الأخوة الأفاضل
الهدف من النقاش الوصول للحق و لذا يرجى التركيز على ما أكتبه و مناقشته حرفيا بدلا من إحالتي إلى روابط أو نقل أقوال للعلماء لا تتناول الرد على كل ما أقوله فيصبح الحوار بلا طائل . كما أن هذه المسألة ليس فيها إجماعا فلا يحاول أحد أن يوهم أن هذا الكلام خروج عن الإجماع .
المتفق عليه بين العلماء أنه لا يجوز القول بالنسخ مادام هناك سبيلا للتوفيق بين النصوص و الجمع بينها !
وقد قلت أن لفظ (
الذين أوتوا الكتاب ) و(
أهل الكتاب ) يدل على من أسلم منهم ومن كفر ، و دليل ذلك :
1/ (
و إن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله و ما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله )
آل عمران 199
و لاحظ قوله (
وما أنزل إليكم ) أي إلى الرسول ، ورغم إيمانهم به إلا أن صفة أهل الكتاب لم تسقط عنهم لأن ليس فيها دلالة على إنكار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
2/ (
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله ءاناء الليل و هم يسجدون ) آل عمران 113
3/ في آية الجزية (
و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ) التوبة 29 فدل ذلك على أن الذين أوتوا الكتاب منهم المسلمون الذين يدينون دين الحق و منهم من لا يدين دين الحق .
و الأمثلة كثيرة .. و نخرج من ذلك بقاعدة مؤداها أن وصف (
الذين أوتوا الكتاب ) يشمل من آمن منهم ومن كفر .
نعود إلى آية سورة المائدة :
(
اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم ،و المحصنات من المؤمنات و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهم محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان و من يكفر بالإيمان فقد حبط عمله و هو في الآخرة من الخاسرين )
ما الذي يجعلنا نقول أن المراد في الآية ب (المحصنات من الذين أو توا الكتاب) هو من آمن منهن فقط ؟
1/ وصف المحصنات لم يأت قط إلا في وصف المؤمنات ( كما أوضحت في ثانيا بالموضوع الأساس ) ، الحرائر منهن والمتزوجات و العفيفات . فأنا لم أقل أن المراد بالمحصنات هو المؤمنات كما ظن الأخ فهد الوهبي و لكني قلت أن هذه الصفة اختصت كل الآيات المؤمنات بها فأصبحت تدل عليهن . فدل ذلك على أن (
المحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) تعني من آمن منهن .
و قد يسأل سائل :
إذا كان الذين أوتوا الكتاب منهم من آمن ومنهم من كفر (اليهود والنصارى) فلم دلت الآية على المحصنات المؤمنات منهن ، بينما اكتفت بلفظ ( الذين أوتوا الكتاب ) رغم عدم اقتصاره على المؤمنين منهم ؟
لماذا لم يقل الله مثلا ( و المحصنات من الذين أتوا الكتاب ويدينون دين الحق ) لرفع هذا اللبس ؟
و الجواب :
إن المرأة من الذين أوتوا الكتاب قد تؤمن بينما تبقى أسرتها على الكفر ، و لكنها رغم إيمانها تحمل صفة ( أهل الكتاب ) و أهلها يحملون نفس الصفة رغم بقائهم على الكفر ، و ربما وجد المسلمون حرجا في الزواج بمن كانت هذه حالها . فجاءت الآية لرفع هذا الحرج .
وكذلك ربما وجد المسلم حرجا في الزواج بمن أسلمن من المشركين و المجوس والصابئين مع بقاء أسرهن على الكفر و لذلك قال تعالى (والمحصنات من المؤمنات ) و لم يقل ( من المؤمنين ) ليشمل ذلك تلك الفئة التي بقيت أسرتها على الكفر ؟
2/ انتهت الآية بقوله تعالى (
ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله و هو في الآخرة من الخاسرين ) فكأن الله تعالى ينبه إلى أن إباحة النكاح من المؤمنات من الذين أوتوا الكتاب لا يعني إسقاط البراء من الكافرين منهم ( اليهود والنصارى) خاصة في حال بقاء أسرة المرأة على الكفر .
3/ القول بالنسخ لن يعني نسخ قوله تعالى (و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) فقط ، بل سيعني نسخ عقيدة الولاء والبراء بالكامل ، و على هذه الآية يلعب العصرانيون و أصحاب المدرسة العقلية ومن لف لفهم محاولين التنصل من عقيدة الولاء والبراء ، لأن الزواج بالكتابية لن يعزلها عن أسرتها و سيجد المسلم نفسه مضطرا إلى مخالطة اليهود أو النصارى وموالاتهم من باب صلة الرحم .
و لمزيد من التوضيح نقول :
# في الأثر المرفوع ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) فهل سيخرج المسلم زوجة الكتابية ؟
# ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعض و من يتولهم منكم فإنه منهم ) المائدة ، فهل سيتبرأ المسلم من زوجه وأهلها ؟
# ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) المجادلة
و لا حظ (ولو كانوا ) مما يدل على عدم الاستثناء مهما بلغت صلة القرابة كحال الآباء والأبناء فكيف بالزوجات وأسرهن .
# ( و لا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم ) الأحزاب
# ( الأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف ، فإن عادى المسلم زوجته الخليلة يوم القيامة فهو ليس من المتقين !!
# ( و أعرض عن الجاهلين ) الأعراف
و الآيات كثيرة ، لا يمكن القول بالتخصيص مادام هناك سبيلا للجمع بين النصوص كما بينت .
و الآن سنقوم بالرد على بعض ما أورده الأخوة المشاركون :
إن من فقه العبد عدم تناول المسائل الاجتهادية الخلافية بالقطع فيها بحكم معين
للصواب واحد ، و في المسائل الخلافية يكون الصواب قولا واحدا ، والباقي خطأ ، و إذا قبلنا قولين في مسألة واحدة فهذا يخرج عن حدود المعقول .
قال الإمام المزني
يقال لمن جوز الاختلاف و زعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة فقال أحدهما حلال والآخر حرام أن كل واحد منهما في اجتهاده مصيب الحق : ( أبأصل هذا أم بقياس ) فإن قال: بأصل ، قيل له : كيف يكون أصلا والكتاب ينفي الاختلاف ، و إن قال : بقياس ، قيل له : كيف تكون الأصول تنفي الخلاف ويجوز أن تقيس عليها جواز الخلاف ؟ هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم ) جامع بيان العلم لابن عبد البر ( 2/89)
و لذا لابد من القطع بالحكم في المسائل الخلافية لأن إقرار الخلاف غير جائز أصلا .
ذهب جمهور العلماء إلى صحة نكاح الكتابية استدلالاً بالآية التي ذكرت ، حيث جمع الله فيها بين المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب فدل على الإباحة ، وفرق الله بينهما فدل على التفريق
.
التفريق هنا لاختلاف الحال و ليس لاختلاف العقيدة كما أوضحت ، فحال المؤمنة في الأسرة المسلمة تختلف عن حال المؤمنة من أهل الكتاب و التي قد تبقى أسرتها أو عشيرتها على الكفر .
وذهب الصحابي الجليل ابن عمر وجمع من العلماء إلى عدم الجواز قالوا : لا فرق بين المشركات وبين من جعلت عيسى إلهاً . وقال به الإمامية .
و هل ابن عمر وهؤلاء العلماء من الإمامية ؟
وقال بعض العلماء : ليس هذا نسخاً فإن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب بدليل قوله تعالى : ( لم يكن الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ) وقوله : ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) ، قال ابن قادمة : " وسائر آي القرآن يفصل بينهما ، فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب ".
و هل العطف في هذه الآيات يقتضي المغايرة التامة فقط أم المغايرة الجزئية أيضا ؟
وصف من كفر من أهل الكتاب بالشرك ثابت ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) التوبة 31
ولذا عند إطلاق لفظ المشركين فلا ريب أنه يشمل كل من وُصف بالشرك مادام جاء مفردا . و ليس مقرونا كما في الآيات السابقة .
لا يجوز تحكيم شرع الله تعالى لحكم العقل . فلا يقال فيما أبحاه الله تعالى كيف يُعقل ذلك ولا فيما حرمه كذلك . ولعل هذا من فضل علمكم رعاكم الله
.
نعم لقد أخطأت في قولي ( فهل يعقل ) .. لا بأس ..
أن أهل الكتاب لم يدخلوا في المشركين , فجعل أهل الكتاب غير المشركين , بدليل قوله : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا } . فإن قيل : فقد وصفهم بالشرك بقوله : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } . قيل : أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك , فإن الله إنما بعث الرسل بالتوحيد , فكل من آمن بالرسل , والكتب , لم يكن في أصل دينهم شرك , ولكن النصارى ابتدعوا الشرك , كما قال : { سبحانه وتعالى عما يشركون } بحيث وصفهم بأنهم أشركوا , فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به وجب تميزهم عن المشركين ; لأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك . فإذا قيل : أهل الكتاب لم يكونوا من هذه الجهة مشركين , فإن الكتاب الذي أضيفوا إليه شرك فيه
و لذا قلت أن أهل الكتاب يطلق على من آمن منهم و من كفر ، فهذا القول يؤيد ما أدرجته سالفا .
و لكن من كفر منهم يدخل في المشركين و هم اليهود والنصارى و الأية ( و قالت اليهود عزير بن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله …………… سبحانه عما يشركون ) ، و لا يشرك إلا المشرك ، فعندما يقول الله تعالى ( يشركون ) فقد حسم الله الأمر في إشراك اليهود والنصارى ، ولا يجوز أن نقول عليهم ليسوا مشركين .
قال { عما يشركون } بالفعل , وآية البقرة قال فيها المشركين والمشركات بالاسم , والاسم أوكد من الفعل .
( الإسم أوكد من الفعل ) لا تعني أن الفعل لا يثبت الصفة كما يثبتها الاسم . و من ادعى أن الفعل لا يثبت الصفة فعليه الدليل .
وأما قوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فإنها نزلت بعد صلح الحديبية , لما هاجر من مكة إلى المدينة , وأنزل الله سورة الممتحنة , وأمر بامتحان المهاجرين , وهو خطاب لمن كان في عصمته كافرة , واللام لتعريف العهد , والكوافر المعهودات هن المشركات .
لم أستشهد بهذه الآية أصلا .