هل جاءت (منهم) للتبعيض في قوله تعالى:(لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ)؟

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

هل جاءت (منهم) هنا للتبعيض؟
وكيف تكون للتبعيض وقد كفر كل من قال هذه المقولة؟
 
بسم1​
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [المائدة:73]

أخي الفاضل الاستاذ محمد وفقه الله
ملحظ جميل يستحث القارئ على التدبر بالفعل ، نعم إن قوله تعالى (مِنْهُمْ ) تفيد التبعيض ، ولكن ممَّنْ؟ .
أول الآية قرر الحق جل وعلا كفر القائلين بأن الله جل وعلا ثالث ثلاثة ، ثم أنذر فقال (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) فالتبعيض يعود على من لم يتعظ وينتهي عن هذا القول وهم داخلون في جملة أصحاب القول بالتثليث ، فكان تقديرها أنَّ منِ انتهى عَن هذا القول فقد انتفى عنه الوصف بالكفر أما من بقي على قوله ورفض الانصياع للنهي عن هذا القول فليمسنَّ الذين كفروا ممن وصلتهم النذارة -فلم يتعظوا - عذابٌ أليم.

وهناك تبعيض في مثال مشابه في القرآن الكريم ، فالله جل جلاله يقول :

{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } [المائدة:110]

أي بعضٌ مِن بني إسرائيل ممن شاهد البينات وحضر المعجزات وإحياء الموتى بإذن الله فكفروا ولم يلتحقوا بمن آمن واذعن واتبع ، فأصروا على كفرهم ووصفوا هذه المعجزات بأنها سحر مبين ، وفي ذلك إشارة بأن تلك المعجزات استدعت الإيمان في قلوب بني إسرائيل إلا بعضاً منهم ، برغم أننا نشعر بأن تلك المعجزات لم يكن لها اثر في تحقيق الإيمان في قلوب بني إسرائيل ، ولكن صريح الآية يحمل دلالة على تأثر جمع منهم بما رأوا من قدرة الله على يد نبيه عيسى عليه السلام فآمنوا ، وفريق كذب واستكبر.

هذا والله أعلى وأعلم وصلى اللهم على محمد.
 
بارك الله فيكم أخي عدنان
أنقل لكم كلام الشيخ ابن عاشور حين قال رحمه الله:
والمراد بــ { الّذين كفروا } عينُ المراد بــ { الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } فعُدل عن التّعبير عنهم بضميرهم إلى الصّلة المقرّرة لمعنى كفرهم المذكور آنفاً بقوله: { لقد كفر الّذين قالوا } إلخ، لقصد تكرير تسجيل كفرهم وليكون اسم الموصول مومئاً إلى سبب الحكم المخبر به عنه. وعلى هذا يكون قوله { مِنْهم } بياناً للّذين كفروا قصد منه الاحتراس عن أن يتوهّم السامع أنّ هذا وعيد لكفّار آخرين.
 
وقال السمين الحلبي رحمه الله:
وقوله: { مِنْهُمْ } في محلِّ نصبٍ على الحال. قال أبو البقاء: " إمَّا من الذين، وإمَّا من ضميرِ الفاعل في " كفروا " قلت: لم يتغير الحكمُ في المعنى، لأنَّ الضميرَ الفاعل هو نفسُ الموصول، وإنما الخلاف لفظي. وقال الزمشخري: " مِنْ " في قوله: { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } للبيانِ كالتي في قوله:
{ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ }
قلت: فعلى هذا يتعلقُ " منهم " بمحذوفٍ، فإنْ قلت: هو على جَعْلِه حالاً متعلقٌ أيضاً بمحذوفٌ. قلت: الفرقُ بينهما أنَّ جَعْلَه حالاً يتعلَّقُ بمحذوفٍ، ذلك المحذوفُ هو الحالُ في الحقيقة، وعلى هذا الوجهِ يتعلَّقُ بفعلٍ مفسِّرٍ للموصولِ الأولِ، كأنه قيل: أعني منهم، ولا محلِّ لـ " أعني " لأنها جملةٌ تفسيرية. وقال الشيخ: " ومِنْ " في " منهم " للتبعيض أي: كائناً منهم، والربطُ حاصلٌ بالضمير، فكأنه قيل: كافرُهم، وليسوا كلَّهم بَقُوا على الكفر " انتهى. يعني: هذا تقديرٌ لكونِها تبعيضيةً وهو معنى كونِها في محلِّ نصبٍ على الحال.
 
عودة
أعلى