فهد الوهبي
Member
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ..
فلا شك أن القرآن العظيم كتاب معجز أفحم الفصحاء والبلغاء ، ولا زال العالم يشهد من إعجازه ما يبهر الألباب ويذعن القلوب لرب الأرباب ..
وقد كان يدور في النفس منذ وقت مسألة الإعجاز العلمي واحتواء القرآن للمخترعات ولكل شيء فأحببت المشاركة في هذه المسألة بالنظر في أدلتها من القرآن بشكل مختصر من خلال النظر في أقوال المفسرين ، اسأل الله تعالى أن يجعله بحثاً مفيداً ..
مسألة:
ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى: (لكل شيء) وَ (من شيء) العمومُ من غير تخصيص:
قال السيوطي (ت: 911هـ):"وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها"(1).
ثم ذكر بعد ذلك العلوم التي اشتمل عليها القرآن فذكر من ذلك: علم عجائب المخلوقات وملكوت السماوات والأرض وعيون أخبار الأمم السالفة والسيرة النبوية وبدء خلق الإنسان إلى موته وكيفية الموت وما يحدث بعد ذلك وأشراط الساعة الكبرى وأن القرآن اشتمل على أسمائه تعالى الحسنى وأن فيه تصديق كل حديث ورد عن النبي(2).
ونقل عن المرسي (ت: 655هـ) قوله:"جَمَعَ القرآنُ علومَ الأولين والآخرين ، بحيث لم يُحِط بها علماً ـ حقيقة ـ إلا المتكلمُ به ، ثم رسولُ الله e ، خلا ما استأثر به سبحانه، ثم وَرِثَ عنه معظمَ ذلك ساداتُ الصحابة وأعلامُهم..."( 3).
ثم ذكر المرسي (ت: 655هـ) ما أُخِذَ من القرآن من العلوم الإسلامية ثم قال:"هذه الفنون التي أخذتها المِلّة الإسلامية منه، وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك"( 4).
وأكثر عبارات المفسرين على أن المقصود هو العموم الذي أريد به الخصوص( 5) ويكون المراد: أن في القرآن بيانٌ لكل شيءٍ من أمور الدين أو لما لمثله تجيء الشرائع: وإليك بعض أقوال المفسرين في ذلك:
§ قال ابن عطية (ت: 481هـ) في آية الأنعام:"على القول بأنه قرآن: خاصٌ في الأشياء التي فيها منافع للمخاطبين وطرائق هدايتهم"( 6).
§ وقال أيضاً:"وقوله: (لكل شيء): مما نحتاج في الشرع ولا بُدَّ منه في المِلَّة، كالحلال والحرام والدعاء إلى الله والتخويف من عذابه، وهذا حصر ما اقتضته عبارات المفسرين"( 7).
§ وقال ابن الجوزي(ت: 597هـ):"فأما قوله تعالى: (لكل شيء): فقال العلماء بالمعاني: يعني: لكل شيء من أمور الدين، إما بالنص عليه، أو بالإحالة على ما يوجب العلم، مثل بيان رسول الله e أو إجماع المسلمين"( 8).
§ وقال ابن جزي الكلبي (ت: 741هـ) في آية الأنعام:"وقيل: هو القرآن. والكلام على هذا خاص. أي: ما فرطنا فيه من شيء فيه هدايتكم والبيان لكم"( 9).
§ وقال أبو حيان (ت: 745هـ) في معنى القول بأنه القرآن في آية الأنعام:"يكون من العام الذي يراد به الخاص فالمعنى: من شيء يدعو إلى معرفة الله وتكاليفه"(10 ).
§ وقال ابن القيم (ت: 752هـ) في آية الأنعام:"فقالت طائفة: المراد به القرآن وهذا من العام المراد به الخاص أي: ما فرطنا فيه من شيء يحتاجون إلى ذكره وبيانه"( 11).
§ وقال الآلوسي( ) (ت: 1270هـ):"والمراد من (كل شيء): على ما ذهب إليه جمع: ما يتعلق بأمور الدين أي بياناً بليغاً لكل شيء يتعلق بذلك"( 12).
§ وقال الشيخ السعدي (ت: 1376هـ) في تفسير هذه الآية:"وقوله: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ) [النحل: 89]: في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مُبين فيه، أتمَّ تبيين، بألفاظ واضحة، ومعانٍ جلية"( 13).
§ وقال ابن عاشور (ت: 1393هـ):"لا شك أن المراد أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع"( 14).
ومن هذه النقولات المطولة يتبين أن المراد بشمولية القرآن؛ شموليته لما يحتاجه الناس في أمور دينهم وما يقيم شؤون حياتهم كما أراد الله تعالى وذلك كبيان إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدني، وتبيين الحقوق، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول e، وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية، ووصف أحوال الأمم، وأسباب فلاحها وخسارها، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم، وفي خلال ذلك كله أسرار ونكت من أصول العلوم والمعارف ( 15).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) الإكليل: 1 / 253.
(2 ) انظر: الإكليل: 1 / 253 ـ281.
(3 ) الإكليل: 1 / 243.
(4 ) الإكليل: 1 / 247. ثم ذكر المرسي بعد ذلك ما في القرآن من أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة والحدادة والبناء والنجارة والغزل والنسج والفلاحة وغيرها. الإكليل: 1 / 247 ـ 253. ويظهر مما ذكره من الأمثلة أن مقصوده بالاحتواء مجرد الذكر ، فإذا ذُكر شيء له تعلق بعلم اعتبر ذلك احتواء لذلك العلم .
(5 ) قال شيخ الإسلام: " وليس استعمال العام وإرادة الخاص ببدع في الكلام؛ بل هو غالب كثير". مجموع الفتاوى: 21 / 552.
(6 ) المحرر الوجيز: 620. باختصار.
(7 ) المحرر الوجيز: 1111.
(8 ) زاد المسير: 790.
(9 ) كتاب التسهيل لعلوم التنزيل: 2 / 8.
(10 ) البحر المحيط: 4 / 126.
(11 ) شفاء العليل: (75)، وبدائع التفسير: 2 / 147.
(12 ) روح المعاني: 7 / 452.
(13 ) تيسير الكريم الرحمن: 3 / 52.
(14 ) التحرير والتنوير: 7 / 253.
(15 ) التحرير والتنوير: 7 / 253.
فلا شك أن القرآن العظيم كتاب معجز أفحم الفصحاء والبلغاء ، ولا زال العالم يشهد من إعجازه ما يبهر الألباب ويذعن القلوب لرب الأرباب ..
وقد كان يدور في النفس منذ وقت مسألة الإعجاز العلمي واحتواء القرآن للمخترعات ولكل شيء فأحببت المشاركة في هذه المسألة بالنظر في أدلتها من القرآن بشكل مختصر من خلال النظر في أقوال المفسرين ، اسأل الله تعالى أن يجعله بحثاً مفيداً ..
مسألة:
ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى: (لكل شيء) وَ (من شيء) العمومُ من غير تخصيص:
قال السيوطي (ت: 911هـ):"وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها"(1).
ثم ذكر بعد ذلك العلوم التي اشتمل عليها القرآن فذكر من ذلك: علم عجائب المخلوقات وملكوت السماوات والأرض وعيون أخبار الأمم السالفة والسيرة النبوية وبدء خلق الإنسان إلى موته وكيفية الموت وما يحدث بعد ذلك وأشراط الساعة الكبرى وأن القرآن اشتمل على أسمائه تعالى الحسنى وأن فيه تصديق كل حديث ورد عن النبي(2).
ونقل عن المرسي (ت: 655هـ) قوله:"جَمَعَ القرآنُ علومَ الأولين والآخرين ، بحيث لم يُحِط بها علماً ـ حقيقة ـ إلا المتكلمُ به ، ثم رسولُ الله e ، خلا ما استأثر به سبحانه، ثم وَرِثَ عنه معظمَ ذلك ساداتُ الصحابة وأعلامُهم..."( 3).
ثم ذكر المرسي (ت: 655هـ) ما أُخِذَ من القرآن من العلوم الإسلامية ثم قال:"هذه الفنون التي أخذتها المِلّة الإسلامية منه، وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك"( 4).
وأكثر عبارات المفسرين على أن المقصود هو العموم الذي أريد به الخصوص( 5) ويكون المراد: أن في القرآن بيانٌ لكل شيءٍ من أمور الدين أو لما لمثله تجيء الشرائع: وإليك بعض أقوال المفسرين في ذلك:
§ قال ابن عطية (ت: 481هـ) في آية الأنعام:"على القول بأنه قرآن: خاصٌ في الأشياء التي فيها منافع للمخاطبين وطرائق هدايتهم"( 6).
§ وقال أيضاً:"وقوله: (لكل شيء): مما نحتاج في الشرع ولا بُدَّ منه في المِلَّة، كالحلال والحرام والدعاء إلى الله والتخويف من عذابه، وهذا حصر ما اقتضته عبارات المفسرين"( 7).
§ وقال ابن الجوزي(ت: 597هـ):"فأما قوله تعالى: (لكل شيء): فقال العلماء بالمعاني: يعني: لكل شيء من أمور الدين، إما بالنص عليه، أو بالإحالة على ما يوجب العلم، مثل بيان رسول الله e أو إجماع المسلمين"( 8).
§ وقال ابن جزي الكلبي (ت: 741هـ) في آية الأنعام:"وقيل: هو القرآن. والكلام على هذا خاص. أي: ما فرطنا فيه من شيء فيه هدايتكم والبيان لكم"( 9).
§ وقال أبو حيان (ت: 745هـ) في معنى القول بأنه القرآن في آية الأنعام:"يكون من العام الذي يراد به الخاص فالمعنى: من شيء يدعو إلى معرفة الله وتكاليفه"(10 ).
§ وقال ابن القيم (ت: 752هـ) في آية الأنعام:"فقالت طائفة: المراد به القرآن وهذا من العام المراد به الخاص أي: ما فرطنا فيه من شيء يحتاجون إلى ذكره وبيانه"( 11).
§ وقال الآلوسي( ) (ت: 1270هـ):"والمراد من (كل شيء): على ما ذهب إليه جمع: ما يتعلق بأمور الدين أي بياناً بليغاً لكل شيء يتعلق بذلك"( 12).
§ وقال الشيخ السعدي (ت: 1376هـ) في تفسير هذه الآية:"وقوله: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ) [النحل: 89]: في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مُبين فيه، أتمَّ تبيين، بألفاظ واضحة، ومعانٍ جلية"( 13).
§ وقال ابن عاشور (ت: 1393هـ):"لا شك أن المراد أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع"( 14).
ومن هذه النقولات المطولة يتبين أن المراد بشمولية القرآن؛ شموليته لما يحتاجه الناس في أمور دينهم وما يقيم شؤون حياتهم كما أراد الله تعالى وذلك كبيان إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدني، وتبيين الحقوق، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول e، وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية، ووصف أحوال الأمم، وأسباب فلاحها وخسارها، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم، وفي خلال ذلك كله أسرار ونكت من أصول العلوم والمعارف ( 15).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) الإكليل: 1 / 253.
(2 ) انظر: الإكليل: 1 / 253 ـ281.
(3 ) الإكليل: 1 / 243.
(4 ) الإكليل: 1 / 247. ثم ذكر المرسي بعد ذلك ما في القرآن من أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة والحدادة والبناء والنجارة والغزل والنسج والفلاحة وغيرها. الإكليل: 1 / 247 ـ 253. ويظهر مما ذكره من الأمثلة أن مقصوده بالاحتواء مجرد الذكر ، فإذا ذُكر شيء له تعلق بعلم اعتبر ذلك احتواء لذلك العلم .
(5 ) قال شيخ الإسلام: " وليس استعمال العام وإرادة الخاص ببدع في الكلام؛ بل هو غالب كثير". مجموع الفتاوى: 21 / 552.
(6 ) المحرر الوجيز: 620. باختصار.
(7 ) المحرر الوجيز: 1111.
(8 ) زاد المسير: 790.
(9 ) كتاب التسهيل لعلوم التنزيل: 2 / 8.
(10 ) البحر المحيط: 4 / 126.
(11 ) شفاء العليل: (75)، وبدائع التفسير: 2 / 147.
(12 ) روح المعاني: 7 / 452.
(13 ) تيسير الكريم الرحمن: 3 / 52.
(14 ) التحرير والتنوير: 7 / 253.
(15 ) التحرير والتنوير: 7 / 253.