نُكَتٌ .. ومُلَحٌ .. وفَوائِدٌ مِنْ أَخبَارِ المفَسِّرِين

إنضم
02/06/2003
المشاركات
514
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
[align=center]
نُكَتٌ .. ومُلَحٌ .. وفَوائِدٌ مِنْ أَخبَارِ المفَسِّرِين [/align]

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد .
إن النظر في كتب التراجم والسِّير عظيمة النفع ، وعلى النَّفس كبيرة الوقع ؛ ذلكم أنها وسيلة لغاية سامية ، وطريق إلى مقاصد غالية ، سيَّما وأنَّ ربط المسلمين بعلمائهم يدخل من أفضل الأعمال ؛ كيف لا ، والغاية المنشودة من جرّاء ذلك أن ينتفع العباد من العلماء ؛ فينتفعون من عِلْمِهم ، و هَدْيِهم ، وسَمْتِهم ، وأخلاقهم ، ويعرفون شيئاً عن عبادتهم ، وتعظيمهم لربهم ؛ فهم بحق أولى الناس إلى أن يُلتفت حولهم ، ويُقبل عليهم ، لعلّ الله أن يكتب نجاة عبدٍ من عباده بسبب كلمة سمعها وانتفع بها من هؤلاء العلماء ؛ فالله درُّهم ؛ أعلى الله شأنهم ، وأشهدهم مع ملائكته في توحيده ، والذي من أجله كان إرسال الرسل ؛ فقال عزَّ من قائل :
( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( آل عمران : 18 )

وإني في هذا المقام مَثَلي كمثل الحافظ بنِ خلِّكان رحمه الله حين قال في كتابه الماتع الرائع " وَفَيَات الأعيان " ( 1 / 20 )
" ولكن ذكرتُ جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم ، ونقلتُ عنهم أو كانوا في زمني ولم أرهم "
ثم قال مبيناً الحكمة من ذلك فقال : " ليطَّلِع على حالهم من يأتي بعدهم "
وقال أحد المؤرخين :
" إنَّ أحسن ما يجب أن يُعتنى به ، ويُلم بجانبه بعد الكتاب والسنة ؛ معرفة الأخبار وتقييد المناقب والآثار ؛ ففيهما تذكرة وتقلُّب الدهر بأبنائه ، وتنبيه أهل العلم الذي يجب أن تتبع أثارهم ، وتُدَوَّن مناقبهم وأخبارهم ؛ فيجِدّ الطالب ليلحق بهم " ( موسوعة أعلام القرن الرابع عشر والخامس عشر للحازمي ( 1 /3 ) )

وقال آخر : " إنَّ في ذكر تراجم العلماء وأحوالهم ، ومناقبهم ومراتبهم فوائد نفيسة ومهمات جليلة "
وما كل هذا " إلا ليُقتدي بهم ، ويُنسج على منوالهم ، نسيج العلماء الفقهاء ، مذكراً بمآثرهم وفضلهم ، ومبيناً لمعالم القدوة في مسلكهم ؛ ليكونوا منارات هدى ، ومصابيح دجى ، لما في سيرهم من آدابٍ ، وعلومٍ ، وفوائدَ ، وأوابدَ ، لا تجدها في الموسوعات ولا في المطوَّلات ، ولما في مواقفهم من آثار خالدات ، تحي القلوب وتشحذ الهمم " . ( الجواهر الإكليلية في أعيان علماء ليبيا من المالكية للشريف ( 7 ) )

وبعد هذا النقل :
فالحديث عن أهل العلم والعلماء والعناية بجانب حياتهم ، وما فيه من العِبَر والدروس حديث ذو شجون ؛ فمن أحوالهم نستفيد العِبر ، ومن علمهم نستفيد الخبر ، وما زال أهل العلم والعلماء في السلف والخلف يُصنِّفون ويُؤلِّفون في تراجم العلماء وأهل الفضل والمنقبة ، بل لقد تنوَّعت تصانيفهم ، وتلوَّنت مشاربهم في التأليف والكتابة .

فذا عالم يُؤلِّف عن مجموعة من العلماء في عصر من العصور .
وذاك يُسطِّر مصنفاً خاصاً كاملاً عن حياة عَلَمٍ من ا لأعلام .
وآخرُ ينفرد بتصنيف تراجمَ لعلماء برزوا في علوم خاصة ؛ كالمحدِّثين ، والفقهاء ، والقضاة والقرّاء ، وغيرهم ، ومن طالع كتب السِّير والتراجم ، يعلم صحة ما قيدته .
فمن الأول ، " سير أعلام النبلاء " للإمام الحافظ الذهبي رحمه الله .
ومن الثاني ، " العقود الدُّرِّية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيميّة " لتلميذه الحافظ محمد بن عبد الهادي الحنبلي رحم الله الجميع .
ومن الثالث ؛ " ففي علماء القرّاء صنف الذهبي رحمه الله كتابه الموسوم " معرفة القراء الكبار " ، وفي علماء الفقه من الفقهاء صنَّف العلماءُ ، وتنوَّعت تصانيفهم ؛ فتارة من جمع الفقهاء جملة وتفصيلا ، وتارة من جمع علماء كلِّ مذهبٍ على حِدَةٍ .
فأبو الحسنات الَّلكْنَوي الحنفي رحمه الله صنَّف في علماء الحنفية في كتابه " الفوائد البهية في تراجم الحنفية "
ومن المالكية جاء ما صنَّفه القاضي عياض المالكي رحمه الله في كتابه " ترتيب المدارك وتقريب السالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك " ؛ فأبدع فيه أيما إبداع .
والإمام السُّبكي الشافعي رحمه الله صنَّف في " طبقات الشافعية الكبرى " .
ومن علماء الحنابلة سطَّرت يراعُ القاضي أبي يعلي رحمه الله في مصنفه " طبقات الحنابلة " وذيّل عليه الحافظ بن رجب الحنبلي رحمه الله " ذيل طبقات الحنابلة " .

إلى غير ذلك من التصانيف والمؤلفات التي عُنيت يتراجم العلماء وأهل المنقبة في الإسلام في شتى فنون العلم .
وأياً كان ؛ فإن الغاية والثمرة المرجوَّة من معرفة سير الرجال والعلماء الأفذاذ هي :
التطلع إلى شيء من أخبار القوم وأحوالهم الذين كان لهم قدم سبق في نصرة هذا الدين وإعزازه ، وتعلُّمه وتعليمه ، ودعوة الناس إليه ، بل والإقتداء بهم في جانب علمهم ، وسلوكهم ، وهديهم ، وسمتهم ، وعبادتهم لربهم تعظيمهم إياه .

ومعلوم أنَّ النفس قد يصعب عليها أن ترتقي في درجات العلوّ والكمال جملة واحدة من أول وهلة ، ومن دون سابق عِلْمٍ لها في ذلك ، أو بمن فعل ذلك وحصّل ما حصّل ؛ فإذا كرَّرتْ النظر ، وقلَّبتْ البصر في تراجم علماء هذا حالهم ، وتلك سيرهم ؛ جاهدت نفسَها ؛ للحاق بهم ؛ فجدّت وسعت بكل ما أُتِيت من قوةٍ ونشاطٍ ؛ لتحصيل ما حصّلوه ، وما نَعِموا به من حلاوة العبادة ، ولذة العلم ، والأنس بالله جل في علاه .
[align=center]أولئك أبائي فجأني بمثلِهُمُ إذا جمعتنا يا جرير المجامع[/align]

وإذا كانت الحاجة ماسة في معرفة حال العلماء قاطبة ؛ فإنه يظهر لي أن الحاجة أمس إلى معرفة علماء بذلوا أوقاتهم في خدمة كتاب الله ، وعاشوا سنين عمرهم حُلْوها ومُرِّها ، في عافيتها وسقمها ، مع خير الكلام قاطبة ؛ فامتثلوا أحكامه ، وشرائعه في سلوكهم ، ومعيشتهم ، وسائر حياتهم .
تالله إن من خير ما يجب أن يُعتنى به من التراجم ؛ تراجم المفسرين .


وإذا كان ذلك كذلك .فهذه سلسلة من النكت والفوائد من كتاب ( طبقات المفسرين للداودي رحمه الله تعالى ) أنهيت قراءته كاملاً والفضل لله وحده ؛ فزخرتُ بنفائس عالية قيدتها في مبحثٍ مستقل ؛ وسأنزله على حلقات هنا ليعم نفعها إن شاء الله ، وهذه النكات هي حسب ما ظهر لي ، فقد يقرأ آخر ويجد ما خفي علي ، فيزيد لنفسه أو هنا .

ومنهجي في التقييد :

1_ تسمية الفائدة
2_ نقل النص بحروفه .
3_ تعليق إن كان حاجة إليه .

وليت الإخوة ينشطون لجرد كتب في موضوعات التفسير وعلوم القرآن وإثباتها على شكل دروس وعبر وفوائد .

والله الموفق لكل خير
 
موضوع طيب وممتع بارك الله فيك وسددخطاك
 
الحمد لله ، وبعد ..

1 _ ( 2 ) ( * ) [align=center]إبراهيم بن أحمد بن علي بن أسلم ، أبو إسحاق الجبنياني البكري المالكي رحمه الله ( ت 396هـ )[/align]

_ حرصه على طلب العلم والسهر فيه واختيار أجود الأوقات النافعة :

قال الداودي رحمه الله عنه : ( لم يترك حظَّه من دراسة العلم بالليل إلا عند ضعفه قبل موته بقليل ) ( 1/ 4 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له : فيه تمهيد وفوائد :

فضبط ( الجبنياني ) : الجِبْنِياني ؛ كذا قال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه .

الأولى : شدة الحرص على طلب العلم ، والمداومة عليه ، والعجب من ذلك أن سنَّهُ تسعون سنة !
فلله ما أعلى الهمَّة ، وما أصدق الطلب ، رحمه الله رحمة واسعة من مُتَعَبِّد المغرب قاطبة .

الثانية : فيه دلالة على حسن اختيار أفضل الأوقات في المدارسة والطلب .
وهذا دأب كثير من أهل العلم ؛ إذ يعود الحرص على ذلك ؛ لصفاء العقل ، وقوة التأمَّل سِيَّما عند خلو الذهن من المشاغل التي عادة ما تكون بالنهار .

2_ _ روائع كَلِمِهْ رحمه الله تعالى :

قال الداودي رحمه الله عنه : ( ( وكان قلَّما يترك ثلاث كلمات جامعة للخير ؛ وهي :
اتَّبِع ولا تبتدع ، اتَّضِع ولا ترتفع ، من ورع لم يقع )
) ( 1/ 4 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له : فيه فوائد :
لله أبوه رحمه الله ؛ فقد حاز بهاته الكلمات الثلاث ، جماع الخير .

الأولى : فالاتباع وترك الابتداع ؛ هو حبل النجاة الموصول إلى الجنة بإذنه سبحانه ، وهو ملاك كل خير ، وقد أحسن من قال : ( وكل خير في اتباع من سلف )

والثانية : التواضع ملاك الأخلاق . وفضيلة بارزة في كتب السنة والآخلاق .

والثالثة : الورع الورع . ويكأنها ترجمة لحديث النعمان بن بشير : ( الحلال بيِّن ، والحرام بين ..) الحديث .


2_ 1_ العناية بحمل الذرية على الخير :

قال الداودي رحمه الله عنه : ( ( وكان له سبعة من الولد كلهم على الخير ) ) ( 1/ 4 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له ، فيه فائدة عظيمة النفع في الدنيا والآخرة :

وتأمل قوله: ( كلهم على الخير ) فهي لعمري إشارة إلى أهمية الاعتناء بالذرية وحملهم على الخير والتقوى والصلاح . وهذا مما يغفل عنه اليوم كثير من الدعاة وللأسف !

فتجده شعلة من النشاط في الدعوة والخير خارج المنزل ، وإذا دخل لا تجد نصف ذلك والله المستعان ؛ ولذا فلا عجب أن تجد من ولد بعض أهل العلم والصلاح على غير الهدى والصلاح . ( وليس القول لمن بذل جهده ووقته وجد في حمل ولده على ذلك ؛ فالهداية أمرها لله ، وهذا حاله معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون )

ولكن التفريط والله المستعان موجود والواقع يصدِّق ذلك .

فخذْها أخي الداعية من سيرة إبي إسحاق الجِبْنِياني رحمه الله فائدة طيبة مباركة ، وتأسَّ به ؛ فلقد قال عنه أبو الحسن القابسي رحمه الله : ( الجِبْنِياني إمام يُقتدى به )
فنفع الدنيا : قرة العين ، والمعين على الخير والصلاح .
وفي الآخرة : الولد الصالح الذي يدعو لك .
فهنيئاً لمن كانت ذريته على طاعة الله ورسوله حذو القذة بالقذوة ، والويل لمن كان هو سبباً في دخول الناس إلى الجنة ، وكانت ذريته سبباً في سوقه إلى النار والعياذ بالله .

وأخيراً :

فإني أحث القوم إلى النظر في سيرة هذا العالم العابد ؛ ففي سيرته روائع ودرر من باقي المصنفات ، والمنهج هنا مقتصر على الطبقات ، وحسبنا هنا دلالات وإشارات .

والله يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه

والله أعلم

_________
( * ) الرقم الأول تسلسلي للمشاركات هنا ، والرقم الثاني رقم الترجمة في الكتاب ، والرقم الثالث عقب القول العزو للطبقات .
 
متابعة

متابعة

الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]2 _ (4) إبراهيم بن أحمد بن محمد بم معالي بن محمد بن عبد الكريم الرَّقِّي الحنبلي الزاهد العالم ، القدوة الرباني ، أبو أسحاق رحمه الله ( 647_ 703هـ )[/align]


_ نفعه للعباد وقضاء الحوائح :

قال الداودي رحمه الله عنه : ( كان رجلاً صالحاً ، عالماً ، كثير الخير ، قاصداً للنفع ) ( 1/ 6 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :

وهذه سِمةٌ طيبةٌ مباركةٌ ، قد صحَّ الحديثُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : ( خيرُ النَّاسِ ؛ أنفعُهم للنَّاسِ )

وهاته السمة الإيمانية قليلة الوجود اليوم عند العلماء ؛ فقلِّب النظر فيمن حولك من العلماء تجد صحة ذلك .
لذا كان تمييز هذا العالم بهذه الصفة حاكية واقعه بحق ؛ فرحمه الله رحمه واسعة .

وسبحان ربي ؛ فإنَّ من وهبه الله هذه الخصلة الفاضلة ؛ لتجده من أنعم خلق الله عيشاً ، وأشرحهم صدراً ، وأطيبهم نفساً ، وهذا يصدق في حق العلماء الربانيين ، لا حرم الله الأمة منهم .

ولعظيم هذه الخصلة الإيمانية ، صنَّف المحدِّثون ، أجزاء حديثية ، أوْدَعُوها تحت باب ( فضل قضاء الحوائج )

فطوبى لمن كان مفتاحاً للخير ، يٌجري الله على يديه فتح ما أغلق على العباد .

جعلنا الله وإياكم منهم .

والله أعلم .
 
متابعة

متابعة

الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]3 _ ( 14 ) إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكتاني الحموي الأصل ثم المقدسي
رحمه الله ( 725_ 790هـ )
[/align]

1. حرصه على الكتب والمخطوطات وهمته العالية في التحصيل :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( اقتنى من الكتب النفيسة بخطوط مصنفيها وغيرهم ما لم يتهيَّأ لغيره ) ( 1/ 15 )

وقال أيضاً : ( وخلَّف من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله لغيره ؛ لأنه كان مغرماً بها ) ( 1/ 15 )

وقال أيضاً : ( اقتنى بخطوط المصنفين ما لا يعبَّر عنه كثرة ) ( 1/ 15 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
لذة اقتناء الكتب تفوق كل لذة !
وأعظم ما تكون روعة ، حين يشتد الطلب للكتاب ، ويطول البحث طويلاً ، فتسمع خبره في بلد ؛ فتشتاق الروح إليه ، ويصبح هجِّيراه كيف الحصول عليه ، وعندي أن هذه اللذة أنفع وأحلى ممن طلب عروساً في بلدة اخرى !

واسمع قالات العلماء في هذا الباب ؛ فستجد عجباً ، ودونك منها :

قال الجاحظ : " من لم تكن نفقته التي تخرج في الكتب ألذ عنده من إنفاق عُشّاق القِيان ، والمستهترين بالبنيان ، لم يبلغ في العلم مبلغاً رضياً .وليس ينتفع بإنفاقه حتى يؤثر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابي فرسَه باللبن على عياله وحتى يُؤمِّل في العلم ما يؤمل الأعرابي في فرسه " [ الحيوان 1 / 55 ]

وقال سلمان الحموي الحنبلي _ من شيوخ الحافظ ابن حجر _ :
[align=center]وقائلةٍ أنفقتَ في الكتب ما حوت يمينك من مالٍ فقلت : دعيني
لعلِّي أرى فيها كتاباً يدلني لأخـذ كتابي آمناً بيميني [/align]


2_ من قواعد شراء الكتب العلمية ، والعناية بتعدد النسخ للفائدة :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وكان يشتري النسخة من الكتاب التي إليها المنتهى في الحسن ، ثم يقع له ذلك الكتاب بخطِّ مصنفه فيشتريه ولا يترك الأول ) ( 1/ 15 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :

وهذه قاعدة نفيسة في شراء الكتب ، وهذا علمٌ وفنٌ يجب على طالب العلم العناية به ، والاعتناء بالنسخ الجيدة الأصيلة ولو طار سعرها ، وهجر النسخ الردئية ولو قل ثمنها .

فروعة العلم ولذته لا تفوقها لذة .
ومتى ما فرطَّت في هذه النكتة ؛ فسيجني عليك اقتناؤك للرخيص حسرة وندامة ، حين يعرض لك ، ما يُشْكِل ، أو ثمة تحريف ، أو سقط ؛ فحينها تودُّ لو أنك بألف درهم تنفقها لتعرف ما غمض عليك في آنه .

ومن فوائد هذه النكتة :
أولاً : العناية بالكتب المحققة تحقيقاً علمياً جيداً ، سيما الرسائل العلمية ( في الأغلب )
ثانياً : العناية بتحقيقات أعلام التحقيق وفرسانه المتقدمين المهرة .
ثالثاً : عليك باقتناء النسخ المحققة من ذوي الاختصاص ؛ فهذا مأمن من عجائب المحققين ( وما أكثر عجائبهم ، ولو كان ابن الجوزي رحمه الله في عصرنا لصنَّف فيهم كتاباً يُسْمِه : ( نفائس المحققين الخرقاء ! )
رابعاً : إن استطعت الجمع بين جيد الإخراج وجودة التحقيق فحسن ، فإن لم ؛ فلا يغُرَّنك بهاء حلته سوء بضاعة محققه ( أو عدمه ) ؛ فيُنسِيك جودة التحقيق بالإخراج العتيق !

وهذه رتوش .
وفي ما ذكر كفاية .

فرحم الله ابن جماعة رحمة واسعة ، ونفعنا بعلومه ومصنفاته الكثيرة ، إنه سبحانه خير مسؤول .
وإلى ترجمة اخرى إن شاء الله
والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..


[align=center]4_ ( 24 ) إبراهيم بن يحيى بن المبارك اليَزِيدِي ، أبو إسحاق بن أبي محمد النحوي بن النحويّ (ت 225هـ)[/align]

1. وجوب العناية بالمؤلَّفات وإدامة النظر فيها ( دعوة للتريث في التأليف ) :
قال الداودي رحمه الله عنه نقلاً عن الخطيب : ( وصنَّف : ( ما اتفق لفظه واختلف معناه ) ابتدأ فيه وهو ابن سبع عشرة سنة ، ولم يزل يعمل فيه إلى أن أتت عليه ستون سنة ! ) ( 1/ 26)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :

فيه دعوة إلى وجوب الاعتناء بالمصنَّفات ، وإدامة النظر فيها ، وعدم الاكتفاء بطبعها ، ومن ثمَّ التفرغ لمشاريع علمية اخرى ؛ ولذلك جملة من الفوائد :

أولاً : أن العلم بحر كبير ، ولا يزال الناهل منه كل يوم يُبْدى له الكثير الكثير ؛ فيحسن به أن يعيد النظر في كتابه ، ما بين تنقيح ، أو حسن ترتيب ، أو إضافة .

ثانياً : قد يكون المؤلف أثبت مسألة ( على أنها من أحسن ما عنده من العلم ) ومع المطالعة والنظر تبيَّن له رجحان ما ظنَّه راجحاً ؛ فيعمد إلى التصويب والتغيير للدليل الأقوى والأصوب الصحيح .

ثالثاً : أن في مداومة النظر في المصنفات ، بقاء المسائل في الرأس !

ولا تعجب من هذه النكتة ؛ فقد غدا اليوم أصحاب المؤلفات الكثيرة !! ( عفواً المسروقة ) يجهلون بعض ما في مصنفاتهم اليسيرة ( كتيبات صغيرة !! ) ، والطامة أنها حديثة عهد بنشر !!
فقلي بربك : أهذا يُصدَّق أنه هو من ألَّف ؟!

ما أعرفه وتعلمته من مشايخي ومن أهل العلم _ وما رست بعضه _ ان المؤلَّف كالابن ، يعرف صاحبه كل صغيرة وكبيرة فيه ؛ من طول النظر ، وإنعام الفكر ، وكثرة البحث والجلد في كتابه .

وكنت أعجب أحياناً من بعض كبار مشايخنا ، نسيانهم بعض المسائل والنُّكات العلمية ، مع أنهم أودعوها في مصنَّفاتهم ؛ فكنت ألتمس العذر لهم بتقدم العمر ، وتقدم سنة الطبع ، غير أني لهذا الفعل غير مقتنع ! والأولى تعاهد المؤلِّف لمؤلَّفه ؛ ليكن على استحضار تام بما كتب ؛ فإنه يعيب على من كتب في باب أن ينسى ما في هذا الباب !

والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..



[align=center]4_ ( 25) أحمد بن إبراهيم بن الزُّبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي ، أبو جعفر الأستاذ رحمه الله (627_ 708هـ)[/align]
صاحب : ( ملاك التأويل )


1. النُّصْحُ في الطَّلب :. :
1_ قال الداودي رحمه الله عنه : ( أقرأ القرآن ، والنحو ، والحديث بمالقه ، وغرناطة وغيرهما ، وكان كثير الإنصاف ، ناصحاً في الإقراء ) ) ( 1/ 27)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذه نكتةٌ عالية عزيزة ؛ فالنصح من أبرز سمات المؤمنين ، وهي سمة رفيعة عالية ، يُوْدِعُها الله في قلوب أوليائه .
ولا يطيقها إلا من رزقه الله خيراً كبيراً ، ولا تأتِ إلا بعد مجاهدة وصدق مع الله تبارك وتعالى ، ولذا كان من جملة ما بايع جرير رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن قال : ( والنصح لكل مسلم ) وهذه إشارة لنقاء القلب من الغل والغش ، وسلامة الصدر للمسلمين ، وهي مرتبة شريفة ، لا توجد في القلب إن كان فيه دخن الغل والحقد للمسلمين .
وهذه السمة الإيمانية لعلو رتبتها ومكانتها ؛ ما دفع جرير رضي الله عنه أن يَعُدّها من جملة الأعمال الكبيرة الفضل ، والتي قرنها مع الصلاة والزكاة .

هذا في حق النصح عموماً .

وأما النصح في الطلب ؛ فيكون في أمور :

أولاً : النصح في اختيار الشيخ ، والدِّلالة على الأعلم ، والأفضل ، والأجود المُتقِن ، والأَخْيَر من ذلك : ( الأتقى )
ثانياً : في اختيار الرفيق في الطلب ؛ فالصاحب الطيب المبارك في الطلب من أعظم الأسباب لنيل العلم والتزود منه . وقصة ابن عباس مع صاحبه خير شاهد .
وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله ، حين سأله أحد تلامذته عن طلب العلم ؛ فقال : خير ، ولكن انظر من يصحبك فيه ؟!

ثالثاً : في اختيار المادة العلمية ، وهذا مطلب عزيز اليوم ؛ فبعض أهل العلم في عصرنا إن أتاه من يرغب في الطلب ( وهذا بعد إلحاح وجهد جهيد إن وافق !! )
يقول لهم اختاروا كتاباً ! والمُشكِل إن كانوا في بداية الطلب ! فقد لا يحسنوا اختيار الكتاب ، وقد يكون مكروراً عليهم ، وهذا من جملة الأخطاء في الطلب .
نعم قد يكون حرصهم على التتلمذ على الشيخ ، واللحاق بشرف ذلك ! ولكن لا ينبغي لهم العدول عن الأهم
والوقوع في أمر لا يجنون منه كبير فائدة .
وقد قال أحد السلف : ( من اشتغل بغير المهم ، أضرَّ بالمهم )

وهذا الخطأ يكثر عند الشباب إبان انعقاد الدورات العلمية ؛ فتجد حالهم بين أمرين :
الأول : من يشارك في حضور درس أعلى منه في المستوى ، ولم يصل لمرتبة ، وقد يكون متخصصاً دقيقاً ؛ فهذا مضيعة وقت في حقه ، ولا يجني الكثير .

والثاني : من سبق له أخذ هذا الدرس ، وربما عن أكثر من شيخ ، ولكن يواظب على حضوره ، وهذا أيضاً مضيعِ لوقته في المفضول لا الفاضل ، والأولى أن يلتفت لدورس جديدة ؛ ليواصل الرُّقِيَّ في العلم والازدياد منه .

إلا رجلاً يرى أن في حضور درس سبق أخذه فائدة ، وذلك :
_ إما مراجعة لما سبق والحضور يعينه على ذلك ويأنس به .
_ أو أن يكون المحاضر صاحب اختصاص لما يشرح ، بخلاف من سبق ، وهذا مندوحة للحضور .
_ أو يكون عرف عن المحاضر حسن العرض ، وجدَّة المعلومات ، ونفاسة الفوائد .

وأياً كان ؛ فاالأَوْلَى بالشيخ الكريم أن يسألهم تلاميذه ، ماذا عندكم من العلم في هذا الفن أو الباب ؟
ماذا قرأتم قبل هذا ؟
ومن خلال ذلك يختار معهم ما يكون نفعه كبيراً إن شاء الله .

هذه من جملة النصح في الطلب .

ورحم الله أبا جعفر الغرناطي على هذا النكتة في سيرة .
وأحثٌّ الأحبة إلى القراءة والنظر في سيرة هذا العالم ففيها نفائس كبيرة .

والله أعلم ذلك :
 
شكرك الله سعيك أبا العالية
لله درك على هذه النفائس الغالية .
ولقد أعجبني ـ فوق ما نقلت ـ التعليق المليح من يراعك اللطيف .
وكم يفرح طالب العلم بصيد تعليقٍ نفيس في كتب التراجم ، قد تفك مبهمًا ، أو تدل على فضل ، أو تهدي إلى علم .
سر واستعن بالله ، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد .
 
جزاكم الله خيرا .
في كتاب أبي شامة المقدسي في البدع صورة مشرقة من أمر الشيخ أبي إسحاق الجبنياني بالمعروف و نهيه عن المنكر و غيرته على عقيدة التوحيد ، رحمه الله تعالى .
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]
6_ ( 35) أحمد بن حسين بن علي بن رسلان ، الشيخ شهاب الدين الرَّملي ، الشهير بانب رسلان الشافعي رحمه الله ( 775_ 804هـ )[/align]


1. الأخفياء :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( يدعو إلى الله سراً وجهراً ، ويأخذ على أيدي الظلمة ، مع محبة الخمول ، والشغف بعدم الظهور ! ) ( 1/ 39)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
لله درُّه ؛ فإنَّ من نال من العلم ما ناله ، وبرع وبرز فيه حتى صار إماماً في كلِّ فنٍّ وعلم ؛ يَصعُب عليه جداً أن تبرز عنده هذه الخصلة الرفيعة ، بل الأعجب من ذلك : ( الشغف بها ) !
نعم ، إنَّ من جملة أفضل الأعمال ، متابعة أعمال القلوب ، والحرص على تعاهدها وتنقيتها من كل ما يشوبها ، ومتى ما خالفت الجادَّة ؛ كَبَحَ جِمَاحها ، وكسر علياءَها ، وأمسك بلجامها ومرَّغه في عَتَبات العبوديَّة ، حتى تقهر وتنقى وتصفى ، وإلا جنت عليه كل مصيبة من جرَّاء هذا الداء الخطير .
صاننا الله وإياكم من أهواء القلوب وزلاته .
إِيْهِ أيُّها الشيخ العارف ، لقد أتعبت من بعدك .
إنَّ مثل هذه الأخلاق العالية ، والسِّمات المؤمنة الرفيعة ، تبرز عند أصحاب القلوب الحيَّة ، والذي أكبر هَمِّهِم ( رضى المولى تبارك وتعالى عنهم ) فهم لا يُبَالون بنظر الناس إليهم ، ويْكَأنَّ لسان حالهم يقول : ( لا يضيرنا إن خَفِينا على الناس ، ما دام الله مُطَّلعاً علينا )
فأنعم وأكرم بها من روحٍ نقية ، ونفوسٍ سويَّة ، وهِمَمٌ عليَّة .

ومما يَندى له الجبين ، أن تجد العكس على التمام ؛ فإنك قد تُطالع _ وهو من عجائب الدنيا اليوم _ من لم يبلغ عُشر معشار هذا العالم في العلم ، والدعوة إلى الله تعالى ، وتجد عنده من حبٍّ الظهور ، والتعالي على الناس ، والأَنَفَة من مخالطة عوام المسلمين وفقرائهم ، العجب الأشد !
بَيْنَا تجده راغباً ، ومستجيباً سريعاً ، هيناً ، ليناً ، مع أهل الدُّثور ، والغنى ، والسلطان !!
فجمع بين آفتين ، نسأل الله السلامة والعافية .
وأصل ذلك كله كما قيل :
[align=center]حُبُّ الظهورِ على ظهو * * * ر الناسِ مَنْشَأُه الغرورُ[/align]

2_ من روائع نظمه :
[align=center]لفاتحة أسماء عشر وواحد * * * فأم كتاب والقرآن ووافيه
صلاة مع الحمد الأساس ورقية * * * شفاء كذا السبع المثاني وكافية [/align]

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذا في حدِّ علمه رحمه الله ، وإلا فأسماء السورة أكثر من ذلك أوصلها السوطي إلى نيِّف وعشرين ما بين أسماء وصفات وألقاب وردت عن السلف رحمهم الله . ( انظر : أسماء سور القرآن وفضائلها ( 98 ) )
وله أيضاً :
[align=center]تواضع وكن في الناس سهلاً ميسراً * * * لتلقى لهم من فيك دراً وجوهراً
وإيَّاك ويبس الطبع فيهم ترفعاً * * * عليهم فتُرمى بالقبيح وتُزدرى [/align]

رحمه الله رحمة واسعة

وإلى نكتٍ ومُلَحٍ مع عالم آخر إن شاء الله
والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..
[align=center]
7_ ( 42) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحرَّاني رحمه الله ( 661_ 728هـ ) [/align]

[align=center]الأُعْجُوبَة [/align]

1. الهمَّة العالية في طلب العلم ( أنموذج مشوِّق للقراءة ) :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وعني بالحديث ، وسمع المسند مرات !! والكتب الستة ، ومعجم الطبراني الكبير ، وما لايحصى من الكتب والأجزاء ) ( 1/ 47)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
سبحان الله ! أيُّ عالم كان ابن تيميَّة رحمه الله ؟!
سمع المسند مرات ! الله أكبر .
إيه أيتها النفس التَّواقة الأبيَّة ؛ فلا عجب من ذلك ؛ فقد قال تلميذه النجيب ابن قيم الجوزية رحمه الله يحكي عن حال شيخه في القراءة :
_ " وحدثني شيخنا قال : ابتدأني مرضٌ ، فقال لي الطبيب :
إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض ، فقلت له : لا أصبر على ذلك ، وأنا أحاكمك إلى علمك .
أليست النفس إذا فرحت وسُرّت وقويت الطبيعة فدفعت المرض ؟ فقال : بلى .
فقلت له : فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحةً .
فقال : هذا خارجٌ عن علاجنا ." ( روضة المحبين 70 )

_وقال تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله في العقود الدرية صـ ( 5 ) :
" لا تكاد نفسُه تشبع من العلم ، ولا تروي من المطالعة ، ولا تملّ من الاشتغال ، ولا تكلُّ من البحث ، وقلّ أن يدخل في علمٍ من العلوم في بابٍ من أبوابه إلا ويُفتح له من ذلك الباب أبواب ، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله ."

نم ، لقد كان هذا هو دأب العلماء السابقين في القراءة ، وتكرارها ، والشغف فيها .
ومنفعة التكرار ظاهرة في تثبيت الفائدة ، وقد سُئِلَ الإمام البخاري رحمه الله عمَّا يعين على الحفظ ؛ فقال : إدامة النظر ! ( كثرة المطالعة )

وتأمل ما ذكره السُّبكي رحمه الله في طبقاته ( 2 / 99 ) عن الربيع المزني _ تلميذ الشافعي رحمه الله _ قال : أنا أنظر في كتاب الرسالة منذ خمسين سنة ، ما أعلم أني نظرت فيه مرة إلا وأنا استفيد شيئاً لم أكن عرفته "
وبهذا تعلم أهمية العناية بكثرة المطالعة في الكتب وتكرارها ، وقد قيل : ( قراءة كتاب واحد ، أنفع من قراءة ثلاثة كتب )
ومن أجمل المصنَّفات في القراءة والتشويق إليها ، كتاب : ( المشوق إلى القراءة ) للشيخ المحقق علي العمران نفع الله به ؛ فهو نفيس في بابه ، وسيمر عليك من النماذج والعجائب ، ما يجعلك تقف معها أياماً !


2. تيميَّاتٌ نفيسة :
قال الداودي رحمه الله عنه ناقلاً عن الذهبي رحمه الله : ( برع في تفسير القرآن ، وغاص في دقيق معانيه بطبعٍ سيَّال ، وخاطرٍ إلى مواقع الإشكال ميَّال ، واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها ، وبرع في الحديث وحفظه ، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه معزواً إلى أصوله وصحابته ، مع شدَّة استحضار له وقت إقامة الدليل ) ( 1/ 48_ 49)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
فيه مسائل :
الأولى : (واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها )
أما هذه المسألة ؛ فقد كان لشيخ الإسلام استنباطات فائقة ، واختيارات رائقة ، تنبئ عن علم غزير ، ونظر ثاقب نحرير ، وفي كتابه : ( تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء ) تحريرات نفيسة ، وأجوبة عالية الفائدة ؛ فرحمه الله من عالم بارع نادر ، كما قال عنه المصنِّف : ( نادرة دهره ) !

والثانية : (فقلَّ من يحفظ ما يحفظه معزواً إلى أصوله وصحابته )
وهذه نكتة مفيدة ، في أهمية العناية بجانب الحفظ في طلب العلم :
والحفظ يكون على فنون :
_ حفظ القرآن ، وفهمه ومعرفة معانيه . وفي هذا طرائق وأساليب ومهارات ، وأهمها ( الإخلاص في الحفظ ، والصدق على ذلك )
_ حفظ السنة ، وشرحها . مراعية التدرج المفيد لطالب العلم .
_ حفظ الأشعار الدّالة على معنى نفيس ، والمؤيدة له ( الشواهد ) وما يلحقها من أمثال نافعة . تنفع في الاستشهاد بها في الكلمات والمحاضرات والخطب .
_ حفظ قالات العلماء النفيسة ، ذات الدلالات الصحيحة الواضحة .
ورحم الله الرَّحبي حين قال في منظومته ( الرَّحبية في الفرائض ) :
[align=center]فاحفظ ؛ فكل حافظ إمام[/align]

والثالثة : (مع شدَّة استحضار له وقت إقامة الدليل )
وإذا كان للحفظ أثر كبير ، ومنفعة عظيمة ؛ فإنَّ أعظم ثمار هذا الحفظ ، أن يقدر طالب العلم على استحضار الأدلة وقت الحاجة .
وهذا ما تميز به الشيخ الأعجوبة ابن تيمية رحمه الله تعالى .
وهذه ميزة ينبغي أن تكون ظاهرة عند طلبة العلم ، و تحصل هذه الميزة بجملة من الأمور :
1. كثرة المطالعة في كتب الأدلة ؛ كالمنتقى ، ( والبلوغ ، وهو وصية سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله )
2. حفظ المسألة بدليلها . فمتى ما استظهرت المسألة ، اقترن دليلها معها ، وهذا نافع أيما نفع ، ومن جرب عرف معنى ذلك .
[align=center]فمن لم يُجؤِّب ليس يعرف قدره * * * فجرِّب تجد تصديق ما ذكرناه[/align].

3. تمرين الذهن بعرض المسائل بينه وبين نفسه ، أي : إنْ عرضت له مسألة لنفسه ؛ فلا يخلص مباشرة للحكم ( يجوز ، لا يجوز ... ) لا ، بل ليجري مناظرة بينه وبين نفسه في خاطره بعرض الأدلة ومناقشتها ، وكدِّ الخاطر في استدعاء الأدلة ؛ ففي هذا المِران ، تعويد الذهن على هذا ، ومراجعة أصول المسائل بأدلتها ، ومتى ما فعلت ؛ فقلَّ أن تخونك الأدلة وقت حاجتك إليها .
ولذا ؛ فلا تعجب من أن يبيت الشافعي ، وقبله أبو حنيفة رحمهم الله في تأمل مسألة ، هي من قبيل هذا النوع من المران والعصف الذهني !
4. والأخير ، والأولى أن يكون مقدماً ؛ الإخلاص والصدق مع الله في الطلب . وهذا أعجوبة العجائب .

هذا ما سنح البال ، والله سبحانه أعلم وأحكم
 
استدراك

استدراك

الحمد لله ، وبعد ..

نسيت أن أذكر في خاتمة ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أنفس الكتب التي ترجمت له ، وعنيت بسيرته ، وهو كتاب :

[align=center] ( الجامعُ لسيرةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة خِلالِ سَبعةِ قُرونٍ )[/align]

تصنيف وجمع وإعداد
الشيخ محمد عزيز شمس والشيخ علي بن محمد العمران
وبتقديم فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد

تفضل : حمِّله الآن من هنا !

وإلى نكتٍ مع عالم آخر .
 
متابعة

متابعة

الحمد لله ، وبعد ..
[align=center]
8_ ( 63) أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس ، أبو جعفر النّحاس المعروف بابن الـمُرَادي ، المصري النحوي حمه الله ( ت 338هـ )[/align]


1_ الحياء لا يمنع من العلم :
قال الداودي رحمه الله عنه فيما نقله عن الزُّبيدي : ( وكان واسع العلم ، غزير الرواية ، وكان لا يتكبَّر أن يسأل الفقهاء وأهل النَّظرِ ، ويُناقشهم عمَّا أشكل عليه في تأليفاته ) ( 1/ 69 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذه نكتة من نفائس النُّكت ، بل من أجودها .
فإن الذي يجب أن يتحلَّى به كل طالب علم ؛ أن يكون هذا دأبه في كافة مسائل العلم ؛ فالعلم مفاوز ، ومراحل ، وأشبار ، وصعوبات ؛ فمن ظن أنه استغنى بما عنده من العلم ، أو الفهم ، او التحصيل ؛ فقد ركب مركب الجهل والصَّفاقة .

فالعلم لا يُشبع منه ؛ نيلاً ، ونهلاً ، ومدارسة ، ومذاكرة ، ومراجعة ، ومناقشة ، وكافة لوازم إثباته وتجويده .
[align=center]أقضى بياض نهاري في الدروسِ وسل * * * يا أيها الشمسُ نجم الليل عن سهري[/align]
ألا إنَّ من أفسد الأخلاق على رحلة العلم ، وأخطر الأدواء على القلب ؛ خطر الكِبْر ؛ والاستحياء المذموم ؛ فالكِبْر يمنعه من أن يذلَّ بين يدي العالِم ، ولو كان عالماً ، أو سلطاناً ، أو ذا جاهٍ .
[align=center]لن أخرق الأرض أو أرقى الجبال عُلىً * * * فإنما قيمة الإنسان بالفِكَرِ[/align]

والاستحياء ، يمنعه من السؤال عن المُشْكِل ؛ بزعمه حياءً !!
وما أحلى قول أمي وأمك الصدِّيقة عائشة رضي الله عنها : « رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن »

إن من الجهل أن يظن المرء أن في سؤاله لأهل العلم _ ولو كان عالماً _ منقصة ؛ فذا لا ينال العلم ، وقد جاء عن أبي العالية _ رُفيع بن مهران _ رحمه الله أنه قال : ( لَا يَتَعَلَّمُ مُسْتَحٍ و لَا مُتَكَبِّر ) كما في الحلية لأبي نُعيم رحمه الله .

فمن رام العلم ؛ فليجعل مع قراءته كُنَّاشاً للمشكلات ؛ فمتى ما توفرت فرصة للقاء عالم أو شيخ ، سارع للسؤال ؛ فاستفاد وأفاد .

غير أنه أشكل علي قوله : ( ويُناقشهم عمَّا أشكل عليه في تأليفاته ) وقلت كيف يستشكل ما في تأليفاته ، وكتبه ؟ وإذا كان قد استشكلها ؛ فلم أثبتها ؟
ومعلوم أن الذي يؤلِّف يودع في كتابه ما يراه صحيحاً ؛ فبحثتُ هنا وهناك ؛ لعلني أجد شرح ما أغلق في كتاب آخر ؛ فلم أجد في بحثي !
فقلتُ : قد يكون تصحيفاً ، ولكن تواطأت المصنَّفات على القول ( بتأليفاته ) وتارة ( مصنَّفاته ) فاندفعت شبهة التصحيف .
فلم يبق لي إلا أن أقول :
هذا من قبيل أن يكون قد أثبت أحسن ما عنده ، ثم ناقشه غيره فيه ؛ فبان وجه الاستشكال بعد أن كان خافياً ؛ فجعل يستوثق أكثر وأكثر في ذلك كلما لاحت له فرصة في لقاء فقيه أو عالم ؛ فيعمد بعد ذلك للتصحيح والتحرير .

أو أن هذه الاشكالات كانت أثناء تبييض المؤلَّفات ؛ فقد يعرض له دليل يعارض ما ذهب إليه في تصنيفه ؛ فيسأل أهل الفقه والنظر في الجواب عنه .
هذا ما ظهر لي .
فمن ظهر له توجيه غير هذا ؛ فلْيَجُدْ به على أخيه .

والله أعلم وأحكم

وإلى ترجمة اخرى إن شاء الله .
 
متابعة

متابعة

الحمد لله ، وبعد ..


[align=center]9_ ( 89) أحمد بن يحيى بن زيد بن سيَّار الشيباني ، الإمام العلامة المحدِّث شيخ اللغة والعربية ، أبو العباس ثعلب ( 200 _ 291هـ )[/align]

1_ زاد العالم في الفُتْيا ( فكيف بطالب العلم ؟ ) :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقال أبو عمر الزاهد :
سُئِل ثعلب عن شيءٍ ؛ فقال : لا أدري .
فقيل له : أتقول ( لا أدري ) وإليك تُضربُ أكباد الإبل من كل بلد ؟!
فقال : لو كان لأمِّك بعدد ما لا أدري بَعْرٌ لاستغنت . ) ( 1/ 98)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذه نكتة جليلة القدر ، عظيمة الخطْر .
وهذا هو نهج العلماء الربانيِّين من عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
فقلي بربك : فأي درس نستفيده إن خرجت من إمام العربية وشيخها .
لله درُّه رحمه الله .

يقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن السعدي رحمه الله : (( ومن أعظم ما يجب على المُعَلِّمين : أن يقولوا لما لا يعلمونه : (( الله أعلم )) وليس هذا بناقصٍ لأقدارهم ، بل هذا مما يزيد قدرهم ، ويُستدلُّ به كمال دينهم ، وتحرِّيهم الصواب . وفي توقفه عمَّا لا يعلم فوائد كثيرة :
منها: أن هذا هو الواجب عليه .
ومنها: أنه إذا توقف وقال : الله أعلم ، فما أسرع ما يأتيه علم ذلك من مراجعته أو مراجعة غيره؛ فإنَّ المتعلم إذا رأى معلمه قد توقف ؛ جدَّ واجتهد في تحصيل علمها وإتحاف المعلم بها، فما أحسن هذا الأثر .
ومنها: إذا توقف فيما لا يعلم ؛ كان دليلاً على ثقته وأمانته وإتقانه فيما يجزم به من المسائل ، كما أن من عُرف منه الإقدام على الكلام فيما لا يعلم؛ كان ذلك داعياً للرَّيب في كل ما يتكلم به، حتى في الأمور الواضحة .
ومنها: أن المعلم إذا رأى منه المتعلمون التوقف فيما لا يعلم؛ كان ذلك تعليماً لهم وإرشاداً لهذه الطريقة الحسنة ، والاقتداء بالأقوال والأعمال أبلغ من الاقتداء بالأقوال ))
[الفتاوى السعدية ص (628-629)

ورحم الله العلاّمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فقد كان كثيراً ما يمتثل قول القائل :
[align=center]إذا ما قتلتَ الشيء علماً فقل به * * * ولا تقلِ الشيءَ الذي أنتَ جاهلُهْ
فمَنْ كان يهوى أن يُرى متصدراً * * * ويكره (( لا أدري )) أُصِبتْ مقاتلُهْ[/align]


العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير ( 1 / 53 ) .

والله أعلم
 
فمَنْ كان يهوى أن يُرى متصدراً * * * ويكره (( لا أدري )) أُصِبتْ مقاتلُهْ[/align][/color]

[/QUOTE]
جزاك الله خيرا على هذه الكلمات الطيبات ، و هي كلها تدخل فيما يعرف في علم التربية: بالتعلم عن طريق القدوة
الصواب في البيت السابق : أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهْ ؛ حتى يستقيم الوزن .
وبعد : فإن الكلام في " لا أدري " لا ينتهي ، و قد أفاض أهل العلم فيها ، فانظر في ذلك جامع بيان العلم و فضله للحافظ النَّمَري ، إن الكلام العلامة السعدي عن فوائد قول " لا أدري " كلام نفيس جدا ، و أضيف إليها ما ذكره العلامة أبو غدة في تعليقاته على رسالة الحارث المحاسبي - نقلا- عن بعض العلماء - من أن قول " لا أدري " يكسر من شوكة النفس ؛ لأنها شديدة و صعبة عليها ، و النفس لا تتحمل الأمور الشاقة
 
الحمد لله ، وبعد .

أحسنت يا شيخ رجب .

والخطأ مني في النقل ، جزاك الله خيراً .

وننتظر روائع النكت منك .
 
أين غابت الفوائد عنا؟

أين غابت الفوائد عنا؟

بداية أسأل الله العظيم ان يجعل هذا الملتقى منبراً يهتدي به الخلق، و أن يتقبلني الأساتذة الكرام ، طالبة علم تتطفل على موائدهم الثرية بالفوائد.!
و هذه أول مشاركة لي؛ أستفسر فيها عن الفوائد التي تنبع من هذه الناحية من الملتقى،
فأين غابت عنا فوائدكم السامية، يا شيخنا (أبو العالية)؟
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]10_ ( 91) أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين ، الإمام العلامة الزاهد الكبير موفق الدين أبو العباس الموصلي الكوَاشي الشيباني الشافعي ( 591_ 680هـ)[/align]

1_ عناية العالم بأحوال القلوب له ولتلاميذه :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( قال الشيخ تقي الدين أبو بكر المقصَّاتي :
قرأتُ على الشيخ موفق الدين تفسيره ؛ فلما بلغتُ إلى ( والفجر ) منعني من إتمام الكتاب ، وقال أنا أجيزه لك ، ولا تقول قرأته كله على المصنِّف ؛ يعني أن للنفس في ذلك حظاً ) ( 1/ 101 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
يا لله ما أروع هذه النكتة السامية ! ويُستفاد منها ما يلي :
أولاً : قوله ( ولا تقول قرأته كلَّه على المصنِّف )فهذه فائدة غاية في النَّفاسة ، وتظهر في أبواب :
أولاً : باب الإجازة وأحوال المجيزين اليوم .
فإنَّ من أعجب الأمور عند طلبة العلم المعتنين بالإجازات ! حرصهم الشديد عليها ، والتفاخر بها ، وهذا عمل حسن جداً فيما لو عرف المرء قيمة هذه الإجازات ، وهَيْبتها ، ومقدار شرفها الذي تحمَّله ؛ والأهم من هذا كله ؛ ما يجب عليه أن يمتثله في سلوكه ، وسمته ، وهديه ، وجميع شؤون حياته ؛ ليكون أهلاً لهذه الإجازة التي تلقَّاها عن شيوخه ؛ فيكون قراناً يمشى على وجه الأرض ، كما كال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرعيل الأول .

ولكن يطالعنا اليوم ممن ينادي بنفسه بكثرة الإجازات والإهالات ، ولكن دونما عملٍ ، أو تحقيقٍ لمقصودها ، أو التأسِّي بما تنادي به مما يجب عليه أن يكون عليه حامل هذه الإجازة من العلم ، والتقوى ، والصلاح ، والخلق الحسن ؛ فتعجب من سوء صنيع كثير ممن حمل هذه الإجازات .
ونظرة سريعة لمن يفاخر أنه قد أجازة الشيخ المقرئ في قراءة كذا .
أو من أجازه في كتاب معين أو قل ( سلسلة كتب يقرأ أولها فقط !!! ) ويجيزه في البقية دونما عرضه أو تحقيق لضبطه ، وما يتبع ذلك .
وأصبحت القضية جمع الكثير منها ، والمباهاة فيها ؛ فخرجت عن مقصدها الشريف ، وهدفها النبيل من دلالة على العلم ، والضبط ، والإتقان ، وأصحبت _ والحق فيها _ أنها لا تغني ولا تُسمن من جوع ، ومن حرص عليها ؛ فكما يقال ( للبركة ! ) ( في الغالب !! )
وعليه ؛ فلا تعجب أن تجد من المجازين ، من ليس بضابطٍ ، ولا متقنٍ ، وهذه من المشكلات حقيقة ؛ فلن يُمَيَّز الضابط من غيره ، إن عُلِّق الأمر بالشهادات ، دون التلاوات . والله المستعان .

غير أني أقول :
أنه مما ينبغي على المُجيِِِزِين ، أن يعتنوا بطالب الإجازة ، وأن يُفَرِّغوا له الوقت المناسب ، الذي به يتحقق معرفة قدر ضبط الطالب من عدمه .

وكنت قديماً أحرص في الإجازة عل شيخ _ هو في محلَّتنا _ من أعلى القُرَّاء سنداً ، واشترطتُ أن أقرأ تفسيراً معها .
ولكن ما دفعني لترك ذلك ، ما لحظته من أمورٍ غريبة ، أبرزها :
أن الإجازة بالتلاوة تكون في الطريق ، وعند الإشارة ، وفي سيارة الأجرة ، وفي السوق !!
وكنت أقول للشيخ : يا شيخ أنا لا أرغب بالإجازة بهذه الطريقة !
فقال : استغلالاً للوقت .
فقلت : يا شيخ ، أي استغلال هذا الذي يجعلني مشوش الفكر ، ولا يجعلك مُتيقِّظ لي ولقراءتي ! فالعبرة الضبط والإتقان ، وبصراحة لا أحرص على غيره .
فكان أن قال : هذا ما عندي ، ولا وقت لدي ! والطلاب كُثُر ، وكلهم يقرأ على هذه الطريقة .
فشكرتُه ، وسلمت عليه ، وقلت أما أنا فلا حاجة لي بإجازة كهذه !
هذه صورة من الصور المحزنة للأسف .

نعم إن الإجازة مسلك محمود ، ولكن ليكن بأصوله ، وضوابطه ، وعلى منهاج العلماء الربانيين ؛ الذين يعرفون للقرآن هيبته ومكانته ، وكيفيَّة تلقِّيْهِ ، نسأل الله العليَّ من فضله .

ثانياً : باب الإجازة في الكتب :من العجب أن تجد بعض الشيوخ اليوم في الحديث خاصة ، يقرأ عليه الطالب طليعة الكتاب من أحاديث قليلة لا تجاوز أصابع اليد الواحدة ، وتجده يقول لك : الشيخ المحدِّث المسند أجازني في الكتب الستة ، والتسعة ، والطبراني ( الثلاثة ) ويحشد لك حشداً من كتب السنة ، لو أجهد نفسه في قراءاتها منذ ولد لما بلغ نصفها ؛ فضلاً على أن يختمها ؛ فضلاً على أن يختمها عند هذا الشيخ الوقور !

والعجب لو سألته عن حديث في الأبواب الأولى ، ربما لم يقدر على قراءته صحيحاً فضلاً عن أن يعرفه !!
فبالله عليكم ، أهذا يستحق أن ينال إجازة !! الله المستعان


وثانياً : في قوله : (يعني أن للنفس في ذلك حَظاً )

فهي من أعز النُّكت في مراعاة قلب التلميذ ، من حب الثناء ، والشرف به ، والمفاخرة على الأقران ، ولمَّا كان خوف الشيخ على تلميذه من الوقوع في ما لا تُحمَد عقباه ( من مأثمٍ ، أو خشية تدليسٍ ) جاء بالنُّصح له في عدم التحديث بالختم عليه .
وهي وإن كانت كالشرح للجملة السابقة ، إلا أن فيها مزيد فائدة من أنه ربما بهذا الأثر على النَّفس قد يصيب منها مقتلاً ؛ وحينها يصعب الفكاك منه ، والنُّكات السود على القلب خطرها جسيم ، وداء القلب إن تناساه المرء خلَّف أضراراً كبيرة .
أسأل الله لي ولكم الوقاية من ذلك ، وأن يقينا وإياكم مفسدات القلوب .
إنه سبحانه خير مسؤول

هذا ما سنح الآن في البال ، والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]11_ ( 103) إسماعيل بن عمر بن كثير ، الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء ( 591_ 680هـ)
المفسِّر المشهور صاحب ( تفسير القرآن العظيم )[/align]


1_أهمية حفظ المتون لنيل الفنون :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( أخذ الكثير عن ابن تيمية ، وقرأ الأصول على الأصفهاني ، وسمع الكثير ، وأقبل على حفظ المتون ، ومعرفة الأسانيد، والعِلل ، والرجال ، والتاريخ ، حتى برع في ذلك وهو شاب ) ( 1 / 112 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
ينبغي لطالب العلم أن يعتني بالحفظ أيما عناية ، في كل الفنون ، ومتى ما أحكم في كل فنٍِّّ متناً أو أكثر ، وضبطه حفظاً وفهماً، قَدِر على تكوين الملكة التصورية الكاملة في ذهنه لأيِّ فنِّ من هذه الفنون .

ولكم قال أهل العلم قديماً ، وتلقيناه عن شيوخنا أثناء الطلب ، ولا زالوا يكررونه لنا : [align=center]( من حفظ الأصول مُنِح الوصول )[/align]
ولذا فلا عجب من الشيخ أبي الفداء رحمه الله أن يبرز في العلوم لشدة عنايته بالمتون وحفظها ؛ حتى قال عنه الحافظ شهاب الدين بن حِجي : ( كان أحفظ
من أدركناه لمتون الحديث ، وأعرفهم بتخريجها ، ورجالها ، وصحيحها ، وسقيمها ، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك )أهـ

وأيضاً: هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، حين صنَّف كتابه الفريد ( بلوغ المرام في أدلة الأحكام ) قال في مقدمته مشيراً إلى فائدة الحفظ :
[align=center]( وحرَّرتُه تحريراً بالغاً ؛ ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغاً )[/align]

إذن الحفظ مرقاة من مراقي النبوغ والفلاح ؛ فلا ينبغي بطالب العلم التقصير فيه ألبتة .

وهنا أنصح بالعناية في معرفة المتون وضبطها ، بكتابين :

الأول : الدليل إلى المتون العلمية ، للشيخ القاسم فهو نفيس جداً . و يُضفي على معرفة الطالب علماً جمَّاً ، وكتب مقدمة نافعة في أهمية المتون والعناية بها ، وأوقات الحفظ ، وما يعين عليه ، وبعض النفائس التي يفتقر إليها كل من رغب في العلم .

والثاني : جامع المتون العلمية ، للشيخ الشمراني ؛ فقد ضبط المتون ضبطاً جيداً ، وأراه من أفضل الموجود ؛ اعتماداً على أنقح الطبعات وبعض المخطوطات .

وأهيب بالإخوة الفضلاء ، العناية بالمتون المختصَّة بالتفسير وعلوم القرآن ، سيَّما مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( طبعة د. زرزور أضبطها ) فمن حفظها واعتنى بها ستسهل عليه كثيراًمن مسائل هذا الفن .
ومنظومة الزمزمي ، ثم منظومة الشيخ المتفنن خطيب الحرم الشيخ سعود الشريم ؛ والأخيرة رائعة جزلة لطيفة .
ولو أضاف بعض الأبيات هنا وهناك في أبواب معينة مثلاً من علوم القرآن أو قواعد التفسير لكان حسناً، مثل الأبيات التي صاغها السيوطي في آيات النسخ ( وشرحها الشيخ الشنقيطي رحمه الله ) أو بعض أبيات في سور القرآن مثلاُ ( كمنظومة الترتيب ) أو في موافقات عمر
والشواهد كثيرة جداً ( خاصة في كتب التراجم ) ، فإن تمكَّن طالب التفسير منها ، ظهرت ملامح البروز والتميز في سيرته إن شاء الله . والموفق من وفقه ربه .

2_أهمية العناية باللقاءات والحرص على الاستفادة منها :
قال الداودي رحمه الله عنه متمماً كلام الحافظ شهاب الدين السابق : ( ويشارك في العربية مشاركة جيدة ، وينظم الشعر ، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدتُ منه ) ( 1 / 113 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذه لفتة طيِّبة موفقة ؛ فيها فائدتان :
الأولى : الحرص الشديد على الاعتناء بلقاء العلماء ، والتفنُّنِ في اقتناص الفوائد ، وهذا يحتاج إلى ذِهْن متفتِّحٍ ، وفراسة قوية ، وحُسْن إدراكٍ ، وقبل هذا كلّه ، الرغبة في الفائدة ؛ فطالب العلم يستفيد من العالم في كل شيء ، في جلوسه ، وقيامه ، ومشيته ، ونظره ، ووقوفه ، وكلامه ، ودعابته ، ومزاحه ، ولو كان في غير العلم ؛ فثمة فوائد لطيفة تنبع من وراء ذلك ، لمن أحسن النظر ، وأجال الفِكَر ، وهو بهذ يتحاج لمنقاشٍ صحيح ، يُحسِن به إبراز النكتة ، ويجيد وضعها في المكان المناسب من النَّفس للتَّأسي بذلك .
ولقد ضرب أهل الحديث في هذا الشان روائع وعجائب ؛ فكان أحدهم يكتب كل شيءٍ عن شيخه في حلِّه وترحاله ! وقد يعيب عليهم من أقرانهم من ليس بنابهٍ مثلهم ! بيد أنهم قد فُوفِّقُوا لذلك وانتفعوا به ، وأحسنوا توظيف الفوائد في سلوكهم ، وحياتهم ، ومعاشهم ؛ فرحمهم الله تعالى .
ورزقنا فهماً كحسن فهم ، وحرصاً كحرصهم ، وصلاحاً كصلاحهم .

الثانية : مما يجب على طالب العلم ، الحريص على وقته ، أن يستغل مثل هذه اللقاءات ، لا أن تكون خالية من الفائدة ، والعلم ، وتبادل المعرفة ؛ فهذا يُضَيِّع كثيراً من الوقت ( وكم ضيعنا كثيراً نسأل الله السلامة والعافية والمغفرة ) ، وسيسأل عنه يوم القيامة . فالله الله في اللقاءات معاشر المفسرين .

وقد كنتُ أسمع عن الشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد أمده الله بالعافية ، موقفاً عجباً ، أثَّر ذلك علىَّ كثيراً ؛ فحين زاره بعض الإحبَّة للقائه والجلوس معه ، يخبرني أحدهم فيقول :
جلسنا مع الشيخ وكان كلامنا :
كيف حال الشيخ ؟
وعلوم الشيخ ؟
ونحبك في الله يا شيخ .
وأخبار الشيخ ؟
ولا أسئلة عندنا !! )
فلمَّا طال الجلوس بلا مسائل علمية يقول صاحبي :
فقال الشيخ : هل عندكم أسئلة ، أو مسائل في العلم ؛ فننتفع ، وإلا فهناك ما يشغلني من العلم ، وبعض الأمور بحاجة لإتمام .
يقول صاحبي : فتقطَّعنا حياءً ، واعتذرنا من الشيخ وسلمنا عليه ، وانصرفنا . أهـ

فما زالتُ أنتفع بهذا الموقف من سنين ؛ فجزى الله الشيخ الذي بمثل هذا الحرص أخرج لنا درراً نافعة طيبة، كانت ثمرة لجرد مطولات لا تكون إلا بالحرص على الأوقات .
وجزى الله صاحبي فقد استفدتُ منه درساً طيباً .

فاللهَ أسألُ أن يجعل أعمالنا صالحة في رضاه ، وأن يجعل لقاءنا في مرضاته ، إن خير مسؤول ، وهو بكل كفيل جميل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

وأقف بهذه الترجمة ؛ لحين العودة من السفر إن شاء الله

فنستودع الله أهل الملتقى الأخيار الذي لا تضيع ودائعه .
 
جزاكم الله تعالى خيرًا أخي المبارك ، فوائد عذاب أسأل الله تعالى أن ينفع بها جامعها و قارئها .
 
أستاذنا الفاضل...
إن ما حفظناه و تعلمناه عن تاريخ ولادة العلامة (ابن كثير)، أنها كانت سنة (700ه)، و وفاته سنة (774ه) ! - والله أعلم -
سؤالنا: هل ما قيدتموه من أن حياته كانت بين (591 - 680ه )، هي الأصح الراجح؟ أم أن هناك خطأ مطبعيا؟
أفيدونا...جزيتم خيرا
 
تعديل

تعديل

الحمد لله ، وبعد ..

أحسنت أيتها الفاضلة ، وجزيت خيراً.

ما دُوِّن كان سهواً مني ، والتصحيح كما يقول صاحب الترجمة
[align=center]11_ ( 103) إسماعيل بن عمر بن كثير ، الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء ( 701_ 774هـ) [/align]
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]12_ ( 127) الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل ، الحافظ العلامة المقرئ ، شيخ الإسلام ؛ أبو العلاء الهَمَذَاني العطَّار ( 483 _ 569هـ )[/align]


1_توضيح غريب ، معنى ( الدَّرْج ) :
قال الداودي رحمه الله عن أحد تلاميذه يحكي سعة علمه : ( ولقد كان يوماً في مجلسه ، فجاءته فتوى في عثمان بن عفان رضي الله عنه ؛ فكتب من حفظه ونحن جلوسٌ دَرْجَاً طويلاً في أخباره ) ( 1 / 133 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
والمراد بالدَّرْج : تارة يطلق على الكتب عامة ، وتارة يطلق على ما يوضع فيها الأشياء كحقيبة مخصصة لورق وغيرها ، وتارة يُقيَّد بالورق بالمستطيل مخالفاً لوصف الكتاب العام ، وهو الصحيح ؛ وهذا مصطلح معروف عند المحدثين .

يقول القَلْقَشَنْدِي في صبح الأعشى ( 1/138 ط : دار الكتب المصرية 1340هـ )

( والمراد بالدَّرْج في العرف العام : الورق المستطيل المركَّب من عدَّة أوصال ، وهو في عُرف الزمان عبارة عن عشرين وصلاً متلاصقة لا غير .
قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب : وهو في الأصل اسم للفعل أخذاً من درجت الكتاب أُدْرِجه دَرْجاً ، إذا أسرعت طيِّه ، وأدرجته إدراجاً ؛ فهو مُدرج إذا أعدته على مطاويه ) أهـ .


2_ من آداب نيل العلم ( الآداب الخارجية ) وربانية العالِم :

قال الداودي رحمه الله عن أبي الفضل الأديب : ( رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد ؛ يكتب وهو قائم ؛ لأن السراج كان عالياً ؛ فعُظِّم بعد ذلك شأنه في القلوب ، حتى إنه كان يمرُّ في همَذان ؛ فلا يبقى أحدٌ رآه إلا وقام ودعا له حتى الصبيان واليهود !!
وربَّما كان يمضي إلى بلدة مُشْكَان ؛ فيصلي بها الجمعة ؛ فيتلقَّاه أهلا خارج البلد ؛ المسلمون على حدة ، واليهود على حدة !! يدعون له إلى أن يدخل البلد ) )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
لله درُّه رحمه الله ؛ ففي هذا النص جملة من الفوائد :
الأولى : يكتب وهو قائم .
وهذه همَّة عالية منه رحمه الله ؛ فلا غرو فهو أبو العلاء ، وله من اسمه نصيب .
وهذا يُعَدُّ اليوم من آداب الطلب الخارجية ؛ أعني تهيئة المكان المناسب للطلب ، ومن جملة ذلك تهيئة الإنارة المناسبة الكافية ؛ ذلكم حتى لا يُرْهق العين ويجهدها في حال إخفات الضوء أو ضموره .
وهذه من جملة الأداب في الطلب .

أيضاً : نكتة اخرى ، وهي مدعاة للضبط ، والتحقيق والتنقيح في الكتابة ، والأمانة فيها وعدم القصور في الضبط ، ولو أدَّى ذلك إلى تعب الجسد ؛ فالعلم لا يستطاع براحة الجسد ؛ ولأجل إخلاصه وصدقه في نيل العلم ، جعل الله له لسان صدق في حياته وبعد مماته ؛ فعظَّمتْهُ القلوب ، الأحباب والخصوم ؛ فجزاه الله خيراً

الثانية : عجب اليهود منه والدعاء له :
وهذه عجيبة غريبة ؛ فإن ملة من أسوء الملل وأشدها خبثاً وأكثرها حقداً على المسلمين ، يكون منها هذا ! لهي دلالة على ربانية هذا العالم العامل الذي أثر عِلْمه ، وعَمَلُه ، وهَدْيه ، وسَمْته في أعداء الإسلام ، ليس هذا فحسب ، بل إن تمسكه بالسنة في سائر حياته ، والدَّرج على هدي الإسلام في عمره ومعاشه هو ما حمل اليهود على حبه والدعاء له .
بل حتى الفرق الضالة ( كالمعتزلة ) وهم أهل خوارزم يقول المصنِّف عنهم :
( تألَّفت القلوب على محبته ، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة ، حتى أهل خوارزم ؛ الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبيلة ! )

ألا فأين العلماء من الاقتداء بمثل هذا العالم العامل الناصح حسن الخلق .
والله إن مثل هذه السيِّر لنادرة ، وينبغي لطالب العلم أن يعتني برجالات الملة الذين هذا حالهم ؛ فهم مفخرة للإسلام وأهله ، وفي سيرهم ومناقبهم ما يروق لكل مؤمن من عجائب الأحوال ، وروائع الخِلال .

الثالثة : يدعون له إلى أن يدخل البلد .

إن العالم الرباني إذا دخل قرية استبشر أهلها بذلك ؛ لِمَا يُجري الله من الخير والرزق لأهل تلك المحلَّه لنزول العالم فيها ، وذلك لكرامة العلماء على ربهم ، ومن هنا فلا تعجب إن مرَّ عليك مثل هذه القصص ، كل ذلك رجاء بركة العالم وخيره على أهل البلد ، سواء كان بالعلم او بالرزق الذي يمنحه الله لهم ، ولذا كانت من حِكَم استغفار النملة والحيتان والدواب للعلماء لما يجري الله الخير والرزق عليهم بسببهم .

وفي الختام ؛ فإني أنصح الأحبة في النظر في سيرة أبي العلاء الهمَذَاني ففيها نفائس وفوائد جليلة .
جعلنا الله وإياكم ممن يقتدي بالعلماء الربانيين العاملين الناصحين .
والله أعلم .
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]13_ ( 141) الحسن بن محمد بن عبد الله ، شرف الدين الطِّيْبِي ( ت 743هـ )[/align]


1_آية في الاستنباط :
قال الداودي عنه فيما نقله عن الحافظ ابن حجر رحمهم الله : ( كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن ) ( 1/ 146 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
فيه إشارة إلى أهمية استفراغ الوُسْع ، وكدِّ الخاطر ، وجهد العلم في استنباط الدُّرر والمسائل من كتاب الله تعالى .
وهذا الأمر له شروط وأسباب ، ومن أعظمها :
1_ ( ترك الذنوب ما استطاع ) وتكفيك قصة الإمام الشافعي رحمه الله ونظمه : ( شكوت إلى وكيع سوء حفظي .. )
2_ الدعاء بأن يفتح الله عليك ، ولقد كان الشيخ الأعجوبة ابن تيمية رحمه الله يضع خده على التراب ويقول : ( اللهم يا مُعلِّم إبراهيم عَلِّمنِي ، ويا مُفَهِّم سليمان فهَّمنِي ) فيفتح الله عليه جُمَلاً من الفتوح وهو الفتَّاح العليم .
3_ الإخلاص والصدق مع الله لنفع النفس أولاً ، وللأمَّة ثانياً ، وقد قال ابن الجوزي رحمه الله : ( إنمَّا يتعثَّر من لَمْ يُخْلِص )
4_ التَّحصيل والإلمام بقواعد الاستنباط المنثورة في طَيَّات الكتب ، ويمكن الرجوع للتالي :
أ . الإكليل لاستنباط التنزيل للسيوطي رحمه الله ( واقتنِ طبعة دار الأندلس الخضراء ( رسالة علمية ) فقد اعتنى بها المحقق وفقه الله أيَّما اعتناء ، وفهرس في الخاتمة فهارس جيدة ) وهذا الكتاب يُعين على معرفة كيفية الاستنباط بالأمثلة .
2 _ قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله . فيه نفائس عالية ، ولو هُذِّب واختصر لخرج بأبسط وأيسر مما خرج .
3_ ( يترقب ) رسالة الشيخ فهد الوهبي وفقه الله الموسومة بـ : ( منهج الاستنباط من القرآن الكريم ) وستطبع في معهد الإمام الشاطبي بجدة ؛ فيسَّر الله لها ذلك .

2_أخلاق عالية :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( ملازماً لأشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع ، بل يخدمهم ويعينهم ، ويُعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم ، مَنْ يَعْرِف ومَنْ لا يَعْرِف ) ( 1/ 146 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
مِنْ أجمل ما تراه العين ، أن تَنْعم بالعالِم العامل ذي الخلق الحسن .
ويَنْعم النَّظرُ أكثر حين تجد الشيخ كبير القدْر ، عظيم العلم ؛ جميل التواضع ، حسن الأخلاق ، سهل المنال ، يسير المطلب ، مِعْواناً ، باذلاً لطلاَّب العلم ما يُقرِّبُهم نحو الله ، من العلم ، والنصح ، بل حتَّى النفقة لو تطلَّب ذلك .
كم يفرح طالب العلم حين يجد أهل العلم على هذه السِّمَة الطيِّبة ؛ فلا حرمنا الله منها ، ونسأله المزيد من فضله الكريم .

إن مثل هذه المواقف لتُؤثر في نفس التلميذ أيَّما تأثير ، وتُحبِّبُه بالعلم وأهله ، وقد كان من حال شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الباب ما يُذهل العقل ، خاصة مع خصومه ؛ فرحمه الله رحمة واسعة وبرَّد ضجيعه .
فهذه دعوة لسماحة الخُلق ، ولين الجانب ، وبذل النفس ، وخدمة الإخوان ، وقبل هذه كلِّه إخلاص العمل له سبحانه ، والموفَّق من وفقه ربه .

3_ حاشيته على الكشَّاف :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( شرح ( الكَشَّاف ) شرحاً حسناً كبيراً ) ( 1/ 147 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
أما شرحه هذا ؛ فهو حاشيته المسمَّاة : ( فُتُوحُ الغَيْبِ في الكَشْفِ عن قِنَاعِ الرَّيْب )
وهي حاشية نفيسة ، غدت أميز وأنفس الشروح على الكشاف .
ولا تعجب فلها سِرٌّ مليح ، وقصةٌ لطيفة !
فقد ذكر الداودي رحمه الله عنه : ( أنه قُبَيل الشروع في هذا الشرح ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النَّوم ، وقد ناوله قدَحاً من اللبن ؛ فشرب منه ) ( 1/ 147 ) وقارن ذلك مع قصة عمر تُدرك أن الله قد فتح عليه حظاً وافراً .
تنويه : اللبن في المنام ليس بِمُطَّردٍ على الدوام في ذلك ، و رُؤَى كل إنسان تختلف عن غيره ؛ لمناسبة أمره ، وهذا يعرفه المُعبِّرون . فنسأل الله الكريم من فضله


وانظر هنا زادك الله علماً وعملاً صالحاً عن ( فُتُوحُ الغَيْبِ )

4_ الجَلد في التَّعْلِيم وحُسْن خاتمةٍ في انتظار الصَّلاة :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وعقد مجلساً لقراءة صحيح البخاري ، وكان يشتغلُ في التفسير من الشروق إلى الزوال ، ومن ثَمَّ إلى العصر في البخاري إلى يوم مات .
فإنه فرغ من وظيفة التفسير ، وتوجَّه إلى مجلس الحديث ؛ فصلَّى النافلة ، وجلس ينتظر الإقامة للفريضة ؛ فقضى نحبه ، متوجِّهاً إلى القِبلة ) ( 1/ 147 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهنا جملة من الفوائد :
الأولى : النَّفس الطويل في التعليم والمدارسة .
وهذا لا زال معمولاً به عند كبار أهل العلم يبدؤون من الفجر وحتى الزوال أو قبيل الزوال ، يتناولون جملة من العلوم والفنون ، ومن هؤلاء شيخنا العلامة الدكتور عبد الله بن جبرين حفظه الله ؛ فقد حضرتُ بضعة أيام عنده متفرقات وكان يشرح في العقيدة ، والتفسير ، والنحو ، والمصطلح ، والفقه ، والحديث ، وكتب شيخ الإسلام ، والشيخ حفظه الله يُعَلِّق على ما يُقرأ .

وحدثني شيخنا العلامة أ.د عمر الأشقر حفظه الله عن دروس سماحة الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله التي حضرها ؛ بمثل هذا ، وكان أكثر مدة ربما تصل إلى الظهر ، وكان أعجوبة في الحفظ الاستظهار ، فرحمه الله تعالى .

ومن أعجب ما قرأتُ في الْجَلَدِ على القراءة في التفسير والعناية به ، ما قاله الشيخ ابن حميد في ترجمته للشيخ عبد الله بن فائز أبا الخيل _ المتَوَفَّى سنة (1251) أحد علماء نجد _:
( وله مدارسة في القرآن العظيم مع جماعة في جميع ليالي السنة ، ويقرءون إلى نحو نصف الليل عشرة أجزاء وأكثر .
وأعرف مرة أنهم شرعوا من سورة الفرقان بعد العشاء وختموا ! وكنتُ أحضر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيبلغني النوم ؛ فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر ، وكان مع القراءة يراجع « تفسير البغوي» والبيضاوي كل ليلة رحمه الله تعالى»
نعم ، الموفق من وفقه ربه والله . نسأل الله العلي من فضله .

الثانية : حسن خاتمة هذا الإمام رحمه الله رحمة واسعة ، فقد كانت بعد مجلس التفسير ، وقبل مجلس الحديث ، وفي انتظار الصلاة ، فهنيئاً له يبعث يوم القيامة على أشرف حال ، وأهنئ مقام ، وأجره في انتظار الصلاة إلى قيامة الساعة .
وما كل أحد يُوفَّق لخاتمة حسنة ، فمن يعمل صالحاً في حياته يوفق لها ، وإلاَّ والعياذ بالله تكون خاتمة على غير مَحْمَدٍ .
أسأل الله لي ولأحبتي في الملتقى حسن الخاتمة .
والله أعلم .
 
متابعة

متابعة

الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]
14_ ( 154) الحسين بن مسعود بن محمد ، أبو محمد البغوي الفقيه الشافعي ، محيي السنة ( ت 516هـ)
صاحب : ( معالم التنزيل )
[/align]

1_النية الحسنة في التصنيف سبب للقبول :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقد بُورِك له في تصانيفه ، ورُزِق فيها القبول الحسن ؛ بِنِيَّتِه ) ( 1/ 162)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
لله درُّ الإخلاص ، ما أَعْجَبه ! فهو الإِكْسِير المُذْهِل !
فالإخلاصُ خُلُقٌ عظيم ، وكنزٌ رفيع ، ولا يُوَفَّق له كل أحد بعد حُسْنِ المعْتَقَد ، بل هو من أشدّ الأخلاق على العارفين معالجة له ، ولَكَمْ اجتهد السلف رضوان الله عليهم في إخلاص نياتهم ، وما هذا إلاّ لأنَّ صلاح الأعمال موقوفٌ على الإخلاص ؛ فهو عزيز ، نسأل الله الكريم من فضله .

وهذه قاعدة عظيمة النفع جداً ؛ فإنه ينبغي على طالب العِلْم ؛ متى ما رُزِق فَتْحاً وتفنُّنَاً في بابِ التَّصنِيف والتَّألِيف ، أن يتعاهد هذا الأمر ويعتني به عنايةً فائقة جداً ؛ ومتى ما فعل ذلك ؛ فليُبْشِر بالفُتُوحاتِ الإلهية ، والمِنَح الربَّانية .

ومن هنا كان الإمام البغوي رحمه الله مُوفَّقاً في تصانيفه ؛ لِحُسْن نيته ، ونقاءِ سريرته ، ولذا يقول الإمام الذهبي رحمه الله عن مُصنَّفاته :
( بُورِك له في تصانيفه ، و رُزِق فيها القَبول التام ؛ لِحُسْن قصْدِه ، و صِدْق نِيَّته . و تنافس العلماءُ في تحصِيلِها ) السِّير ( 14/ 439 )

وهكذا كان السلف رحمهم الله تعالى في أعمالهم العلمية والعبادية .

ودونك نماذج من سِيَرِهم ، وعلى رأسهم أنموذج من حياة شيخ المفسرين :

_الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ، فها هو يحكي حاله عن تفسيره فيقول : ( استخرتُ الله ، و سألتُه العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله بثلاث سنين فأعانني )
الله أكبر .
ثلاث سنوات يستخير قبل التأليف ! إنها هِممٌ كالجبال .
نعم ، إنه همُّ من يريد نفع الإسلام وأهلِهِ بأكبر قدْرٍ ، وأعظم نفعٍ ؛ فأحسنَ قصدَه ، وأنبلَ مَرْماه ؛ فجاءت مجالسه بأعظم كتاب في التفسير ؛ فرحمه الله رحمة واسعة .

_ وإمام الأئمة ابنُ خزيمة رحمه الله ، يُسطِّرُ للتاريخ فيحدِّث قائلاً شأنه في التَّصنِيف :
( كنتُ إذا أردتُ أن أصنِّف الشيءَ ، أدخلُ في الصلاة مُستخيراً حتى يُفتَح عليَّ ، ثم أبتدئُ التصنيف ) السير ( 14/ 396 )

_ وأَيْنَك من الإمام مالك ، صاحب الموطأ ، فقد قيل له حين عزم على جمعه وتصنيف ، أتُؤلِّف موطأً والموطَّآت كثيرة ؟
فقال قولته الشهيرة : ( ما كان للهِ فَسيَبْقَى ، وما كان لِغَيره ؛ فَسيَضْمَحِل )
فليت شعري ، أين الموطَّآت الآن أمام موطأ الإمام مالك رحمه الله ؟
إنه وربي الإخلاص ؛ فأعْظِم به من عملٍ جزيل ، يقود لرضى الجليل .

إن من أعظم معايير القبول وأسباب النفع : الإخلاص لله تعالى ، والتجرد للحق ، وقصد النفع للإسلام والمسلمين ، فمن يكتب ؛ فليكتب لهذه وإلا فلا يتعب ، إذ لن يجني من عمله سوى الكدّ ، والتعب ، ورداء الفكرة . ( ومن يهن الله فما له من مكرم )

ويقول ابن القيم رحمه الله : (( وقد جرت عادة الله التي لا تُبدّل وسنّته التي لا تحوّل ؛ أن يُلْبَس المخلص من المهابة ، والنُّور ، والمحبَّة في قلوب الخلق ، وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ، ونِيَّته ومعاملته لربه ، ويُلْبَس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقْتِ ، والمهانة ، والبُغْضة ما هو اللائق به ؛ فالمخلص له المهابة والمحبة ، وللآخر المقت والبغضاء )) إعلام الموقعين (6/106)

[align=center]فَإِنْ أَرَدْتَ أَحْسَنَ التَّوَاصِي * * * فَطيِّبِ الأَعْمَالَ بالإِخْلاَصِ[/align]

2_عالمٌ لَمْ يَحُجّ :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقد جاوز البغوي الثمانين ولم يَحُجّ ) ( 1/ 162)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
عالمٌ خدم الكتاب والسنة ، ولم يتسنَّ له الخروج للحج .
أفلا يحج عنه أحد أبناء المسلمين تقديراً لجهوده العلمية المباركة .
ولَإن كان ابن حزم رحمه الله لم يحج على _ الصحيح _ فقد حج عنه غير واحدٍ من المعتنين بكتبه وبمذهبه ؛ فهلَّا حج عن الإمام البغوي أحد محبيه ، ومنتفعي كتبه ؟
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]15_ ( 162) خلف بن هشام ( 150 _ 229هـ )[/align]


1_النفقة في العلم :
قال الداودي رحمه الله عن المقرئ فيما يحكيه عنه : ( أشكل عليَّ بابٌ من النحو ؛ فأنفقتُ ثمانين ألف درهم ، حتى حَذِقْتُه) ( 1/ 168)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذه إشارة طيبة إلى باب أهمية النفقة ، وحمل النفس عليه ؛ باب النفقة في العلم وللعلم ، وإن كثرت .
ولا يصل لهذه المرتبة الكريمة ، إلا رجل قد شغف حب العلم قلبه وروحه ، وخالط دمه ، سيما في عصرنا هذا .
فعِدَّةُ طالب العلِم اليوم من بيت رحب، و كتب ، وأرففٍ ، وورق ، وملزمات ، وأقلام ، وتجليد ، وتصوير أوتغليف ، ومقتنيات العصر وتكنولوجياته ( حاسوب ، طابعة ، ماسح ضوئي و . . و .. ) ، أصبحت حاجة ماسة للاستزادة والاستفادة من العلم وتقريبه .
وكل هذا يدخل في النفقة في العلم وللعلم ، ومتى ما أحسن المرء النية ، وعقد القلب في بذل جميع ذلك تقرباً إلى الله تعالى ، هانت عليه الأمور ، وذلَّل الله له الصعاب .
ومن طالع سير أهل الحديث على الخصوص ، وجد أمراً عجباً في النفقة على طلب الحديث ، تبلغ مئآت الآلاف ؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم .

وقد قال الحسن : أعظم النفقة ؛ النفقة في العلم .

قال حبَّان بن موسى : ( عوتب ابن المبارك فيما يُفرِّق من المال في البلدان دون بلده .
فقال : إني أعرف مكان قوم ، لهم فضل وصدق , طلبوا الحديث فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم .
احتاجوا !
فإن تركناهم ضاع علمهم , وإن أعنَّاهم بثُّوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا أعلمُ بعد النُّبوَّة أفضل من بثِّ العلم . ) .تاريخ دمشق( 32/455)
لله درُّ هذا الإمام العالم العامل المجاهد ، وفي هذه القصة فوائد وشجون ، وخلاصة المعادلة :
الفقر = العلماء ؛ فأين من يعتني بأهل العلم ، ويقدِّر جهودهم وصنيعهم ، ويكفل أمر معاشهم ؛ ليتفرَّغوا لخدمة الدين وأهله . نسأل الله الكريم من فضله .


2_تكميلُ نقصٍ ، وتوضيحُ نصٍ :
قال الداودي رحمه الله عنه يحدِّث عن نفسه : ( أعدتُ الصلاة أربعين سنة ) أهـ ( 1/168)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
هذا النقل في الطبقات ناقص ، والقارئ يستشكل سبب ذلك ، ولن يعرف سببه أوالمراد منه لو اقتصر عليه ، وحين يقارن مع كتب التراجم الأُخر يجد ما يزيل الإشكال .

والعبارة مع التكميل كالتالي : ( أعدتُ الصلاة أربعين سنة ؛ كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين ) انظر : السِّير ( 10/ 576 ) وغيرها

وذلك لأن مذهب الكوفيين أن الخمر فقط من العنب ! ولذا فقد رد القرطبي عليهم قالته ومذهبهم فقال :
( الأحاديث الواردة عن أنس وغيره ، على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب , وما كانت من غيره فلا تسمى خمرا ولا يتناولها اسم الخمر , وهو قول مخالف للغة العرب ، والسنة الصحيحة ، وللصحابة )

وتفصيل هذه المسألة في كتب الفقه ، والمراد هنا توضيح المُشْكِل .
والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]16_ ( 168) ربيع بن سليمان بن عطاء الله ، أبو سليمان القطَّان ( 288_334هـ )[/align]


1_لقاءٌ باطلٌ بالأَدِلَّةِ:
قال الداودي رحمه الله عنه : ( ويقال : أنه كان يجتمع بالخضر ! )) ( 1/ 177)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذا اللقاء باطل ؛ فقد ثبت بالأدلة المستفيضة ؛ بالمنقول والمعقول أنه قد مات ، وأن ما يزعمه بعض الروافض ، والصوفية ، من اللقاء وما يزعمونه من بركات ( وجُلُّها هرطقات ) غير صحيح .

( والعجب أن في محلَّتنا ، وفي الدراسات العليا ، يُدَرَّس كتاب في حياة الخضر ! والقائم علي تدريسه ممن ينتسب للمذهب الأشعري !! ) فإلى الله المشتكى .

ومن أحسن من كتب رداً من السابقين على ذلك ، شيخ الإسلام ، وتلميذه ابن قيم الجوزية ، وابن الجوزي رحمهم الله .
وأما من المعاصرين فكثر ، وهناك فتاوي كبار العلماء والمجامع الإسلامية الفقهية الكبرى في ذلك تفيد بوفاته عليه السلام .

وهذه بعض النقول في المسألة :

يقول العلامة ابن قيِّم الجوزية رحمه الله :

( الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته ، كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد.

كحديث : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ; كان في المسجد ؛ فسمع كلاماً من ورائه ؛ فذهبوا ينظرون ؛ فإذا هو الخضر !

وحديث : يلتقي الخضر وإلياس كل عام.

وحديث : يجتمع بعرفة ؛ جبريل وميكائيل والخضر . الحديث المفترى الطويل.

_ وسُئِل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق ؟
فقال : من أحال على غائب لم ينتصف منه وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.

_ وسُئِل البخاري عن الخضر وإلياس ؛ هل هما أحياء؟
فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد )

_ وسُئِل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ; ويجاهد بين يديه، ويتعلم منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ; يوم بدر: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.
وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ.

_ وقال أبو الفرج بن الجوزي:
والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء ؛ القرآن ، والسنة ، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقول.

أما القرآن؛ فقوله - سبحانه وتعالى -;: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] فلو دام الخضر كان خالداً.

وأما السنة؛ فذكر حديث: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها أحد". متفق عليه.

وفي صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ; قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم ، قبل موته بقليل: "ما من نفس منفوسة يأتي عليها مئة سنة وهي يومئذ حية".

وأما إجماع المحققين من العلماء؛ فقد ذُكِر عن البخاري، وعلي بن موسى الرضا، أن الخضر مات.
وأن البخاري سُئِل عن حياته، فقال: وكيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ;: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد".

قال: وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، وهما إمامان وكان ابن المنادي يُقبِّحُ قول من يقول: إنه حي.

وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد .

_ قال أبو الفرج ابن الجوزي:
وما أبعد فَهْم من يثبت وجود الخضر ، وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة.

أما الدليل من المعقول؛ فمن عشرة أوجه:

أحدها، أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين:

أحدهما، أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يوحنا المؤرخ ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.

والثاني، أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعموا وأنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطول والعرض.

وفي الصحيحين، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -;، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -; أنه قال: "خلق الله آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص بعد"
وما ذكر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس.

الوجه الثالث، أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة ، ولم يَنقل هذا أحدٌ.

الوجه الرابع، أنه قد اتفق العلماء أن نوحاً لما نزل من السفينة مات من كان معه، ثم مات نسلهم، ولم يبق غير نسل نوح، والدليل على هذا قوله - سبحانه وتعالى -;: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] وهذا يبطل قول من قال إنه كان قبل نوح.

والوجه الخامس، أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر ومولده قبل نوح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع لأنه من أعظم آيات الربوبية .
وقد ذكر الله - سبحانه وتعالى -; من أحياه ألف سنة إلا خمسين عاماً وجعله آية، فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر؟! ولهذا قال بعض أهل العلم: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.

والوجه السادس، أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن.
أما المقدمة الثانية فظاهره، وأما الأولى فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة، فهذا كتاب الله - سبحانه وتعالى -;، فأين فيه حياة الخضر؟ وهذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -;، فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه ؟ وهؤلاء علماء الأمة، هل أجمعوا على حياته؟

الوجه السابع، أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته ، حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر !!
فيا لله العجب، هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه؟ وكثير من هؤلاء يغتر بقوله أنا الخضر، ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله، فأين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب؟

الوجه الثامن، أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه، وقال له: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]
فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرون جمعة، ولا جماعة، ولا مجلس علم، ولا يعرفون من الشريعة شيئاً، وكل منهم يقول:
قال الخضر!
وجاءني الخضر!
وأوصاني الخضر!

فيا عجباً له يفارق كليم الله سبحانه وتعالى ;، ويدور على صحبة الجهال، ومن لا يعرف كيف يتوضأ، ولا كيف يصلي !.

الوجه التاسع، أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول أنا الخضر، لو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -; يقول كذا وكذا، لم يلتفت إلى قوله، ولم يحتج به في الدين؛ إلا أن يقال إنه لم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ;، ولا بايعه أو يقول هذا الجاهل إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.

الوجه العاشر، أنه لو كان حياً لكان جهاده الكفار، ورباطه في سبيل الله، ومقامه في الصف ساعة، وحضوره الجمعة، والجماعة، وتعليمه العلم، أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له".

[align=left]انظر : المنار المنيف لابن القيم ( 67 ) بتصرف
وكذا كتاب أراء وروايات باطلة في سير الأنبياء . للشيخ عبد العزيز السدحان ، وفيه جواب لفتوى لشيخ الإسلام في ذلك_ إن صحت _ .[/align]


والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]17_ ( 185 ) سعيد بن مَسْعدة ، أبو الحسن الأَخْفَش (215 هـ )[/align]

1 _ مذهبه الاعتزالي :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وكان معتزليَّاً ) ( 1/ 191 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وسبب اعتزاله أنه لَزِم أستاذَه أبا شِمْر الحنفي المعتزلي ( زعيم الشِّمْرية ) ؛ فتأثَّر به ، وأخذ عنه الاعتزال ، وقد قرَّر مذهبه في كتابه معاني القرآن ؛ ولأجله ذكره المرتضى في كتاب طبقات الاعتزال ًصـ( 131 ) ولم يذكر له قالات في الاعتزال تختصُّ به .


2_ بين الأَخْفَش الأَوسط والكِسَائي ، مُنَاطَحَةُ عِلْمْ ، وأَدبٌ جَمّ :

قال الداودي رحمه الله يحكي عن الأخفش قائلاً : ( فوردت بغداد ؛ فرأيت مسجد الكِسَائي ؛ فصلَّيتُ خلفه الغداة ؛ فلما انفتل من صلاته ، وقعد بين يديه الفرَّاء ، والأحمر ، وابن سعدان ، سلَّمتُ عليه وسألته عن مِئة مسألةٍ ؛ فأجاب بجواباتٍ خطَّأتُهُ في جميعها ؛ فأراد أصحابه الوثوبَ عليَّ ؛ فمنعهم مني ، ولم يقطعني ما رأيتُهم عليه مما كنتُ فيه .
ولما فرغتُ قال لي : بالله أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة ؟
فقلتُ : نعم ؛ فقام إليَّ وعانقني ، وأجلسني إلى جنبه ، ثم قال لي : أولادي أُحِبُّ ان يتأدَّبوا بك ، ويتخرَّجوا عَلَيْك ، وتكون معي غير مفارقٍ لي ؛ فأجبته إلى ذلك . ) ( 1/ 192 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهنا فوائد عزيزة :
الأولى : سعة عِلْم الأخفش ؛ مما جعله يُصَوِّبُ خَطَأَ الإمام الكِسَائي ؛ ومعلوم أنَّ الكِسَائي إمامٌ في اللغة والنحو ؛ كيف لا والشافعي _ وهو من هو في اللغة ولسان العرب _ يقول : ( من أراد أن يتبحَّر في النَّحْو ؛ فهو عيالٌ على الكِسَائي ) تاريخ بغداد ( 11/ 407 )
وهذا ثعلب ؛ شيخ العربية يقول عن الكِسَائي : ( أجمعوا على أن أكثر الناس كلَّهم رواية ، وأكثرهم عِلماً هو الكِسَائي ) مراتب النحويين ( 120 )
فرجلٌ يُصَحِّحُ جوابَ عالمٍ هذا وصفه ، في مئة مسألة ، لدليلٌ على سعة عِلْمه ، ووَفْرة معارفه .

الثانية : حرص الكِسَائي على العلم ؛ ولو كان هذا العلم الذي يحتاجه ، ممن أفحمه ؛ فهو لا ينظر لهذا الأمر بقدر ما ينظر للفائدة والتحصيل النافع ، وهذا خُلُق العالم الرباني ، ينتهز الفُرص ؛ لينتفع ، ومتى ما كانت هذه السِّمة في طالب العلم أو العالم انتفع أيما انتفاع ، ولذا اسمع ما يقول ابن الأنباري في الإمام الكِسَائي : ( اجتمع للكِسَائي أمور لم تجتمع لغيره ، وكان من أعلم الناس بالنَّحْو ، وواحدهم في الغريب ) تاريخ بغداد ( 11 / 414 ) بتصرف
ومن قارن موقفه وموقف أصحابه عرف عقل الكِسَائي وحرصه على العلم ؛ فلذلك نال ما نال من العلم ، ولأجله منع أصحابه من الأخفش ؛ فرحمه الله من عالم رباني .

الثالثة : حرص الكِسَائي على تعليم ولده ، وهذا حقٌّ ، وواجبٌ ، ودَيْنٌ في أعناق الوالدين .
يقول سفيان الثوري رحمه الله : " ينبغي للرجل أن يُكْرِهَ ولده على العلم ؛ لأنه مسؤول عنه " السير ( 7 / 273)
يقول ابن الحاج رحمه الله في مدخله ( 1 / 209 ) :
( وينبغي له أن يتفقَّد أهله بمسائل العلم فيما يحتاجون إليه ؛ لأنه جاء من تعليم غيرهم طلباً لثواب إرشادهم ؛ فخاصَّته ومن تحت نظره آكد ؛ لأنهم من رعيته ومن الخاصة به كما في الحديث : " كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته " فيعطيهم نصيبهم ؛ فيبادر لتعليمهم لآكد الأشياء في الدِّين أولاً ، وأنفعها وأعظمها ؛ فيعلمهم الإيمان ، والإحسان ، والإسلام ، ويجدد عليهم علم ذلك وإن كانوا قد علموه ، ويعلمهم الإحسان ، ويعلمهم الوضوء ، والإغتسال ، وصفتهما ، والتييم ، والصلاة وما في ذلك كله ؛ من الفرائض ، والسنن ، والفضائل ، وكل ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم الأهم فالأهم )

الرابعة : تسميته بالكِسائي ؛ فسببه أَنَّه أَحْرَم في كِسَاءٍ ؛ فسمِّي به . قاله الداودي عنه في ترجمته ( 1 / 405 )

3_ التصنيفُ والتأليف عند أهل العلم له أسباب :

قال الداودي رحمه الله يتابع حادثة الأخفش والكِسَائي : ( فلما اتصلت الأيام بالاجتماع ، سألني أنْ أُءَلِّفَ له كتاباً في معاني القرآن ؛ فألَّفتُ كتاباً في المعاني ) ( 1/ 192 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهنا مسألتان :
الأولى : متعلقة بكتابه المشهور ( معاني القرآن )
والكلام عليه من وجوه :
أولاً : طبعاته : طبع عدة طبعات .
أجودها عندي :
طبعة الدكتور عبد الأمير الورد . عن دار عالم الكتب في مجلد . الأولى 1424هـ ( وسبق وطبع في مجلدين ) وهو رسالة علمية . ( وجهده متميز ، وقدَّم له بمقدمة طيبة ، وقام بدراسته ومقارنته مع ثلاثة كتب هي : كتاب ( المعاني ) للفرَّاء ( وقد اتَّكأ على كتاب الأخفش ، ثم كتاب الكسائي كما أفادة الداودي في طبقاته 1/ 192 ) وكتاب أبي عبيدة ( مجاز القرآن ) وكتاب ( الكتاب ) لسيبويه وهذا في صـ ( 76 ) والحقيقة أن الجهد المبذول كبيرٌ جداً فجزاه الله خيراً .
والطبعة الثانية تحقيق الدكتورة هدى قراعة ( ويذكر أن تحقيقها من أجود التحقيقات في مجلدين ) وتصفحته سريعاً في إحدى المكتبات الخاصة .
وهناك طبعات سقيمة أو بلا تحقيق ولا ضبط فلا حاجة لذكرها .
ثانياً : بيان حال هذا الكتاب :
فقد قال أبو حاتم السجستاني رحمه الله : ( كتابُه في المعاني صُويلح ، إلا أن فيه مذاهب سُوْءٍ في القَدَر ) السير ( 10 / 207 ) وهذا في باب الاعتقاد فقد نصر مذهبه الاعتزالي .
وينظر في هذا الكتاب النفيس ( مناهج اللغويين في تقرير العقيدة ) للدكتور محمد الشيخ عليو محمد صـ ( 467 ) وما كتبه الشيخ الدكتور مساعد في التفسير اللغوي ( 311 )
وأما عن قيمة الكتاب من حيث هو كتاب معاني أو كتاب نحْوٍ ؛ فيطالع مقدمة الدكتور عبد الأمير الورد في مقدمة تحقيقه صـ ( 18 ) المادة العلمية للكتاب .
وأيضاً ما قيَّده الشيخ الحبيب الدكتور مساعد الطيار في رسالته : ( التفسير اللغوي ) صـ ( 304 _ 314 ) ولا عطر بعد عروس .


والثانية : أسباب التأليف والتصنيف عند أهل العلم :
لقد دأب العلماء رحمهم الله على التصنيف والتأليف ، وجل التصانيف تكون لأسباب ، والقليل منها يكون لغرض مجرد التأليف فقد .
ومن أحسن ما يوقف عليه في هذا الباب :
الأول : مقدِّمات الكتب ؛ فإنها تشتمل على نفائس وأسرار أودعها المؤلفون فيها ، وكم فيها من اللطائف والأخبار الممتعة .
والثاني : كتاب لطيف فريد في بابه _ فيما أعلم _ فرحت جداً أن وقفت عليه ؛ فقرأته في مجلس واحد ، وقيَّدتُ عليه ما كنت قد قرأته في المقدمات او بين طيات الكتب .
ذلكم كتاب : ( دوافع البحث والتأليف عند المسلمين ) للشيخ المحقق محمد خير رمضان يوسف . طبع عن دار ابن حزم .1426هـ وأنصح باقتنائه .
فقد جملة من الأسباب في التأليف :
وها أنا أسوقها مختصرة ، وتحتها فرائد وفوائد عزيزة
_ عدم ذكر السبب .
_ أكثر من سبب .
_ الإهداء
_ استجابة طلب أو سؤال = طلب الكسائي تأليف الأخفش للمعاني
_ أجوبة مسائل
_ التحدَّي !
_ البحث والتحرِّي
_ الرؤيا
_ الشكر والاعتراف بالفضل
_ طلب الأجر والثواب من الله
_ الحاجة والأهمية والضرورة
_ الإحاطة والاستبصار والتحذير تجنباً للوقع في الخطأ والزيغ
_ النصيحة والإصلاح والتربية وبثُّ الوعي
_ التأثر والشعور بالمسؤولية
_ قيد العلم لدم النسيان أو الضياع
_ نشر العلم والخوف من آثار كتمه
_ إحياء علم أو فضيلة
_ نشر الأمن والطمأنينة
_ حب العلم والتأليف
_ الانشغال بأفضل العلوم وأهم الأعمال . انظر : سبب تفسير القرطبي .
_ التعليم . انظر : سبب تفسير ابن كثير .
_ تكملة نقص ، واستدراك ما فات . انظر : سبب قطف الأزهار في كشف الأسرار للسيوطي ( في لغة القرآن )
_ التوضيح والبيان . انظر : سبب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي .
_ الانتخاب والاختصار والوسطية . انظر : سبب الطراز في شرح ضبط الخراز .
_ جمع ما تفرَّق .
_ الأعمال الجامعية والموسوعية للاستغناء بها عن غيرها .
_ حب الشيء والاعجاب به ( هواية وتسلية )
_ الانتصار للمبدأ أو المذهب
_ الأغراض والخفايا
- الفائدة والانتفاع
_ العبرة
_ بيان حكم الوقائق الجديدة ( النوازل )
_ التصدِّي للمنكرات ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
_ شبهات وردود ودفع مطاعن . انظر : سبب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة .
_ نقد وتمحيص وتصحيح أخطاء .انظر : سبب نواسخ القرآن لابن الجوزي
_ حسم الخلاف .
_ موضوع أ تصنيف جديد .
_ أسلوب جديد .
_ إثارة النفس وتحريك الفكر وترويح البال ( الإثارة والتشويق )
_ التجارب والرحلات والاكتشافات والمذكرات .

هذا ما ذكره ، وقد يدخل بعضها في بعض ، وقد يزيد أخر زيادات وإضافات .

4_ قِرَاءةُ السِّر ما شأنها ؟ :

قال الداودي رحمه الله : ( وقرأ عليه الكِسَائي كتاب سيبويه سِـرَّاً ! ) ( 1/ 192 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
والسِّـرُّ هنا له سِـرٌّ !
ولكن إن عرفنا بعض الأمور أنجلى السر :
فمن ذلك :
1_ أن الأخفش هو أحفظ من أخذ عن سيبويه . كما يقول المبرِّد
2_ كل من روى كتاب سيبويه ( الكتاب ) فمن طريقه ؛ لأنه أخرجه بعد وفاته .

وعليه ؛ فقد يقال هنا :
أن الكِسَائي حرص في القراءة عليه لأنه الطريق الوحيدة عن سيبويه ، ولكن مال بال السر ؟!
الذي يظهر لي بعد نظر في التراجم :
أن الكسائي محمود العقيدة على اعتقاد السلف الصالح في مسائل العقيدة ، والأخفش سيء العقيدة على مذهب لاعتزال ؛ ولأجل هذا _ قد _ يقال :
لحرصه على العلم وأخذه بالسند العالي الضابط ، هو ما دفعه للإفادة من الأخفش ؛ ولأنه معتزلي العقيدة ، والسلف ينهون عن الأخذ عمن اتهم في عقيدته ؛ فلعله استحسن ذلك سراً ؛ فلا يفوته شيءٌ .
هذا ما ظهر لي . والله أعلم .


5_ الأخافشة ، ومن تسمى بذلك :

قال القنوجي في أبجد العلوم ( 3/ 41 ) في ترجمة الأخفش الأوسط :
والأخافش ثلاثة‏ :‏
الأكبر‏:‏ عبد الحميد بن عبد المجيد‏.‏
الأوسط‏:‏ هذا السعيد‏.‏
الأصغر‏:‏ علي بن سليمان‏.‏
وقيل‏:‏ أربعة‏:‏
والرابع‏:‏ أحمد بن عمران‏.‏
وقيل‏:‏ أحد عشر‏:‏
الخامس‏:‏ أحمد بن محمد الموصلي‏.‏
السادس‏:‏ خلف بن عمرو‏.‏
والسابع‏:‏ عبد الله بن محمد‏.‏
الثامن‏:‏ عبد العزيز بن أحمد‏.‏
التاسع‏:‏ علي بن محمد المغربي الشاعر‏.‏
العاشر‏:‏ علي بن إسماعيل الفاطمي‏.‏
الحادي عشر‏:‏ هارون بن موسى بن شريك .

وقد ذكرهم السيوطي في بغية الوعاة أيضاً .

وقد نظمهم الشيخ العلامة محمد الحسن بن أحمد الخديم الشنقيطي في منظومته "هداية السعاة إلى معرفة النحاة"
فقال عن الأخفش الأكبر :

[align=center]الاَخفشُ الاَكبرُ أبو الخطابِ عبدُ الحميد سيدُ الأقطـاب
أفادَ يونـسَ أبـا عبيـدهْ معَ الكسائيِّ وعمرٍو فيْـدَهْ
قد فاق في دين وعلم وورعْ وما دريتُ موتَه متى وقـعْ[/align]


وقال عن الأخفش الأوسط :

[align=center]وانمِ إلى مَسعدةٍ أبـا الحسـنْ الاَخفشَ الاَوسطَ سعيدًا ، وأسنّْ
مِن سيبويه كانَ ، لكنْ أفلحـا بالأخذِ عنه قبلَ موتٍ (ربِحَـا)
فكانَ مـن أحفـظِ أهـلِ الأدب وزادَ في العَروضِ بحرَ الخببِ
[/align]

وقال عن الأخفش الأصغر :

[align=center]وابنُ سليمانَ علِي أبُو الحسـنْ الاَخفشُ الاَصغرُ ، به ضِيق عَطَنْ
وثعلـبًـا صـحـبَ والمـبـرِّدَا ولم يَجدْ إلـى الممـاتِ (سَيِّـدَا)[/align]


ثم يقول عن التسعة الباقين :


[align=center][align=center]هـذا وبالأخفـشِ لُقـبَ أحـدْ عشـرَ ، منهـمُ الثلاثـةُ تُعـدّْ
والأحمدان: نجلُ عمرانَ علـي وابنُ محمدِ الإمـامُ الموصلـي
وخلَفُ بنُ عُمرٍ ، وانسُبْ إلـى محمـدٍ عبـدَ الإلـه ذا العَـلا
عبدُ العزيز نجلُ أحمدَ ، علِـي ابنُ محمدٍ لـه الشعـرُ العلِـي
كذا علـيٌّ بـنُ إسماعيـلَ قـدْ عُدَّ ، وهارونُ بنُ موسى قدْ وَقَدْ[/align]
[/align]

والنظم في رسالة مطبوعة بتحقيق وإشراف الأستاذ محمد سالم بن محمد الحسن ، وتقديم الدكتور أحمد جمال ولد الحسن ، وقد نشرتها مطبعة النجاح الجديدة في الدار البيضاء في طبعتها الأولى عام 1415هـ/1994م .

والله أعلم
 
بارك الرحمن بكم...

بارك الرحمن بكم...

جزاكم الرحمن خيرا أستاذنا الفاضل؛ على هذه المعلومات القيمة، فإن في سير العلماء، تهذيب و تأديب لطلاب العلم... فأسأل الله أن يعظم لكم الأجر !!
أستاذنا، عندي بعض التعليقات، و الأسئلة فأرجو أن يتسع وقتكم لها، و أن تتحمل -حضرتك -أسئلتي واعتبرني بمقام ابنتكم ( العالية) -حفظها الله - !!

قول الأخفش: "ثم قام إلي، و عانقني، و أجلسني إلى جنبه"...نستنبط منه أدب السلف مع العلماء، فهم كانوا يرفعون من شأن العلم و أهله، و أما في أيامنا؛ فلا يخفى على حضرتكم الكريم ما يلاقي العلماء، خصوصا علماء العلم الشرعي -إلى الله المشتكى !!

قوله: "تكون معي غير مفارق لي؛ فأجبته"...سرعة إجابة العالم الرباني، لكل من هو بحاجة للتعلم؛ بتواضع !!
فإن فُتح للعالم الرباني باب خير؛ يوصل من خلاله النفع و الإفادة للخلق؛ يسارع إليه مفكرا بالأجر من الله وحده، فحسب !!

في قولكم: " إن الكسائي محمود العقيدة على اعتقاد السلف الصالح في مسائل العقيدة، و الأخفش سيء الغقيدة على مذهب الإعتزال ..." أستاذنا -رعاكم الله -قد يعترض أحدهم على هذا بقوله: "كيف تتهم عالم من كبار العلماء بعقيدته؟؟" ولا أخفيكم فقد اعتُرض علي يوما بهذا، حينما كنت أتحدث عن تفسير الزمخشري، و ما فيه من اعتزاليات ..و قيل لي: "أصلا هؤلاء لم يفهموا قواعد الإعتزال، و لم يستقوها إلا من النص القرآني !!.." فكيف تجيب حضرتكم؟ أعانكم الله على الخير!!

أخيرا.. اقبلوا من ابنتكم الإعتذار؛ للإطالة !!
و دمتم في حفظ الله ...
 
أخي الحبيب أبا العالية ، نشكرك على هذه الفوائد و النكت و الملح
ذكرت أخي الفاضل طبعتين للكتاب ، و قلت أن طبعة عبد الأمير هي أجود الطبعات عندك ، ثم ذكرت عن بعضهم أن تحقيق هدى من أجود التحقيقات.
و لي هنا كلمة : أخي الفاضل ، ما زلت كما عهدتك في أمانتك العلمية ، فدم على ما أنت عليه بارك الله فيك .
أخي الفاضل هناك طبعة لمعاني القرآن لم تذكرها تضاهي ، بل قد تفوق طبعة عبد الأمير ( عدا دراسة عبد الأمير و مقدمته ) في نظري ، إنها طبعة الدكتور فائز فارس
أما طبعة قراعة فهي دونهما في الجودة ، و كنت قد عقدت قديما مقارنة بين طبعات المعاني ، أتمنى لو يسعفني الوقت لكتابتها هنا

ما شاء الله أخي أبا العالية ، هذا جواب جميل جدا ، و لكن ثمة جواب آخر هو أن الكسائي كان رأس مدرسة الكوفة في النحو ، و سيبويه زعيم البصريين في النحو ( و المناظرة في المسألة الزنبورية بينهما معروفة ) و كان بينهما منافسة شديدة ، فلم يشأ الكسائي الكوفي أن يقال عنه إنه يعتمد على كتاب خصمه سيبويه؛ لذا كان يقرأه سرا . و كذلك كان يحيى بن زياد الفراء الكوفي ( و هو زعيم الكوفيين بعد شيخه الكسائي ) يقرأ كتاب سيبويه سرا .
و ما قراءتهما للكتاب سرا ، و استفادتهما منه إلا لأنهما يعلمان أنه لم يؤلف في العربية مثل كتاب سيبويه . رحم الله الجميع
 
أحسن الله إليك يا أبا العالية ووفقك لكل خير، فقد أفدت وأجدت فواصل بارك الله فيك وسددك .
ولعل مما له صلة بطبعات كتاب معاني القرآن للأخفش التي تفضلتم بذكرها في المشاركة 29 أعلاه ما سبق ذكره هنا .
 
قال أخي " أبو العالية " حفظه الله :
[[AREA]
quote]قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذا اللقاء باطل ؛ فقد ثبت بالأدلة المستفيضة ؛ بالمنقول والمعقول أنه قد مات ، وأن ما يزعمه بعض الروافض ، والصوفية ، من اللقاء وما يزعمونه من بركات ( وجُلُّها هرطقات ) غير صحيح .
[/AREA]
لا أوافق أخي حفظه الله على جعل القول بحياة الخضر عليه السلام أنه من زعم الروافض والصوفية وأنه "هرطقات "، فهذا تصوير للمسألة بغير صورتها الحقيقية في الواقع ، فهناك أئمة ليسوا بصوفية ولا روافض ولم يصفهم أحد من عصرهم إلى يومنا هذا ب " الهرطقة " ذهبوا إلى القول بحياة الخضر عليه السلام ، بل استدلوا له بمفهوم بأحاديث شريفة ،
قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (13/360 ط : التركي ) :
" قلت - القرطبي - وإلى هذا - القول بوفاته - ذهب البخاري واختاره أبو بكر بن العربي ، و( الصحيح ) القول الثاني :وهو أنه ( حي ) :(ثم ذكر حديث مسلم رحمه الله وفيه "لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد ..الخ ) ثم قال: " ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول : إن الخضر حيُّ لعموم قوله " ما من نفس منفوسة " لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصاً فيه ، بل هو قابل للتخصيص، فكما لم يتناول عيسى عليه السلام فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه ...ثم ذكر كلاماً طويلاً موثقاً بأدلته كلها تؤكد أن القول بحياة الخضر ليس من مزاعم الروافض والصوفية .فليراجع .
ثم قال أخي أيضاً :
[AREA]
( والعجب أن في محلَّتنا ، وفي الدراسات العليا ، يُدَرَّس كتاب في حياة الخضر ! والقائم علي تدريسه ممن ينتسب للمذهب الأشعري !! ) فإلى الله المشتكى
[/quote][/AREA]حقيقة لم أفهم محل العجب وسببه في هذا؛ فإن كان في قضية الخضر والمقصود كتاب تفسير القرطبي ، فهذا العجب نفسه ، وعجبك هذا من أعجب العجب .
وإن كان العجب من تدريس " الأشعري " فهذا قول عجب أيضاً .ومنذ متى كان تدريس " الأشاعرة " فيه العجب ؟؟؟؟
وعفواً على المداخلة المتأخرة حيث لم أطلع على هذا الكلام إلا هذه اللحظة ،وليس تعليقي لنصرة أحد القولين بقدر ما هي " نقد " لهذا المنهج الذي أصبحت ألاحظه عند كثير من الباحثين وهو طرح مسائل مختلف فيها ، ثم تقوية وترجيح ما يذهبون إليه بادعاء أنه هو القول الصحيح الذي يجب قبوله والمصير إليه وأن ما خالفه هو قول :
1-تارة ليس لأهل السنة والجماعة
وتارة هو قول للروافض والصوفية
والله أعلم ماذا ستكون "التارة " القادمة .
وأقترح على نفسي أولاً ثم على من أراد من إخواني أهل الملتقى أن تعرض المسائل مسندة إلى أصحابها وبيان أنها اختيارات لهم ولا تنسب للمذهب ، أي مذهب إلا إذا كان أهل ذالك المذهب أو جلهم يقول بها ، وقبل هذا كله : أن يكون القول المخالف مصادماً صراحة للنصوص ، وأعني بالنصوص :
كتاب الله تعالى
2- السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي لا مجال للرأي والتأويل فيها
أما أقوال العلماء فليس علماء أولى من علماء طالما أثبتنا العلم والورع والفهم وقبول الأمة لهم .
وإن كنت انتقدت هذا الموضوع من أخي " أبو العالية " فقد استفدت منه كغيري من فوائده الأخرى ، وأضم صوتي لبقية الأخوة الكرام بمواصلتك لهذه الدرر والفوائد أخي " أبو العالية"
والله من وراء القصد
 
انا اضم صوتي الى صوت الدكتور الجكني واثني اولا على عمل الاخ الفاضل ابي العالية
وارى في هذا الاطار ان ينزه اهل العلم وطلابه اقلامهم عن اشياء يفوقهم فيها من لا علم عنده
والسلام عليكم ورحمة الله
 
جملة من الأسباب في التأليف :
وها أنا أسوقها مختصرة ، وتحتها فرائد وفوائد عزيزة
_ عدم ذكر السبب .
_ أكثر من سبب .
_ الإهداء
_ استجابة طلب أو سؤال = طلب الكسائي تأليف الأخفش للمعاني
_ أجوبة مسائل
_ التحدَّي !
_ البحث والتحرِّي
_ الرؤيا
_ الشكر والاعتراف بالفضل
_ طلب الأجر والثواب من الله
_ الحاجة والأهمية والضرورة
_ الإحاطة والاستبصار والتحذير تجنباً للوقع في الخطأ والزيغ
_ النصيحة والإصلاح والتربية وبثُّ الوعي
_ التأثر والشعور بالمسؤولية
_ قيد العلم لدم النسيان أو الضياع
_ نشر العلم والخوف من آثار كتمه
_ إحياء علم أو فضيلة
_ نشر الأمن والطمأنينة
_ حب العلم والتأليف
_ الانشغال بأفضل العلوم وأهم الأعمال . انظر : سبب تفسير القرطبي .
_ التعليم . انظر : سبب تفسير ابن كثير .
_ تكملة نقص ، واستدراك ما فات . انظر : سبب قطف الأزهار في كشف الأسرار للسيوطي ( في لغة القرآن )
_ التوضيح والبيان . انظر : سبب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي .
_ الانتخاب والاختصار والوسطية . انظر : سبب الطراز في شرح ضبط الخراز .
_ جمع ما تفرَّق .
_ الأعمال الجامعية والموسوعية للاستغناء بها عن غيرها .
_ حب الشيء والاعجاب به ( هواية وتسلية )
_ الانتصار للمبدأ أو المذهب
_ الأغراض والخفايا
- الفائدة والانتفاع
_ العبرة
_ بيان حكم الوقائق الجديدة ( النوازل )
_ التصدِّي للمنكرات ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
_ شبهات وردود ودفع مطاعن . انظر : سبب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة .
_ نقد وتمحيص وتصحيح أخطاء .انظر : سبب نواسخ القرآن لابن الجوزي
_ حسم الخلاف .
_ موضوع أ تصنيف جديد .
_ أسلوب جديد .
_ إثارة النفس وتحريك الفكر وترويح البال ( الإثارة والتشويق )
_ التجارب والرحلات والاكتشافات والمذكرات .

هذا ما ذكره ، وقد يدخل بعضها في بعض ، وقد يزيد أخر زيادات وإضافات .

ومما قد يدخل في أكثر من غرض مما سبق أو يزاد عليها ما ذكره الأشموني صاحب منار الهدي:

(أما بعد) فيقول العبد الفقير القائم على قدمي العجز والتقصير الراجي عفو ربه القدير أحمد ابن الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الكريم عامل الله الجميع بفضله العميم وأسكنهم من إحسانه جنات النعيم هذا تأليف لم يسألني فيه أحد لعلمهم أني قليل البضاعة غير دريّ بهذه الصناعة فإني والله لست أهلاَّ لقول ولا عمل وإني والله من ذلك على وجل لكن الكريم يقبل من تطفل ولا يخيب من عليه عول فإني بالعجز معلوم ومثلي عن الخطأ غير معصوم وبضاعتي مزجاة وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه فشرعت فيما قصدت وما لغيري وجدت وذلك بعد لبثي حيناً من الدهر أتروى وأتأمل وأنا إلى جميع ما تشتت من ذلك أميل قادني إلى ذلك أمل ثواب الآخرة سائلاً من المولى الكريم الصواب والإعانة متبرئاً من حولي وقوتي إلى من لا حول ولا قوة إلاَّ به والمأمول من ذي العزة والجلال أن ينفع به في الحال والمآل وأن يكون تذكرة لنفسي في حياتي وأثر إلى بعد وفاتي

اهـ فلله دره
 
قال أخي " أبو العالية " حفظه الله :

لا أوافق أخي حفظه الله على جعل القول بحياة الخضر عليه السلام أنه من زعم الروافض والصوفية وأنه "هرطقات "، فهذا تصوير للمسألة بغير صورتها الحقيقية في الواقع ، فهناك أئمة ليسوا بصوفية ولا روافض ولم يصفهم أحد من عصرهم إلى يومنا هذا ب " الهرطقة " ذهبوا إلى القول بحياة الخضر عليه السلام ، بل استدلوا له بمفهوم بأحاديث شريفة ،

ومن القائلين بحياته على الأقل حتى بعد وفاة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقد روى ابو نعيم وغيره بسند صحيح عن رياح بن عبيدة قال خرج عمر ابن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ متوكىء على يده فقلت في نفسي إن هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح الله الأمير من الشيخ الذي كان يتكىء على يدك قال يا رياح رأيته قلت نعم قال ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة وأني سأعدل فيها
وذكره بسنده ابن كثير في البداية والنهاية‏ (‏ج 9 ص‏‏ 222‏)‏ من غير مروره بأبي نعيم الصوفي
فقال: قال أبو بكر بن المقري‏:‏ ثنا أبو عروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني، ثنا أيوب بن محمد الوزان، ثنا ضمرة بن ربيعة، ثنا السري بن يحيى، عن رياح بن عبيدة بمثله‏

ولا أظن عمر بن عبد العزيز رافضيا ولا مهرطقا،

وروى ابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح عن معمر أنه قال: يرون أن الرجل الذي يقتله الدجال ثم يحييه الخضر ،
ج 15 ص 213 من الإحسان

بل قال ابن كثير في البداية
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم‏
http://www.al-eman.com/IslamLib/viewchp.asp?BID=251&CID=18

وقال ابن حجر في الإصابة:
اختلف في نسبه وفي كونه نبيًا وفي طول عمره وبقاء حياته وعلى تقدير بقائه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحياته بعده فهو داخل في تعريف الصحابي على أحد الأقوال ولم أر من ذكره فيهم من القدماء مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره وبقائه وقد جمعت من أخباره ما انتهى إلى علمه مع بيان ما يصح من ذلك وما لا يصح
http://al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=397&CID=26


وأذكر أن ابن الصلاح والنووي قالا بحياته.



فغاية ما في الأمر ذكر الخلاف، حتى لو كان للشخص رأي يؤمن به في المسألة، خاصة أن اطلاع الناس على الرأي الآخر صار متاحا، فلماذا يجعل الواحد نفسه موضعا للارتياب أو التشكيك في المصداقية؟
 
نقل ابن كثير في البداية والنهاية أنه مذهب الجمهور فقال:
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم‏..
http://www.al-eman.com/IslamLib/viewchp.asp?BID=251&CID=18

ثم مال إلى ترجيح القول الآخر كما يعلم من بقية كلامه رحمه الله تعالى

==================================

وللشيخ ابن تيمية قولان أحدهما في الفتاوى 4 /338 – 340

وقد سئل عن الخضر فكان مما قال:
وأما حياته فهو حي ، والحديث المذكور- يعني: حديث (رحم الله أخي الخضر لو كان حيا لزارني) - لا اصل له ولا يعرف له إسناد بل المروي في مسند الشافعي وغيره انه التقى بالنبي. ومن قال انه لم يجتمع بالنبي فقد قال ما لا علم له به ، فانه من العلم الذي لا يحاط به .ومن احتج على وفاته بقول النبي (( أرأيتم ليلتكم هذه ، فانه على راس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد )) فلا حجة فيه فإنه يمكن أن لا يكون الخضر إذ ذاك على وجه الأرض.ولان الدجال وكذلك الجساسة كان حيا موجودا على عهد النبي وهو باق إلى اليوم لم يخرج ، وكان في جزيرة من جزائر البحر.فما كان الجواب عنه ، كان هو الجواب عن الخضر . وهو أن يكون لفظ الأرض لم يدخل في هذا الخبر ، أو يكون أراد النبي في الآدميين المعروفين . وأما من خرج عن العادة فلم يدخل في العموم ، كما لم تدخل الجن ، وان كان لفظاً ينتظم الجن والإنس . وتخصيص مثل هذا من مثل هذا العموم كثير معتاد. والله اعلم))
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=7005
قال جامع الفتاوى ابن قاسم في حاشية : هكذا وجدت هذه الرسالة .اهـ

أقول لأن له قولا آخر يعارض هذا المذكور
 
الحمد لله ، وبعد ..

سعِدْتُ بمرور المشايخ الفضلاء ، وطلبة العلم على هذه النُّكَت .
وأُثمِّنُ وأُقدِّر تَشجيعهم ، ودُعائهم ، وملحوظاتهم ، وأرائهم . جزاهم الله خيراً ؛ فلا حرمني ربي عِلْمهم ، وفضلهم ، ونُصحهم ؛ فدُمْتُم لأبي العالية فُضلاءَ ، نُبلاءَ ، مُعلِّمين ، مُرْشِدين .

بَيْد أنَّ لي بعض الأجوبة على ما قيَّده الفضلاء النبلاء ، وسأخص هنا ما له علاقة بموضوع النكت أصلاً ، اما ما يتفرع عن نقاش في بعض المسائل ( كمسألة الخضر ) فسأجيب عن كل ما ذكره الفضلاء في موضوع مستقل وأشير لرابط عليه هنا ؛ وما هذا إلا لتتابع النُّكت ، ووأن يكون النقاش والردود والبيان العلمي في زاوية اخرى .

أولاً : أخي الحبيب ( رجب ) حفظه الله :
1_ أما طبعة د. فائز فارس ؛ فيفيدك بها الشيخ الحبيب الدكتور عبد الرحمن في مشاركته ؛ إذ فيها مزيد فائدة .( فانظر مشاركته ) .
هنا لو تكرمت
وذكرت رضي الله عنك أنَّك : ( عقدتَ قديماً مقارنة بين طبعات المعاني ) .
فهذا أمر مُفْرِح وعمل مفيد ؛ فلعلَّك تُعجِّل به نفع الله بك ؛ لننتفع .

2_ أما بالنسبة لجواب قراءة السِّرِّ ؛ فهي محاولة من أخيك ، في فَهْم ذلك ، وأتمنى من عنده جواب أحسن منه أن يَجُدْ به علينا ؛ إذ الحق أحق أن يتَّبع .
وأما جوابك ؛ فعندي _ بحكم تخصصك ودراستك اللغوية ؛ وقد تقف على ما لم أقف عليه _ أنه أجمل من جوابي ، بل قد يكون الأَلْيَق والأصح ، لكن ثمة أمر يُعَكِّرُ عليه ؛ وهو إثبات أنَّ الفراء فعلاً قرأ الكتاب سِرَّاً ؛ فإني كرَّرت البحث في ذلك كثيراً ولم أجد أحداً ذكر ما ذكرته ؛ فإنْ وجدته وأثبته ؛ فهو الأحقُّ أن يكون تفسيراً للسِّرِّ لا ما ذكرتُهُ أنا . وأتمنى أن تُوَفَّق أخي الحبيب .
 
الحمد لله ، وبعد ..

أخي الحبيب ( رجب ) وفقه الله لكل خير .

إن قصدتَ ما يذكرونه أنه مات وتحت رأسه كتاب سيبويه ؛ ( مقدمة عبد السلام هارون 1/ 28 وعزاها للمراتب ) فهذه دِلالتها غير ما نبغي.

وثانياً : موقف الفراء من سيبويه معروف ، وقد نقل العلامة عبد السلام هارون رحمه الله في مقدمة تحقيقه لكتاب ( الكتاب ) لسيبويه ( 1 /17 ) عن الفراء قوله :
( ويذكرون أن الفراء يقول في شأن سيبويه : فأتيته ؛ فإذا هو أعجم لا يفصح ، سمعته يقول لجارية له : هاتِ ذيَّك الماء من ذاك الجرَّة ؛ فخرجت من عنده ولم أعد إليه )
فما ترى في طَيَّاتِ هذا ؟ وقارن مع ( 1/ 35 )
أَدِمْ فِكْرك ، وحبِّر الكاغد .

و نقل العلامة ابن هارون رحمه الله أيضاً _ بَعْدُ_ عن الجاحظ ؛ أنه اشترى كتاب سيبويه من ميراث الفراء ؛فهذا يدل على اقتناء الفراء للكتاب ومطالعته فيه ، ولكن هل ثبت أنه فعلاً قرأه على الأخفش كما فعل شيخه الكسائي ، هنا مناط المسألة .
ولا زال الدعاء لك بالتوفيق قائماً .

فَأَفِدْنَا نفع الله بك ، وحرِّر أكثر ، وليتك تطالع شرح السيرافي على الكتاب ؛فلعله ذكر هذا في مقدمته ؛ فالكتاب بعيد عني الآن .

والسلام .

محبك
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]18 _ ( 186 ) سفيان بن سعيد بن مسروق ، الإمام شيخ الإسلام ، الفقيه ، الحافظ ، الحجَّة ، العابد ، أبو عبد الله الثوري ( 97_ 161هـ )[/align]

1_ تفسيره :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( صاحب التفسير المشهور ، الذي رواه عنه أبو حذيفة موسى بن مسعود النَّهْدِي) ( 1/ 193 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وتفسيره طبع في الهند 1385هـ بمعاونة وزارة المعارف ، بعناية وتصحيح وترتيب وتعليق إمتياز علي عرشي ، مدير مكتبة رضا ، وعليه اعتمدت دار الكتب العلمية في طبعتها .

2_ توظيف كلمة ( لا أدري ) في حياة الربانيين :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقال القطَّان : ما رأيت أحفظ منه ، كنت إذا سألته عن حديثٍ ليس عنده ؛ اشتدَّ عليه ) ( 1/ 194 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذه سِمَةُ أهل التقوى والعلم النَّافع ممن يرجون بِعلْمِهم الله والدار الآخرة .
فهو مثال واضح ، لما قرَّره الشيخ العلامة عبد الرحمن السَّعدي رحمه الله _ وقد سبق في نكت الداودي في المشاركة التاسعة _ حين قال :
(( ومن أعظم ما يجب على المُعَلِّمين : أن يقولوا لما لا يعلمونه (( الله أعلم )) وليس هذا بناقصٍ لأقدارهم ؛ بل هذا مما يزيد قدرهم ، ويُستدلُّ به كمال دينهم ، وتحرِّيهم الصواب . وفي توقُّفِه عمَّا لا يعلم فوائد كثيرة ، ثم ذكر ما يشهد لهذا الموقف ؛ فقال : .
ومنها : أنه إذا توقف وقال : الله أعلم ، فما أسرع ما يأتيه علم ذلك من مراجعته أو مراجعة غيره؛ فإنَّ المتعلم إذا رأى معلمه قد توقف ؛ جدَّ واجتهد في تحصيل علمها وإتحاف المعلم بها، فما أحسن هذا الأثر . ) إلى آخر كلامه النفيس رحمه الله ؛ فانظر غير مأمور في (الفتاوى السعدية ( 628 )

3_ البعد عن الذنوب :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقال عبد الرزاق : قال سفيان : ما استودعتُ قلبي شيئاً قط فخانني ) ( 1/ 194 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
لله دَرُّه ما أعظم توقيره لربِّه ، وحفظه لمَحَارِمه .
فهذا الإمام الهُمام ، قال عنه أحد المحدِّثين : ( يبلغ حديثه ثلاثين ألفاً )
الله أكبر .. ثلاثون ألف حديث يعرف أسانيدها ، ومتونها ، وعللها .
فيا ترى ما الذي أكسبه هذا الحفظ وهذا العلم ؟
ولأيِّ شيء قال فيه غير واحد : ( من أخبرك انه رأى مثل سفيان ؛ فلا تصدِّقه ) ؟
وهل سمعت بقولة الإمام أحمد حين قال عنه : سفيان : لم يتقدَّمه في قلبي أحد !
الإمام سفيان أيُّ عالم كان ؟
وما هي الصفات النبيلة الظاهرة فيه رحمه الله .

إن أردتَ أن تعلم هذا ؛ فلتعلم أنه البُعْد عن الذنوب ؛ فإنَّ الذنب يحرم العلم ، واللذة فيه . وهو أساس كل مصيبة ورذيلة ، صاننا الله وإياكم من شر ذلك كله .

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله ، في بيان خطر الذنوب على القلب :
( وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله فمنها :
حرمان العلم ؛ فإنَّ العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تُطْفِيء ذلك النور .
ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك ، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقُّد ذكائه ، وكمال فَهْمِه ؛ فقال : إِنِّي أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً ؛ فلا تُطْفِئه بظلمة المعصية .
وقال الشافعي :
[align=center]شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفْظِي ** فأَرْشَدني إلى تَرْك المعاصِي
وقال اعْلم بِأنَّ العِلْم نورٌ * * ونُوْرُ اللهِ لا يُؤْتَاه عَاصِي[/align]
) الداء والدواء ( 31 )

ومن هنا تميز هذا العَلَمُ الحَبْر رحمه الله بالعلم والحفظ ، مما جعل الإمام العالم العامل المجاهد ابن المبارك رحمه الله _ وَهُوَ مَنْ هُوَ _ يقول عنه : كتبتُ عن ألف شيخ ومئة شيخ ، ما فيهم أفضل من سفيان .
بل يقول شعبة الحافظ أمير المؤمنين في الحديث : سفيان أحفظ مني .

فتأمل أيها الطالب عِظَم هذه النكتة الكبيرة ، فإن أردت العلم والنور والحفظ ؛ فإيَّاك والذنوب .
جعلني الله وإياك ممن رُزِق إنقاذ نفسه . اللهمَّ آمين .

4_ التفسير الصحيح في آيات العقائد ( المعية العامة ) :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقد صحَّ عن الثوري في قوله تعالى : ( وَهُوَ مَعَكُم ) قال : عِلْمه ، وهذا جاء عن جماعة من المفسرين . ) ( 1/ 194 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
أولاً : في الكتاب : ( وَهُوَ مَعَكُم ) قال : عَمَله !! وهذا تصحيف شنيع ! والصواب عِلْمه .
كما هو مشهور ( معيَّة العلم ) وانظر :
خلق أفعال العباد للبخاري ( 8 ) والأسماء والصفات للبيهقي ( 2/ 341 ) تحقيق الحاشدي ، وكتبٌ كثيرة .

هذا وإنَّ بعض المفسرين شطح فقال : المراد بالمعيَّة هنا ، معية ذات ! وختم قوله : ( فإذا كانت المعية بالعلم لَزِمَ أن تكون بالذات ؛ فافهم ، وسلِّم إن لم تذق !! ) أهـ
وقال أحدهم يسأل غيره : كيف تعتقد : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم } ؟ فقال : بالذات ؛ فقال له : أشهد أنَّك من العارفين !! ) أهـ
فما أعجب ابن عجيبة رحمه الله ؛ فقد أصبح للذوق طريق إلى مسائل الاعتقاد .
تالله هذا خلط فظيع من أهل التصوف المذموم ، ( وسبقهم الجهمية بذلك ) . نسأل الله السلامة والعافية .

ثُمَّ المعيةُ معيَّتان :
1_ معية خاصة لأوليائه بالحفظ ، والنُّصرة ، والتَّأْيِيد .
ومعيَّة عامَّة بالسمع ، والبصر ، والعلم .
وكلام أهل العلم في علم هذه المسألة مبسوط في كتب العقائد .
وأنصح بمطالعة : ( الآثار المروية في صفة المعية ) للشيخ د. محمد بن خليفة التميمي ؛ فقد أجاد وأفاد .
ومما فيه :
لمطلب الأول: آيات المعيَّة.
المطلب الثاني: أقوال السلف في تفسير آيات المعيَّة العامة.
المطلب الثالث: أقوال السلف التي تجمع بين صفتي العلو والمعيَّة.
المطلب الرابع: أقوال الناس في صفة المعيَّة.

وحسب الإشارة هنا كافية .
والله أعلم
 
جزيتم خيرا !!

جزيتم خيرا !!

جزاكم الله خيرا، أستاذنا.

بالنسبة لقول العلماء:" لا أدري"...
ففي حقيقة الأمر، تجد العلماء الربانيون يبذلون قصارى جهدهم في مسائل العلم؛ دراسة، و بحثا و تنقيبا...
فإن أعياهم شيءٌ، بعد الدراسة و البحث... وقد سئلوا عنه؛ قالوا: "لا أدري" !!
سبحان الله؛ الذي أبدع !!
و لنا في قصة ابن جرير الطبري -رحمه الله- عبرة؛ فقد سئل مرة عن علم العروض - إن لم تخني الذاكرة- و ما كان يعلم عنه شيئا؛ فطلب من السائل مهلة...حتى جاءه في اليوم التالي بعد أن أمضى ليلته؛ مبحرا في علم العروض، فأجابه على سؤاله...( فرب همة؛ أحيت أمة !!)

فلم يقل هنا:" لا أدري"؛ لأنه لم يبذل الجهد في البحث و التعلم، و لما فعل؛ أجاب و أجاد و أفاد !!-رحمه الله -
و دمتم بخير ...
 
فائدة: نبذة عن تفسير سفيان الثوري رحمه الله..

فائدة: نبذة عن تفسير سفيان الثوري رحمه الله..

بسم الله ...
بينما كنت أرتب أوراقي، وقعت هذه النبذة القصيرة عن تفسير الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى، فتذكرت أسرتي في هذا الملتقى؛ و ها أنا أقيدها لكم هنا...
و أرجو أن يعذرنا أستاذنا ( أبو العالية )؛ لأني أستغل زاويته الطيبة لوضع هذه الفائدة.......فاعذروني ما أود إلا إفادتكم، رعاكم ربي !!

تفسير سفيان الثوري (161ه)
روى عنه التفسير (أبو جعفر محمد حذيفة النَّهري) -عنه مباشرة -، و رتبه و صححه و علَّق عليه (امتياز علي عرشي)، و يتكون التفسير من مجلد واحد.
هو خير تفسير بالأثر؛ إذ إن التفسير لم يكن فيه إلا ما يرويه سفيان عن النبي صلى الله عليه و سلم، و الصحابة و التابعين، و يذكر معاني نصوص بسيطة من غير رواية.
التفسير مرتب على السور و الآيات القرآنية، و هو لا يرى جواز تفسير القرآن بالرأي. و كان يسمي أحيانا بعض السور بغير أسمائها المكتوبة بالمصحف.
و هو أقدم تفسير وصل إلينا بعد التفسير المروي عن ابن عباس.

المصدر: مناهج المفسرين؛ مساعد آل جعفر، دار المعرفة، بيروت، سنة1980م.صفحة 49-52 باختصار.

و دمتم في حفظ ربي !!
 
الحمد لله ، وبعد ..

جزاك الله خيراً ، والموضوع متاح لكل من يُدْلِي بفائدة ، أو يناقش مسألة ؛ فالنفع للجميع .

1_ أما الفائدة الأولى حول ( لا أدري ) فهذه فائدة جيدة لو وجدنا بالاستقراء هذا الذي ذكرت أحسن الله إليك ، لكن ما نفعل بالنصوص الكثيرة التي تدل على أجوبة كثير من العلماء لمسائل لم يبحثوا فيها ، ولم تَرِد على أذهانهم ، وإنما حين سألهم السائل قالوا _ لورعهم وخوفهم من الله تبارك وتعالى _ ( لا أدري ) ، لا تدل هذه الكلمة _ كما أفهم _ إلا على أنهم أمسكوا عمَّا لا يعلموا عنه مزيد علم ، وبعد هذا السؤال ، يتوجه بالبحث والتنقيب ، وهل قصة الإمام مسلم رحمه الله إلا خير شاهد في البحث والتقيب عن مسألة عرضت له في مجلسه ؛ فحين دخل على أهله أمرهم بمنع الدخول عليه × فقالوا جاءنا سلة تمر هدية من آل فلان فقال : قربوها ؛ فما طلع الصبح حتى وقف على الجواب وانتهت السلة ! وكانت وفاته رحمه الله .

2_ أما ما ذكرته بقولك : ( روى عنه التفسير (أبو جعفر محمد حذيفة النَّهري) -عنه مباشرة )
فهذان رجلان مختلفان لا رجلا واحداً .

وإنما ( أبو جعفر ؛ واسمه محمد ) رواه عن ( أبي حذيفة ؛ واسمه موسى بن مسعود النَّهْدِي )

والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]19_ ( 187) سفيان بن عُيَيْنَة بن أبي عمران ميمون ، الإمام ، المجتهد ، الحافظ ، شيخ الإسلام أبو محمد الهلالي الكوفي ( 107_ 198هـ)[/align]

1_ الحج للقاء ابن عيينة :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( فقد كان خلقٌ يحجُّون ؛ والباعث لهم ؛ لقي ابن عيينة ؛ فيزدحمون عليه في أيام الحج ) ( 1/ 197 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
الله اكبر .
قطعٌ للفيافي والمفاوز ، وتكلف شديد عجيب ؛ لِلُقيا عالم !
أي شغف بالعلم والعلو فيه هذا .
إن عالماً بلغ هذه المنزلة ؛ لمنزلته عالية ، ورتبته منيفه على أهل عصره ، وعلماء وقته .
إيه يا بن عيينه ، رحمك الله ، وبرَّد ضجيعك .
لذا ؛ فلا تعجب أن تجد كلام أهل العلم الكبار الثقات الفحول يقولون فيه ما يقولون ؛ فالقول كما شاهدوا ؛ فلا يهوِلَنَّك ذلك ؛ فالرجل قد بلغ ، وقد أخلص ، وما على المُخْلِص إلا التوفيق من العلي القدير .
ودونك بعضاً من كلامهم في أبي محمد الهلالي محدِّث الحرم المكي ، ولا فخر .

أ. قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( ما رأيت أحداً فيه من آلة العلم ما في سفيان ، وما رأيت أحداً أكفَّ عن الفتيا منه ، وما رأيت أحداً أحسن لتفسير الحديث منه )
ب. قال الإمام أحمد رحمه الله : ( ما رأيت أعلم بالسنن منه )
ج. قال الشيخ العجلي رحمه الله : ( كان ابن عيينة ثبْتاً في الحديث ، وحديثه نحو سبعة آلاف ، ولم يكن له كتب )
د. قال ابن مهدي رحمه الله : ( عند سفيان بن عيينة من المعرفة بالقرآن ، وتفسير الحديث مالم يكن عند الثوري )
هـ . قال حمَّاد بن يحيى : سمعتُ ابن عيينة يقول : رأيت كأنَّ أسناني سقطت ؛ فذكرته للزهري ؛ فقال : يموت أسنانك وتبقى ؛ فمات أسناني ، وبقيت ؛ فجعل الله كل عدو لي محباً )
وأما سبب هذا الزَّحام على ابن عينة رحمه الله ؛ فيقول الإمام الذهبي في ترجمته : ( ولقد كان خلق من طلبة الحديث ، يتكلَّفون الحج ، وما المحرِّك لهم سِوَى لقي سفيان بن عيينة ؛ لإمامته وعلو إسناده ) السير (8/457) .

2_ هل العِلْم يضر ؟ :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقال : العلم إذا لم ينفعك ضرك ) ( 1/ 198 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
سبحان الله !
العلمُ يَضُرُّ ؟
كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا ممن ثلاث : وذكر : علم نافع )
يفهم من هذا ، أن هناك علماًَ غير نافع .

تأمَّل _ نفعني الله وإياك _ هذه المقولات الرائقة في بيان العلم :
1_ قال الحسن: العلم علمان ؛ فعلم في القلب ؛ فذلك العلم النافع ، وعلم على اللسان ، فذلك حجة الله على بن آدم. ( مجموع الفتاوى 18/303 وجامع العلوم والحكم 343 )
والمراد : بعلم القلب ؛ ما دفعك للخشية من ربك ، وزانك بالصالحات والقربات والطاعات .
لا العلم الذي تكون فيه مكثاراً باللسان ، مقلاً بالأركان .
ولأجله قال كثير من أهل العلم الكبار : ليتنا ما علمنا ، ولا تعلَّمنا ، ولا تكملنا في العلم !
وهذا معلوم عند كل ذي بصيرة أنه محمول من باب شدة خوفهم وورعهم رحمهم الله تعالى ، وخشية أن يكونوا قد قصَّروا في جنب الله ، أو أفتوا بالخطأ .
وعلمهم وعملهم بين الأجر والأجرين رحمهم الله تعالى .
فإن علومهم من خير العلوم في تفسير كتاب الله وسنة نبينه صلى الله عليه وسلم ؛ فالزم هُدَاهُم ، وبِهُداهُم اقْتَدِه .

2_ قال مطر : خير العلم ما نفع ؛ وإنما ينفع الله بالعلم من عَلِمه ثم عمل به ؛ ولا ينفع به من عَلِمه ثم تركه . ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/90)
3_ قال مالك بن دينار: إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه ، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً أو فخراً. ( اقتضاء العلم العمل 32)
ومراده رحمه الله بكسر العلم له: أن يتواضع فلا يتعاظم ويتكبر ويشمخ بنفسه ويزدري عباد الله .
فليكن لسان حاله :
إن حفظتُ القرآن يكون ماذا ؟
وإن حفظتُ الصحيحين أي شيء في هذا ؟
وإن بلغتُ الدرجات العليا من الشهادات أي شيء كائن فيه ؟
تالله إنها زيادة حجة وتكليف لا تشريف .
وهكذا النَّبِيه ؛ يوظف العلم لخدمة نفسه ونفعها لا لهلاكها ، ورمُتك عاقلاً أيها القارئ ؛ فمثلك فَطِنٌ .

4_ قال الحسن : تعلَّموا ما شئتم أن تعلموا ؛ فلن يجازيكم الله على العلم حتى تعملوا ؛ فإن السفهاء همتهم الرواية ، وإنَّ العلماء همتهم الرعاية . ( اقتضاء العلم العمل 35)

5_ قال مالك بن دينار: سألت الحسن عن عقوبة العالم ، قال: موت القلب ، قلت: وما موت القلب ؟ قال : طلب الدنيا بعمل الآخرة ) ( الزهد 265)

6_ وما أحسن كلام الخطيب رحمه الله حين قال في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (1/77-78) في سمة طالب العلم :
( والواجب أن يكون أكمل الناس أدباً ، وأشدُّ الخلق تواضعاً ، وأعظمهم نزاهة وتديُّناً ، وأقلهم طَيْشاً وغضباً ؛ لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه ، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه ، وطرائق المحدثين ومآثر الماضين ؛ فيأخذوا بأجملها وأحسنها ويصدفوا عن أرذلها وأدونها .
إلى أن قال : عن أبي عاصم أنه قال: ( من طلب هذا الحديث ؛ فقد طلب أعلى أمور الدنيا ، فيجب أن يكون خير الناس ).
وقال : عن سفيان بن عينية أنه كان يقول: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر ؛ فعليه تُعْرَض الأشياء ، على خُلُقه ، وسيرته ، وهديه ؛ فما وافقها فهو الحق ، وما خالفها فهو الباطل ) (1/79) بتصرف يسير

فيا أيها الطَّالب للعلم ، المريد نفع نفسه ، هذه قالات أهل العلم في العلم ومنفعته ، فإيَّاك يا هذا أن يضرَّك علمك ، فتحرم الخير الكثير ، والأجر الكبير .

واعلم_ علّمني الله وإيَّاك _ أن أسباب مضرة العلم كثيرة ( وحين توجد الأسباب ، تتبعها النتائج ؛ فتنفذ إرادة الله ، و تحقُّ كلمته ) (الظِّلال 4/2218 ) :

ومن جملة الأسباب ما يلي :
1. عدم العمل بالعلم ؛ لأن عدم العمل ذهاب للعلم .( هتف العلم العمل ؛ فإن أجابه وإلا ارتحل ) والعمل من أعظم مثبِّتات العلم .
وانظر توبيخاً نافعاً لمن رام نصح نفسه من العلامة السَّعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى : ( لِم تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون ) فطالعه ، وكرِّره عند كل علم صغير وكبير ، وخاطب نفسك به يُفِدْك كثيراً !
[align=center]فمن لم يجرب ليس يعرف قدره * * * فجرِّب تجد تصديق ما ذكرناه[/align].
2. الحرص عن الشهرة وحب الظهور
. وهذا داء فتَّاك ، وسُمٌّ عُضال . وقد قيل : ( حب الظهور ، يُقصِم الظهور ) وهذا في كل علم قُصِد به الدنيا ، لا لله من علوم الشريعة الغراء .

3.السكوت عن فعل الباطل ؛ لأن فيه سرعة انتشاره ولا نكير من أهل العلم والخير والصلاح ؛ فقلي بربك : أيُّ منفعة لصاحب العلم بعلمه إن لم يُنْكِر على أهل الباطل باطلهم ؟
4.مداهنة أهل الباطل سِيَّما أهل الرياسات والمناصب ؛ خشية فوات فتات الدنيا ، وهذا حال من تكون نفسه الطيبة الصالحة ( الَّلوامة ) تبين له في قرارة نفسه فساد فعله ، وتقول له :
( هذا لا يجوز ؟
وهذا فعل شائن بالدِّين .
وينبغي عليك الإنكار ( وقد وثق بك فلان ؛ فلا تسكت فيظن فعله مباحاً ! بسكوتك )
لا تقعد معهم .
ويلك فِرَّ منهم !
و هو يكبح نصحها ، ويدسُّ صوتها خشية أن يسمع نصحها أحد بجواره ويقول :
فيه خلاف !
المصلحة تقتضي هذا !
الضرورات تبيح المحظورات !
بعدين أنصحه !
بيني وبينه في السر ( فالنصيحة على ملآ فضيحة كما يقول الإمام الشافعي !! )
أما سمعتي : تعمدني بنصحك بانفرادي .. )
ولكنك سرعان ما تراه ينخرط في صفوف أهل الباطل ؛ مشاركاً ، ونادباً ، ومثنياً ، وربما عازماً ! نسال الله السلامة والعافية
نعوذ بالله من علماء السوء ، وأهل السوء ، ومن علم لا ينفع .
وارزقنا اللهم العلم النافع ، والعمل الصالح .

فيا هذا قد نصحتك ، والله حافظي وحافظك .
والسلام.
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]سلمان بن ناصر بن عمران ، بن ميمون بن مهران ، أبو القاسم الأنصاري النَّيْسابوري ( 512هـ)[/align]


1_ العالم النِّحْـرير :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( قال عبد الغافر : كان نحرير وقته في فنِّه )) ( 1/ 200)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
فيه مسائل :
الأولى : من هو عبد الغافر الذي يَكثر ذكره ، لا سِيَّما في تراجم النَّيْسابوريين ؟
- هو أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي ، له : ( تذييل تاريخ نيسابور )) ويذكر تارة : قال عبد الغافر ، وتارة عبد الغافر الفارسي . انظر : تاريخ دمشق لابن عساكر ( 21 / 477 )

الثانية ( معنى : النحرير ) :
قال ابن فارس في مادة ( نحر ) : (( والعالم بالشّيء المجرِّب نِحْرِير ، وهو إن كان من القياس الذي ذكرناه ، بمعنى أنّه ينحر العلمَ نحراً ، كقولك : قَتلتُ هذا الشَّيءَ عِلْماً )
وقال ابن الأثير في النهاية : ( وفي حديث حذيفة [ وُكِّلَت الفِتْنَة بثلاثةٍ : بالحادِّ النِّحْرير ] هو الفَطِنُ البصيرُ بكل شيء )) ( 5 /28 )
وقال المناوي في التوقيف : ( النِّحْرِير العالم المُتْقِن ، من نحر الأمور عِلْماً ؛ إذا أتقنها كما يقال: قتلها )
والنّحْريرُ ليس من كلام العرب وهي كلمة مولّدة ، كما قال الأصمعي ( أفادة السيوطي في المزهرفي النوع الحادي والعشرين : معرفة المولَّد )

فرحم الله أبا القاسم الأنصاري أي علم مَلَك ؟
وهذا مما دعى الحافظ ابن عساكر في تاريخه : ( 21 / 477 ) أن يصفه بقوله : ( وهو من جملة الأفراد في علم الأصول والتفسير ) أهـ
فلمَّا تميَّزفي علمه ، وعلت رايات الغزارة والتمكُّن ؛ كان من أفراد أهل العلم المتقنين له .

2_ تبيين مُبْهم :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وكانت معرفته فوق لسانه ، ومعناه أكثر من ظاهره ) ( 1/ 200)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
كنت قد قيدتُ على نسختي عند هذه الفقرة ، عنوانا ً ؛ وهو : أهمية جوامع الكلم للعالم . وهذا بداهة .
وكنت أحسب أنها : من سعة علم هذا العالم النحرير ، أن كلامه موجز ، ولكن يحمل في طياته معارف كثيرة وعلوماً متنوعة . وهذه صفة مدح ولا شك .
نعم ، قنعت بهذا التفسير ، ثم لمَّا قلبَّتُ النظر في النص ، احتجت للرجوع لأكثر من مصدر لأستوثق صحة فهمي من خطئه .
فوجدت ابن عساكر يقول في تاريخه قبل هذا النص أعلاه : ( كان بصيراً بمواضع الإشكال ، مع قصور في تقرير لسانه )
فانكشف لي خلاف ما ظننت وبهذا النص بُيِّن ما أستشكلته .
وحينها خطر على خاطري بعض أهل العلم في عصرنا ممن يحسن التصنيف ، وسكب المؤلفات ، وترصيع الكلمات ، ولكنه إن حاضر أو تكلم ، ربما كان في حديثه بعض قصور ، بخلاف سلاسة قلمه في أوراقه .
فقلت لعل هذا من ذلك ، وكل يجود بما لديه ، مما فتح الله عليه . والله أعلم .


3_ الدِّين من أجلِّ سمات الواقف على الكتب والمكتبات :

قال الداودي رحمه الله عنه : ( وأُقْعِد في خِزانة الكتب بنظامية نَيْسابور اعتماداً على دينه ) ( 1/ 200)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
ما أعزَّها من نكتة .
تالله إن هذه السمة من أهم ما ينبغي أن يُعْتنى بها ؛ فالعالِم مستأمنٌ على العلم ، ولا ينفع للعلم فاقد الدِّين ، مهما علا كعبه ، وارتفع صيته _ في الغالب _
وأيننا اليوم من هذه السُّنَّة الموؤدة !
حتى خرجت علينا دور النشر والمكتبات تنادي على نفسها بأن جعلت القيِّم على تراثها ربما لا يُحْسِن التعامل معها ، فضلاً عن معرفة موضوعها ، وتصنيفها ، أو الاهتمام بتحقيقها ، وتخريجها ، وحسن إخراجها ، وفك مخطوطاتها .
لقد بات الأمر عندهم _إلا من رحم الله _ مادياً (الأقل راتباً ) ، ولو كان الأسوء تحقيقاً وتنقيحاً وتدقيقاً . وإلى الله المشتكى
فهذه دعوة إلى اختيار العالم ذي الدِّين المحقِّق النِّحرير المدقِّق حتى نتخلص من عبث الكثير في تراثنا العلمي الزاخر .


4_ عالم يخاطب الجن :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وقال أبو نصر عبد الرحمن بن محمد الخطيبي :
سمعتُ محمود بن أبي توبة الوزير يقول : مضيتُ إلى باب بيت أبي القاسم الأنصاري ؛ فإذا الباب مردود ، وهو يتحدَّث مع واحدٍ ؛ فوقفتُ ساعة ، وفتحت الباب ؛ فما كان في الدار غيره !
فقلت : مع من كنت تتحدَّث ؟
فقال : كان هنا واحدٌ من الجن ، كنت أكلِّمه )
) ( 1/ 200)

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
وهذا من ظريف ولطيف هذا العالم ، وقد كان بعض العلماء يُسْأل من قِبَل إخواننا من الجن .
وقد وقع مثل هذا كثيراً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بل كان بين الجن وبعض العلماء مودَّات ومناصرات ودعوات ، وهذا مشهور معروف في سير العلماء وكتب التراجم .

والله أعلم
 
الحمد لله ، وبعد ..

[align=center]21_ ( 191 ) سُلَيم بن أيوب بن سُلَيم ، أبو الفتح الرَّازي ( 447هـ ) [/align]


1_ طلب العلم في الكبر :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( تفقَّه وهو كبير ) ( 1/ 202 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
والسِّنُّ لا مدخل له في العلم ، والصغر والكِبَر على السَّواء في الطلب ، بيد أنَّه في الصغر أنفع وأثبت وأقوى ، وإنما العبرة في أمرين :
الأول : البراعة في العلم والتمكُّن منه والاحتياج إليه .
الثاني : الإذن من أشياخه .
وهذا ما عُرِف عن أهل العلم في السابق ؛ فلم يجيزوا لأحد بالتَّحديث أو الإفتاء ما لم يحصل على أحد هذين الشرطين .
وهذا ليس على العموم ، بل هو حسب الأشخاص ، وحسب الجدِّ والاجتهاد .

فإن قال قائل : جاء في بعض كتب الحديث أن السنَّ الذي يُشترط فيه التحديث بلوغ الخمسين ! ولا بأس بالأربعين ؟

فيقال : هذا غير مُسلَّم ؛ فكم هم العلماء الذي حدَّثوا وصنَّفوا وانتفعت الأمة بهم وماتوا ولم يبلغوا الأربعين وهل أدل على ذلك من إمام الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله توفِيَّ وعمره 36سنة .

ومن علماء التفسير علوم القرآن :
ابن معاذ الجهني الأندلسي توفي وعمره 28 سنة ، حتى قال فيه الداني : ( كان حافظاً ضابطاً ثقة ، تصدَّر في العربية وفي الفرائض والحساب )
ومن مصنفاته المشهورة : البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان بن عفان .
وهو في فن كليات الرسم فيقول فيها ( صـ 20 ) : ( إن ما ) : جميع ما في كتاب الله عز وجل من قوله ( إنما ) فهو في المصحف موصولاً إلا في موضع واحدٍ ، وهو قوله في الأنعام ( إن ما توعدون لآت )فإنه مقطوع .. إلخ ما ذكره هنا )
وأيضاً : كل ما في القرآن من ذكر المرأة ؛ بالهاء إلا في سبعة مواضع ...وذكرها ) ( 32 )
وقد طبع هذا الكتاب النافع في كليات الرسم بتحقيق الدكتور غانم قدوري الحمد عن دار عمار .

ومن علماء القراءات أيضا : الإمام شُعْلَة . توفي وعمره 33 سنة .
واسمع ما قال الذهبي رحمه الله فيه : ( الإمام المقرئ العلامة ، الذي اختصر الشاطبية ، كان شاباً فاضلاً صالحاً محققاً ، يتوقَّد ذكاءً ، عاش ثلاثاً وثلاثين سنة )
ومن مصنفات غير شرح الشاطبية : الناسخ والمنسوخ في القرآن .
قال ابن رجب عنه : ( وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه ) ذيل طبقات الحنابلة ( 2/ 256 )

وأختم بالثالث : الإمام أبي الفتح السِّيرافِي توفي وعمره 28 سنة .
يقول الزِّرِكْلي ( 7/ 96 ) : ( فهذا عالم مفسِّر ، عالم بالنحو )
وقال صاحب هِدْية العارفين ( 6/ 142 ) : ( صنَّف ( تقريب التفسير )في تلخيص الكشاف )
فقلي بربك : ومن يقدم على تقريب الكشاف إلا قد بلغ في العلم شأواً عالياً .

ثم هذا القول اعترض عليه أكابر أهل العلم .
_ يقول القاضي عياض رحمه الله : ( هذا لا يقوم له حجة بما قال ، وكم من السلف المتقدمين ، ومن بعدهم من لم ينته إلى هذا السنِّ ، ولا استوفى العمر ، ومات قبله ، وقد نشر من العلم والحديث ما لا يحصى ) الإلماع ( 200 )
_ وقال الحافظ ابن حجر : ( أما الأداء ؛ فقد تقدَّم أنه لا اختصاص له بزمن معين ، بل يقيد بالاحتياج ، والتَّـأهُّل لذلك ، وهو مختلف باختلاف الأشخاص ) نزهة النظر ( 206 )
وفيما ذكر كفاية ، والحمد لله .
وانظر بتفصيل ماتع وجميل : كتاب العلماء الذين لم يتجاوزا سِنَّ الأشُدِّ للشيخ المحقق علي العمران نفيس ( ومنه غالب النقل ) .

وممن طلب العلم وهو كبير :
_ صالح بن كيسان ،قال الحاكم فيه : ( ابتدأ التعليم وهو ابن سبعين سنة ) تهذيب التهذيب ( 4 / 400 )
_ الكسائي : قال عنه الفرَّاء : إنما تعلم الكسائي النحو على كِبَر . ( انظر : السير 9 / 131 ) وتاريخ بغداد ( 11/ 321 )
_ القفَّال : طلب العلم وهو ابن ثلاثين سنة . انظر السير ( 17 / 405 )
_ ابن حزم وطلبه وعمره ( 26 سنة ) . انظر : السير 18 / 184 )
_ العِزّ بن عبد السلام : لم يشتغل بالعلم إلى على كِبَر . طبقات المفسرين ( 1/ 231 ) وفيه قصة .
وانظر مقالة فائقة رائقة من كتاب المنفلوطي ( الأربعون ) من النظرات ( 3 / 254 )
بعض الأعمار عندهم بالنسبة إليهم كبير ، وفي زماننا ربما ليس بالكثير ، فسبحان من قسَّم العلوم كما قسم الأرزاق ، فاللهم ارزقنا علماً كعلمهم ، ونفعاً كنفعهم ، وصلاحاً كصلاحهم .

2_ قيمة الوقت عند العالم :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وكان ورِعاً زاهداً ، يحاسب نفسه على الأوقات ، لا يدعُ وقتاً يمضي عليه بغير فائدة ) ( 1/ 202 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
ما أحلى اغتنام الوقت في طاعة الله تعالى . وما ألذ صيد ذلك والتفنن في استغلاله .
ومن أحوال أبي الفتح في استغلاله الوقت :
1_ كان سليم ببغداد في حال طلبه العلم تَرِدُ عليه كتب من الري ، فلا يقرأ شيئاً منها ، ولا ينظر فيها ، ويجمعها عنده ، إلى أن فرغ من تحصيل ما أراد ، ثم فتحها فوجد في بعضها ماتت أمك ، وفي بعضها ما يضيق له صدره ، فقال: لو كنت قرأتها قطعتني عن تحصيل ما أردت . مختصر تاريخ دمشق ( 3 / 413)

2_ حدَّث عنه أبو الفرج الإسفراييني : أنه نزل يوماً إلى داره ورجع فقال : قرأت جزءاً في طريقي.
3_ وحدَّث المؤمل بن الحسن : أنه رأى سُليماً وقد جفا عليه القلم ؛ فإلى أن قطّه جعل يحرك شفتيه ؛ فعلم أنه يقرأ أثناء إصلاحه القلم ؛ لئلا يمضي عليه زمان وهو فارغ ، أو كما قال . مختصر تاريخ دمشق ( 3 / 413)
نعم ، فإن اشتغلت اليدان ؛ فالقلب واللسان في شغل أيضاً .
4_ قال سهل الإسفرائيني : حدثني سليم أنه كان في صغره بالري، وله نحو عشرين سنين ، فحضر بعض الشيوخ وهو يلقن فقال لي : تقدم فاقرأ . فجهد أن أقرأ الفاتحة فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني.
فقال: لك والدة ؟ قلت : نعم .
قال : هل تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم. قلت: نعم.
فرجعت فسألتها الدعاء ؛ فدعت لي. ثم إني كبرت ودخلت بغداد وقرأت بها العربية والفقه، ثم عدت إلى الري، فبينا أنا في الجامع أقرأ بمختصر المزني وإذا الشيخ قد حضر وسلم علينا وهو لا يعرفني. فسمع مقابلتنا وهولا يعلم ما نقول، ثم قال: متى يتعلم مثل هذا؟ فأردت أن قول له: إن كانت لك والدة قل لها تدعو لك، فاستحييت منه ، أو كما قال. تاريخ الإسلام للذهبي (7 / 149)

نعم ، لقد ضرب السلف رحمهم الله تعالى أروع النماذج في ذلك ، حتى أصبحت تطالع في المصنفات ما يجعلك تكثر من الترحم عليهم ؛ فأي رجال هم ، تالله إنهم مفخرة وأي مفخرة .

[align=center]أولئك أبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع[/align]

وإليك طرفاً من أقوال السلف الصالح رحمهم الله في اغتنام أوقاتهم :
_ قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ، ندمي على يومٍ غربت في شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزددْ فيه عملي .( قيمة الوقت لأبي غدة ( 27 )
_ _وقال الحسن : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصا على دراهمكم و دنانيركم .( قيمة الوقت لأبي غدة ( 27 )
_ وانظر في الحادثة العجيبة مع أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله ، وهو في النزع يشغف بالعلم ( قيمة الوقت لأبي غدة ( 28 )
_ والأَعجب أنه حين توفي ابنه أوكل من يقوم على تجهيزه ودفنه ؛ لأنه يحضُر درساً لأبي حنيفة ، فخشي أن يتحسَّر على ذلك . ( قيمة الوقت لأبي غدة ( 30 )

فالنماذج تطول .
وإياك أيها البطَّال من تضييع وقتك ؛ فتغرم ، أو تضييع أوقات أهل العلم ؛ فتأثم .
ومن رام الزيادة ؛ فلينظر لجمل الكتب في الإفادة ( قيمة الوقت للشيخ العلامة أبي غدة رحمه الله )

3_ أجوبة العالم المفحمة :
قال الداودي رحمه الله عنه : ( وسأله شخصٌ : ما الفرق بين مصنفاتك ، ومصنفات رفيقك المحاملي ؟ _ مُعرِّضاً بان تلك أشهر .
فقال : الفرق أن تلك صُنِّفت بالعراق ، ومصنفاتي صنفت بالشام ) ( 1/ 203 )

قال مُقَيِّدُه غفر الله له :
فيه مسائل :
الأولى : من هو المحاملي وما قيمة مصنفاته ؟
هو أبو الحسن أحمد بن محمد الضبي المحاملي شيخ الشافعية ( ت 415هـ ) كان منقطع النظير في الذكاء . من شيوخه أبو حامد الإسفرائيني ، حتى قال عنه : هو اليوم أحفظ للفقه مني . تاريخ بغداد ( 4/373 )
والمحاملي نسبة إلى عمل المحامل الذي يركب فيها في السفر‏ .
وهو يُعدُّ من قران أبي الفتح سليم الرازي ، وهما معاً أخذا الفقه عن أبي حامد ولكل منهما تعليقه عنه
ومصنفاته : المجموع ، والمقنع ، والقباب ، وهي كلها في فقه الشافعية . وصنف في الخلاف أيضا‏ًً
وقد ترجم له السُّبكي في طبقاته ، وعَدَّ له من الغرائب في المذهب ؛ فطالعه ( 4 / 48 ) برقم ( 265 )

الثانية : فطنة العالم من الوقوع في أقرانه وأهل الفضل :
لقد كان الشيخ أبو الفتح الرازي رحمه الله فطناً في هذا السؤال ؛ فقد يكون هذا السائل أراد سوءً ووقيعة بأهل العلم ؛ لينتقص منهم ؛ ولكنَّ جلالة العلم وحرمته وقفت سداً منيعاً أما هذا السائل ، وجعلته لا يظفر بمراده ، وفيه بيان صرف النظر عن مثل هذه الأمور التي لا تنفع في المقارنة بين أهل العلم ؛ فحسب أن العلم قَسْمٌ ، يُقسِمهُ الله بين عباده ، والله يوفق لكلٍّ بابه في منفعة الإسلام والمسلمين .
فرحم الله أبا الفتح ، ما أسدَّ رأيه ، وأبعد نظره ، وهكذا فليكن علماء هذا الزمان .

الثالثة : في الحكم على الكتب :
ينبغي لطالب العلم قبل أن يحكم على الكتب ، أن يعرف الملابسات التي كانت تحفُّ به وقت تأليفه ؛ وزمنه ، فقد تلومه وله عذر في ذلك .
وما أروع قول ابن الأثير حين اعتذر عن أبي عبيدة حين ألف أوراقاً في غريب الحديث قال : ( ولم تكن قِلَّتُهُ لجهله بغيره من غريب الحديث ، وإنما كان ذلك لأمرين :
أحدهما : أن كلَّ مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ، ومبتدعٍ لأمر لم يُتقدَّم فيه عليه ؛ فإنه يكون قليلاً ثم يكثر ، وصغيراً ثم يكبر .
والثاني : أن الناس يومئذ كان فيهم بقية وعندهم معرفة ؛ فلم يكن الجهل قد عمَّ ، ولا الخطب قد طمَّ . ) النهاية ( 1/ 5 )
والكلام في هذا الأدب يطول ، وحسب المقام التنويه .

الرابعة : من أمثلة الإجابات المفحمة :
ما ذُكِر أن رجلاً قال لعلي رضي الله عنه :
ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية ، وخلافتك أنت وعثمان منكدرة ؟
فقال رضي الله عنه للسائل : لأني كنتُ أنا وعثمان من أعوانِ أبي بكر وعمر .
وكنتَ أنتَ وأمثالك من أعوانِ عثمان وأعواني . مرآة الجنان (1 / 54)


والله أعلم
وإلى مشاركة قادمة .
 
عودة
أعلى