كلنا يا أحبتي ننتظر ذاك المثال،
على الأقل مثال عملي واحد يتناول قضية محددة بحثها مالك بن نبي في الظاهرة القرآنية معتمداً على الهرمنيوطيقا!
الطلب الأول، مثال مقارن: التفسير والمنهج التاريخي في التأويل (الهرمنيوطيقا) الذي يبحث في (أصول/قواعد) معنى، قيمة، طبيعة وأصالة [النص/الظاهرة/الشيء] إلى جانب إطاره النظري الذي يبحث في العوامل النفسية والخارجية التي تتحكم في العمليات التأويلية أو التي توجّه هذه العلمليات.
في هذا المثال سأركّز على المهمة الرابعة: الأصالة (الصحة التاريخية للنص من خلال النقد العلمي).
النص المستهدف:
قراءة ابن مسعود ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات)) [المائدة: 89] بغض النظر عن تصنيف هذه القراءة هل هي قراءة فعلا وبالتالي قراءة شاذة، أم ضرب من القراءة بالتفسير.
المنهج التقليدي التاريخي في التأويل: تطبيق العلوم الشرعية التقليدية عامة ومناهج علم القراءات بشكل خاص، ففي إطار الشرط الأول من شروط قبول القراءة (صحة السند) نلاحظ معلما من معالم الهرمنيوطيقا (narrative-historical continuity) أو "إستمرارية السرد التاريخي".
المنهج التاريخي في التأويل: إضافة إلى المنهج التقليدي يتم الإعتماد على الوثائق المحسوسة بعد إخضاعها للتحليل بأدات من أدوات علوم الآلة، وهذا يعني أن العثور على مخطوطة يقدم لنا مادة جديدة في التأويل، وتتم عملية الفهم بشكل أوضح. عملية الفهم هنا: فهم ما دوّن في الكتب عن وجود مصاحف أو صحف دونت فيها آيات بالتفسير.
والآن نفترض أن المنهج التقليدي هو "التفسير الإسلامي" عندنا، والتفسير بشكل أعم؟ علوم القرآن. هذا مجرد إفتراض وإلا فقد قلت فيما سبق أن "المنهج التاريخي" الذي أشار إليه المرحوم صبحي الصالح هو "الهرمنيوطيقا" والهرمنيوطيقا هي هذا "المنهج التاريخي"، والفرق لا يوجد إلا في التطور: تطور الهرمنيوطيقا وتشعّب مساراتها. هذا فقط. لكن هنا أفترض هذا الإفتراض للإجابة على الطلب السابق (المثال المقارن).
والآن سأنتقل إلى الهرمنيوطيقا النظرية.
في هذه النظرية لا يمكن إستبعاد العامل الذاتي في القراءة، وعليه فإن القوم الذين وصفهم الدكتور بن هرماس بقوله :"
يؤرقهم أن للقرآن نسخة واحدة وللانجيل نسخ متعددة فأرادوا أن يختلقوا مصاحف أخرى بهذه الطريقة حتى يشاركهم أهل القرآن في وعيهم الشقي الراجع الى تعدد واختلاف كتبهم (المقدسة)" سيؤولون الوثيقة المحسوسة بطريقة أخرى، وربما يستنتجون منها نتائج مباينة للمتفق عليه داخل المجال الإسلامي. ولأن الهرمنيوطيقا متعددة التطبيقات سننتقل إلى مستويات أخرى قصد معالجة مثل هذه الإشكالية، فهي تطرح الأسئلة عن دور علوم الآلة في ذاتها إذ أن أي علم من علوم الآلة في التاريخ (Auxiliary sciences of history) غير قائم بذاته عندما يوظف كآلة، وعليه: أي شيء أثري يؤول ضمن البيانات التاريخية الموجودة، وهذه البيانات التاريخية يتم إعادة تأويلها في ضوء المستجدات الملموسة
إن وجدت. هذه طريقة منهجية صالحة للإجابة على تلك الإشكالية في الهرمنيوطيقا النظرية.
الوثيقة: مخطوطة تم تحليلها وتأريخها وصنّفت ضمن المصاحف وفيها "النص المستهدف" (قراءة بن مسعود رضي الله عنه).
التأويل الإسلامي: لا جديد إذ هذا معروف عندنا ومشار إليه في أكثر من رواية.
الإعتراض المفترض: بل هذا يدعم نظرية "الجمع المتأخر للقرآن".
الإعتراض الإسلامي على الإعتراض المفترض:
- كيف ستعيد قراءة الروايات ضمن هذه المعلومة الحسية الجديدة ؟
- كيف توفق بين هذه المعلومة الجديدة والمعلومات الأخرى المحسوسة (مخطوطات أخرى)؟
- هل ترتقي هذه المعلومة الحسية الجديدة إلى رتبة الموجود من حيث الصحة والشهرة والتواتر ؟ أسئلة أخرى تتفرع عن هذا السؤال عن عدد الوثائق، تاريخها، تحقيقها ودقة هذه العمليات .. إلى آخره ...
هذه الطريقة ستجيب على إشكالية من إشكاليات الهرمنيوطيقا النظرية: أين تتدخل الذات في توجيه التأويل: عند المسلمين الذين يؤمنون سلفا أن القرآن محفوظ برعاية إلهية، أم عند غيرهم ممن يخضعون لتأثيرات ثقافية تاريخية خاصة أو إيديولوجية مغرضة؟
إنه تطبيق إفتراضي كمحاولة للإجابة على سؤال: أين نقط الإتفاق والإفتراق بين التفسير والمنهج التاريخي في التأويل.
لي عودة للإجابة على سؤالك الثاني أستاذنا الشريف، وسيتم تجاهل كل سؤال غير مؤطر بإطار يوجه السؤال، وإلا سنبقى ندور في حلقات مفرغة.