موضوع للنقاش: هل يجوز الاختيار في زماننا هذا ؟!!!

عمر بن علي

New member
إنضم
22 فبراير 2012
المشاركات
182
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم

كنت قد قرأت بعض التعقيبات لمشايخنا الأفاضل على موضوع الاختيار وخاصة بعد تكلم الشيخ الدكتور إيهاب فكري في هذه المسألة، وكانت هذه المسألة قد دارت في ذهني منذ مدة، ولكني انشغلت عنها بغيرها فلم أكتب فيها،وأحاول أن أعرض ما وصلت له أولا، وأنتظر تصحيح وتعقيب أصحاب الفضيلة -خاصة شيوخنا العلامة عبد الحكيم عبد الرازق والعلامة محمد الحسن، فأقول وبالله التوفيق:​
الأمر دائر بين احتمالين لا ثالث لهما، إما أن يكون الاختيار جائزا أو غير جائز...

فإن قلنا أنه غير جائز وأنه انتهى عند الأئمة العشرة لما اختاروا قراءتهم وتلقت الأمة قراءتهم بالقبول، قلنا إذن فلا وجه لكلام ابن مجاهد رحمه الله أصلا...

وإن قلنا أنه جائز، فلا وجه لمنعه في عصرنا دون باقي العصور، حيث لا دليل على المنع في زمان دون غيره...

فإن قبلنا الاختيار عامة فهو دائر بين أمرين أيضا:

إما أن يكون الاختيار لبعض الأحرف، من باب ما فعله الإمام ابن الجزري وقبله الإمام ورش رضي الله عنهما...
وإما أن يكون اختيار قراءة بأصول ثابتة بالإسناد الصحيح...

والاحتمال الأول:لا يوجد مانع له طالما أن القارئ التزم بما قرأ على شيوخه واختار من هذه الأحرف ما صح عن الأئمة مع عدم نسبة القراءة إلى إمام معين طالما أنه لا يروي حرفه، إنما يروي أحرفا مسندة للنبي صلى الله عليه وسلم دون التزام بطريق واحد، او يوضح أن ما يقرأ به هو اختياره، مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قراءات عديدة...

وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون اختيار قراءة تامة تنسب إليه، فهذه أيضا لا دليل على منعها، حيث أن الأصل في الروايات المنقولة إلينا بالإسناد الاختيار، فمن المعلوم أن الإمام نافعا -مثلا- قرأ على سبعين من التابعين واختار من بين قراءاتهم قراءته، ولم ينص على كل حرف أنه قرأه على فلان، وحرف كذا قرأه على فلان ، بل أسند قراءته لشيوخه ثم أعلن أنه اختياره من بين ما قرأ...

فإن أتى واحد في زماننا هذا وقال أني اخترت من بين القراءات العشر قراءة أنسبها لنفسي مع إسناد متصل للأئمة، بما قرأته على مشايخي متصلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم صح ذلك نظريا، ولكن عمليا :

من الأولى أن يغلق هذا الباب تماما مع بيان جوازه للعلماء والمتخصصين، ولا يعرض مثل ذلك على العامة لعدة أسباب أولها:
أن هذا الباب قد يأتي بمفاسد لا يعلمها إلا الله، فإن القارئ في زماننا هذا إن قرأ ببعض القراءات التي صحت كما هي في بلد لا يقرأ أهلها بما يقرأ هو، لفتن كثيرا من الناس حيث أنهم لم يعتادوها ولقامت فتنة، فما ظنكم برجل يقرأ بقراءة لم يعتدها عامة المسلمين ولا حتى علماؤهم؟!!!!
فالأولى أن يغلق هذا الباب سدا للذرائع...

ثانيا: أنه باب عظيم قد يفتح على الكثيرين أبواب الرياء والسمعة والشهرة، وهذا ما لا يسلم منه الكثير- إلا من رحم ربي-، وإلا فما فائدة اختيار قراءة في مثل هذا الزمان الذي قل فيه من يتقن ما روي أصلا، فضلا عن أن يتقن ما يختاره ويقرئ به ويتقنه غيره...

ثالثا: قد يكون سببا لانصراف الناس عن تعلم القراءات أصلا، فبمثل هذه الاختيارات قد يزداد العدد جدا حتى لا يدرك الناس لا العشر ولا ما فوق ذلك...وغيرها من الأسباب التي يدركها أهل الفطنة والإتقان والتدبر...والله تعالى أعلى وأعلم
وبانتظار تعقيبات مشايخنا الأفاضل على هذا الموضوع
وجزاكم الله خير الجزاء​
 
لا شك أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً,ولاشك أنه عمل قام به السلف من الصحابة, وإن كان معناه ضيقاً عندهم ثم توسع بعد ذلك مدلوله عند التابعين, وكانت دوافعهم في ذلك الخوف من أن يدخل أهل البدع والأهواء في القرآن ما ليس فيه, وكذلك التيسير على الناس وجمعهم على المتواتر كل هذا كان من الأسباب التي أدت إلى الاختيار, وعلى هذا فإن انتفت بعض الدواعي وبقي بعضها لا يلزم منه ذهاب الحكم بالكلية.
ولأن من دواعي الاختيار التيسير على الأمة؛ فيبقى الاختيار ما كانت الأمة محتاجة إلى ذلك, وكذلك يجب أن تتحقق الشروط فيمن يريد أن يختار, ومعلوم أنه لا يوجد في يومنا هذا قراءة متواترة خارج العشر, وعلى هذا فليس لأحد أن يختار خارج العشر.
ويمكن إيجاز العبارة فيقال: الرخصة في الاختيار لا تزال باقيةً بدلالة النصوص الدالة على التيسير والتخفيف, ولكن يصعب الجزم بوجود الأهلية التي اشترطها الأئمة الأعلام فيمن يحق له الاختيار.
يقول الإمام ابن الجزري:"وليعلم أن ليس المراعى في الأحرف السبعة المنزلة عددا من الرجال دون آخرين ولا الأزمنة ولا الأمكنة ، وأنه لو اجتمع عدد لا يحصى من الأمة فاختار كل واحد منهم حروفا بخلاف صاحبه وجرد طريقا في القراءة على حدة في أي مكان كان وفي أي أوان أراد بعد الأئمة الماضين في ذلك بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف بشرط الاختيار ،لما كان بذلك خارجا عن الأحرف السبعة المنزلة ، بل فيها متسع إلى يوم القيامة ".النشر (1/43)
 
فإن أتى واحد في زماننا هذا وقال إني اخترت من بين القراءات العشر قراءة أنسبها لنفسي مع إسناد متصل للأئمة، بما قرأته على مشايخي متصلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم صح ذلك نظريا،
السلام عليكم
شيخنا الحبيب عمر بن على المسألة سهلة جدّا ، لو حددنا محل النزاع ، وما هو الاختيار الذي نودّ مناقشته ؟
أسمع الناس يقولون : أختار ابن الجزري قراءة فجاز لنا أن نختار . (اشمعنى ابن الجزري احسن مننا ) .
ابن الجزري لم يختر قراءة منفردة لنفسه ،وإلا أين هذه القراءة ؟ومن رواه من طلبته ؟
ونسأل أنفسنا هل هناك اختيار لقراءة سوى قراءة من كانوا في زمن الاختيار ؟ فإن وجدت .. أين هى ؟
فاختيار ابن الجزري كان اختيارا من جهة الأوجه للقارئ ، والقراءة موجودة لنفس القارئ إلا أنه من طريق آخر مثلا .
لا أنه دمج عدة قراءات واختار لنفسه قراءة من المجموع ..وقد ذكرتُ المفاسد التي تقع من فتح هذا الباب .
وكنتُ تعجبت قديما من قول ابن حجر وهو يجيز الخلط بين القراءات قائلا : وقد شاع في زماننا من طائفة من القراء إنكار ذلك حتى صرح بعضهم بتحريمه فظن كثير من الفقهاء أن لهم في ذلك معتمدا فتابعوهم ،
وقالوا: أهل كل فن أدري بفنهم ، وهذا ذهول ممن قاله ، فإن علم الحلال والحرام إنما يتلقى من الفقهاء ، والذي منع ذلك من القراء إنما هو محمول على ما إذا قرأ برواية خاصة فإنه متى خلطها كان كاذبا على ذلك القارئ الخاص الذي شرع في إقراء روايته فمن أقرأ رواية لم يحسن أن ينتقل عنها إلى رواية أخرى كما قاله الشيخ محي الدين ، وذلك من الأولوية لا على الحتم أما المنع على الإطلاق فلا ، والله أعلم )ا.هـ

هذه ليست للفقهاء لأن جواز القراءة بهذا الوجه ،وعدم جوازها ما دخل الفقهاء بذلك ؟ ألم يحل الإمام مالك حكم البسملة للإمام نافع ؟

وأثبت دليل على منعه عدم وجود هذا الكلام من أصله ، إنما هو تأصيل في الحكم لا حقيقة على الواقع .

والسلام عليكم



[FONT=&quot][/FONT]
 
مولانا الشيخ عبد الحكيم جزاكم الله خيرا على ردكم، ولي بعض استفسارات لزيادة الإيضاح:
قلتم-رفع الله شأنكم- : ونسأل أنفسنا هل هناك اختيار لقراءة سوى قراءة من كانوا في زمن الاختيار ؟ فإن وجدت .. أين هى ؟
والسؤال: ما هو زمن الاختيار؟ وهل هناك نص يدل على أن هناك زمنا دون آخر يجوز فيه الاختيار، خاصة أن كلام الإمام ابن الجزري على غير هذا-في فهمي القاصر-؟ وعدم وجود اختيار غير العشر، لا ينفي صحته-إن وجد-...
فأرجو من فضيلتكم توضيح هذه النقطة؟
ومقصدي من الكلام: أن المنع من الاختيار في زمننا ليس منع الاختيار لذاته إنما لعلة طارئة وهي سد الذرائع مثلا أو خوفا من الفتنة أو عدم اكتمال شروط الاختيار في شخص معين أو ما شابه ، لكن منع الاختيار مطلقا هذا ما أرجو من فضيلتكم توضيح الدليل عليه، وجزاكم الله خيرا
 
مولانا الشيخ عبد الحكيم جزاكم الله خيرا على ردكم، ولي بعض استفسارات لزيادة الإيضاح:
قلتم-رفع الله شأنكم- : ونسأل أنفسنا هل هناك اختيار لقراءة سوى قراءة من كانوا في زمن الاختيار ؟ فإن وجدت .. أين هى ؟
والسؤال: ما هو زمن الاختيار؟ وهل هناك نص يدل على أن هناك زمنا دون آخر يجوز فيه الاختيار، خاصة أن كلام الإمام ابن الجزري على غير هذا-في فهمي القاصر-؟ وعدم وجود اختيار غير العشر، لا ينفي صحته-إن وجد-...
فأرجو من فضيلتكم توضيح هذه النقطة؟
ومقصدي من الكلام: أن المنع من الاختيار في زمننا ليس منع الاختيار لذاته إنما لعلة طارئة وهي سد الذرائع مثلا أو خوفا من الفتنة أو عدم اكتمال شروط الاختيار في شخص معين أو ما شابه ، لكن منع الاختيار مطلقا هذا ما أرجو من فضيلتكم توضيح الدليل عليه، وجزاكم الله خيرا
السلام عليكم
يا شيخ عمر سأحكي لك الأمر من أوله .
المقروء به هو القرآن (كلمة للشيخ عامر عثمان ) ستجد في تاريخ القراء قاعدة جليلة ( ما استقرّ عليه الأمر ) تبدأ من كتابة المصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه ثم عهد عثمان رضي الله عنه واستقر الأمر على ذلك وأحرق الصحابة رضي الله عنهم مصاحفهم ، ثم كان دور القراء العشر واستقر الأمر عليهم ، وانقطعت الأخبار عن القراءات الأخرى وأصبحت في حكم الشذوذ ، والجمهور على التحريم بالقراءة الشاذة .
لاحظ معي ما يترك من القراءات لا يعودون إليه أبدا ، كقراءة الحسن البصري وابن محيصن وغيرهما ، ثم استقرّ الوضع للقراء العشر ، ولم نسمع عن اختيار نقل واستقر أمره ،وأصبحت الاتهامات تنال كل من تسوّل له نفسه ذلك .
فزمن الاختيار هو زمن القراء العشر ، وقضية المفسدة وسد الذرائع هى قضية ملازمة للاختيار ؛ فهى باقية في كل زمان ومكان ، فلا تختلف المسألة من كونها لذاتها أو للمفسدة لتلازم الأمر معا وعدم انفكاكهما ، حيث لا يمكن زوال المفسدة فيما بعد بحال من الأحوال ؛ فهى كالحكم الأصلي .
فلا يقال : إن الخوف قديما من ضياع هذه القراءات منعوا الاختيار ، ويصح في زماننا لانتفاء العلة .
فالعلة باقية أبدا ، فينتقل الحكم كاللأصلية .
فالقول بجواز الاختيار في أي زمن بعد استقرار الأمر قول شاذ لا يعول عليه ، وهو مخالف لما أجمعت عليه الأمة .والله أعلم
والسلام عليكم
 
شيخنا محمد يحيى شريف ، لي استفسار على ما طرحتم، جزاكم الله خيرا
وماذا كان قبل اختيار نافع لقراءته وعاصم لقراءته وغيرهما من الأئمة؟
وهل قرأ نافع بهذه القراءة على شيخ واحد ثم أسندها له إلى أن يصل إلى رسول الله ؟
أم أنه قرأ على غير واحد وأسند لهم قراءته في الجملة وكلهم ثقات ثم اختار الأحرف التي أقرأ بها؟
فإن جاز لنافع أن يختار من بين ما قرأ على شيوخه أحرفا معينة ويعرف بها ويقرئ بها فما الذي يمنعه عن غيره؟
ولو أن رجلا قرأ العشر ثم اختار أحرفا من قراءة نافع واختار أصول قراءة حمزة مثلا في الهمزات وأخذ أصول ورش في الإمالة وغير ذلك ، ثم نسب الاختيار لنفسه، وأسند قراءته بهذه الأحرف إلى شيوخه في القراءات العشر ومنهم إلى أصحاب هذه الأصول والأحرف ومنهم إلى رسول الله ، فما المانع الشرعي في ذلك ، وما دليل المنع؟
وجزاكم الله خيرا على سعة صدركم
قد قرأ نافع على سبعين من التابعين ، وهو إمام أهل المدينة في القراءة بلا منازع ، وقد قرأ عليه مالك وقال قراءة نافع سنة ـ وقد تلقى أهل المدينة بما فيهم الفقهاء والقراء قراءته بالقبول من غير نكير منهم. فمن كانت منزلته بهذه المثابة لا يحتاج إلى إسناد مرويّاته رواية رواية ، بل له الاختيار المطلق لأنّ قراءته تحوي الكثير من المصادر ، وتصدّره في المدينة يغنيه عن التقيّد في روايته بشيخ من الشيوخ ، وهو من أهل القرون المشهود لها بالخيرة. فالقراءة تنسب إليه ، ونسببتها تنتهي إليه لا إلى غيره.
خلافاً لورش فإنّه يروي عن نافع ، وروايته للقرءان تختصّ بروايته عن نافع ، والقراءة لا تُنسب إليه بل تُنسب إلى نافع ، وإنّما هو مجرّد راو عن نافع كبقيّة الرواة كقالون والمسيّبي وغيرهم.
فهل يجوز له أن يختار رواية لم يقرأ بها عن نافع ثمّ يُسندها إلى نافع. الجواب : لا يجوز
هل يجوز له أن يختار وجهاً صحيحاً وينسب ذلك لنفسه. الجواب نعم يجوز له أن يختار وجهاً وأن يقرأ به في الصلاة وفي غير الصلاة لكن لا يجوز له أن ينسبه إلى نافع ولا يجوز للأئمّة أن يدرجوا اختياره ضمن مروياته عن نافع ، والحمد لله فإنّ الأئمّة أدرجوه مع التنبيه عليه ، ومادام نبّهوا عن ذلك يجب أن لا نعامل اختيار ورش معاملة ما رواه عن نافع.

ولو أن رجلا قرأ العشر ثم اختار أحرفا من قراءة نافع واختار أصول قراءة حمزة مثلا في الهمزات وأخذ أصول ورش في الإمالة وغير ذلك ، ثم نسب الاختيار لنفسه، وأسند قراءته بهذه الأحرف إلى شيوخه في القراءات العشر ومنهم إلى أصحاب هذه الأصول والأحرف ومنهم إلى رسول الله ، فما المانع الشرعي في ذلك ، وما دليل المنع؟

ليس هناك مانع شرعيّ لأنّه قرءان ومن الأحرف السبعة. هذا جواب فقهي لا أنازع الفقهاء فيه.
لكن نحن القراء نمتاز بالرواية والإسناد ، ونحن ملزمون بذلك على سبيل الرواية وكلام ابن الجزري في النشر واضح لا غبار عليه.
يجوز لك أن تخلط بين الروايات لكنّك ستجيز بأيّ إسناد ؟ وكيف ستسمّي تلك الرواية أتسمّيها رواية ورش أم رواية هرش ؟
ستقول : أنسبها لنفسي. أي قراءة عمر علي. قراءة عن من ؟
الجواب : وبالتالي ستظهر الكثير من القراءات الجديدة : قراءة الشيخ عبد الحكيم وستكون بلا شك بالفرجة ، وقراءة الشيخ بوصو ، وقراءة الشيخ الجكني وقراءة الشيخ محمد ماديك.
ثم بعد ذلك سنحرّر هذه القراءات : فمن قرأ من طريق الشيخ عبد الحكيم تجب الفرجة ، ومن قرأ من طريق الشيخ بوصو يجب انطباق الشفتين ، وهكذا
ثم وداعاً يا الشاطبية ويا الطيّبة
وبعد ذلك فكّها يا شيخ عمر علي.
 
سيدي عمر بن علي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فتعلم أني كنت أمسكت عن الكتابة لفترة، ولكن شيئين يدفعانني إلى الكتابة مؤقتا لتوضيح وجهة نظري في المسألة، وهما حبي الشديد لك وتقديري لجهودك الجبارة في مجال القرآن.
سيدي عمر ! سبق أن ناقشنا هنا الدكتور/ عبد الرحمن الصالح في موضوع قريب من هذا، وبينا فيه وجهة نظرنا تبيينا لا يقبل التأويل، لأننا من الناس الذين يرون في غموض الكلام جبْناً ينم عن ضعف الشخصية وادعاء الوسطية.
لا بأس أن نعيد هنا ما نراه لتقيس مقدار الهوة التي تفصل بيننا وبين من يذهب مذهب الشيخ إيهاب، وهم كثر متفاوتون في الشجاعة والصراحة.
إنني أرى أن هذه القراءات العشر برواياتها وطرقها، حروفها وتجويدها وأدائها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعدُ لا يوجد صحيح غيرها. ولا يوجد اختيار، لا قراءة ولا رواية، لا يوجد البتة. وكلامي هذا يتمناه كل المسلمون لو وجدوا دليلا عليه. أليس كذلك ؟
ومع أننا جاهزون للنقاش في كل جزئيات الموضوع من الأزرق إلى إلى إدريس ، ومن نص القرآن إلى مد البدل، إلا أننا سنتاول هنا فقط اثنين من القراء ذكرتهما، وهما نافع وعاصم:
أما نافع فلم يرد عنه الاختيار، وإنما ورد عنه التأليف.
الاختيار أن تتعمد أخذ واحد أو أكثر لأنه أفضل مما تركته. وهذا لا يعني أن المتروك غير حسن، بل مفضول عند المختير، وقد يكون أفضل عند غيره. وهذا لم يفعله، لا نافع ولا غيره من القراء العشرة
التأليف في عبارة نافع هو التنقيح فقط. إذا علمت أن نافعا لم يقرأ على شيوخه الخمسة الذين تواتر أخذه عنهم قراءة حفظ وتعلم وإنما قراءة عرض وضبط، وأنه بعد القراءة ترك كل ما شذ عنه أحد مشايخه عن الباقين علمت مقدار ما يراه الناس اختيارا.
ثم كيف ينص الإمام مالك على سنية قراءته مع الاختيار ؟
أما عاصم الذي تعلم القرآن بالطريقة المذكورة في سيرته، والذي تقول الروايات أنه علم شعبة قراءته على زر، وحفصا قراءته على أبي عبد الرحمن السلمي، وقال بأن حديث "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" هو الذي أجلسه مجلسه، - تعلم وعلم - فلا أعرف كيف اختار. الحق أن هؤلاء الناس القائلين بالاختيار عجب في عجب
 
الحكم على الشيء فرع عن تصوره, ويظهر أن أصحاب الفضيلة المشايخ قد بنوا أحكامهم وفقا لتصوراتهم , ولذلك من الواجب قبل الخوض في هذه المسألة بيان حدها (التعريف الاصطلاحي) عند من يمنع أو من يجيز, حتى يحاكم كل صاحب رأي وفق تصوره لهذه المسألة , ولا شك أن تحديد موطن النزاع سيقطع على الجميع أشواطا كبيرة من النقاش هم في غنا عنها.
 
قال الإمام الداني:
"وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار المراد بها أن ذلك القارئ، وذلك الإمام، اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة، وآثره على غيره، وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به، وقصد فيه وأخذ عنه، فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد". (جامع البيان: 1 / 130)
 
الإمام ابن مجاهد يختار وكذا الإمام الداني

الإمام ابن مجاهد يختار وكذا الإمام الداني

قال الإمام الداني متحدثا عن كلمة {الناس} المجرورة:
"واختياري في قراءة أبي عمرو من طريق أهل العراق الإمالة المحضة في ذلك؛ لشهرة من رواها عن اليزيدي، وحسن اطّلاعهم، ووفور معرفتهم...
وقد كان ابن مجاهد رحمه الله يقرئ بإخلاص الفتح في جميع الأحوال، وأظن ذلك اختيارا منه واستحسانا في مذهب أبي عمرو، وترك لأجله ما قرأه على الموثوق به من أئمته؛ إذ قد فعل ذلك في غير ما حرف، وترك المجمع فيه عن اليزيدي، ومال إلى رواية غيره، إمّا لقوّتها في العربية أو لسهولتها على اللفظ، أو لقربها على المتعلّم.
من ذلك إظهار الراء الساكنة عند اللام، وكسر هاء الضمير المتصلة بالفعل المجزوم من غير صلة، وإشباع الحركة في {بارئكم} و{يأمركم} ونظائرهما، وفتح الهاء والخاء في {يهدى} و{يخصّمون}، وإخلاص فتح ما كان من الأسماء المؤنثة على فعلى وفعلى وفعلى، في أشباه لذلك.
ترك فيه رواية اليزيدي واعتمد على غيرها من الروايات عن أبي عمرو لما ذكرناه.
فإن كان فعل في {الناس} كذلك، وسلك تلك الطريقة في إخلاص فتحه، لم يكن إقراؤه بإخلاص الفتح حجة يقطع بها على صحته، ولا يدفع بها رواية من خالفه".
(جامع البيان: 2 / 737، 738)
 
الذي ذكره الحافظ في مشاركتي الأستاذ/ أبي نافع، محمد أيت عمران هو الحق، ولا يمكن لأحد بحال من الأحوال إثبات الاختيار من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن.
ولم أجد أحدا تكلم في موضوع الاختيار إلا جاء بمتشابهات النشر، أو ضوال الكلمات التي لم يقصد قائلها منها فهمه، أو بكلام مخطئ مثله، لا يمكن أن تقوم به حجة، أو أن الإمام أحمد كرِه قراءة فلان للكسر الكثير والإمالة، أو وكان لفلان اختيار، أو أن حفصا خالف عاصما في {ضعف} الروم إلى آخر الباب الأخير من كتاب الإقناع لابن الباذش.
قال محمد الحسن بوصو: من ترك النصوص الصحيحة الصريحة في أن القراءة سنة متبعة، وتسكع في نصوص مخالفة لها، موهمة، متضاربة، قابلة للجدل، ضل بلا شك، وأضل بلا تردد.
لا أدري كيف حافظ العرب على نصوص الشعر الجاهلي من دون أن يجرؤ أحد على تغيير شيء منه، لا في الوزن ولا في الشكل ولا في المعنى ثم يسمحوا لخيار أمة محمد صلى الله عليه وسلم بتحكيم أذواقهم اللغوية في القرآن ؟ لا أدري.
قال لي أحد أبرد المناقشين حججا: الفرق أن الشعر الجاهلي لم ترد فيه الرخصة، والقرآن وردت فيه رخصة سبعة أحرف. قلتُ له: ووددت لو قلتَ: ورد فيه التخيير، لا أدري هل فهم كلامي أو استعصت عليه إشارتي إلى حمقه وضلاله سواء النقاش
 
جزاكم الله خير الجزاء مشايخنا وعلماءنا وأخواننا على هذه الإجابات الماتعة، ويعلم الله أني لا أتمسك في هذه المسألة بقول دون آخر، ولكني أستفسر من مشايخي وأساتذتي، لعلهم يفيدونني، وقد فعلوا وزادوا، ويعلم الله أني أرفض تماما مسألة الاختيار هذه في زماننا أصلا ، وأعلم أنها باب شر كبير إذا فتحت، وقد تفتن الناس في دينهم، ولكني أردت نقاشها مناقشة علمية حتى يتبين لي وجه المنع منها، فإن كانت على سبيل سد الذرائع أو ما شابه، إذن فيكون الأصل فيها الجواز إلا أن المفاسد المترتبة عليها في زماننا هذا أكبر بكثير من أي مصلحة تعود علينا منها، وإن كانت غير جائزة في الأصل علمنا ذلك فأغلقنا بابها تماما...
وأسأل الله أن يجعل ما كتبتم في ميزان حسناتكم وأن ينفعنا بكم جميعا، وألا يحرمنا منكم ومن علمكم
ولو أني ما خرجت من هذه الموضوع بشئ إلا أن الشيخ محمد الحسن بوصو عاد للكتابة والإفادة لكفاني، فما بالكم بالخروج بمثل هذه الفوائد مع كتابة الشيخ...

أما الشيخ محمد يحيى شريف: أفكها أكتر من كده إيه يا مولانا :)
 
كم من إمام فاضـــــــــل معظم *** وماهر في علمـــــــــــــه مقدم
مشهر بالصدق والأمانــــــــــــــة *** والعلم بالقرآن والديانـــــــــــــة
لكنه شذ عن الجماعـــــــــــــــــة *** فلم ير الناس لذا اتباعــــــــــه
بل أسقطوا اختياره ومـــا روى*** من أحرف الذكر وكل ما قرا
إذ كان قد حـــــــــــاد عن الرواية ***ونبذ الإسناد والحكايـــــــــــة
عمن مضى من علماء النــــــاس *** وقــــال بالرأي وبالقيـــــــــاس
وخلط الصحيـــــــــــــــح بالسقيم *** والواهي المعلول بالسليـــــــم
فلا تجـــــوز عندنا الصـــــــــــــلاة *** بحــــــرفه ذاك ولا القـــــــــــراة
لأنه ليـــــــــس له اتصــــــــــــــــال *** بالمصطفى فهو لذا محـــــال
هذا الذي عليه الاجتمـــــــــــــاع ***وقاله الأصحاب والأتبــــــاع
الأرجوزة المنبهة (138,139).
 
قال الإمام الداني متحدثا عن كلمة الناس المجرورة:
"واختياري في قراءة أبي عمرو من طريق أهل العراق الإمالة المحضة في ذلك؛ لشهرة من رواها عن اليزيدي، وحسن اطّلاعهم، ووفور معرفتهم...
وقد كان ابن مجاهد يقرئ بإخلاص الفتح في جميع الأحوال، وأظن ذلك اختيارا منه واستحسانا في مذهب أبي عمرو، وترك لأجله ما قرأه على الموثوق به من أئمته؛ إذ قد فعل ذلك في غير ما حرف، وترك المجمع فيه عن اليزيدي، ومال إلى رواية غيره، إمّا لقوّتها في العربية أو لسهولتها على اللفظ، أو لقربها على المتعلّم.
من ذلك إظهار الراء الساكنة عند اللام، وكسر هاء الضمير المتصلة بالفعل المجزوم من غير صلة، وإشباع الحركة في بارئكم ويأمركم ونظائرهما، وفتح الهاء والخاء في يهدى ويخصّمون، وإخلاص فتح ما كان من الأسماء المؤنثة على فعلى وفعلى وفعلى، في أشباه لذلك.
ترك فيه رواية اليزيدي واعتمد على غيرها من الروايات عن أبي عمرو لما ذكرناه.
فإن كان فعل في الناس كذلك، وسلك تلك الطريقة في إخلاص فتحه، لم يكن إقراؤه بإخلاص الفتح حجة يقطع بها على صحته، ولا يدفع بها رواية من خالفه".
(جامع البيان: 2 / 737، 738)

اختيار ابن مجاهد أو غيره لوجه من الأوجه على أساس رأي محض مع مخالفة الأداء المتلقّى عن الشيوخ غير مقبول ، ولو قال به من قال ، وصنعه من صنعه لأنّ ذلك مخالف لكلّ ما ينقل بالتسلسل والإسناد والرواية ، فالقراءة سنة متّبعة لا مجال للرأي فيها إلاّ عند الحاجة والضرورة. قال الداني عليه رحمة الله تعالى : "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر" (جامع البيان ص172).
فالإمام قد يختار وجهاً لنفسه يُعْمِلُهُ عند مجرّد التلاوة سواء في الصلاة وغير الصلاة ما دام الوجه صحيحاً ومن الأحرف السبعة. لكن لا يجوز له أن يُدخله ضمن مروياته ويُسنده إلى شيوخه إن لم يقرأ به عليهم إذ هو ملزم بالرواية إذا روى وأسند. فالإسناد هو الحاكم ، والكلّ يخضع له ، وهذا أصل متين لا ينبغي أن نتساهل فيه ، فميزة النشر هو في الأسانيد ، والتحريرات مبنيّة على الطرق والمصادر والاسانيد ، والأمّة المحمدية تمتاز عن غيرها بالإسناد ، والإسناد كناية عن المتابعة ، فمن أخلّ بهذه المتابعة لم يعد للإسناد قيمة ولا دور إلاّ أسماء توضع على الإجازات لا أكثر ولا أكثر.
ويُستنى من ذلك الوجه الضعيف الذي انفرد به بعض الرواة ولم يكن مشهوراً متلقّى بالقبول أو لم يتوفّر فيه شرط من الشروط المعتبرة عند أئمّة الأداء ففي هذه الحالة جاز إهماله وإعمال الوجه المشهور ، كما هو صنيع المحققين وفي طليعتهم ابن الجزري.
 
ما جاء في محاضرة الشيخ حفظه الله عن الاختيار أظنه والله أعلم مدخل لضبط قواعد التحريرات التي كثرت وصدت الكثير من الطلبة عن القراءة بمضمن الطيبة ـــ كما ذكر الشيخُ في المحاضرة ـــ فالشيخ أراد أن يبدأ الموضوع من البداية ويحدد سبب نشأة التحريرات .
أرى مشايخنا الفضلاء قد استثارهم هذا الموضوع وبدأت الفوائد تنهمر علينا من هنا وهناك ..
ولعلي ألعب دور مقدم برنامج الاتجاه المعاكس فأقول:
لكن في المقابل : من يُناقش الشيخ الإزميري رحمه الله فيما ذهب إليه من تحريم أو كراهة خلط الطرق كما ذكر في كتابه العمدة مع أنه لا يوجد دليلٌ نقليٌ على ما ذهب إليه أم أن هذه العبارة غير قابلة للنقاش والنقد عندكم حفظكم الله تعالى..
يقول الشيخُ الإزميريُ رحمه الله: ((و بعد فيقول العبد الفقير إلي عناية ربه القدير مصطفي بن عبد الرحمن الأزميرى أوصلهما الله إلي الجنة بلطفه أن جماعة من القراء قد التمسوا متى أن اجمع بعض الآيات التى اجتمع فيها الاختلاف من الوجوه والروايات من قراءات الأئمة العشرة على طريق النشر، احترازا عن التركيب ، لأنه حرام فى القرآن على سبيل الرواية أو مكروه كراهة تحريم كما حققه أهل الدراية))انتهى .
وإليكم هذه الفائدة العزيزة:
جاء في شرح طيبة النشر لمحمد بن حسن بن محمد بن أحمد المنيِّر السمنودي (1099-1199) مخطوط ما نصه :
((فائدة: اعلم أن ما قاله بعض علماء الروم الأفاضل وما وضعوه في كتبهم من علم القراءات وسموه تحريرات لطرق الروايات, ويعزونه للمتقدمين المحققين ويذكرون أشياء في هذا الشأن زائدة عما تلقاه القارئ عن مشايخه المحققين, ويمنعون أشياء تلقاها بالسماع والمشافهة منهم مع السند الصحيح المتصل, فلا يجوز الأخذ بما في كتبهم من ذلك بغير مشافهة ولا تلقي من العلماء النبلاء الثقات, وأنت خبير بأن القرآن له أركان وأعظمها التلقي بالسند الصحيح المتصل بسيد ولد عدنان, فلا يؤخذ كلام الله من الكتب والأسفار من غير تلق من العلماء المحققين الأخيار, فليس ذلك تحريراً للرواية وإنما هو خلط على أهل الدراية وإن كان منقولاً عن كتب [11/ب] العلماء الأفاضل فلا يقبله عقل عاقل لأن القارئ لا يعتمد إلا على ما تلقاه وما شافهه به شيخه وما له أقرأه وحفظه ووعاه, وليس له اعتماداً على ما سواه؛ لأن الدرك فيما أخذه من شيخه عليه, وما كان من صواب أو خطأ فهو منسوب إليه انتهى))
بارك الله فيكم ونفع بكم
 
أعتذر عن دخولي في الموضوع في وجود علمائنا الكبار بارك الله فيهم جميعا
لكن حدث معي أن زوجتي كان يصعب عليها قراءة ( ءاعجمي ) لحفص بالتسهيل فقلت لها هل تستطيعين قراءة ( أعجمي أو ءأعجمي ) فقالت نعم هذه سهلة فقلت لها إذا إقرئي هكذا فهذا وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا في قراءتها لنفسها لا على سبيل الرواية والاسناد.
أحبكم في الله
 
كلام الأزميري الذي نقله أخي الحبيب الشيخ طه يخضع للنقد والاعتراض لا سيما في مسألة التحريم ، يبق الأمر جلياً إن تعمّد الكذب في الرواية بإدخال شيء ليس فيها أو شيء ليس بقرءان أصلاً.
لكن فقط أريد أن أنبّه أنّ الأزميري ليس أوّل من حرّر الروايات بل سلك مسلك ابن الجزري في حكمه على الكثير من الأوجه بأنّها ليست من طرقها ، وليس بن الجزريّ أوّل من حرّر المسائل ، وسأذكر لكم ثلاثة نماذج ممن حرّروا وهم متقدّمون على ابن الجزري :

الأوّل : الإمام القيجاطي (ت 811 هجرية) في مسألة فتح ذوات الياء في أواخر الشمس والنازعات في نحو {ضحاها} و {تلاها} من طريق التيسير. قال ابن الجزريّ : "والذي عول عليه الداني في التيسير هو الفتح كما صرح به أول السور مع أن اعتماده في التيسير على قراءته على أبي القاسم الخاقاني في رواية ورش وأسندها في التيسير من طريقه ولكنه اعتمد في هذا الفصل على قراءته على أبي الحسن."(النشر 2/49). قال المنتوري : قال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي رضي الله عنه : "ما وقع للداني في التيسير من أنّ ورشاً يفتح ذوات الياء في رؤوس الآي إذا كان بعدها هاء في سورتي الشمس والنازعات عدا {ذكراها} فتخليط لا يعضده نظر ولا نقل"( شرح الدرر 1/466).

الثاني :الإمام المالقي (ت 705 هجرية) في مسألة إبدال الثانية ياء خالصة لورش في {هؤلاء إن} و {البغاء إن}. قال المالقي رحمه الله :"فاعلم أنّه إنّما أسند قراءته برواية ورش في التيسير عن ابن خاقان لا غير ، وابن خاقان هو الذي استثنى له هذين الموضعين فعلى هذا ليس في التيسير في هذين الموضعين في قراءة ورش إلاّ البدل." ثمّ قال "وظاهر مذهبه في التيسير الأخذ بجعلها ياء مكسورة في الموضعين ، والله أعلم."( الدرّ النثير ص363).

الثالث : الإمام بن الباذش (ت 540 هجرية). قال عنه بن الجزري في غاية النهاية : "وألف كتاب الطرق المتداولة في القراءات حرر أسانيده وطرقه ولم يكمله لمفاجأة الموت" (غاية النهاية 1/376). ومما يؤكّد أنّ بن الباذش كان محرّراً إفراده في كتابه الإقناع باباً سمّاه :"باب ما خالف به الرواة أئمّتهم".

وقد أكثر ابن الجزري التحرير في كتابه النشر وسبب ذلك كثرة المصادر والطرق والعزو مما أدّى به إلى تمييز الطرق والمصادر بصفة متميّزة ، وهذا ما يُفسّر قلّة المحرّرين عند القدامى لقلّة مصادرهم ، وقولي قلّة المصادر لا يعني قلّة الروايات. فكتاب الإقناع مصدره التيسير والتبصرة ، والشاطبية مصدرها التيسير وغيره ، وكتاب البستان يحوي على الكثير من المصادر فاحتاج إلى العزو والتمييز ، وأخيراً كتاب النشر الذي يحوي الكثير الكثير من المصادر.
فالأزميري لم يأت بجديد وإنّما سلك مسلك صاحب النشر ، وأوضح منهج التحرير بشيء من التوضيح والبيان والتأصيل لكنّه ليس معصوماً ومنهجه يخضع للنقد كغيره.
أمّا قضيّة الخروج عن الأداء المتلقّى ، فالمحرّر له يفعل ذلك إذا اجتهد ورأي أنّ الوجه الذي قرأ به لم يصحّ في الرواية أو الطريق ، وهذا صنيع ابن الجزري وغيره من المحققين إذ الكثير من الأوجه كانت ثابتة في الاداء ثمّ تركت لظهور علّة من العلل قدحت فيها.
فكلام السمنودي المنقول أعلاه ما هو إلاّ رأي ، وإلاّ فرأي الإمام المتولّي وغيره من كبار المحققين المصريين اتجاه الأزميري على خلافه كما هو معلوم.
والعلم عند الله تعالى.
 
ما جاء في محاضرة الشيخ حفظه الله عن الاختيار أظنه والله أعلم مدخل لضبط قواعد التحريرات التي كثرت وصدت الكثير من الطلبة عن القراءة بمضمن الطيبة ــ كما ذكر الشيخُ في المحاضرة ــ فالشيخ أراد أن يبدأ الموضوع من البداية ويحدد سبب نشأة التحريرات .
أرى مشايخنا الفضلاء قد استثارهم هذا الموضوع وبدأت الفوائد تنهمر علينا من هنا وهناك ..
ولعلي ألعب دور مقدم برنامج الاتجاه المعاكس فأقول:
لكن في المقابل : من يُناقش الشيخ الإزميري رحمه الله فيما ذهب إليه من تحريم أو كراهة خلط الطرق كما ذكر في كتابه العمدة مع أنه لا يوجد دليلٌ نقليٌ على ما ذهب إليه أم أن هذه العبارة غير قابلة للنقاش والنقد عندكم حفظكم الله تعالى..
السلام عليكم
كلامك في قضية التحريم والكراهة كرتني بجلسة جاء فيها بعض الشيوخ المهتمين بالفقه والأصول ، وهؤلاء يعتبرون القراء من أصحاب (الفتة ) أو (الدروشة ) ، وكأن حالهم يقول (مع تحريفي لبيت الزمخشري) :
وإن قلت : من أهل القراء وأهله ** يقولُن تَيْسٌ ، ليس يدري ويفهم .
وجاءت مسألة التجويد ، فأخبرتهم ـ وأنا واثق وفرحان بالطبع ـ بقول ابن الجزري : (من لم يجود القرءان آثم ) .
قالوا : هذه مسألة فقهية وابن الجزري من أهل القراءات والتجويد وليس هذا تخصصه .
فابن الجزري بالنسبة للقراء الفقيه والمحدث والقارئ وقل ما شئت ...
قلتُ لهم : ما هي شروط تولي القضاء ؟
فشعرت بهم وكأن حالهم يقول من هذا الذي يسئل في كل مكان ولا يحدد موضوعا ..ثم قالوا : كذا وكذا وأن يكون فقيها .
قلت لهم : ما رأيكم أن الجزري ولى القضاء مرتين في الشام وشيراز ، وأجازه ابن كثير بالفتيا ؟
المهم وصلت بأنها انفرادة .
وتحدثنا عن خلط القراءات وذكروا بأن ابن الصلاح في فتاويه ذكر الجواز وفلان وفلان .
قلت لهم : هل في هذا الزمان من يصلي بالناس بدون القراءة برواية قارئ ؟ قالوا : لا
وهل سمعتم من يجمع في الصلاة منفردا بخلط القراءة ؟ قالوا : لا... ولكن هناك من يصلى بقراءة في كل آية .
قلت لهم : عظيم هذا وجيد .. ألم يقرأ في كل آية براو من الرواة ، إذن هذا ليس خلطا ؛ لأن كل آية منسوبة لقارئ معين ،وليس لنفسه ..أليس كذلك ؟ قالوا : بلى .
فمادام يقصد راويا في كل آية ليس هذا هو الخلط المنهى عنه ، فهذا لم يخرج عن الرواية أصلا ،وهذا مثل من يقرأ كل ربع لراو .
فإذا كان لا يوجد من يخلط القراءة بعضها ببعض ،ولا يوجد من ينسبه لنفسه ، فهذا ما يسميه القراء الكذب في الرواية . وهذا حرام .
فالصورة غير موجودة فلم الحديث فيه ، ورحم الله الإمام أحمد عندما يسئل عن مسألة قال أوقعت ..لما تقع .
أما الشيخ يقصد مقدمة للتحريرات ؛ أعتقد عدم صحة القول ..لماذا ؟
لأنني قابلته في 2007 وسألته عن هذه المسألة قال بشرط أن ينسبها لنفسه ، ووقتها سكت حتى لا تضيع العمرة .
والسلام عليكم
 
فكلام السمنودي المنقول أعلاه ما هو إلاّ رأي ، وإلاّ فرأي الإمام المتولّي وغيره من كبار المحققين المصريين اتجاه الأزميري على خلافه كما هو معلوم.
بارك الله فيك شيخنا الكريم محمد
الكثير من مشايخ الإقراء المحققين يقولون بما يقول به السمنوديُّ مثل الشيخ عبدالفتاح القاضي والمعصراوي وغيرهم !
فالصورة غير موجودة فلم الحديث فيه
وضح لي يا شيخنا عبدالحكيم الله يحفظك فلم أفهم !!
 
سيدي الشيخ محمد الحسن بوصو عاودت قراءة ما خطه يراعكم المبارك، وأسأل الله أن يجزيك عني خير الجزاء، فقد شرفتني كلماتكم وهي وسام على صدري أعتز به وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال...

أما عن النقاش في هذا الموضوع، فأحببت أن ألخص النقاش في أمور أرجو من فضيلتكم ومن المشايخ الأفاضل أن توضحوها ، لعلها إن اتضحت يحسم الأمر في هذه المسألة، ألا وهي:
الفارق بين التحرير والاختيار والتأليف؟
وما أدلة جواز كل منها؟ وما أدلة المنع؟
وما هو الزمان الذي ابتدأ فيه كل من هذه الأصناف؟
وهل هناك دليل على جعله ممكنا في زمان معين، ممتنع في آخر؟
هذه بعض الأسئلة التي إن اتضحت أراها قد تحسم هذا الخلاف ويتبين لنا الصواب فيها إن شاء الله
بانتظار تعليقاتكم المباركة وجزاكم الله عنا خيرا
كما أنه من المفترض علي أن أشكر فضيلة شيخنا العلامة عبد الحكيم عبد الرازق وفضيلة الشيخ الحبيب محمد يحيى شريف أدام الله بهجته وأخي الحبيب الشيخ محمد آيت عمران، وأخي الحبيب الشيخ ياسين الأهدل، وقارءنا الحبيب ذا الصوت الرخيم طه الفهد ، وأخي الحبيب الشيخ هاني خليل ، على مشاركاتهم القيمة التي أسأل الله أن ينفعنا بها وألا يحرمنا من بركاتها...
 
قال الإمام الجعبري في شرحه على الشاطبية (ص 101)عند ذكره للقراءات والروايات والطرق:
"قاعدة: كل وجه ذكره عن راو من الرواة المتقدمين، أو طريق لها ينبغي أن يكون من الأوجه التي نقلها عن إمامه الذي عزاه إليه، لا التي رواها عن غيره، كإتمام اليزيدي باب: (بارئكم)، وضمه: (يوماً ترجعون)، ونصب: (معذرة)، وككسر شبعة باب: (يحسب)، ومده: (فارقوا)، وعلم من هذا خلل قوله: (وفي الروم صف عن خلف فصل) كما نبين" اهـ.
 
لعل قيمة النص الذي نقلتُه لكم عن السمنودي يمثل موقف بعض علماء القراءات من التحريرات بعد أن أصبحت علما مستقلا وأُفرد بالتأليف إذا علمنا أن الشيخ المنيِّر السمنودي ( ت 1099 ) هو من تلاميذ الشيخ مصطفى الأزميري (1) ( ت 1155 هـ ) حامل لواء التحريرات ومن أكثر المصنفين فيه ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإمام المتولي وجهوده في القراءات ص 145
 
[align=justify]
كنتُ أتمنى حين طرحَ فضيلة الشيخ إيهاب فكري هذه المسألة أن يبيّنَ رأيه فيها بيانا شافيا، ويدفع كل الاعتراضات التي تعتري قوله؛ لأن المسألة من الأهمية بمكان، وطرحها مجمَلة هكذا يضرُّ أكثر مما ينفع.
أقترحُ على شيخنا إيهاب -سلّمه الله- أن يفردَ لموضوع الاختيار محاضرة مطوَّلة يشرح فيها ما ترجَّح لدى فضيلته بالتفصيل والتدليل، وبعد ذلك يمكن للمشايخ مناقشة رأيه؛ لأنَّ النقاش لا يستقيم حتى يتبين رأي الشيخ في كل جزئيات المسألة، وما يترتَّبَ عليها من لوازم، والله أعلم.
[/align]
 
[align=justify]
كنتُ أتمنى حين طرحَ فضيلة الشيخ إيهاب فكري هذه المسألة أن يبيّنَ رأيه فيها بيانا شافيا، ويدفع كل الاعتراضات التي تعتري قوله؛ لأن المسألة من الأهمية بمكان، وطرحها مجمَلة هكذا يضرُّ أكثر مما ينفع.
أقترحُ على شيخنا إيهاب -سلّمه الله- أن يفردَ لموضوع الاختيار محاضرة مطوَّلة يشرح فيها ما ترجَّح لدى فضيلته بالتفصيل والتدليل، وبعد ذلك يمكن للمشايخ مناقشة رأيه؛ لأنَّ النقاش لا يستقيم حتى يتبين رأي الشيخ في كل جزئيات المسألة، وما يترتَّبَ عليها من لوازم، والله أعلم.
[/align]
السلام عليكم
يا شيخ ضيف الله ..تقبل الله طاعتكم والإخوة الأفاضل .
الكلام يا أستاذي واضح وصريح ، الشيخ يتحدث عن أن يتخذ القارئ اختيارا لنفسه من بين مروياته للقراءات التي تلقاها اسمع من الدقيقة 35:38 ثلاث دقائق فقط وسيظهر لك الأمر جليا . وخاصة موضوع الهذلي واختياره في الكامل ، وأنا أضيف إليه الجعبري فكثيرا ما يعقب بقوله واختياري كذا ..هل هذا معناه اختيار مستقل وينسب القراءة لنفسه ؟
أما قول الإخوة الأفاضل ـ مع احترامي الكامل لقدراتهم ـ فهذا من باب التعصب ، أو شدة الحب فيريدون الاعتذار له بأنه لعله لعله لعله لعله لعله يريد أن يمهد للتحريرات ، أو أنه صرح في موضع آخر بكذا ـ وأين الموضع الآخر ـ الله أعلم .
يا أخي ليست بيننا وبين أحد من المشايخ عدواة ؛ ولكننا نناقش أقوالا ، والرد والتعقب حق مكفول للشعب إلى يوم القيامة بالأدب وبعيدا عن القول الفاحش أو تناول ذوات الأشخاص .
وتعقُب الشيخ إيهاب على صاحب الفريدة كلام مشين ؛ إذ كيف يقال بأنه ليست له منهجية ؟ وكونه أخطأ في مسألة ، أو أخذ في مسألة بقول كذا في موضع وهو هو الشخص رفض قوله في موضع آخر هذا موجود عند الأئمة الكبار ، ولو سئل نفسه : لماذا قرؤوا بقصر البدل لابن غلبون من الشاطبية وتركوا إبدال بارئكم بالياء لابن غلبون نفسه لعلم أن الأمر ليس كما صوره هو .
ولا أريد أن أزيد ، حتى يتسن للجميع الذهاب للحدائق والمنتزهات ..وتقبل الله منا ومنم طاعتكم
والسلام عليكم
 
جزاك الله خيرا أخي الحبيب الشيخ ضيف الله على إشارتك لهذه النقطة، ولكني أحب أن أوضح أني فتحت هذا النقاس في موضوع مستقل لأجل ألا يحمل الكلام فيه على ما يتعلق بالشيخ إيهاب تحديدا وحتى لا يحمل أي كلام أو تضعيف قول على الشيخ حفظه الله، ولله الحمد قد سمعنا من مشايخنا آراءهم ونقولهم عن الأئمة بأريحية ودون التعرض لأحد أو حتى حمل الكلام على غير محمله...
أما عن رأي الشيخ إيهاب نفع الله به، فهو اجتهاد منه حفظه الله قد يصيب وقد يخطئ، كما أن لمشايخنا الأفاضل اجتهادهم الذي قد يصيب وقد يخطئ أيضا ونحن هنا بصدد عرض تلك الأقوال ومناقشتها مع مشايخنا الأفاضل بغية الاستفادة، وسواء وافقت المحصلة النهائية قول الشيخ إيهاب أو خالفته فالأمر واسع ولن يتوقف الاجتهاد على قول الشيخ بارك الله فيه...
فإن كانت بعض المسائل الخلافية لم تنحسم بقول السمنودي والزيات وعامر وعيون السود والضباع وغيرهم، فما بالنا بمن دونهم!!!
وجزاكم الله خيرا ونفع بكم وتقبل الله منا ومنكم...
وجزاكم الله خيرا شيخنا عبد الحكيم على تعقيبكم وتوضيحكم وأسأل الله ألا يحرمنا من فوائدكم وفرائدكم...
 
[align=justify]
جزاكم الله خيرا.
أولاً: أحبُّ أن أوضِّحَ أني لا أدافعُ في هذا الموضوع عن رأي الشيخ إيهاب فكري، لكني ذكرتُ رأياً شخصياً أراه أقرب إلى الإنصاف، ولا أبرئ نفسي من الخطأ.
ثانياً: انتقد أخي الشيخ عبد الحكيم رأي الشيخ إيهاب فكري في فريدة الدهر، ومن باب الإنصاف؛ فإن الشيخ إيهاب يعترف بأنها عمل عظيم، وذكر أن بعض الناس استكثرها على الشيخ محمد إبراهيم سالم -رحمه الله-؛ لما فيها من الجهد الكبير.
وقد سمعتُ أنا العبد الفقير ضيف الله من بعض المشايخ إنكار نسبة الفريدة للشيخ محمد إبراهيم سالم، ويرون أنها للشيخ علي الضَّبَّاع، واتضح لديّ أنه ليس لديهم أي أدلّة على هذا الإنكار سوى انبهارهم بالمجهود العظيم، والتحقيق العجيب الذي حوته فريدة الدهر.
[/align]
 
[align=justify]
ثانياً: انتقد أخي الشيخ عبد الحكيم رأي الشيخ إيهاب فكري في فريدة الدهر، ومن باب الإنصاف؛ فإن الشيخ إيهاب يعترف بأنها عمل عظيم، وذكر أن بعض الناس استكثرها على الشيخ محمد إبراهيم سالم -رحمه الله-؛ لما فيها من الجهد الكبير.
[/align]
السلام عليكم
شيخنا الكريم ..يمكنني أن أمدح شيئا ، ثم أنسف صاحبها بكلمة واحدة .
ما فائدة القول : إن هذا العمل عظيم ، ومجهود رائع وكبير ، ثم أعقب بقولي : إنه لا يسير على منهجية ... فماذا تعني هذه الكلمة لديكم ؟ تعني لديّ أنه جامع حطب بليل ، يكتب بلا منهجية ..
ولكن يمكنني حصر الأخطاء ، أما التناقض بمنهجية الشيخ إيهاب فليضع ابن الجزري أيضا في هذه القاعدة كما أسلفت وقدمت .والله المستعان .
والسلام عليكم
 
ولا زلنا يا مشايخنا الأكارم لم نستقر في المسألة على قول حاسم ينهي الخلاف ويوضح المشتبه فيه، فهلا تفضل أحد مشايخنا علينا بالإجابة على الاستفسارات التي كنت قد طرحتها من تعريفات لعلها تحل الإشكال ويحدد بها موطن النزاع
وجزاكم الله عنا خيرا
 
لن أعلق على قول الشيخ الكريم عبد الحكيم عبد الرزاق: "وتعقُب الشيخ إيهاب على صاحب الفريدة كلام مشين"؛ لأن هذا ليس موضوع نقاشنا، لكن، أشير إلى أن الشيخ إيهاب سطر الخطوط العريضة لنقده للفريدة في كتابه "أجوبة القراء الفضلاء ص103 - 122) فليرجع القارئ إليه لمعرفة رأي الشيخ ببعض التفصيل.
لاحظ معي ما يترك من القراءات لا يعودون إليه أبدا ، كقراءة الحسن البصري وابن محيصن وغيرهما ، ثم استقرّ الوضع للقراء العشر ، ولم نسمع عن اختيار نقل واستقر أمره ،وأصبحت الاتهامات تنال كل من تسوّل له نفسه ذلك .
فزمن الاختيار هو زمن القراء العشر
النفي - في نظري - يحتاج إلى دليل أقوى مما تفضلتم به شيخنا الكريم، لأننا عندما ننفي الاختيار تصادفنا نصوص تاريخية تثبته، ونجد علماء أجلاء مارسوه، ولم ينكر عليهم كبار المحققين؛ أمثال الإمام ابن الجزري وغيره، فهل هؤلاء كلهم مبطلون!
وسأورد - فيما يستقبل - نماذج لبعض من نسب إليهم الاختيار بعد زمان القراء العشرة بكثير.
 
كنا نريد مناقشة الموضوع نقطة نقطة، انطلاقا من إعلان المبادئ الذي صدرته، لكن حفاظنا على ود بعض أحبابنا هنا في الملتقى أحب إلينا من ذلك على أهميته، بل على إلحاحه.ثم إنه لم ولن يحدث نقاش، إنما، من جهة، سيدلي بآرائه الشيخ/ أبو عمر عبد الحكيم عبد الرازق فولي والشيخ/ محمد يحيى شريف آيت عبد السلام الجزائري، ومن حين لآخر يدلي الشيخ/ أبو تميم محمد أحمد الأهدل اليمني الهرجيساوي، والشيخ/ عبد الله محمد الصومالي، الشبابي ؟ مقابل مناوشات متفرقة لا تستبين منها شيئا، لا تجعلك تراجع موقفك، ولا تزعزع قناعاتك، ولا تحدث فيك شكا في صحة ما ذهبت إليه، ونقاش على نحو ما وصفته عدم وجوده خير من وجوده.
آية هذا الوصف أنه على الرغم من وضوح كلامنا لم نجد معارضا مكشوفا، واضح الموقف، صحيح المعارضة، مستعدا لنقاش الأفكار بعيدا عن الأشخاص.
نقول مجددا: لم يوجد ولن يوجد اختيار في القراءات ولا في الروايات، أما في الكلمات فوجد في بضع عشرة كلمة رفض أبو عمرو الداني بعضا منها، بسبب أنها اختيارات، على الرغم من قرءته بها على بعض شيوخه.
 
سأبدأ بهذا النص الذي شدني، وأردت أن تشاركوني رأيكم في فهمه:
قال الإمام الذهبي في معرفة القراء الكبار (1/ 308) في ترجمة محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن مقسم الإمام أبو بكر البغدادي المقرىء النحوي:
"وقال أبو طاهر بن أبي هاشم في كتاب البيان له: (وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا، فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بقيله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في منزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل مالا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه؛ إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسبب رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخيير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر...)
إلى أن قال ابن أبي هاشم: (وذلك أنه قال: [لما كان لخلف بن هشام وأبي عبيد وابن سعدان أن يختاروا، وكان ذلك لهم مباحا غير منكر، كان لمن بعدهم مباحا].
فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه وسلك طريقهم لكان ذلك سائغا له ولغيره، وذلك أن خلفا ترك حروفا من حروف حمزة اختار أن يقرأها على مذهب نافع، وأما أبو عبيد وابن سعدان فلم يتجاوز واحد منهما قراءة أئمة الأمصار. وإنما كان النكير على هذا شذوذه عما عليه الأئمة الذين هم الحجة فيما جاءوا به مجتمعين ومختلفين...)

(ولد ابن مقسم سنة خمس وستين ومئتين وتوفي في ثامن ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاث مئة).

وأبو طاهر ابن أبي هاشم هو:
عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم أبو طاهر البغدادي البزاز الأستاذ الكبير الإمام النحوي العلم الثقة مؤلف كتاب البيان والفصل... مات في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وقد جاوز السبعين. (غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 475)
 
ممن نسب إليهم الاختيار ونقل عنهم:
- الإمام سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد أبو حاتم السجستاني إمام البصرة في النحو والقراءة واللغة والعروض، وكان يخرج المعمى وكان إمام جامع البصرة، وله تصانيف كثيرة، وأحسبه أول من صنف في القراءات، عرض على يعقوب الحضرمي، وهو من جلة أصحابه، ويقال: عرض على سلام الطويل وأيوب بن المتوكل، وروى الحروف عن إسماعيل بن أبي أويس والأصمعي ومحمد بن يحيى القطعي وسعيد بن أوس وعبيد بن عقيل فيما ذكر الهذلي، ولا يصح، بل عن القطعي عنه، وله اختيار في القراءة رويناه عنه ولم يخالف مشهور السبعة إلا في قوله في آل عمران: "إن الله بما تعملون محيط"...
توفي سنة خمس وخمسين ومائتين، ويقال: سنة خمسين ومائتين. (غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 320)

وفي غاية النهاية (1/ 134):
630- أحمد بن محمد أبو الحسن المؤدب شيخ، روى اختيار أبي حاتم عن أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد، قرأ عليه أبو بكر بن مهران.

وفي غاية النهاية (2/ 294) أيضا:
3590- مسبح بن حاتم، روى اختيار أبي حاتم عنه، رواه عنه أبو بكر النقاش وهو معروف بالرواية.

وفيها (2/ 148) أيضا:
3040- محمد بن سليمان بن إبراهيم بن الحسن, يعرف بابن الزردقي, مقرئ ضابط حاذق، أخذ القراءة عرضًا عن أبي حاتم السجستاني وضبط عنه اختياره، روى القراءة عنه عرضًا يوسف بن جعفر بن معروف النجار.
 
قال الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي: "وليعلم أن ليس المراعي في الأحرف السبعة المنزلة عدداً من الرجال دون آخرين ولا الأزمنة ولا الأمكنة وأنه لو اجتمع عدد لا يحصى من الأمة فاختار كل واحد منهم حروفاً بخلاف صاحبه وجرد طريقاً في القراءة على حدة في أي مكان كان وفي أوان أراد بعد الأئمة الماضين في ذلك بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف لشرط الاختيار لما كان بذلك خارجاً عن الأحرف السبعة المنزلة بل فيها متسع إلى يوم القيامة". النشر 1/43
 
ممن نسب إليهم الاختيار ونقل عنهم:
- الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد أبو عبد الله الشيباني أحد أعلام الأمة وأزهد الأئمة، ولد سنة أربع وستين ومائة، أخذ القراءة عرضًا فيما ذكره أبو القاسم الهذلي عن يحيى بن آدم وعبيد بن عقيل وإسماعيل بن جعفر وعبد الرحمن بن قلوقا، وعندي أنه إنما روى الحروف، روى القراءة عنه عرضًا ابنه عبد الله ذكر ذلك الهذلي في كامله، وذكر له في كتابه الكامل اختيارًا في القراءة إلا أنه ذكره من طريق عبد الله بن مالك عن عبد الله بن أحمد وعبد الله هذا لا نعرفه فإن يكن أحمد بن جعفر بن مالك فإنه معروف بالرواية عنه لا بالقراءة.
توفي في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة. (غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 112)

وفي غاية النهاية (1/ 43):
179- أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبو بكر القطيعي ثقة مشهور مسند، قرأ باختيار خلف على إدريس بن عبد الكريم عنه وروى اختيار أحمد بن حنبل عن عبد الله بن أحمد عنه كذا ذكره الهذلي، قرأ عليه أبو العلاء الواسطي وأبو القاسم اليزيدي وأبو الفضل الخزاعي وحدث عنه الحاكم وأبو نعيم وخلق، قال الدارقطني ثقة زاهد سمعت أنه مجاب الدعوة.
توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
 
أريد أن ألفت انتباه الشيخ آيت عمران أنّ الحلّ ليس في نقل النصوص الواردة في الباب لأنّنا تحت أمر الواقع وهو أنّ بعض الرواة كحفص وورش خالفوا أئمّتهم واختاروا لأنفسهم بعض الأوجه لم يقرؤوا بها على أئمّتهم ، وأنّ بعض المتأخّرين عنهم سلكوا نفس المسلك فاختاروا من مروياتهم بعض الأوجه التي خرجوا بها عن الرواية التي اختاروها لأنفسهم كالداني في كتابه التيسير اختار طريق ابن خاقان لورش ثمّ خالف الطريق باختياره لبعض الأوجه التي لم يقرأ بها على بن خاقان.

فهذه حقيقة يجب أن نبرزها ولا نخجل من ذلك مادام كلّه قرءان ومن الأحرف السبعة قطعاً ويقيناً

مشكلتي ليست في صنيع ورش وحفص وغيرها لأنّهم أخبروا عن تلكم الاختيارات وهذا يكفيهم من جهة الأمانة ، وهذا الإخبار هدفه التمييز بين الأوجه التي قرءوا بها على أئمّتهم من الأوجه الدخيلة على تلكم الرواية ، حتّى لا يعاملوا الرواة تلك الاختيارات بنفس معاملة ما ثبت عنهم بالرواية ، وبالتالي فالمشكلة عندي هي في المتأخرين الذين عاملوا الوجهين بنفس المعاملة ، كيف نسوّي بين الفتح والضم في {ضُعف} مع أنّ الضم لم يرد بالرواية عن حفص ، كيف نعامل الوجهين بنفس المعاملة ، إذ أحدهما ثابت بالنصّ والأداء وصحّ رواية والثاني مجرّد اختيار لكونه الأقوى قياساً. ومتى كان القياس أقوى من الأثر والأداء. قال الإمام الداني في التيسير: "وبالوجهين آخذ في روايته لأتابع عاصماً على قراءته وأوافق حفصاً على اختياره". فموافقته لحفص فيما يخالف فيه عاصماً لا أساس له ومع ذلك قبله الأئمّة إذ به قرأ الداني عن أبي الحسن بن غلبون كما يظهر في التذكرة وأضاف إليه وجه الفتح ليوافق قراءة الإمام عاصم.

السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو كيف تساهل المتقدّمون في نقل في المخالفات إن صحّ التعبير
:
الجواب : لأسباب أهمّها فيما يظهر لي :

الأول : لم يكن حرص بعض المتقدّمين على الالتزام الكليّ بالرواية بقدر ما كان حرصهم على التمييز بين الشاذ والصحيح ، وتتبّع ذلك لأنّ الضرورة والحاجة اقتضت ذلك بسبب انتشار القراءات الشاذة في ذلك الوقت ، فلم يكن همّ بعض المتقدّمين الالتزام الكلي للرواية ما دام الخلاف متواتر عن القراء والأئمة المشهورين. قال الجعبري : "وحاصل هذا أنّ كلّ قراءة رويت عن المعنيين قُطع بكونها من الأحرف السبعة من غير نظر ، وما رُوي عن غيرهم نظر فيه فإن وُجدت فيه الشروط الثلاثة التي قررناها التحق بها وصار حكمه حكمها ، وما لم يجتمع فيه انحاز إلى حيّز الشاذ"(كنز المعاني الطبعة المغربية (2/103).

الثاني : اتّباعهم لصنيع الرواة في مخالفة أئمّتهم في بعض الكلمات كورش وحفص وغيرهما ، فبدل أن يقتصروا على ما صحّ بالرواية عن الأئمّة العشرة أتّبعوا اختيار هؤلاء وسلكوا مسلكهم.

الثالث : حرص المتقدّمين على تأليف كتاب يتضمّن أصحّ الأوجه من جهة الرواية والقياس ممّا يدفعهم في بعض الأحيان إلى الخروج عن الطريق لتحقيق هذا الهدف. فالداني اختار لورش في كتابه التيسير طريق ابن خاقان لأنّه من الطرق المصرية عن أبي يعقوب الأزرق ولا شك أنّ طريق المصريين في هذه الرواية أقوى من طريق الشاميين والعراقيين ، لكنّه اختار بعض الأوجه في كتابه التيسير التي لم يقرأ بها على ابن خاقان وقرأ بها على غيره. فحرصه على أن يكون كتاب التيسير محتوياً على الأسانيد العالية والأوجه القويّة من جهة القياس في آن واحد قد يدفعه إلى التركيب بين الطرق لأنّ الغاية لن تتحقّق إذا التزم بطريق واحدة.

لكن هل هذه الأسباب تخوّل للداني إدخال في رواية بن خاقان ما ليس منها ونحن نروي جميع تلك الأوجه عن الإمام الشاطبي عن الداني عن ابن خاقان وهي ليست من رواية بن خاقان.
أنحتاج إلى نصوص لنثبت صحّة هذا المنهج أم أنّ الأمر جليّ لا يحتاج إلى ذلك ، أنا لا أخجل لو قلتُ أنّ الداني وَهِم في ذلك لأنّه أدخل في رواية بن خاقان ما ليس منها ، قلتُ وأكرّر "أدخل في الرواية ما ليس منها " ولم أقل : أدخل في القرءان ما ليس منه" ، لا أخجل لأنّ بن الجزري نبّه على ذلك وكذا نبّه القيجاطي والمالقي كما هو واضح في أقوالهم المنقولة من قبل.
ولا أخجل لو قلت أنّ الأئمّة تساهلوا في قبولهم اختيارات ورش وحفص وغيرهم لأنّهم أسندوا القراءة إلى الأئمّة بتلك الاختيارات وهذا لا يليق على سبيل الرواية. فالذين قبلوها مع التنبيه على تلك الاختيارات فقد أدّوا ما عليهم أمّا الذين نقلوها ورووها من غير إشارة إلى تلكم اختيارات أرى أنّه تساهل منهم. قال الإمام الجعبري في شرحه على الشاطبية (ص 101)عند ذكره للقراءات والروايات والطرق:
"قاعدة: كل وجه ذكره عن راو من الرواة المتقدمين، أو طريق لها ينبغي أن يكون من الأوجه التي نقلها عن إمامه الذي عزاه إليه، لا التي رواها عن غيره، كإتمام اليزيدي باب: (بارئكم)، وضمه: (يوماً ترجعون)، ونصب: (معذرة)، وككسر شبعة باب: (يحسب)، ومده: (فارقوا)، وعلم من هذا خلل قوله: (وفي الروم صف عن خلف فصل) كما نبين" اهـ

لذلك أقول للشيخ آيت عمران لو اتّبعنا ظواهر النصوص من غير تفقّه لخرجنا عن الجادة ولفتحنا الباب على مصرعيه ، كأن يقول القائل : بما أنّ ورشاً وحفصاً وغيرهما وكذا المتأخرين عنهم كالإمام الداني صنعوا ذلك جاز لنا أن نفعل ذلك فنختار من القراءات العشر الأوجه التي نراها الأصحّ ندخلها في رواية تسمي باسم كل من يختار ولو بلغوا الآلاف ، مع أنّ الداني كان لا يختار وجهاً خارجاً عن مروياته من نفس الرواية ، فلم يكن يختار وجهاً في رواية حفص فيدخله في رواية أخرى وإنّما كان يختار وجهاً من مروياته من تلك الرواية ، وها نحن نقف الآن على من أطلق الاختيار وفي عصرنا.
 
شكرا لكم يا شيخ محمد على مواصلة النقاش،
قصدي من إيراد النصوص - وقد جمعت كثيرا منها - أشياء:
- إثباب أصل الاختيار الذي نفاه بعض مشايخنا جملة وتفصيلا.
- إثبات أن الاختيار وقع بعد القراء العشرة.
- أن الاختيار المطلق التي تنفون حصوله قد وقع أيضا.
 
مولانا الشيخ محمد يحيى شريف، لا زلت أؤكد أن تعريفا علميا جادا للتحريرات والاختيارات قد يحسم الأمر...
فأنا أرى- حسب فهمي القاصر- أن جل كلامكم ينصب في دائرة تحرير الطرق لا الاختيار، حيث أن أفعال الأئمة كالداني مثلا هي من باب الاختيار لا التحرير، أما ما طرحتموه فهو في باب تحرير الطرق ونسبة رواية الأحرف لأصحابها، والبون بينهما شاسع...
وأضرب مثالا على هذا:
لو أن أحدهم اختار تقليل ورش في ذوات الياء واختار ضم ميم الجمع لابن كثير واختار كذا وكذا لغيرهما من القراء، ثم قبل أن يقرئ باختياره هذا قال قرأت بالتقليل على شيخي فلان إلى أن يصل للإمام ورش، ثم قال وقرأت بصلة ميم الجمع على شيخي فلان إلى أن يصل للإمام ابن كثير، ثم قال هذا اختياري، وأقرئ به بأسانيدي إلى الأئمة التي اخترت من قراءتهم هذا الاختيار، فهل هذا كاف لإثبات التحرير والأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أنه لم يخرج عن الأحرف التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وأعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرا على سعة صدركم مع أخوانكم
 
كتب الشيخ الدكتور أمين فلاتة رسالته للماجستير تحت عنوان:
- الاختيار عند القراء مفهومه، مراحله، وأثره في القراءات
وجعل من نتائج بحثه:
1) تحديد معنى الاختيار عند القراء بدقة من خلال تعريفه اللغوي ثم الاصطلاحي، وقد ذكرت أن التعريف الذي اخترته للاختيار هو: انتقاء القارئ الضابط، العارف باللغة، طريقة خاصة به في القراءة، منسوبة إليه، مستلة من بين ما روى عن شيوخه، لعلة ما.

فما رأيكم في هذا التعريف؟
 
فأنا أرى- حسب فهمي القاصر- أن جل كلامكم ينصب في دائرة تحرير الطرق لا الاختيار، حيث أن أفعال الأئمة كالداني مثلا هي من باب الاختيار لا التحرير، أما ما طرحتموه فهو في باب تحرير الطرق ونسبة رواية الأحرف لأصحابها، والبون بينهما شاسع...
لا إشكال لدينا اتجاه الاختيار إذا كان في إطار ما ثبت بالرواية عن الشيخ الذي إسندت إليه تلك القراءة ، لكن إن كان الاختيار خارجاً عن الرواية المنسوبة إلى الإمام فهنا يأتي النقد ، والنقد يكون بالتحرير ، والتحرير هو التثبّت من ثبوت الأداء عن الشيخ الذي أسندت إليه الرواية أو الطريق أو المصدر.
فالداني اختار طريقاً واختاره له بعض الأوجه. كيف يمكننا معرفة صحّة الاختيار من جهة الرواية من غير تحرير.
ومطلق الاختيار ينصدم تماماً مع قواعد التحرير.
ما ذكره العلامة إيهاب من الاختيار المطلق يتنافى تماماً و أصول التحرير
الاختيار الذي لا يراعي ثبوت الرواية عن الشيوخ هو عين الإشكال وإلاّ فلماذا فتح النقاش أصلاً.
لذلك أرى وجود علاقة متينة بين التحرير والاختيار
فبالتحرير يمكن التثبّت من صحة الاختيار في الرواية.
فاختيار الداني لطريق بن خاقان هي مسألة متعلّقة بالاختيار والتحرير
واختياره للأوجه مع إسناد الرواية إلى بن خاقان مالأوجه تعلّق بالاختيار والتحرير أيضاً
والعلم عند الله تعالى
 
فضيلة الشيخ/محمد يحيى الشريف, هل الذي يقول بالاختيار ينسب هذا الاختيار إلى إمام بعينه؟ أم ينسبه إلى نفسه؟
فإن نسبه إلى الأئمة بهذه الصفة فهذا كذب في الرواية, وطبعا تتفق معي في ذلك.
أما إذا اختار لنفسه فقرأ بتقليل ورش وإدغام أبي عمرو وإمالة الكسائي وقال هذا اختياري أنا جمعته من القراءات العشر ولا أنسبه لأحد بل أنسبه لنفسي, فهل هذا لا يجوز؟
فإن قلت لا يجوز, فماذا نفعل بالنصوص الواردة عن العلماء بجواز ذلك, ومنهم نص الإمام الرازي الذي نقلته, وكذلك نص الجعبري ونص ابن الجزري وكذلك ما نقله الشيخ/محمد ايت عمران من فعل الأئمة ذلك.
وإن قلت يجوز, يبقى إشكال أيضا, هل يجوز له أن يسند ما اختاره لنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف هي الصيغة؟ أم يكتفي أن يقرأ بما اختاره دون أن يشهره ويجيز به الناس؟
 
مولانا الشيخ محمد يحيى شريف جزاك الله خيرا على ردكم ونفع بكم، لكن فضيلتكم لم تجبني عن سؤالي تحديدا وخاصة أنه فيه التحرير وفيه نسبة القراءة إلى الإمام الذي صحت عنه الرواية وبالإسناد المتصل إليه ثم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع بيان أصول الاختيار وإسنادها إلى الأئمة، لذلك ضربت مثالا عمليا بأن يختار أحد الشيوخ المتقنين العالمين مثلا التقليل لورش وينسبه له بالإسناد المتصل لورش رضي الله عنه، ثم صلة ميم الجمع وينسبها بالإسناد المتصل أيضا، ويحرر اختياره ذلك باسم الطريق الذي اختار منه الأصل أيضا، ثم ينسب اختيار القراءة ككل في النهاية لنفسه مع تفصيل أصولها وفرشها، فما المانع من ذلك علميا؟
خاصة أن نصوص الأئمة التي نقلها أخونا الشيخ آيت عمران والشيخ عمرو الديب تثبت الجواز، وعدم وجود الفعل من بعض الأئمة المتأخرين عن العشرة لا ينفي ثبوت صحته...
وجزاكم الله خيرا
 
فضيلة الشيخ/محمد يحيى الشريف, هل الذي يقول بالاختيار ينسب هذا الاختيار إلى إمام بعينه؟ أم ينسبه إلى نفسه؟
فإن نسبه إلى الأئمة بهذه الصفة فهذا كذب في الرواية, وطبعا تتفق معي في ذلك.
أما إذا اختار لنفسه فقرأ بتقليل ورش وإدغام أبي عمرو وإمالة الكسائي وقال هذا اختياري أنا جمعته من القراءات العشر ولا أنسبه لأحد بل أنسبه لنفسي, فهل هذا لا يجوز؟
فإن قلت لا يجوز, فماذا نفعل بالنصوص الواردة عن العلماء بجواز ذلك, ومنهم نص الإمام الرازي الذي نقلته, وكذلك نص الجعبري ونص ابن الجزري وكذلك ما نقله الشيخ/محمد ايت عمران من فعل الأئمة ذلك.
وإن قلت يجوز, يبقى إشكال أيضا, هل يجوز له أن يسند ما اختاره لنفسه إلى رسول الله وكيف هي الصيغة؟ أم يكتفي أن يقرأ بما اختاره دون أن يشهره ويجيز به الناس؟
وكأنّي كنت أحفر في الماء وللأسف
عندما تسمي رواية حفص ماذا تقول : رواية حفص عن عاصم ، هذا ما نجده في المصاحف المطبوعة والمرتّلة. أليس كذلك.
لوقلتَ هي رواية حفص وتوقّفت لكان الوجه صحيحاً عن حفص لكنّه لا يصحّ عنه عن عاصم. ونحن نقرأ برواية حفص عن عاصم ، وإسنادنا في هذه الرواية هي عن حفص عن عاصم. وليس عن حفص عن مجهول. فهذا الاختيار موقوف على حفص لا يجوز أن يتعدّي إلى عاصم من جهة الرواية.
أما إذا اختار لنفسه فقرأ بتقليل ورش وإدغام أبي عمرو وإمالة الكسائي وقال هذا اختياري أنا جمعته من القراءات العشر ولا أنسبه لأحد بل أنسبه لنفسي, فهل هذا لا يجوز؟
نعم يجوز على سبيل مجرد التلاوة ولا يجوز على سبيل الرواية لأنّك ستسند الرواية إلى من ؟ وهذا ما يؤكد العلاقة الوثيقة بين الاختيار والتحرير.
لا أعتقد أنكم قرأتم جيّداً ما كتبته.
 
يا شيخ محمد قد قرأنا جيدا ما كتبت، ونهتم بما تكتب وندقق فيه النظر، لكن ثمة فجوة بين كلام فضيلتكم وبين ما نقصده، ولم تمتلئ هذه الفجوة بعد لذلك نعاود السؤال عسى الله أن يفتح عليكم بما يزيل الإشكال، وما نبغي إلا الحق...

وكلام فضيلتكم الأخير قد زاد الإشكال -عندي- حيث أنكم ذكرتم أنه يجوز على سبيل التلاوة لا الرواية، وقد كنت طرحت لحضرتكم مثالا فيه إسناد الرواية والأصول لأصحابها إلى أن تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع الجهر بأن هذه الرواية إنما هي اختيار من بين قراءات صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونسبة الاختيار لصاحب الاختيار مع نسبة الأصول والأحرف إلى أصحابها إلى أن تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما الإشكال في ذلك -علميا- سواء على سبيل الرواية أو الاختيار؟

وأضرب مثالا آخر لعله يوضح ما أقول:
نص الإمام نافع على خمسة من مشايخه يسند عنهم قراءته، علما بأنه عرض القرآن على غيرهم، فهل كل ما روي في قراءة الإمام نافع، قرأ به على الخمسة كلهم، أما أنه اختار ما أسنده عنه ورش عن بعضهم، وما أسنده قالون عنه عن بعضهم أيضا، ثم أسند جميع قراءته للخمسة إجمالا، ولم يفصله حرفا حرفا ولا أصلا أصلا؟!!!
أرجو أن يكون مقصدي من السؤال واضح، وأشكر لك مرة أخرى سعة صدركم وصبركم عليّ، وجزاكم الله خيرا
 
لقد قلت أنّكم ما قرأتم جيّداً ما كتبته.
لقد قلت أنّ الاختيار توقف عند القراء العشرة لأنّ قراءتهم لا تتوقف على راو وذكرتُ أنّ قراءة نافع تُتسبُ إليه فله مطلق الاختيار لأنّه إمام المدينة قرأ على سبعين من التابعين وقال مالك : قراءة نافع سنة ، وتصدر للإقراء في دار الهجرة مع كثرة قرائها وعلمائها الذين تلقّوا قراءته بالقبول المطلق من نكير منهم ، وهو من القرون المشهود لها بالخيرية ، فبالله عليك أيحتاج نافع إلى إسناد روايته للتثبت من صحّتها.
خلافاً لورش فالقراءة لا تنسب إليه بل تنسب إلى نافع وهو ملزم بما تلقاه عن نافع فليس له الاختيار المطلق فيما يرويه عن نافع وإنما جاز أن يختار لنفسه من غير أن يُسنَد اختيارُه إلى نافع.
فمن جهة الرواية ليس له مطلق الاختيار.
وأما على سبيل مجرد التلاوة له أن يختار لنفسه إلاّ أنّ المشكلة هي في إسناد اختياراته إلى نافع فنحن نقرأ بفتح الياء في {محيايَ} والتقليل في {ولو أراكهم} في ضمن ما نرويه عن ورش عن نافع وهذا خطأ على سبيل الرواية لأنّ ورشاً لم يقرأ بذلك على نافع.
انتبه يا شيخ علي
المشكلة ليست في اختيار ورش ، وإنما في إسنادها عن ورش عن نافع ، وهذا لا يصحّ رواية عن نافع وإنّما يصح موقوفاً عن ورش ونحن نروي عن ورش عن نافع.
لأجل ذلك كان اختيار القراء العشرة مطلقاً لأنّ روايتهم ليست مقيّدة براو من الرواه خلافاً لورش فإنّه روايته مقيّدة ولا يجوز له الاختيار المطلق مع رفع الرواية إلى نافع ، وإن اختاره لنفسه فلا يجوز لنا أن نرفعه نحن إلى نافع.
 
يا مولانا لا خلاف بيننا في أنه لا يجوز نسبة رواية كاملة لإمام معين أو أحرف معينة لإمام معين وهو لم يقرئ بها كالمثال الذي ضربتموه لورش عن نافع، إنما الخلاف في مسألة اختيار أصول وفرش من روايات مختلفة ونسبة كل أصل إلى الإمام الذي قرأ به، وصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نسبة الاختيار كاملا كرواية لصاحبه، وهذا هو عين ما فعله نافع رضي الله عنه في اختياره عن مشايخه إلا أن الاختيار لم يكن متعارفا عليه بما تعارف عليه بعد ذلك الأئمة، فلم تنسب قراءة معينةإلى شيخ من شيوخ نافع، ولا شك أن شيوخ الإمام نافع كانت لكل واحد منهم قراءته التي يقرأ بها في صلاته ختمات كاملة، ولكن الإمام نافع اختار من بين ما أسنده عنهم قراءته ثم جلس للإقراء واشتهر، فاشتهر اختياره عنه، لذلك لا زلت لا أرى تعارضا بين الاختيار مع نسبة الأصول والفرش للإمام الذي صحت من طريقه، مع منعها في زماننا لأسباب غير ما قصدتموه يا مولانا، ولا أجد نصا إلى الآن فيما طرحتموه يا مولانا يمنع الاختيار مطلقا...
وأعتذر لكم مرة أخرى عن الإسهاب في نقاش المسألة، والإثقال عليكم، وجزاكم الله عنا خيرا..
 
أما إذا اختار لنفسه فقرأ بتقليل ورش وإدغام أبي عمرو وإمالة الكسائي وقال هذا اختياري أنا جمعته من القراءات العشر ولا أنسبه لأحد بل أنسبه لنفسي, فهل هذا لا يجوز؟
فإن قلت لا يجوز, فماذا نفعل بالنصوص الواردة عن العلماء بجواز ذلك, ومنهم نص الإمام الرازي الذي نقلته, وكذلك نص الجعبري ونص ابن الجزري وكذلك ما نقله الشيخ/محمد ايت عمران من فعل الأئمة ذلك.
وإن قلت يجوز, يبقى إشكال أيضا, هل يجوز له أن يسند ما اختاره لنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف هي الصيغة؟ أم يكتفي أن يقرأ بما اختاره دون أن يشهره ويجيز به الناس؟
السلام عليكم
أنا أعرف بعض النصوص في ذلك .
قل لي يا شيخنا ما الذي دفع عثمان رضي الله عنه إلى حرق المصاحف مع أنه يعلم أنه منقول بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
وسؤالي السابق : أين هى من الواقع ؟وأين هذه القراءات التي ذكرها الهذلي رحمه الله ؟ وفتح الاختيار يلغي هذه القراءات على المدى البعيد أم لا ؟
ولم لم نفعل مثل ابن مجاهد والداني وابن الجزري وأصحاب الكتب التي نقلت لنا قراءات القراء ، مع إمامتهم التامة ، فلو اختار ابن الجزري قراءة لقرأ بهذه القراءة الأمصار لما له مكانة علمية .
فالقضية في خطورة فتح الباب ، فليس كل هو جاز جائز في أي وقت ،وهو ما دفع الفقهاء إلى عدم الأخذ بحديث الجمع بين الصلوات من غير سفر ولا تعب ،وقد يترتب على ذلك هجر الصلوات في المساجد ،وهذا له أصل من الدين كما في حديث إذن يتكلوا ، وهنا ستتشتت القراءات وستعدد ، وسيكثر إنكار الناس على هذه القراءات المختارة جميعا . وسيحدث مثلما حدث في أذربيجان مع حذيفة رضي الله عنه وسنحتاج في النهاية إلى الاقتصار على القراءات العشر ..لكن بعد كم من الأعوام فالله أعلم
والسلام عليكم
 
شيخي الفاضل/ عبدالحكيم, أن تريد أن تلغي الاختيار لأجل ما ذكرته:
فالقضية في خطورة فتح الباب ، فليس كل هو جاز جائز في أي وقت
وهذا قد يكون معك حق فيه, بارك الله فيك, الغيرة تقضي أن نقول ما ذكرت, لكن لابد أن ننص على أن الاختيار جائز في الأصل, وقد فعله القراء العشرة, وأجازه من بعدهم لكننا لا نختار لأجل ما ذكرته وكذلك ما ذكره ابن مجاهد, وعليه فليس الخلاف معكم ومع الشيخ محمد يحيى الشريف الخلاف مع من ينكر الاختيار من الأصل.
ولكن بقي أمر شيخي وسيدي/عبدالحكيم, هل يجوز للقارئ بينه وبين نفسه أن يختار ما يشاء ليقرأ به فيقرأ بصلة الميم والادغام الكبير...؟
 
ولكن بقي أمر شيخي وسيدي/عبدالحكيم, هل يجوز للقارئ بينه وبين نفسه أن يختار ما يشاء ليقرأ به فيقرأ بصلة الميم والادغام الكبير...؟
السلام عليكم
وكأنّي كنت أحفر في الماء وللأسف
حكمة من حكم الجزائريين ..كلمة جميلة شعرت بها الآن .
شيخنا الحبيب عمرو الديب .
قرأ شيخنا الجوهري رحمه الله في الصلاة (الصراط ) بالإشمام لخلف ، فقام المصلون عليه وكادت تحدث فتنة ، ثم جاء دور التفتيش على المسجد ، وكان المفتش وقتها الشيخ عامر عثمان رحمه الله، وسأله الناس : هل هذه قراءة موجودة ؟
فاجاب : لا ليست قراءة .
وكاد الشيخ الجوهري رحمه الله يجن ، ويضع له بيتي الشاطبية والطيبة ولا فائدة .
وعندما انصرف عن الناس قال له : لاتقرأ بمثل هذه القراءة أمام الناس حتى لا يحدث ما حدث .
والشاهد من قولي : إنكاره لقراءة صحيحة بسبب الفتنة الواقعة للناس ، وفضيلتكم تريدونني أن أتفوه بجواز الاختيار مع ما عرضته لك من المفاسد ؟؟
والسلام عليكم
 
عموما شيخنا: عبدالحكيم, ثبت بالدليل القاطع الذي لا يستطيع أحد رده البتة: أن القراء العشرة اختاروا قراءتهم, وأن العلماء نصوا على جواز الاختيار إلى يوم القيامة, وعلى جواز خلط القراءات ببعضها ببعض في مقام القراءة وليس في مقام الرواية, وعليه فنثبت ما أثبته العلماء نصا, لأننا لم نجد نصا واحدا يخالف أقوالهم, سواء من السلف أو الخلف, مع علمهم بما ذكرته من الفتنة التي قد تحصل من الاختيار, ومع ذلك لم يمنعوه, بل ستبقى رخصة النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة بأي حرف إلى أن تقوم الساعة, قال الرازي: "بل فيها متسع إلى يوم القيامة".
 
عودة
أعلى