75، 76) وبدائع التفسير: ( 147ـ 150 ).
وممن استبعد القول بأن المرادَ القرآنُ؛ ابنُ عاشور قال: "وقيل الكتاب: القرآن. وهذا بعيد إذ لا مناسبة بالغرض على هذا التفسير". انظر: التحرير والتنوير: ( 4 / 217 ). وروي هذا القول عن قتادة وابن زيد. انظر زاد المسير: ( 436 ).
والله تعالى أعلم...
 
أخي الشيخ فهد وفقك الله :

لعلك تقصد آية الأنعام

وقد يسر الله لي بحث المراد بالكتاب في هذه الآية ، وهذه نتيجة البحث التي توصلت إليها:

القولان السابقان في المراد بالكتاب في قول الله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [ أي القرآن ، واللوح المحفوظ ] متكافئان ، ولكل منهما ما يشهد له ، مع احتمال اللفظ لهما .

والذي يظهر لي أن حمل الآية على المعنيين أولى ، وأن المراد بالكتاب هنا : القرآن ، واللوح المحفوظ ؛ لأن لفظ الكتاب يطلق على المعنيين بالتواطؤ ، ولا حجة تدل على تعيين أحدهما ، فكان حمل اللفظ عليهما هو الأقرب . والله أعلم .

ومما يحتمله لفظ الكتاب هنا : الكتاب الذي تحصى فيه الأعمال ، وهو الكتاب الذي أخبر الله U عنه بقوله : ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ ( الكهف : 49) .

وهذا المعنى أظهر – فيما أرى - ؛ لأن الله U قال بعده : ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾(الأنعام: من الآية38)، وفيه دلالة على أنهم - بعد إحصاء ما عملوه - محشورون إلى ربهم لمجازاتهم عليها .

ويدل على هذا المعنى أن أبا هريرة رضي الله عنه قال في تفسير هذه الآية : يحشر الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والدواب والطير وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله يومئذ ، أن يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول كوني تراباً ، فلذلك يقول الكافر : ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً ﴾ (النبأ: من الآية40) .([1])

كما يدل عليه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة من اقتصاص الحيوانات بعضها من بعض بعد حشرها يوم القيامة ، وقد أوردها بعض المفسرين عند تفسيرهم لهذه الآية .([2])

وما ذكره كل من ابن جرير ، وابن كثير في تفسير الآية يدل على هذا القول ، إلا أنهما لم يصرحا بكون الكتاب الذي تحصى فيه الأعمال غير الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ .


وهذا المثال تطبيق واضح للقاعدة التفسيرية : إذا كان اللفظ محتملاً لمعنيين أو أكثر ، مستعملاً فيها حقيقة - بحيث يكون مستعملاً فيها على السواء - ، وهي غير متنافية ، ولا دليل يرجح أحدها ، فتكون المعاني جميعها مرادة ؛ لأن الله  لو أراد أحدها لنصب على مراده منها دليلاً . ويكون استعمال اللفظ للمعاني مجتمعة أبلغ في الإعجاز والفصاحة






--------------------------------------------------------------------------------

([1] ) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 2/206 ، ومن طريقه أخرجه ابن جرير 11/347 ، والحاكم في مستدركه 2/216-217 وقال : ( وهو صحيح على شرطه [ أي : الإمام مسلم ] ، ولم يخرجاه .) وقد علق عليه أحمد شاكر بقوله : إسناد عبدالرزاق إسناد صحيح ...وهو موقوف على أبي هريرة ، ومعناه ثابت صحيح مرفوعاً . انظر عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير 1/772 ( حاشية رقم 2 ) .

([2] ) انظر جامع البيان لابن جرير 11/347-348 ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/1295-1296 .
 
عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال "من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين"

أخرجه ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور والبيهقي في الشعب، وتجده في الزهد لابن المبارك وللإمام أحمد في زوائد عبد الله والطبراني في الكبير وغيرهم
كلهم من طرق عن أبي إسحاق عن مرة عن ابن مسعود

قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني باسانيد ورجال احدها رجال الصحيح‏

وله ألفاظ أخرى متقاربة.

وله شاهد بنفس اللفظ عن أنس رضي الله رواه الديلمي أورده السيوطي في الجامع الكبير كما في الكنز 2454
 
الشيخ أبا مجاهد وفقه الله نعم أردت آية الأنعام ... وإنما هو سبق قلم ..
وما ذكرته محتمل ، ولكن لم يظهر وجه الاستدلال بتفسير أبي هريرة رضي الله عنه، وبما جاء في الصحيحين على ذلك المعنى ..
والله أعلم..
 
فهد الوهبي قال:
ولكن لم يظهر وجه الاستدلال بتفسير أبي هريرة رضي الله عنه، وبما جاء في الصحيحين على ذلك المعنى ..
والله أعلم..


لعل قراءة الآية كاملة توضح المقصود ، ومما يوضحه أيضاً قول ابن عاشور في يفسر " من شيء" : ( والشيء هو الموجود . والمراد به هنا أحوال المخلوقات كما يدلّ عليه السياق فشمل أحوال الدّواب والطير فإنّها معلومة لله تعالى مقدّرة عنده بما أودع فيها من حكمة خلقه تعالى .)

والمراد : أن ما يحصل من الدواب مكتوب .
 
الحمد لله ، وبعد ..

قال الشيخ أبو مجاهد وفقه الله :

( ومما يحتمله لفظ الكتاب هنا : الكتاب الذي تحصى فيه الأعمال ، وهو الكتاب الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله : (( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ ( الكهف : 49) .

وهذا المعنى أظهر – فيما أرى - ؛ لأن الله تعالى قال بعده : ﴿( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾(الأنعام: من الآية38)، وفيه دلالة على أنهم - بعد إحصاء ما عملوه - محشورون إلى ربهم لمجازاتهم عليها ))

جميلة هذة الُّلمحة ، وكنت سوف أعقب بها . فتح الله عليك .

وفيها إشارة إلى أن المراد هو اللوح المحفوظ .

والله أعلم
 
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في سياق بيان القرآن لكل شيء (( فما من شيء يحتاج الناس إليه إلا وجد في القرآن ، لكن وجوده في القرآن : إما أن يكون على وجه صريح ، أو على وجه ظاهر ، أو على وجه الإيماء والإشارة ، أو على وجه الشمول والعموم ، أو على وجه اللزوم ، فالمهم أن االقرآن مبين لكل شيء ، تارة يذكر الدليل على المسألة ، وتارة يذكر التوجيه إلى الدليل ... أما ما ليس فيه مصلحة فإنه لا حاجة إلى ذكره ، وقد يكون الشيء الذي لم يذكر موكولاً إلى عقول الناس وتجاربهم ، كما في كثير من طبائع الأشياء الأمور الطبيعية سواء الفلكية أو الجولوجية أو غير ذلك ، نجد أن القرآن لم يفصلها ولم يبينها ، لأنه ليس فيها فائدة ، فائدتها تكمن في أن الناس يطلبونها وينظرون في آيات الله ، ويتحركون حتى يدركوها ، ولهذا تجد بعض المسائل التي يتنازع فيها الناس كمسألة دوران الأرض ليست موجودة في القرآن على وجه صريح ، ولو كان هذا مما يتعين علينا اعتقاده إثباتاً أو نفياً لكان الله تعالى يبينه بياناً واضحاً كما بين الأمور التي لا بد لنا من الاعتقاد فيها على وجه صريح ، إذا هي موكولة إلى للناس.. )) تفسير سورة يس (250-252) بتصرف .
 
الأخ عمر وفقه الله
كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله واضح في أن القرآن مشتمل لما يحتاجه الناس وهو متفق مع ما نقل من كلام الأئمة السابقين في النصوص التي نُقلت في بداية المشاركة ، ولذا يقول رحمه الله : ( فما من شيء يحتاج الناس إليه إلا وجد في القرآن ...) .
وحديثه رحمه الله أيضاً يشمل الإحالة إلى الأدلة الأخرى ، ولكن لا يمكن القول باستقلال القرآن بالدلالة على الأحكام مباشرة بلا رجوع لغيره من الأدلة ، فلا يستغنى به عن السنة مثلاً.. بل يجب الرجوع إلى السنة كما يجب الرجوع إلى القرآن فهما صنوان في الدلالة على الأحكام ..
والله أعلم.
 
السلام عليكم

أرغب بأن أضيف إضافة وهي أنّ للأصوليين والفقهاء رأيا في المسألة--مفاده القرآن بيان لكلّ شيء من الأحكام الإعتقادية والعمليّة إمّا نصّا أو دلالة

قال الجصّاص في أحكام القرآن في تفسيره لآية ({وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89)


(قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}؛ يعني به والله أعلم: تبيان كل شيء من أمور الدين بالنصّ والدلالة؛ فما من حادثة جليلة ولا دقيقة إلا ولله فيها حكم قد بيّنه في الكتاب نصّاً أو دليلاً، فما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم فإنما صدر عن الكتاب بقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7]، وقوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله} [الشورى: 52 و 53]، وقوله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80]؛ فما بيّنه الرسول فهو عن الله عز وجل وهو من تِبيان الكتاب له لأمر الله إيانا بطاعته واتباع أمره، وما حصل عليه الإجماعُ فمصدره أيضاً عن الكتاب لأن الكتاب قد دلّ على صحة حجة الإجماع وأنهم لا يجتمعون على ضلال، وما أوجبه القياس واجتهاد الرأي وسائر ضروب الاستدلال من الاستحسان وقبول خبر الواحد جميع ذلك من تِبْيانِ الكتاب؛ لأنه قد دلّ على ذلك أجمع، فما من حكم من أحكام الدين إلا وفي الكتاب تبيانه من الوجوه التي ذكرنا.
مطلب: هذه الآية دالّة على صحة القول بالقياس
وهذه الآية دالّةٌ على صحة القول بالقياس؛ وذلك لأنّا إذا لم نجد للحادثة حُكْماً منصوصاً في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع، وقد أخبر الله تعالى أن في الكتاب تبيان كل شيء من أمور الدين، ثبت أن طريقه النظر والاستدلال بالقياس على حكمه، إذ لم يبق هناك وَجْهٌ يوصل إلى حكمها من غير هذه الجهة؛ ومن قال بنصٍّ خفيّ أو بالاستدلال فإنما خالف في العبارة وهو موافق في المعنى ولا ينفكُّ من استعمال اجتهاد الرأي والنظر والقياس من حيث لا يشعر.)


لذلك من المناسب أن نعود للأصوليين والفقهاء في فهمهم للمسألة
 
عودة
أعلى